عرض مشاركة واحدة
قديم 18-06-14, 11:02 AM   #2

قصص من وحي الاعضاء

اشراف القسم

 
الصورة الرمزية قصص من وحي الاعضاء

? العضوٌ??? » 168130
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,558
?  نُقآطِيْ » قصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond repute
افتراضي

القصة الأولى من وحى الصورة الأولى

رسالة الحياة




لقد كانت قصة حزينة فريدة من نوعها . لم يرد أحد سماعها أو اهتم لها ..كنت فيها الراوية الوحيدة . و المنصتة الوحيدة. لقد مضى زمن طويل منذ أن طويت الصفحة .. و أغلقت ذاك الباب . أمسك هذه الورقة جيدًا بين يدي و صارت ذكرياتي تعود شيئًا فشيئًا للخلف.
أتذكر أني كنت و والداي ذاهبان لجدي . حيث قد قررا تركي عنده .. كانا سعيدان لأنهما يعيشان لحظات عائلية لطيفة و طبيعية . الليل كان قد أسدل علينا ظلامه .. و النجوم كانت تراقبنا من فوق .. كنتُ سعيدة أنا الأخرى فأبي الذي يظل مشغولا .. و أمي التي بالكاد أتذكر متى آخر مرة رأيتها فيها .الآن معي و يقضيان الوقت بصحبتي . حتى و لو كانا سيسلمانني لجدي قائلين أنه المكان الآمن لي . فأنا سعيدة .. و قلبي يقفز من محل لمحل. و قوة نبضاته تجعلني أشعر و كأني أحلق مع الطيور .. إني حقًا أطير من السعادة .
لكن و دون أي سابق انذار .... ظهر ضوء أبيض ساطع جدًا .قطع ذاك الجو العائلي الذي انتظرته منذ سنين .. . في ظلمات الليل السوداء .
لقد استيقظت بمكان ما .. لا أعرفه .. كان كل شيء أسود . و على رغم أني أسمع اصوات عديدة فوق رأسي . إلا أني لا أرى شيئًا .. أسمع أحدًا يناديني باسمي و يسألني الكثير من الأسئلة .. لكني لا أعرف من هو ... لقد قال شخص ثانِ أنه شرطي .. في وسط كلامهما أتذكر أني صرخت بكل قوتي أتسائل عن الذي حدث . ما الذي حدث ؟ اين عائلتي .. اين أمي ؟ أين أبي ؟ أين جدي ؟
ـ والداك ماتا ... لم ينج من ذاك الحادث غيرك .
لم ينج غيري ؟ أتمزح معي ؟ كانت ..... آخر لحظاتي معهم ؟؟ لكنهما وعداني بالكثير . وعداني بأنهما سيبقيان معي ما إن يمررا المشكلة التي وقعا فيها ، لقد قالا أنهما سيكونان هنا ، أمام عيني .... لكنهما لم ينجوا .... هل أنا الوحيدة التي بقيت حية ؟ أنا لا أريد هذا .. لا أريد أن أبقى وحيدة بهذا العالم .. و أنا أعلم انه لا يمكنني رؤيتكما حولي . أمي أبي ......... لكن ... " ماذا عن جدي ؟ "
ـ " لم يأتِ أحدُ لهنا .. حسنًا ، على كل حال . ستبقين في المستشفى لفترة طويلة حتى نجد متبرعًا لك .."
ـ " لما أحتاج متبرعًا ؟ "
ـ" ألا تشعرين بأن شيئًا ما مفقودًا ؟ يبدو أنكِ كنت عمياء قبل الحادث أيضًا .. كم أكره الأطفال المدللين الأغنياء " . كان ذاك الشرطي قاسيًا جدًا بكلامه . لو كان هنا أبي .. لقام ببهدلته على كلامه معي هكذا . لكن أبي لم يعد موجودًا بعد الآن . أنا سأواجه ما لا أحب ... لوحدي .
بذاك الأثناء سمعت تمتمة . و ساد الصمت فجأة . و عرفت أنهما قد خرجا من الغرفة و تركاني لوحدي . أنا الآن فتاة عمياء لا قريب لها . إما سأذهب لميتم ما .. أو سأرمى في الشارع . حتى كل شركات والدي .. و كل هذا المال .. لن ينفعني الآن .
كل ما كنت أفعله بتلك الأثناء هو البقاء وحيدة طوال اليوم .. التفت من حولي و أنا أعلم أنه لا أحد منهما سيظهر من العدم . كم كنت أنانية غبية . لما لم أمت معكما ؟ لما تركتماني خلفكما ؟ أنا لا أريد التنفس في هذا العالم و استنشاق هذا الهواء و أنا أعلم أنكما تحت التراب . لا اريد أن أكون أنانية ... أريد البقاء معكما .. لما حدث لي هذا من بين الجميع . لما أنا ... أفقدكما و أفقد بصري ..و قد فقدت حبي لهذه الحياة أيضًا .. و كرهت هذا العالم الذي سلبكما من بين يدي .
بدأت أتلمس حينها كل شيء من حولي .. نجحت بالوقوف .. و حاولت تتبع الأصوات التي أسمعها .. حتى وجدت نفسي فجأة عند النافذة . حينها .... حينها ...... كنتُ سأودع هذه الحياة . لكن يدًا ظهرت فجأة و سحبتني .. أسمع الكثير من التوبيخ و عرفت أنه الصوت المألوف الذي أسمعه دوما . إنه صوت الطبيب . على رغم كل ما قاله لي و كلامه عن حب الحياة و الرضا بما يحدث .. لكني لم أفهم ما كان يريد إيصاله و لم أرد استيعابه أصلاً .
و حاولت مرة أخرى فعل هذا . لكن هذه المرة .. صوت مجهول من كان قد أوقفني .. " ماذا تفعلين ؟" كانت فتاة ... لم أسمع صوتها من قبل و أنا متأكدة أني لا أعرفها . " هل أنتِ يائسة لهذه الدرجة ؟ " ، لم أجبها و حاولت تجنب خوض حديث معها .
" فقط لأنك بقيت وحيدة لا يعني أن تقومي بالانتحار . " ما الذي تعرفينه عني ؟
ـ" لقد حمياك .. سمعت الطبيب و الشرطي يتكلمان .. عندما وجدوا السيارة رأوا كم تشبث بك والداك .. محاولة منهما كي يحمياك . هما أراداك أن تعيشي و تري الحياة . فلما تحاولين لحاقهما ؟ .."
ـ "ماذا سأستفيد من حياتي .. و ماذا سأرى منها و أنا عمياء ؟ أنا لا أريد تخيل نفسي أعيش وحيدة .. أنا أكره الوحدة و لا أريد التنفس ... أنا الآن أريد أن ألحقهما و لا أعاني . حتى جدي قد تخلى عني " ساد الصمت و ادركت أن تلك الفتاة رحلت .. أم انها بقيت تتفرج علي و أنا أتعذب و تسمع كل تأوهات و صرخات قلبي .
لم أتحرك من مكاني و أردت البكاء بحرقة لكن دموعي لم تنزل . كل ما تمنيته أن أختفي . فالآن أنا وحيدة لدرجة أن لا شخص يريد الاستماع لي . و حتى أنا قررت ألا أشتكي بعد الآن ... بما أنني مجبرة على العيش في هذا العالم .. فسأعيش .. لكني سأطمر تلك الشخصية القديمة بعيدًا .. سأدفنها في أعماق هذا القلب اليائس . لا أريد أن أكون تلك الفتاة الطيبة بعد الآن .. فهذا العالم لم يكن طيبًا معي ... وداعًا ريما .
تذكرت آخر ذكرياتي مع والدي و ضحكاتهما لا تتوقف عن التردد في أذني ..و تلك الصور الجميلة تبقى تتكرر ... فهذا آخر مشهد شهدته عيني .
في أحد الأيام .. ظهر بعض الأشخاص و هم يدعون قرابتهم لي . يبكون و يتظاهرون .. لقد بقيت أركز في صوتيهما لعلي أتذكرهما .... لكنهما أزاحا عني عبء التذكر و عرفا بنفسيهما .. إنهما العم (عمود) الطويل جدًا و زوجته (علبة الماكياج) التي تتزين بشكل فوق المعقول . ما إن شعرت بخروج الطبيب .. بينما كانا هما مشغولين بالتمثيل . قررت أني لن أعاملهما بطيبة كالعادة . فلطالما أنقذهما أبي مني .. و هو يطلب مني معاملتهما جيدًا . على رغم أنهما مجرد جارين لنا .. و يحاولان التقرب منا كي يستفيدا من مكانتنا .
قمت مباشرة بطردهما .. فتفاجئا و خرجا و هما يصرخان و يثرثران عن شيء سمياه المعاملة الحسنة التي كانا يحاولان التقرب بها معي و صارا يذكران كل ما فعلاه .. يحاولان استدراج طيبتي .و أخيرًا ظهر وجههما الحقيقي .
مضت أيام طويلة جدًا و أنا أبقى لوحدي، أمضي النهار بطوله و أنا أتذكر آخر اللحظات مع والدي و سعادتي قبل ان أفقد بصري ... فجأة وجدت نفسي أسحب من يدي و أجلس على كرسي ما .. بدأ يتحرك دون سابق انذار . و كانت ضحكات عالية جدًا تلك التي أسمعها .. " تفاجئتِ ؟ " .. هذا الصوت هو للفتاة من آخر مرة .
ـ" ماذا تفعلين ؟ أرجعيني .. أنا أريد الرجوع ... " أنا متأكدة أني أسمع تهامس الناس علي .. " أرجعيني الجميع يتهامس علي . "
ـ" لا أحد يتكلم عنكِ . الجميع ينظر لذاك الفتى الذي رجله مخلوعة تمامًا ." ... فتى رجله مخلوعة .... أيوجد مثل هذه الإصابات حقًا ؟ .... " إن أردت الرجوع فاذهبي لوحدك .. و حينها الجميع سيتهامس عليك حقًا ." إنها حقًا تغضبني بكلامها .
توقفت فجأة و كان المكان هادئًا جدًا .. يبدو أن لا أحد غيرنا هنا . ألتفت محاولة التقاط أي صوت .. فسمعت خطوات أقدام مبتعدة عني ... " أيمكنك سماع كل هذه الأصوات ؟ " لكني لا أسمع أي شيء .. لا يمكنني سماع شيء .. فجأة بدا الكرسي بالتحرك .. " انظري من حولك جيدًا . إن استمعت و حاولت التركيز ستسمعين كل هذه الأصوات . هذا العالم الكبير الذي كرهته يحمل الكثير في طياته . "
ـ" أنا لا أسمع أي شيء مطلقًا . كيف يعقل أن تقولي لي مثل هذا الهراء ؟ لا أسمع شيئًا غير صوتك أو وقع خطواتك ".
ـ" هذا لأنكِ تسمعين من عقلك .. أنتِ تسمعين ما يبدو لك منطقيًا فقط . لكن كل الأصوات التي تكلمتُ عنها تسمعينها بقلبك لا بعقلك ... "
ـ" هل أنتِ مجنونة ؟ هل أنت من النوع الذي يتابع الكثير من الأفلام و المسلسلات أم ماذا ؟ "
انتهت محادثتنا بضحكاتها .... بتلك الليلة لم أستطع الراحة جيدًا بسبب الكلام الغبي الذي قالته لي . تظهر فجأة و تقول أشياء غريبة و ترحل .. كانت هذه الفتاة سببًا في عدم راحتي في البداية .. لكني بدأت أتعود عليها و هي تأتي كل يوم تقوم بأخذي للساحة في المستشفى و تتركني أرتاح هناك .. لكنها لم تفتح محادثة طويلة معي أبدًا .
لكن في إحدى المرات .. فجأة قالت :" هل تعلمت شيئًا ما ؟ ..... أنا دومًا أحضرك لهنا و انا أرجو أنك ستفهمين ما قصدته بآخر مرة .. لكن أظن أنه لا يوجد تحسن " . لكني لم أجبها .
ـ" أنا أستطيع فهم ما تشعرين به .. أنت تشعرين و كأن العالم قد خانك بعد أن صرت وحيدة ، أستطيع القول بأنك مللت من كل شيء و أنت فعلا يائسة . فلقد وصل بك الأمر للانتحار .. حسنًا .. هذا تصرف متهور و غبي . لقد برهن هذا حقًا بأنك أنانية و غبية جدًا ."
ـ" من أنتِ لتقولي عني متهورة ؟ ماذا تعلمين عني ؟ أنت لم تجرب حياتي قط . فكيف تتكلمين الآن عني بكل ثقة ؟ ليس الأمر و كأني اخترت هذه الحياة ." .... ليس الأمر و كأني اخترت أن أكون يتيمة . أنا أيضًا أريد عيش حياة جميلة و هادئة مع اسرة لطيفة .... لا تهديدات .. لا مشاكل بكل لحظة .. و لا حوادث .
ـ" ما الذي يجعلك يائسة لهذا الحد ؟ إنه ليس حزنًا .. بل هو غضب ... إنه غضب كبير قد تجمع في صدرك .. و أنتِ تفرغينه بالتقسيط بعد أن حدث ما لم تتوقعيه .. أخبريني ريما "
ـ" لا تنطق اسمي كما يحلو لك . أعيديني لغرفتي ، حالاً ". هذا الغضب الذي أفرغته باستمرار عليها .. لم يكن يومًا موجهًا لها ... بالحقيقة .. إنه موجه لي . لأني كنت دومًا أشعر بالذنب لما حدث . لو لم يكونا ذاهبان هناك كي يضعاني عندي جدي ، لو لم أكن موجودة أصلا .. لما حدث كل هذا .. و لو كانا الآن يعملان و مشغولان كالعادة .
ـ" أنتِ حقًا غريبة جدًا .. انظري من حولك ، العالم لا زال مستمر . الشمس تأتي و تذهب و القمر يطل علينا كل ليلة . النباتات تنمو .. و الأطفال يلعبون .. الناس تمضي في طرقها أيضًا . لكن أنتِ الوحيدة التي جعلت عقبة واحدة تمنع العالم من حولها على المضي قدمًا . و أغلقت على نفسها الحقيقية في علبة . لقد قُدمت لك فرصة العيش بفرحة فلما لا تستغلينها و حسب .." سكتت لفترة .. و جعلتني أتوه و أنا أحاول معرفة مكانها ..
" لقد ولدت يتيمة . أمي ماتت ما إن ولدت و أبي مات عندما كنت في أحشاء أمي . عشت عند عمي .. الذي سرعان ما تخلى عني .. و عشت منذ كان عمري سبعة سنوات في هذا المستشفى . لقد كانت لي أسرة و لو لم أكن أعني هذا لهم ..زوجة عمي و بناته كن عائلتي .. لكنهم تخلو عني بسرعة ما إن علموا بأني مريضة . لم أر وجههم منذاك الحين .. لكني تعلمت أن الحياة لن تتوقف عندهم . سأستمر و لو قرروا تركي لن أغلق قلبي بسببهم فقلبي يريد الحياة ... الآن انظري من حولك .. هل يمكنك اليوم فقط فتح قلبك و محاولة معرفة المكان الذي أنتِ فيه ؟ لا تقولي أين أنا .. لا تسأل عقلك .. بل حاولي فقط الشعور بذاك " .
ارخيت يدي فجأة .. و عام الصمت .. أحاول بكل جهدي أن أعرف هذا المكان .. بماذا أشعر الآن ؟ ريح تداعب شعري .. أستطيع سماع صوت أوراق تلعب معها كذلك .. إنها ليست أوراق كثيرة جدًا .. لربما هي ورود أو أزهار .. أيعقل أنها كذلك ؟ " هل نحن عند أزهار او ما شابه ؟ "
دفعت الكرسي لتقربني ثم مسكت يدي و ضعت فيها وردة كبيرة .. " أتشعرين بها ؟ هذه الزهرة كذلك ناضلت كي تنمو و تصبح ما هي عليه . و كل هذا فقط كي تنشر رائحتها الجميلة في المكان . و تمتع كل من يراها . لكن بما انك لن تريها فبإمكانك الإحساس بها . إن شعرت بها .. فيمكنك تخيلها .. فقط تلمسيها و حاولي الاستمتاع بها على طريقتك ."
أيمكنني حقًا ؟ أيمكنني حقا رؤيتها على هذه الطريقة ؟ لكني عمياء .. هل أثرت بي هذه الفتاة .. اووه ، فلأعد لغرفتي فقط ... " لا أشعر بشيء ..... خذيني لغرفتي ... "
أتذكر أني تلك الليلة لم أنم كذلك و أنا أفكر في كل تلك المحادثة الطويلة .. كيف غضبت و كيف زال غضبي بسرعة ما إن بدأت تتكلم. هل يوجد حقًا من يعاني أكثر مني ؟
جاءت بالصباح الباكر و وضعت حولي طوقًا مليئًا بالزهور .. رائحتها كادت تجعل أنفي يقدم استقالته عن عمله .و قبل أن نخرج دخل الطبيب و أخذ وقتًا كي يتكلم .. أستطيع القول بأنه كان متردد .. " حسنًا ريما .. لي خبر جيد .. لقد وجدنا متبرعًا . س ... سيأخذ وقتًا حتى نجهز كل شيء لك . مبارك ".
ـ" يا لك من محظوظة ريما .. جيد أنكِ وجدت متبرعًا .. الآن لنذهب " . و أخذتني مرة أخرى بجولة .. لكن هذه المرة لم نصل بسرعة كالعادة .. لقد أخذت وقتًا أطول . أستطيع سماع الجميع يتهامس .. هذه المرة بالتأكيد هم يتحدثون عني .. " أين نحن ..؟ " لكنها لم تجبني ... و أخذت وقتًا طويلًا بالتوقف .. أيعقل أنها تركتني لوحدي مرة أخرى ؟
ـ" أبإمكانك الشعور بأي شيء ؟ " .
ـ" أجل الكثير من الناس يسخرون مني و من الطوق الذي صنعته لي .. "
ـ" أنتِ عنيدة جدًا . إنهم لا يتكلمون عنك .. الكل هنا مجرد عجزة ، و بالكاد أحدهم يهتم لك .. حسنًا سآخذك لمكان ما لا أتوقع أنه سيزعجك . " مرت فترة و هي تدفع بذاك الكرسي نحو مكان مجهول . توقفت وقالت :" قفي " .
أمسكت بيدي و بدأت تسحبني بلطف . فُتح باب ما .. و معه بدأت الكثير من الصرخات تدخل طبلة أذني ... لم أستطع استيعاب المكان الذي يحمل فيه كل هذا الضجيج .. ألا زلت في المستشفى ؟
ـ" أ تسمعينهم ؟ كل هذه الصرخات هي لأطفال دخلوا الحياة للتو .. " توقفت كل تلك الأصوات مع إغلاق الباب . بدأت أتلمس الحائط .. و أمشي دون توقف .. و أتلمس كل تلك الأبواب ... حتى فتحت أحدها ( ما الذي تفعلينه ؟ رجاءًا اخرجي ..) كان صوت امرأة . " أين كنت للتو ؟ "
ـ" لقد دخلت غرفة مريض في العناية المشددة .. إنه في غيبوبة على ما يبدو و كان ذاك صوت الممرضة ... استمري في التقدم هيا ... " لم أتوقف .. و استمررت .. حتى وصلت مرة اخرى عند باب ما و فتحته ... لكني لم أسمع سوا صوت بكاء .. دخلت الغرفة و بدأت اقترب من المصدر بهدوء .. ( دعيني و شأني ) .. كان صوت طفل . " لما تبكي ؟ " لكنه لم يجبني ... و سحبتني الفتاة و أخرجتني ... " لنتوقف هنا ... " ..لكني أريد معرفة السبب الذي يجعله يبكي .. " ما به ؟ "
ـ " إنه فتى يتيم و مريض كذلك ... إنه يعاني مثلنا .. هو يشبهنا .. " لقد كان صوتها يحمل حزنًا ما بين كلماته .. ألم تقل أنها تجاوزت حزنها ؟ لكن يبدو أن هذا مستحيل .. ستبقى الحزن هو الحزن . حتى و لو تجاوزناه .
مشينا قليلًا .. و توقفتُ ما إن توقفتْ هي .. فوضعتني في مقعد ما . و عام الصمت بيننا . " أرأيت ؟ هناك العديد يعانون غيرك .. لكنك أنانية . لم تتفهم شيئًا . و جعلت مشكلتك التي قد تبدو كحجر صغير أمام مشكلاتهم الكبيرة هي المسألة الأهم .. غيرتِ من شخصيتك و نزعت طيبتك من قلبك .. و كما قلت سابقًا أغلقت على شخصيتك الحقيقية في صندوق و دفنتها بعيدًا . أنتِ تهربين كثيرًا من الواقع . عندما تواجهك مشكلة ادعي الله . و تذكري أن هناك من مر بأسوأ منها . لكن بعزيمته تجاوزها .. أنكِ فقدت بصرك و أعزائك . لا يعني أن الحياة توقفت . يمكنك دومًا أن تجدي عائلة أخرى .. و دومًا أن تري العالم بدون حاجتك لأن تبصريه بعينيك .. أنتِ فقط بحاجة لنزع هذا الغشاء عن قلبك ."
أمسكت يدي و سحبتني بقوة في ذاك المطر الغزير و جعلتني أجري نحو المجهول و هي تصرخ هيا .. دعي المطر يتغلغل لقلبك .. اجعليه يغسل كل همومك .. كانت لحظة جميلة .. لأول مرة بعد الحادث أشعر بقطرة من السعادة . أعطتني إياها هذه الفتاة .... لكنها فجأة توقفتْ و بدأتُ أسمع صوت لهثها العالي .. يبدو أنها تعبت جدًا . فجأة صارت تسعل بقوة ... " ما بك ؟ ما الذي يحدث هناك ؟" لم أسمع أي رد مطلقًا . أين أنتِ ؟ أنا لم أسمع وقع خطواتها أو صوتا حولي .. لقد وجدت نفسي أصرخ بأعلى صوتي أطلب النجدة . أرأيتِ . بسبب أني عمياء لن يمكنني إنقاذك .
أتذكر أني كنت أدور و أنا أحاول فهم شيء ما .. حتى سحبني الطبيب من يدي و أخذني لغرفتي و طلب مني عدم الذهاب لأي مكان. مرت ايام طويلة و هي لم تأتِ إلي . و عندما سألت الطبيب . قال لي بأنها تركت المستشفى . يبدو أنها ذهبت لمكان آخر كي يعالجوها تمامًا كما توقعت .
و بعد مرور بضعة أيام أخرى قيل لي أني سأخضع لعملية جراحية .. بعد أن جهز كل شيء . كان قلبي يخفق بقوة و كاد يخرج .. ماذا لو لم تنجح ؟ ماذا لو فقدت كل أمل صغير ؟ كل هذا كان يتخبط بداخلي .. لكن اختفى قلقي بعد أن شعرت بيد مألوفة تمسك يدي و تتشبث بها .. لقد اختفى كل هذا القلق ... من هذه اليد ؟ أهي يد الفتاة ؟
بعد فترة .. أزيلت الضمادات من أمام عيني .. و صار يسألني الطبيب عما أراه . كانت الرؤية غير واضحة لكن شيئًا فشيئًا بدأت توضح الصورة و تستقر . أتذكر أن أول ما رأيته هو الطبيب بمئزره الأبيض الطويل .. و رأيت رجلا بجانبه .. عندما ركزت نظري عليه استوضحت أنه كان رجلًا مسنًا .. ابتسم الطبيب و قال لي :" و أخيرًا رأيت جدك .. لطالما راقبك من الباب .. و كان هو من وقف جانبك قبل العملية ". كان هو ؟ لقد ظننته تلك الفتاة . و كان يراقبني ؟ أيضًا .... أنا استغرب كل هذا الكلام فجأة .. إنه أمر لا يمكن لعقلي استيعابه ...
ـ" لما أتيت فجأة .. ظننتك تكرهني ..."
ـ" هل يمكن لجد ما أن يكره أحفاده ؟ لقد كنت قلقًا فقط بأنك لن تتقبليني و قد تطرديني كصديق والدك ذاك اليوم .. و خصوصًا أنكِ لم تريني من قبل مطلقًا ."
ـ" لقد طردتهما لأنهما مزعجان و أعرف نواياهما .. ثم ، أنا حقًا سعيدة لأنك أتيت و وقفت بجانبي في العملية .. كنت أتمنى لو أنك بقيت جانبي طوال الوقت جدي ... " صرنا أنا و هو كالمجانين نبكي .. و شهقاتنا تملأ الغرفة .. إني الآن أنظر لكل هذا المكان من خلال عينين ليسا لي .. إني فقط ، أشعر بنوع من الأمل و الإيجابية قد دخلتا لقلبي .
في يوم خروجي من المستشفى ، طلبت من ممرضة أن ترشدني لمكان تتواجد فيه الزهور .. بدت لي حائرة من سؤالي .. ثم أخذتني لمكان يحتوي فقط على شجرة واحدة تحتوي الكثيرة من الورود البيضاء . فجأة ظهر الطبيب و هو غاضب ..... " بحثت عنك طويلًا .. تفضلي أوراق الخروج سيحضر جدك بعد قليل .. و آه تذكرت هاكِ هذه الرسالة من صديقتك " .
صديقة ؟ لكني لا أملك أية صديقة .... أيعقل أنها تلك الفتاة ؟ " لقد كانت تلفظ آخر أنفاسها و هي تكتب هذه الورقة .. يبدو أن آخر حديث لها كان معك .. " و رحل . أنا الآن أستطيع الرؤية و سأقوم بقراءة رسالة ... لقد جعلني ذلك أتذكر كل مأساتي . أمسك جيدًا هذه الورقة ...و أتأوه و أنا أتذكر كل شيء من البداية .. فتحت الورقة على بركة الله :
عندما تقرئين هذه الورقة ستكونين قد حصلت على عينيك الجديدين ، و سأكون أنا قد تركت الحياة . المرض الذي كنت مصابة به يمكن وصفه بامتلاكي قلبًا ضعيفًا .. لذلك أنا أعيش في المستشفى . و لهذا السبب تخلى عني عمي. أن تعيشي بقلب ضعيف و دومًا في رأسك تتردد عبارة سأموت في أي دقيقة . كانت شيئًا لم أتحمله ، لحد الآن . عندما دخلت المستشفى كنت منزوية لوحدي دومًا . لم أرد أن أبقى هنا و قلت أني سأذهب مع عمي ما إن يأتي ، لكنه في ذاك الوقت لم يأت مطلقًا حتى فهمت القصة .. و أدركت أني وحدي .. لقد كنت تمامًا مثلك .
قررت حينها أني سأفعل كل ما أريد في ما تبقى لي من هذه الحياة . تمامًا مثل الأفلام .. لقد كنت أتظاهر بالسعادة و أقنع نفسي دومًا بأن أي شيء يحدث هو جميل . على رغم أنه ليس كذلك . لقد خرجت من قوقعتي لوحدي ..
لكن عندما أتيتِ لهنا .. لقد كنت منزوية أكثر مني .. و لم تتحسن حالك رغم كل شيء .. لكني لم أعش شعورك حقًا .. حاولت تفهمك ،و حينها قررت أني في ما تبقى لي من حياتي .. سأقوم بإنقاذ نفس من الضياع .. أتمنى أني نجحت حقًا بأن أريك المعنى الحقيقي للحياة . و أني جعلتك تريدين و لو قليلًا التمسك بها .. فحماية والديك لك .. ليس للاشيء . أنا متأكدة أنهما أرادا منكِ أن تعيشي و تستمتع دون أي ندم أو قلق .. و هذا ما أتمناه أيضًا لك .. لقد رحلا للموت و تركا لك الحياة . أريدك أن تأخذي قيمة صغيرة من كل ما فعلته . و أتمنى أنك فهمت .. أنتِ لست وحيدة . فكل من تحبين بجانبك يسكنون قلبك .
أرجو أن تستمتع .. و تري بعينيّ كل ما تمنيتِ رؤيته .. ريما . هذه هي رسالتي لك .. بل يمكنك قول أنها كانت رسالة الحياة لك كي تحبيها .
لا أعلم هل يجب علي القول بالنهاية صديقتك ... فأنا لا أعلم هل تعتبرينني كذلك أم لا . على كل حال .. أنا هي الفتاة التي لاقيتِها يوما . .
بنهاية هذه الرسالة ... لقد أدركت أنها قد قدمت لي الكثير . على رغم هذا .. هي حقًا فتاة .. غريبة الأطوار . فمن سيفعل كل هذا من أجل شخص لا يعرفه .. كدت أمزق الورقة و أنا أضغط عليها .. لم أكن أستطيع أن أتخيل بأنها هي من تبرعت بهما . عندما سألت الطبيب قال لي بأنها كانت في حالة سيئة جدًا و قبل فراقها الحياة بدقائق قامت بكتابتها . هذا يفسر الخط السيء و غير المفهوم . عند خروجي من بوابة المستشفى رميت الورقة . لكن شيئًا ما شدني .. شيئًا لم أره ... لقد كانت عبارة منسوخة على الورقة بخط كبير جدًا .
{ لا تحتاجين لعينين كي تري بهما ألوان العالم . بل تحتاجين قلبًا سعيدًا يلون لكِ الحياة .}
أحقًا يا آمال ؟ إذًا شكرًا لك مرة أخرى .. على تقديمك لي عينيك و قلبي السعيد .
في ذاك الظلام الذي لفني من كل مكان كنت أنتِ بصيص النور و الأمل الذي يتكلم عنه الجميع . لم أظن يومًا أن أمرًا كهذا موجود حقًا .. لكن أنا أحمد الله مرارًا و تكرارًا لأنك أخرجتني من الظلام .. و أعطيتني قوة لمواجهة كل شيء . شكرًا لكِ .



التعديل الأخير تم بواسطة فاطمة كرم ; 18-06-14 الساعة 12:49 PM
قصص من وحي الاعضاء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس