عرض مشاركة واحدة
قديم 21-05-14, 12:18 PM   #30

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي









و على المائدة جلست هي تحتسي قهوتها صامتة مطرقة ، فسألها :

— فيم تفكرين ؟

و بقيت مطرقة ، فأعاد السؤال :

— شيء ما يشغل بالك ؟

فرفعت رأسها :

— إذا قلت لا شيء، سأكون كاذبة. و من جهة أخرى ، لا أريد تعكير صفوك هذا الصباح ، فلم أرك بهذه السعادة و المرح من قبل.

فقال باسما :

— لذلك ينبغي أن تستغلي الفرصة و تطلبي ما تشائين. فأنا في حالة أريحية قد لا تتكرر.

و ابتسمت زينة و قالت :

— لا مطالب لي بالمرة. مبدئيا حياتي مكفولة، و ليس لي مسؤولية على شيء.

— فماذا يقلقك ؟

— ما قلته لي مرة من أن هذه الدار محارة تسد آليا، و لا يستطيع أحد النفاذ إليها !

— هذا صحيح ، فماذا يقلقك منه.

— هذا الحادث الذي تعرضت له خارج الدار ؛ ماذا كان سيجري لي لو قدر الله أن أصبت بسوء ؟

— لا تقلقي، يا عزيزتي بالمرة من هذه الناحية . في حالة غيابي النهائي هناك وصيتي بالبنك، و معها جميع أسرار هذه الدار، و مفاتيح أرصادها الاليكترونية.

و توقف ثم سأل :

— هل هذا كل ما يقلقك ؟

فتنهدت ، و قالت :

— ما يقلقني بطريقة أعمق هو هذا .

ووضعت يدها على بطنها و أضافت :

— هل سيولد سجينا، و يعيش سجينا ؟

— اطمئني من هذه الناحية كذلك. فقد اعطيت الموضوع تفكيرا طويلا. الوضعية التي نعيشها الآن مؤقتة و عابرة، و سوف تنتهي بمجرد انتهاء أسبابها و سأخبرك بكل شيء في حينه ، إتفقنا ؟

و قام فمد يده لها.

— تعالي نلعب مع بعض تنس الطوالة، فأنت في حاجة إلى تمارين رياضية.

و بعد بضع دقائق من اللعب المجهد، اظلمت السماء حين اطبقت الغيوم الكالحة على المدينة، و سطع البرق باهرا خاطفا، فتوقف الاثنان عن اللعب، و خافت زينة فالتجأت إلى اسماعيل الذي ضمها إليه، و وقفا يتوقعان انفجار الرعد الهائل الذي لم يلبث أن هز المبنى من تحتهما.

و انفتحت أبواب السماء بوابل من المطر الطوفاني، خشيت معه زينة أن يخترق القبة الشفافة. و لكن اسماعيل كان أكثر ثقة بسقفه منها فأخذ يحثها على النظر إلى البحر الهادر فوقهما دون أن يصيبهما ببلل.

و نظرت إلى وجهه، و هو منشغل عنها بالنظر إلى الماء الهابط، فرأت في ملامحه براءة الأطفال، و شقاوة الغلمان، و تمنت لو بقي كذلك مقطوع الصلة بماضيه و أحداثه التي شوهت نفسه.

و حين خف انصباب المطر، و لم يبق منه إلا رذاذ خفيف أحس الاثنان براحة داخلية عميقة، و تنهدت زينة بصوت مسموع، فقال اسماعيل :

— هل اشتقت إلى المطر أنت كذلك ؟

فحركت رأسها بنعم :

— في صباي كنت أقف تحته حتى يصل الماء إلى عظامي.

و رن جرس التلفون فأسرع اسماعيل يلتقط السماعة :

— السيد العميد، كيف حالك ؟ نعم. حادث اعتداء مؤكد. لابد أنها عصابة. لا. جروح خفيفة لا أدري. ربما كانوا يريدون السرقة . لا، لم أميز أحدا. كان الظلام حالكا. شكرا، مع السلامة.

— قلت لي كان حادثا ، و ليس اعتداء عصابة.

— ما الفرق ؟ النتيجة واحدة .

فسألت بخشينة و ارتياب :

— هل كان من بينهم مجاهد ؟

فارتفع صوته قليلا :

— أكيدا ، لا.

— ولكن لم تميز منهم أحدا .

— و لكني متأكد من أن مجاهد لم يكن معهم، فقد ذهب و لن يعود .

و أضاف مصححا :

— و عدني ألا يعود.

فقالت بشفتين مرتجفتين :

— هذا عمل شبيه بأعماله . مجاهد عنيف الطبع، و يرفض الهزيمة.

— قلت لك ليس هو. فاطمئني على مجاهدك.

و أحست هي بنبرة الغيرة في صوته، فأسرعت نحوه :

— لم أقصد. لم أقصد ما تظن. أرجوك ألا تفهم ذلك .

و وضعت يدها على صدره و نظرت إليه من تحت :

— أنا أخاف عليك أنت .

فنظر إلى عينيها الخائفتين من غضبه ، و قال :

— إذا كنت صادقة ، فلا تذكري لي اسمه بالمرة .

فوضعت وجهها على صدره :

— لن تسمعه مني أبدا .

و في صباح اليوم التالي ، الاثنين ، مر على مكتبة فاشترى عدة كتب و مجلات مصورة من بينها كتاب بعنوان : " الحمل و الوضع بدون ألم " ، ثم مر على بائعة أصواف واشترى بضع كبات من عدد من الألوان ، و أدوات عمل التريكو ، و خرج نحو سيارته ، و على بعد رأى زبيدة جالسة في سيارتها بمحاذاة الرصيف، و شخصا يمسك ببابها و يتكلم معها، و هي تريد اقفال الباب .

و خاف أن يكون محتالا أو ثقيلا يضايقها، فذهب إليها، و بمجرد ما رآه الشخص، رفع يده لها ابالتحية، و ساعدها على اقفال الباب و ذهب.

و ابتسمت زبيدة في وجهه ، حين سألها :

— من كان ذلك ؟ عاشق متيم يريد احتلال قلبك بالقوة ؟

— لا، ليس لي مثل ذلك الحظ ، إنه زبون. من النوع الذي يعطي القضية للمحامي، و لا يثق في كفاءته، فيطارده بالنصائح و الفتاوي .

و لاحظت الضمادة على وجهه :

— ماذا حدث لك ؟

— حادث سيارة بسيط . سأقول لك عنه حين نلتقي.

ودعها ، ومر على الخزانة العامة، فاستعار جزأ من دائرة المعارف الطبية يحتوي على قسم الحمل ، و الوضع ، و التوليد ، فأخذه ، و عاد بهداياه إلى زينة التي استقبلتها بسرور الطفلة يوم عيد ميلادها .

و بعد يومين أخبرت الصحافة بمقتل أربعة اشخاص صعقا بالكهرباء، لسقوط أحد أسلاك التيار العالي عليهم في إحدى ضواحي المدينة .

و ابتسم اسماعيل و هو يقرأ الخبر ، و تعليق الصحيفة اللاذع على إهمال عمال الكهرباء الاجرامي.

و أقفل الصحيفة مفكرا في أن محاولة اختطافه أو اغتياله هذه ، لن تكون هي الأخيرة و أن عليه أن يسبقهم بالاحتياط و الحذر .

و مرت الأيام .

و ثقلت زينة ، و أشرفت على الوضع، و سمح لها اسماعيل بالصعود وحدها إلى المطبخ لاستعمال أدوات الرياضة ، و الحركة في الهواء الطلق، و كانت تشعر في حالتها تلك القناعة و الرضى بالواقع ، فلم يلمس منها ثورة أو تمردا .

و جاءها المخاض ، فنادت إسماعيل الذي كان في مكتبه يشتغل بعد العشاء ، فأعدها للولادة ، و لبس حلة معقمة كان يحتفظ بها لهذه المناسبة.

و سارت الأمور كما تدربا عليها عدة مرات ، و من أجل طمأنتها و تهدئة أعصابها ، وضع جهاز التلفزيون بجانبه، و رقم أحد أصدقائه الأطباء جنب الجهاز ، و راح يشجعها على التنفس العميق و الدفع ثم الاسترخاء .

و في أقل من ساعتين ، رن في الغرفة صوت صبية وردية اللون، كاملة الخلقة ، فرفعها من قدميها ، كما يفعل الأطباء لتراها أمها ، و ضرب على ردفيها في ثقة بمعارفه الطبية.

و نام تلك الليلة على الأريكة في جناح زينة ، و بات يحاول تحليل مصدر الخفة التي كان يجدها في قلبه، و يتساءل هل ستكون لهذه التجربة نتائج ما على مجرى حياته .

و قضى الأسبوع كله مع زينة، يساعدها على العناية بالمولودة التي كانت تقضي أغلب وقتها نائمة.

و في اليوم السادس طلب من زينة أن تحمل الطفلة و تصعد بها إلى السطح . و من هناك قادها إلى حيث أطلت على كبش أبيض ذي وجه أسود و سألها :

— ماذا تريدين تسمية الطفلة ؟

و اغرورقت عيناها تأثرا و هي تنظر إلى الكبش الفاره ، و اقتربت حتى لامست بكتفيها كتف اسماعيل ، و قالت :

— فكرت في تسميتها بأسماء . اتعرف لماذا ؟

— لماذا ؟

— لأن " أسماء " هو نصف اسمك ، إسماعيل .

و في صباح الغد ، اشرفت في نفس المكان على الحارس و هو يذبح الكبش و إسماعيل و حليمة يساعدانه.

و خرجت زينة من تجربتها رزينة هادئة، و استرجعت قوتها على الحركة بسرعة، و كان باديا أنها وجدت الهدف من حياتها ، و أن سفينتها رست على بر الأمان .

على العكس من حالته هو ، فقد كان يشعر بأن فترات الراحة و الاسترخاء التي كان يجدها بين استنطاق و آخر أخذات تقصر ، و بأنه أصبح معتمدا في صحته النفسية و توازنه العاطفي ، على لحظات القسوة السادية التي كان يقضيها مع أسراه .

و اقلقه شعور غامض بأن اللصوص بدأوا يحسون بما كان يحدث لزملائهم داخل الدار ، رغم أن أحدا لم ينج ليحدثهم بما رأى ، فبدأوا يتجنبون الدار، و لم يعد يقع منهم في فخه إلا العابرون ، و الأفاقون و الرحل من غير أبناء الدار البيضاء ، فكان أحيانا يمر أسبوع كامل دون أن يرى الضوء الأخضر من سطح فندقه اللمفضل.

و قضى عدة ليالي يفكر في الخروج من هذا الركود. و ايقظه الحل في منتصف ليلة ، و كان عقله الباطني كان يبحث عنه حتى وجده.

الحل يكمن في تحطيم الأسطورة ، أسطورة الدار المسكونة أو الملعونة ، الدار القبر التي ما دخلها أحد و خرج منها حيا أو ميتا !

و في تلك اللحظة أشعل النور ، و مد يده إلى جهاز المراقبة الاليكتروني .

و في صباح اليوم الثاني تعمد إخراج حقيبته ، على غير عادته ، ليضعها في صندوق السيارة أمام الباب الخارجي تحت أعين جميع المارة ، ليشيع أنه مسافر .

و فعلا ذهب في رحلة تفتيش أخذته إلى أكادير ، و مراكش ، و مكناس ، و فاس ، ليشرف على سير الأعمال .

و في غرفة فندقه بمكناس ، آخر مراحل تفتيشه ، رن جرس التلفون من عميد الشرطة بالبيضاء ليخبره بحادث مؤسف وقع في منزله ، و انقبض قلبه خشية أن يكون أمر زينة انكشف أو أصابها و الطفلة مكروه .

و لكن قلبه انشرح بعد بأن أخبره العميد بأن داره تعرضت لسرقة كبيرة ، و حريق مهول .





انتهى الجزء .
دمتم في أمآن الله .











لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس