آخر 10 مشاركات
شريكها المثالي (50) للكاتبة: Day Leclaire *كاملة* (الكاتـب : Andalus - )           »          حقد امرأة عاشقة *مميزه ومكتملة* (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          عزيزتى لينا (61) للكاتبةK.L. Donn الجزء4من سلسلة رسائل حبLove Letters كاملة+الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          ألـمــــاســة الفــــؤاد *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          عزيزى مافريك(60)للكاتبةK.L. Donn الجزء3من سلسلة رسائل حب Love Letters .. كاملة+الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          سلسلة رسائل حب Love Letters للكاتبة K.L. Donn (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          283 - الحب لا يكذب - كارولين اندرسون (الكاتـب : عنووود - )           »          أسيرتي في قفص من ذهب (2) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          خلاص اليوناني (154) للكاتبة: Kate Hewitt *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          أسيرة الكونت (136) للكاتبة: Penny Jordan (كاملة)+(الروابط) (الكاتـب : Gege86 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-03-11, 03:09 AM   #11

جرح الذات

مراقبة ومشرفة سابقة ونجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية جرح الذات

? العضوٌ??? » 54920
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 16,539
?  مُ?إني » الدمــام
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » جرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك dubi
¬» اشجع hilal
?? ??? ~
قول الله تعالى ..(إذكروني أذكركم وإشكروا لي ولا تكفرون )
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


سمعتُها تُنادي

كما لم تُنادِ من قبل ..
كانت هائجةً: يا بنت. يا بنت.
ذهبتُ إليها مسرعةً، متجاوزة لمصطبة الإسمنتية، والدرجات الصاعدة نحو سطح المنزل، لم تكُن الساعةُ قد تجاوزت السادسة والنصف صباحاً.
- آ، شو في يا ستّي ؟
- شو في؟ وتسألينَ أيضاً. من أينَ اشتريت القهوة أمس، ألم أقل لكِ لا تشتري من قهوة هذا الزّفت! هل يحمّثها على الشّمس هذا اللعين؟!! هل يحمّصها على الشمس!! لقد قطّع نومي، كما لو أنّ نومي فخذ خروف تحت ساطور أبو العبد!
- لكنّني لم أشترِ القهوةَ منه، اشتريتها لكِ من أحسن محلّ في شارع عمر المختار.
- شو إسمه؟
- والله ما أنا عارفة، لكنني شممتُ رائحة القهوة في الطريقِ فتذكّرتكِ، فقلتُ: أشتري لكِ منها. وقد اشتريتُ. قال لي إنها قهوةٌ برازيلية مئة في المائة.
- قهوة برازيلية؟! ومن قال لكِ أن تشتري لي قهوة برازيلي؟
- لقد أخبرتني أمّي أنكِ تحبّينها.
- أحبها ؟؟ أحببتها في الماضي قبل خمسينَ أو ستّين سنة، ولكنني حين فقدت الأملَ أصبحتُ أكرهها!
- لا أحد يكرهُ القهوة البرازيليّة يا ستّي.
- أنا أكرهها. قالت ذلك بنبرة قويّة لدرجة أنني رُحتُ أراقب يدها لأول مرة، خائفة من أن تقفز نحو عكّازها وتنهال به عليّ.
- قهوة مثل هذه، لا أريدُ أن تدخُلَ الدّار. فهمتِ ؟!
- فهمتُ يا ستّي! ولكن لماذا لا تقولينَ لي السبب؟
- لأنها خربطت عياراتي!
- لم أفهم يا ستّي. من شان الله خذيني على قدْ عقلي.
- سيدك، سيدك، رأيته الليلة خمس مرات في الحلم!
- يعني حلمتِ الليلة به. قولي من أول!
- عمرك ما راح تفهمي. لأنني حلمتُ به أقول لك إن قهوتكِ خربطت عياراتي. لقد كففت عن الحلم به منذ زمن طويل. تستطيعين أن تقولي إنني قاطعته. لقد كنتُ أحب القهوة البرازيلية حين كان يراسلني من البرازيل، ويقول: إنه سيعود. في تلك الأيام، حين عرفتُ أن هناك قهوة برازيلية، لم أعد أشرب إلا منها، مع أنني متأكدة من أنهم كانوا ييضحكونَ عليَّ أحياناً ويشترون لي قهوة من "اليمن" ! لكنني كنتُ أعرف، أعرف، لأن رائحة جدّك لم تكُن فيها. فهمتِ؟. أما بعد أن فقدتُ الأمل بعودته، أنا بعد أن مات دون أن يأتي كما وعد، فإن سيرة القهوة البرازيلية أصبحت تقشعر بدني.
لم أعد أشربها فهمتِ، لم أعُد أشربها أبداً.
حاولتُ أن أنططق كلمة واحدة، كلمتين، أن أعتذر، لكن يدها كانت تبدأ بالتطلع إلى العكّاز.
- أسكتي يعني أسكتي. يكفي ما تسببتِ به الليلة. لقد رأيته في الحلم، أتسمعين؟ رأيته في الحلم، ولذلك صحوتُ بسرعة، حتى أنهي اللقاء من أوله. وحاول مرة وثانية وثالثة بعد ذلك، ولكنني كنتُ متيقظة له.
ثم تصمت: هل قلتُ لك يا بنت لماذا يحلم الناس؟
- لا.
- لأنهم لا يشبعون من الحياة، يحلمون حتى يتخيلوا أنهم ليسُوا نائمين، بل مستيقظين، وأن شيئاً لم يضِع عليهم، وأنا أيضاً، أما أن أحلم به فأبداً !
- حتى لو نقص عمري. لكن ما باليد حيلة أحياناً! يبدو أنني تعبت أخيراً، فنمتُ، وأصبحت الساحة خالية له، فدخل إلى حلمي دون أيّ مقاومةٍ تذكر، كما تقول الإذاعات. ويا ريته اكتفى بهذا، لقد تجرّأ وقال لي: عليكِ أن تتزوّجي يا وصفيّة. فقلتُ له: أنا أتزوّج! قال: نعم، عليك أن تتزوّجي. وأنا لم أزرك هنا، إلا بعد أن وجدتُ لك عريساً لقطة. صرختُ في وجهه، وكمان جايب العريس معاك. وينه!! بعدين، هل جننت يا رجل، هل تعتقد أنني ما زلتُ صبية بحيث يُمكنني أن أتزوج؟ حتى أنني انفعلتُ إلى حدّ أنني قلتُ له، ولا حياءَ في الدّين: يا شايب، ألا تعرفُ بأنّ كلّ خزوقي سكّرت. كان يكفي أن تنظر في عينيّ لتُدرك ذلك. فقال لي: لا تخدعيني. حينَ متّ كُنتِ صبيّة ، ولا أحلى!! فصرختُ به: وهل رأيتني قبل أن تموت؟ أظنّك لم تتذكر وجهي حين كانت روحك تتهيّأ للصعود إلى ربها. فقال لي: لا يُمكن أن تكوني كبُرتِ، فأنا لم أمُت إلا من أيّام!.
- من أيام؟ قلتُ له. من أيام ؟! ياللي ما بتخاف ربّك، صارلك أكثر من خمسين ستين سنة ميت. فقال لي: يا امرأة لا تفاولي عليّ!! لو أنني ميت منذ ذلك الزمان، لما استطعتُ أن آتي إلليكِ من البرازيل حتى غزو خمس مرات وأعود في ليلة واحدة!
إذن كنت تعرف أنني لا أريدك أن تدخل إلى حلمي، تعرف أنني أغلقت الحلم في وجهك مرة، مرتين ، ثلاثاً ، أربعاً، خمساً، إلى أن أتعبتني واستغللت تعبي ودخلت منه. وقلت له: ما دمت نشيطاً إلى هذا الحدّ، أنت الذي تستطيع الذهاب إلى البرازيل والعودة في ليلة واحدة خمس مرات، فلماذا لا تتزوجني أنت؟
- أتزوجك أنا ؟
- آ، أنت، وهل ينقصني طول أم عرض ، أم عينان أم ماذا؟
- كيف يمكن أن أتزوجك وأنت زوجتي؟ هل جُننتِ؟
- آ والله صحيح، كيف ستتزوّجني وأنت زوجي؟!
- ها قد عاد إليك عقلكِ، قال لي.
- أتُريدني أن أتزوّج يعني؟ بجدّ !
- فقال: نعم.
لكنني يا ستّي عرفتُ قصده، آ عرفتُ قصده، فهو لم يأتِ إليّ الليلة خمس مرات إلا لشيء واحد، هل تعرفين ما هو؟
وقبل أن أجيب قالت لي: يا ستّي سيدك حنّ.
- حّنَّ ؟.
- آه حنّ، وأكيد لإنّه ما عمل في حياته شيء واحد يجعلني أترحّم عليه، الله عاقبه وحرمه من الحوريّات!.
- لم أفهم يا ستّي.
- لم تفهمي. جدّك هذا كان يعمل ألف حيلة وحيلة، بعد زواجنا، حتى (ولا حياء في الدين) ..
ثمّ صمتت وسألتني: قدّيش عمرِك إنتِ؟
- يمكن خمسة وعشرين.
- خمس وعشرين يعني بتفهمي ما الذي يحدث بين الزوج وزوجته؟
هززتُ رأسي.
- جدّك كان يعمل ألف حيلة وماذا؟
- وحيلة.
- إذا كان بدّوا إيّاني. فهمتِ؟
- فهمتْ.
- فكيف لا يجيء خمس مرات في ليلة واحدة من البرازيل؟. كيف ؟
وتصمت كثيراً، ثمّ حين تراني أهمّ بالنهوض، تقولي لي: اقعدي، لم أنهِ كلامي.
- كيف أخوتك؟
- أخبارهم مليحة، بس الوضع صعبْ. تعرفين حين يُطاردون شخصاً، فإننا لا نستطيع إلا ان نخاف عليه. عيونهم على الأرض، وعيونهم في السماء طائرات، بعضها نراه، وبعضها لا نراه.
- الله معاهم.
وتصمت. أتحرّك فتعودُ للكلام.
- أتعرفينَ ما الذي يُريدُه سيدك فعلاً ؟
- ماذا يُريد ؟
- يريد أن يأذخني عنده. كأنه اشتاق إليّ. ولا أظنّ أن للأمر علاقة بحرمانه من الحوريات!.
- بدأتِ تحنّين يا ستّي؟
- لكنني لن أموت من أجل ملاقاته!
- الشرّ بعيد.
- الشر دائماً قريب. ألا تعرفين ذلك. ولكنّ هناك شيئاً آخر لا أريد أن أموت وهو في نفسيْ.
- ما هو؟
- هل تعتقدين أنني عشت كل ما عشته، وتحملت كل ما تحماته حتى أموت قبل أن أرى بخزوق عينيّ هذه رحيل هؤلاء؟ هل تعتقدين أنني سأموت قبل أن أطمئن عليك، وعلى أمك، وعلى أخوتك؟ ألا يكفيهم أنهم حرموني من أن أطمئن على أختك، وجمال، وصالح وآمنة، ومصطفى، وعزيز؟
- عزير؟ من عزيز؟ سألتها.
- هناك أشياء ما بتتخبّا.
قلت لها: ولكنني لم أره!
- أتعتقدين بأنني لا أعرف؟ ولكنني أحس أنه كان يمكن أن يكون الوضع أفضل لو أتيح لكما ذلك.
- حزّنتيني يا ستّي.
- يا ريت كان بإيدي أفرحك.
- وجودك وحده يفرحني.
- آها اعترفي. مش كلّ شويّ أطلّع عليكِ أحسّ إنّك بدك تهربي مني.
- طيبْ، مسموح لي أروح؟
- مسموح.
- أكيد ؟
- ولِك أكيد. وإذا ما راح تقومي، راح أضربك بهالعكّاز.
- إلا هذا!.
وبعد، لا أدري. أجدُ نفسي هُناكْ. مع آمنة .



يُتبع / إن شاء الله .


جرح الذات غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 12-03-11, 03:14 AM   #12

جرح الذات

مراقبة ومشرفة سابقة ونجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية جرح الذات

? العضوٌ??? » 54920
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 16,539
?  مُ?إني » الدمــام
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » جرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك dubi
¬» اشجع hilal
?? ??? ~
قول الله تعالى ..(إذكروني أذكركم وإشكروا لي ولا تكفرون )
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

كنتُ متأكدة من أنّك أنت أنت ..
كنت متأكدة من أنك أنت الذي رحلت ،
وكان لا بدّ من موتٍ كبير، موت غير عاديّ كي يمنعكَ من الوصول إليّ.
كُنتُ أشاهد التلفزيون وإلى جانبي رندة وصالح، كنا نشاهد التلفزيون ولا نشاهده، هكذا كان ملقىً أمام أبصارنا دون أن نعيره اهتماماً.
مراتٍ كثيرةً فكّرتُ، ولماذا يبقى مفتوحاً ما دمنا لا نشاهده؟
ولكننا كنا ننظر إليهِ، بين لحظةٍ وأخرى دائماً، لسببٍ لا نعرفه. رندة كانت تسألني: وما الذي ننتظرُ أن نراه على هذه الشاشةِ ونحنُ شاهدناهُ ونشاهدهُ بأعيننا هذه؟
ربّما كانت العادة، العادة لا غير. إذ لا بدّ أن نتواضعَ أحياناً، ونرى، لأنّ هناك أشياء لا نراها بأعيننا. لكن رندة قالت لي: ليس مهماً أن نرى ما لا نراه بأعيننا، لأننا نرى ما يشبهه هنا.
ذكية هذه البنت، أتعرف، لو كان صالح يحبها قليلاً، لفكرتُ بها، وساعدته على أن ينسى حبّ لميس، لكن القلب وما هوى!
لا تؤاخذني كم مرةً قلتُ لك هذا الكلام!.
الصحيح أنها لم تتركني. دائماً أحسّ بأنّ يدها في يدي، وعلى جبيني، حتى تصدّقه، ولكن هذه البنت، حين تجلسُ قرب رأسي في الليل، وتضعُ كفها على جبيني، أنامُ مرتاحة، أنام كجنين في رحم أمه.
قلتُ لها: كان يجبُ أن يكون اسمُكِ رحمة، وليس رندة. فقالت لي: أولاً أنا اسمي لميسْ، ثمّ هل هناكَ مكان يمكن أن تعيش فيهِ الرحمةُ هنا؟ كنتُ سأموتُ قبل أن أولدْ. كنتُ سأموتُ بمجردِ أن يخطر هذا الاسمُ ببال أمي. أنظري إليهم، إنهم يقتلون كلّ شيءْ، أتعرفينَ لماذا؟ لأنهم قتلوا الرحمةَ أولاً.
وكنتُ أراقبُ أصابعها، وأقولُ: لو لم تكن أصابعها دقيقةً على هذا لانحو، لما استطاعت أن تنقّيَ أحلاميْ.
نعم، تنقي أحلامي، حين أكون نائمة.
لماذا تستغربُ ذلكْ؟ ألم أقل لك، حين تكون قرب رأسي ، لا أرى أيّ أحلامٍ مزعجةٍ أو كوابيسْ. تجلسُ قربي، وكما لو أنها تنصبُ شبكة تمنعُ مرور ما يفزعني، ما لا يجعلني أنام.
وقد سألتها ذات مرة، كيف تستطيعين أن تفعلي ذلك يا رندة؟
سألتني: وما هو الذي أستطيعُ أن أفعله؟
- أنا عارفة وأنت عارفة! قلتُ لها.
فقالتْ ليْ: والله ما أنا عارفة إشي!.
وخشيتُ أن أصارحها، فتقولُ أنني جننتْ. فلم أصارحهاْ، وقلتُ لها: لقد أصبحتُ أفضلْ، بإمكانكِ أن تذهبي وتنامي في فراشكِ ، ألم تشتاقي إليهْ ؟
فقالتْ لي: ومن يشتاقُ لفراشهِ هنا وهو لا يعرفُ هل سيصحو حياً أو ميتاً فيه.
أرأيتْ؟ يخرجُ الكلامُ من جوَّاها.
ذات يومٍ قالت لي: حين يغلقون الطرقَ ويغلقون السماء أتجول في داخلي، أكون مضطرة للتجول في داخلي يا خالتيْ. وهناك أفاجأ بأشياء لم أكن أعتقدُ أنها موجودة. أتعرفين ما هي: الكلمات. نعم، أكتشفُ أن هناك كلماتٍ كلماتٍ كثيرة، تمسكني من يدي وتسيرُ بيْ، كلماتٍ مضيئة، حين تتجمعُ حين تتلاصقُ، تشرقُ شمسٌ كبيرةٌ ، وأرى أكثرْ، أحس أكثر، أراكِ حتى، أرى لميس، صالح، جمال، أخوي، أرى جدتي، أراكم كلّكم وأفهمكم أكثرْ.
لكنها لم تقل لي ما رأت على شاشة التلفاز ذلك اليوم، ونحن ننظر إلى الشاشةِ دون أن نشاهدها. لم تقل، وسيمر وقتٌ طويلٌ ، قبل أن تقول لي: إنها كانت تعرف، لأنها كانت تريدني أن أعرف بنفسي، قالت لي: هناك أشياء يجب ان يعرفها الإنسان بنفسه، وإذا قالها له شخص آخرُ، فإنها تغدُو بلا معنىً.
لكنني أحسستُ، أحسستُ يومها بما حدث، ولم أكن أريدُ أن أعرف. لا ، لم أكن أريدُ أن أتأكد.
دون أن نقول أيّ كلمةٍ، نهضنا، الاثنتان، قلنا لصالح، ابقَ هنا في البيتْ، مع أختك، ونحنُ سنذهبُ مشواراً صغيراً ونعود.
أتعرفُ لم أرد أن أنفعل، أو أن أبكي، لأنني كنت أدرك أنني لو فعلتُ ذلك فإنني سأكون قد أعلنتُ موتك. كنتُ أريدك أن تجيء، كنت أريدك أن ترسل إليّ إشاراتك القصيرة، التي أتبعها، فأجد، بعدها، نفسي معك.
لكن صالح رفض، فنادينا لميس، قلت لها يا لميس، هل يمكن أن تجلسي مع نادية، سنذهب مشواراً صغيراً ونعود.
ولم تكن رندة تتكلم، انطبقَ فمها، كما لو أنها ولدت بلا فم. وحين دخلت لميسْ، قلتُ سيغير صالح رأيه، لكنه لم يغير رأيه ليبقى في البيت، تصوَّر!.
عندها ازداد خوفيْ، قلتُ، الولدُ يعرفْ، ورندة تعرف، وأنا وحدي التي لا تريدُ أن تعرفْ.
لم يكن من السهلِ معرفةُ الوجه على الشاشة. كانت الدماء تغطيه. وفي الطريق سألتُ نفسي، هل رأيتِ وجهاً أم خيل إليكِ أنكِ ترينِ وجهاُ؟ لا أعرف. كل الأشلاءْ اختلطت ببعضها البعض، ولعلها شكلت وجهاً بالصدفة، وجهاً ليس بالضرورة أن يكون وجهك، لأنني كنت أراك كلّ مرة على هيئةٍ أخرى كلما التقيتُك، كنتُ أفزعُ في البداية، وأقول لنفسي ما الذي يفعله هذا الاحتلال بكِ يا آمنة، إنه يقذف بجسدكِ كل مرةٍ إلى ذراعيْ رجلٍ ترينهُ للمرة الأولى! لا تأخذ كلامي أكبر من حجمه، لأنك تعرف أنني أحبك ولكنّ الأمرَ كان يخيفنيْ.
أتذكرُ عندما نهرتُكَ ذات يوم، حين قلتُ لك: يا عيبك، عجوز بعمك، يلاحق بنتاً بعمر ابنته. وعندها رحت تضحك، وتضحك، ولو لم تضحك لما عرفتُكَ أبداً.!
ثم تلك المرة، حين تبعتني وشككتُ فيكْ، قلتُ: هذا جاسوسْ، يتبعني، إنه يراقبني منذُ غادرتُ البيت. لم أكن أتوقع أن تقترب إلى هذا الحدّ، وأنا كنتُ حريصةً دائماً. أتذكرُ حينَ عدتُ للحارةِ بعد أن فقدتُ الأملَ في تضليلكْ، وأنت تجري ورائي غير قادرٍ على أن تدركني؟ وكيفَ صرختُ جاسوس، جاسوس. فاندفع الأولادُ وراءك بالحجارة. ولكنّ، الله رحمك، حين استطعت الهرب قبل أن يلحقوا بك تماماً.
- كُنتِ ستقتلينني يا آمنة. بعض الحذر مهمّ، لكنّ هذا الخوفَ قاتلْ. قُلتَ لي.
ولم أعد أصرخ صرخة كتلك، مع أنني كنتُ أعرف أن الجواسيس زيّ الهمّ على القلب، كثيرون. أصبحتُ مستعدة أن أدور طوال اليوم، حتى أنهك أيّ جاسوس فعليّ، وأصبحتُ أملك الصبرَ بحيث أقبل بالعودة إلى البيتِ حتى دون أن أراك أحياناً.
التلفزيون قال إن الطائرة التي ألقت الصاروخ قتلت واحداً، وأصابت آخر، إصابته خطيرة للغاية. ثمّ عرض صورة شهيدٍ وطلب ممن يعرفه أن يتوجه لمستشفى الشفاء فوراً.
صمتُ رندة هو الذي كان يخيفني أكثر، إلا أنها فتحت فمها أخيراً حين أدركت أن صالح سيأتي معنا.
- إن شا الله خيرْ!.
قالت ذلك، كما لو أنها جدتها، وليست رندة. لأنها قالتها كمن يعرف السرّ ولا يريدُ اليوح بع.
وقلتُ لها: لا بيس هو. لو كان هو لعرفته على الفور. يكفي أن أرى جزءً منهُ لأعرفه، لا، ليس هو. وكنتُ أعرفُ أنك لست أنت، لأنك لا يمكن أن تكون هذا الفتات المبعثر. أين طولك؟ أين عيناك؟ يداك؟ ابتسامتك؟ أين خطوتك؟!
لا ، لستَ أنت.
لكنّ كل شيْءٍ تغير، حين وصلنا المستشفى، كانت الدنيا قائمةً قاعدة. مئات الناس جاءوا للمستشفى. جاؤوا ليتعرفوا عليكْ.
عندما استطعنا أن نشقّ طريقنا عبر الناس الذين كانوا يبكون، ووصلنا لذلك الشخص الذي يرتدي الأبيض الملطّخ بالدم على باب المشرحة، قلتُ له: أريدُ أن أراه. فسألني: بتقربي له؟
فقلتُ له: إنه زوجي.
- عشرون امرأة تعرّفن عليهِ وقُلنَ إنّهُ زوجهنّ !
- عشرون امرأة؟ لا. جمال ليس له سوى زوجة واحدة، هي أنا.
- كلّ واحدة منهنّ قالت هذا الكلام. ولذلك سأدعك ترينهْ.
وحين همّ صالحْ بالدخول، منعه، وقال: أنتِ فقط. فبقي مع رندة.
رفع الغطاءَ عنك، لم أرَ شيئاً، وكان الدخان يغطي تلك الأشلاء التي لم يحولها الانفجارُ إلى فحم.
حاولتُ البحث بعينيّ عن شيء يشير إليك، لم أجد. رجوتهُ أن يكشف الغطاء أكثر. فقال لي: ما الذي تريدين أن تريه؟ لا شيء يُرى يا أختي! لا شيء! ولكنه رفع الغطاء أكصر، ولم أر شيئاً، فبدأت أبكي، ثم رحتُ أصرخ، جمال ، جمال.
سألني: هل تعرّفتِ عليه؟
وكان صراخي يزداد.
جاءت ممرضة، أحاطتني بذراعها، وسارت بي نحو البوابة الخارجية. وما إن لمحتُ وجه صالح حتى جففت دموعي، وجفَّ صراخي، كما لو أنني لم أصرخ ولم أبكِ. لقد رأيتُك. رأيتُكَ في وجهه. فقلتُ: لا، ليس هو. حين سألتني رندة. وقلتُ: لست أنتَ حين سألني صالح. وثلتُ: لستَ أنتَ حينَ سألتُ نفسيْ.
وحين قالت لي رندة: نعودُ للبيتِ إذن، قلتُ لها: لا. وتشبّثتُ بعتمة الليل.
رندة فهمتني، فقالت: سأذهبُ وأعود، أمسكت صالح من يده وسارت به، ابتعد معها كما لو أنني لست أمه، ابتعد بهدوء وهذا أخافني أكثرْ.
على عتبات المستشفى جلستُ، وبعد زمن اكتشفت أنني أسند ظهري إلى ظهر امرأة أخرى. سألتها: من أنتِ يا أختي؟ فقالت: زوجته! وقلتُ لها: وأنا زوجته! فسمعنا امرأة أخرى وقالت: لا، أنا أعرفه، فأنا زوجته! وقالت امرأة : إنها أمه، ولا شيء يدرك أمراً كهذا مثلُ قلب الأمّ! فسكتنا طويلاً، قبل أن تقول واحدة أخرى: إنني متأكدة من أنه هو، إنه زوجي! وقالت صبيّة: ليس لي غيره، إنه أخي الوحيد، فلماذا تريدون أن تأخذوه مني؟ فسكتنا طويلاً. إلى أن سمعتُ طفلاً صغيراً يصرخ: يابا، يابا، بدي أبوي!
فجأة نهضتُ.
- إلى أين؟ سألتني امرأة كانت قد أخبرتني أنك زوجها، وأنها متأكدة من ذلك، لأنها أنجبت منكَ سبعة أولاد: ثلاث بنات وأربعة أولاد، وقلتُ في نفسي حين سمعتها: امرأة تُنجبُ كل هذا العدد من شخص لا بدّ تعرفه أكثر من امرأة أنجبت اثنين منه! وأعادت سؤالها: إلى أين؟ وكأنها لا تريدني أن أبتعد، وكأنها تريدني أن أكون زوجتك، وليست هي!
- ألم يقولوا إن هناك جريحاً؟ سألتها.
- قالوا، وقالوا إن إصابته خطيرة. وإنه في غيبوبة قد لا يصحو منها، نصفُ رأسه طار!
فعدتُ لمكاني.
***
ليس أقلّ من عشر بيوت عزاء أقيمت من "جباليا" إلى "الشاطئ" إلى "النصيرات" إلى "البريج" إلى ""المغازي" "دير البلح" حتى "خان يونس". وقال لي بعض الناس الذين عزّوني، أنّهم ذهبوا وقدّموا العزاء في رفح أيضاً.
حتى رندة ولميس، لم تعرفا شيئاً من أخويهما، جواد وسليم، اللذين ظهرا في الجنازة، الجنازة تحوّلت إلى مظاهرة، لم تعرفا إن كنتَ أنتَ أنتَ، أم أنك شخص آخر، شهيدٌ آخر. قالا لها: هذه مسائل تكشفها الأيّام. وليس نحنْ.
لكنّ الأمرَ لم يكُن بهذه السهولة.



يُتبع .


جرح الذات غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 12-03-11, 03:15 AM   #13

جرح الذات

مراقبة ومشرفة سابقة ونجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية جرح الذات

? العضوٌ??? » 54920
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 16,539
?  مُ?إني » الدمــام
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » جرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك dubi
¬» اشجع hilal
?? ??? ~
قول الله تعالى ..(إذكروني أذكركم وإشكروا لي ولا تكفرون )
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

قالت: أخافُ أن أبتعدَ فتأخذه امرأةٌ غيري!

- دعيه ينام. قلتُ لآمنة. دعيه ينام.
لقد شاهدتُ الكثير في غزة، وسمعتُ عن الكثير هناك في الضفة، لكن ما حدث هنا، في مقبرة الشهداء، كان شيئاً أراه للمرة الأولى.
نساء كثيرات تحلقن حول القبر يبكين من فيه. كل واحدة منهن كانت على يقين بأن من القبر هو زوجها، ابنها، أو أخوها، أو حبيبها. وكل واحدة منهن، كانت تبكيه وتتطلع لباب المقبرة، فلعله يأتي فجأة ليقول لها: وما الذس تفعلينه هنا؟!
لم يكن هناك ما يشير إلى أنه هو، سوى ذلك الإحساس الغامض الذي ينتشر في القلب ويطبق عليه من جميع الجهات، محولاً إياهُ إلى قطعة من أسى.
قلتُ لها: دعيه ينام.
فقالت: أخافُ أن أبتعد فتأخذه امرأة غيري!
*** *** ***
لم تكن نظرات النسوة أقل حزناُ وخوفاُ على من في القبر من آمنة.
لكنهن قبلن بتقاسم ذلك الحس، بحيث كان يمكن بعد أيام أن يتلاشى ذلك الشعور الامض الذي يسكن كل واحدة منهن لإقصاء الأخرى بعيداً.
ثمة أولاد حضروا، بكوا قليلاً، بكوا كثيراً. وبعد أيام كان يمكن أن تشاهدهم يلعبون بين القبور معاً، كأخوة، يدركون أنّ من في القبر أبوهم.
ولعلهم وصلوا إلى تلك النتيجة التي لم يكن باستطاعة النساء الوصول إليها، حينما كنّ ستحدثن عن كل الشباب ، بعيداً عن المقبرة، ويقلن: إنهم أولادنا.
كأنهم قالوا : إنهُ أبونا!.
وبوماً بعد يوم، أصبحتُ أسمعُ حكايات مختلفة عن ذلك الشخث الذي تتشبث به أحزانهنّ.
أحياناً، كان شخصاً مطارداً، وأحياناً، كان في طريقه للبيت، أو في طريقه للمظاهرة، أو في طريقه للجنازة، أو في طريقه لشيء لم يكن يعلمُ ما هو ..
تقولُ واحدة: لقد تزوجنا منذ ستة أشهر! كيف يقتلونه هكذا، كيف لا تتاحُ له الفرصةُ لمشاهدة ابنه؟! وتحتضنُ جنينها كما لو أنه فوق صدرها.
وتقول أخرى: إنه خطيبي، وتذهبُ بعيداً في رثائه ورثاء أبيضها الذي حلمت به.
وتقول ثالثة: كان يقول لي: كل هذا الموت، ورم ذلك عشنا وسنعيش لنشاهد أحفادنا بأعيننا. كان فرحاً لأنه سيصبحُ جداً. حين تزوجنا كان في أوائل العشرينيات من عمره وكنت في التاسعة عشرة. فأقول له: وإن شاء الله نتحرر وتشاهد أبناء أحفاددك، فيقول لي: الموت أصبح أكثر!
كان يعرف أنه لن يشاهد حفيده. شيء يقطّع القلبَ أن تكون على مسافة خطوات من إنسان ستراه، إنسان تتمناه، وفجأة يفقأون عينيك على هذا النحو.
وتقول رابعة: ليس لي غيره هنا، لا أحد لي غيره هنا. أهلي مشتتون في الخارج، كل واحد في بلد.
وحين يأتي المساء، تلملم أم الأبناء أبناءها من بين القبور، أو يأتي أبناء بأنفسهم لإعادة أمهم للبيت، وتلملم الصبية أسزدها، وتنسلّ وتنسلّ بهدوء فتاتان تأتيان معاً، وتذهبان معاً. كل ما سمعته: أنه كان الأخ والأب والابن والخطيب لهما. وتضيف واحدة منهما: أو أكثر.
فتحترم النسوة الأخريات أحزانهما ولا يذهبن في أسئلتهمّ أبعد.
وتبقى آمنة .. آمنة التي تحولت إلى حارسة للقبر.
*** *** ***
في الصباح تأتي كل واحدة منهن لها بطعام، لكن يدها لم تكن تمتد إليه.
وغالباً، عند الضحى، يأكل الأولاد كل شيء.
فجأة لم تعد الخطيبة تأتي. غابت ثلاثة أيام. قالت امرأة: لا بد أن نذهب لنسأل عنها. ليكون صار إلها إشي! لكنها جاءت في اليوم الرابع، جلست. سألتها: ماذا حصل؟ فظلت صامتة. ثم بكت كثيراً. إلى ذلك الحد الذي جعل كل امرأة موجودة تحسّ، بأن هذه البنتُ لم تبكِ كل هذا البكاء، إلا لأنها تأكدت أن من في القبر خطيبُها.
- هل أفاق الجريحُ من غيبوبته وتحدث؟ سألتها واحدة.
- لا.
- ولماذا تبكين ؟
- لأنني، لا أعرف ماذا أقول لكن. لأنني خجلة من نفسي. لأنني بكيتُ أمس فرحاً. لأنه عاد!!
عمّ صمتٌ عميق.
ولم تكن الواحدة منهنّ قادرة على إيجاد الفرق بين أن تهنئ هذه الصبية بعودة خطيبها، أم تبكي نفسها لأن إمكانية أن يكون من في القبر قد أصبح شهيدها أكثر!
- لقد تزوجنا وأنجبنا، وفرحنا بأولادنا، ولك الحق أن تفرحي مثلما فرحنا. مبروك. قالت لها المرأة التي أوشكت أن تكون جدة.
فبكت الصبية أكثر.
- كيف سأذهب وأترككنّ هنا، وحدكن؟
- لأنه لا بد أن تذهبي. اذهبي.
- لو كنت أعرف اسم الشهيد، لكنتُ أسميتُ ابني على اسمه. ولكن في هذا القبر أسماء كثيرة!
- تزوجي وأنجبي، آخر شي مهم هنا هو الأسماء. انظري إلينا، كل واحدة منا تحمل اسماً لهذا الذي تحت التراب، ولكن الشيء الوحيد المؤكذ، ليس الأسماء، إنه ذلك الإنسان الذي في داخله.
عند الغروب، كانت تلك الصبية هي الأكثر حرصاً على ألّا تكون أول من يترك ذلك القبر. ظلت جالسة إلى أن بدأ أولاد كثيرون يتصايحون ويبكون، فاضطرت أمهاتهم للعودة بهم. وحينما نهضت أخيراً، قالت: سأعود.
فخرج النداء من أكثر من فم: لا. لا تعودي!.
** ** **
بين حين وآخر كانت تعوُ ، في يدها سخان شاي، وبعض الطعام، تجلس صامتة، فأحس أن أكثر من واحدة تشجعها على ألا تكون حزينة بفرحتها إلى هذا الحدّ.
تبكي كثيراً أو قليلاً، وتختفي.
بعد أسبوعين، لم يكن قد تبقى سوى خمس نساء يأتين كل يوم.
- لم يبقَ سوانا، خمس نساء. قالت امرأة وصمتت.
- لكن الذي في القبر واحد. قالت أخرى.
- أظن أننا أربع نساء، ولسنا خمساً. هناك واحدة قصفوا بيتها اليوم في المغازي. استشهدت.
- من؟
- أم فؤاد .
فجأة نسين من في القبر، وبدأن يبكين رفيقة حزنهنّ.
- لقد استشهدت قبل أن تعرف إن كان من في القبر زوجها أم لا.
- ستعرف قبلنا!
- تعرف قبلنا ؟؟
- نعم ستعرف قبلنا.
*** *** ***
الشيء الذي كنتُ أحسه ، أن دموع آمنة، كانت تهنمر متبعثرة في كل الاتجاهات، كأنها تبكي مليون شخص في لحظة واحدة.
- عليك أن تعودي لنادية، لصالح. أقولُ لها.
- هل تعبتُم منهما؟
- لقد أصبحا جزءاً من أسرتنا منذ ذلك المساء، لكن الشيء الذي كان يؤرقنا، هو بكاء أمي الذي يتفجرُ دون موعد كلما راحت تطعمُ أو تنظف نادية ابنة العامين: ولماذا البكاءُ الآن؟ أتريدين أن نعذب صالح أكثر؟
فتمسحُ دموعها بطرف كمها.
ثم أصبح بإمكانها أن تحبسها طول النهار، ما إن يناما حتى تبدأ بكاءً مستمراً. وحين أسألها: لماذا البكاء الآن. تسألني: إنتِ مين؟ لميس وإلا رندة؟
- والله مانا عارفة يامّا !
- تسألينني لماذا البكاء؟ ومتى سأبكي إذن؟ كلنا يا ابنتي، مرة واحدة، من أول غزة حتى آخرها، لماذا لا نبكي؟ هي يجبُ علينا أن نزغرد طول الوقت؟ لماذا؟ لأن أولادنا شهداء. ولكنهم أولادنا. كل يوم، كل ساعة، كل لحظة أنتظر أن يدقّ أحدهم الباب ويأتيني بالخبر الذي لا أريدُ سماعه. كل هذا الخوف عليهم، كل هذا الخوف، وفي النهايةِ يجبُ أن أزغرد. أتعرفين لماذا تبكي الأمهات خوفاً على أبنائهن طول الوقت؟ لأنّ عليهم أن يزغردن مرة واحدة. واحدة فقط. كي لا يخجلنَ من هذه الزغرودة التي يطالبهنّ بها العالم. تبكي الواحدة منا كول الوقت لأنها تعر أن هناك لحظة آتية، ستكون فيها مضطرة لأن تخون أحزانها، حين يكون عليها أن تزغرد. ثم هل تعرفين من هو الذي يجبرنا على أن نزغرد فعلاً؟ لا ، ليس أهلنا وأقاربنا وجيراننا، لا ، ليسوا هم، الذي يُجبرنا على أن نزغرد في جنازات شهدائنا هو ذلك الذي قتلهم، نزغرد حتى لا نجعله يحسّ لحظةً أنه هزمنا، وإن عشنا، سأذكرك أننا نبكي كثيراً بعد أن نتحرر!
سنبكي كل أولئك الذين كنا مضطرين أن نزغرد في جنازاتهم ، سنبكي كما نشاء، ونفرح كما نشاء، وليس حسب المواعيد التي يحددها لنا الذي يُطلق النار عليهم وعلينا الآن. فنحن لسنا أبطالاً، لا، لقد فكرتُ طويلاً في هذا، وقلت لنفسي نحن لسنا أبطالاً، ولكننا مشطرونَ أن نكون كذلك.
** *** ***
ذلك اليوم، قلقتُ كثيراً على أمي، قلقتُ على أخويّ.
في الصباح حملت أمي نادية وأمسكت بيد صالح وذهبنا للمقبرة.
من بعيد أبصرتهمّ ..
كلما كان عددهنّ يقلّ، كنتُ أخافُ أكث. فقد كان حزنُ غيابه موزعاً على عدد أكبر .. وكلما اختفت واحدة خلّفت حصّتها من الحزنُ فوق قلوب الآخرين.
احتضنت آمنة ابنتها، لكنها لم تكُن تبكي. شيء ما في داخلها، كان يجعلها أكثر تماسكاً كلما لمحت صالح.
- قلتُ لكِ . إنه لي.
- لا تقطعي الأمل. قالت لها أمي.
وقلتُ: سأذهبُ اليوم للمستشفى، وأسأل.
كنتُ أقرأ تاريخ الاستشهادِ فوق الشاهدة المؤقتة. وأتساءل: أي اسمٍ سيُكتبُ فوق هذا التاريخ؟ هل يبحثُ التاريخُ عن الأسماء ليملأ هذا الفراغ المخيف؟ أم تبحث الأسماء عن التاريخ ليكون لمرورها معنى وأثر؟ وما هو الذي يتعذب أكثر في بحثه عن الآخر؟
قلتُ لها: سأذهبُ اليوم للمستشفى.
فقالت لي: لا تذهبي. لو لم يمُت بسبب هذا الصاروخ لمات بسبب غيابه عني كلّ هذا الوقت. إنّهُ هو!.
وذهبتُ.
لكنني لم أجرؤ على العودةِ حاملةً ذلك الاسم، الاسم كله.
قالت لي قبل أن أتكلم: كان عليكِ أن تصدقيني. هل صدّقتِ الآن؟
هززتُ رأسي.
كانت الفتاتانِ هما آخرُ من تبقى مع آمنة.
نهضتا ، عانقتا آمنة جون أن تقولا شيئاً .. وابتعدتا ..
وقلتُ في نفسي: هل ظلّ شيءٌ يُقال ْ ؟
لكنّ شيئاً ما دمعني أن أنهض وأجري إلى أن أدركتهما هناك عند سور المقبرة.
حين أحسنا بخطواتي توقفتا.
إلى أن وصلتُ.
لم أكُن ألهثُ تماماً.
- كنا نعرف. قالت واحدة منهما.
- كنا نعرف، لأننا منذ زمن طويل نعيش وحدنا. ليس لنا أحد، كنا نعرف، إذ ليس لنا أحد!.
حاولتُ أن أسأل. لكنها قالت: لا تسألي. وقالت الثانية: لم نكُن نريدُ أن نتركه وحيداً، لم نكن نريدُ أن نذهب قبل أن نطمئنّ بأنه لأحد. الآن تغير الأمر! لن يكون وحيداً بعد اليوم ..
وابتعدتا ..
حاولتُ أن أقول شيئاً ، أيّ شيء، كلمة حتى، لم أستطِع ..
فجلستُ أبكيْ.


جرح الذات غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 12-03-11, 03:18 AM   #14

جرح الذات

مراقبة ومشرفة سابقة ونجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية جرح الذات

? العضوٌ??? » 54920
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 16,539
?  مُ?إني » الدمــام
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » جرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك dubi
¬» اشجع hilal
?? ??? ~
قول الله تعالى ..(إذكروني أذكركم وإشكروا لي ولا تكفرون )
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

هل تعرفُ ذلك ؟

أنا الآن وحدي معك.
كلّهن ذهبنَ ، وبقينا وحدنا.
لكن، بين يوم وآخر يعود بعضهنّ:
الدنيا بخير.
وحياتك الدنيا لسّه بخير ..
يأتينَ للاطمئنان عليكَ فيّ، أو للاطمئنانِ عليّ فيكْ.
صالح قال لي: أكان لا بُدّ أن تحرقي الصور؟ كان يمكن أن يكون لدينا الآن ما يذكّرنا بهِ. وبكى.
ولم أكن أريدُ أن يحزن بوجود كل تلك الصور بين يديه.
قلتُ له: أولم تعرف بأنهم قصفوا المقبرة. لماذا يقصفون مقبرة؟ إنهم يتعبون من البحث عن صور للذين قتلوهم. رندة قالت لي إنهم يريدون أن يتأكدوا من أن الذي قتلوه قد قتلوه تماماً!
وقلتُ لصالح: سأعطيكَ صورة واحدة. فقال: أريدُها كلها.
هل تعرف؟ أنا لا أعرف كيف أحسّ الولدُ بأنّ الصور كلها موجودة هناك، مخبّأة.
لعلي كنتُ أخشى أكثر منه لحظةً كهذه، ليس لديّ فيها منك أي شيء سوى الذكريات. الذكريات التي أحيها وأكرهها، التي تأتي وتذهبُ ، دون أن تخلف لنا سوى الجنون. الذكريات التي تهرم فلا تعودُ قادرة على استحضار وجهٍ واحد نحبه ونحتاجه في لحظة ما.
كلّهن ذهبنَ.
كان يمكن أن تكون قدر أيّ واحدةٍ منهنّ، بأن تكون قدري الذي يسكنُ خارج هذا التراب.
ليس أسوأ من أن أتمناك لي، وأتمناك لهنّ في الوقت نفسه.
لسنا ملائكة.
لكن الأسوأ أن تكون لي، وتصبح لسوايْ.
أم فؤاد التي استشهدت، تعرفها! كنتُ في لحظاتٍ كثيرة أظنّكَ لها، أكثر مما أنتَ لأي واحدةٍ منا، أو لأي طفلٍ، وحين استشهِدَتْ، قلتُ أنك لها فعلاً، وإن ذلك الذي في القبر مان يستحقّ أن بدي له شيئاً كبيراً، لم نبدهِ، كي يكون لواحدة منا، كان يستحق الذهاب إليه، وهي ذهبتْ، ذهبت شهيدةً، ولا شيء آخر، وقلتُ : إن الله يحبها أكثر منا. وتساءلتُ: ما الذي فعلناهُ هنا على هذه الأرض كي نستحقّ كل هذا العذاب؟ كلنا أحسسنا أنها أخذتكَ ، وللحظات كثيرةٍ كنت أعتقد أن التراب الذي نجلس حوله فارغ، لأنك غادرتهُ، أما الأطفال فكانوا أصغر من أن يكون علامةً على شيء لم يعودوا يرونه، سوى صالح، صالح الذي صمتَ تماماً. ولم يعد يهمه شيء، حتى لميس.
قلتُ لها: خذيه للبحر يا لميس. خذيه للبحر. فلعله يُغرقُ أحزانه هُناك، فلعلّه يفيضُ فيقولُ لكِ شيئاً مما بهِ. لكنه رفض.
أما نادية، فنعمة الجهل بما يدورُ كانت أفضل شيء بالنسبةِ لها.
حتى أنها تضحك!
قبل أيام أفلتت من بين يدي أم جواد، وراحت تركض بين القبور.
الأطفال لا يعرفون شيئاً عن أولئك الذين فيها.
وضحكتْ، فأحسستُ بخجل شديد، كأنني أنا التي أضحك، أليست قطعةً مني، خرجت من لحمي، وسارت هكذا أمامي كمُعجزة. نعم تصوّر هذا: قطعة من جسمك، تكبرُ وتكبرُ وتكبر، وأنت تنظر إليها، ثم فجأة تنفصل عن جسدك وتبدأ في البكاء، ثم بالضحك، ثم بالهرب منك، في البداية تدركها، ولكنها ما إن تجد أجنحتها الكاملة حتى تطير وتبتعد. نحن نتناثرُ عبر ولادنا، أتعرف لماذا؟ لأننا نحرص حين يجيء الموتُ أن يكون جزء منا قد أفلتَ منه. ولكنه يُدركهم، تقول لي؟!
نعم يدركهم، لكنهم يكونون بدورهم قد تناثروا في أبنائهم أيضاً.
لستَ وحدك المُطاردْ، كلنا مطاردون هنا .. كلنا.
لكنني أعرف أن نادية تركض نحو فقدانك، أعرف أنها كلما ابتعدت، اكتشفت أنها تسيرُ للوراء، إليك انت، إلى سؤالها الذي ستحمله ذات ليلة إليّ، سؤالها الكبير الثقيل الذي لا يحتمله قلبُ طفل، أين أنت؟ وسأبحث عن إجابة قد يحتملها قلبي وقلبها.
قلتُ لك : نحن وحدنا الآن.
هل أصبح الوضع أفضل، أعني جسدك، هل أعادوا لك بقية أجزائه؟
نولد كاملينَ، فلماذا نموتُ على هذه الصورة؟
أم جواد قالت لي: عليكِ أن تعودي الآن للبيت. إلى ولديكِ . ورندة قالت لي الكلام نفسه. وجاءت لتكتب اسمكَ فوق ذلك التاريخ المعلق في الهواء بلا اسمٍ يسنده، التاريخ المتأرجح، التاريخ الذي قالت لي عنه رندة إنه تاريخ ظالمٌ لأن مائة عام من التضحيات، لم تقنعه بأننا أولاد هذه الحياة أكثر من أي كائن يتفنن في اقتلاعها. التاريخ الذي قالت عنه إنه لا يشبع وأنه كالنار. وها نحن، نصرخ في وجهه: تريد أكثر؟ خذ، ونبكي. تريدُ أكثر، خذ. ألا يكفيك اليوم من قتلوا فرادى؟ تريدُ مجزرةً، خذ، ونبكي. وما زلنا نجري نحو تلك اللحظة التي سيقولُ لنا فيها فجأة: اكتفيتْ.
سأعود لك، نعم، علي أن أذهب، لأنك تقول لي اذهبي، لا لسبب آخر.
سأعود إليك . ولكنني لم أكن أعرف أنني سأعيشُ إلى أن أرلى اثنينِ مني في مقبرة واحدة.
حين استشهد مصطفى، قلت لي: لا تخشي شيئاً، فأنا معكِ. كان هذا يقويني قليلاً، رغم أنني أعرف ان مصطفى لم يعُد معيْ، ولن يعود، بعد أن أطلق المستوطنون الرصاص عليهِ لأن السيارة التي كان فيها كانت تحاولُ تجاوز سيارتهم. هل تتصور! أهذا سبب كافٍ كي يموت الإنسانُ هنا؟
ذات مرة قلتُ لك: ما دام هذا قدره، فالحمدلله أنه استشهد قبل أن يعرفه صالح ونادية. كانت ستكون كارثة، تصور كيف يمكن أن يحتملوا فراق شخص مثله. ولكن ما يعذبني أنه راح بلحة عين، بلا سبب.
سأعود، لا تقلق علينا.
لا ، لا تقلق علينا.
لن نبتعد إلى مسافةٍ تمنعك من أن ترانا.
سنظلّ في مرمى بصرك. أمامك، حولك.
يعذبني أنني كنتُ أحسّ دائماً أن الحياة ستكون قصيرة معك، حتى لو عشنا معاً مئة سنة. يعذبني أنني أحسستها قصيرة، وها هم يأتون من كل الجهات بدباباتهم وطائراتهم وجنرالاتهم كي يجعلوها أقصر. كما لو أن كل سنة سقتلعونها من روحنا ستضاف إلى أعمارهم ويعمرون للأبد.
سأعود إليك.
لن أبتعد.
أمي سألتُ رندة، أترى لقد عادت إليّ القدرة على أن أسأل من جديد. أمس سألتُ رندة التي لم تعد تقولُ لي فجأة أنها لميس. سألتها عن الفتاتين اللتين لم تبتعدا عن ترابك منذ ذلك اليوم. قلتُ لها : يا رندة، كانتا حزينتينِ دائماً، ولكنهما لم تتكلما كثيراً. أليس كذلك؟ هناك سر تخبئانه عميقاً، ولا تريدان البوم به. سر صعب. أخشى أن يكون متزوجاً من إحداهما! وإلا، أين كان ينامُ في اختفائه الطويل؟ وكنتُ سأسألهما، وأحسست بأن أكثر من امرأة كانت ستسأل. ولم نسأل. أتعرف لماذا؟ لأننا في لحظةٍ ما اكتشفنا أننا نحبك كلنا. لأنك لم تكُن ربما لأي واحدة منا تماماً. أما بعد أن أصبحت لي، فقد سألتُ رندة. فقالت لي، لن تصدقي ما سأقوله لكِ.
فأقسمتُ لها أنني سأصدّق.
فقالت لي: رُغم ذلك لن تصدقي.
فقلتُ لها: سأصدق.
ها أنت مثلي تريدُ أن تعرف!
أحسّ بذلك.
لا تقل لي أنك لا تريدُ أن تعرف.!
لا أظن أن أحداً يملك القوة كي يمنع نفسهُ من أن يعرف حين تكون هناك فتاتاتنِ بهذا الجمالِ وتتلمسانِ ترابه بذلك الحنان.
- تعدين بأنكِ ستصدّقين إذن؟ قالت لي.
- أعدْ. من شان الله يا رندة، يكفيني ما فيَّ.
فقالت لي هكذا، قال لي، بهدوءٍ حيّرني: إنهما ملاكان!!.
- لأ، مستحيل.
- كنتُ أعرف أنكِ لن تصدّقيني، قالت لي.
- عند المساء،
- رأيتهما تعودان، رأيتُ أجنحتهما لأول مرة، وكانتا أجمل من قبل. أجمل بكثير.. رأيت بعينيّ هاتين ضوءهما الشفاف، وظلتا تقتربان حتى وصلتا إليّ. وفجأة سمعتُ صوتهما، الصوت الذي لا يشبهه أي صوت آخر، صوت من نور، ألأقتا عليَّ أجنحتهما وقالتا لي: اذهبي الآن. لا تخشَيْ عليه. لن يكون وحيداً معنا، سنظلّ هنا إلى أن تعودي.
وهكذا في كل مرة، ما إن أصلُ إلى بوابة المقبرةِ وأرى ترابكَ ، حتى أبصرهما، تنهضانِ، ثم تنسلانِ بخفة الملائكة التي لا تجرحُ حتى الهواء، تلوّحان وتغادران المقبرة من الجانب الآخر.
أمس.
كل شيء أصبح بالنسبة لي أمس، حتى اليوم، أتعرف ذلك؟
أمس، قلتُ لرندة: لا تضحكي عليّ يا رندة، صحيح إني أنجنّيت، لكن لا تضحكي عليّ. لم يستطع أحد أن يثبت أن الملائكةَ ذكورٌ وإناث، فكيفَ استطعتِ أنتِ؟ كيف ؟؟
فأخبرتني بقصّتهما من أولها إلى آخرها.
تلك كانت المرة الأولى التي أحسّ فيها بأن البشر يمكن أن يكونوا ملائكة فعلاً.
قلتُ لها: الآنَ صدّقتُ .
*** *** ***



جرح الذات غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 12-03-11, 03:19 AM   #15

جرح الذات

مراقبة ومشرفة سابقة ونجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية جرح الذات

? العضوٌ??? » 54920
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 16,539
?  مُ?إني » الدمــام
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » جرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك dubi
¬» اشجع hilal
?? ??? ~
قول الله تعالى ..(إذكروني أذكركم وإشكروا لي ولا تكفرون )
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

لم نكن نظن

أن صور جمال التي خبّأتها آمنة، ووضعتها ذات صباحٍ بين يدي ابنهِ، ستبعثُ الحياةَ فجأة داخل ذلك الطفل، وتحيلهُ إلى كائن آخر تماماً، كائن غير ذلك الذي عرفناهث منذ بكائه الأول وضحكته الأولى..
يحمل الصور، كما لو أنه ذاهبٌ في مهمّة ، بعد أن يشد حزماه، وبمشّط شعره. ويسأل أمه مرتين: هل أشبهه فعلاً.
- تشبهه كثيراً .
- مال الذي ينقصني لأشبهه تماماً؟!
- ينقصكَ أن تون بعمره فقط، أن تكبر!
- فقط؟ أظنّ أن شعره كان أطول، سأطيلُ شعري. يجبُ أن أشبهه منذ الآن.
تهزّ آمنة رأسها، وتقول له: دير بالك على حالك.
** ** **
يطرقُ البابَ الواصل بين بيتينا.
تفتحُ لميس. يرتبك. يتراجعُ خطوتين. أبصره. أدعوهُ للدخول. يدخل مرتبكاً. وجد لميس كان كافياً، دائماً، لتحويل الصبي إلى بركة عرق، فكيف وهو على هذه الحال، بشعره المرتب، وحزامه المشدود، ووجهه المضيء؟
- سأترككما وحدكما. تقولُ لميس، وتخرج.
أراقبهُ وهو يتابعها بعينيه، موشكاً على البكاء.
- ما هذه الشياكة يا عمّ صالح؟ أقولُ له .
فيهمس لي: وطّي صوتك.
فأهمسها همساً: ما هذهالشياكة يا عم صالح؟
- هل أشبهه ؟
- من؟
-أبي.
أرجع رأسي إلى الوراء قليلاً ، أنظر إليه، تتغير ملامحه، كما لو أنه ينتظر نتيجة امتحان ستقرر مصيره إلى الأبد.
- الحق يقال: تشبهه.
- إلى أي حد؟
- كثيراً.
- أمي قالت لي هذا الكلام، ولكن كيف يمكن أن أشبهه تماماً؟
- بسيطة.
- كيف بسيطة؟ قولي لي.
- أن تكبر.
- ما الذي يحدث في هذا البيت. أمي تقول كلاماً، وتعيدينه أنتِ.
- هل قال أمك هذا الكلام؟
- بالحرف!!
- إذن عليك أن تصدقنا.
- ولكنني أريد أن أشبهه الآن.
وبين لحظة وأخرى، لا ينسى أن يلقي نظرةً نحو باب الحوش خائفاً، أو متمنياً أن تظهر لميس.
- أين ذهبت؟
- من ؟
- ..
- تقصد لميس؟
يهزّ رأسه. لا بدّ أنها عند جدتي، أو ربما تساعد أمي. أناديها؟
- لا.
- ولماذا تسأل عنها؟
- لا أعرف.
- لكنني أعرف.
- تعرفين ماذا؟
- أنك تعزها كثيراً. صحيح؟
- صحيح.
- أقصد كثيراً جداً. صحيح؟
- صحيح.
- أقصد كثيراً جداً جداً جداً. صحيح ؟
- هل رأيتِ كل صوره ؟
- من؟
- أبي .
بسؤال واحدٍ كان يستطيعُ الإفلاتَ. ولم أكُن بحاجةٍ لإجابتهِ كي أعرف. فهو يعرف أنني أعرف. كان هذا يربكه أحياناً. وبخاصة، حين تظهر لميس فجأة، فتتحول الأنظار كلها إليه. كما لو أنه هو الذي دخل، في الوقت الذي تشيحُ هي، بوجهها بعيداً.
منذ أيام قالت لي: كل حياتنا دُمّرت، لدرجةِ أنني أتمنى النزول إلى الشارع، شارعنا، وأن أعطي صالح ما يريد، فقط، من أجل أن يقول لي بصوتٍ عالٍ أحبكِ يا لميس. ولكنني أعرف أنه لن يقولها. ثمّ ما هذا الي أفكر فيه؟ ولد قد نُصّي يقف في الشارع وينادي كما لو أنه يبيعُ الخيار: بحبك يا لميس! تعرفين يا رندة؟ أظنّ انها كانت جميلةً جداً حين كان يقولها في الماضي.
جميلة ومقبولة، صحيح أنها كانت تغيظني في بعض المواقف، لكنني الآن أكتشف أنها كانت جميلة. لعهلا أجمل شيء حدث في شارعنا منذ ولدت. لم يعُد صالحُ ذلك الطفل الذي كانَ يا رندة، مع أنّ ما مرّ من سنوات ليس كثيراً، ولم نعُد نحنُ، لم نعُد حتى نحنُ تماماً، كلما نشبهُ أنفسنا كثيراً، لكننا لا نشبهها تماماً، فهناك في الداخل أشياء كثيرة تتمنى أن تخرج وتحتل ملامحنا التي لا تشبهنا وخوفنا الذي لا يشبهنا، وأحزاننا التي لا تشبهنا، وأفراحنا التي لا تُشبهنا.
قلتُ لها: مسموح لي أكتب هذا الكلام.
فقالت لي: مسموح. اكتبي. أظنّ أن كلّ ما سيبقى في النهايةِ هو هذا الكلامْ.
وكتبتُ في دفتري أيضاً: الحريّة هي الشيء الوحيد الذي يجعلك تشبهُ نفسك، ويجعلُ الشارع يشبهن نفسه، والبحر نفسه، والسماء نفسها، والصباح نفسه، وقهوة جدتي نفسها، والزهور نفسها، والحب نفسه، والعمر نفيه، والطفولة نفسها، والشيخوخة نفسها، والمقبرة نفسها، حتى المقبرة لا تشبهُ نفسها هنا، لأنها ليست حرة، ليست حرة في أن تكبر يوماً بعد يومٍ بصورةٍ طبيعية. حتى المقابرُ تولدُ وتهرمُ كما يريدون لها لا كما تُريد.
- هل سيدفنونه هنا؟
- لا هناك!
- هناك ؟
- ولماذا؟
- لأنّ المقبرةَ امتلأت.
- امتلأت، ولكن كيف؟
- لأنّ الموت كثير. فقط لأن الموت كثير.
** ** **
قلتُ للميس: حبّيه شويّ.
- إذا كان الأمرُ هكذا فحبيهِ أنتِ، ثم ماذا أحبّ فيخ وهو صغيرٌ إلى هذا الحد؟
- بعد سنواتٍ ستكتشفينَ أنه أصبح شاباً، وسينتهي هذا الفرقُ الذي أراه يتلاشى، الفرقُ الذي يجعلكِ الآن صبية كبيرة، ويجعله صبياً صغيراً.
- إنه ولد.
- لا ، إنهُ أكبرُ قليلاً.
** ** **
أتلفّتُ حولي فأكتشف أن صالح اختفى.
أخرجُ للحوش، أشرع الباب الحديدي على الشارع. أتلفتُ قي الاتجاهين، أراهُ يطرقُ باب جيراننا.
تخرج الجارة. يبادرها بالسؤال.
- هل رأيتِ صورَ أبي؟
وأسمعُ الصوتَ: لا.
- سأريكِ إياها إذن.
- طيب أدخُل.
- شكراً، وراي شُغُلْ!
تظهرُ الجارةُ على العتية، ويبدأ هو باستعراضِ الصور، واحدة بعدَ أخرى. وحين ينتهي يسألها: هل يشبهني؟.
- كثيراً.
- لماذا لا يقولُ لي أحدٌ أنه يشبهني تماماً؟!!
ترتبك الجارة، وأراه متجهاً للبيت التالي، يطرقه.
كلّ من في الحارةِ رأوا صورَ جمال التي يحملها بين يديه خائفاً عليها، ومحاذراً أن يلمسها أحدٌ غيره.
حين يرى يداً تمتدّ، يُبعدُ الصور فجأة.
- ممنوع اللمس! يقول.
ولكنه يعودُ حزيناً، يقول لي: لا أحد يقول أنني أشبهه تماماً، كلهم يقولونَ لي: تشبهه كثيراً. هل عليّ أن أسألَ لميس أيضاً؟.
-لميس؟
أفاجأ بسؤاله.
- يا ريت .
- لماذا يا ريت ؟
أرتبكُ: لا لشيء، ولكن أظنها كانت تستحق أن تُسأل منذ البداية.
- هل تعنين بأنني تأخرت ؟
- أبداً. في مسائل كهذه ، لا يكون هناك أي تأخير. النهنّ أن تحدُث. أن تسألها.
- لميس. لميس.
- لا. لا تُناديها الآن.
- ومتى سأناديها؟ لميس.
تظلّ لميس بسرعة كما لو أنها كانت طول الوقتِ خلف الباب قريبةً ، وأنسى أن حوشنا ليسَ أكثر من سبع خطوات.
- شو في؟
- صالح حابب يسألك سؤال.
- إسأل !
أنهضُ لأخرجَ، وفي طريقي ألكزها، لكيّ تحسّن لهجتها معه.
- ابقي هنا. يقول لي.
- سأصل الحمّام وأعودُ بسرعة.
لكنني أقفُ على بعدِ خُطوتينِ من البابِ.
في داخل الغرفةِ يهبط صمت، إلى حد أنني لو لم أغادرها منذ لحظاتٍ وأنا أعرف أن هناك اثنين في الداخل لظننتُ أنها فارغة.
- كيفك صالح ؟
- مليح. بس مش كثير.
ويعود الصمتُ من جديد.
- أظن أنك تريدُ أن تقول شيئاً ، صحيح ؟
- صحيح.
- وما هوَ؟
- أريدُ أن أسألك سؤالاً.
- اسأل.
- ولكن عليّ أن أريك أولاً صور أبي، وقبل ذلك، هل تعاهدينني أن تقولي الصدق.
- أقسِم.
- تقسمين على ماذا ؟
- أن أقول الصدق.
- الآن المسائل واضحة. فالأولاد يخفون نصف الكلام دائماً لكي يقسموا بشيء وهم يفكرون بشيء آخر.
- اطمئنّ.
ويعود الصمت من جديد. وأكاد أسمعُ صوت احتكاك الصور، ثم أسمعه يقول: معلشّ، بإمكانك أن تُمسكيها بيدك.
يهوي قلبي في الخارج.
هل سمح لأحدٍ أن يلمس الصور أخيراً !
- آ ، هل يشبهني ؟!!
- الصحيح ؟
- آ، الصحيح، ألم تُقسمي؟
- الصحيح .. يشبهك تماماً .
فجأة أسمعُ صرخة الصبيّ كما لو أنه يتابعُ مباراة كرة قدمٍ يحقق فيها فريقهُ أجمل هدف ليصل إلى أجمل فوز.
- الآن عرفتُ لماذا أحبكِ إلى هذا الحدّ!
أستديرُ عائدة، فأجد لميس وحدها ساهمة.
أسألها: أين اختفى؟
فتشير إلى الباب الذي يُفضي لحوشهم.


جرح الذات غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 12-03-11, 03:21 AM   #16

جرح الذات

مراقبة ومشرفة سابقة ونجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية جرح الذات

? العضوٌ??? » 54920
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 16,539
?  مُ?إني » الدمــام
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » جرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك dubi
¬» اشجع hilal
?? ??? ~
قول الله تعالى ..(إذكروني أذكركم وإشكروا لي ولا تكفرون )
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

لو كُنتُ عمياءَ

لقلتًُ أن الموت أكثر من الحياة هنا،
لكنني كلما أوشكت أن أصل لهذه الحقيقة، فتحت الباب، واستندتُ إلى حلقه، وتأملت هؤلاء الأولاد في الشارع.
يحيرني دائماً أن هناك أفواجاً جديدة منهم، في عمر واحد، فجأة يبزغون، هم الذين لم يكن لهم أي وجود هنا. يبزغون تماماً، مثل نوّار اللوز أو الليمون. أفواج كاملة، لم أكن رأيت أياً منهم من قبل. يتعثرون وينهضون، وقبل أن يستطيعوا الوصول بمفردهم إلى نهاية الشارع يأتي فوجٌ جديد، يملأ الشارع، ويدفهم نحو الحارة الأوسع ليكون الارع للفوج الجديد ولقلوب الأمهات التي تتطلع من شقوق النوافذ والأبواب نصف المشرعة للاطئمنان عليهم.
لو كنت عمياء،
لقل إن الموت أكثر من الحياة هنا.
الشيء الوحيد الذي لم أستطع تخيه حتى الآن، هو كيف يولدون فجأة، ويكبرون فجأة، ويغادرون الحارة فجأة، ويأتيهم الموت فجأة.
يحيّرني هذا الموتُ الذي ينقضّ ممزقاً دورة الحياةِ قبل أن تنتهي.
ما الذي كان يمكنُ أن يكونه أي واحدٍ منهم ، لو أتيحَ له أن يعيشَ ليتجاوزَ الحاراتِ القريبة والبعيدة وقلق أهله عليه كلما سمعوا رصاصاً أو هبط ليل؟
منذ أيامٍ قرأتُ حواراً مع قناص لإسرائيليّ يعترفُ فيه بأن قيادتهُ تطلبُ منه عدمَ إطلاق النار على أي طفلٍ عمرهُ أقل من اثنتي عشر عاماً، يجبُ أن يكون عمره أكبر من ذلك حسب التعليمات. فسألته الصحفية: ولكن كيف تعرفون أن الطفل أكبر من ذلك أو أصغر، وأنتم هنا خلف الحواجز أو فوق الأبراج؟!
فأجاب القناصُ : نحنُ لا نستطيعُ أن نطلبَ من كلّ طفل إبرازَ شهادة ميلاده قبل قتله.
صالح حمل الصور، ومضى إلى هناك، أبعد، إلى ذلك المكان الذي استشهد فيه والده، ظل يسأل إلى أن عرف المكان، وفوق ما تبقى من رمادٍ كان يقف ساعات، وكلما مر شخص أوقفه : هل تعرف هذا؟ إنه أبي، وهنا استشهد.
ذات يومٍ اختفى من أمام أعيننا، بحثنا عنهُ، لم نجده، سألنا في المستشفيات، في مراكز الأمن الوطني، في الحارات، ولم نعثر عليه.
كلنا كنا نبكي خائفين أن تصل آمنة قبل رجوعه.
قالت أختي: لم يبق سوى مكانٍ واحدٍ.
سألناها : وما هو؟
قال: المكان الذي استشهد فيه أبوه، لأنه سألني عنه.
ذهبنا، وجدناه هناك. حين وصلته نظر إليّ، ثم سألني: هل تعرفين هذا؟ إنه أبي، وهنا استشهد.
قلتُ لهُ : أعرف.
وكان متعباً لا يقوى على الوقوف.
عدنا بهِ. وحينما وصلت آمنة، كان قد نام.
أرادت أن توقظه، لينام في فراشه.
- دعيهِ هنا في بيتنا للصباح. الولد تعبان!
- ولكن كيف أنام هناك وحدي مع نادية؟
- نامي هنا. قالت لها أمي.
وكانت جدتي ترقبُ المشهد بعينين دامعتين.
- لكن ..
- لا لكن ولا غيره. ياما نمنا عندك.
** ** ** **
لم يعد الاهتداءُ إلى مكان وجوده صعباً، كلما اختفى، ولكننا أصبحنا أكثر حرصاً على ألا يختفي أصلاً.
ذات يومٍ قال لي: لم أعد أستطيع النوم.
وذات ليلىٍ استيقظنا على صراخ آمنة;
رحنا نجري نحو بيتها، حتى أن جدتي أفاقت على ذلك الصراخ المجروحْ. وحين وصلنا، كانت تشيرُ إلى فراش صالح غير قادرة علىقول أيّ شيء، سوى صراخها.
اندفعنا نركض في الشوارع، أنا وهي وأمي.
قلنا للميس ابقي هنا، فمنذ استشهاد سامر صرنا نخافُ عليها أكثر، رغم أن سنوات مرت على ذلك اليوم، شيء ما كان يجعلها البنت االأصغر للعائلة، بعيداً عن الدقائق الخمس التي تفصل بيننا. وقد كان أكثر ما يؤرقنا أنها لم تتحدث حول سامر أبداً. كأنها لم تكن تعرفه. كأنه بم يكن ذات يوم على بعد خطواتٍ من هنا يلوّح لها عند زاوية الشارع.
بحثنا في شوارع المخيم كلها، لم نجده، قلنا لعله عاد ، وحين وصلنا، وجدناهُ نائماً.
أرادت آمنة أن توقظهُ. أمسكتها أمي من يدها،، وكانت ترتجف.
- دعيه. الولد لم يعد ينام. احمدي الله أنه استطاع أخيراً.

** ** **

أستعيدُ صورتهما الآن: لميس وصالح، وأقولُ هنالك شي ما كان يربطهما أكثر مما يبدو على السطح.
شيء عميق، لا أستطيع أن أفهمه. ولم يكُن خوفي من اختفائهما فجأة هو الشيء الوحيد.

** ** **

لا أنام. فلماذا أتركهم ينامون. قال صالح لي. وقال: إن لميس عاهدته: وأنا لن أترمهم يستريحون في النهار!.
وقال: وأنا عاهدتُ نفسي ألا أتركهم ينامون في الليل!.
قلتُ له: اتّفقتم أخيراً.
فقال لي: نحنُ لم نختلف.!
وعندما طلبتُ منه أن يوضح. قال لي: أنا لا أعرف شيئاً. أعرف أنها قالت لي هذا الكلام.
بعد استشهادِ سامر، دخلت الغرفة، وقلبت المرآة. وحينما دخلتُ وجدتها تحدق في ظهر المرآة كما لو أنها ترى صورتها.
استعدتُ صورة لميس التي تغيرت فجأة، كما لو أنها اكتشفت وجودَ الأغاني في هذا العالم صدفة. فلم تعد تتوقف عن سماعها. وأصبحت مشاويرها بين بوابة الدارِ والمرآة أشبه بخط سير قطارٍ لا يستطيعُ التقاطَ أنفاسهِ بين محطتين لا ثالث لهما.
- ستُجنّ هذه البنتُ قريباً. تقولُ لي جدتي.
- لماذا؟.
- مش شايفاها طول النهار قدام المراية ؟
- لم أفهم .
- يا ستّي .. أقرب ُ الطرق إلى الجنونِ أن يقف الإنسانُ أمام المرآة طويلاً.
- لماذا ؟
- لماذا؟. لسّه بتسألي!! لأنه يرى خيالهُ في هذه الحالة أكثر مما يرى نفسه.
- وما الذي يعنيه هذا ؟
- يعني أنه سيتذكر نفسه في المرآة أكثر مما يتذكر نفسه خارجها. يعني سيتذكرُ نفسه ظلاً أكثر مما يتذكرها حقيقةً، ومع الأيام لا يعود يرى سوى الصورة، وبعدها يختفي الأصل.
- تخيفينني يا جدتي.
- لا، لا تخافي. أختك لسّه على برّ الأمان! ما إن تتأكد بأنّ ذلك المفعوص سيراها، وتتأكد من أنه يحلم بها، حتى تخرج صورتها من المرآة لأنها ستراهُ هو فيها. فيعودُ لها عقلها!
- والله ما أنا فاهمة .
- أصلك صغيرة، بدري عليكِ.
- يا ستي شو بدري عليّ، صحيح أن رأسي صغير، ولكن والله إنني أفهم كل شيء.
- لكنكِ لم تفهمي بعدُ كلامي.
- سأكتبه. ربما أفهمه ذات يوم. هل يمكن أن تعيدي ما قلتيه.
- يا مصيبتي، وكيف سأعيدُ كلاماً مهمّاً مثل الذي قلتهُ نرة ثانية؟ هذا الكلام لا يُعاد. لأنه يخرج هكذا مرة واحدة.
- على شاني.
- سأحاول. المعنى على الأقلّ.
أذهبُ ، أحضرُ دفتري، تعيدُ كلامها وأكتبْ. وحين أنتهي تقولُ لي: وما الذي ستفعلينه بكلام ستك. خوفي أن أراهُ في الجرايد حين تكبرين!
- لا، اطّمئني.
- هذا الكلام لكِ وحدكِ يا رندة!! ما بدي تصير الناس تقول، بعد ما أموت، الشرّ بعيد، وصفيّة قالت هيك وما قالت هيك!!
ثمّ تحدّق فيّ: هذا الكلام لكِ لأنك ستفهمينني. أنا عارفة إنه راسك صغير، بس أنا متأكدة إنه مخّ صافي !

** ** **

كما لو أنّ صالح هو الوحيدُ الذي يذكّر لميس بسامر. نغمض أعيننا فنراهُ الأقربُ إليها، وما إن نفتحهما حتى تقصيهِ بعيداً. كما لو أنه السبب في كل ما جرى. ويغدو تقربه إليها معجزةٌ تحققت في لحظةٍ خاطفةٍ ذات حلمٍ لا علاقة له بالواقع.

** ** **
هذا الأمرُ كان يربكه. يربكه كثيراً ، أكثر من مرة بكى. قال لي: لكن لميس مش هيك.
فأطلب منه أن يشرح. فأكاد لا أصدق أذنيّ.
كان أشدّ ما تحرض عليهِ، أن تجعلنا نتأد من أنها لن تسامحه. وحين نختفي يكون الشيء الوحيد الذي تفعلهُ عكس ذلك.
وصرتُ أراقبُ المرآة، بل وصلتُ إلى حدّ أنني وضعتُ خطاً كعلامة، لأعرف إن كانت تقلبها لترى نفسها في غفلةٍ منا أم لا، وكان الشيء الذي أخافني أنها لم تكن تفعلُ ذلك أبداً.
قلت لجدتي كل شيء.
فقالت : لقد تسرّبت البنتُ من بن أيدينا ونحنُ ننظر إليها!.


جرح الذات غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 12-03-11, 03:22 AM   #17

جرح الذات

مراقبة ومشرفة سابقة ونجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية جرح الذات

? العضوٌ??? » 54920
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 16,539
?  مُ?إني » الدمــام
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » جرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك dubi
¬» اشجع hilal
?? ??? ~
قول الله تعالى ..(إذكروني أذكركم وإشكروا لي ولا تكفرون )
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


أستطيعُ أن أناديها فتجيب.


أنا وحدي الذي أعرف أين هي. أنا وحدي الذي أستطيعُ أن أناديها فتجيب. قلتَ لي..
قلت لك: من شان الله يا صالح. ليس لي غيركما، أنت وأختك. لميس ستعود وحدها، هي كبيرة إلى ذلك الحدّ الذي لن يجعلها تضيّع طريق البيت.
- ولكنَّ أبي كان أكبر منها ولم يستطع أن يعود !
وحين بكت رندة قلت لها: اعطيني صورتها. وحين قالت: بعدين. سأعطيك إياها بعدين. غافلتهَم وسرقتَ المرآة!
في البيتِ قلتَ لي: الحمدلله أن وجه المرآةِ كان طوال تلك الفترة إلى الحائط.
وقبل أن أسألك لماذا؟ قلتَ لي: لأن صورة لميس بقيت فيها!.
أنا أعرفُ كيف تصبح الحياة صعبة لكنها لن تكون مستحيلةً يا صالح، ما دمنا معاً، أعرف كيف يفتقد الإنسان الهواء فجأة، وكيف تطبقُ الدنيا على صدره، كما تطبق مطرقةُ على علبة معدنية فارغة. أعرف ذلك. ورجوتك ألا تغادر البيتَ قبل أن تخبرنيْ.
أتذكرُ حين قلتَ لي: لو لم يكُن في العالمِ سوى لميس، وصمتَّ قليلاً؟، ثمّ قلتَ: وأنتِ، وصمتَّ قليلاً، وقلتَ: ونادية وأبي، وصمتَّ قليلاً، ونحنُ وحدنا هنا، بلا جنود، كانت السماءُ ستكونُ أجمل والبحرْ.
لقد أعدتُ على مسامع رندة ما قلتَه لي، ففرحتْ، فرحت كثيراً بما سمعت، ثم قالت لي بأنها تخافُ عليكْ، وتأكدتُ من ذلك حينَ سألتني: مسموحٌ ليْ أكتب هذا الكلام؟
فقلتُ لها: ولم لا !؟
فذهبتْ وأحضرت دفترها، وراحت تكتب وتكتب. قلت لها: تكتبينَ أكثر مما قاله، ما قاله ليس بهذا الطول. فقالت لي: لا تقلقي. إنني أكتبُ متى قالهُ ، ولمنْ.
تعرف رندة، منذ عرفتها كانتْ تجمعُ صور الشهداءْ الأطفال، وذات يومٍ أتت وبكتْ، لأن الصور أصبحت كثيرة، ثم رأيتُ حزناً لم أره من قبلُ على وجه بشرْ. سألتها: شو في يا رندة. فقالت: رغم هذا العدد الكبير من الصور إلا أن هناك شهداء لم يسبق لهم أن تصوّروا. الصورة الوحيدة التي لهم هي التي التقطت بعد الموتْ. وبكت لأنّ بعض الصور كانت لا تُشبههم، لأن وجوههم كانتْ مشوهة بسبب الرصاص والشظايا، بسبب الموتْ.
سألتنيْ: كيف أضعُ صورةً كهذه لهم بين الصور وقد كانوا أجمل؟
يومها قلتُ لها: اكتبي عنهم، اكتبي بعض ما قالوه، ما حلموا بهْ.
فلم تعُد تترك أمها تذهبُ إلى أيّ بيتِ عزاءٍ، دون أن تكون معها. وفي وقتٍ كانت النساءُ يبكين ويتحدثنَ، كانت تبحثُ بين كلامهنّ عن آخر ما قاله الشهداء الصغار، عن آخر ما فعلُوه.
وحين تعود للبيتْ، تجلسُ وتكتب، وحين أمر بها أرى عينيها حمراوين بسبب الدموع الكثيرة التي ذرفتها.
أسألها: تبكين! أما بكيتِ هناك.
- بكيتْ، ولكن حين أكتب عنهم أحس بأنني أعرفهم ، بأنني أعيشهم وعشتهم، فأكتشف دائماً أنّني لم أبكِ هناك بما يليقُ بفقدانهمْ. هنا، حين أصبح وحدي، أحس بأنني أنا التي فقدتهم، وأدرك أنهم كانوا ليْ.
وتقولُ ليْ: نفسي ينتهي الاحتلات قبل ما يخلص هالدفتر.
كنت أنظر إلى دفترها، وأقولُ من أين اشترتهُ، كان أشبه بعشرة دفاترِ مثبتةالواحد منها بالآخر. وقالت لي: أبكي أحياناً لسببٍ قد لا يخطر على بالِ أحدْ، حتى ببالك يا خالتي آمنة. أبكي لأن خطي أصبح يصغرُ يوماً بعد يومْ، وكلما نظرتُ إلى ما تبقى من صفحاتٍ بيضاءَ، وخرجتُ ورأيتُ الجنودَ في الشوارع أعودُ وأبكيْ.
تعرف يا صالحْ، لولاها هذه البنتْ، لكنتُ انتهيتُ من زمنٍ طويل. هل تلاحظُ كيف تحدثنيْ، وتحدثك، وتحدث نادية، إنها لا تنسى نادية، وتحدّثها كما لو انها بنت كبيرة، في البداية كان الأمرُ يثيرُ عجبيْ، أما الآن، فلا. هناك أشياءُ لا يمكن أن تفهم، ويجبُ أن تظل كذلك.
تعرفُ أن لميس بم تعد مثل زمان، كبرت، ولكنك كبرت أيضاً، كبرت واستطعت اللحاق بها، هذا الكلام قلته لرندة، ولم تستغرب، هي نفسها قالتهُ للميسْ، أو قالت شيئاً يشبهه، أتذكر كيف أصبحت تنظرُ إليها أخيراً. هناك شيءٌ تغير، ولم أكن بحاجةٍ إلى أن أتوقع شيئاً وأنا أشاهده. فجأةً رأيتُ ذلك الزغب الناعمَ الأسودَ فوق شفتك العُلياْ. فجأة رأيتُ بعض الحبوب التي تناثرتْ على طرفي أنفك وعلى أرنبته بخجل. تعرف، دائماً أحببت هاتينِ الكلمتين: أرنبة الأنف. يومها أحسستُ بأنكَ صبي أرنب تقفُ على وجهه أرنبة أصغرْ.
ها هي نادية بدأت تضحك..
يُعجبكِ هذا يا شقية !
كنتُ على يقينْ، بأن هنالك شيئاً تغير، ولكن الذي لم يتغير هو إصرارك على الذهاب إلى ذلك الموقع الذي استشهد فيه أبوك، تخرج صوره، وتريها لهُم، ولم يكن أحدٌ يبتعد مشيحاً بوجهه، كانوا كلهم يقفونَ ويعطونكَ الوقت الكافي لقول ما تريد. بعضهم يبكي، وبعضهم يراك أصغر عمراً ، يرونك طفلاً لم يكن من العدل إلقاءُ جبلٍ من العذاب فوق صدرهْ.
ولكن، أريدُ أن أقول لك شيئاً ، ولا تضحك عليّ، مثلما يضحك أبوك، هذا الضحكُ سبب كافٍ لأن أزعلَ عليكما:
- لقد كنت متأكدة من أن لميس ستكون زوجتك.
ها أنت تضحك. تضحك أم تبكيْ.
تبكيْ.
لا . أريدكَ أن تضحك.
بحر غزّة فيه ما يكفيهِ، بحيثُ لم يعُد بحاجةٍ إلى أيّ دُموعْ.

** **

الذي أفرحني أن لميس لم تأتِ مجنونةً للبحث عن مرآتها كما كنتُ أتوقع. وقد كنت حريصةً على أن أرى نظرتها للمكان الذي كانت المرآة معلقة فيهِ. فلم تُبدِ أيّ انفعال.
رندة أسرت لي: أن لميس لم تعد ترى نفسها.
سألتها: كيف ؟
فقالت: إنها تحسّ بأنها طيف، وأن الطيف ليس بحاجةٍ إلى مرآة، لأنه أصفى من أي مرآة، وصورته تجرحه!
أتذكر، في الأيام القليلةِ التي لم يكُن يُسمعُ فيها رصاص، في الأيام القليلةِ التي كان يختفي فيها القناصون، وتنشغل الدباباتُ بالبحثِ عن أشياءَ لا تعرفها، وهي تحدق في الهواء بفوهات مدافعها، كانت لميس تصعد للسطحْ، ترسل بصرها إلى أبعد مكانٍ يمكن أن تراه، وفي كل مرةٍ كانت تقول، لقد استطاعت اليوم أن ترى أكثر من يوم أمس.
رندة سألتها: وماذا رأيتِ اليومْ. قالت: ليس مهماً مقارنةً بالذي سأراهُ غداً!
وكان هذا يحيرنا، وفي اليوم التالي، أسألها أنا، أسألها بنفسي، فتيعدُ ما قالته.
وهكذا أصبحت رندة تصعدُ للسطحِ كي ترى ما تراه لميس.
لكن ما كان يريحيني أنها بدأت تراك أكثر. فقلتُ لعلها تنظر للبعيد كي تراك هنا. ويا ريتني لم أقل هذا الكلام ، أو يخطر ببالي.

** *

هيك، إذن! المسائل وصلت إلى هذا الحدّ ولم أكن أعرف!
قلتُ لرندة، كيف لا تكونين صريحةً معي يا رندة. أكان لا بدّ من أن أعرف أمراً كهذا، مصادفة، من لميس، وأنا أسترقّ السمع؟
لم تُجب رندة .. وكنت أعرف، ما الذي يمكن أن تقوله!
لكنني فاجأتها: لقد اشتريتُ ثوب الزفاف. وحين رأته طار عقلها، فراحت ترجوني: من شان الله، أعطيني إياه يا خالتي آمنة .. من شان الله .
قلتُ لها: لا، هذا للميس يعني للميس.
فقالت لي: ولكن أنا لميس.
فقالت لي: لا أنتِ رندة. لا تجننيني.
فقالت: خلاص أنا ردنة. ولكن ألا تلاحظين أن الفستان صغير؟
- نعم ألاحظ، وهل تعتقدين أنني عمياء؟ ألم أقل لكِ أن الذين يحبون بعضهم البعض يتحولون إلى طيور صغيرة ؟!
- لا، لم تقولي هذا الكلام عمن يحبون بعضهم البعض، قلتيه عن أولئك الذين يستشهدون صغاراً.
- منذ متى لم تعودي قادرة على أن تفهميني يا رندة؟ منذ متى؟ تسألينني سؤالاً كهذا، وهل هناك فرق بين هؤلاء، وهؤلاء ؟
- لا أعرف. قالت لي. تصوّر أن رندة التي تعرف كل شيء، قالت لي لا أعرف!
فقلتُ لها: لقد عرفتِ الآنْ.

** ***

صالح ، يا صالح ..
لن تعود بحاجةٍ لهواء يهبّ بعد اليوم ..


جرح الذات غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 12-03-11, 03:23 AM   #18

جرح الذات

مراقبة ومشرفة سابقة ونجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية جرح الذات

? العضوٌ??? » 54920
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 16,539
?  مُ?إني » الدمــام
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » جرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك dubi
¬» اشجع hilal
?? ??? ~
قول الله تعالى ..(إذكروني أذكركم وإشكروا لي ولا تكفرون )
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

عندما تأخرَ، دّقت على بابنا..

خرجتُ، قالت لي آمنة: قد أتأخر اليوم، عليّ الذهابُ إلى مستشفى الشفاء، هناك أطفالٌ كثيرونَ، يجب أن أتحدث مع أهلهم، وكانت شبه تائهة .
- حين يأتي صالح ، دعيه عندكم حتى أعود .
وابتعدت وهي ممسكة بيدِ ابنتها .
سألتها: ونادية ؟
نادية سأمر على الحضانةِ وأحضرها بنفسي، سيكون لديّ وقتٌ كافٍ .
نعرف كلنا أن صالح تغير بعد أن حدث ما حدث لأبيه، كأنه أدركَ بغريزةِ الابن ، هل للابن غريزة كغريزة الأم؟ لمِ لا، أوليس الابنُ من رحم الأمّ، من لحمها وروحها ؟ كأنّ صالح أدركَ أنّ أمهُ لن تستطيعَ احتمال ضربةٍ قاتلةٍ أخرى في القلب.
لم يعد يغادر البيت إلا إذا طلب الإذن منها، وبعد زمنٍ لم يعد يغادرهُ أبداً ، لم تعد عيناه تفارقانها، وحين يحس أنها تأخرت أكثر من اللازم في إحدى الغرفتينِ ، ينهض ليتفقدها مختلقاً أسباباً لا تقنع أحداً.

- لقد أصبحتُ أشفق عليهْ. أريده أن يطيعني، ولكن ليس إلى هذا الحد! كما لو أن المكان الوحيد الذي كان مستعداً أن يذهب إليهِ هو المكان الذي استشهد فيه أبوه، حين قلنا له: كفى ، لم يعد يغادر البيت. أريده أن يخرج، أن يلعب، أن .. وإذا ما اشتهى أن يقذفَ دوريّةً عسكريّة بعيدةً بحجر فليقذفها.

كانت آمنة تقولُ ذلك لأمي وتعيدهُ لنا فرداً فرداً وهي حزينة. دون أن تدري أن صالح لا يسعى لإرضائها، بقدر ما بدأ يخاف عليها. كما لو أنه هو الذي لا يريدُ أن تغيبَ أمه عن عينيه.

** **

أمي قالت لي: إذا كنتِ رندة، فإنكِ تعذّبين نفسكِ بهذا الولد، ولا أدريْ إن كنت تتمنين في نفسكِ أن يكون صالح أخاكِ أو يكون شيئاً آخر؟ أم أنك ما زلتِ تعتقدين أنك البنت التي لم تزل تتمنى الحصول على تلك اللعبة التي اختارت أختها.
لم أفهم ما قالته أمي ، في البداية، عن لعبةٍ تختار، لكنني أدركتُ أنها قالت كل هذا الكلام، لأنها قالتهُ من قلبها في لحظةِ صفاء.

** **

كانت في المستشفى،
آمنة كانت في المستشفى، وكان الولدُ يبكي، الولد الصغير الذي بعثرت رصاصة الدمدم نصف عاموده الفقري، وخلّفته بلا قامة ، بلا ساقينِ يجري بهما، أو يكذب بهما حين يغير على سيارات الجنودِ ويقول لأمه: بهما كنتُ ألعب الكرة! كان الولدُ يبكي خائفاً من أنّ آمنة ستأخذه من أمه كما أخذته الرصاصة من اللعب ومطاردةِ الجنودِ والتجرؤ على الحواجز.
فجأةً ملأت الضجة الممرات والغرف وغطّت على صوت الصغير. سألت آمنة الممرضة التي تقف عند الباب تستطلعُ ما يدور: ما الذي يحدث ؟
- كأنه طفلٌ مصاب.
- حتى متى يا ربي؟ قالت آمنة .
لكنها بعدَ قليلٍ نهضتْ، كما لو أنها شخص ينهضُ من نومه ويسير في نومه.
اختفى بكاءُ الولد الصغير خلفها فجأة، أحسّت أنها لم تعد تسمع شيئاً .
في نهاية الجموع التي تحمل الولد المصاب سألت : ما الذي حدث ؟
ردّ أحد الفتيان : شهيد .
- كم عمره ؟!
- أربعتعشر سنة، خمستعش، أكثر ، أقل، ما عادت تفرق!
قالت : الله يصبر أمه .
وعادت للداخل.
على حافة السرير جلستْ، لم يكن الصغير يبكي، الصغير الذي لم تغِبْ عنه سوى دقيقة أو أقلّ، اختفى صراخه، وبدا كطفلٍ لن تواصل الرصاصة سرقة أجمل ما لديهِ، طول حياته، وهو ينظر إليها أن تفعل ذلك ولا يستطيع شيئاً.
هل سكت الطفل فعلاً ، الطفلُ الذي كم حبست أمه دموعها وهي ترجوهُ أن يوافق أن تأخذه (خالتو) آمنة إلى المركز والبقاء مع الأطفال، لأنّ "المركز ليس سوى مدرسة، مدرسة كالتي كنتَ تذهب إليها".
اختفى صوتُ المرضى، الزوّار، الأطباء، الممرضات، المتناثرينَ فوق وحول الأسرة المنتشرة في الغرفة الكبيرة .. وثانيةً وجدت آمنة نفسها تنهض، تتبع ذلك الضجيج الذي تحول إلى صمت، صمت لم يستطع عمقهُ أن يمحو آثار خطواته الدامية في الممر.
على باب غرفة الطوارئ، أدركتهم، شقّت طريقها بصعوبة. وهي تحس بأن المسافة بين البوابةِ والسرير هي أطول مسافة تقطعها على قدميها طول عمرها. وحين وصلت.. نظرت إلى وجه ذلك الصبيّ الذي عبرت الرصاصة رأسه، نظرت إلى ملامحه المغطاة بالدمّ.
- هل تعرفينه ؟ سألها أحدهم.
هزّت رأسها، كما لو أنها تقولُ لا، وخرجتْ.
ظلّت تسيرُ إلى أن وصلت بيتها، بيتنا .
قرعت الباب ، خرجتُ .
قلت لها: أين نادية ؟
قالت : نادية؟ مش عارفة.
وقلتُ لها إنّ صالح لم يعد.
فقالت لي: أعرف. فهناك في المستشفى ولدٌ يشبهه!.



جرح الذات غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 12-03-11, 03:25 AM   #19

جرح الذات

مراقبة ومشرفة سابقة ونجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية جرح الذات

? العضوٌ??? » 54920
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 16,539
?  مُ?إني » الدمــام
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » جرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond reputeجرح الذات has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك dubi
¬» اشجع hilal
?? ??? ~
قول الله تعالى ..(إذكروني أذكركم وإشكروا لي ولا تكفرون )
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

قلتُ لأمّي :

كيف كنتِ تفرّقين بيننا، فقالت لي: لا أعرف. في البدايةِ كنت أعرف، لكنني لم أعد أعرف شيئاً . كلّه منكنّ. في الأول، لم يكن صعباً ، ولكنه اختلف فيما بعد.
هل كنتِ أنتِ التي خربطتِ عياراتي ، أم أختكِ ، لا أعرف. رندة كانت تصرّ على أنها تريدُ اسم لميس، لأنه أجمل من اسمها. هكذا قالت لي، وبكت: لماذا لم تسموني أنا لميس وهي رندة؟!
ورفضت لميس أن تتخلى عن اسمها. حاولنا أن نقنعها، كانت صغيرة، أصغر بخمس دقائق، رفضتْ، وعدناها بلعبة، بأي شيء تشتهيه، مقابل الاسم، رفضتْ: كيف سأعرف نفسي فيما بعد !؟
قلنا لها: ستعرفينها لأنكِ أنتِ أنتِ.
فقالت: وحين ينادي أحدٌ : لميس. هل أجيبُ أن أم تجيبُ رندة؟ وإذا ما حدث لي شيء، إذا متّ، هل سأموتُ أنا أم رندة؟!
تشبّثت باسمها، كما يتشبّث رأسها بكتفيها. ولكنني أعرف أنكما كنتما تتبادلان الأسماء. لا تنكري!.
ولم أكن أنكر. لكن واحدةً منا خرجت إلى السطح ذلك اليوم، ورآها القناص، فأطلق رصاصة واحدة.
رصاصةً واحدة تكفي أحياناً وتزيد.
وكلّما راح أحد يحاول الوصول إليها فوق السطح، رأينا حواف الإسمنت تتطايرُ، فأدركنا أن هناك رصاصاً ، يأتي من بعيد، نراهُ ولكننا لا نسمع صوته، بعد ساعتينِ استطعنا قطع المسافةِ التي تفصلنا عنها، بعد ساعتينِ قطعنا الأمتار الأربعة! وجدناها جسدها ملقىً وسط بحيرة دم صغيرة، وكان اسمها إلى جانبها ملقىً هناك مثل عصفورٍ صغير، حملتُ الاسم ونزلتُ به، في الوقتِ الذي كانوا يُنزلون الجسد المثقوب، الجسد الذي فتحت فيهِ الرصاصةُ نافذةً عمياء. تلفّتُ فوجدتُ أنّ آخر شيء يفكرون به هو الاسم، خبأته، وكانوا يصرخون ويبكون، وظلوا كذلك إلى أن رآني أحد جيراننا أبكي، وكأنني أبكي عليّ، حدّق في الجثّةِ المسجّاةِ، وفي أقل من لحظة اندفع السؤال المخيف الذي أحال العالم كله إلى قطعةٍ يابسةٍ من صمتْ.
- من التي استشهدت؟ لميس أم رندة؟
التفتت إليّ أمّي عبر دموعها، وسألتني : مين يا بنتي ؟!
فبقيتُ صامتة .

** **

الآن أنهض في الليل، أتسلل لتلك الغرفة التي طالما جمعتنا كلنا ، الغرفة التي تفضي لحوش آمنة، أفتح الدفتر وأقرأ، وأقرأ ، حتى الصباح، وأدهش من أننا عشنا هذا الزمن كله.
أسير في الشارعْ.
تمر بي إحدى جاراتنا. تقول لي : صباح الخير يا رندة.
فأقول لها: أنا لميس يا خالتي.
فتقول: لا تؤاخذيني .
وبعد نصف ساعة أو أكثر أراها تعود، هي نفسها، وحين تصل تقول لي: مرحباً يا لميس. كيف حالك ؟
فأقول لها: أنا رندة يا خالتي.
أمي أصبحت تخاف عليّ. قالت لي: إذا بقيتِ هكذا ستصبحين مجنونة.
- ولكن لماذا؟ لأنني أريدُ أن يعرف الناس أنها لم تمُت ؟!
فتسألني: من هي التي لم تمُت ؟
فأقول لها: وحده صالح الذي كان يعرف، وحده الحبّ، وبمفردي لن أستطيعَ أن أقول. اسأليه!

** **

ذات صباح ،
وقفت طائرةٌ في السماء،
حدّقت في شارعنا،
وبعد قليلٍ ألقت قنبلة ..
رأيناها قادمةً، قادمة ببطء شديد، حتى أننا لم نشعر بأن علينا أن تحرك، أن نبتعد، أو أن نأخذ الأرض منبطحين. ثمّ صحونا على انفجارها الذي طوّح بكلّ شيء إلى الفضاء. وتلفتّ حولي، لم أرَ أمي، لم أر نفسي .. لكنني رحت أركض صوب الباب الذي يفضي لحوش آمنة. لم أره، وهكذا عبرتُه دون أن ألاحظ ذلك، فوجدتُ نفسي أصطدمُ بجسدٍ أمامي، لم يكن سوى جسد أمي.
بعد قليل أبصرت يديها تطردان الغبار، فرحتُ أفعل مثلها، ساعات كثيرة وأنا أطرد الغبار بعيداً دون أن يبتعدْ.
سمعتُ أصوات أناسٍ يصرخون، قادمين من كلّ مكان. وحين هدأ كل شيء، واستعدت عيني، رأيتُ أشلاءً معلقة في الهواء، ولم يكن قد تبقى من البيت غير شحوب النخلتين.

** **

الشاي، جاهز يا خالتي آمنة ,

.. ..

غلّبت حالي؟! لا ، ما فيها غلبة . المهمّ ديري بالك على نادية .

.. ..

تقولينَ أنها شاطرة وتستطيعُ أن ترعى نفسها بنفسها؟

... ..

طمّنتيني .

.. ..

وأنا ؟

.. ..

مثلما قلتُ لكِ في المرة الأخيرة.

.. ..

لستِ مصدّقة، حتى الآن ؟.

. . ..

لكنني أقولُ لكِ الصحيح. أمس، أحسست بأن الليل كان مضيئاً، خرجتُ إلى السطح، ولم أكن خائفة، وحين نظرت، لم أصدق عيني، رأيت الناس في الشوارع مثل قناديل الليل، كانو حزينين نعم، ولكنهم كانوا مثل قناديل الليل، وكنت أنا نفسي مضيئة وحزينة. تعرفين، خالتي، حين لن نستطع الوصول لأفراحنا المضيئة، يبدو أن حزننا هو الذي أصبح مضيئاً، وإلا لكنا انطفأنا كما تقول جدتي منذ مئة عام.
- .. .. !
- تقولين إنه حلم كبير؟!! لا، لم يكن حلماً كبيراً، كان حلماً لا غير.
- .. ..
- هذا الصباح طلبت أمّي مني أن أكتب لها كلمة (فلسطين).
- .. .. ؟
- نعم كتبتها، وحين أصبحت الورقةُ بين يديها، فرّت هاربةً مثل طفلةٍ صغيرة، وأغلقت الغرفة على نفسسها. وحينما خرَجَتْ، وبيدها ورقة أخرى، مكتوب عليها فلسطين، كانت أكثر حيرة. رجتني أن أقول لها أي ورقة كتبت بخطّ رندة، وأي ورقة كُتبت بخطّ لميس. وراحت تبكي. فقلتُ لها: الصحيح أنّ الورقتينِ مكتوبتين بخطّ يديْ.
فقالت لي: إنتِ مين؟.
- ... ؟ ... .. ..
- تعتقدينَ أنّ علي أن أخبرها بالحقيقةِ إذن، لأنني إن لم أقلها الآنَ، فلن أقولها أبداً ؟
- .. ..
- حاضر .
- .. .؟.
- أعدكِ، سأخبرها .


تمّت.


جرح الذات غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 17-06-11, 04:33 PM   #20

متمردة

نجم روايتي وقاصة بقصص من وحي الأعضاء وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة ومحرر لغوي بقسم وحي الخيال - مقيم التسالي - منسق المجلد الأول لوحي الخيال - م

alkap ~
 
الصورة الرمزية متمردة

? العضوٌ??? » 141218
?  التسِجيلٌ » Oct 2010
? مشَارَ?اتْي » 9,167
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Palestine
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » متمردة has a reputation beyond reputeمتمردة has a reputation beyond reputeمتمردة has a reputation beyond reputeمتمردة has a reputation beyond reputeمتمردة has a reputation beyond reputeمتمردة has a reputation beyond reputeمتمردة has a reputation beyond reputeمتمردة has a reputation beyond reputeمتمردة has a reputation beyond reputeمتمردة has a reputation beyond reputeمتمردة has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

شكرا كثيرا علي الرواية

متمردة غير متواجد حالياً  
التوقيع

قريبا جدااااااااااااا
ومازلنا بالبداية







الضغط علي
الصورة تنقل إلي الموضوع



رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:41 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.