عرض مشاركة واحدة
قديم 07-12-14, 09:40 PM   #54

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



المملكة العربية السعودية – الرياض
الثانيةَ عشرةَ ظهرًا
دخل وهو يزمجر
صرخ بالحارس
: افتح الباب
فتحه الأخير بذعر
دخل ورفعه بقوّة عن الأرض
لكمه بكلّ قوّته
صرخ به بجنون
: ليش ولا أحد يشهد عليك ! ليش ما في دليل لفظي ضدك – صرخ بهستيريا – لــيــش
قال راشد بألم
: الله ياخذك , شتبي منّي انت !
رفسه ليسقط على الأرض ويتلوّى بألم
ظلّ يرفسه ويصرخ
: ابي كلب واحد بس يقول انّك خطفت صقر , كلب واحد يكفيني , محد راضي يتكلم !
استفرغ راشد ما في جوفه
استفرغ دماءً حمراء
وذياب يأبى أن يرحمه
حتى سحبه أحدهم بقوّة وهو يصرخ به
: انت جنيت !
قال بجنون
: ايه جنّيت , وان ما طلع لي شاهد من تحت الأرض بموته بقضي عليه ولا يهمني أحد
صرخ به الآخر بلا تصديق
: ذياب انت فقدت عقلك ! وش فيك تعوّذ من الشيطان , ابليس ركبك خلاص !
حاوط ذياب رأسه وهويقول بهستيريا
: حياتنا ضاعت بسببه , والى الآن مو قادرين نسوي له شي , للحين مو قادرين نثبت حقنا , للحين مو قادرين نعاقبه
سحبه الآخر وهو سينفجر منه , صاح بالحارس
: عالجوا الرجال وقفلوا الباب , وممنوع ينفتح لذياب بعد كذا , اللي يفتح له الباب يعتبر نفسه مفصول !
فتح ذياب فمه ليعترض
ليصرخ به غاضبًا
: ولا كلمة , تحرك قدامي لا بارك الله فيك
سارَ بغضب , عبَر البوابة وسار الى المصعد
كان يشعرُ بغضبٍ لو أطلقه الى العالم لحرقه !
يشعرُ انّ روحه تتهشم من الداخل
مَضَت الحياة ونسيتهم
لم تلتفت وتنتظرهم
أضاعتهم لثمانيةِ أعوام , والآن يعجزون على اللحاق بركبها
كأنّهم قَدِموا من زمنٍ آخر
كأنّهم ولِدوا في حُقبةٍ أخرى !
لا شيء ينتظرهم
أتوا ليجدوا كلّ شيءٍ قد قُسِم , ولم تذكرهم الحياة بنصيبهم !
زفرَ بحرارة
شقيقه الذي يصغره بعامانِ فقط , أدخل ابنيه للمدرسة !
وهو لا يزال دونَ زوجة
ودون أطفال
ولم يترقَ في عمله
ولم يبنِ له بيتًا
ولم يحصل على دروعٍ تكريمية
ابن شقيقته ولِد وتوفي طفلًا
وهو لم يره أبدًا
مرِضت والدته , وهو لم يَكُن بجوارها
زفرَ حرقةً أخرى
على شقيقه سعد
يستحق حياةً أخرى
يستحق بهجةً تُزهِرُ قلبه
لا جحيمًا يزأر في وجهه !
في الأمس رأى طفلان
عرفهما !
رغمَ انّه يراهما لأوّل مَرّة
كانا يحملانِ ضحكتها
ونظرتها
ولونها
تَرَكها فداءً لصقر
وعاد ليجدَ طفليها
فتحا على قلبه بابًا من الجحيم
يحرقانه بضحكهما
ودّ لو يظمُهما
لو يقبل أعْيُنهما
لو يخبرهما , انّه كان يجب ان يكون والدهما !
لكنّه اكتفى بالنظرِ اليهما بحسرة
حسرةٍ تأكله بتلذذ
وهو صامت , يرسم ابتسامَةً كاذِبَةً على وجهه
ابتسامَةً تشبه ابتسامة المهرجين
الذين يزرعون المرح
وفي داخلهم ينبوعٌ حَزين !
جلس على الكرسي المقابل للمكتب
وهو يتذكر عذابات صقر الكثيرة
كلُّ تلك الآلام تستمتع بنقر قلوبهم
مُذ أتَوا
وراشد !
عاش سعيدًا كريمًا هانئًا
دَمّرهم ليعيش على بقاياهم
زاد غَضبه وهو يقسِمُ ألفًا انّه لن يتركه
جلس ابو بدر أمامه , وهو يكتم غيضه
: وش فيك انت !
قال غاضبًا
: وش فيني ؟ وش اللي ما فيني
قال ابو بدر بحزم
: حاسب صوتك , ما احنا في استراحة ولا في قهوة عشان تدخل بالهمجية ذي , ترفس الباب وتدخل بتذبح الرجال وتطلع هنا تصارخ , نسيت نفسك انت !
ظلّ صامتًا
ليتابع ابو بدر
: لو ما بَعَدتك عن الرجال كان مات بيدك , وش يخلصنا وقتها ! انت ليش غبي ؟ ليش ما تعرف تتصرف ! بتصرفك ذا ممكن تخفف العقوبة على راشد , ممكن تلبسنا الخطأ ويطلع هو المسكين الضعيف المضطهد
ضرب صدره بقسوة وهو يقول بقهر
: هنا نار يا ابو ابو بدر , نار ما تهدأ لين تحرق راشد
: اهدأ , تعوذ من الشيطان , لا تخرب شغل سنين , وبعدين حرام الضرب ذا اتقِ الله ما يجوز , ذا مسجون عندنا حرام نأذيه الّا في ما يأمر به القاضي
أراح رأسه الى الخلف مغمضًا عينيه , وتأوّه حَسرة
ليقول ابو بدر بهدوء
: ندمان ؟!
فتح عينيه بسرعة
: على !
: حياتك اللي ضيعتها
قال بنفيٍ قاطع
: حشى والله , ولو ينعاد فيني الزمن أرجع واضيع حياتي له , والله انّ عمري كلّه فدا لصقر
زفر ابو بدر
: الله يديم عليكم , بس يا ذياب الصبر زين , صبرنا سنيين , لا تحسبنا فرحانين بالحياة اللي راحت وبالوضع اللي وصلتوا له , ولا تحسب انّ التأخير في المحكمة متعمد , والله اننا نشتغل على مدار الساعة , انتم مننا وفينا , عيالنا واخوانّا , وقضيتكم قضيتنا , لكن كل شي يبي له وقته وجهده , اذكر الله وتصبّر
: انا مو هامتني نفسي كثر صقر وسعد مو كاسرين ظهري , همهم كبير يا ابو بدر , كبير حيل
شدّ ابو بدر على رجله بمواساة
: لهم الله
زفر , وصمت
كفى بالله وكيلًا
وحسيبًا
وعالمًا وبصيرًا !
يَعلم ما في أنفسهم
ويثق في عدله , وحكمته
حتى وان تأخر الأمر
فيه خيرٌ لهم
يثق بربه كثيرًا !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الواحدة مساءً
دخلوا الى الغرفة يدفعهم اشتياقهم
وتُسَيّرُهم لهفتهم
اقتربت والدتهم وهي تحبس دمعاتها
همَست بحنانٍ بالغ
: خالد حبيبي !
هزّته بخفة ليفتح عينيه ببطئ
شهقت لين بخفّة حينَ فتح عينيه
قال فيصل مبتسمًا
: الحمد لله على السلامة يا بطل , طوّلت علينا !
قبّل بندر كفّه , وقال بصدق
: اشتقنا لك
التفت الى والدته وناداها بهمس
قالت مبتسمةً بوجع
: يا عيون امّك
انحنت لتقبّل ما بين عينيه
قبَلة دافئة
فيها من المشاعر ما يعافي قلبه الخامل
رفع يديه بصعوبة وعانقها بخفة
ابتعدت بعدَ ثوانٍ لتقترب لين بحزنٍ وندم
: الحمد لله على سلامتك حبيبي , ليته فيني ولا فيك
نهروها جميعًا
قالت والدتها بتعب
: يا يمّه بطلوا من الدعاوي ذي , والله ما عاد فيني شدّة , وش تبون تسوون فيني انتم !
قبّل فيصل رأسها
: بس انا ما عَوّرت لك قلبك فيني , صح !
نظرت اليه لثوانٍ
: الله لا يبين غلاتك ولا يوجعني فيك , مع انّك اول من أوجعني !
قال مستغربًا
: انا !
هزّت رأسها ايجابًا
: لمّا كنت صغير , ثلاث مرّات , مرّة وانت بعمر سبع او ثمان أشهر وجاتك حمّى شديدة ووصلت للموت , ومرّة وانت بعمر ثلاث سنين وبلعت لك كيس مدري ورقة وبغيت تموت , ومّرة وانت سبع سنين وصار عليك حادث
: اوف اوف , وش ذا الماضي ! بس والله مصايبي تهون عند غيري
قالها وهو يرمق اخويه واخته بطرف عينه
قالت لين
: انا ابتلاء انجبرنا عليه , وخالد قضاء الله وقدره , الدُور والباقي على اللي طَيّر قلب امّي باختياره !
صَدّ بندر بنظره عنهم وهو يضحك
ضحكت والدتهم براحة
ثم قالت بصدق
: الله يحفظكم ولا يوريني فيكم بأس
أمّنوا بهمس
اقتربت من خالد وقالت بحنان
: أكلت يمه ؟
هزّ رأسه نفيًا
: الدكتور يحدد متى وشنو آكل
عقدت حاجبيها
: عز الله موّتك جوع على كذا
ابتسم بخفة
: مدري عنه – التفت الى فيصل – فارس اللي صوبني صح ؟
قال فيصل
: ايه عسى ايده للكسر , مسكوه مخبينه عمامك في استراحة في الخلا
قالت لين بحرقة
: الله ينتقم منّه
قالت والدتها منزعجة
: لا تدعون مو زين , قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل , تكفيكم وتغنيكم عن الدعاء
همست لين
: ونعم بالله
قال بندر
: طيّب متى يطلعونك
زفر بتعب
: والله ما ادري , باقي فحوصات وما ادري ايش , يعني يومين ثلاث وعليها
مَرّ الوقت بين حديثٍ وصمت , حتى قال خالد
: اجل وليد وين ! التعبان ولا مر ولا سلّم
قال فيصل
: طلعت له شغلة بلندن , سافر من يومين قال ما بيطوّل
عقد حاجبيه
لندن !
ارتجفت لين من ذكر لندن
ازدردت ريقها راجيةً الله ان لا يتذكر أحدُهم ايّ شيء
ان لا يتذكروا خطيئتها
ان لا يدفنوها حَيّةً على فعلتها
حبست في صدرها آهةً طويلة
آهة مشتاقة , متعبة , ومحتاجة
حنينٌ يقرص قلبها ويركل مشاعرها بقسوة
الى حبيبها
حبيبها الرجل
حبيبها الذي لا يستحق هجرًا ولا وجعًا ولا خيبة
حبيبها الذي حتى نسماتُ الهوَاء العالية تقسو عليه
من شدّة نقائه , ورقّة قلبه
الويلُ لي من ذنبي في حقّك يا سعود
ستقتلني خَطِيئتي
كيف أجرمت بك
كيف سَوّلت لي نفسي تركك
هل تبحث عنّي !
ام انّك طلقتني !
أكادُ اقسم انّي سأخرج بعد قليلٍ او غدًا
أجوب الأرض لأبحث عنك
لأعانقك بشدّة
وأخبرك بكلِ أسف العالم انّي أشتاقك
انّي لم أفكر حين ابتعدت
كيف لِحُبك ان يهوي بي كحجرٍ ثقيل رُمي في حجري
كيف لابتسامتك ان تظلّ كطيفٍ مُرعبٍ يلاحقني
رغم لطفها وجمالها
يا رجلًا جمعت بين منكبيك أدفأ عناق
وبين دفتي صدرِك العريض
كلّ حنان الدنيا
وفي نظرتك طيبة الكون بأسره
وعلى شفتيك , جميع لُغات الحُب في العالم !
كيف لرجولتك تلك السطورة التي ترهبني حتى في غيابك
رغمَ انّي لم أرك يومًا غاضبًا , او مستاءً
الى أنّي أشعر بغضبك يحرقني
ويُعَرّي قبحي وذنبي !
خائفةٌ انا من ان تجدني يا سعود
ومرعوبة انا , من الّا تجدني !
,
,
المملكة المتحدة – لندن
مطار هيثرو
فتح حزامه ونهض بهدوءٍ صامت
هدوءٍ لازمه بشدّة , في اليومين الماضيين
هدوءٍ يشبه الموت , الذي يخطف منه من يحب
أخذ حقيبته الصغيرة من أعلى المقعد
ونزل من الطائرة
انتهى من اجراءات الوصول
ودلف من بوابة الواصلين
اقترب منه السائق
: سيدي
ناوله الحقيبة بصمت
ودون أي نظرةٍ محيية كعادته
ركب السيارة
وظلّ ينظر في شوارع لندن
حتى وصلوا الى تشيلسي , الى المنزل
دخل بهدوء
واتجه الى صوتِ البكاء
كانت جدته تبكي , بحزنٍ لا يشبهها
حزنٍ لم يَره على ملامحها من قبل
رأى تعرجات الوجع تظهرُ بوضوحٍ على جبينها
وآهاتٌ وزفراتٌ عذبته منذ التقطتها مسامعه
ووالدته تتوسد صدر والده تنتحب بحرقة
تبكي بكاءً مكلومًا
بُكاءُ من ماتت شقيقتها الوحيدة !
كان بكاؤها مفصلًا على حزنها
انتبه له والده , قال وهو يهمُ بالنهوض
: الحمد لله على السلامة
التفتتا اليه , ونهضتا بشهقة
كانت جدته أقرب
عانقته وشدّت عليه
حاوطها وهو يتغصب الكلماتِ لتخرج من حنجرته العنيدة
: كل نفسٍ عنده بأجل , انّها لله , ائتمنها للحياة وعاد لأخذها , لا تنزعجي من أمانةٍ رُدّت الى صاحبها
قالت بلوعة
: ماتت ابنتي , ماتت زهرتي الرقيقة , رحلت فتاتي اليافعة
أغمض عينيه وهو يزدرد ريقه
: انّا لله وانّا اليه راجعون نانا
ابتعدت عنه ليعانقه والده ويهمس في اذنه بحنان
: عظم الله أجرك
قال بضياع
: جزاك الله خير
ابتعد والده ليقترب هو من والدته
ارتمت في حضنه وزاد نحيبها
عَلَت شهقاتها , واشتد نعيها
اخترقت آهاتها أذنه بوحشيّة
اهتز جسده وشعر بغصته تجرح حنجرته
أطلق آهةً صغيرة
بلعها ولم يُتمَها
شد على والدته وقال برجاء
: بس يمّه ما يجوز , استرجعي يمّه اذكري الله
أرهقته جدًا ببكائها
قالت بنبرةٍ تقتله
: راحت رنا رااحت يا سعود ماتت اختيي
قال بارتجاف
: لا اله الا الله , لاا اله الا الله , بسم الله عليك يمّه بسم الله عليك يا روحي
تعب جسده من الموقف
جلس أرضًا وهو يشدُ على والدته
قال بهمس باكٍ
: بس يا يمّه
تشبثت بثيابه وهي لا تسمع سوى حُزنها
لا ترى الّا سنوات حياتها الأولى التي شاركتها رنا تفاصيلها
أدق تفاصيلها !
وكيف لحزنٍ على الشقيق ان يكونَ الّا موتًا تُحْقَنُ به الأرواح
كيف له الّا ان يكون بؤسًا يخطُ تعاريجه على ملامحنا
هو انطفاء ضَوء الشمس
هو عذابٌ متجسدٌ برحيل
هو ليسَ سوى جرحٌ غائرٌ , لا ملتئم !
مهلوعةٌ هي من تخيلها في ظلمة القبر وحدها
يلتهمها الذعر بوحشيّة , حين تذكرُ انّ الدود لن يبقي منها شيئًا !
سوى عظمَةٍ صغيرة !
ياهٍ على الموتِ ما أقساه
جبروته يبطش الخلائق تباعًا
لم تتخيل يومًا انّ شمسًا ستشرق
ورنا ليست موجودة على ظهر الأرض لتُحييها
كيف للقبر ان يضمّ تلك الفاتنة الممتلئةِ بالحياة
كيف لرقتها وأناقتها ان تسكن قبرًا ضيقًا مظلمًا
يا لسطوَةِ الموت
وحظورُه الخاطف
حينها ندِمت انّها لم تذكره دومًا
حينها علمت لم أوصانا الرسول ان نكثر من ذكره
أطلقت آهةً أذابت روح ابنها قبل ان تذيبها
همست باستجداء
: يااارب , يارب هوّن عليها وحدتها وأطلق لسانها حينَ سؤالها , يااارب ارحم ضعف قلبي يارب
كفَاكِ قهرًا لقلبي يا امّي
كفاكِ ممارسة عذابكِ الطاغي عَلَيّ
لم أعُد احتمل
سأتبع رنا من شدّة الوجع الذي يحيط به
انّي اتنفس ألمًا
اشعر به في رئتي
ويهبط على معدتي ليسحقها الفًا
اقترب ابو سعود ليسحب زوجته وهو يهزّها بخفة
: رونا تعوذي من ابليس بيصير فيك شي , ما يجوز والله اللي تسوينه , بس يا بنت الحلال هدّي
نهض من مكانه وصعد الى غرفته
ليختلي بحزنه
ليفسح له المجال
ليفعل به ما يشاء !
,
لندن – السفارة السعوديّة
قالَ بحزم
: انا ولدها ومحرم لها
قال الموظفُ ببرود
: هي دخلت مع والدها , لازم هو اللي يوقع على خروجها
قال وليد بهدوءٍ يسبقُ عاصفةً حقيقة
قد تدمّر المكان بمن فيه !
: شوف يا ما ادري من انت , كفاية اثنين وعشرين سنة زي البهايم ما عرفتوا تتصرفون في أمر رجوع حرمة بروحها من بريطانيا , ولا واحد فيه رجولة يشوف موضوعها اللي ابسط منّه ما فيه , وفوق انكم هاملين أمرها شايلين ايدكم من معيشتها , حرمة تطلع تشتغل وتجيب فلوس أكلها وشربها وايجار بيتها ! , اقسم بالله انّ عندي اللي يسكر سفارتكم بكبرها , وبعدين ابوها من أي مقبرة أجيبه لك يوقع لك ؟! اذا انا هذا كبري اصير ولدها يعني حرمة كبيرة , أي اب هذا اللي بينتظرك تقول يجيني يوقع ! خل النفس طيّبة عليكم لا والله وعزة جلال الله اقلب الدنيا على روسكم
قال الموظف بتعالٍ
: انت من تحسب نفسك ! قلت لك هذا امر قانوني...
ضرب المكتب مزمجرًا
: طز فيك وفي قانونك , الحين بتعطيني خروجية لها ولا ورب الكعبة ما تطلع لك شمس وانت في وظيفتك ذي
ظلّ الموظف ينظر اليه بصمت
ليقول وليد وهو يتمالك أعصابه
: عندك مشكلة في السمع !
قال ببرود
: بعطيك الورقة لكن انت تتحمل المسؤولية كاملة
ابتعد وليد عن المكتب وهو يحبس زفرةَ راحةٍ أن تخرج
: اخلص
أخرج ورقةً من أحد الملفات
مَلأها ببعض المعلومات ثم مدّها الى وليد الذي قَرَأها بعناية
قال بسخرية
: ما اشوف مكتوب ابوها يجي !
قال الموظف وهو ينشغل بملفٍ آخر
: قضية عن أخرى تفرق
أمال وليد فمه ساخرًا
: أخرى !
أكمل بيانات الورقة ووقعها أخيرًا
طبعها الموظف وختم النسختين بختم السفارة
ليحتفظ بنسخة
ويعطي الأخرى لوليد
الذي أخذها وكأنه يأخذ عمُرًا جديدًا خاليًا من الهم والحزن !
خرج من السفارة واتجه الى المقهى القريب
قال بسعادة لا توصف
: ملاك أخذت الخروجية
ابتسمت ببرودٍ وتبلد
: عالبركة
تجاهل برودها وقال
: يلا تبين السوق ؟
هزّت رأسها نفيًا
: ابي ارجع السعودية
أشار الى عينيه
: بشوف أقرب حجز ونرجع
مدّ بيده اليها
رغمَ غضبها منه , ورغم حزنها بسببه
الّا انها لا تطمئن حتى تتشبث به
حتى تسير ملاصقةً له
تشعرُ انّه والدها
وليس شقيقها !
عادا الى المنزل
وليد بضحكةٍ عريضة
وملاك بتكشيرةٍ بغيضة !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثانية ظهرًا
أنزلها السائق امام منزل جدتها , وذهب ليحضر الأخريات
دخلت واقتربت من غرفة جدتها
: يمه ؟
: يا هلا , سلطان هنا يا امّي
ابتعدت بصمت وجلست في غرفة الجلوس
مرّت عشرُ دقائق لتدخل أروى الى المنزل
رأتها واقتربت لتسلِمَ عليها
: هلا والله
عانقتها الأخرى بمحبة
: اشتقت لك
قالت أروى معاتبة
: مبيّن الشوق ! الله لا يقطع بنا من جا مالك ما عاد لك شوفة
ابتسمت
: ايه خلاص مالك يوديني ويجيبني , واحراج اجي واخوك هنا
قالت اروى بنظرةٍ ذاتِ مغزىً
: البنات كلّهم كل يوم يجون ولا قالوا احراج
ابتسمت ولم تجب
زفرت اروى
: بروح اسلم على جدتي وابوي وارجع لك
هزّت رأسها بصمت
غابت اروى لدقائق ثم عادت
: لينا تجين المطبخ ؟
نهضت من مكانها
: يلا
دخلتا الى المطبخ وتبادلتا حديثًا قصيرًا
قبل ان تقول اروى بحذر
: لينا , حاقدة عليه ؟
تشاغلت بسلة الفواكه
: على مين ؟
رفعت اروى حاجبها
: ولد الجيران
كان قد همّ بالدخول للمطبخ وتراجع حين سمع صوت لينا
لكنّه توقف وشعر بالغضب من جملة شقيقته
ما علاقتها بابن الجيران !
قالت لينا بتغابٍ واضح
: وش دخلني بولد الجيران احقد عليه
اقتربت اروى ونظرت الى عيني لينا مباشرة , وقالت بحدة
: سلطان , للحينك حاقدة عليه
عقدت لينا حاجبيها
: سلطان حكاية انتهت من زمان
قالت اروى برفض
: كذابة
غضبت لينا
: وش اللي كذابة
قالت اروى بحدة
: ما تمشي علي يا لينا , شفت بعيني صورته اللي مخبيتها في صندوقك اللي على بالك محد داري عنّه , الصندوق اللي فيه العقد اللي اهداك ايّاه يوم ملكتكم , الصندوق اللي فيه البطاقة اللي أرسلها لك وانتي مريضة قبل ملكتكم , الصندوق اللي فيه وردة يابسة ما ظل فيها روح...
قاطعتها لينا بنبرةٍ موجعة
: خلاص اروى
قالت اروى بغضب
: ليش ما تقولين لي اللي في قلبك ! ليش ما تجيني وتصرخين وتطلعين أي شي في نفسك , ليش لك سنين تكتمين , ليشش !
رفعت رأسها اليها وفي عينيها دمعتين عنيدتين
قويتين , تشبهانها !
قالت بقوّة
: وش تبيني اقول لك ! انا ماني ضعيفة يا اروى , ايه حبيته , لا ما حبيته عشقته ! هو اللي من وعيت والكل يقول انّي له , كنت صغيرة لمّا انخطبت وملكت عليه , حبيته وحلمت فيه وبنيت عليه كل احلامي الوردية , تخيلت بيتي وعيالي وحياتي , حتى احفادنا اللي على اسماءنا تخيلتهم ! لكنّه باعني وأرخصني وتركني , سلطان ما حبني في حياته , سلطان كان معتبرني وسيلة للحياة , كنت زوجة والسلام , زوجة اختاروها اهله , سلطان ماهو من الناس اللي تحب وتختار شريكة حياة , حياته ماشية على شختك بختك , وحظي الردي طيحني فيه , ما كانت تفرق معاه لو كنت أي وحدة , لكن انا فرقت معاي كثير , اللي حبيته اكثر من أي شي في الدنيا تركني ببرود ! حبيته يا اروى لكنّي ما افكر فيه , ولو يرجع ويطلبني لو يظل آخر رجال ما اوافق عليه , انا كرامتي فوق حبّي له , كرامتي واحترامي لنفسي اهم منه وأولى , تبين تذليني لأنّي حبيت اخوك في يوم ! تبين تشوفين في عيني انكسار منّه ! تعقبين انتي وياه , والله ما ينزل راسي ولا ابكيه وانا اخت مالك
تأوّهت اروى متوجعةً من حديثها
قالت متأثرة
: اقسم بالله ما اقصد اللي فهمتيه
شدّ على قبضته بقوّة
وابتعد بهدوء كما اقترب
للتوْ أدرك دناءةَ فعله
لم يعتقد انّه كسرها لهذا الحد
كان يظنها مثله
ليست مهتمة !
تركها , لوثها بظنون ليست سوى في عقله المريض
عقله المتوعك جدًا
المستعصي على العلاج !
شعر بوجعٍ أكبر , حين انتبه الى انّه خذلها وآلمها
ثم ما طبطب جراحه ولا لازمه في محنته
الّا شقيقها الوحيد !
شقيقها الذي لفظت اسمه معتزةً به للتوْ !
جَلَس امام جدته التي قالت مستغربة
: وش فيك يا ولد ؟
قال بنبرةٍ موجوعة
: انا وش سويت في لينا ؟
قالت جدته بفزع
: وش سويت !
همّت بالنهوض ليمسك بها
: اقصد قبل سنين
جلست جدّته وزفرت براحة
ثم تنهدت وجعًا , ولم تمرّ ثوانٍ حتى غرقت عينيها دمعًا
: توك تفطن !
: علميني
قالت وهي تضرب كتفه بعصاها , بعتابٍ مدفونٌ بنبرتها
: أوجعتها , والمرة اللي تنوجع من رجل صعب علاجها
كلماتها بسيطة , وتقليديةٌ جدًا
لكنّها وصلت الى قلبه وخدشته
فهمها تمامًا
أكثر من ما يجُب ان تُفهم
كانت نبرتها , ونظرتها
كفيلة بايصالِ قبحه اليه !
بكت جدته رُغمًا عنها
اقترب ليقبّل رأسها
كم يؤلمونها !
لم يرحموا ضعفها ولا الشيب الذي غزَى رأسها
جميعهم يتفننون بكيل الوجعِ لقلبها المخمورِ بهم
لم تُحِب في حياتها شيئًا مثلَ ما أحبتهم
ولم يقسوا على أحدٍ , كقسوتهم عليها !
قالت بصدق
: اسأل الله انّه يعوضها باللي احسن منّك بألف مرّة
ابتسم بهدوء
: لو طلبتها مرّة ثانية تزوجيني ايّاها ؟
قالت برفضٍ لا جدال فيه
: والله لو تحب السما يا سلطان ما لها رجعة , انا بناتي ما ارجعهم لواحدٍ ما عرف قدرهم , توصل لمواطي لينا انت عشان تعافها وتبي تردها بمزاجك !
ضحك بعمقٍ ثم قال
: انتي تدرين انّي مو قاصد اردها ! بس بعرف ردّة فعلك
قالت بتعالٍ
: حاصل لك تردها
ابتسم بصدق
: الله يرزقها باللي أحسن منّي , والله ما استاهلها وادري ماهو حاصل لي , لكن زواج ماني متزوج ولو بعد ميّة سنة
قالت بغضب
: تخسي , والله ان تتزوج ورجولك فوق راسك
قال ساخرًا
: ايه ان شالله
,
: اقسم بالله ما اقصد اللي فهمتيه
صمتت لثوانٍ , ثم تابعت وهي تجلس امامها
: انتي الوحيدة اللي اجلس معك واسولف معك , انتي اللي تعرفين همّي وتواسيني بضيقي , وظنيت انّي الأقرب لك , شفت الصندوق صدفة , خفت عليك ! ظنيتك تبكين عليه ومهمومة لليوم , والله ما قصدت الّا انّي اوقف معك وأخفف عنك
قالت لينا بهدوء
: ما احتاج تخففين عنّي , والله ماهي قواية ولا مكابر , واللي حط فيني الروح انّي ما عاد افكر فيه ولا ابكيه , الصندوق مجرد ذكرى , وراح اتخلص منها بأقرب وقت
شدّت اروى على كفها وقالت بصدق
: لا تزعلين منّي , انا وحيدة يا لينا لا صديقة ولا قريبة , ما في الّا انتي اللي تخفف وحدتي !
ابتسمت بصمت
وأشغلت نفسها بعيدًا عن أروى
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
مطار الملك خالد الدولي
الثالثة مساءً
اتصل على تركي الذي ردّ فورًا
: ها وينكم
قال بصوتٍ مبتهج
: انت وينك من اوّل واقفين في صالة الوصول
تلفت تركي ليراهم
أغلق الهاتف واقترب بلهفة
قال برجفة
: خالتي
شهقت بلهفة
: يا حبيبي انت !
اقترب بخوفٍ وهو يهمس
: صدق هذه انتي !
مدّت بذراعيها اليه , ليقترب ويعانقها
ارتجف بخفّةٍ ورهبة
يشعر انّ الموقف مهوّل !
امرأة غريبة تعانقه
امرأة تدعى خالةً له
خالةٌ غابت طوال أعوامهم التي مضت
والآن تظهر من حيث لا يعلمون
ابتعد عنها وقبّل رأسها
: الحمد لله على سلامتك , نورتي ديرتك
ابتسمت بمحبة
: الله يسلمك يا يمّه
عانق وليد وهمس بحرارة
: قرّت عينك
قال وليد بصدق
: والله ما ادري وين اروح من فضلك علي !
ضربه تركي بخفّة
: عيب عليك ! ان كانت امّك فهي خالتي اخت امّي !
ساروا الى سيّارة تركي
وسار تركي يوّدُ لو يقطع المسافة ما بين المطار والمنزل بثوانٍ
قال وليد
: متأكد محد حس ؟
قال تركي ضاحكًا
: وش يحسون فيه بالله عليك ! قلت رايح اجيب وليد وانا طول عمري اوديك واجيبك من المطار
ابتسم وليد وهو متوتر
كانت ملاك صامتة
ملتصقةً بالباب ولا تلتفت ابدًا الى والدتها
وصلوا أخيرًا , ونزلت ملاك بسرعة
قال تركي مبتسمًا
: مفتوح الباب ادخلي
دخلت وهتفت
: خالتي
خرجت خالتها من الغرفة الأقرب الى باب المنزل
قالت مرحبةً باشتياق
: هلا هلا , هلا والله
عانقتها ملاك بكلِ اشتياقٍ وحاجة شعرت بهما في لندن
ابتعدت عنها لتعانق هديل التي كانت تهتف بسعادةٍ من عودتها
مرّت دقيقة ليدخل وليد ويبتسم
: السلاام عليكم
قفزت هديل لتعانقه بشدّة وهي تهتف
: وين مفاجأتك
ضحك منها وأبعدها
ابتسمت خالته
: هلا براعي المفاجآت , اكلت قلبي هديل تنتظرك تجي بس عشان المفاجأة !
ضحك بارتابك وهو يعانقها ويعود ليقف قريبًا من الباب
قالت خالته مستغربة
: ادخلوا وسكروا الباب !
قال مبتسمًا
: بدخل المفاجأة
ضحكت خالته
: دخلها يلا
التفت الى والدته , كانت تضع كفّها على فَمها وتبكي بحرقة
قال وليد بحنان
: لا تبكين
عقدت ام علي حاجبيها , ولا تزال ابتسامتها على شفتيها
امسك وليد بيد والدته وأدخلها الى المنزل
نظرت اليها ام علي بصمت
واختفت ابتسامتها تدريجيًا
حتى فتحت عينيها بصدمة وأطلقت شهقةً كادت تودي بحياتها !
,
,
الى الملتقى




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس