شبكة روايتي الثقافية - عرض مشاركة واحدة

هلا بالطعمين
قصة مدهشة وراء المثل العربى “أتعب فلان من جاء بعده”

ذات نهار في تلك الفترة الحامية القائظة شديدة الحرارة بين الظهر والعصر كان الصحابى الجليل المبشر بالجنة ذو النورين عثمان بن عفان على موعد مع التاريخ فقد أطلق قولته التى أصبحت فيما بعد مثلا يطلقه العرب على كل رجل يكلف نفسه فوق طاقتها ويأتى بالأفعال التى يعجز أى مسئول غيره عن الإتيان بها. واستمدت القصة عظمتها وروعتها وخلودها وأسطوريتها من بطلها الذى لم يكن سوى الخليفة الراشد الصحابى الجليل المبشر بالجنة الفاروق عمر بن الخطاب.

عثمان يشاهد الفاروق فى وضع عجيب

بينما يقف عثمان بن عفان فى نافذة داره لتأمل الصحراء، أبصر على البُعدِ رجلاً يجرى فى قيظ نهار المدينة الملتهب، فظنَّه غريبا نزل به كرب عظيم، وظل مطلا من نافذته حتى اقترب ذلك الرجل الملهوف، فقرر أن يدعوه إلى ظل داره، ويغيثه من لهفته، ومن حرارة الشمس القائظة وكم كانت دهشته وعجبه حينما اقترب الرجل. من هو؟ إنه الرجل الذى يحكم نصف العالم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ممسكا بناقة كانت قد شردت من لجامها وفرت فى الصحراء.
حوار للتاريخ بين عثمان بن عفان وعمر بن الخطاب

سأله عثمان: من أين يا أمير المؤمنين؟ فأجابه عمر: من حيث ترى، بعير من إبل الصدقة ندّ هارباً، فأسرعت وراءه ورجعت به، وعاد عثمان يسأل: يا أمير المؤمنين ألم يكن هناك من يقوم بهذا العمل سواك؟ فأجابه عمر: ومن يقوم مقامى فى الحساب يوم القيامة؟ ودعاه عثمان إلى الراحة حتى تنكسر حدة الهجير، فما زاد عمر على أن قال ودموعه الورعة تسيل من مآقيه “عُد إلى ظلِّك يا عثمان”، ومضى لسبيله وعينا عثمان متعلقتان به حتى غاب عنهما، وراح عثمان يتمتم قائلاً: “لقد أتعب والله عمر كل من جاء بعده”.
العرب يرددون المثل

بالرغم من أن عمر بن الخطاب كان في السلطة وكان أميرا للمؤمنين ولم يكن عثمان يعلم أنه من سيأتى بعده فى الخلافة، إلا أنه ومنذ ذلك الحين ذاع المثل العربى الذى أجراه الله على لسان عثمان بن عفان وأصبحت مقولة: “أتعب والله فلان كل من جاء بعده” تعبيرا عن أن أى مدير أو مسئول أو وزير أو رئيس يقوم بأفعال شاقة فوق طاقته وتخرج عن نطاق مكانته يصبح متعبا لا لنفسه فحسب، بل لأى مسئول يأتى من بعده ويجلس على كرسيه؛ لأن الناس سيقارنون الذى مضى بالذى أتى. وهذا دليل على إعجاز العرب في أمثلتهم وعلى إعجاز المثل ذاته الذى نطقه عثمان.