20-04-11, 05:25 AM | #1 | |||||
روايتي مؤسس ومشرفة سابقة وقاصة في منتدى قصص من وحي الاعضاء
| عُدت للحياة من جديد ... (المسابقة) عُدت للحياة من جديد ... كانت تجلس فى فراشها ... جلسة تعودت عليها منذ ثلاث أشهر ... حركت قدميها حركة بسيطة ... تأوهت بألم ... فقد أصبحت عجوزاً لا يرجى منها شيئاً ... ضمت ساقيها إلى صدرها و أمسكتهما بيديها ... فقد كانت تشعر بالبرد ... رغم دفء الفراش ... تشعر بالبرد لأنها وحيدة ... لا أمل لها و لا هدف ... ليس لها سوى ذكريات قليلة ... عميقة و لكنها ملت من تكرارها لنفسها ... فقد أصبحت كلها ماض لا مستقبل لها . أوه ... ما أجمل الماضى برغم عذابه ... إنفرجت شفتاها عن إبتسامة عذبة ... فقد مر شريط ذكرياتها حلقة حلقة أمام ذهنها ... كيف كانت صغيرة ... مرحة ... جميلة و كان إبن عمها إسماعيل يحبها حباً شديداً ... و كيف ذهب و خاطب أباها يوماً فى أمرها ... و قال له : يا عمى ... أريد أن أخطب نادية ... فما رأيك ... إنها لى منذ الولادة . فإبتسم الأب قائلاً : "نعم يا بنى إنها لك منذ الولادة ... و أنا لازلت عند كلمتى الأولى فهل أخبرت والدك بالأمر ؟؟؟" فقال بجد و قد استطاع بصعوبة أن يكبح جماح نفسه : لقد رأيت أن أخاطبك أولا يا عمى ثم أخبر والدى لتتفقا على كل شيئ ... "حسناً يا ولدى على بركة الله ". كانت فى غرفة مجاورة بالمصادفة و قد سمعت و رأت كل شيئ ... إضطرب قلبها من الفرحة و إحمرت وجنتاها من الخجل و الحب حين فكرت فى ذلك ... و عجبت أمها لمرحها الزائد فى ذلك اليوم ... فى ذلك المساء تحدث الجميع بأمر الخطبة ... كانت هى متناومة ... كانت تعلم جيداً ما سوف يتحدثون عنه ... المهر ... الأثاث ... البيت الصغير الذى ستنتقل إليه مع زوجها ... حفلة عقد القران ... الزفاف ... الخ الخ الخ و لم يحاول أحد أن يسألها رأيها ... فقد كانوا يعرفون أنها تحبه كثيراً منذ الصغر ... كانت تدافع عنه بلسانها إذا ما جرؤ أحد أن يذكره بسوء ... و كان هو يدافع عنها بيديه و هو مستعد دائماً أن يدخل فى معركة حامية من أجلها ... إنها لتذكر الآن عندما أغضبت أمها مرة فكان جزاؤها علقة حامية من والدتها فلم تجد أحد تشكو إليه الظلم الذى حاق بها و تبكى عنده إلا إسماعيل ... و عندما رآها تبكى غضب لغضبها و إندلع الشرر من عينيه و هو يسألها عمن آذاها و ضربها ... و قد أقسم ليمزقنه من الضرب ... و هو يظن إنه أحد الأولاد فى الحارة ... فلما علم إنها والدتها سكن غضبه شيئاً و هون عليها و لاطفها و قال لها : إنها أمك و عليك أن تطيعيها يا نادية ... سمعت كلماته المطمئنة ... فسكن دمعها و إطمأن قلبها الراجف المضطرب . و عندما دخل إلى المنزل تركته و ذهبت إلى عروستها تخيط ملابسها ... سمعته يحادث والدتها قائلاً : إننى مخاصمك يا خالتى لأنك ضربتى نادية . ساعتها ضحكت والدتها كثيراً و ربتت على كتفه ضاحكة و هى تدعو إليه بطول العمر و إسعاد نادية ... أوه كيف مرت تلك الأيام ... ثم عندما أعلنت الخطبة ... و عقد القران ... كانت أسعد الفترات فى حياتها ... كانت تختبئ كلما جاء إلى المنزل و تتورد وجنتاها خجلاً و حياءاً أول الأمر ... و لكن المنزل كان فارغاً يوماً إلا منها و جاء هو و قال لها : إسمعينى إذا أتيت إلى هنا مرة أخرى و لم تأتِ تستقبليني فسأنتقم منك عندما نتزوج ... اضطربت عند ذكر الزواج و سألت مراوغة : و ماذا ستفعل ؟؟؟ أجابها بصوت حاد : سأضربك . و لم تخف من تهديده فقد كانت تعرف دالتها عليه و حنوه عليها ... و بعد شهور إنتقلت إلى عرشها الضيق اللطيف و قضت فيه فترات رائعة لم تذق السعادة فتاة فى زواجها كما ذاقتها هى ... فقد كانا كعصفورين مغردين منطلقين فى واحة رائعة ... و عاشا فى سعادة تامة سنوات قليلة أنجبت خلالها طفلين ( أيمن و أشرف ) ثم بعد سنوات إيمان الصغيرة و بعد مولد إيمان بشهر و نصف الشهر إنقصم ظهر الأسرة و كسر عمودها الفقرى و إنهد برج السعادة ... صعقتها الصدمة أول الأمر ثم قاومت و تحملتها بصبر و شجاعة و وطنت نفسها على تربية الأطفال ... و كافحت لتصل بأسرتها إلى بر السلام ... عملت على أن تحقق أمانيها و أمانى زوجها المرحوم فى الأولاد ... و أن تظل ذكرى إسماعيل بعطاءه و صفاته الحسنة ماثلة أمام ناظرى أولادهما ليظل القدوة لهم و المعين الروحى لها فى مشوارها ... تخرج أيمن من كلية الهندسة و بعد عمل متواصل إستطاع أن يكون شركة خاصة به ... إستقر فى السعودية ... أصبح لديه بيتاً و زوجة و أطفالاً ... و لكنه أبداً لم ينس والدته فكان يرسل لها رسائل كثيرة و هدايا و نقود ... و حاول أن يجعلها تترك بيتها القديم و تذهب عنده هى و إيمان ... فلم تقبل فقد كان أشرف فى الجامعة ... و أخيراً تخرج أشرف من كلية الطب و تزوج زميلة له و رحلا إلى لندن لإتمام الدراسة و التخصص ... أما إيمان الصغيرة فقد ظلت بجانب والدتها تعيشان على نبع فياض من الذكريات الجميلة التى كثيراً ما كانت الوالدة تعود بنفسها إلى الأيام السعيدة الهنية ... كبرت إيمان و حصلت على الثانوية العامة و كانت آمالها تدور حول الجامعة إلى أن إلتقت خلال الصيف بمنير ... شقيق صديقتها الحميمة صفاء ... و هو شاب ممتاز يشتغل مهندساً فى آبار الزيت فى مدينة الكويت ... أحبها و أحبته ... لم تكن الأم تدرك سبب زياراتها الكثيرة لصفاء ... و لكنها أدركت أخيراً عندما جاءتها أم منير خاطبة ... يومها رفضت ... فقد أحست إنها تفقد إبنتها ... كانت تتمنى أن تكبر إيمان و يصبح لها بيت و عائلة و لكنها كانت تخاف من ذلك و لا تريده ... لأن معنى ذلك أن تعيش وحيدة بلا أمل و لا هدف ... و رفضت بحجة أن الفتاة يجب أن تكمل تعليمها الجامعى ... و لكن إيمان قالت بجرأة أدهشت الأم : - لماذا ترفضين منير يا أمى ؟؟؟ - يجب أن تكملين دراستك يا إبنتى ... - أماه ...إن كان كذلك فسأكمل دراستى فى الجامعة و أنا متزوجة لقد علمتنى الصراحة يا أمى ... - هل تحبين ذلك الشاب يا بنيتى ؟؟؟ - نعم يا أماه ... إنه شاب ممتاز وجدت فيه كل الصفات التى حلمت بها ... وجدت فيه صفات أبى التى طالما كنت ترددينها على مسمعى ... - إسمعى يا إيمان ... هذه المسألة خطيرة و إنها حياتك فتبينى ما أنت فاعلة ... و ليكن عقلك و إرادتك هى الغالب على عاطفتك ... فإذا كنت قدرت ذلك فإننى موافقة و أتمنى لك السعادة من كل قلبى فأنت إبنتى ... و طفرت الدموع من من عينيها و يحزن قلبها و لكن سعادة إبنتها تسعدها ... و سافرت إيمان مع زوجها و رجعت هى إلى بيتها و قد رحلت عنه روحه النابضة بالحياة ... أخرجت ملابس إيمان و هى صغيرة ... أخذت تقبلها و الدموع تنهمر من عينيها بشدة ... فقد باتت وحيدة ... ثلاث شهور مريضة و هى وحيدة ... كان الأطباء مندهشون لمرضها لا يجدون له سبباً ... فى ثلاث شهور بدت كأنها عجوز جاوزت المائة ... سمعت ذات مرة الطبيب يقول : أن هذه المرأة لا تريد أن تشفى ... غاصت فى أفكارها تحدث عقلها ... نعم لا أريد أن أشفى ... لماذا أشفى ... لمن أشفى ... لا أحد و لا شيئ يريد وجودى ... لقد مللت من إجترار ذكرياتى لوحدى ... لقد مللت ... ما الفائدة ؟؟؟ دق الجرس ... إنتبهت من أفكارها ... دق الجرس مرة أخرى ... نهضت من فراشها ... أوه ... لقد تقاربت خطواتها ... و إنحنى ظهرها ... مضت إلى الباب و فتحته ... إنفرج عن شاب فى مقتبل العمر يحمل طفلاً صغيراً ... يلبس عوينات سوداء ... بجانبه فتاة لطيفة ... و تبعت على الأرض حقيبتان كبيرتان و أخرى صغيرة ... أعطى الشاب الطفل للعجوز و إرتمى على يديها يقبلهما بدموعه و يقبل وجنتيها سعيداً ... صرخت العجوز بفرح : أشرف ... ولدى أشرف ... الحمد و الشكر لك يا الله ... بعد أن هدأ الجميع شيئاً رد عليها أشرف : لقد عدت لأبقى بجانبك أمى ... عدت و معى نادية الصغيرة و زوجتى لأبقى أمى ... دخل الجميع المنزل ... رنت الضحكات هنا و هناك ... فقد عادت الحياة إلى هذا البيت الذى إفتقد الحياة ثلاث شهور ... - أوه نادية يا حبيبتى ... محتضنة الطفلة على صدرها و دمدمت : لن أصبح وحيدة مرة أخرى ... رد أشرف : ماذا تقولين يا أمى ؟؟؟ - لا شيئ ... فلست تعسةً الآن أو شقيةً ... إنتهت | |||||
20-04-11, 10:52 AM | #3 | ||||
قلمٌ اِفتقدناه وفارقنا لبارئه _ نجم روايتي وكاتبة سابقة بالمنتدى
| سلم قلمك على ما خط شخوص وأحداث نشعر بأننا نراهم يوميا من حولنا التمست الواقعية في قصتك وهذا ما يجعل القصة أكثر جمالا في عين القارء أنا أطمع بالمزيد من ما تجود به قريحتك , فلا ترديني الزين أختك وجــــ الكلمات ــــــــع | ||||
20-04-11, 12:35 PM | #4 | ||||
نجم روايتي وقاصة بقسم قصص من وحي الأعضاء
| هبة..مش عارفة ليه إتفاجئنا إنك صاحبة القصة رغم إنها كانت واضحة روحك فيها..إحنا إللى ماميزناش قصة جميلة أوى و أسلوب جميل...فكرة رقيقة و تفاصيل ناعمة و بسيطة بس أكتر نقط شدتنى أوى...نقطة مهمة وضحتيها ..إن الإحباط و تعب الروح بيأثر جسمانيا كتييير أكتر من الإرهاق الجسدى أو المرض دخلتينا فى ذكريات صبا و شباب ست رقيقة زى بطلتك..كإنى شايفاها بعينى و شايفة إبتسامتها و نظرتها على شريط ذكرياتها.... وضحتى إن إللى بيحسن تربية أبنائه..حتى لو حصل إنهم يضطروا يبعدوا عنه فى وقت..مصيرهم يراجعوا نفسهم ...حنان و رعاية و حسن تربية الأم و الأب مش بيضيع فى الهوا مع السنين..و نادر لما بينتج عنه أبناء قاسيين ..نادر ده لو حصل أصلا بجد قصة جميلة..و إستمتعنا بقرائتها أوى و أكيد إن شاء الله مستنيين الجديد ليكى سلام بقى | ||||
21-04-11, 02:50 AM | #6 | ||||||
روايتي مؤسس ومشرفة سابقة وقاصة في منتدى قصص من وحي الاعضاء
| اقتباس:
أشكر لك وجع الكلمات كلماتك المحفزة ... ممنونة لوجودك | ||||||
21-04-11, 02:59 AM | #7 | ||||||
روايتي مؤسس ومشرفة سابقة وقاصة في منتدى قصص من وحي الاعضاء
| اقتباس:
تسلمى هادية على الرد الرائع و سعيدة لأنها أعجبتك ... لك كل مودتى | ||||||
21-04-11, 03:55 AM | #8 | ||||||||||||||
مراقبة ومشرفة سابقة ونجم روايتي
| قصه جميله هبه تصف اغلبية من هم في سن اليأس وشعورهم ان لا أحد يفتقدهم في هذا السن تتملكهم الافكار السلبيه بحيث انها تنعكس عليهم كأمراض عضويه لاحظت كثير منهم ربما لعدم مقدرتهم على اشغال انفسهم كما لوكان البيت مليء بالحياه تسلم اناملك هبه على القصه بنتظار جديدك | ||||||||||||||
21-04-11, 06:10 PM | #9 | ||||||
روايتي مؤسس ومشرفة سابقة وقاصة في منتدى قصص من وحي الاعضاء
| اقتباس:
فعلاً جرح الذات فالأغلبية تتناسى كبار السن و تحسبهم لا يلاحظون ... ربى يسلمك و شكراً لمرورك الذى عطر الموضوع ... | ||||||
21-04-11, 08:07 PM | #10 | ||||
نجم روايتي
| صحيح يا هبة قد نشيخ في العمر عندما نفقد الأمل.... مسكينة تلك المرأة بعد فقدان امل و لمدة ثلاثة أشهر عاد ت لها حياة جديدة مملوؤة بالمرافقين و لن تظل وحيدة.... سعدت كثير لقراءة القصة... سردها رائع.. يسلموووووووو يا الغالية و يعطيك الف عافية... موفقة بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . | ||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|