عرض مشاركة واحدة
قديم 15-04-14, 08:37 PM   #3

قصص من وحي الاعضاء

اشراف القسم

 
الصورة الرمزية قصص من وحي الاعضاء

? العضوٌ??? » 168130
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,558
?  نُقآطِيْ » قصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond repute
افتراضي



القصة الثانية من وحي الصورة الأولى


بدر الدجى


تحت شلالات المطر التى اغرقت الطريق ، تسير بملابس أقل ماتوصف به أنها مهترئة ... مُغطية رأسها بوشاح اخضر اللون تدلى حيث غطى ذراعيها النحيفتين ..
جعلت كلاً من ذراعيها ممدةً بمحذاه كتفيها ، بإمالة بسيطة ، مغمضة العينين ، رافعة رأسها الى السماء ساحبة أكبر قدر مِن الأكسجين إلى رئتيها ..... بدأت تدور حول نفسها ببطئٍ تدريجياً إلى أن أصبحت سرعة دورانها عالية ..
أثناء دورانها حول نفسها بدأت مشاهد أسوء يوم مر فى حياتها ، تمر أمامها سريعا وكأنها شريط تسجيلى صنعه احدهم بابداع
************************************************** ********
تذكرت ذلك اليوم ..
كانت تعدو في الشوراع الكبرى وهى خالية الروح لا تدرى أين تذهب ، لا تعلم أين مرساها .... كانت تعدو وتعدو غارقة فى نوبة من البكاء الشديدِ ..
توقفت قليلاَ تلتقط أنفاسها ثم إستكملت العدو مرة اخرى ..
تريد انهاك قواها .... تريد تفريغ تلك الشحنات الهائلة التى تتملكها
لَم تعد تحتمل أكثر ... ما عاد هناك أمل !!!!!
بعد أن رفضها العالم أجمع ...... لأنها بنظرههم ليست أكثر مِن ابنة ضالة غير معترف بنسبها
ماذنبها هى ؟! أطلبت ذلك .... أتمنت هى ذلك ؟!!
ماذنبها إن كان والدها و والدتها سيئوا السمعة ؟
أمن حق الإنسان إختيار أهله ... أقاربه ؟؟؟
بالطبع لا .... إذاً لِمَ يرفضها الجميع ..؟
حاولت مراراً وتكراراً أن تصبح تلك الإنسانة التى يفخر بها المجتمع لكن هيهات ...!
كانت دائما تُقابل بالرفض ..
إلى ان أتت اللحظة التى طردها فيها صاحب المسكن الذى تقطنه لأنها تجلب له السمعة السيئة لبنايته المتهدمة ، التى تكاد تسقط بسكانها!!
على الرغم من عِلمه الجيد بأخلاقها !! بالتأكيد ورثت عادات سيئة من أهلها عن تلك طريق تلك التى تسمى بالجينات
حتماً حدث هذا ....
لكنها على خُلق ..! و الجميع يعرف .. لكن لا أحد يهتم ..!
وبعد أن توفى (عم سعيد ) صاحب محل الحلوى ، الذى كانت دائما تسعد برؤية وجهه السمح فقد كان يغدقها بحنانه عوضا عن والداها ..... وهو من تولى رعايتها منذ صغرها بعد أن القاها أحد ابويها أمام محل الحلوى الخاص به ، كأنهم يعلمون حقاً أنه أهل للثقة ..
والديها سيئان حتما !! لكن مجرد وجودها فى تلك الحارة وبين يديّ عم سعيد بالأخص دليل على حنو قلبهما !!
على الرغم من رميها فى حارة مجهولة بالنسبة لهما إلّا انهما أحسنا الإختيار ، ربما للمرة الأولى بحياتهما ... لا تعلم هل كانا مُدرِكين ذلك فعلاً ، أم أنها مجرد صدفة !
لا تدرى لكنها برغم مِن ذلك مُمتنة لهما فعم سعيد احن رجل فى الوجود
فبعد وفاته أصبحت مصدر ازعاج لتلك الحارة التى تربت فيها وعاشت عمرها بينهم
مترعرعة وسط ابنائهم
و على الرغم مِن ذلك كانت دائما تشعر أنها فريدة من نوعها .... أنها مختلفة عنهم جميعاً
فالكل كانوا يتمنوا تلك الاحلام .. بأن يصبح ابنهم طبيب وتلك الفتاه مهندسة والأخرى معلمة
أما هى فلا ...
كانت تحلم دوماً بذلك اليوم الذى تمس فيه يدها تلك الآلة الموسيقية الرائعة التى تدعى " القانون " ..
أن تعزف على أوتارها فتُسمِع العالم أجمع براكين الحزن المشتعلة داخلها ..
أن تذرف شلالات ِمن الدموع التى تسقط كاللؤلؤِ المكنونِ على تلك الآلة ..
حقا لقد سلبت لبُها ..!
تتمنى لو فقط تمسها ... تمنت لو طلبت مِن عم سعيد أن يجلبها لها فهو بالطبع لَم يكن ليرفض طلبها لكن أمواله التى سيهدرها لأجلها .. من حق اولاده فقط.
ظلت تحلم بها فقط طويلاً وتعزف فى أحلامها ..
وكان نتيجة ذلك العشق المجنون أن طُردت مِن مأواها ..
بعد أن أخذت ذلك البيانو الحقير (كما ترى ) من طفل الحارة المدلل ..
ليعتقدوا جميعا بأنها لصة وأن الطبع يغلب التطبع ..
ولابد ان تشبه أبويها ..
لا يعلمون أنهم بذلك يجرحون مشاعرها .. و يدمرون إنسانيتها و أيّ إحترام تكنه لعادات ذلك المجتمع البالية ..
***************************************
خرجت مِن هناك وبيدها تلك الحقيبة الصغيرة ، التى تحمل بها بعض القطع المهترئة مِن ثيابها .. لا تدرى إلى أيّ أرض ستستقر ..
تعدو فى الشوارع ..... قطعت عدة اميال .. بعدها شعرت بالتعب يُنهكها .. فجلست على أحد الأرائك الموزعة بعشوائية فى الطريق بغرض إستراحة المارة خاصةً مِن كبار السن ..
ألقت حقيبتها جانباً بعد أن جلست بإهمال على الأريكة ممدة قدميها لتستريح على الأرض قليلاً فأمامها طريق مُظلم لا تعلم نهايته ..
أصبحت تتفحص المارة مِن شابٍ قد ضاق ذرعاً من تلك الهموم التى يحملها .... وشيخ كبير تُزين وجهه لحية بيضاء يمسك بين اصابعه مسبحة يذكر بها إسم الله ...... وامرأة يصل خمارها إلى ركبتيها تحمل بيديها أكياس ثقيلة الوزن وإزاد ذلك الحِمل بإنشغالها بأعباء ابنائها ، لا تعلم ماذا ستفعل لمستقبلهم ، لا تدرى انه بيد الله عز وجل ..... وكثيرا من ذلك .
فهذا حال جميع البشر كلٍ له حكايته الخاصة التى يرويها بنفسه ، فمنهم من لا يقبل حتى أن يهمس أحد بإسمه لإعتقاده أنه يحمل من الهموم مايكفى ..... ومنهم من أعطى تلك الهموم ظهره لا يعبأ بها ..
والجميع فى النهاية يحسد الاخر على نعمة الله عليه ، لا يعلم أنه يحمل من الهموم اكثر مما يتخيل عقله !
هذه هى الحياة !
نهضت من جلستها تلك واضعة حقيبتها على كتفيها
تسير بين الناس شاردة تماما فتتخبط فى هذا وذاك ..
إلى أن وصلت لطريق مُرتص على جانبيه العديد من المبانى العتيقة المليئة بالاشجار المتداخلة بينها مزينة لها ..
ذلك الطريق الذى يختلف عن غيره من حيث كمية الاشخاص .. حيث كان مكتظاً بالعديد منهم ..
ظلت تسير جوارهم متفحصة وجوههم علها تجد ضالتها ..
مرتدية بنطال باللون الاخضر الفاتح يعلوه كنزة قطنية ذات اكمام قصيرة بالكاد تصل الى كتفيها باللون الأسود ..... مرتدية حذاء رياضى _ اتضح من مظهره انه لم يُنظف منذ زمن _ باللون الزهرى المتداخل معه الأبيض فى الجزء الأمامى بالإضافة إلى الأربطة التى تلونت بذلك اللون أيضاً ..
ممسكة بين أصابعها سيجارة تسحب دخانها إلى رئتيها لتخرجه من انفها المُزين بقرط عند احد طرفيه بغرور غير ابه لأيّ مِن الترهات التى تدعى عادات وتقاليد ..
مزينة يديها بالعديد من الأساور البلاستيكية المختلفة الألوان مع بضعة خواتم فى أصابعها ..

أثناء سيرها وجدت شابً فى أواخر العقد الثالث مِن عمره ، ببشرة مخملية ، مشعث الشعر يبدو انه لم يمرر المشط مِن خلاله أبداً جالساً على الأرض بذلك القميص القطني أبيض اللون وذلك السروال القصير الواصل إلى ركبتيه بلونه الرمادى واضعاً أمامه إحدى الالات الموسيقية_ تحديدا آلتها المفضلة _ معشوقتها الأبدية وقد اتضح ذلك جليا من نظرتها إليها ..
ممسكا بكلٍ من يديه عصا رفيعة يمررها خلالها فيحدث النغمة التى تلين اكثر القلوب تحجرا
تسمرت مكانها لا تدرى ماهذا الحظ .... حظها الذى تعتبره دوماً سيئا ...
شعرت أن العالم مِن حولها توقف .... أن الناس يسيرون بسرعة عالية حتى بدوا لها اشباحاً !
بضع ثوانٍ مرت .. لكن هل كانت حقاً ثواني .. قد تكون ساعات مرت و هى متسمرة بمكانها إلى أن إستعادت وعيها ... ألقت حقيبتها مِن يدها بإهمال على الأرض جالسة هى الاخرى ضامة ركبتيها بيدها الى صدرها وقد غطاها ذلك الوشاح بالكامل عدا قدميها ووجهها النحيف الذى يُعبر عنها وعن الحزن الكائن داخلها وجزء من يديها الممسكة بركبتيها وجزء من شعرها الاسود الذى يتنافى مع لون بشرتها البيضاء ..

أصبحت تتأمل الآلة كثيراً .... كم تمنت أن تمسها ... ففى تلك الحارة لم يكن هناك أيّ نوعٍ من أنواع الرفاهية خاصة لها هى ..
ظلت تستمتع بالمنظر أمامها ، هذهِ الآلة وتلك النغمات التى مست أعماقها ..
تنفخ فى سيجارتها مِن حينٍ لأخر ..
ياله من حظ !!! .... ليست نادمة ابداً لترك تلك الحارة لو لم تفعل لما استطاعت رؤيتها
أصبحت نظراتها لا تُعبِر إلا عن شئ واحد .... الحرمان
شعور يحمل الكثير مِن معانى الألم ...... حلمت بالكثير فى حياتها لكنها التزمت الصمت
لاحظ ذلك الشاب شرودها ووجد فى عينها نظرة حرمان إعتاد عليها وأصبح يميزها بسهولة فى عيون البشر ..
أوقف العزف ناظراً إليها ..
مد يده تجاهها معطيا إياها الالة كى تحقق حلمها ..
فذلك بالنسبة لأناس أخرين لا يدخل ضمن قائمة الأحلام إنه فقط شئ ترفيهي ليس إلا
ظلت تنظر اليه كثيراً و دون تردد لبت دعوته وأخذتها منه ..
اعتدلت فى جلستها واضعة الآلة فى حجرها ..
وبيد مرتعشة أمسكت العصاه ..
تلك لم تكن المرة الاولى التى تعزف فيها ..... عزفت قبل ذلك على الالات المدرسية البالية والتى كان يمنع مدير المدرسة منعا باتا ان يمسها أيّ طفل والا سيعاقب !
لكنها لَم تُبالِ بالعقاب .. تحملته راضية .. لمجرد تنعمها بتلك الرفاهية ..
هكذا نحن نقتل البراءة فى الأطفال ونجعل أحلامهم حطاماً ..

بدأت فى العزف ... أخطأت مرتان لكن فى الثالثة وصلت إلى النغمة التى تريد عزفها
انسجمت فى الآلة نست العالم ونست الشاب صاحب معشوقتها !!!
أغمضت عينيها ...... عزفت من وحي خيالها بدأ قلبها فى الترويض ..
بدأت اوجاعها تخرج شيئا فشيئا ..
فخرجت الانغام معذبة للوتر من قسوتها ..
حتى ان بعض المارة فى الطريق توقفوا مستمتعين لما تعزف ..
نسجت صورة لوالدها ووالدتها بمخيلتها فهى لم ترهم قط ولا تعلم عنهم اى معلومة غير أنهم كانوا سيئوا السمعة كما أخبروها ..!
ماأقصاها مِن حقيقة !!
غرقت فى بحور أحلامها مغمضة العينين غير آبه لذلك السيجار الذى القته بجانبها وهى تحت تأثير مخدر تلك الالة والمعزوفة التى خططتها مِن مخيلتها ..
شعرت بيدٍ تحملها بقوة رافعة اياها من الارض قليلا فشعرت أنها تطير حقا ... أيحدث ذلك فى الأحلام !
فتحت عينها فوجدت نفسها فى أحضان ذلك الشاب وتلك اليد كانت يده
اشتعلت عينيها غضباً وكادت أن تخرج من محجريهما لشدة اتساعهما..
اسقطت نفسها من بين يديه بقوة بعد ان صفعته على وجهه ملقية آلته ارضا
همت لتوبيخه ..... فماذا يظن نفسه فاعلا ؟!
لمجرد انه اعطاها الالة يحق له احتضانها ..!
تنبهت لرائحة دخان حولها .....نظرت ورائها لتجد ان السيجار قد احرق جزء من وشاحها الذى سقط نتيجة رفع ذلك الشاب لها وساعد على اشتعاله اكثر اعواد الاثقاب الملقاة ارضا ...... اى انه كان يحميها من النار !!!
وهى ردت المعروف بان حطمت آلته وصفعته أمام حشد من الناس حولهما
تمنت لو ان الأرض تنشق وتبتلعها
لكن متى تمنت شئ وحدث
لم تعلم كيف تتصرف هى لم تملك حتى ثمن تلك الالة
فركت عنقها بيدها ناظرةً إلى اسفل اعتلت ملامحها امارات الخجل ..... أتقول اسفة لكن ماذا تصنع تلك الكلمة ....... بعد ان اعطاها امل فى الحياة من جديد وبعد انا اصبحت حياتها منيرة مرة اخرى ...او بالاحرى للمرة الاولى .... بعد انا اصبح هو قمرها المكتمل على هيئة البدر وسط الظلام بعتمته وسكونه ...
ماذا اعطته هى كمكافأة .....
ظلت تفكر لبضع دقائق وهى متسمرة مكانها لم يتحرك لها ساكناً ..... بعدها راحت تتفحص بعينيها مكان الالة الملقية ارضا علها تجد ماتستطيع فعله
وجدتها ملقاة فوق حقيبتها ..... حقيبتها المهترئة التى لم تستطع حمل اكثر من قطعتين من الملابس انقذت تلك الالة الضخمة وقد ساعد على حمايتها الصندوق الخشبى المصنوع ككقاعدة لها من خشب الجوز المعروف بصلابته ومتانته تعلم مكونات تلك الالة جيدا فهى عشقها الابدى..... اعتلت ملامحها طيف ابتسامة امل ..
نظرت حولها فلم تجد غيره بالمكان محدقا لها بعد أن تفرق الجمع الغفير من حولهم وذهب كل منهم الى مقصده ..... يحدقها بنظرة غريبة لم تعرف كنهها فعيناه بلونهما الفيروزى الداكن تحمل من الغموض مايكفى لجعل عدد لا بأس به من العلماء يتعاونون لفك لغزها!!!
ظلت تحت تأثير سحره لبضع ثوانٍ معدودة محاولة فك شيفرتها..... ثم استعادت وعيها مرة اخرى لتنزل الى الارض جالسة القرفصاء تتفحص الة القانون تلك التى اصبحت عذابها .... وجدتها سليمة لم يحدث لها أذى ..
التقطت انفاسها مجددا وقد اعتدل معدل سرعة نبضات قلبها.....
اخذت تعزف عليها متأكدة على سلامتها وخلوها من اى عيب .... بعد ان انهت تفحصها اعتدلت فى جلستها مُلتقطة بيدها الالة معطية اياها لصاحب العيون الفيروزية
تنحنحت قليلا ..
_ انا اسفة لكن لم يحدث لها اذى
لم يجيبها فتنحنحت مرة اخرى
_ لقد اختبرتها ومازلت سليمة
لم يرد عليها مرة اخرى فبدت عليها امارت الغضب لتعنته ذاك ، فقالت بشئ اقرب الى الحدة بعد ان لفت الوشاح فوق كتفها
_ لقد تأسفت بدل المرة اثنتان ... اظن انه من الادب والذوق ان تتقبل اعتذارى بصدر رحب
اسندت الالة ارضا برفق بعد انا اخذت حقيبتها مكملة حديثها
_ واظن انك لا تملك ادنى فكرة عنه كلاهما ..
همت ذاهبة كالريح العاتية تتمنى بداخلها لو انها تصفعه مرة اخرى .... امسك وشاحها من الطرف الذى تأذى بالنار فاصبح اكثر ذبولا .... تسمرت مكانها من فعلته ... استدارت الى الخلف حيث يقف هو محاولة فك تلك الشيفرة ..
وجدته يشير اليها بيديه بحركات لم تفهمها ... ظلت تفكر ماذا يريد الى ان ادركت انه اصم!!
يالها من حمقاء ... بالتأكيد لم يسمع حرفٍ واحد مما تفوهت به ... ياله من مسكين لكن كيف تستوعب اشارته تلك ..هى لم تتعامل مع اى شخص مثله على الاطلاق ..
لكن كيف يعزف بتلك الروعة والعزوبية وهو اصم .... سبحان رب العزة
شخص مثله لا يسمع ولا يتحدث لكن الابتسامة لا تفارق محياه أما هى فحواسها كاملة تسمع ترى تتحدث تتذوق وتشم لكن قلما ماضحكت او ابتسمت ..
حقا الانسان لا يشعر بقيمة نعم الله وفضله عليه الا عندما يرى فقدان الاخرين لها ..
الان فقد شعرت بقيمة نفسها وانها تستطيع فعل المستحيل بعد أن تعطى ظهرها لماضيها المؤلم فهى لم تخطئ بشى ..
نظرت إليه شاكرة له معروفه بها حتى ان كان ..... لا يدرى لكن كيف لا يدرى وهو مِن اعطاها دروس بالحياة فى عدة دقائق ..
بادلته الإبتسام بعد ان قررت ان لا تغيب عن محياها ابدا وان لا تترك خيبة الامل تغزوها مرة أخرى ..
داست على عقب السيجارة وكأنها تقول انها لن تهزم مرة اخرى ..
ازاحت الوشاح عنها ووضعته فى الحقيبة التى كادت ان تنفجر بدأت فى الشهيق والزفير بقوة تبدأ حياتها الجديدة .... لفح وجهها نسمات من الهواء العبق الذى داعب خصلات شعرها ....بدأت تتمرد على حياتها السابقة والتى كانت تحياها شبه ميتة ..
اماءت له شاكرة وقد ظهرت اسنانها وكأنها لؤلؤ مكنون .... بدت كطفلة فى الخامسة من عمرها ..... زينت ملامح وجهها براءة لم تكن تتمتع بها سابقاً ..
وضعت الحقيبة على كتفها الايسر لتتدلى باستقامة على جانبها الايمن ..
سارت الى حيث لا تدرى _ بعد ان خلعت تلك الاساور المقززة من يديها وتلك الخواتم من اصابعها _ لكن هذه المرة الى حياة جديدة .... الى فجر جديد لا تعرف كيف تسير على خطاه لكن ستتحدى الصعاب ...
_ حسنا فجر انها البداية .... فلتصنعى طريقك بنفسك ولتصعدى سلم النجاح خطوة خطوة
غالبا مايكون فى حياة الانسان منا شخص يدفعه الى الامام .... الى حياة جديدة ...الى أمل جديد ...
وغالبا ما يكون ذلك الشخص جاهل بما فعله ..... لكن الاهم هو اتخاذ الخطوة الاولى لبداية تلك الحياة ..

**********************************************
بعد خمسة سنوات
يامن قدم لى نبراس الامل بعد سنوات غرق فى بحور الدجى
أسيقدر لنا القدر ان نجتمع مرة اخرى
أيسمح لى ان اقدم تشكراتى
_ هيا فجر سنتأخر
تجلس امام منضدة الزينة خاصتها والتى ملأتها ادوات الزينة بالوانها المختلفة وزجاجات العطر الفخمة المستوردة من الخارج .... نظرت الى نفسها امام المرأة واضعة اللمسات الاخيرة كغيرها من النساء مظهرة انوثتها بشكل غرورى
نهضت من جلستها بعد ان اغلقت مفكرتها سريعا .... تلك التى تقضى جزء كبير من وقتها معها قاصة عليها احداث مهمة مرت بحياتها وذلك اثناء وجود زوجها فى عمله
اغلب الحكايات _ المختبئة داخل تلك المفكرة الزرقاء الصغيرة_ متعلقة بذلك الفتى الذى كان له الفضل فى تبديل حياتها .... وانارتها من تلك الظلمة التى كانت تملآها .... بعد ان فقدت الامل وقد عزمت ان تقتل نفسها لترتاح وتريح البشرية من خطأ لم ترتكبه !!!
وقفت امام المرأة الموضوع باحدى زوايا الغرفة تتفحص ذاتها وتقيمها ..... مرتدية فستان من الحرير باللون الاحمر دون اكمام .... تميز ببساطته مطرز بشريط من الخرز الابيض الدقيق اسفل الصدر موضوع فى نهاية جانبه الايسر عقدة بنفس اللون على شكل فيونكة توسطتها خرزة بنفس شكل الشريط المحيط بها لكن تلك كبيرة نسبيا عنهم معطية للفستان اناقة ورقة ..... يضيق حتى الخصر ليتسع بعدها الى اخر قدمها
وحذاء باللون الاحمر زُين بفيونكة على جانبه مطرزة بالخرز الابيض يحاكى ذلك الشريط الموضوع فى الفستان.......... تركت شعرها ينسدل خلف ظهرها بحرية كشلالات من البحر الاسود
وضعت شال باللون الاحمر الشفاف فوق كتفها
اخذت حقيبتها التى تحاكى لون الفستان ايضا الموضوعة فوق السرير الضخم الذى يتوسط الغرفة باللون العاجى
نزلت درجات السلم المؤدى الى البهو حيث يقف زوجها منتظر اياها .... اعطته احدى اجمل ابتساماتها
_ لم اتأخر كثيرا ... صحيح
اقترب منها يتأمل ذلك الملاك مبادلا اياها نفس الابتسامة .... مادا اليها يده يساعدها على النزول كنوع من الاتيكيت ..... لتنزل بدورها بدلال وغنج اعتداته منذ ان تزوجته
فهو فارس احلامها منذ الصغر وقد قدر لها الزمن ان تقابله مرة اخرى لتصير زوجته وكنة ذلك الرجل الطيب الذى زرع بحب فحصد اجمل الازهار رحيقا هو عم سعيد .....
ذهبت بتفكيرها الى اربع سنوات مضت ....... كانت تقطع عدة اميال يوميا بغية الوصول لهدف ... تريد الحصول على عمل
بعد عناء شديد دام عدة شهور كانت قد استهلكت قواها لكن بفضل تلك الارادة القوية بداخلها اعطها الصبر لتكمل ما اعتزمت بدءه .... وجدت وظيفة فى احدى محلات بيع الكتب والتى لم يشترط صاحبها المظهر الحسن كغيره بعد ان اعتبرها كابنته التى لم ينجبها ..... واعطف عليها كما كان يفعل عم سعيد
حصلت على راتب جيد تستطيع بدء حياتها به ... استأجرت غرفة صغيرة تأويها
بعد اربع سنوات من العمل فى ذلك المحل الذى اصبح لها كليا بعد ان توفى المالك وفوجئت بانه قد سجله باسمها قبل وفاته بعدة اشهر
لم تتعجب كثيرا فرجل كهذا انتشلها من الضياع المحتم من الطبيعى ان يفعل هذا خاصة انه لا يملك ابناء وبالتالى لا يوجد ورثة
فى احد الايام كانت تنضف زجاج المحل من الداخل ممسكة بورقة جريدة مبتلة ..... وجدته
لم تظن يوما ان الحظ قد يحالفها هكذا معطيا اياها هدية ثمينة تمنتها كثيرا لكن وضعتها جانبا فى سرديب احلامها كغيرها
اصرت على عدم جذب انتباهه لها ...... فهى مهما فعلت لن تلقب الا ببنت العاهرة ..... ولن تسمح لاحد بان يؤذيه الى هذا الحد
لكن لحسن حظها انه كان مولعا بقراءة الكتب ..... فدخل الى المحل
حدثت نفسها انه لن يتعرف عليها فقد تبدلت لم تعد ترتدى تلك الملابس البالية ولا ذلك الوشاح الذى كانت تتميز به ..... لكن روحها لم تتغير ..... عشقها له لم يهتز له ساكنا ...
اسيتعرف عليها ؟؟؟
اخذ يزرع المحل ذهابا وايابا ضاما يديه خلف ظهره يدقق بين الكتب
بعد عدة دقائق اخذ كتابان من احدى الخزانات المخصصة لذلك
تقدم ناحيتها فاصبحت تنظر ارضا يمينا يسارا تتجنب التقاء عينيه العسليتان بعينيها
اظهرت انشغالها بترتيب الكتب امامها ..... قالت متنحنحة ملتقطة الكتابان بغية وضعهما فى حقيبة بعد انا لاحظت سكونه
_ المبلغ 50 جنيها سيدى
كأنه لم يسمعها ...... ظل ساكنا ينظر اليها وبعد بضع ثوانٍ اعطاها احد الكتب التى اختارها علت ملامح التعجب وجهها وظهرت جليا
_ ماذا .؟؟!!!!....
ناظرا الى عينيها اللتان يحفظهما عت ظهر قلب وقد شقت طيف ابتسامه شفتيه
_ اظن هذا الكتاب يخصك
نظرت الى الكتاب وراحت تقلب صفحاته وجدته كتاب يضم بعضا من اشعار نزار القبانى والتى كان يغرقها بها منذ الصغر ..... وهذا يعنى انه قد تعرف عليها ...حقا!!
اخذ صدرها يعلو ويهبط ....نبضات قلبها فى زيادة مستمرة
يالها من حمقاء كيف لا يتعرف عليها وهو من تولى رعايتها منذ صغرها هى طفلته المدلله قبل ان تكون حبيبته
تذكرت ذلك الجزء من القصيدة الذى تحفظه جيدا كاسمها بعد ان قاله وهى غارفة فى نوبة من البكاء الهستيرى
: تسألني حبيبتي
ما الفرق ما بيني وما بين السما ؟
الفرق ما بينكما
أنك إن ضحكت يا حبيبتي
أنسى السما
ابتسمت على ذكرى تلك القصيدة
اما هو فقد وجد ضالته بعد ان ظل سنوات يبحث عنها ...... بعد رحيلها ليلا من الحارة وقد طردها مجموعة من الاوغاد لم يملكوا فى قلوبهم ذرة رحمة
وقد استغلوا وفاة والده وغيابه عن الوطن فى ذلك الوقت منشغلا بدراسته
وجدها بعد ان بحث عنها فى كل مكان بالبلدة ..... بعد عذاب طال اربع سنوات !!!! .....
****************************************
خرجت من سجن افكارها ناظرة اليه بحنان لكلماته العذبة التى تحطم قلوب العذارى
_ لكِ كل الحق فى التأخر عزيزتى .... مشيرا الى الفستان
_ تلك الطلة المبهرة تستحق العناء
محدقة فى عينيه كعادتها
_ هكذا ستجعلنى اغتر واحسب انى واحدة من جميلات العالم
اشار برأسه نفيا
_ لا حبيبتى انتِ اجمل امرأة فى العالم ....
قبّل ظهر كفها بحنان
_ هيا فجرى الجميل لنبدأ تلك الامسية وتنيريها لى كعادتك


قصص من وحي الاعضاء غير متواجد حالياً