لم أكن لأفوز بثقة إخوتي الذكور الخمسة فيما يختص بأمر مرافقة ابنتي سمية في ابتعاثها الخارجي لو لم يقتنعوا أنني امرأة تعيش فقط لأجل ابنتها ولا شيء آخر غير ابنتها
أنا امرأة تحاول التمسك بحبال كبار السن واللحاق بهم لأبدو مقنعة لإخوتي
امرأة اقنعت نفسها بأنها كبيرة السن جدا ولأكثر من مرة فعلت ذلك حتى اقتنعت أخيرا بهذه الفكرة
أنا الآن انتظر فقط أن أصبح جدة لأحفادي أبناء ابنتي سمية
لأجل ذلك وهبني إخوتي الذكور المفتاح السحري لقفص حريتي الذي ظل موصدا طوال سنوات عمري التي مضت
فما بال هاتان العينان تتربصان بي ؟
كنت في هذه البلاد وما زلت أحاول ألا اكون مهملة ( بضم الميم الأولى وفتح الميم الثانية ) ولا ملفتة للأنظار
أذكر يوم أخذتني ابنتي سمية للسوق لشراء لوازم السفر أنني استنزفت كل طاقة لابنتي وهي تحاول أن تقنعني أن الأمر في أمريكا ليس هو نفس الأمر في بلدي
وأخيرا اقتنعت لما اضطرت ابنتي أن تستنجد بأم بروين وهي واحدة من المبتعثات للخارج مثل ابنتي وأقنعتني بنصف الأفكار التي لم تقدر سمية أن تدخلها في رأسي فاشتريت التنانير الطويلة جدا والبلايز الفضفاضة ذات الأكمام الطويلة , واشتريت الجوارب الصفيقة والبالطو الرمادي الباهت والإيشاربات السادة
لما نظرت لانعكاس صورتي في المرآة لم أر المنظر الكئيب الذي أحاطتني به تلك الملابس القاتمة وإنما رأيت روح ماجدة والتي هي أنا
روح عنفوانية جامحة لا تعرف الاستسلام
روح تسمو للتقدم للأمام والعلو والرفعة رغم كل الصعاب
رأيت شقاوة قديمة في عيني اللامعة وكأنني مازلت مراهقة في 14 من عمرها
هذه الروح التي سبر أغوارها والد المبتعث بلال بنظرات عينيه الخطرة
كنت أضع في حجري الكتاب الذي أهدته لي ابنتي سمية كي يساعدني في التكلم باللغة الانجليزية بطلاقة بينما كانت الحديقة التابعة للسكن ملئى بالناس
كانت سمية يصلني صوتها مع زميلاتها ورفيقاتها في الجامعة والسكن من هناك من مكان ما لا هو بالقريب ولا بالبعيد
الطاولة التي أجلس عليها حولها أربع كراسي واحد منهم أجلس عليه أنا بينما الثلاثة الباقية ملتصقة بالطاولة
عندما تقدم وبكل تهذيب المبتعث بلال مني
كان شابا طويل القامة , أبيض البشرة , لكنه نحيل جدا
وقد كان شابا عمليا جدا وكل كلامه محاط بإطار من الجدية وإدراك أهمية الوقت وإدراك أهمية أخذ المبادرة للبدء في الخطوة الثانية بسرعة مادمت مشرف على نهايات الخطوة الأولى
سمعته يتنحنح ليلفت انتباهي
كنت قد غرقت في عالمي الخاص بي
ذكرياتي مع والد سمية أبو عمار
أيامي الخضراء معه بلا ثمار أو زهر
كنت أرى حروف ذلك الكتاب الذي أمامي على الطاولة أمواج تتراقص أمام عيني ولا أكاد
أمواج أجهل كيف أمتطيها لتوصلني للضفة الأخرى
كنت ألف نفسي جيدا بقوقعتي الصلبة التي حتى سمية تعجز عن اختراقها
سمعت نحنحة صوته فرفعت نظري إليه
" مساء الخير سيدة ماجدة "
كان صوته وكأنه آت من هناك , من واحد من الكواكب , من بعيييد
" هل جاءت الآنسة سمية معك ؟ "
" عفوك , أين هي ؟ فأنا لا أراها "
التفت لأشير له بإصبعي نحو المكان
عاد ليقدم لي الرجل الذي ظل يقف بجانبه طوال فترة حديثنا
" عفوا سيدة ماجدة , بابا يستميحك عذرا ويستأذنك في أن يجلس إلى طاولتك لو سمحت له بذلك "
نقلت بصري بين بلال وبين ذلك الرجل الذي قدمه بلال على أنه والده
لا لم تكن عيناه هي التي تنظر إلي
شعرت بنظراته تلك تدك كل الأسوار التي أحطت بها نفسي
شعرت بكل قواي وعنفواني اللذان تسلحت بهما قبل قليل ينسلخان مني
وكأنني تحت نظراته تلك شاة تقتل وتتفرج على نفسها وهي تسلخ
بعبارة بسيطة شعرت في وجود هذا الرجل الواقف إلى جوار ابنه بالخطر