كان أبي - رحمه الله - ممدودا على سريره عندما غشيته سكرةُ الموتِ وعيناه السّادرتان شاخصتان إليّ ..
وجبينه الشاحبُ من عرق الموتِ في مدٍّ وجزر ..
فأيقنتُ أنه قد حمّ القضاءُ وأني ماعدتُ أملكُ له نفعا .. أو أستطيع للموتِ دفعا ..
فأجْهَشَتْ عينيّ بالبكاءِ ,,
فسترتُ وجهي عنه ..
وانتبذتُ ناحيةً اُكفكفُ دموعي ..
فقال اسمع ياولدي .. وقرأ ثلاث آيات :
1- {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ }النور2
2- {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }النساء93
3- {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }المائدة38
فما اقترفَ أبوكَ شيئا من هذا .. وأرجو أن تكون كذلك
وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ..
ومات ..
فصوّحت الواحةُ
وأوحشَ القفرُ ..
وانطفأ الوميضُ ..
وأغطش الليلُ ..
وتبدّدَ الحلم ..
وتجهّم الواقع ..
فأحسستُ كأني سقطتُ من شاهق ٍ ولم أصل إلى الأرض بعد !
أهكذا يا أبي في مثل خفقةِ الوسنان تُبدّلُ الدنيا غير الدنيا :
فإذا النعيمُ شقاء ..
والملاءُ خلاء ..
والأملُ ذكرى ..
والله ماقلتُ بعدك ( مات لي ميت ) ..
إنما قلتُ (مات فيَّ ميت )
و ..
ور ِيعَ البيتُ ..
وفزعت الجيرانُ ..
وهرعت القريةُ جمعاء ..
وتقاطرَ الناسُ على الشيخ ..
فليعفني من يقرأ - وله الفضل - من وصف ماكان ..
العبّادي