آخر 10 مشاركات
لا تتحديني (165) للكاتبة: Angela Bissell(ج2 من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          ومضة شك في غمرة يقين (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة (1) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          يبقى الحب ...... قصة سعودية رومانسيه واقعية .. مميزة مكتملة (الكاتـب : غيوض 2008 - )           »          339 - على ضفاف الرحيل - آن ويل (الكاتـب : سيرينا - )           »          رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )           »          أطياف الغرام *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : rainy dream - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          *&* هنا يتم الابلاغ عن الكتابات المخالفة للقوانين + أي استفسار أو ملاحظه *&** (الكاتـب : سعود2001 - )           »          قبلة آخر الليل(15) للكاتبة: Gena Showalter *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى القصص القصيرة المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-05-11, 02:57 PM   #1

غناء الروح

نجم روايتي وكاتبة في مكتبة روايتي وعضوة في فريق التصميم ومصممة بمنتدى وحي الخيال وموهوبة في مسابقة فطورنا يا محلاه

alkap ~
 
الصورة الرمزية غناء الروح

? العضوٌ??? » 113383
?  التسِجيلٌ » Mar 2010
? مشَارَ?اتْي » 9,966
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Palestine
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » غناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
Bravo بعض روايات الكاتبة خولة القزويني



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
فهذه بعض الروايات للكاتبة المبدعة خولة القزويني، وقد وجدتها في أحد المواقع فأحببت نقلها هنا.
التعريف بالكاتبة:
. خولة صاحب سيد جواد القزويني
. ولدت في العراق في مدينة الكاظمية المقدسة من عائلة علمائية هاشمية يرجع نسبها إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )
. حصلت على بكالوريوس إدارة أعمال من جامعة الكويت عام 1987 و 1988 م
. عملت باحثة عي إدارة المكتبات ( قسم البحوث و البرامج ) في وزارة التربية في
الكويت وكاتبة في جريدة ( آفاق ) الجامعية عام 86 و 88 ومحررة صحيفية بمجلة
( صوت الخليج ) الكويتية عام 87 و 88 وكاتبة في جريدة ( القبس ) اليومية الكويتية منذ
عام 1989 وحتى الآن ( صفحة المقالات وصفحة الباب الثقافي ) ومحررة في باب
( بيت الأسرة ) في مجلة ( العصر ) الكويتية وكاتبة في ( دلال ) الكويتية وعضوة في رابطة
الأداباء في الكويت وعضوة ايضاً في حمعية الصحافيين الكويتية وعضوة في الشبكة العالمية للمرأة المسلمة و أيضاً في رابطة الأداب الأسلامية في الرياض
. لها العديد من الكتيبات و الدراسات منها : ( الثقة بالنفس عند الطالب ) و ( كيف نقرأ كتاباً )
و ( كيف نصنع إنساناً قارئاً ) و ( مظاهرة الكذب عند الأطفال )


غناء الروح غير متواجد حالياً  
التوقيع
قيد التحديث
رد مع اقتباس
قديم 14-05-11, 02:58 PM   #2

غناء الروح

نجم روايتي وكاتبة في مكتبة روايتي وعضوة في فريق التصميم ومصممة بمنتدى وحي الخيال وموهوبة في مسابقة فطورنا يا محلاه

alkap ~
 
الصورة الرمزية غناء الروح

? العضوٌ??? » 113383
?  التسِجيلٌ » Mar 2010
? مشَارَ?اتْي » 9,966
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Palestine
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » غناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

ـ مقدمة الكتاب..


تتعرض المرأة في مجتمعاتنا إلى ضغوط نفسية كبيرة واضطرابات وجدانية شديدة توقعها في متاهات من الآلام..
والمعاناة والتوتر فتأتي سلوكياتها محاطة بصيغ من التناقضات والإزدواجية والإحباطات النفسية,وقد تجتمع الكثير من العوامل على خلق هذه المشاكل بدءامن البيئة المحيطة باالمرأة وحتى المجتمع الخارجي..
وهذا الكتاب عبارة عن حكايات واقعية لنساء تعرضن ‘الى مشاكل نفسية وإجتماعية اضطرتهن غلى طلب المشورة والنصح لتخطي المرحلة بسلام..
وهنا أردت أن أبتعد عن أجواء الخيال و التحليق في فضاء الفكر الواسع وأعود مجددا إلى أرض الواقع لأعيش هموم المرأة بجميع صورها ومواقفها ومواقعها كزوجة وأم وابنةوأخت وزميلة في العمل..
فجاءت بطلات هذه القصص حسا ناطقا لاوجاع المرأة والامها النفسية,فكل قارئة نبضة مشتعلة تتفاعل مع قصة سعاد او نادية أو ربما دلال فلكل واحة منهن نسيج دقيق يلتحم مع معانتها اذ تتحرك بطلة القصة بضمير صادق وتتعترف بتلقائية وشفافية كي تكتمل الرؤية الواقعية وتنبعث أصدائها إلى كل قارئة تجد نفسها في موقع بطلة القصة نفسه..
وهذه المشاكل هي عصارة مجتمع يضغط من جميع الجهات والمواقع على نفسية المرأة ويصهر أنوثتها نحو عالم التمدن المزعوم الذي استهلك اعصابها وأخرجها من جنتها الفطرية حيث حضن الاسرة و حنان الزوج..
وهناك حديث للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام يقول فيه:
{{المرأة ريحانة وليست بقهرمانة}}شبه الإمام المرأة بعود الريحان ذلك النبات العطري الدقيق الذي يفوح جمالا وروعة وعطاء,فالحرمان العاطفي والإهمال القسري وظروف العمل وضغوط الحياة وخروج المرأة من بيتها وجنتها إلى دنيا العمل وزحمة الطريق وطريق المصانع وضجيج المدينة عوامل ضاغطة على ـعصابه ومرهقة لرقتها,ولهذا تحول ذلك الكائن اللطيف الرقيق الذي ينضج انوثة وحنانا إلى مخلوق منتمر قاس ذو وجه رقيق و روح شرسة .
فتظل المرأة تبحث دائماً و عبر علاقاتها الشخصية عن السكون و الاطمئنان و المتنفس لمشاكلها و أحزانها ، فستبقى دائماً في حالة قلق طالما يكلفها الرجل فوق طاقتها و يحملها عبئاً مضاعفاَ ن ناهيك عن حالة الوحدة و الكآبة التي سجلت رقماً قياسياً في أوساط المتزوجات فصارت المرأة تخوض حياتها الزوجية و الاجتماعية العامة بتخبط و توتر و ضياع رغم وصولها إلى أعلى المراتب العلمية و أرقى درجات السلم الوظيفي . فهي تحتاج إلى توجيه و إرشاد وتوعية حتى لا تقع في برثن النزاعات النفسية المنهكة ز
و كما قلت – فإن بطلات قصصي نساء و فتيات عرفتهن عن قرب و عشت معهن آلامهن النفسية و خلجاتهن الرقيقة و الحساسة ، و همسنهن الأنثوي الخافت و قد استشرت الدكتور حسين الطاهر – الذي أود في هذا المقام أن أشكره على هذا الجد القيم و العطاء المثمر – لأنه ساهم معي في نصح الشاكيات اللاتي طلبن المشورة ، و لأنه ساهم معي في إتمام هذا الكتاب عبر استشاراته الحكيمة و حلوله البناءة لمشاكل بطلات القصة أو بطلات الواقع كم أحب أن أصفهن دائماً .
كما أحب أن أنوه هنا ، بأن هذا الكتاب ليس موجهاً للنساء فقط و إنما للرجل بوجه خاص سواء أكان زوجاً أو أباً أو أخاً أو حتى زميلاً في العمل ، لأن المجتمع قائم على التكامل الفاعلي بين الجنسين لتمضي مسيرة الحياة قدماً نحو الكمال .
إنه – أي هذا الكتاب – للرجل لكي يفهم المرأة ، ويعرف دقائق حياتها و خصوصياتها و يستوعب مشاكلها الدقية التي لا ترى بالعين المجردة حتى يعرف كيف يتعامل معها و يدرك ماهية أحزانها و احتياجاتها النفسية الأنثوية التي قد تخجل أحياناً أن تبوح بها .
فالحكيم الهندي طاغور له قول رائع في هذا الصدد :
(( الأشياء الصغرى عند المرأة هي أشياءها الكبرى ))
وجاء باب الاستشارة كموضوع حيوي نابض بالروح و الحياة و هو لا يعني بالضرورة أن هناك عقداً نفسية و طبيباً نفسانياً و مساحة مخيفة نخشى الخوض فيها فنفزع و ننفر خجلاً و خوفاً .
بل إنه طرح جديد أو اتجاه جديد و فعال في سياق حل المشاكل الاجتماعية ضمن إطار علمي و موضوعي مؤطر بإطار ديننا الإسلامي الحنيف بعيداً عن الفكر العلماني الجامد الذي ذوب قيمنا و أعرافنا و حولها بمفهومه الناقص إلى أفكار رجعية .
فمشاكلنا الشخصية بصرة عامة تنبع في أغلب الأحيان من سوء الاتصال ، و سوء الفهم و سوء الطن ، وسوء اإدراك و أحياناً الاندفاعية و التسرع في الحكم و لهذا يقدم لنا الدكتور حسين مشكوراً بعضاً من التوصيات و الاستشارات النفسية التيتساعدنا نساءً و رجالاً في تحقيق التوافق السلوكي مع الآخرين لخلق علاقات إجتماعية ناجحة سواء علاقة زواجية أو عملية أو صداقة .
فالكتاب الذي بييديك عزيزي القارئ – عبارة عن مشاكل إجتماعية و نفسية لنساء يعشن ظروفاً حرجة ضمن إطار قصصي و مباشر – اردت بهذه الفكرة أن أستفز المجتمع ليفهم ما تعانيه المرأة اليوم و ينهض من جديد حتى يعيدها إلى موقعها الفطري الذيي حدده الله سبحانه وتعالى لها ، و جاءت توصيات الدكتور الاستشاري المتخصص علاجاً ناجحاً لهذه الأمراض وبلسماً شافياً لهذه النوعية من الجروح .
فهذا الكتاب حصاد جهد مثمر لفريق عمل متواضع ، أراد أن يقدم للمجتمع تحفة إنسانية رائعة ذات أصداء هادفة فالشكر العميق للدكتور حسين الطاهر ، و لبطلات القسة اللاتي غيرت في أسمائهن و تصرفت في بعض مواقفهن درءاً للإحراج – و قد استطعن أن يخرجن بفضل الله عز وجل ثم بجهد الدكتور من أزماتهن بسلم و يحققن لحياتهن معنى جديداً و هدفاً مثمراً
و الحمد لله رب العالمين.

خولة القزويني


غناء الروح غير متواجد حالياً  
التوقيع
قيد التحديث
رد مع اقتباس
قديم 14-05-11, 02:59 PM   #3

غناء الروح

نجم روايتي وكاتبة في مكتبة روايتي وعضوة في فريق التصميم ومصممة بمنتدى وحي الخيال وموهوبة في مسابقة فطورنا يا محلاه

alkap ~
 
الصورة الرمزية غناء الروح

? العضوٌ??? » 113383
?  التسِجيلٌ » Mar 2010
? مشَارَ?اتْي » 9,966
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Palestine
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » غناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الحكاية الأولى :
كآبة سعاد

منذ متى لم أر سعاد ؟
هكذا سبقني السؤال حائراً في ذاكرتي ن يترنم بشجى مدفون و أنا أتأملها ساهمة .
نفس الملامح ، لكنها ذابلة ، ذائبة في وجه امتص الزمان رونقه ،
اقتربت منها ، صافحتها ،
سعاد عزيزتي كيف حالك ؟
شدت على كتفي ورعشة باردة تتسلل إلى إصابعها
بخير ، بخير يا هدى
حضنتها و تنهيدة عميقة اختصرت مسافات الاغتراب .
اشتقت إليك يا غاليتي .
استرخت فوق صدري و هي تهمس :
- ما اقسى الزمان .. ما ..
طفرت الدموع في عينيها
شعرت أن ثمة ألماً يغوص في أعماقها فوجدتني أسألها :
- هل ثمة ما يحزنك يا سعاد ؟ .. لقد شاءت الأقدار أن ألقاك صدفة بعدما تاهت بنا دروب الحياة ، فمنذ سنوات و أنت معزولة عن الناس ، كنا نفتقدك حتى في المواسم و الأعياد ، ظننت أن الزوج و الأولاد قد أخذوا من اهتمامك فما عاد هناك وقتاً حتى لمجاملة الناس .
ضحكت ُ و أنا أتطلع إلى الشارع المزدحم ، ثم أشرت ُ إلى الأكياس التي أحملها في يدي
- أظن أن المكان لا ينساب لمثل هذه الأحاديث فجوعي إلى هذا اللقاء لا تشبعه تلك العبارات العابرة و نهمي لمعرفة أخبارك يحتاج إلى لقاءات طويلة و متصلة .
أعرضت سعاد بوجهها الممتقع فبدت كمن يخفي أمراً خطيراً
- لا عليك يا عزيزتي اتركي لي عناونك و سألقاك في أقرب فرصة .
تسمرت ُ في مكاني ، إذ أحسست ُ أنها محاولة رقيقة لتهرب كما هربت مني خلال تلك السنين ، و أظنها في أمس الحاجة إلى من يفهم هواجسها وذيب هذا الحزن المتراكم فوق صدرها .
- سعاد أرجوك لا ترفضي دعوتي ، إني أحتاجك ، و سأكون صريحة أكثر ، أنا وحيدة ، لقد تطلقت من زوجي مؤخراً ، و لي بنت واحدة ، تفترسني الوحدة و ما من صديقة أثق بها غيرك .
حدقت بي طويلاً مندهشة ..
- و هل أنت مطلقة الآن ؟! و لماذا ؟ !
- لا تندهشي يا عزيزتي ، سأقص عليك حكايتي ... شعرت ُ و كأني رشوتها بهذه الحكاية وسيدفها فضولها أكثر لتعود لي ..
- هيا اتخذي قرارك !
بتردد أجابت :
- لكني لم أعد طعام الغذاء للأولاد .. و ...
بإصرار قلت :
- سنتدبر الأمر يا أختاه ، هيا اتبعيني ..
انطلقت كل منا في سيارتها الخاصة ..
كل شيء أستطيع أن أسيطر عليه الآن إلا ذاكرتي التي نشطت و كأنها صدمت بمثير استفزها لتجنح بعنف إلى الوراء ، حيث كنا أنا وسعاد طالبتين في الجامعة ، أتذكر سعاد الفتاة المرحة المتوقدة بالحيوية و النشاط ذات الذكاء اللامع ، أبهرت الأستاذة بثقافتها و شخصيتها ، كانت تتمتع بعينين و اسعتين ذات بريق أخاذ ووجه مستدير كفلقة قمر و قامة ممشوقة ، أتذكر إعجابي بها و حبي لها ، كنا كثيراً ما نثرثر قبل دخولنا قاعة المحاضرات ، شدت إليها أنظار الشباب و أمانيهم ، إذ خطبها الكثير منهم و كل يوم كنا نتندر بقصة أحدهم حينما يدخل البيت خاطباً و يعود خائباً . صديقتي هذه كانت قمة في المرح والدفء والحنان ، سطعت كنجمة متألقة لا تطالها يد إنسان فجاذبيتها الآسرةسحر لا يعرفه إلا من عاشرها عن قرب ، تزوجت و هي في السنة الثانية من الجامعة ، و بدأت هذه النجمة تختفي من سماء حياتنا ، إذ كنا مجموعة من الصديقات نلتقي في كافتريا الجامعة نشرب العصير ، نتجاذب أحاديث الصبا نمرح مرحاً صافياً لم تعكره هموم الحياة ، حتى تمت خطوبة سعاد بسرعة و قد عرفنا أنه رجل أعمال ثري من عائلة مرموقة ، لم تكمل تعليمها الجامعي لأنها تضطر في اغلب الأحيان للسفر معه ، فتعثرت دراستها ، وهكذا تقلصت علاقتنا و رتابة الأيام حولت دفء المشاعر إلى مساحات باردة تتسع يوماً بعد أخر ، بينما أحجمت هي عن الاتصال بنا ففترت العلاقة و تبددت مع الزمن ، ولم أعرف شيئاً عنها حتى هذا اليوم إذ جمعني القدر بها ثانية .
نظرت إلى مرآة السيارة لأتأكد من أنها تتبعني حتى لا تضل الطريق ، كما لت فيما مضى !
ركنا السيارتين في كراج العمارة ، و ما هي إلا لحظات قصيرة و إذا بنا في صالون شقتي ، كانت تبتسم بفتور و هي تتأمل بيتي الصغير و تستوقفها صور ابنتي وقد غطت جدران البيت .
همست :
- ابنتك لا تشبهك كثيراً !
- إنها صورة طبق الأصل عن والدها .
- و أين هي الآن ؟
- في المدرسة.
قدمت لصديقتي الشاي وقطع الكيك و جلسنا نتجاذب أطراف الحديث ، حاولت أن أتودد إليها أكثر و أشعرها بالدفء و الطمأنينة ، استرخت ملامحها القلقةو لعل صالوني البسيط بألوانه المريحة و أجوائه الهادئة أشعرها بالسكينة .
تنهدت وهي تحتسي الشاي ثم شردت ببصرها قائلة :
- هل تصدقين أن زوجي قد ترك البيت منذ مدة ؟!
أصغيت لها باهتمام :
- لماذا ؟ أظن أنك تعانين من مشكلة يا عزيزتي .
- أجل يا هدى ، فمنذ سنوات و أنا تعيسة في حياتي قد تبلدت مشاعري لا أعرف بالضبط ما يحصل لي ، أصبحت لزوجي مجرد قطعة أثاث مملة ، فهو دائم السفر و الترحال ن جامد المشاعر لا يعبر لي عن عاطفته ، أنجبت بناتي الثلاث على أمل أن تشده المسؤولية إلى البيت ، لكن لا يكترث لهذا الأمر فعمله هو كل هدفه في الحياة ، وقف ضد رغباتي و هواياتي حتى سئمت أيامي ، فبدأت أهمل نفسي ن أهمل رشاقتي ، أهمل صحتي و جمالي ، أهمل بيتي ، أعتمد على الخادمة في كل شيء ، شعرت أن الحياة ليس لها طعم ، أدمنت على الأقراص المهدئة للأعصاب و التي تغيبني عن الحياة حتى أهرب من هموم الواقع ، كلما كان يدخل إلى البيت يراني راقدة في فراشي حيث الظلمة ليل نهار ، قد صبغ السواد كل أيامي فلم أعد أرى الجانب المشرق منها ، إنني بالضبط كالآلة الصماء التي تدور و تدود دون مشاعر أو أحاسيس دخلنا في مشاجرات عنيفة معظمها كان يدور لأسباب تافهة ، فكره زوجي البيت ، كره لقائي ، أصبح يبيت خارج البيت لأيام طويلة .. لا أعرف ماذا كان يحصل لنفسي و أنا أقع فريسة لهواجسي تفترسني لأيام وليالي ، لم أعد أطيق زوجي ، لم أعد أشعر ببناتي ، انقلبت حياتي رأساً على عقب ، لقد كبرت في سنوات قليلة ، شاخ قلبي بفعل الضغوط يا هدى ، أصبح زوجي ينتقدني بقسوة و يجرحني كلما ارتديت ثوباً من الثياب ، غذ يقول ساخراً (( انظري إلى كتل جسدك المكومة فوق بعضها البعض ، لقد اصبحت فيلاً مزعجاً ، مقرفاً ، كان يتهرب من لقائي يا هدى ، لأن جسدي قد تبشع ، فمضايقاتي النفسية كانت تدفعني إلى التهام الطعام دون حساب ، أظنه الآن يخونني مع الحسناوات الرشيقات ..))
توقفت رفيقتي عن البوح ، وذرفت دموعاً حبيسة ، احتقن و جهها أكثر فأكثر حينما صرخت و هي تنتحب (( يا رب خلصني من هذا العذاب ، ليتني أموت ، ليتني أموت .. ))
قاطعتها و أنا أربت على كتفها في حنان
- كل شيء له حل يا عزيزتي ، اطمئني ،سأساعدك ، سأخلصك من هذا العذاب بإذن الله .
قدمت لها كوباً من الماء .
- اشربي يا غاليتي ، هوني عليك .
شدت نفساً عميقاً
- ألم تلاضظي أنني قد تغيرت كثيراً ، أصبحت لا أطيق أي شيء ، فكرت في بناتي و مسؤولياتي ناحيتهن ، لكني لا أعرف كيف أعيد التوازن إلى نفسي ، فقدت نشاطي و حيويتي ، دائماً أشعر بالوهن و الضعف و الكسل ، في كل مرة أخطط لأغير حياتي لكني أنتكس فور استيقاظي من النوم ، اقضي نهاري كله اتقلب في الفراش و هكذا تتبدد أيامي و ساعاتي دون فائدة ، قد زاد وزني بصورة مخجلة ، حاولت أن اتبع نظام رجيم لإنقاص وزني لكني فشلت ، التزمت به لأيام ثم عدلت عنه لأني أحب الطعام بشراهة ، أصبحت كالريشة في مهب الريح تتقاذفها تيارات الحياة في كل جانب .
صمتت سعاد ، لكني استطردت بعد تفكير :
- و لماذا استرسلت في هذه الأحزان ، أم تفكري بحلول شافية تغنيك عن هذا الجنون المفرط الذي لفك في دوامة من الضياع ؟!
أطرقت تفكر طويلاً ثم مسحت طرفها بحزن قائلة :
- لقد كان اختياراً خاطئاً ، أثر على نفسيتي و سلوكياتي فلم أعد أتحكم بنفسي .
قلت و أنا أحاول و أن أثيرها بهدوء :


- و لكن لم انتظرت حتى تنجبي ثلاث بنات ؟!
حدجتني بنظرة كسيرة :
- إنه يفكر في طلاقي الآن ؟ و أنت تعرفين جيداً أنني يتيمة ، إخواني متزوجون ، فإن طلني قد أخسر المأوى و السكن !
تأنيت في الرد عليها لأني لا أعرف وجهتي الصحيحة فهي تتحجث منفعلة مندفعة ، مشحونة بالحزن و الغضب ، أخشى أن أخطئ السبيل في توجيهها ، لذا حاولت احتواء حزنها ، و امتصاص لوعتها ، لكن ثمة أشياء تدر في خلدها تثير أعصابها ، أستشف ذلك من نظراتها العابسة و وججهها المتشنج ، و فجأة و على حين غرة قهقهت صاحبتي و كأن مساً من الجنون قد أصابها ، حدقت بها طويلاً لأستكشف معالم روحها على هوادة ، لكني فشلت ، فهي تقهقه حتى دمعت عيناها و شربت ما تبقى من الماء ثم سحبت كرسيها بعنف قائلة :
- ساذهب الآن إلى البيت
استوقفتها راجية :
- تناولي الغذاء معي
تناهت إلى رأسها فكرة :
- بالمناسبة ما سبب طالقك ؟
قلت :
- إنه النصيب يا أختاه ، لم نتفق في أي شيء ، فهو رجل لا يتحمل المسؤولية لا يصرف على البيت ، اتكالي ، حاولت أن أصلح الأمر لكنه شخص اعتاد على الهروب من واجباته ، فوجدت الحل الأسلم في الانفصال عنه و أنا غير آسفة .
حدجتني صاحبتي بنتظرة ملؤها الفضول و الإنبهار .
- أنت شجاعة يا هدى ، لقد حسمت الموقف و اخترت طريقاً واضحاً .
أجبت باعتداد وثقة :
- أجل إني اخترت هذا الطريق دون ضغوط نفسية أو اجتماعية .
شردت سعاد ببصرها بعيداً كمن تحدث نفسها في صمت :
- ليتني استطيف ذلك ، لكني مشلولة يا هدى ، الكآبة تسلطت على حياتي كالشبح المخيف وفردت أجنحة الحزن سوادها في سماء حياتي، صار زوجي كابوساً مرعباً أتوارى عنه خشية أن أصطدم به .
اقتربت ُ منها أحاول أن أختصر المسافة النفسية بيننا ، قلت لا بحنان يشوبه حذر
- عزيزتي ، إن في الطابق الثالث من العمارة التي أسكنها دكتور استشاري نفسي و سلوكي ، يلجأ إليه الكثير ممن يعانون من المشكلات الاجتماعية و النفسية وقد لجأت إليه فيما مضى عندما تفاقمت المشاكل النفسية بيني و بين زوجي ، لقد ساعدني كثيراُ و وجهني الوجهة الصحيحة حتى اتخذت قراري بهدوء ، وها أنا مستقرة نفسياً و مطمئنة لأن الطبيب يستطيع أن يستقبل كل ما نتحرج أن نقوله للآخرين و لأقرب الناس إلينا ، ناهيك عن خبرتها و إلمامه بما يدور في خلدنا دون أن نفصح عنه في ألسنتنا ، أنت محبطة يا سعاد و مكتئبة و يحزنني أن أرى صديقتي العزيزة قد تنهار أمامي دونما أن أمد لها يد المساعدة .
انطلقت أسارير سعاد واستبشر وجهها كثيراً فغمرني إحساس بالاطمئنان
قلت لها :
- يبدو أن الفكة قد راقت لك كثيراً .
بتردد اجابت :
- أجل ، و لكن اخشى أن يعرف الناس ، أخشى أن ...
قاطعتها :
- دعك من الآخرين ، وانقذي نفسك من هذا الهوان ، لتعودي اماً صالحة لبناتك ، أنت مسؤولة ، أنت ربة عائلة ينبغي عليك أن تلملمي جراحاتك و تداوي آلامك ، فليس هناك أدنى تبرير للهروب من حقيقة كآبتك القاتلة ، ووحدتك المدمرة.
شدت نفساً عميقاً ثم أردفت :
- سأفعل ، سأذهب إلى هذا الطبيب
قلت و بحظم :
- فلنذهب اليوم مساءً ، فخير البر عاجله .
و بنبرة خافتة يشوبها نوع من التردد ، هتفت صاحبتي
- ولكن دعيني أفكر !
- صدقيني إنه طبيب حاذق ، سيساعدك بفضل الله و لا تكترثي بأي شيء .سأساعدك سآخذك إلى العيادة مساءً
ابتسمت بارتياح .
- حسنٌ ،سآتي إليك مساءً
- و أنا بانتظارك .
- أودعك الآن .. مع السلامة .
- مع السلامة و إلى اللقاء
ودعت سعاد و أنا مذهولة كيف فعلت تلك السنون بصاحبتي و قلبت حياتها إلى حال يرثى لها ، كانت مقولة سعاد الدائمة وهي في ثورة الضحك و المرح (( عش و دع غيرك يعيش )) لم أنس ظرفها ورقتها و ضحكاتها املجنونة كأن هذا الصخب كله قد انكمش و تحول إلى نتوء صغير أمام خامة كآبتها ووحش أحزانها التي تعربد بخصب في قلبها الطيب ، إن لهذه الإنسانة صورة مطبوعة في الذاكرة لا أستطيع أن أنساها ، فقلي يرفض حقيقتها الآن وواقعها الفعلي ، لن أصدق أن هذه هي سعاد الأمس ، بأكوامها المتراكمة ، وبوجهها المتغضن العابس ، بصفرة لونها ، هل هي بالفعل صادقة فيما تقول ، كانت تجمعنا معاً ذكريات جميلة و أيام عذبة منذ ماض بعيد ، كنت أحسب هذا التوهج في روحها خالداَ أبد الدهر ، و الدفء الذي كان يتسلل من عينيها ليسطع فوق الأرواح فيمنحها ثقة و اطمئناناً قد تبدد ، إنها منهارة ، بل هي ركام من الأحزان و كومة من الحطام ، لا بد أنها أخفت عني أشياء كثيرة في حياتها قد تتحرج من البوح بها ، لا بتد أن هناك ثمة مساحة يضعها الإنسان بينه و بين الآخرين فيحتفظ بها لنفسه ب، و لكني و بإيماني الشديد باله ررت أن ألملم روحها المتناثرة و أضمها إلى عشها الهادئ أماً سوية..
و في الساعة الخامسة مساءً جاءت سعاد ومسحة الكآبة تغر في ملامحها القاسية ، ارتدت ثوباً رمادياً مهلهلاً قد أضاف وزناً إلى وزنها ، تطلعت ملياً في عينيها الذابلتين اللتين كانتا أجمل ما في وجهها .
سألتها :
- هل كنت تبكين ؟
احمر وجهها خجلاً
- أصبح البكاء أنشودة أتغنى بها كل يوم
- هيا فلنثب إلى العيادة
انطلقنا بخفة الريح واندفاعه إلى السلم و قطعناه دون أن نشعر بالتعب و إذا بالسكرتيرة تنتظرنا .ز
- مدام سعاد !
أجابة سعاد مطرقة و علامات الاضطراب ترتسم على قسماتها :
- أجل
السكرتيرة تشير إليها
- تفضلي الدكتور بانتظارك .
و بخطوات ثقليلة يشوبها خوف وتردد ، دخلت سعاد وغابت عن ناظري ، وجلست أنتظرها ..

في غرفة الدكتور :
بابتسامة مطمئنة رحب الدكتور بسعاد ،قلبها يضكرب ، و عيناها تغوران في الأحداق تزدرد ريقها ، فهي بانتظار أنيلقي عليها الدكتور سؤالاً محرجاً قد لا تتوقعه .
كان المكان هادئاً ، النور يلقي بظلاله الخافتة فوق الأشياء ، كل قطعة في الغرفة تزغرد بالنظافة ، الألوان المطمئنة بالأحلام تستقبل المريض بوميض غاف فيدب الخدر في العروق ، مكتب عريض ضخم يقف في مقدمة الغرفة يخفي حقائق غامضة تسكن في قلب الطبيب ، و الكرسي الأسود الممتد طولاً على جانب الجدار بدى تنهد حظناً لفرش ما لامست أنسجتها أحزاناً آدمية أصبح سواده غماً يدندن مع ذبذبات القلوب الجريحة ، مائدة صغيرة نصبت في وسط الغرفة وحولها كرسيان مريحان يخصان الطبيب و مريضه ، لن يشدك في الطبيب إلا نظراته الثاقبة التي تغوص في أعماق المريض لتبحر فيه نحو دقائق غامضة ، قد يفشل المريض ذاته عن معرفة مكنوناتها ، وأنت تقف أمامه تشغر أن كل رة فيك تتكلم ، فتاك تثرثر ، عيناك تعترفان ، أطرافك ترتعش ، حتى قلبك يتحول إلى فم كبير يتفوه بأشياء كنت ترتدع فيما مضى عن البوح بها ، لكنها و أمام ذلك الطبيب تتفتح روحك الكزهرة عن أكمامها إنه يقطف أحلامك و مخزونك الذائبفي أبعاد الروح ليصيغك من جديد ، يتودد إليك كالصديق الحميم ، أو كالحبيب المحب الذي لتقي حبيبه بعد انقطاع طويل ، تشعر و أنت بين يديه بأن نزوات روحك التي توارت عن الآخرين لن تمر مروراً عابراً أمام مبضع ذلك الجراح الماهر لأنه سيلتقطها من وسط ركام الاضطرابات النفسية فيهدأ انفعالك و يخبو توهجك المجنون ويستسلم كل شريان فيك إلى نبض جديد و حس يختلف عن العالم الخارجي الذي كنت فيه .
اطمأنت سعاد ، واسترخت أوصالها المتوترة ، وانفرجت أساريرها المتشنجة ، فحاورها الدكتور محاولاً إضفاء نوع من الألفة بينهما :
- مرحباً بك يا سعاد ، إني أهنئك على شجاعتك و مجيئك إلى هنا طالبة الاستشارة فالرسول ( ص ) يقول (( استرشدوا العاقل ترشدوا و لا تعصوه فتندموا ))
الحياة يا سعاد مليئة بالمواقف السهلة منها و الصعبة و طبيعي أن الإنسان يواجه تلك المواقف و عليه أن يعبر عنها لكي يجد الحلول المناسبة التي تساعده على مواصلة دروب الحياة .

ليتك يا سعاد تخبريني عما يجول بخاطرك و ترغبين الافصاح عنه ...
استطردت سعاد بعد صمت طويل :
- لا أدري يا دكتور من أين أبدأ مشكلتي
استحثها الدكتور على الكلام :
- أرجوكِ يا أفصحي عما يدور في خلدك ، اعتبريني صديقاً مخلصاً تطمئنين له ، لا تترددي أرجوك ..

ترددت أنفاسها اللاهثة باضطراب و بصوت يرتجف أردفت :
- منذ فترة و أنا أشعر بالطيق والتعاسة ، تبدلت شخيتي من حال إلى حال ، قبل الزواج كنت إنسانة مرحة قوية مفعمة بالسعادة و الحياة ، ارتبطت برجل لم يفهمني ، لم يقدر أحاسيسي ، أهملني ، كثير السفر ، أحسست بمعان جميلة في أعماقي تموت و تذوي ، حتى نشاطاتي و مواهبي قد تعطلت ، أحسست أن هناك حجباً سوداء قاتمة تحول دون استمتاعي بمباهج الحياة ، أنجبت بناتي ، صرن لي عبئا ً فوق كاهلي لا أطيق رعايتهن لفرط نفوري الدائم من زوجي و من واقعي ، أدرت ظهري إلى الدنيا برمتها و اسودت أحلامي الفتية في عيني ..

توقفت سعاد عن الحديث ، فقد انتفضت وهي تستعيد شريط حياتها القاتم ثم خبأت و جهها بين كفيها باكية .

أشفق عليها الدكتور و هو يقدم لها كوباً من الماء :
- اشربي هذا الماء واهدئي ، تأكدي أن لكل شيء حل ، و ما ن مشكلة إلا و نستطيع أن نصل فيها إلى علاج مريح ، أرجوك تأملي من الله الشفاء .

جففت سعاد دموعها كي تحاول أن تستمر في الافضاء عن مشاعرها.

قال لها الدكتور :
- حدثيني عن طفولتك ..

شردت ببصرها بعيداً ، بعيداً ، كأنها تستحث الذاكرة لتعيد الزمن الماضي إلى الحاضر و بابتسامة فاترة استطردت :

- لم تكن طفولتي سعيدة يا دكتور ، لأني حرمت من الحب و الحنان ، والداي كانا كثيرا النقار و الشجار ، لم أستشعر يوماً بحضن أمي أو أبي ، كنت مهملة ، أحس بالوحدة و الحرمان ، تنتابني خيالات كثيرة حيث كنت أتصور أن لي عالماً أسرياً أفضل من عالمي الواقعي ، أبي كان قاسياً ينهرني ، ينتقدني بسخرية أمام الناس ، لا يراعي حساسية شعوري و رهافة حسي ، شعرت أني أنطلق في حياتي بجناحين كسيرين ، تهزمني الحياة بوجهها الشرس ، و مصاعبها الدائمة ، لأني لم أجد الصدر الحنون الذي أضع فوقه رأسيالمثقل بالهموم .

لم تتفهم أمي احتياجاتي النفسية و شخصيتي الحساسة وتكويني المرهف ، خصوصاص في الفترات الحرجة من العمر ، حيث تفجرت أنوثتي باكراً و دخلت مرحلة الصبا حيث تحوم في ذاكرتي العشرات من الأسئلة ، لفتني الحيرة و الغموض فسرت تائهة ، لكني في سنوات الدراسة الأخيرة و بحكم اختلاطي بالصديقات اتخذت لحياتي طريقاً جديداً أنسقه وفق أحلامي و مفاهيمي ، فدخلت في نشاطات رياضية و ثقافية ، إذ عرفت أن لي مواهب كثيرة هي عصارة تلك الليالي الحزينة فأدبتني تلك الأيام دون أن تقصد ، و استطعت أن أتجاوز المحنة بقلب من حديد ، و أعتصر البسمة من فم الحياة و أكابد قساوة الأيام بإرادة منتصرة ، حتى جاء زواجي الذي تحول إلى نكسة هزمت إنسانيتي من الأعماق و حولني إلى قطعة جماد قد تقاوم عوامل التعرية لفترة لكنها حتما ً ستنكسر و أصبحت كأرض جرداء مقفرة تبحث عن الساقي المعطاء الذي يرويها حباً و حناناً و أماناً ، ويدب في أوصالها الميتة نبض الحياة من جديد ..

إني مضطربة يا دكتور ، أشعر بعدم الاتزان ، فالمحنة التي أمر فيها تهدد كياني من الداخل ، أنا لا أريد لنفسي أن تضيع ، ليتك تساعدني على اجتياز هذا الوهن الذي أخذ ينخر في عظمي و يشوه ملامحي ، قد أتنازل عن أشياء كثيرة و مكاسب لم ينصفني الدهر بها ، لكن قيمتي و شخصيتي الضائعة .. أريد لها التجدد والحياة ثانية ، حاجتي إلى الاستقرار على أرض ثابتة ، رغبتي في هزيمة هذا الضعف لأعيد نشاطي و حيويتي و عطائي الذي كان يشرق مع نسمة كل صباح من حياتي .

كان الدكتور يصغي بقلبه و عقله ، حتى أدرك أن التي أمامه شخصية مرهفة الاحساس ، ينبغي أن يحاورها على مهل و يختار الصيغة اللائقة في علاجها ، فهي مرحلة اكتئاب عرضية تنتابها ، و بحاجة إلى من يرشدها إلى طريق صائب لتسير دون تعثر ، فرغم ما تمر به من اضطراب إلا أنها قادرة على فهم نفسها ببراعة..

فقال محاولاً فهم نفسيتها في حنان :
- يا سعاد ، أنت إنسانة مرحة تحبين الحياة و الألفة و الحيوية و التفاعل مع الغير ، و هذا يعكس الجانب الخفي من شخصيتك المتمثل بنوع التربية منذ الصغر ، و معاناتك من التسلط والقسوة و الكبت و الحتقار ، واعلمي أنك تسقطين معاناتك هذه على شكل صورة من المرح و الألفة و الإندماج مع الغير ، و كم كنت ترغبين بإنسان يفهمك ، و يفهم مشاعرك و أحاسيسك و طاقاتك الفياضة و الحيوية ليخلصك مما أنت فيه من المعاناة و الألم ، ولكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن ، فقد ارتبطت بشخصية لا تفهمك و لا تفهم مشاعرك و أحاسيسك غير أنك امرأة كسائر النساء ، الأمر الذي زاد من معاناتك و آلامك و أصبحت لا تطيقين الهواء الذي حولك .

بدت سعاد متسمرة في مكانها كأن على رأسها الطير ..
تنهدت متسائلة :
- و بماذا تنصحني يا دكتور ؟
- يا سعاد إن الحياة لن تسير إلى الخلف ، فتحركي وانفضي عنك غبار الهم و الغم و اذكري الله لا إله إلا هو عالم الغيب و الشهادة ، وتمسكي بالدعاء العظيم مناجاة له هو الله العظيم ، لتلامسي شفافية الروح التي ستعطيك قوة ما بعدها قوة و حيوية ، فتغدو الحياة و متاعبها في نفسك كقطرة ماء في بحر مليء بالطاقة و الحيوية التي تتوحد فيك على النحو التالي :

1- مواجهة المخاوف من خلال توقع الأسوأ و تقبل الأسوأ ثم اعملي على ألا يكون ذلك الأسوأ (( إعقلي وتوكلي على الله )) .
2- أوجدي مكاناً لنفسك بين صديقاتك و لا تفكري فيما هو مطلق ، حاوريهن و فرغي ما لديك من طاقات و مواهب ستجدين كم أنت سعيدة بهذه الصحبة التي تنسيك الهموم كلها .
3- اشغلي نفسك يا سعاد بما هو مفيد ووجهي اهتماماتك إلى تحقيق الأهداف الطموحة.
4- تأملي بخلق الله و لا تنقطعي عن ذكر ذلك و تذكري دائماً بأن الذي أعطاك الموهبة و الطاقة هو الله سبحانه و عليك أن تمارسي نشاطك الذي كنت تمارسينه من خلال مشاركتك الفاعلة بالندوات الخيرة و البناءة و المفيدة للناس وللمجتمع .
5- تعلمي فن النسيان يا سعاد ، و لا تقبلي لنفسك أن تكوني آلة تنديد، لا تتخذي موقفاً من كل حادثة تمر عليك ، دعي الأمور تجري كما هي و لا تستعجلي ، و استصغري الحوادث المؤلمة و المزعجة .
6- تعلمي يا سعا دفن إدارة المسؤولية في تربية الأولاد ، واعلمي أن الحياة حلوة ، و مرة و مشاركة بين الزوجين ، و اتخذي القرار المناسب لإدارة هذه الحياة مشاطرة بينك و بين زوجك ، ولا تركني لفرض الأمر الواقع عليك لأنه يزيد من معاناتك و آلامك .
7- يا عزيزتي إن الزوج بحاجة إلى استشارة نفسية متخصصة كي يمكنكما من إدارة الحياة و العيش بسعادة و و مودة .
8- تعلمي يا سعاد فن الحب ، وابدئي أنت لا غيرك لتحريك مشاعر و عواطف زوجك و إثارة حماسته ، فقطعاً أنه سينعكس عليك و عليه بالإيجاب و لو بعد حين .

انطلقت أسارير سعاد ، و تهلل وجهها بالفرح ، فثمة سعادة غامرة تطفو فوق عينيها البراقتين ليلهمها إحساساً جديداً و رغبة قوية في مواجهة الحياة ،جذبت نفساً غميقاً ثم استراحت ، تود لو تنطلق الآن إلى البيت لتنفض عنه غبار الحزن و الوجم ، وتلبسه ثوباً وردياً كأزهار الصبح المتفتحة

شعر الدكتور بما يداخلها من مشاعر جديدة ، قال لها :

- يمكنني الآن أن أعمل لك جلسات استرخاء ، فهي مفيدة لأنها تزيل التوتر ، و تمنحك الثقة و الشعور بالسعادة .

قالت و الابتسامة تطفو فوق صفحة وجهها :

- سأبدأ في الجلسة القادمة لأني قررت الآن أن أنشد أنشودة الأمل و أحلق في السماء كطير طلق .

ابتسم الدكتور بتفاؤل :
- إن هذا يسعدني ، ياعزيزتي ، فأنت لست مريضة ، إنما كنت تحتاجين إلى بعض التوجيه ، وإلى تلك اليد الأمينة التي تلملم أجزاء حياتك المتناثرة

قالت و هي سارحة :
- بالفعل يا دكتور هذا هو كل ما أريده
قال الدكتور وو هو يفتح ملفاً أ/امه و سجل البيانات و المعلومات الخاصة بسعاد ثم وقف يحيها مدداص على هذه العبارة :
- أنت لست مريضة يا سعاد ، أنت بحاجة إلى مشورة ونصيحة ، و سأاك في الجلسة القادمة .

ودعته سعاد بامتنان ثم انصفت ، وكانت هدى بانتظارها ، احتضنتها ، ثم قبلتها قائلة :

- احسنت يا هدى ، إن ثمة عبئاً ثقيلاً قد انزاح عن كاهلي ، أشعر الأن أ،ي خفيفة ، كفراشة ربيع ترقص فوق أوراق الورد .

خرجت الصديقتان مسرورتان تتجاذبان أطراف الحديث ، و نداوة الفرحة تغمرهما حتى الثمالة ، و عند بوابة منزل هدى افترقتا ، ما زالت كلمات الدكتور عالة في ذهن سعاد ، تستحضرها كومضات من نور تضيء قلبها الحزين ، استعادت بعض حيويتها و نشاطها المخبوء تحت طيات الهم و الكسل ، فقد قررت في هذا اليو أن تنفض عن صدرها غبار الألم و تتوجه بكل طاقاتها إلى اقتحام تلك الأبواب الموصدة ، أوقفت سيارتها أمام محل بيع الزهور ، تسمرت في مكانها ، تفكر بما ستفعله في هذه الخطوة ، تقدم إليها البائع :

- هل من خدمة يا سيدتي ؟

انتبهت من شرودها، قالت :

- سآتي بنفس إلى المحل لأنتقي باقة من الورود
::
::::


أوقفت سيارتها أمام محل بيع الزهور,تسمرت في مكانها تفكر بما ستفعله في هذه الخطوة,تقدم اليها البائع
-هل من خدمة سيدتي؟؟
انتبهت من شرودها,قالت:
-سآتي بنفسي الى المحل لأنتقي باقة من الورد.
اقتربت من هذه الحديقة الغناء باقات هائلة من الزهور,مرتبة في نسق رائع,وفي ألون ساحرة,تأملت الأنواع منها,كلها جميلة تنسمت أنفاسها العطرة,إن لرائحة الزهور نشوة تسري في الأوصال,تشم زهر الياسمين والقرنفل,إنهافي حيرة تنتقي وماذا تنتقي؟؟فأنفاس الربيع تتردد في أنفاسها,اشترت باقة متنوعة من الورد وضعتها في أصيص من الفخار,وعادت إلى بيتها,تشدها الأحلام الموعودة بالسعادة والأمل,ستفعل في هذا اليوم أشياء كثيرة,انتبهت الخادمةإلى ابتسامتهاتتوهج في وجهها الغائم,وضعت سعاد أصيص الورد فوق مائدة الطعام المنصوبة في الصالون,ثم سألت الخادمة.
-هل أعددت العشاء؟؟
أجابت الخادمة وعلامات الدهشة ترتسم على وجهها:
- لا
قالت سعاد:
- سأعد العشاء بنفسي,أريد أن أدخل المطبخ كأي امرأة,أريد لأصابعي الميتة أن تلامس البصل والبهار والخضار..أريد أن أسمع صوت الملاع والأواني أنقلها هنا وهناك,أتمنى لبخار الطعام أن لامس وجهي لأتصبب عرقا..,لأشعرأن أنفاس أنثى تحيا في هذا البيت الهامد,هذا السكون الذي أثلج عروقي بالكسل سأذيبه بحرارة أنفاسي اللاهثة من التعب,ٍاعيد الحياة لهذا القبر الموحش.
اسبشرت الخادمة المخلصة التي تحب سيدتها وتود لو تخرج من حياتها الكآبة اليابسة.
-أنا سعيدة بكل ما تفعلين يا سيدتي.
بدأت سعاد بتحضير العشاء,بلهفة المتعطش إللى الحياة,قد عافت نفسها حالة التذمر .. التي كانت تنتابها في ما مضى,فلأول مرة تكتشف جمال مطبخها ,لون الستارة المزخرفة المنقوشة بشرائح التفاح ,الملاعق الفضية,لوحة زيتية لطبق من الفاكهة,راحت عيناها ترصد كل جزيئات الجدران,فشعرت أن مطبخها مهمل يحتاج لأشياء تكمله,شدت نفسا عميقا و هي تتطلع إلى الخادمة.
- أين البنات؟؟
- في غرفتهن.
- أريد لقاءهن.
تناهت إلى سعاد فكرة,قد ترددت بعض الشيء في تنفيذها, لكنها استجمعت شجاعتها لتحسم موقفها, تتصل بزوجها لتدعوه على العشاءتود في هذه الليلة أن تجتمع بأسرتهاأن تنتصر على سلبيتها ترددها,حملت سماعة الهاتف وأدرت الرقم,قلبها يضطرب بين ضلوعها,ثمة حوادث نفسية تقف بينهما,إنها لا تعرف بالضبط كيف تفاقمت هذه المعاناة دون أن تفكر يوما في اجتيازها,فمرحها الذي ميزها عن غيرها لهو السبيل لأفضل لتحدي أحزانها:
رن التلفون ,كاان زوجها في الجانب لآخر,تصاعد لهاثها و اضطرب لونها لكنها قررت أن تحطم هذا السد..
- ألو.. أحمد
اندهش زوجها فمنذ سنوات لم تتصل به!!ماذا حدث؟!تجمد في مكانه؟؟
- هل حدث مكروه؟؟
بددت قلقه بضحكة مفتعلة..
- لا ياعزيزي,إنما أردت أن أدعوك على العشاء.
استراح بعض الشيء لكن الأمر يبهره.
- ولماذا؟
إنها تقترب والمسافة بينهما تتقلص بعض الشيء..
- أريد أن يصفى الود بيننا ,أريد أن نبدأ صفحة جديدة..
أطلق أحمد تنهيدة عميقة قائلا:
- يسرني هذا يا عزيزتي,سآتي حالا.
أعادت السماعة إلى مكانها وانصبت واقفة تشد جسدها وهي تتثاءب,جاءت بناتها فضمتهن في حنان وحب وقبلتهن,وكا لوقع قبلاتها أثر عميق في نفوسهن ,لقد تحررن من صمت أمهن المعقد, هذا الوجوم الذي كان يلفهن قد تمزقت الآن بدفء قبلاتها وأحضاها الحانية,الجثة الهامدة,تعود إلى الحياة,تدب فيها الأنفاس من جديد,الون الأصفر الشاحب قد توارى خلف حمرة خديها,أخذت دشا سريعا ثم ارتدت أجمل ثيابها ورسمت خطوط وجهها بهالات خفيفة من الماكياج,ثم صففت شهره بطريقة تظهر جمالها الطفولي المخبوء تحت ركام الحزن,انتقت العطر الذي كان يحبه زوجها,العطر الذي يشعره دائما أنها تحت رذاذ المطر,وخصلات شعرها مبللة بندى الأزهار,أريج الأرض الخضراء,ونسائم الطبيعة الخلابة,تطلعت إلى المرآة فملامحها قد تبدلت بعض الشيء,فمنها المتشنج قد انحسرت عنه تلك الخطوط القاسية واستدار بإبتسامة تضفي على وجهها نضارة مفعمةبالحنا,خرجت للصالون,اندهش الجميع صاحت احدى البنات:
-ماما كم انت جميلة!!
وقالت الخادمة:
- انت فاتنة يا سيدتي
الهواء الفاسد الذي طالما لوث رئتيها راح يتسرب من مسامات جلدها الذي تفتح على الحياة الآن ، و اجتثت بتسامتها المتفائلة الجذور المتعفنة من أعماقها فطردت عبر أنفاسها كل الآلام ، و هزمت روحها الشجاعة كيانها المريض الذي كان يحتضر دائماً لملاقاة العدم . إنها محاولة هدم للماضي و بناء حاضر جديد .
رن جرس الباب ، و كان القادم زوجها ، جاء يحمل لها علبة من الحلوى ، حدجها بنظرة عميقة ملؤها الدهشة، ماذا حصل لزوجته ؟! مهما كانت الأسباب لا يكترث بها ، يكفي أن يرى التمثال الصموت قد عادت له الحياة ، الزهرة الذابلة تسترد عافيتها فتتفتح من جديد حيمنا لامست وريقاتها ندى الحياة
رحبت به بابتسامة خجلة ، كان يلامس أصابعها بحنان ، قرر أن يحمي زهرته من الذبول ، فهي عطشى إلى الحب ، نهمة إلى الحنان ن حاولت أن تتودد إليه ، و أن ترسم لنفسها صورة الأنثى المرغوبة ، قد تجد صعوبة بعد هذه السنين ، لكنها تتذكر كلمات الدكتور و نصائحه ، جاءت بأطباق الطعام و وضعتها على المائدة بعد أن زينتها بشرائح الخيار و الطماطم و الخس ، و جلسوا ميعاً يتجاذبون حوارات ممتعة ، كانت تستحث عزيمتها لترسم ابتسامة رضى على وجهها ، ليتدفق النور في ملامحها حتى تضيء حياة أسرتها .
ثم شربوا الشاي أمام التلفزيون ، و كلما حاول الضيق أن يتسسل إلى جنبات روحها تهزمه بإرادتها ورغبتها في تخطي عثرات الكآبة .
قالت لزوجها بعينين يذوب فيهما الرجاء .
- أرجوك يا أحمد أن تساعدني ، أن تفهمني .
لكنه فرح لمحاولة زوجته الجديدة ، لقد أضاءت عمره من جديد ، فليحاول أن يساعدها
استطرد قائلاً :
- هذه المرة لن أضغط عليك بشيء ، إفعلي ما تريدين يا سعاد ، إبحثي لك عن وظيفة تلائمك ، اصنعي شيئاً لحياتك ، لأني تحطمت طوال هذه النوات ، ليتك تبقين كما أنت الآن ، أنا أحبك لكن لا أعرف كيف أعبر لك عن هذا الحب ، و ظروف عملي تضطرني للسفر الدائم فأرجو أن تقدري ذلك ، صارحيني بما يزعجك ، لأني لا أحب أن يتحول هذا البيت إلى مقبرة تموت فيه كل جوانب الحب و الحيوية ن لقد أحببتك منذ أن التقيتك ن و عشقت فيك مرحك و توهجك و دفء بسماتك ، و عندما فقدتها شعرت بنصف كياني قد انشل حتى عملي أمارسه بملل و زهق . الآن لا أصدق يا عزيزتي ، لا أريد أن أحس نفسي فما أنت فيه الآن يبشرني بأيام رائعة .
حذبت سعاد نفساً عميقاً :
- أتمنى يا أحمد أن نسافر معاً إلى لبنان ، حيث الجبال الخضراء و الهواء العليل و هناك أستكين و أفكر على هوادة كيف أخطط لحياتي من جديد .
أحمد مبتهجاً :
- سأحقق لك كل أحلامك و آمالك ، لن أتردد في إسعادك ، فأنت زوجتي و أم أولادي ، لكن اعذريني إن بدوت جافاً بعض الشيء ، امنحيني حبك و رعايتك و اهتمامك لأتشجع ، ليتفجر قلبي بالعاطفة ، ليلهج لساني بعبارات الشوق و الهيام ، صارحيني بكل خلجاتك .
بالأمس ، حطمت رغباتك و أغرقت نوافذ الحرية في وجهك ، الآن سأفعل كل ما يريحك يا سعاد
رمقته بنظرة مترددة :
- سأعود إلى نشاطاتي السابقة ، سأعيد الماضي الذي قطعته بسكين اليأس والإحباط .
قاطعها مستاءً :
- أنا لم أقف في وجه طموحاتك ، بل أنت استكنت إلى الملل و الروتين ، أنت التي خلقت هذه الفجوة في حين حاولت أن أساعدك لكنك ضعفت و تماديت في ضعفك .
صعقت سعاد ، لم تكن تعلم أن زوجها يتفهمها بهذا العمق ، شعرت بقرارة نفسها أن ما أسقطته على زوجها إنما يعود السبب إلى ذاتها الفاترة العزيمة ، حالة استسلام و خنوع ، ليتها صارحته ، ليتها تطلعت إليه بوجه مشرق ينضح حباً حتى تذوب الهوة العميقة التي حفرت بين قلبيهما.
و مضى الزوجان في حوارهما الصريح ، حتى ساعات الليل المتأخرة ، ليلتقيا فوق سحابة ضبابية يتسلل بين خيوطها ملامح الود و المحبة ، و تحت سقف الليل يتناجيان بهمس ذابت فيه كل هفوات الجفاء و النفرة
****************
و في ربوع لبنان يشرق قلب سعاد بالنور و الأمل ، لتعود من جديد ترسم لوحاتها الزيتية و عينا زوجها ترصدان إيماءاتها الرشيقة و حيويتها المتدفقة ، فتعود تكتب خواطرها ، و تلامس مشاعرها عبق الطبيعة الساحرة فيتجدد في فؤادها حب زوجها و تنهل من عطفه و حنانه ما يذيب كآبتها.
وبناتها يحمن حولها كفراشات رقيقة يقفن بين يدي أمهن يشاطرنها العبث بالألوان .
فتمضي مسيرة سعاد و رحلتها ي تغيير ذاتها ، بدلت أثاث بيتها و ديكوراته ، أضفت الربيع في أجاء البيت ، اشتركت في نادي رياضي لتعيد رشاقتها من جديد ، بدأت تزور المكتبات لتشتري الكتب المختلفة لتقرأ لتغذي وقتها بكل ما هو مفيد ، عادت إلى حضن الصداقة ، حيث تبادلت زياراتها مع الصديقات و الأهل ، نفضت عن نفسها غبار العزلة ، تخرج مع زوجها ي رحلات ترفيهية ، و كلما ضاق صدرها و استبد بها الحزن تذكرت نصائح الدكتور التي دونتها في دفتر خاص ، لتشحذ عزيمتها بالأمل و التفاؤل ، قدمت على و ظيفة و تم بولها مدرسة في رياض الأطفال ، بعد سنة تقريباً جاءت سعاد إلى عيادة الدكتور الاستشاري ، ابتسم الدكتور و هو يرى سعاد و قد سمنت بعض الشيء ، و بدى بطنها منتفخاً ، تشد جسدها المتورم الثقيل و حملها الثقيل .
صاح مهللاً :
- مبروك يا سعاد .
تتنهد و قد أعياها عناء الحمل
- إني على وك الولادة ، لقد جئت إليك يا دكتور لأقدم لك هدية .
قدمت إليه لوة زيتية مغلفة ..
ابتسم الدكتور و هو يسأل :
- هل تسمحين لي أن أفتحها الآن ؟
- أجل
فتح الدكتور الغلاف و إذا بها لوحة زيتية لأصيص من الورد
- أشكرك كثيراً
قالت : علقها على جدار غرفتك ، فهذه إحدى لوحاتي التي رسمتها في الشهر الماضي
تساءل الدكتور :
- و الآن كيف أصبحت ؟
أجابت و هي تتهد لفرط التعب :
- ليس لي وقت فراغ ، فالكآبة الأن تفزع من عقلي المتخم بالمسؤوليات و تهرب من قلبي المتشبع عاطفة ، فشتان ما بين الأمس و اليوم .
تهلل وجه الدكتور بالفرح و هو يرى سعاد قد تحولت إلى كيان ناضج يعي ما يفعل ، قد عادت إلى الحياة بعد غياب طويل ، الآن تضج سعاد بالفرح و الحيوية رغم ثقل حملها ، فهذا الذي يعيش في أحشائها ليدب في أوصالها حرارة لا تنطفئ و لا تخبو لها بارقة
وقفت سعاد لتودعه
فقال لها :
- أدعو لك بالسلامة و بالولادة اليسيرة
قالت :
- إن كان صبياً ، سأدعو الله أن يكون طبيباً مثلك .. مع السلامة
- في أمان الله و حفظه .


غناء الروح غير متواجد حالياً  
التوقيع
قيد التحديث
رد مع اقتباس
قديم 14-05-11, 03:03 PM   #4

غناء الروح

نجم روايتي وكاتبة في مكتبة روايتي وعضوة في فريق التصميم ومصممة بمنتدى وحي الخيال وموهوبة في مسابقة فطورنا يا محلاه

alkap ~
 
الصورة الرمزية غناء الروح

? العضوٌ??? » 113383
?  التسِجيلٌ » Mar 2010
? مشَارَ?اتْي » 9,966
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Palestine
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » غناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الحكاية الثانية:

" صنم الجمال "

كانت تظن نفسها أسطورة الجمال زحفت من أبواب التاريخ الخرافية تتهادى في خطواتها حتى لتحسبها أنها تمشي على طريق من الورد تخشى أن تدوس وريقاته الرقيقة , ندية البشرة , رقيقة لمحيا , جمعت تقاطيعها أحلى تناقضات الجمال , الاستدارات و الانحناءات الرائعة فسرت ملامح جسدها فبدت في أروع تكوين , تخطر دائماُ في الحفلات كما لو كانت ملكة من ملكات الجمال تسير في حلبات السباق لتشد إليها الأنظار , قامتها الرشيقة المتناسقة , ابتسامتها الحائرة فوق شفتين تثرثران دائماً بنرجسيتها , طرفها الفاتر يطل عليك بنظرات سارحة , هائمة في حب ذاتها , خمرية اللون , مشربة بحُمرة , عينان مشروطتان بلون العشب الأخضر , شعر أسود نسجت خيوطه من حرير مصُفى , قد انسدل على كتفيها فبدى كالسحب السوداء تحيط وجهاً كالقمر .
اسمها (( نادية )) شابة في العشرين , يتحدث عنها طلبة الجامعة كما لو كانت حلماً يراود خيالاتهم أو طيفاً ألف ليلة وليلة , تعرف كيف تشد إليها حبال القلوب المتهافتة , فقد حبها الله روحاً طيبة , وقلباً رقيقاً ثم جمالاً يقطر عذوبة .
حينما تتحدث إلى الناس تلامس كلماتها الحانية شغف القلوب , وتعانق نظراتها الفاترة أرواحهم الشفافة , فأحبها الجميع , وقصد صحبتها كل من عرف حقيقتها عن قرب , تغار منها البنات , وتكفهر وجوههن حينما تخطر أمامهن , وحلها سراب من الصديقات المحبات كما لو كانت نجمة متألقة وسط كواكب من نور , إنها لم تتكبر أو ترى ما في جمالها إنجازاً تتفاخر به أمام الناس , فقد أحبت جمالها وعشقت ذاتها ونسجت لنفسها شرنقة
خاصة تدور في دائرتها دون أن تثير غيظ أحد أو تتقصد إيلامه , صار لحديثها توهج خاص ينضح به جمالها الأسر , فتستمد سعدتها من إحساسها بجمالها , ترى أنه جواز المرور إلى قلب الناس , فذابت بجمالها حتى تحول إلى صنم تتعبد ه في ذاتها حتى التأله , متعتها أن ترى تلك العيون وقد تغشاها الذهول و الحسرة , حينما تصافح ذالك الرونق الذي لا تطوله الأماني , حينما تفشل في دراستها لا يدخلها اليأس ., لأن رصيده من الجمال يكفيها , وذخيرتها من هذا الحسن يعوضها عن أية خسارة , و التشبع الذاتي الذي أوهمها أن الجمال صار منتها الأماني .
طالما هي تشعر بالاكتفاء و الشبع الذاتي الذي يشتعل في روح ابنتها نادية ,
لكن أمها تتألم من هذا الهوس الذي يشتعل في روح ابنتها نادية , تقول لها دائماً (( أن الجمال نعمة , لكنه يزول , فحققي لنفسكِ مكاسب أخرى لنجاحك في الحياة )) .
تبتسم نادية وكأنها تشفق على بلادة أمها قائلة :
- قد أحني الناس لجمالي , فيه أتربع على عرش القلوب .
تعترض الأمُ قائلة :
- أحبك الناس لأخلاقكِ الرفيعة , لروحك الطيبة التي زرعتها فيك ,
فيوم يذل جمالك تبقى روحك هي النور الذي يشد الآخرين إليك .
كثيراً ما تغضب (( نادية )) تظن دوماً أن أمها تحبط من إحساسها بهذا الجمال فهي منعمة به , ولم تؤذِ أحداً أو تهين مخلوقاً , ولم تتعالى يوماً على أحد بجمالها , فهي تمتدح صديقاتها , وتسعد بصحبتهن , لكن سعادتها الحقيقية في جمالها الخلاب .
تقف (( نادية )) أمام المرآة لساعات طويلة , تطيل النظر إلى وجهها تخشى أن تغزوه ندبة متطفلة من الندبات , فتنفق الأموال على الكريمات المغذية و الماكياج لتغطية بعض البثور الصغيرة لا تُرى بالعين المجردة حتى تبقى صورتها ناصعة مشرقة , وتستدير بقامتها الرشيقة أمام مرآة كبيرة تستوعب صورتها كاملة , تمعن النظر في خصرها وساقيها وذراعيها , ثمة زوائد قد استجدت على ذراعيها , تصب اهتماماتها على هاتين الذراعين اللذين سمنا بعض الشيء لا بد من تنحيفهما , ثم فجأة تنفي الفكرة (( لا أظن أنني واهمة , مازالا نحيفان )) تقف مستمرة أمام المرآة , ترصد مواطن الخلل في خارطة جسدها , وتسكن في حيط وجهها لتستوثق أن جمالها هذا اليوم لم تقضم منه أسنان الزمن ولو قضمة صغيرة , ما زال يعيش ويتنفس في بحبوحة من السعادة و
الصحة .
خطبها الكثير من الشباب , فرفضتهم واحداً تلو الآخر , فلجمالها مطالب خاصة , وميزانية ثقيلة لا تقدر , ناهيك عن جسدها الذي ستخسر رشاقته بالحمل و الولادة , فلهذا تريد أن تستمتع بسحرها الأخاذ حتى تفوز بذالك الأمير الذي سيقدر هذا الجمال ويشقه .
تعبت أمها من مطالبها الكثيرة , الملابس التي ترتديها (( نادية )) باهظة الثمن , ماكياجها الذي تنفق عليه بسخاء , مجوهراتها التي اقتنتها على حساب أمها , فالجمال ينبغي أن يدلل ويصان بغلاف من الذهب , فلكل شيء أصوله و أصول الجمال تقضي أن تغذية بأغلى ما عندك حتى ينبض بالحياة و الإشراق .
تضطر أن تجاري صيحات الموضة , فقامتها لا تقل جمالاً عن أشهر عارضات الأزياء , بل هي تفوقهن فتنة , فلا ينبغي أن يقف أي مخلوق في طريق طموحها , هكذا ملامح شرقية , هكذا تصف نفسها و الناس صامتون في دهشة !
نهرتها أمها ذات يوم , عند ما كانت نادية تسرف في وصف ذات يوم , عندما كانت نادية تسرف في وصف قامتها التي شدت إليها أحد مخرجي السينما . استطردت الأم غاضبة :
- من أين لك كل هذه الأكاذيب ؟! لقد أصبحت تبالغين يا ابنتي في كل شيء حتى بد الجر في نفوس الناس , لا تثيري الأقاويل والشائعات حولك حتى لا تفسدي مستقبلك , لقد كنت أجمل منك في شبابي ولم أكن بمثل هذا الجنون ! غضبت ناجية صارخة :
- أنتِ ترغبين في تحطيمي وتعقيدي , ولكن لم أفعل ما يثير غضب الناس !
صفعت الأم نادية قائلة :
- لقد أسرفت مدح نفسك , وكأن الدنيا قائمة قاعدة من أجلك . أصبح كل همك هو لفت الأنظار , تأكدي أن هنالك ملايين الفتيات أجمل منك بكثير.
انتفضت نادية في غيظ :
- لا انا أجمل بنت في الجامعة , وأنا محط الأنظار , انا حلم كل شاب .
سخرة الأم منها :
- أنا أخشى أن يأتي ذالك اليوم الذي تفقدين فيه صوابك .
تنهدت نادية ثم ألقت في وجه أمها خبراً مزعجاً :
- سأترك الجامعة وأعمل نجمة في مجال الدعاية و الإعلان , لقد انتخبني أحدهم لذالك الأمر
ادت أمها بثورة غضب عاصفة :
- إن فعلتِ هذا فسوف لن أكلمك بعد اليوم , إن ما تفعلينه ليس من عاداتنا وتقاليدنا , فجمالك هذا سيتحول إلى نقمة تدمرك و تحطمك للأبد . بكت نادية , فارتمت على صدر أمها تحضنها :
- لماذا تغضبيني يا أُمي , فإني أفعل ما أقتنع به , وأرجوكِ أن توفقي .
شدت الأم نفساً عميقاً قائلة :
- أنتِ وحيدتي , وقد وصاني والدكِ بك قبل وفاته , فلا ينبغي أن أفرط بك , أنت طيبة وحنونة وأخشى أن يستغلك الآخرون ! ارتبكت نادية , شعرت بالحرج لا تدري ما تفعل , فقد اتفقت مع شركة دعاية الاتفاق فعليها أن تدفع تعويضاً كبيراً , ماذا تقول لأُمها فهي محاصرة الآن , تخشى من عاقبة أمرها , تلعثمت .. حاولت أن تبدد اضطرابها بابتسامة مفتعلة , فالمهمة صعبة و الإفصاح عنها أصعب . قالت بعد تردد:
- لقد اتفقت مع شركة الدعاية و الإعلان على أن أعمل كموديل في الدعاية . قاطعتها أمها وهي تخبط على صدرها كالمفزوعة :
- وكيف فعلتِ هذا دون علمي ؟
احمر وجه نادية فزعاً , فضاعت الكلمات في شرودها :
- لا أدري .
شدتها أمها من شعرها صارخة :
- كيف تفتلين ذلك دون علمي ؟ وأين هذه الشركة التي تتحدثين عنها ؟ أخشى أن تكون شركة نصب و احتيال توقع في فخها البنات المخدوعات مثلكِ , هيا تعالي معي , سأتحدث إلى هذا الشخص الذي أقع بك . بكت البنت وهي ترتجف بين يدي أمها :
- لقد التقيته في إحدى المناسبات , قال لي : ( إن وجهكِ يصلح للتصوير ! )) .
عنفتها أُمها , فبدت كمن ينفخ النار فيزيدها اشتعالاً :
- إلى هذه الدرجة هانت عليكِ كرامتك , ورخص جسدك ليصبح سلعة كالصابون أو قطعة حلوى تروج على شاشات التلفزيون ؟! أهذه هي أقصى أمانيكِ و أحلامكِ ؟! خبأت نادية وجهها باكية منتحبة :
- أرجوكِ يا أمي كفى , كفى إيلاماً ! ومضت أمها تؤنبها :
- انظري إلى صديقاتكِ , كلهن قد تزوجن قد تزوجن وشيدن بيوتاً عامرة بالحب والأولاد , منهن من أنجبت , ومنهن من تنتظر مولوداً , وأنت تحفرين قبركِ بيديك , عندما تظهرين في التلفزيون ستلوككِ الألسن , وسيتركك العرسان , وستتحولين إلى نقطة سوداء في مجمعنا المحافظ .
ثارت نادية :
- لا..لا.. أنا أشرف بنت , ولن أفعل ما يسيء إلى أحد . سألت الأم نادية وهي تبحث في حقيبة ابنيها :
- أين هذا العقد الذي تورطتِ فيه ؟
نادية ترتجف و الهلع قد خطف لونها فبدت شاحبة , استخرجت الورقة من الحقيبة وهي تدفعها إلى أمها :
- هذه هي , و العنوان خلف الورقة .
خطفت الأم الورقة لتذهب مع ابنتها على العنوان , وبحثتا عن تلك الشركة , وعندما وصلتا إلى العمارة المحددة وفي العنوان لم تجدا تلك الشركة , وسألت الأم حارس العمارة عن العنوان الشركة , توضح أنها لم تكن إلا وهماً وخداعاً , فلم يكن هنالك إلا رقم هاتف نقال , عند ذالك عرفت نادية أنها قد وقعت ضحية لرجل أراد النيل منها و استغلال جمالها لنزوة عابرة .
حدجت الأم ابنتها بنظرة طويلة ملؤها الإشفاق و السخرية . قالت بعد صمت :
- كم أنتِ بلهاء وغبية , فجمالك هذا ما هو إلا ورق مزخرف في داخلة مخلوقة تافهة ! خجلت نادية وطأطأت بوجهها إلى الأرض ولم تنبس بأدنى حرف , الصمت و الذهول عقد لسانها عن النطق ! عادت نادية خائبة , قد انحنت قامتها الباسقة , وشاخت ملامحها الفتية فاندست في فراشها تحت ركام من الأغطية الثقيلة كي تحمي نفسها من الخوف و الفشل , ذرفت دموعها حتى غابت في إغفاءة عميقة , ولكن أمها المرهقة بدت تحسب للغد حساباً عسيراً , وتخطط هذه المرة لزواج ابنتها واستقرارها , فهي الآن في سن زواج ولا بد من تنظيم أمرها ليتسنى لها أن تعيش كما تعيش النساء , فقد ثقلت مسؤولياتها و تفرستها العيون لدرجة الرغبة , وشرف البنت أمر بالغ الحساسية و الأهمية في مجتمعاتنا الشرقية , فلهذا ستحرص على تزويجها بأقرب فرصة . استردت نادية عافيتها صباح اليوم التالي , فمعين جمالها لا ينضب , بل يغذي جذوة الفرح في نفسها , فضريبة الجمال باهظة الثمن وعليها أن تصبر .

- كانت تجالس صديقاتها المتزوجات ووجدت فيهن الضجر و الملل , فحديثهن قد تحول إلى هموم بيتيه تخص الزوج و الأولاد , لم تعد تلهج بصبايا الحالمات آمالهن المتوقدة , قد هدأت بلك الأماني , وارتوت هذه الأحلام فأصبحت طموحاتهن واقعية , فأصبحت نادية عنصراً شاداً بينهن كالطفلة المغرورة يمزحن معها بسخرية ويصفنها بالدمية الميتة , بالأمس كن يتتبعن الموضة وسحر جميلات العالم , الآن لا هم لهن إلا مشاكلهن الزوجية .. معاناة التربية .. الظروف المعيشية , فانحسرت نادية نفسياً بينهن ولم تعد تجالسهن منتهى طموحاتها وإشاعاتها , فاتخذت لها رفقة جديدة , بنات أصغر منها سناً و أقلهن تجربة , انسجمت معهن و تأثرت بهن , وصبت كل حواسها المتدفقة بالنرجسية على ملاحقة أخبار الموضة , فكانت تتبادل معهن أشرطة الفيديو الخاصة بعروض الأزياء العالمية , وانتخاب أجمل جميلات العالم , وتعمل على تقليد تسريحة هذه , ومشية تلك , إنها ترسم لنفسها شخصية ملونة غير واضحة , ثم
فكرت في أن تتشبه بإحدى ممثلات السينما , فتقمصت شخصيتها
إذ صبغت شعرها بلون أشقر وارتدت العدسات الزرقاء في عينيها , ثم اشترت الثياب الصبيانية , فهي تكبر في العمر لكن ما في أعماقها يصغر ويضمر يوماً بعد آخر . تقدم لها شاب مثقف وعلى خلق رفيع من عائلة طيبة , وأصرت الأم على إتمام هذه الزيجة , فقد بلغت نادية من العمر الخامس و العشرين , وهذا الشاب من أفضل من تقدم لخطبتها , ورفضته (( نادية )) لأنه فقير , وهي قد خططت منذ طفولتها للارتباط برجل ثري ينفق على جمالها ويد لله ! قالت الأم و الغضب يأخذ منها مأخذاً عظيماً :
- إنه طيب ناجح , كافح حتى نجح , فمن الحماقة رفضه . صرخة نادية بطغيان فجر ما في داخلها :
- إنه لا يستطيع أن يحقق طموحاتي , فمطالبي كثيرة و كبيرة وإمكاناته محدودة ! صفعتها أمها :
- غبية , و ستبقين غبية , لقد تحول جمالك إلى صنم قبيح مقرف , ولكني سأرغمك على هذا الزواج , فقد بلغتي من العمر ما يضطرك إلى الرضوخ وقبول الواقع , فمهما كان جمالك يبقى العمر نقطة هامة يبحث عنها الرجل وهو بصدد اختيار زوجة ! انتبهت نادية , ثمة إشارة حمراء اشتعلت في رأسها الآن .. العمر ! فما تقوله أمها هو الصواب اطمأنت الأم لصمت ابنتها , هذا يعني أنها تفكر , ولا بد من اختيار قائم على قناعة . هدأت الأم وقالت :
- يا ابنتي ستتصل والدة هذا الشاب غداً , ويجب أن أعطيها القرار الأخير. قالت نادية وهي تمعن في التفكير :
- دعيني أفكر لأيام قبل أن أتخذ قراري . الأم في تملل :
- حسن سأمهلك لأيام قليلة . مضت أيام ووالدة هذا الشاب لم تتصل , رغم موافقة نادية , فقد عرفة أم نادية أن هذا الشاب قد عدل عن قراره هذا ليذهب إلى فتاة أصغر سناً من نادية , صعقت الأم وذهلت نادية إذ أحست بشيء داخلها ينكمش ويذوي , فإشراقة الأمس بدأت تنطفئ وزهور البارحة قد اضمحلت الآن . نظرت الأم إلى ابنتها و الحزن يلسع فؤادها بمرارة لم تشعر بها من قبل :
- أرأيت يا نادية كيف ضاعت تلك الفرصة من يديك ؟! وبغرور كسير تجيب نادية :
- لاتخافي علي مازال في نفس طويل ! يبدو أن طابور خطابها الطويل قد تقلص حتى أوشك أن يبدد , وطرقات الباب قد صمتت إلا من عواء الذائب الجائعة تحوم حول الدار لالتهام الفريسة بمبررات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب , قد ساورها القلق , واستبد بها الحزن , فمرآة الأمس التي كانت تتغزل بمحاسنها أخذت تطاردها بلعنات الزمن القاسي , الآن يجب أن تصون هذا الجمال من عبه الأيام وسطوتها الجارحة . جلست نادية هذه الليلة في الصالون تتصفح إحدى مجلات الأزياء , وقد شدها موضوع الرشاقة , فقد بدت عارضات الأزياء أنحف من ذي قبل , ملامح اُنثتهن تختفي , فطولها الآن 170 سم ووزنها الآن 57 يحب ان تنقص منها السبع كيلو غرامات الفائضة لتبدو على شكلهن , هكذا تخبرها صيحات الجمال في العالم , فالوزن خمسين يناسب طولها فتبدو أكثر نحافة و جاذبية , فخططت لعمل نظام رجيم جديد مع رياضة قاسية حتى تحقق هذا الهدف , واتبعت نظاماً غذائياً قاسياً يعتمد على الفواكه فقط , تقف في اليوم ثلاث مرات على الميزان لتراقب تغيرات زونها , فقد تركت الحلوى و الطعام و العصائر التي كانت تحبها , بيد أن وزنها لم ينقص إلا نصنف كيلو فقط . انضمت إلى إحدى الأندية الرياضية لتمارس الرياضة و السباحة , وقد كان وزنها يزداد بعض الشيء , تذمرت , فشكت إلى مدربة الرياضة أمرها , قالت لها المدربة (( إن هذه الزيادة سببها ثقل العضلات وليس زياة في السمنة )) , إنها الآن في حرب مع الـ 7 كيلو الفائضة ! لقد أرهقت أعصابها , تركت اشتراكها بالنادي وخسرت بعض المال , ولكن قلقها في ازدياد مضطرد , فعادت تأكل من حديد بشراهة , ولاحظت الأم أن ابنتها في حالة مزاجية جادة , لم تعد تقتنع بنفسها كما كانت في السابق , قرأت نادية عن بعض أعشاب النحافة فشترتها على الفور وتناولتها , فإذا الذي تأكله تفقده بسرعة فأربكت معدتها , لاحظت سقوط شعرها الكثيف , وبكت وتألمت كثراً ما هذا الذي يحدث لها , احتضنتها أمها بحنان قائلة :
- لم كل هذه الوساوس يا ابنتي , فوزنك مناسب وما زلت رشيقة وجميلة ؟ صرخة بعنف :
- لا.. لقد فقدت رشاقتي لماذا لم أعد نحيفة كما كنت في السابق مع إني لم أحمل وأنجب ؟ لقد تغير جسمي بطريقة مذهلة ! الأم تحاول أن تهدئ من روعها :
- دعي عنك هذه الوساوس يا عزيزتي . وبإصرار تقول نادية :
- ساُحقق الذي اُريده . وتذهب نادية (( عيادة الرشاقة )) لتسأل الطبيب عن إسم الأقراص التي تسد الشهية , وضحك الطبيب , بل يفرط في الضحك قائلاً لها :
- أنت نحيفة ومن السخف أن تتناولي هذه الأقراص , دعك من هذه الأفكار . يا ابنتي فأنت جميلة لكل مقاييس الجمال ! اطمأنت بعض الشيء لكنها قالت للطبيب:
- لطم عارضات الأزياء نحيفات جداً , و أظن أن مقاييس جمالهن هي الأفضل . سخر الطبيب :
- مقاييس الجمال في الشرق تختلف عنها في الغرب , فنساء الشرق يتمتعن بأجساد مكتنزة بعض الشيء وهذا يكسبهن أنوثة , بينما الغربيات لهن ملامح خاصة يحددها دوق مجتمعهن , فلا تقارني نفسك بهن , فأنت جميلة ورشيقة وهذه الأقراص التي تبحثين عنها لا تناسبك لأنها تخص النساء البدينات جداً .
:::::::::::::

- خرجت نادية خائبة , مازال هذا الوهم عالقاً في ذهنها , فهي عنيدة ومصممة على أمرها , ذهبت إلى إحدى الصيدليات تطلبت من الرجل الأقراص . فأتى أليها بأنواع مختلفة .
- قال : (( كلها تسد الشهية ونتقص الوزن )) ! تأملها الرجال جيداً وهو في خيرة من أمره :
- تبحثين عن **** الرشاقة لك ؟! لا..لا..إنه لأختي الصغيرة فهي سمينة جداً يصل وزنها إلى التسعين كيلو غرام . مازال الرجل متشككاً في أمرها .
- أعطيني الأفضل و الأسرع مفعولاً . قدم لها أحد العقاقير , ودفعت إليه الثمن وخرجت فرحة مستبشرة فقد حققت نصراً عظيماً ! تناولت نادية الأقراص في الأسبوع الأول فعافت نفسها الطعام لأيام , لكنها عادت تأكل من جديد مع قسوة القلق الذي يفترس كيانها ويهدد راحتها . بدأ الشحوب يغزل وجهها , و تبرز عظام خديها , فنضارتها المتشبعة بماء الصبا قد تبددت و العصائر الطازجة التي كانت تكسب بشرتها نداوة قد زهدتها خشية السمنة , لاحظ الناس هذه التغيرات , وبدت تلك الملاحظات كالدبابيس المؤلمة التي توخز في الدن (( لقد بدوت أكبر سناً )) , (( اختفت نضارتك ! )) , (( ذبل وجهك !)). لقد نحف جسدها فضمرت أنوثتها بعض الشيء , لكن وجهها ذبل وظهرت خطوط خفيفة حول عينيها , فتحولت آلامها إلى معاناة ليلة تداهمها قبل النوم , الآن تحتاج إلى من يشعرها بجمالها , الرعدة القوية التي تهز جسدها كل ليلة تحسسها أنها بقايا أٌنثى , ما قيمة الجمال إن لم يكن هناك من يتحسسه ويستوعبه ليثير فيه الشعور بالحياة و الحيوية , العاطفة الأن تضج صارخة تبحث عن أنيس يوقظ في هذا التمثيل الجامد المشاعر الخامدة منذ سنين طويلة , الطرف الجميل الذي كان يهتف شرقاً إلى الحياة افترسته الدموع حتى ذبل ! لم تذهب نادية إلى وظيفتها هذا الصباح , و جاءت أمها لتوقظها فوجدتها غارقة في الألم , و أخذتها إلى الطبيب وبعد فحص شامل قال :
- انها بصحة جيدة ! لكن ما هذه الآلام ؟ ! بقيت نادية تعاني من آلام جسدية تارة في بطنها , وتارة اخرى في قلبها , وكل يوم تذهب إلى الطبيب و التشخيص يظهر أنها سليمة بديناً . وتصرخ ثائرة :
- سأذهب إلى لندن لاُجري فحصاً شاملاُ , الأطباء هنا لا يفهمون شيئاً ! تتنهد الأم متحسرة وهي ترى طوفان الوساوس يدمر ابنتها الوحيدة , فتعبت أعصابها واستهلك القلق روحها , هذه الأيام تأكل بشراهة ثم تضع إصبعها في بلعومها لتتقيأ الذي أكلته , وتنهرها أمها بقسوة , فقد قرفت هذا الفعل المشين , ولكنها تثور كالمجنونة , ذبل جمالها , وتساقط شعرها كأوراق الخريف , أدمنت على الأقراص المهدئة للأعصاب , اعتزلت الناس , و أكلتها الأحزان , فخشيت عليها أمها من نوبات الغضب المجنونة إذ تدمر أعصابها وتسحق عنفوانها , تغيرت ملامحها , تبدلت أمالها , أسقطت كل همومها و فشلها على أمها :
- أنت السبب , أنت التي أوصلتني إلى هذا الحال ! تركت وظيفتها لم تعد لها رغبة في العمل , فكرت الأم كيف تنقذ ابنتها المحطمة فالفتاة ما زالت جميلة لكن هناك ثمة وحش كاسر يفترس أحاسيسها ورغبتها في الحياة , يأكل في داخلها الرغبة في الكيف مع الواقع , لقد بلغت الثلاثين مازالت شابة , فيها ما يعزز مستقبلها , قررت أمها اصطحابها إلى استشاري نفسي يعرف كيف يتغلغل إلى أعماقها ليعالج هذا المرض الطارئ الذي عطل مسيرتها و إحساسها بذاتها , ونقنع ابنتها إنها ربما لو تحدثت إلى من يفهمها ويشعر بخلجاتها النفسية ربما ستهدأ وتتكيف مع الواقع من جديد . وقرأتنا في الجريدة اليومية عنوان الدكتور حسين المتخصص في الاستشارة النفسية و الاجتماعية , فقد ذهبتا وهما متفائلتان , وبعد قليل من الانتظار في الصالون دخلت نادية وهي مدفوعة برغبة صادقة إلى التخلص من أوجاعها النفسية . رحب بها الدكتور , فقد عرف أن لهذا الوجه الجميل قصة مثيرة شده الفضول لمعرفة حكاية نادية . قال لها :
- أهلاًََ وسهلاً ..تفضلي يا.. أجابت :
- نادية . الدكتور :
- نادية ..ما هذا النور الذي يعلو وجهك , إنك تبدين كفلقة قمر . نظرت نادية إلى الدكتور باستغراب وستغرق في التفكير :
- ما الذي تقوله ؟ صمتت طويلاً ثم فجأة أجهشت بالبكاء ..وبعد فترة وجيزة قال الدكتور:
- إن هذا البكاء يخبى وراءه رغبات نفسي مكبوتة , أرجو ألا تترددي بالإفصاح عنها . قالت نادية مسترسلة :
- نعم يا دكتور , أنا , أنا فتاة جميلة , ولكني عدت لا أطيق نفسي ,إني أكره كل شيء محولي , أكره الناس , أكره الدنيا , لم تعد الحياة ذات قيم بالنسبة لي , إن القلق يكاد يقتلني . قال الدكتور وهو مستغرق بكلامها :
- ماهو الأمر الذي جعلك تكرهين الدنيا , إن الدنيا جميلة , وحلوة , والله جميل يحب الجمال , ولم يخلقنا عبثاً , ولكل شيء مقياس , الأمر ما زونه العقل وطبقة الفكر. نادية :
- إن الناس لم يفهموني , لم يعيروني اهتماماً . الدكتور مستجوباً :
- ومن هم الناس الذين لم يفهوك يا نادية ؟ نادية :
- أهي يا دكتور , وخاصة أمي , لم تتفهم ما لدي من جمال وجسم رشيق متناسق أستطيع من خلاله أن أصل إلى المراتب العليا من الشهرة و المال , فاعلو و أعلو , حتى لو وصل الأمر إلى عرضه على شاشات التلفاز العالمية , فأمي حطمت أحلامي وآمالي . الدكتور مندهشاً :
- وما الذي فعلته أمك يا نادية ؟ نادية :
- أمي ترى أن الجمال في الأخلاق و الكلمة الطيبة , وفي ستر المرأة لنفسها واهتمامها في تربية أبنائها . الدكتور :
- وما هو الجمال في نظرك يا نادية ؟ نادية :
- الجمال هو امتلاك الإنسان لصورة متناسقة الهندام , ولحاجب مقوس , ولعيون فاتن وشفاه محمرة , وثغر باسم , وقد ممشوق , وخد متوهج , وجسم رشيق متناسق . الدكتور :
- بإمكانك يا نادية أن تحافظي على هذا الوصف إذا نظرت بكلتا عينيك ! نادية باستغراب :
- ماذا تقصد يا دكتور ؟ أجاب :
- إن النظر و التعلق بالصورة الجسم يا نادية مصيره التأثير بما يحدث للصورة من تغير و تلو وتبدل من حال إلى حال , أما التعلق بما هو داخل الصورة ( الروح ) مصيره البقاء وعدم الفناء , و اعلمي أن شقاوة كل شيء ولذته وراحته تكون بمقتضى طبيعة وطبع كل شيء ما خلق له ، فلذة العين بالصورة الحسنة ، ولذة الإذن بالأصوات الجميلة ، ولذة القلب بمعرفة الله سبحانه وتعالى ، لأنه مخلوق لها ، وكلما كانت المعرفة أكبر كلما كانت اللذة أكبر ، وليس موجودة أشرف من الله سبحانه وتعالى ، فلا معرفة أعز من معرفة الله سبحانه ، ولا لذة أعظم من لذة معرفته. نادية :
- وهل هذا يمنع من أن أتمتع بالجمال الذي أملكه ؟ الدكتور مبتسما:
- لا يا نادية لا يمنع أن تتمتعي بالجمال الذي تملكينه ، فليكن جمالك صفة حميدة وخصلة جيدة تبعث الابتهاج والسرور ، كأنما هي من أشعة جمال الشمس ، وكلما كان بمقدورك اجتذاب أرقى الجمال وأشرفهم مكانة ، فليكن باقتنائك المحاسن من الأفعال المكارم من الأخلاق . تأملت نادية الدكتور صامتة ، كأنها تقلب أفكارها حتى استقرت على هذا السؤال :
- وهل تعتقد أن الرجال يبحثون عن هذه الخصال ؟ الدكتور أجاب مواثقا رأيه :
- بالطبع يا ندية ، فكل رجل حينما يفكر أي يرتبط بامرأة ينظر إلى جوهرها على وجه الخصوص ، حتى لو كان جمالها دون المتوسط ، وهذه الحقيقة يقرها أغلب الرجال يا عزيزتي . اعترضت نادية ممتعضة:
- لكن أغلب الرجال يندفعون إلى جمال المرأة ، وهذا الذي تقوله مجرد نظريات لا معنى لها على أرض الواقع ! استاء الدكتور من عنادها :
- ولكن لم تحرصين على التركيز على الجمال دون الخصال الأخرى ؟ أجابت وهي تشد على كلماتها :
- لأن الخصال الأخرى أشياء مفروغ منها . هدأ الدكتور من روعها :
- أنا أبحث عن السعادة في أعماقك لألتقطها , لأهديها إليك واضحة جلية حتى تخطي منهجاً ونمطاً لحياتك كي توازني بين الظاهر و الأعماق . تناهت إلى ذهنها فكرة :
- نعم , أظن أن حياتي بحاجة إلى تخطيط وتنظيم . ابتسم الدكتور :
- هذا ما أود قوله , يجب أن تغيري مفاهيمك , وتنتهجي نهجاً جديداً حتى تتعاملي في حياتيك وفق مبادئ تؤمنين بها . سألت :
- وكيف ذالك يا دكتور ؟ قال :
- فكري بالزواج وتأسيس اسرة , فالمرأة خلقت للرجل , تؤنسه وتسدد خطواته وتتألف معه عاطفيا و نفسياً , وافهمي أن أنوثتك ناقصة دون اطفال يشعلون حماستك للحياة , إنك بحاجة إلى الاستقرار في عش الزوجية لينتعش هذا الجمال و ستنفس بهدوء واطمئنان , عندئذ ستدركين أن هناك لذة روحية أعمق من اللذة الحسية التي تحسسها العين المادية , ستتدفق في أوصالك أحاسيس جميلة ورائعة تفوق تلك المحاسن الفنية . بدت نادية تفكر شاردة في كلام الدكتور ولم تتفوه بكلمة , تستمع بإصغاء شديد وعلامات الارتياح تبدو واضحة على محياها . فمضى الدكتور في حديثه وهو يتحسس موقع كلماته النافذة إلى بصيرتها :
- حاولي أن تكسبي الناس بأعمالك الخيرة , وأفعالك الطيبة , تناسي أنك جميلة لأن هذا الرصيد الذي تعتمدين عليه في حياتك سيفني مع الأيام وسيبقى الجوهر هو المؤشر الحقيقي لتقييم الناس لك , فالحياة ثابتة ملئية بالجميلات و الفتنات لكنهن يبحثن دائماً عن الاستقرار النفسي في ظل حياة ثابتة مطمئنة , و الخطأ هنا ليس في جمالهن , بل في نظرتهن السلبية لأنفسهن و معتقداتهن الخاطئة , فأنتِ يا نادية إنسانة عادية , عكري أن لكِ مسؤوليات وواجبات , وأن هنالك دوراً هاماً في الحياة ينبغي أن تتعايشيه كامرأة . تنهدت بحسرة ثم أردفت :
- وبماذا تنصحني يا دكتور؟ وبثقة أجاب :
- تزوجي لتستقري نفسياً , ولتحول جمالك إلى زهرة متفتحة ,تضرة , يتوسم فيها الزوج الراحة و الأطمئنان , فيرى كل النساء فيك فتعف عيناه عن كل المحرمات خارج بيته , الأن هناك حورية رائعة الحسن تعيش في مملكته الخاصة , يستبشر تنورها , وتحسس كل معاني السعادة و الأمان , فتهدأ أحاسيسه , وتشبع رغبته , ثم لتنجبي الأطفال و تقطفي ثمار أنوثتك الفياضة وعاطفتك الجياشة , فيصبح هذا الجمال رمزاً للعطاء و الامتداد . الجمال نعمة من الله فاشكري الخالق الباري عليها , وتذكري أن المرأة الحسناء التي تتدفق حساً إنسانياً رائعاً وروحاً تفيض خيراً هي بالضبط كالقنديل الذي يضيء ليل الحياة بالنور والأمل , أما التي تمتلك جمالاً مصطنعاً وقشراً جميلاًَ أو غلافاً راقاً لمحتوى فاسد هي كالزهرة الصناعية , يحسبها الرائي جميلة لكنها جافة جامدة يابسة لا طعم لها ولا رائحة بل شكلاً مملاً سرعان ما يزهده الإنسان , قد يبهر للمرة الأولى لكنه يفقد تأثيره مع التعود و الروتين , فأيهما تفصلين إشباع البصر أم إشباع البصيرة ؟ ودون تردد أجابت نادية :
- طبعاً أود أن أبقى نوراً في القلب يستمر داوماً في الخفايا لا يتبدد ولا يزول , لأن ما تراه العين قد تزهد يوماً , لكن محبة الروح لهي أعظم أثرا و أجمل إحساساً. سحب الدكتور كرسيه على هوادة , ففهمت نادية أن المقابلة قد انتهت , فودت في هذه اللحظة لو تمزق ذلك القناع المصطنع الذي ارتدته طوال تلك السنين لتستكشف حقيقة نفسها الواهنة , وسوف لن تتردد هذه المرة في إعادة ترتيب حياتها من جديد لتكسر هذا الصنم القابع في ذاتها , ستحاول .. قالت :
- أعاهدك يا دكتور على فهم نفسي وكشف أبعادها لأعيش كياناً هادفاً يتفاعل مع الحياة , ويدرك غايتها من جديد . اطمأن الدكتور :
- هذا يسعدني يا نادية , و أتمنى أن يكون عهدك مع الله سبحانه وتعالى أولاً , و مع نفسك ثانياً , فأنا الضمير الذي يتحرك في أعماقك ويوقظ في روحك جذوة الحياة لتشتعل بالحماسة و العمل و العطاء . أحست نادية أن مفاهيمها انقلبت رأساً على عقب , فكأنها تدخل مرحلة جديدة من حياتها تدفعها إلى تحطيم تلك العثرات السميكة التي كانت تقف حائلاً بينها وبين عالمها الخارجي , برقت عيناها بلمعة صافية تثقب المستقبل المجهول لتجذب تلك البارقة الجميلة في يدها وتخطو خطواتٍ ثابتة واعية ! وقفة تشكر الدكتور على صبره في تحمل عنادها وحدتها , لكنها أدركت بالنهاية أن وقفتها الجديدة ستكون مصدر سعادة لها . رافقتها أمها والفرح يتوهج في محياها البديع , فقد قررت في ذالك اليوم أن تنسى أنها جميلة وتتذكر شيئاً واحداً هو كيانها الفارغ الذي ينبغي أن تشبعيه , وتفكر أن الروح غذاء أعمق من إشباع الحواس , وفرحة الإنسان تتعدى أبعاد الحس المادية . هنأت نفسها على هذه الرغبة المفاجئة في تغيير ذاتها , ستتزوج إن لمحت في أفق حياتها شخصاً يقدرها ويحبها الأول مرة تقود سيارتها بعينين قد ذابت عنهما الغشاوة , ستتأمل الشارع وما يضم من جميلات وحسناوات , في الواقع هن كثيرات هنالك من هي الأجمل منها و الأصغر سناً , فهي واحدة من تلك العابرات
اللاتي نراهن في الحياة , ويبدو أن لكل واحدة منهن قصة مختلفة عن الأخرى بما هنالك من هي التي لا تجد لجمالها مدعاة للإفراط في لذات الحواس و التأقلم على قالب جمالي محدود الأبعاد , هنالك الجميلة التي تتنكر لجمالها وتتوارى عنه خجلاً لأنها أحست أن العيون ترصدها أينما ذهبت و أنما حلت , و الجمال نعمة , بل نقطة تضاف إلى نقاط كثيرة في سجل نعم الله سبحانه ولن يكون للمرأة جهداً في صنعه و اتقانه حتى تضطر إلى اغتصاب نظرات الإعجاب غصباً من عيون الرجال و النساء , و تتبختر في تيه ودلال كالطاووس , بل يفترض أن تمارس حياتها كأية امرأة عادية , وقد تجد المرأة المتوسطة الجمال أنها بمقدار هذا الجمال القليل تتحول إلى مخلوقة متكبرة تجرح الناس وتتغطرس عليهم , فالعبرة إذن ليست في الجمال وبمقداره ونوعه ونمطه , إنما بنظرة المرأة إلى نفسها وقناعاتها ال1اتية بما تشعر وترى وتؤمن .


قررت نادية أن تخاصم مرآتها هذه الليلة , ستحتجب عنها الأيام وتبحث عن وسيلة جديدة لمعرفة الروح وتربية النفس , ستفجر مهاراتها من جديد , وتبلور شخصيتها كما لو كانت في سنة أولى تجربة في حياة .

انتعشت أمها هذا اليوم , فقد خطت نادية خطوة رائعة لشخصيات عظيمة في التاريخ , هناك نساء شهيرات لمعت أسمائهن في سجل التاريخ لبراعتهن في العالم و المعرفة و الأدب و الحكم و الشعر , وقد قرأت أوصافهن الرائعة الحسن , لكن جمالهن هذا لم يقف حاجزاً نفسياً في طريق عطائهن , إنما الشخصية بذاتها وكيانها وطموحها توهجت حتى بلغت القمة .

نساء حكمن العالم , نساء شيدن عظيمة من العلم و الأدب , نساء حملن على أكتافهن حضارات , لقد ذوت تلك النتوءات المتورمة في أعماقها , لتبدد ألمها وصراعها من نرجسيتها حتى هدأت وتذكرت في لقائها الأخير مع الدكتور كلماته التي لها صدى عميق لن يخبو , قال لها : (( إن الصحة أضل من الجمال , و الإفراط في إتباعكِ أنظمة حمية بسبب لك خسارة صحتك و بالتالي سيذوي جمالك , فمهما كان جمالك رائعاً فالذبول و النحول سيأكلان من برق عينيك ونضارة بشرتك .

فبدأت تأكل بانتظام , وتشرب باعتدال , وتمارس رياضة يومية لتريح نفسها وجسدها , وبدأت تعود لنشاطها وعملها وتنتظم في مواعيدها , تتصل بالناس حباً بهم , وتتفقد شؤون أقربائها , وتعود مرضاهم , تشاركهم أراحهم و أحزانهم , ستذوب الأنا المتضخمة ويتحطم صنم الجمال المتحجر و الذي وقف لسنين طويلة حاجزاً في طريق حياتها , الآن ذابت مع الجميع , وتألفت مع الناس , وتفاعلت مع معاناتهم , عادت إلى الواقع برؤية جديدة , اتخذ لباسها طابعاً بسيطاً لا يدعو إلى الاستفزاز أو الاستعراض , في المشاريع الخيرية , وساهمت بجزء من راتبها , أحست أن هنالك ينابيع متدفقة بالرواء تتسرب إلى خلاياها اليابسة لترتوي وتتجدد , ومسامات جلدها قد تفتحت من جديد لتشعر بنبض يضخ في عواطفها لتشعر بالآخرين , وتتكيف مع الأجواء النابضة بالحياة كأي إنسانة حتى وإن كانت الأجمل .

تحولت نادية إلى كائن متحرك يعايش الواقع بحس عميق , ونظرة سوية ليس فيها افتعال أو نفاق.

***

كانت نادية تجلس في مكتبها , يختبئ وجهها بين كمية هائلة من الأوراق , تتفحصها بقلق , عيناها مثبتتان على إحدى الصفحات دخلت عليها زميلتها في العمل قائلة :

- ألم تعلمي أن مديرنا هذا سيتقاعد , وسيأتون لنا بمدير جديد ؟ هزت نادية كتفيها بعدم المبالاة . ومضت زميلتها في حديثها :
- لا ندري ما هو شكل المدير الجديد وما هي شخصيته ؟ تركت نادية الأوراق جانباً لتقول مازحة :
- لا بد أن يكون عريضاً , سميناً أصلعاً , مسناً .
- أظن ذالك تناولت الإدارة هذا الحديث (( وقصة المدير الجديد )) وبلغت الإشاعات الذروة , وما هي إلا أيام قلائل حتى جاء المدير الجديد ! وكانت المفاجأة سارة .. فالمدير الجديد هو أحد زملاء نادية أيام الجامعة , شاب وسيم , عريق النسب , كان معجباً بنادية لكنه متردد , خائف , خشي أن يهان لأنه لا يملك الثروة و المركز المرموق الذي كانت تحلم به نادية , فعاش تلك السنين يكافح , وينحت الصخر بأظافره حتى حصل على شهادة الدكتورة في إدارة الأعمال من أكبر جامعات أمريكا . التقيا ولأول مرة أحست نادية أن الزمن يفعل فعلته القاسية ويهرب , فنحن لن نستطيع أن نخطط لأقدارنا لأنها تفاجئنا بمواقف لم نكن نحسب لها حساباً . هشام قد تغير بعض الشيء , إذ تناثرت الشعيرات البيضاء على فودية , وبدت ملامحه أكثر حدة , ونظراته أمضى من المستحيل , لكنه كان مهيباً في حلته الأنيقة , أقامت الإدارة حفل عشاء على شرف الموظفين الجدد . جلست نادية في ركن هادئ تحتسي الشاي فانتهت إلى هشام وهو مقبل عليها يحمل إليها قطعة من الكيك , فقال وهو يقدم لها الطبق :
- أرجو أن لا أتطفل عليكِ أومأت إليه أن يجلس . تحدث إليها عن نفسه , فوجت في فضاء روحه سمواً حلق بها في أجواء الخيال , حيث ذكريات الماضي , وأجنحة الزمن المر تخفق في السماء حياتها فانتقلا من غصن إلى غصن ومن نكهة حزن إلى نكهة فرح , وهذه المنعطفات التي تلفهما معاً في حيرة وفضول ليسبر أغوار نفسيهما ..وير تشفان من كل غصن رواء له طعم ومذاق مختلف من الماضي حتى شعرت نادية أن في داخلها إحساساً بالسكون أخذ يترسب في أعماقها ويستحوذ عليها , قد انتشلها من رمضاء الطريق وعطش المسير.. تذكرت ماضيها المتلاطم كالموج حيث تاهت سفينتها في دروب الفرقة و الحرمان وتشتت روحها في أوهام صبيانية , و الآن جاء الربان يحمل إليها شراع الأمل ويحفر في شواطئ حياتها مرفأ أمان حتى تستريح وتهدأ . فهو رجل كما تحسه بقليها , وتشعر به بإحساسها : رزين , كيس , هادئ , بتمتع بقدرة عجيبة على احتواء الآمها , جاء في الوقت الذي شعرت بالأمل , فقد جاءت إليها أسراب الطيور المدبرة تحمل إليها تباشير الحياة في غربة النفس المعذبة , وكانت وحلة طويلة قد تركت بصمات قاسية محفورة في وجدانها تحاول أن تهرب منها وتتوارى عن أطيافها بكل ما أوتيت من قوة وعزيمة , وتجهض هذا الهم الجاثم على صدرها برغبتها المجددة دوماً في فهم نفسها وحاجاتها الدقيقة التي تناجي بها نفسها سراً .. سمعت هشام ستحدق بلسان طليق مزقت الأيام قيده ليتحرر من كبت الذات وقيد النفس فكانت تسمعه بفكره وخلجاتها النابضة بالحياة , ها هو صوته يدوي في روحها قوياً هادراً .
- لقد اعتدتُ على الوحدة يا نادية , وخضتً في حياتي تجارب مرة لكني قاومت هذه العثرات وحفرت الصخر بجهدي وكفاحي وبنيت لي طريقاً معبداً في أرض وعرة , وهنا علمتني الحياة كيف أفهم نفسي , وكيف أرسم خطوط التواصل معهم , فنجحت في علاقاتي لاجتماعية ونجحت في عملي واستطعت أن أبني شخصيتي . قالت وهي منبهرة :
- نعم .. أراك شخصية قوية واثقاً من نفسك . لكن هشام أدار دفة الحوار وسلط عليها إحساساً زاخراً بالمعاني , يحمل في طياته تساؤلات وإجابات قد يستطيع أن يتحقق منها الآن .
- أنا سعيد بوجودكِ هنا . خجلت , رأت أن الانسحاب من هذا الحفل هو ملاذها من هذا الفضول , فالأمور بدت واضحة الآن , ولغة العيون كافية ! تركت كلمات هشام أقراً طيباً في نفس نادية , إذ راحت تستعيد شريط كلماته بشيء من الرضا و التفاؤل , كأنها قرأت مابين السطور وفهمت تلك المعاني التي كان يقصده في حواره معها , وحاول أن يقرأ الاستجابة في عينيها , فقد عرض عليه خطة حياته وببسط بين يديها شخصيته واضحة جلية , أحست في قرارات نفسها أن هنالك شيئاً من الألفة قد توثقت بينهما , ونوعاً من الانسجام قد بان في التقاء فكرهما , وهي الآن في سن النضوج حيث تستطيع أن تتغلب على هواجسها و تسيطر على انفعالاتها وتختار ما عجزت عن تحقيقه فيما مضى . فكانت تنتظر تلك اللحظة التي تحسم قلقها , وتحتوي موقفها لتعيش بسلام كأي امرأة تبني عشاً سعيداً مع رجل يهمن على كيانها , و يعشعش في ذاكرتها كالترنيمة المقدسة , فأسكت نفسها الآن عن كل المتخبطات العارضة في حياتها وهيأت روحها لفجر جديد و إشراقة رائعة يرسمها ثغر الحياة النضيد ففتحت ذراعيها لتحتضن الحياة يوجه مشرق .. أما هشام فقد تعلم من غربته كيف يختصر المسافات ويطوي الطريق , تقدم إليها خاطباً , فيس هناك وقت للانتظار , فما فعلته الأيام كان درساً قاسياً لها , فالآن عادت السفينة التائهة وملاحها الشاطر ليجتمعا معاً على شاطئ الحب في رباط مقدس لا ينفصم أبداً . وتم تحديد موعد الزفاف في إحدى صالات الأفراح , أعد العروسان بطاقات الدعوة , بدأت نادية تكتب أسماء المدعوين , وتذكرت أن هنالك من يستحق أن تدعوه إلى حفل زفافها , دونت اسم (( الدكتور حسين )) بخط جميل يعبر عن شكرها وامتنانها العظيم إلى وقفته الطيبة معها , خرجت مسرعة نحو عيادته , ودون انتظار طرقت باب غرفته . قالت الممرضة بانزعاج :
- يا آنسة هنالك مريض عند الدكتور . وبتوسل :
- أرجوكِ أنا في عجلة من أمري , أريد أن أقدم له هذه الطاقة وأرحل , سوف لن أعطله عن عمله . خرج الدكتور مندهشاً , لقد كانت نادية في أجمل حالاتها , مشرقة نضرة , حمرة الصبا تتوهج في خديها , وماء الشباب يجري في عروقها , تفح حيوية ونشاطياً . وبعد أن حيته قدمت له البطاقة قائلة :
- أقدم لك بطاقة دعوة حلوة سوف تفرح بها . أخد الدكتور مبتسماً وقرأ أسمها فهنأها :
- مبروك يا نادية , أتمنى لك حياة سعيدة .
- أرجو أن تحضر حفل زفافي .
- سأفعل إن شاء الله .
ودعته وانصرفت .

النهاية


غناء الروح غير متواجد حالياً  
التوقيع
قيد التحديث
رد مع اقتباس
قديم 14-05-11, 03:04 PM   #5

غناء الروح

نجم روايتي وكاتبة في مكتبة روايتي وعضوة في فريق التصميم ومصممة بمنتدى وحي الخيال وموهوبة في مسابقة فطورنا يا محلاه

alkap ~
 
الصورة الرمزية غناء الروح

? العضوٌ??? » 113383
?  التسِجيلٌ » Mar 2010
? مشَارَ?اتْي » 9,966
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Palestine
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » غناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الحكاية الثالثة:

ـ العانس

جلست في شرفة المنزل تحتسي الشاي مع صديقاتها ، فبدت ملامحها متشنجة تخفي توتراً أضفى على لونها اضطراباً ملحوظاً ، فدار الحديث بينهن عن الزواج و مشاكل الأطفال ، بدت معرضة شاركتهن دون حماسة إذ سرعان ما أدارت دفة الحديث لتثير قضايا العمل و همومه و معاناته ، قالت إحداهن وهي تشتكي إهمال زوجها :
- لقد أرهقني أمس تدريس الأطفال ، فزوجي عصبي لا يصيبر على هذه المهمة
أجابت سناء و قد احتدت لهجتها :
- الرجال كلهم أنانيون ، لا يستحقون إخلاص المرأة و معاناتها .
قالت أخرى :
- ليس هذا الحكم قاطعاً ، فهناك الرجل المعطاء و هناك الأناني
أصرت سناء بغضب :
- بل كلهم هكذا ، يهملون زوجاتهم و أبناءهم بينما ينجرفون نحو نزواتهم و أهوائهم الخاصة
ثارت الضيفة الثالثة فأردفت :
- إنما من يفعل ذلك هو شواذ من الرجال وليس الغالبية يا عزيزتي
قهقهت سناء بعصبية مفتعلة :
- بل كلكن مخدوعات بأزواجكن ، لا تأمن لهم !
راقت لإحداهن الفكرة فقالت :
- كلامك صحيح .. يجب أن ننتبه إلى أزواجنا .. ربما الروتين و الرتابة يدفعهم إلى الخيانة
قالت سناء :
- لفرط ما سمعت بهذه الخيانات .. كرهت و الزواج و نبذت الرجال !
تنهدت إحدى الصديقات متبرمة :
- ماذا نفعل ؟! فالزواج شر لابد منه .
أردفت سناء و هي تحدق بهن :
- هيا تناولن الفطائر فقد أعددتها خصيصاً لكن .
قالت إحدى الصديقات و هي تقضم فطيرتها :
- إنك فتاة مثالية يا سناء ، أين عيون الرجال عنك ، فأطباقك لذيذة ، و بيتك مرتب و نظيف ، لا يقصك شيء ..
امتعضت سناء ساخطة كأنها تندب حظها :
- بل ينقصني الكثير يا عزيزتي ، ينقصني الوجه الجميل الذي يجذب العرسان ، ينقصني الجسد الرشيق الذي يشد إلي الرجال ، أبدو في ثوبي هذا كشجرة الجميز الضخمة .
ضحكت الصديقات و عرفن أنها مزحة جريحة تخرج من فؤاد سناء بحزن و أسى لأنها تبكي من الأعماق ، فمزاحها يتحول أحيانها يتحول أحياناً إلى قطرات نازفة من الألم تسكن جرحها المزمن ، سنوات طويلة لم يطرق بابها خاطب أو طالب قرب ، تعيش مع جدتها في هذا البيت الكبير ، إذ تخطت الثلاثين بسنوات و حلم أنوثتها قد تبدد و أمالها كفتاة قد ذوت ، لم يعد أمامها الآن سوى السراب أصبح الليل بسواده هم كبير يطبق على صدرها كالشبح المخيف ، و نهارها انتظار طويل لومضة أمل أوشكت أن تغفو على مر السنين
في سنواتها العشرين كانت تشتعل حماسة و تتدفق حيوية ، احترقت لتعطي صباها بحب و إيثار دون أن تقصد في ذلك أو تخطط لمستقبل موعود إنما هكذا أحبت أن تعطي و ترضخ لواقعها بانبساطية و تلقائية تجد فيها راحة و سكون ، لكنها الآن تقف في حيرة من أمرها فثمة احتياجات نفسية تثور داخلها و تغزو صحتها ، إنها تحاول أن تقفل المنافذ على نفسها حتى تعايش حياتها كما كانت . ماذا تريد ؟! ماذا ستفعل غداً؟ نظرات جدتها المشفقة تستفزها لتصرخ ، ماذا وراءك ؟ ألست الآن مديرة في عملي ، لي منصب كبير ، و راتب ضخم ، لم كل هذا الإنكسار الذي أصبح كالسكين في خاصرتي ؟ أرجوك يا جدتي . كفي عن هذا الهراء !
تفهم الجدة لواعج حفيدتها و حرارة قلبها ، تفهم أمنياتها في بناء أسرة متعذرة و لفتات الناس المريبة تغيظها ، تفهم أمنياتها في بناء أسرة متعذرة و لفتات الناس المريبة تغيظها ، فكل أفعالها الغاضبة تعلل بعنوستها ، و تصرفاتها المتذبذبة تعزى إلى إحساسها بالوحدة ، و كأن كل المتزوجات ساكنات و ديعات لا يغضبن ، لا يصرخن ، إنه منطق سخيف يحاصرني الناس به ، هكذا بدت سناء مضطربة تصارع الزمن لتنكر حقيقة دفينة تصرخ في كيانها كنبع شلال متدفق ن لكن الواقع بعفويته يفرض عليها نمطاً و سلوكا
ً حاداً ، فالصغيرات اللاتي حولها قد تزوجن و أنجبن ، كل موظفاتها كسولات ، يتغيبن عن العمل ، يهملن واجباتهن ، فتصرخ بغضب (( إن مسيرة العمل المتعثرة بسبب كسلكن )) الظروف الأسرية ، الأزواج ، الأولاد . أسباب واهية تقطع الطريق عن العطاء المستمر .
تشتكي الموظفات من تعسف المديرة سناء و قسوتها و عدم إحساسها بالمعاناة الإنسانية ، إنها عانس حاقدة ، هكذا يصفنها و هن غاضبات .
أروع أيامها ، يوم الخميس حيث تجتمع مع صديقاتها الحميمات في شرفة المنزل لتناول الشاي ، إنهن يفهمنها و يستوعبن طباعها الحادة ، و يتوقعن ردود أفعالها
لكن لأحاديثهن مذاق مر بدأت مرارته تلسع مشاعرها ، فأخذت تتعلل بالتعب و الإرهاق لتتملص من هذه الأمسيات ، فضقن صديقاتها ذرعاً من هذه الأعذار ففهمن أنها استغنت عن هذه الصداقة . فبردت عرى المحبة بينهن مع الأيام ، فوجدت سناء نفسها وحيدة تلتهمها مشاعر الوحشة و الغربة ، تقف مذهولة أمام مرآتها لتجد عينيها و قد ضاقتا أكثر من قبل و أنفها الأفطس بدى مزعجاً للغاية ، و وجهها الكبير الذي حفرت آثار الندبات فوق مساماته فغدا منطفئاً قاسياً ، لا يحمل ملامح الطيبة و الرحمة ، تود لو تحطم المرآة و تتأمل وجه جدتها الجميل الذي يقطر نعومة و عذوبة رغم كبر سنها ، و لمعة صافية مشربة بحمرة و تتساءل في سرها لم أبت عليها الأقدار أن ترث جمال أمها و جدتها ، إنها نسخة طبق الأصل من أبيها المرحوم ، بلونه الشاحب ووجهه الكبير ، و فكه العريض ، ملامح رجل عنيف و جسد ضخم ممتلئ لا يحتمل الثياب الرقيقة ، فارتدت البنطلون و الجاكيت لتحمي نفسها من نظرات السخرية المختلسة .
فكرت مراراً في إجراء عملية تجميل ، إذ سمعت عن هذه العمليات و النجاحات الباهرة التي حققها الجراحون ، و استشارت في هذه القضية لكن الأصوات كلها تصرخ ( لا ) فعدلت عن هذا القرار فأمامها مشكلة أخرى ، الزمن الذي يأكل أنسجتها و عروقها و يتغلغل في شرايين جسدها و يطويها تحت جناحيه القاسيين دون رحمة ،فقد بلغت سن الأربعين و عيناها تدمعان حينما تلحظان تلك الشعيرات البيضاء المتسللة في سواد رأسها و خطوط غزيرة تحفر عنوان الزمن المر حول عينيها ، إنها مستاءة . و جدتها تكبت حزنها الدفين خشية أن تثير غضبها و استيائها ، فسناء صارت مرعبة ، مخيفة ، تصرخ حتى تكاد عروقها المنتفخة في رقبتها أن تتمزق ، حتى الخادمات لم يسلمن من ضربها العنيف ، فهربن من البيت ، التفاهات الصغيرة تحولت إلى جرائم تستحق عقوبات قاسية !
قد تضخم الطغيان في ذاتها ، و إحساسها بأنوثتها قد تنكرت له ، إذ أنها استعذبت طعم الرجولة في سرها و تشبهت بهذا المظهر ، و كرهت في أعماقها كل الرجال ، إنها تحقد عليهم جميعاً فهم سبب الخيانة و الظلم و الفساد ! ماذا عساها أن تفعل الآن ؟! من يطيق هذه الشخصية الجديدة التي يلعنها الموظفون و الموظفات و الأهل و الجيران ، لسانها السليط ، نظراتها القاسية التي تغرسها في الصدور ، مزاجها الحاد الذي يلهب إحساس جدتها بالتجريح و المهانة .
انتقدت النساء ومجالسهن الفارغة ، و اهتماماتهن التافهة ، و أدمنت على محاربتهن و تجريحهن بالنعوت الجارحة و الأوصاف القبيحة ، حتى حدثت مواجها عنيفة بينها و بين جدتها .
قالت الجدة غاضبة :
- ما كان لك أن تجرحي أم حسين لأنها حملت مرات عديدة !
أجابت ساخرة :
- إنها ماكنة تفريخ ليس إلا !
- أرجوك يا سناء لا تحرجيني أمام الناس ، تلك النسوة أهلنا و أحبتنا و أنت فتاة مثقفة و ناضجة تفهمين معنى احترام الناس !
عنفت جدتها بشدرة :
- إذن دعك مع هذه الشرمذة المتخلفة و لا تطالبيني بتوصيلك إليهم .
حاولت الجدة أن تتماسك :
- لا .. يبدو أنك غير طبيعية !
صرخت سناء بغيظ :
- نعم لست طبيعية ! خذيني إلى مستشفى المجانين لترتاحي مني !
ذهبت سناء إلى غرفتها ثائرة ، عنيفة ، و خبطت الباب بقوة أفزعت من في البيت ، قلقت الجدة كثيراً ، و أصبحت سناء هاجسها الأوحد ، فما تعانيه هذه الفتاة تعرفه الجدة و تفهمه كامرأة لها خبرتها في الحياة . لقد اشتكى الناس من طباعها الفظة ، فهناك الكثير من الفتيات اللاتي لم ينعم الله سبحانه عليهن بالزواج ، تكيفن مع واقعهن بصورة سوية و ألفن الناس بتلقائية ، و قد يقاسين المرارة و الوحدة سراً لكنهن في العلن يتصرفن بأدب و كياسة ، و إلا هذه الفتاة التي أكلتها نار الحسد من أية فتاة جميلة أو متزوجة و لها أولاد . تنتقص من الأخريات بصورة جارحة ، فتصف الجميلة بالغبية و تلك المنجبة بالأرنبة ، وأخرى بالمغفلة ، نساء يأسرهن رجال جلادون !
لكن ، لم يقترب أحد إلى عمق هذا الغول المتوحش ، تلك الشخصية التي تقود موضفيها بخشونة و صلابة مخيفة إلى حد جعلت العمل يسير بدقة شديدة الخوف و الرهبة التي أشاتها في نفوس العاملين معها ، أثارت في قي قلوبهم الأحقاد الحمراء ، و الدعوات الصارخة عليها كل صباح لما في سلوكها من ظلم و تعسف . فسياستها فاشلة ، و اسلوبها جاف ، و الموظفات بدأن يتسربن من بين يديها و هيمنتها ، و ينتقلن إلى أقسام أخرى ، عمت الفوضى بعد دقة العمل و نظامه ، لقد طفح الكيل ، وصلت الشكاوى و حالة التذمر إلى كبار المسؤولين ، فالإنتاج لم يعد كسابق عهده ، و التقارير كلها تشير إلى اضطراب العمل ، و حالة التذبذب تشير إلى سوء القيادة و التنظيم ، فجاء قرار و زاري بتجميدها !
تنفس الجميع الصعداء ، و استراحت النفوس و استرخت الأعصاب المشدودة ، لكن لعناتها المحمومة أضحكتهم و أبكتهم في نفس الوقت . ثارت ثائرتها خرجت من مكتبها لتستكشف حقيقة الأمر ، فلم تجد لصوتها أذن صاغية ، بل وجوه مكفهرة ، و نفوس معرضة ، فأكلتها الوساوس و الظنون ، فما حدث لها مؤامرة من الحاسدين و الحاقدين ، هاجت كالطير الجريح و صالت و جالت فلم تصل إلى نتيجة ، و لم تقطف ثمار جهدها في استرداد قيادتها ، تعذبت حتى ذوت قواها ، و أرخت حبال أعصابها المشدودة بعد أن بلغت ذروة الانفجار . استسلمت إلى حقيقتها المرة فحبست نفسها في دوامة من الحزن و الكآبة ، و لبست حولها قشرة يابسة تحميها من هزيمتها النفسية في استرجاع كرامتها المهدورة .
تركت الحياة ، و أدمنت على غربة الليل الحزين ، كانت تجلس صامتة فوق سريرها البارد ، تناجي الظلام ، تضع وجهها بين كفيها في يأس صامت ، و استسلام مميت ، لا تأكل ، لا تشرب ن لا تتنفس ، شعرها الأشعث ينسدل على كتفيها بتمرد ووحشية ، مقبرة قد حفرتها غي غرفة النوم ن تحجرت مقلتيها و يبست مآقيها ، لأنها ظلت تحدق في الظلام دون أن تتعب فما في قلبها ينزف بقوة ، فلم يسبق لعينيها قطرة دمع ، ترطب فيها هذا الحزن ليتنفس .. ليعبر عن خلجاته الدفينة ، ونبضاته الوجيعة ، فخل هذا الباب الموصد ، إنسانة تحترق ، و تكتوي بنار الإنتظار و الترقب للموت ، بينما الجدة المسكينة قد داهمها المرض بعد أن أتعبتها تلك الإبنة المضربة عن الحياة و الطعام ، تطرق الباب عليها كل يوم فلا من مجيب ، تختلس النظرات من ثقب الباب فتجدها جالسة القرفصاء . صمت مطبق في سماء هذا البيت ، تخرج سناء إلى الحمام و كأنها تمثال من الشمع تحركه يد القدر دون إرادة ، لا تبدو عليها انفعالات أو علامات ، بل جمود قاس ، ووجه عابس ، وقلب يحتضن بين جنبيه مرارة تكابدها صاحبته بصمت .
اتصلت الجدة بصديقة سناء الحميمة ، لتحدثها بالقصة كاملة حتى اقتنعت بضرورة عرضها على طبيب نفسي ، فقد مضى على حالها أيام و أسابيع و لم تجد هناك ثمة بارقة نور تضيء روحها لتحيى .
اقتربت ناهد من باب سناء ، تطرقها طرقا حانياً مستحثة لحجتها بعذوبة و طيبة ن و بعد محاولات عدة فتحت سناء الباب ، كانت تبدو كالشبح المخيف ، ذابلة ، مرعبة ، احتضنتها صاحبتها برفق و لين ، حاولت أن تسقيها بعضاً من العصير ، فشفتاها ذابلتان ، قد ضلتا الطريق عن الطعام و الشراب ، ترفقت بها صاحبتها الذكية و نصحتها بصوت الإيمان و الدين فوجدت فيها ميلاً خفيفاً إلى التجاوب و الانفعال
فأخذت تشرب الحساء والعصير ، لكن قلبها ما زال معرضاً عن الحياة ، نافراً عن العمل و النشاط ، رافضاً كل معاني التجاوب و الانفعال مع الآخرين .
أحست صديقتها (( ناهد )) أن مهمتها شاقة جداً ، فأقنعت صاحبتها أن ما تفعله حرام ، بل هو نوع من الانتحار يعاقب عليها دين .
تنهدت سناء و هي تشفق على نفسها :
- لا أدري ماذا أفعل ؟ ليس لي رغبة في فعل أي شيء ، كرهت نفسي ، كرهت جدتي ، كرهت هذا البيت البارد ، كرهت حياتي الفارغة .
ابتسمت ناهد لتزيح عن وجهها هذا الوجوم و تضفي جواً من المرح على أجواء الحوار ، فلعل إفضاء صاحبتها بما تعانيه يخفف من آلامها فاستحثتها على الكلام ..


اجترت سناء أنفاسها بصعوبة ،و راحت تشهق كمن يجر من قلبه حسرات ثقيلة فانفجرت بنوبة بكاء حادة ، مريرة .

احتضنتها ناهد بحنان وهي تقول مخففة نها حدة التوتر :

- ما رأيك لو تقابلين الدكتور حسين استشاري نفسي ، سيساعدك في تخطي هذه المحنة ؟!

انتفضت سناء

- لا .. أنا لست مجنونة لأفعل ذلك

احتوت ناهد الموقف بهدوء قائلة :
- إنه استشاري في الإراد النفسي ، و أظنك في حالة نفسية متأزمة ، تحتاجين إلى مشورته ، في العام الماضي أخذت و لدي إليه لحل مشكلته
فلا تتحرجي من هذا الأمر .

صمتت سناء و كأنها اقتنعت بالفكرة .. بعد تردد فاستطردت بعد تفكير :
- سأحاول .

بدت ناهد على يديها مشجعة

- قرري و افعلي ، سآخذك إليه غداً مساءً .

استراحت الجدة ، و هدأ بالها ، و رفعت كفيها إلى السماء شاكرة ربها ، داعية الله عز و جل ان يشفي ابنتها من هذا المس الشيطاني .

و في مساء اليوم التالي رافقت سناء صاحبتها ناهد ‘لى عيادة الدكتور .

و بعد انتظار طويل دخلت سناء إلى الغرفة .

في عيادة الدكتور :

بادرها الدكتور بالسلام و التحية و قام من كرسيه ، و جلس و راء طاولة مستديرة ، ليكون بالقرب من سناء ، رفع يده إلى ألى و قال اقرأي
العبارة التي أمامك .

(( إن لله عباداً اختصهم بحوائج الناس ، يفزع الناس إليهم في حوائجهم أولئك الآمنون من عذاب الله )) .

بكت سناء عند قراءتها للعبارة .. استمرت بالبكاء .
صمت الدكتور .

سناء :
- أين أولئك الناس الذين ألجأ إليهم يا دكتور ، هذه مثالية .

الدكتور :
- إنهم معك و حولك و لكنك لا ترينهم ، (( لولا دفع الله الناس بعهم ببعض لفسدت الأرض و الله ذو فضل على العالمين ))

أخذت سناء نفساً عميقاً و قالت (( لا أعرف ما أصابني ، سئمت من الحياة يا دكتور ))

قال الدكتور :

(( و لا تيأسوا من روح الله و من ييأس من روح الله فأولئك هم القوم الكافرون ))

سناء :

- إني آمل يا دكتور أن أجد حلاً لمشكلتي .

الدكتور:
- الحل بيني يديك و لكنه يكمن في تخلصك من التوترات التي تتحكم في جسمك و تفكيرك .

سناء :
- و كيف يتم ذلك ؟
الدكتور :
- كلما تخلص الإنسان من الاحساسات و التوترات في جسمه كلما استطاع ان يفكر ملياً و يهتم بنفسه أكثر و ينظر إلى من حوله نرظرة شمولية
فما رأيك بأخذ جلسة استرخاء؟

سناء :

- نعم يا دكتور إني بحاجة إلى هذه الجلسة.

الدكتور :
استلق على هذا الكرسي المريح و اسمتمعي الى التعليمات التي من شأنها أن تقلل من الاحساس بالتوترات في جسمك .
امضي عينينك ، و ركزي انتباهك إلى ذراعك اليسرى ، اغلقي راحة دك اليسرى ، ركزي كل انتباهك الآن على ذراعك اليسرى (( الذراع
اليسرى بشكل خاص )) ، اغلقي راحة يدك اليسرى ، اغلقيها بإحكام و بقوة .

لاحظي أن علات يدك الآن و عضلات مقدمة الذراع اليسرى تنقبض و تتوتر و تشتد .

انتبهي إلى هذا التوتر و الشد .. لاحظيه !

الآن اتركي هذا ، افتحي يدك اليسرى و ارخيها و ضعيها على مسند الأريكة .

لاحظي الفرق بين ما كانت عليه من شد و توتر و ما هي عليه الآن من استرخاء .
اصمتي لعشر ثوان فقط .

- كرري هذا التمرين . .اغلقي راحة يدك اليسرى بإحكام و قوة ، و لاحظي التوتر و الشد من جديد ، ثم اتركي هذا كله ، افتحي يدك اليسرى
و دعيها ي وضعها المريح و لاحظي ما كانت عليه من توتر و ما هي عليه من استرخاء .

لنتجه الآن إلى يدك اليمنى .. اغلقي راحة يدك اليمنى بإحكام ، و لاحظي التوتر في اليد اليمنى و الذراع .

اصمتي لخمس ثوان .
الآن استرخي ، استمري في وضعك المريح و ارخي يدك اليمنى . لاحظي الفرق بين ما كانت عليه من توتر و ما هي عليه الآن من شد وتوتر.

ارخيها و اتركيها في وضع مريح ، و افردي اصابعك باسترخاء .

لاحظي أن هناك تنميلاً و ليناً قد بدآ ينتشران في ذراعيك اليمنى و اليسرى . كلتا ذراعيك الآن قد بدأت تسترخي و تسترخي ، الآن سنتجه إلى
راحة اليد ، إثن راحتيك كلتيهما إلى الخلف غلى أن تشعري بالشد و التوتر في المعصم و ظهر اليد ، لاحظي هذا التوتر .

الآن استرخي و عودي بمعصميك إلى و ضعهما المريح ، و لاحظي الفرق بين التوتر و الاسترخاء ، افعلي ذلك لمدة عر ثوان ، ثم كرري هذا مرة أخرى
افردي معصمك إلى الخلف ليكون الشد في مقدمة الذراع و خلف راحة اليد ثم استرخي و ارخي معصميك ، عودي بهما إلى وضعهما المريح .

دعي نفسك على سجيتها ، و اشعري باسترخاء أكثر و أكثر .

- سننتقل الآن إلى الكفين ، اطبقي بإحكام كفيك ، و اثنيهما في المقدمة في اتجاه الذراعين إلى أن تشعري بتوتر عضلا أعلى الذراعين ،
في ذلك الجزء الممتد من الرسغ حتى الكوع .

حاولي أن تلاحظي التوتر و أن تشعري به ، الأن استرخي ، اسقطي ذراعيك إلى جانبيك ، و لاحظي الفرق بين التوتر السابق في علات الذراع
وما هي عليه الآن من الاسترخاء النسبي الذي تشعرين به.

(( عشر ثوان صمت )) كرري هذا مرة أخرى .

اقبضي الآن كفيك بإحكام و اثنيهما في تجاه الكتفين محاولة أن تلمسيها بقبضتك ، توقفي و اسقطي ذراعيك و استرخي .

ستشعرين بالتناقض بين التوتر و الاسترخاء .
دعي تلك العضلات على سجيتها أكثر فأكثر (( لمدة عشر ثوان ))

- الآن سنتحول إلى الكتفين ، ارفعي كتفيك كما لو كنت تريدين لمس أذنيك بكتفيك .

لاحظي التوتر الذي يظهر في الكتفين و في عضلات الرقبة ، لاحظي هذا التوتر .
توقفي الآن .

استرخي و عودي بكتفيك إلى وضع مريح ن دعي عضلاتك على وضعها الطبيعي أكثر فأكثر .

لاحظي من جديد الفرق و التعارض بين التوتر السابق و الاسترخاء الذي بدأ ينتشر في الكتفين (( عشر ثوان ))

كرري هذا الأمر مرة أخرى .

سنذهب الآن إلى عضلات الوجه ، عليك أن تغمضي عينيك أو تجعدي جبهتك إلى أن تشعري بأن عضلات الجبهة قد اشتدت و إن جلدها قد تغصن

الآن استرخي ، ارجعي بعضلات الجبهة إلى وضعها الطبيعي ، ارخيها أكثر فأكثر لمدة عشر ثوان .. كرري التمرين مرة أخرى .

لاحظي التوتر في منطقة الجبهة و أعلى العينين ، الآن إرخي الجبهة ، استرخي بعضلاتها .

و لاحظي من جديد التعارض بين التوتر و الاسترخاء (( عشر ثوان ))

الدكتور :
- سنذهب الآن يا سناء إلى العينين

إغلقي عينيك بإحكام و قوة حتى تشعرين بالتوتر الذي سيشمل المنطقة المحيطة بالعينين و بالعضلات التي تحكم حركات العينين ( لمدة خمس ثوان )

الآن دعي تلك العضلات على سجيتها في وضعها المريح ( 10 ثوان )

ٌٌٌٌٌ- الآن نتجه إلى الفك و الأسنان ، اطبعي فكيك و أسنانك بإحكام كما لو كنت تعضين على شيء ما ، لاحظي التوتر في الفكين ( 5 ثوان ) والآن
دعي فكيك و استرخي و دعي شفتيك منفرجتين قليلاً ..

لاحظي التعار بين التوتر و الاسترخاء في منطقة الفكين ( 10 ثوان )

مرة أخرى إطبقي الفكين ، لاحظي ما فيهما من توتر ( 5 ثوان ) ، الآن دعي ذلك و اتركي نفسك على طبيعتها و استرخي أكثر فأكثر
(10 ثوان )

- الآن اتجهي نحو شفتيك ، اضعطي كل منهما على الأخرى بإحكام ، اضغطي كل منهما على الأخرى بكل ثقلك و لاحظي التوتر الذي بدأ ينتشر حول
الفم ، الآن استرخي وارخي عضلات شفتيك ، و دعي ذقنك في وضع مريح

مرة أخرى اضغطي على شفتيك ولاحظي التوتر المحيط بالفم ( 5 ثوان )
لاحظي كيف أن تلك العضلات قد بدأت تتراخى بد هذا الشد و الاسترخاء المتوالي .

الآن كلتا يديك ووجهك و ذراعيك و كتفيك و مختلف عضلاتك جميعها مسترخية في وضع هادئ و مريح .

- لنذهب الآن إلى الرقبة ، اضغطي برأسك إلى الخلف على المساحة التي تستند إليها .

إضغطي غلى أن تشعري بتوتر في خلف الرقبة و الجزء الأعلى من الظهر بالذات

استمري بذلك .
الآن ، دعي هذا و ارجعي برأسك إلى وضعه المريح .
حاولي أن تلاحظي الفرق بين التوتر و الاسترخاء العميق الذي عليه الآن ، استمتعي بذلك أكثر فأكثر و قولي
(( أنا الآن في وضع مريح ، هادئ ، مسترخي ))

خذي نفساً عميقاً ، عميقاً ، عميقاً

الآن مدي راسك إلى الأمام كما لو كنت ستضمين ذقنك إلى صدرك ، لاحظي التوتر الذي سيحدث في الرقبة
الآن استرخي .

دعي كل هذا ، و استرخي على طبعيتك ( 10 ثوان ) كرري لك ( 10 ثوان )
- الآن عضلات الجزء الأعلى من الظهر ، قوسي ظهرك ، قوسيه كما لو كان صدرك سيلتص ببطنك .

لاحظي التوتر في الظهر، خاصة الجزء الأعلى .

الآن ، استرخي ، عودي بجسمك غلى وضعه الطبيعي ، و مدي ظهرك في وضع مريح على الأريكة .
لاحظي الفرق بين التوتر السابق في الظهر و الاسترخاء الحالي ( 10 ثوان )

مرة أخرى كرري التمرين و لاحظي التوتر المستثار ( استمري قليلاً 5 ثوان ) عودي الآن بعضلات ظهرك إلى وضعها المسترخي و اتركي
كل شيء على طبيعته (10 ثوان )

- الآن يا سناء خذي نفساً عميقاً ، شهيقاً عميقاً ، ثم لاحظي أن التوتر قد بدأ ينتر في الصدر و في أسفل البطن ن الآن استرخي و كوني على طبيعتك،
اخرجي الهواء ، و استمري في تنفسك العادي ، لاحظي من جديد التعارض بين ما عليه الآن صدرك و بطنك من استرخاء و ما كانا عليه من توتر ( 10 ثوان )

كرري ذلك التمرين مرة أخرى .

- خذي شهيقاً عميقاً و اكتميه ، لاحظي التوتر و العلات التي تتوتر ، و الآن ازفري و تنفسي بطريقة عادية و مريحة ، و اتركي عضلات الصدر و البطن
في استرخاء أكثر فأكثر كلما تنفست ( 10 ثوان )

- ننتقل الآن يا سناء إلى عضلات البطن ، شديها إلى الداخل ، حافظي على هذا الوضع قليلاً .. الآن استرخي .
دعي تلك العضلات تتراخى ، استرخي و دعي نفسك على طبيعتها ( 10 ثوان )

كرري ذلك من جديد .

شدي عضلات بطنك بإحكام إلى أن تشعري بتوترها ، لاحظي هذا التوتر (5 ثوان )

الآن استرخي ، دعي كل شيء يتراخى في عمق أكثر فأكثر و أكثر ، توقفي عن الشد و تخلصي من أي توتر في أي عضلة و لاحظي التعارض
بين التوتر و الاسترخاء ( 10 ثوان )

- افردي الآن ساقيك و ابعديهما بقدر ما تستطيعين ، افرديهما حتى تلاحظي التوتر المستثار في منطقة الفخذ ( 5 ثوان ).

الآن استرخي و دعي ساقيك تسترخيان .

لاحظي الفرق من جديد بين التوتر السابق للفخذين و ما هما عليه الآن من وضع مريح ، و اسرتخاء محسوس (10 ثوان )

كرري ذلك من جديد .
الصقي ركبتيك ، ابعدي رجليك بقدر ما تستطيعين حتى تشعري بتوتر شديد في الفخذين ( 10 ثوان )
الآن استرخي ، ارخي عضلات جسدك ، دعي كل الأعضاء على طبيعتها .

- سنتجه الآن إلى بطن الساق ، حاولي أن تشدي عضلاتها ، اثني قدميك إلى الأمام في اتجاه الوجه .
انتبهي إلى أنك عندمنا تثنين قدميك في اتجاه الوجه ستشعرين بالشد و التوتر و الانقباضات العضلية في بطن الساق و في القصبة على السواء

الآن استرخي .
ارجعي بالقدمين إلى وضعهما السابق ، ثم احظي الفرق بين الشد و الاسترخاء (10 ثوان ) .
اثني قدميك إلى الخلف باتجاه رسغ القدم ، محاولة أن تجعلي أصابع القدمين ممتدة في اتجاه الرأس ، و لاحظي الشد في قصبة الساقين و بطنهما ، استمري قليلاً
الآن ارجعي إلى طبيعتك ، مسترخية بكل علاتك إلى وضعها السابق .

(( استرخي ، أعمق ، أعمق ، فأعمق ))

- الآن يا سناء كل مناطق الجسم مسترخية ، مع ملاحظتك الفرق بين التوتر و الاسترخاء .

لاحظي أنك تستطيعين ان تشدي عضلاتك و أن توتريها و بالقدر نفسه تستطيعين أن تسترخي بجسمك كله ، إنك تسترخين الآن ، ثم راجعي معي الآن من أسفل إلى أعلى ..
كل عضلات جسمك إذا لم تكن مسترخي فارخيها حالاً ..

لنبدأ بعضلات القدم ، و بطن الساق ، و الرسغ ، جميعها مسترخية (5 ثوان )
ارخي عضلات الفصذين و الركبة و بطن الساق و القصبة (5 ثوان )
ارخي العجز و الردفين (5 ثوان )
ارخي البطن و أسفل الظهر و الوسط (5 ثوان )
أعلى الظهر و الصدرو الكتفين (5 ثوان )
راحة اليد و الأصابع و الذراعين (5 ثوان )
الرقبة و الزور (5 ثوان )

جبهتك مسترخية (5 ثوان )

الآن كل عضلات الجسم مسترخية و مستلقية في وضع مريح ، استمري ي هذا الوضع المريح ، و سأعد من واحد إلى عشرة ، و في كل مرة حاولي أن تسترخي أعمق فأعمق
..1،2،3،4،5،6،7،8،9،10..

جميل أنك أخذت الآن قسطاً وفياً من الاسترخاء .
و قبل أن أعد ، العد التنازلي ، تحدثي معي مالذي تشعرين به ..
10،9،8،7،6، ..

سناء وفي نبرة ودعة تقول :
- أشعر أنني في عالم آخر ..
الدكتور مستجوباً :
- وكيف ؟
تهمس بهدوء :
- صفاء ، هدوء ، كأن الحياة حلوة ، جميلة .
و يؤكد الدكتور إحساسها :
- وهي كذلك يا سناء ، فكلما كان الإنسان صافي التفكير هادئ البال ، كلما كانت الحياة حلوة و جميلة ، و لكنعلينا أن نحافظ على ذلك الجمال و أن ننظر إلى الاشراقات الجميلة فيها و الايجابيات التي تلهمنا دائماً بالسعادة و التفاؤل ، و الآن قولي لي يا سناء .. ماذات تودين أن تفعلي الآن ؟
قالت سناء :
- أرغب أن أعود الى عمليو أن أهتم بنفسي و أن أحب الناس و لا أبالي بالمنغصات ، الآن أكون مع نفسي طيعة لينة ، و أن أرى الله بنفس واثقة من رحمته حتى يكون الله معي ، سأترك كل الهموم التي تؤلمني ، ليس من شيء في الحياة يستحق أن يأخذ من تفكيراً يوترني ، سأنتقي ناسي ، أفكاري ، سأنطلق بحرية و حيوية .
الدكتور مشجعاً :
- جميل يا سناء ، حافظي على هذا الشعول الجديد لأنه سيهزم اليأس و الإحباط من نفسك ، ستجدين الحياة ملية بالآمال و التطلعات الرائعة
الدكتور :
- والآن سأعد من 5 إلى واحد و عندما أصل إلى 1 افتحي عينيك ..
5 ، 4 ، 3 ، 2 ، 1
عيناك الآن مفتوحتان ، و أنت في كامل يقظتك و في كامل نشاطك .
تجيب سناء في مرح :
- شكراً لك يا دكتور ، إنني إنسانة أخرى ، لم أشعر بلك من قبل .

وفي طريقها إلى الانصراف قدم لها الدكتور شريط كاسيت قائلاً :
- ضعيه في سيارتك، اسمعيه دائماً فهو مريح للأعصاب .

اخذته متسائلة :
- هل هو شريط موسيقى ؟

ابتسم الدكتور :
- بل سور قصار من القرآن الكريم .

و دعته و انصرفت وهي في كامل حيويتها . تذكرت الإشراقات الجديدة ، و التطلعات السعيدة ، فربما غداً أروع من هذا اليوم ، و المستقبل أجمل من الحاضر ، فالسعادة إحساس قد يصنعه الإنسان في نفسه دون أن يملك مقومات الحياة المادية ، قد أمتلك كل شيء لكني لست سعيدة ، و قد لا أملك أي شيء و مع هذا سعيدة ، ستفهم الحياة بمنظار وردي بمقاييس القناعة التي ستزرعها في نفسها . ستحب نفسها كثيراً و ستعتني بجدتها المريضة ، أول قرار اتخذته و هي في طريقها إلى البيت ، أن تبتعد عن كل الأجواء المزعجة و التي تثير غضبها ، ستتخذ لها وظيفة مريحة ، تحميها من الضغوط النفسية ،
فكرت أن تستقيل من وظيفتها الحكومية ، لتبدأ بمشروعها الذي كانت تحلم به ، مشغل خياطة ، و مطعم لصنع المعجنات ، ستحميها هذه المشاريع من غدر الزمن و عوز الحاجة ، فقد جمعت ثروة كبيرة تؤهلها لأن تتحرر من القيود و الروتين و الرتابة ، لكنها الآن تخطط للسفر ، فهي تحتاج إلى إجازة طويلة لتسترد صحتها و عافيتها .. استقبلتها جدتها بفرح و سعادة ، فقد ردت إليها الحياة من جديد و انبعثت الحرارة في عروقها الميتة ، قالت و هي تتفحص هندامها أمام المرآة :

- استعدي للسفر إلى القاهرة يا جتي ، فأنا بحاجة الى راحة و استجمام .

تهلل وه الجدة .

- حاضر سأعد الحقائب يا ابنتي .

خطوات جريئة تتخذها سناء و هي في طريق التغير و النقلاب حتى يكاد يومها ينقضي دون أن تنجز أعمالها نشاطاتها ، أخذتها دوامة الحياة و انخرطت في أعمالها الكثيرة و مشاريعها المتعددة حتى نسيت نفسها ، ونسيت أن هناك هماً اسمه العنوسة ، فهو اصطلاح يطلقه الناس حينما يسترخون على مقاعدهم في بلادة و كسل ، فللحياة ادوار و عطاءات و مواقع ، و كل فرد يكمل الآخر ، و ما قدمته سناء في حياتها أثمر ينابيعاً متدفقة من الخير و العطاء ، فتركت هذا الإطار السوداوي المسمى بالعنوسة ، و انطلقت تغرف فيوضات إبداعها فقد اشتهر مشغلها و توسعت نشاطاتها ، إذ أسست حضانة كبيرة للأطفال و أشرفت عليهم كما لو كانت أماً لهم حتى كتب عنها الصحافيون و عرفت بحبها للخير و التضحية ،
فما الذي تغير في سناء .. هل هي جلسات الاسترخاء التي كانت تأخذها عند الطبيب ، أم استعدادها الكبير لأن تتغير وتتبدل أحوالها و تتحكم في تكوينها النفسي و تشطله في شاكلة جديدة

إن الله سبحانه وتعالى يقول : (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ))
لقد قتلت هذا الوحش المتطفل في أعماقها وتغلغل في شرايينها حتى شوه طباعها بطابع أسود ، بإرادتها بإصرارها ، بمعايشتها لظروف الخير و أجواء الر ، و عرفت أن الجمال كله في الخير ، و حب الناس ، وفي خدمتهم.

تذكرت مقولة الدكتور ، فيما قال لها يوماً (( أحب الناس إلى الله ، أنفعهم إلى الناس ))

تخلصت من العدوانية الشرسة و ارتدت ثياب الطهر و النقاء و الطيبة فاستكانت ملامح وهها ، و تبددت القسوة ، و توهج وجهها بنور داخلي متدفق من أعماق قلبها الصافي.
تفجرت فيها الأمومة ، ذلك الحنان المتأصل في كل أنثى ن أحسته مع أطفال الحضانة مع كل الناس .. كم هو عميق الإنسان و كبير في جوهره طالما عرف كيف يتغلغل إلى أعماق نفسه ليكتشفها عن قرب .

عادت مجالسها مرة أخرى و جمعت صديقاتها في حديقة المنزل ، و زينت الأشجار بمصابيح مضيئة بدت كحلة عروس تتلألأ في سواد الليل .. أصبحت الآن أماً ناصحة ، حنونة ، تقرأ الكتب الفكرية ، و البحوث الاجتماعية ، تبلورت الآ، شخصيتها كما لو كانت أستاذة حكيمة يلجأ اليها الناس طلباً للمشورة .

فالعنوسة ليست نهاية لأنثى ، بل هو بداية لتحدي مرحلة جديدة في الحياة و مقاومة التيار المضاد بإرادة قوية عزيمة ثابتة و الانطلاق في الحياة دون قيد اجتماعي ، و يمكن للانسان أن يتحكم في نوازعه النفسية متى أذابها في حب الآخري قد لا يكون هو البديل الأفضل ، لكنه الطريق الأسلم لرقي الإنسان و صعوده إلى الأعلى .

% نهاية القصة %


غناء الروح غير متواجد حالياً  
التوقيع
قيد التحديث
رد مع اقتباس
قديم 14-05-11, 03:06 PM   #6

غناء الروح

نجم روايتي وكاتبة في مكتبة روايتي وعضوة في فريق التصميم ومصممة بمنتدى وحي الخيال وموهوبة في مسابقة فطورنا يا محلاه

alkap ~
 
الصورة الرمزية غناء الروح

? العضوٌ??? » 113383
?  التسِجيلٌ » Mar 2010
? مشَارَ?اتْي » 9,966
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Palestine
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » غناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الحكاية الرابعة:

" مذكرات مراهقة "

لم أستطع أن أنم هذه الليلة , أفكر كثيرة تقلقني شعوري الكبير بالوحدة إحساسي القاتل بالضياع لم يعد أحد في هذه الدنيا يفهمني أمي تنتقص من شخصيتي دائماً وأبي يثير شفقتي ببرودته وسلبيه كل البنات في مثل عمري يترعن في رياحين الحب و الهناء أما أنا فوجودي كعدمه في هذا البيت هل سألت أمي عن معاناتي النفسية وأسبابها ؟!
هل جلس أبي يحدثني عن رغباتي وميولي ؟
لقد بلغت الرابعة عشر من عمري وأحسست أنني قد تغيرت في كل شيء بدأت أتحسس ان لي شخصية وكيانا لا ينبغي الاستهزاء بهما أقف أمام مرآتي لأتفحص علامات الأنوثة الصارخة ومطالبها الكثيرة , أرى أن طفولتي قد أدبرت وأيام جديدة في حياتي قد أقلت وإني أشتاق إلى معرفة هذا العلم الجديد الذي يضج داخلي , الفتيات في المدرسة يتداولن كتباً عاطفية ومجلات فاضحة ويقمن علاقات غير أخلاقية مع الشباب لكني أرف أن كل هذا عبث وأن ما يفعلنه في السر هو حتما شيء من الخطيئة يستهجنها الفكر و الوجدان لهذا أجلس كل ليلة مع قمري الحزين لأدون في دفتر مذكراتي معاناتي اليومية , لماذا أصحبت حساسة أكثر من أي وقت مضى أذرف الدمع عند ما تصرخ أمي وتناديني بعنف كما لو كنت طفلة .
اليوم كانت تتهامس مع خالتي , كنتُ في أد حالات الفضول لأستكشف ما هو السر الذي تأبيان أن أطلع عليه لكنها أي أمي بقسوة صرخة هيا اذهبي إلى غرفتك ! حاولت لتنصت عليهما لكنني فشلت , لكن كل الذي عرفته أن هنالك مشكلة في بيت خالتي , كنت أتمنى أن أشارك خالتي مشكلتها .. أن ابدي رأيي , قد يكون لها أثر عميق في حل المشكلة , لأني أقرأ كثيراً , وأسمع مشاكل البنات وقصص الأسر الاجتماعية , وما يحدث خلف الأبواب المؤصدة , فلست بساذجة أو صغيرة لأحاصر بحصار الطفولة وقالبها المحدود .
عندما أخاطب الكبيرات ينهرنني خائفات من التلصص عليهن كما لو كنت حشرة متطفلة , فأعود إلى البنات الصغيرات لأجد نفسي غير منسجمة معهن , هن في أجواء تافهة سخيفة أتضجر منها , ففرضت علي نفسي عزلة , جلست في غرفتي لأسمع الموسيقى الهادئة , لا أدري لم بدأت أسمع تلك الترانيم الحزينة وأدون في دفتري نبضات حزني ألمي وأبكي لأن هذا المخزون في داخلي أصبح كالطوفان .
قبل يومين احتفلت مع دفتري العزيز بعيد ميلادي لأن لا أحد في هذا البيت يتذكره فلت لأمي (( ماما .. اليوم عيد ميلادي )) ابتسمت ابتسامه متكلفة ثم مضت إلى المطبخ لتعد طعام العشاء , حتى عندما نأتي بشهادتنا كل شهر يطالع أبي على شهادة أخي حسام بشيء من الجدية و الاهتمام , رغم أنه طالب كسول , وأنا المتفوقة لا يعيرني أية أهمية , كلمة واحدة أسمعها ببرود (( شاطره يا نرجس !)).
صديقاتي في المدرسة يحصلن على الهدايا و الإطراء و التشجيع وقبلات التهاني , أما أنا فكأني عضو مشلول لا قيمة له ! زرت صديقاي منذ أيام ودهشت دهشة عجيبة لجمال غرفتها وديكورها الرائع , وألوان جدرانها الزاهية فقد خصصت لها أمها خزانة جميلة ومفارش مزركشة بلون الزهر , وسجادة ناعمة , وألعاباً وعرائس أحلام وحماماً خاصاً لها أدواتها الأنثوية الخاصة بها من مشط , وإكسسوارات , وصابون , وعطور , وكريمات , وبودرة , ثياب خاصة بمناسبات شتى , كنت أتطلع إلى كل هذا و الحسرات تأكل قلبي الصغير , كم أشعر بالمهانة و الإذلال , كم أحس بتفاهتي في ذالك البيت , بكيت كثيراً إذ أرى غرفتي الرمادية اللون , المحطة الروح , حزينة كالطفل اليتيم , لا روح فيها ولا بهجة الصبا , يشاركني أخي كل لوازمي من مشط ومنشفة وصابون , حينما نتشاجر تقف أمي موقف مؤيد لحسام .
هكذا أصبحت أفكر و أحترق حتى أدمنت على الطعام و التهمت الحلوى فتضاعف زني , وتألمت كثيراً لما وصلت إليه , وأصبحت هيكلاً كمثيري الشكل مثير اللأشمئزاز , أعرف أنني بدينة ولكن شيئاً ما في داخلي يتمرد على كل فرحة أو مسرة في حياتي حتى حدث ما أرقني هذا المساء !
فقد سخر مني والدي على العشاء قائلاً (( كفي عن تناول الطعام , لقد أصبحت كالبالون المنتفخ ! منظرك قبيح ))
, قهقه اخي حسام , وابتسمت أمي كما لو كنت عدوة لها أو خصماً في حلبة , جرحتني هذه الدعابة السخيفة فحذفت الملعقة بعصبية ولذت إلى كهفي الحزين لأبكي بحرقة , أصبحت أقرف من شكلي , ومن شخصيتي السلبية , هكذا فجأة وبدون مقدمات تحول البان إلى بالون منتفخ ! لم يشعرني أحد بأنوثتي و جمالي , لم تقل لي أمي يوماً شعرك طويل أجمل منه قصيراً , لم أفهم مواطن الجمال في روحي ووجهي , لم أتحسس كل هذا إلا في عيون تترقبني في الشارع , وتتلصص علي خفية , ولا أدري لماذا ؟ ! يكفي أن أشعر بالخجل و أتوارى بسذاجة , إذا أقنعت نفسي أن ما كنت أمقته و أستهجنه من قبل سأفعله الآن , كما تفعل البنات في مثل سني , لماذا أحمل نفي فوق طاقتي , فكل البنات سعيدات مرحات وأنا المنطوية , الكئيبة , حتماً هنالك خلل في شخصيتي , أريد من يسمعني , من يفهمني , أحب أن اعبر عن نفسي , ر بد أن يغوص شخص ما في ذالك المجهول القابع في أعماقي , ليقترب مني ويتحسس آلامي .
وتعرفت عليه في إحدى المحاولات العشوائية وأنا أدير قرص الهاتف , كان شاباً في الثلاثين , متزوج حديثاً , اسمه (( عادل )) حديثه عن نفسي كما لو كنت صائمة عن الكلام دهراً طويلاً . كان يسمعني ويتفهمني , حينما تثار المشاكل و الخلافات داخل البيت أجد صره الحنون ملاذي الوحيد , وسكنت إليه , وزادت الهوة بيني وبين والدي لم أعد أجالسهم أو أخالطهم استحوذ (( عادل )) على تفكيري .
التقيته في إحدى الحدائق مجرد نظرة عابرة لا أكثر كان يحاول أن يلقاني في بيه ولكني رفضت طلبه هذا وغرقت معه في في أحلام جميلة أتخيل نفسي بثياب العرس الجميلة يطير بي فوق السحاب .. احلق في فضاء حنانه حتى تنتابني حالة من الذهول و السرحان حينما امسك بكتاب المدرسة لأقرأ أجد عيني غائبتين في المجهول وعقلي شارد في التفكير به كرهت الدراسة فالسادة التي أعيشها ألذ بكثير من وجع القلب هكذا خيل لي وأدمنت سماع الأغاني العاطفية خاصمت الأحزان و الآلام دون رجعة سهرت الليالي أحدثه عبر الهاتف خلسة حتى ساعات الصباح الأولى . عشت لوعة الحب و آلام الوجد فأذهب إلى مدرستي صباحاً وأنا شبه غافية عينا محمرتان جسدي منهوك القوى عقلي مضطرب لاحظت مدرستي انخفاض أدائي في الامتحانات واصبحت قريبة من الرسوب وشخصيتي قد تبدلت فاتصلت الأخصائية الاجتماعية بأمي لتنذرها بالخطر وواجهتني أمي غاضبة لكني اسجمعت شجاعتي الشجاعة التي استلهمها من حب عادل لي ! دافعت عن نفسي وغيظ شديد وألهبت ضميرها بسياط التقريع و التأنيب فصفعتني صارخة (( سأقطع لسانكِ مرة أخرى أيتها الغبية ! )) .
هربتُ من أمي ومن نفسي ومن عالمي لأغرق في هوة الضياع وولعي المحرم صعدت الدرج بخطوات مضطربة خائفة كأني ألوذ بنفسي من آلام الواقع وارتميت على كنبة انتفض من النحيب وتذكرة عادل اشتقت لحنانه حاولت الاتصال به ظهراً أفضيت له بما آلت إليه ظروفي خفف عني الحزن وطلب لقائي بل أصبح غاضباً ليس كعادته يصر على أن نلتقي لكني خائفة وخوفي ليس منه بل من أمي أبي كيف لي السبيل إلى لقائه ووعدته بأقرب فرصة !كنه وعلى أثر ترددي في لقائه راح يتبرم من مكالماتي الهاتفية وخلته قد تغير حتى صرخ بي يوماً قائلاً : ((
لا ضرورة لمكالماتنا طالما لم نلتقٍ كأي حبيبين ! )) سئم مني بل أصبح يقفل سماعة الهاتف كلما هاتفته وتوسلت إله (( أرجوك اسمعني سأفعل كل ما تريد )) بكيت ترجيت صرخت طالباً لرضائه وفجأة وفي خضم ثورتي وحمم غيظي أتتني صفعة ساخنة على وجهي ويد قوية تمسك سماعة الهاتف وتقفلها بقوة التفت وإذا به والدي (( سافلة من هذا المجرم الذي كنت تحدثينه ! )) لم أدر ما يحدث لي لكمات قوية على وجهي أصابع حادة تشد على شعري صرخت صرخات كسيرة متوسلة (( أبي أرجوك كف عن ضربي )) حاولت الاختباء خلف باب الخزانة ولكنه شد ذراعي التي أحسست أنها قد شلت تماماً لا أدري ماذا يتراء لي صور سوداء ألوان باهتة سراب غثيان يطوف في أنفاسي .
سقطت على الأرض مغشياً علي سكرات الوهن تعصف بحسدي ودموع تنساب من قلب متوجع كسير الباب مؤصد وظلمة حالكة السواد خارج الدار ملامح عادل تطوف في ذاكرتي محياه وهو مدير عني ساخراً ! ارتميتُ على فراشي أفكر ظننتُ أن هناك يداً رحيمة ستأخذني إلى حضن دافئ انطويت على نفسي وكأن كل جدران الغرفة تحولت إلى ألسن حادة تتهمني بالخطيئة ودماء تسيل من فمي تشهد مذبح براءتي شعر أشعث مرآه يفزع قلبي ويذكرني برأس جنية شرسة ! خشيت أن تأتيني صاعقة اخرى لتحطمني ستبقى آثار الدم عالقة على وجهي لتحميني من الضرب ثانية ولتثبت استحقاق عقابي .
شعرت بالبرد انتفضت ارتعشت كل أوصالي رعدة تتناغم مع نبض حزين بقفز من بين ضلوعي خلته يصرخ بخوف بوحشة مزروعة في حتى الأعماق ولكني أكتمه حتى لا تشي الجدران بسر مذبحتي تمددت فوق الفراش كالمحنطة سامدة ساهمة تدور عيناي بجمود حول الجدران الكئيبة وأنهش بنظراتي المحدقة هذا الفراغ العريض الذي يلف حياتي . أتحسس بأصابعي الأجزاء المتورمة من وجهي وتنهيدة حارة أجترها من الروح الواهنة فالأفكار تعصف برأسي وتدوري بذاكرتي كدوي الرياح ثم تراخت حواسي المستنفرة واستكنت بهدوء فقد لفظت أنفاسي زبد الآلام لتترك في عروقي جرحاً نازفة تكتوي بنار العذاب ليل نهار غفوت فكان السباح مراً ثقيلاً أطبقت في ساكتة أهرب من نظرات أمي اللائمة ووجه أبي المكفهر كل هذا لا يعنيني لي يعد لي في الحياة ما أستعذبه وأحبه .
قالت لي أمي وهي تقدم لي كوب الشاي (( تناولي فطورك !)) زممت شفتي بتبرم وعدت لغرفتي كما لو كنت شبه ميتة حملت حقيبتي وأنا أفر إلى مدرستي صامتة متبرمة متحجرة في الظاهر منفعلة من الداخل المعلمة تسألني سؤالاً علمياً يخص الدرس أقف صامتة عاجزة عن الرد كالبلهاء لا أستطيع أن استجمع الصور و الأشياء في الذاكرة اللكمات شتتت معلوماتي وبددت قدرتي في السيطرة و التحكم بعقلي أعود إلى البيت بقلب كسير لا تنفرج شفتاي إلا عن تنهيدة أسف تصرخ في الضمير لا تهدأ ولا تستكين تنادي أمي (( تعالي لتناول الغداء )) أصمت حتى دون أن ألتفت إليها فصوتها كالشرخ الجارح في صدري يذكرني بجريمتها كنت لا أدري ماذا يحصل لنفسي ؟! فحالة الاكتئاب تنسج بخيوطها كالعنكبوت حول حياتي لتخنق إحساسي بالأمل ولأول مرة أشعر بقلق امي واضطراب أبي فقد ذبل وجهي واصفر لوني ويبس عودي وهاتف من أعماق الروح ينذر بالخطر أحسست بلوعة تعصرني كما لو كانت في صندوق مقفل يضيق بي حتى أكاد ألفظ نفسي حاولت أن أكتب بعضاً من الكلمات لأفجر كبتي الملعون الذي يتهددني كالوعد لكني أبكي ويسيل قلمي كأن يداً قاسية تطبق على كفي وتملي عليها اعترافاتي دون خجل .
لانت القلوب التي كانت يوماً ما مدبرة فقد بدأت أمي تتودد لي بحنان وراح اأبي يرشوني بابتساماته الدافئة لا حطم جدار الصمت الذي بنيته بإرادتي لكني سئمت قرفت من حياتي وعند ما يئسا من تجاهلي لهما لاذا بالسكوت و الانتظار كبرت الهوة بيني وبينهما رسبت في المدرسة وقررت أن أتغيب إنني الآن أتصرف بملء إرادتي أيام أوحد فيها بنفسي أقفل الباب هرباً من اللوم و التأنيب وأيام أخرى أنهض بجد ونشاط شيء ما في وجداني يذكرني بعادل سأعيش لألقاه ثانية . حاولت الاتصال به لكنه هرب تركني وعذابي فتراكمت أحزاني وتضخم حرماني ونشط إحساسي بالوحدة و الاغتراب أسمع الموسيقى الصاخبة التي تلهب مشاعري الدفينة لأفجرها وأنا في حالة هوس وهستيريا تأتيني لحظات مجنونة أريد فيها أن أخبط رأسي بالجدار تمنيتُ أن أمزق هذا الحجب السوداء التي تقف حائلاً دون رغباتي تصطخب هذه الحمم ثم تهدأ تثور ثائرتي حتى أخال أن كل الناس أعداء يتربصون بي فأود لو اصرخ بهم وأحطمهم فالآخرون هم الجحيم الذي يحرقني لكني أغفو بعد أن يتحول هذا البركان إلى دخان واهٍ وأرقد فوق وسادة من عذاب .
هكذا أضحت الحياة بالنسبة لي رغبة في الموت هذا المجهول الذي لم أذق طعمه لا بد أن فيه سر سعادتي التي افتقدتها في الحياة وخلاصي الأكيد من هذه الهموم دخلت في شرنقة غريبة صنعتها بميولي المزدوجة ورغباتي المقبلة المدبرة في آن واحد .
وذات ليلة وجدت نفسي تائهة ضائعة أخبط كموج البحر دون هدف أستعرض صور حياتي وشريط أيامي وذكرياتي فأراها سوداء قاتمة وقطار الزمن يسحقني دون رأفة يدوسني حتى لا أجد اليد الأمينة التي ترسو بي على ميناء آمن تخبطت هذه الليلة بأحزاني ودموعي استدعيت الأيام التي مضت بألم وقلبتها في ذاكرتي حتى شعرت بالذل و المهانة وجدت نفسي في غابة من أشوك يجرحني وخزها بقسوة فلا قلب رحيم يأويني أو صدر جنون يضمني رأيت الخاتمة أمام عيني أطياف سوداء تخلع ثياب الحداد على سماء حياتي فتناولت أقراص المنوم دفعة واحدة والتهمتها ولم أفق إلى على وجه أمي الشاحب و رأس أبي المطرق وسكون غريب يلف سريري في المستشفى ازددت نحولاً وشحوباً تبددت حيويتي ونضب دمي بدوت هيكلاً صغيراً متكوماً في خوف ولأول مرة أشعر بدموع أمي تترقرق صادقة وتدنو مني دنو المحبة فأجد شرخاً كبيراً يفصل ما بيننا لا أستطيع أن أحتويه أو أتعده لقد انكسر قلبي وتفتقت آلامي عن جراح صعب شفاؤها رست هذه السنة أيضاً بعد ما كنت طالبة متفوقة عدت إلى غرفتي ووحدتي ثانية لا تهز كياني دموع لاستعطاف التي تستدرها أمي فإن ما اجترعته من فساوتها كان كالسم الذي شل حياتي .
لماذا يا رب خلقتني ؟
لماذا أعيش في هذا العذاب ؟
الحزن يذيبني يوماً بعد آخر حتى أشارت معلمتي الحنون على أمي بعرض حالتي النفسية على دكتور استشاري متخصص في هذه المشاكل ليخرجني من ظلمات الحزن إلى نور السعادة و الأمل لكني لست مريضة أو مجنونة إنما إنسانة تحث عن ذاتها وتترقب المستقبل بشيء من الخوف و التمني !
أقفل الدكتور حسين دفتر المذكرات (( الذي دونت فيه نرجس مشوارها الحزين بعد ما قرأه مراراً حتى يستشف نفسيتها ويكتشف أعماقها ويسبر أغوارها فقد رفضت نرجس لقاءه متعللة بعدم حاجتها إلى هذا العلاج ولم تستطع الأم و المعلمة إقناعها فاستطاعت المعلمة بذكائها وحذاقتها أن تأخذ دفتر مذكراتها لتعرضه على الدكتور ليتم توجيهها ونصحها بالصورة السليمة .
فكر الدكتور طويلاً ثم أمسك قلمه وراح يكتب رسالة خاصة لنرجس يحاول من خلالها كشف الغمة السوداء عن قلبها وترطيب أجواء حياتها .

الأخت الفاضلة نرجس..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يمر الإنسان بمراحل غائية تبدأ من المهد إلى البلوغ ويجب على الفرد أن يتجاوز هذه المراحل دون عثرات اجتماعية وعقلية ونفيسة الأمر الذي يتطلب المساعدة من البيئة التي يحيا فيها الفرد وخاصة الأسرة ولذلك فإن المشكلة إلي بين يدي تكمن في البيئة الاجتماعية وفهم الفرد لذاته فالمعاملة القاسية وتجاهل الحوار معكِ من قِبل والديكِ أدى إلى نكوصكِ إلى مرحة عمرية أقفل من المرحلة العمرية التي تمرين بها فكانت تصرفاتك العشوائية دلياً على تفرغ ما بكِ من أحاسيس ومشاعر مؤلمة لأي شخص يشعرك بالأمان و الاطمئنان و الاستماع .

ولحل هذه المشكلة لا بد أن تفهمي المرحلة النمائية التي تمرين بها وهي المراهقة حتى يمكنكِ الابتعاد عن الوقوع بالاضطرابات النفيسة المتعددة .
إنما يعبر عن هذه المرحلة يا نرجس بالبحث عن الهوية .
فالفرد في هذه المرحلة يبحث عن ذاته ويحاول إيجاد الإجابة على عدة تساؤلات : من أنا ؟ ومن أكون ؟ وإلى أين أصير ؟ فإذا لم يجد الإجابة الوافية و المقنعة سيفشل في تنظيم صورة ثابتة عن ذاته ويشعر بأنه غير قادر على اتخاذ القرار الملائم الذي يتناسب مع قدرته ومعتقداته وميوله واهتماماته وعندئذ يتطور لديه الإحساس بالغمو1ض و الارتباك .
وهو ما حصل لكِ بالفعل يا نرجس عند ضعف شخصيتك أمام التصرفات الوالدية و الانعكاسات الذاتية للمواقف الحياتية التي تواجهينها . اعلمي يا نرجس أن هناك ثلاثة أنواع من الهوية هي :
1-الهوية المحصلة : وهي تعني أن افرد يتخذ خيارات واقعية من البيئة التي يحيا فيها ويتابعها .
2-الهوية المكبلة : وهي تعني حالة الذين لا يجربون هويات مختلفة ويحددون أنفسهم لتحقيق أهداف وقيم وممارسة أساليب الوالدين .
3-هوية غامضة :وهي تعني حالة الذين لا يصلون إلى إجابات محددة حول من هم ؟ ماذا سيفعلون بحياتهم ويملكون اتجاها محدداً فهم يعانون من عدم اتخاذ القرارات المناسبة في حياتهم.
ونظراً لأن الظروف الأسرية المحيطة بكِ لم تتح لكِ التعبير عن مشاعركِ وفهمكِ لنفسكِ وفهمك لمن حولك فإنك من النوع الثالث من الهويات الغامضة التي تجد صعوبة في اتخاذ القرار المناسب ويعتريها الصراع الداخلي .
وقد تسألين ماذا أعني بالصراع الداخلي ؟
إن الصراع (( Conflict)) ينشأ من افتقادكِ إلى الأمن و الشعور بالاطمئنان و الأمن يأتي أولاً من الأسرة من تلك البيئة الصالحة التي يتفاعل أفرادها نحو عمل الخير و الإقدام نحو التضحية وفهم الدور و الشعور بالتفاؤل.
أن عدم فهم كل عضو بالأسرة لدوره المناط به سيؤدي إلى ابتعاد الأعضاء عن بعضهم البعض ويزيد من الغيرة و الحساسية اتجاه النفس و الغير ويخلق جواً من الصراع الداخلي لك أفرادها .
وهذا الصراع يحدث بسبب رغبات الفرد واتجاهاته وهو سبب تكوين الذات العصبية و الذات العصبية تتكون من ثلاثة اتجاهات عصبية يتضمن كل منها عنصراً من عناصر القلق.
فالاتجاه الأول : يتصف بالتحرك نحو الناس ويرافقهم وقبول الحب و القرب من الناس والاعتماد عليهم .
و الاتجاه الثاني : يتصف بالتحرك ضد الناس على شكل قطع الرحم و الشعور بالعداء .
و الاتجاه الثالث : يتصف بالتحرك بعيداً عن الناس ويصاحبه الانطوائية و الشعور بالعزلة .
إذن القلق يا نرجس هو أساس العصاب و العصبي شخص جامد في سلوكه أسير الإنساني وقد تتحول الحاجة العصبية لدى الفرد إلى مطالب غير معقولة كأن لا يصبيه المرض أو يدركه الموت ويتمركز العصبي حول نفسه ويعيش في عالم الأوهام و الأحلام وتتحطم مطالبه بمواجهة الواقع فيشعر باليأس و الكآبة و العصبي يبتعد عن الطريق السوي للنمو و يقع في صراع يدفعه على الاتجاه غير الواقعي ويبحث عن الأمن و الأمان .
يا نرجس أنتِ تبحثين عن الأمن بتكوين علاقة مع شاب وشعرتِ من خلالها بالدفء وتحقيق الرغبة لكن ما الذي حصل ؟! تركك في أحلامكِ وأوهمكِ لأنها علاقة من طرف واحد مبنية على الصراع الداخلي .
فلأجدر بكِ يا نرجس إتباع الخطوات الإرشادية التالية :
1-التعرف على نفسك ( هويتك ) و التخلص من الاضطرابات و الكراهية و الخوف و هو ما يحتاج لمساعدة اختصاصي نفسي .
2-تكوين علاقة اجتماعية صحيحة
3-تكوين علاقات طيبة مع الأسرة و مع الآخرين .
4-ساعدي نفسكِ لاسترداد ذاتكِ وعمل تغيرات في نفسكِ لتتمكني من تحمل المسؤولية اتجاه مشكلتك .
5-التعرف على جميع النزعات العصبية التي تخذينا كحل لصراعاتك .
6-التعرف على اتجاهاتك المتضاربة حتى يمكنكِ من إلقاء الضوء على العملية اللاشعورية و الكشف عنها .
7-الكشف عن الدوافع اللاشعورية عن طريق التداعي الحر و الأحلام و الرموز .
8-العمل على شرح وتفسير جميع العوامل التي لها أثر في الانحرافات النفيسة .
9-العمل على سيادة استبصاركِ بمشكلتكِ و الابتعاد عن التناقض في أوالكِ وتقديم الافتراضات لحلول ممكنة للمشكلة .
10-‘جاد علاقة إيجابية اتجاه النفس و اتجاه الآخرين .
11-إيجاد جو دافئ وآمن بين أفراد الأسرة من خلال تكوين جلسات اجتماعية تحت عناية اختصاصي للعلاج .

و الله ولي التوفيق


د.حسين الطاهر

قرأت نرجس رسالة الدكتور وهي في حيرة من أمرها فكل كلمة طافت في روحها كالبلسم ودندنت كأنشودة عذبة في مخيلتها برما يد الغيب قد انبعثت إليها من جديد لتمسح معاناتها ترددت ما1ذا تفعل ؟! وكيف تتصرف ؟! ما هو السبيل لتمزيق هذه الشرنقة و الانطلاق في رحاب الحياة بتفاؤل و أمل ؟!
لقد قدمت لها المعلمة المخلصة رسالة الدكتور لتتفهم أزمتها وأن ما تمر به الآن هو مرحة عارضة شجعت معلمتها و والديها لمقابلة الدكتور وقد حملهما مسؤولية انحراف نفسية الفتاة فأرشدهما إلى سبيل لاحتضان همومها واحتواء مشاكلها و الصبر على هذه المرحة الحرجة بينما كانت المعلمة تساعد نرجس في فهم دروسها من جديد وتريب حياتها وتنظيم أمروها بالتعاون مع البيت .
استطاعت نرجس أن تظهر بعضاً من التقدم في صحتها النفسية كانت تشتكي لمعلمتها كل ما تعانيه في البيت و قسوة المعاملة التي نفرتها من الاجتماع بالأسرة فخططت المعلمة وبصورة غير مباشرة على تنبيه الأم على بعض منغصات الفتاة فقام والدها بشراء أثاث جديد لغرفتها وترميمها وطلاء جدرانها لتحديد بعض من اللين و الرحمة لتكسر الحواجز التي فصلتها عن ابنتها ..
عادت نسمات الربيع تتسلل إلى حياة نرجس لتوقظ فيها نشوة الحيوية فانخرطت مع زميلاتها في أحد الأندية الصيفية الرياضية لتستعيد رشاقتها ونضارة وجهها . وضلت الأم تترقبها عن بعد حتى لا تدع شيئاً من الفراغ يغزو روحها فتكل وتيأس شجعتها على دخول المطبخ وعمل الأطباق الشهية و الحلويات وبارك والدها خطواتها الإيجابية وانحسرت المساحة الفارغة التي تقف بينها وبين أمها إنها كالفراشة الرقيقة تطوف في أجواء المنزل اشترت النباتات الداخلية لتعتني بها واقتنت بعض التحف من المعرض الدولي الذي أقيم في البلد عشقت الطيور فشترت بعضاً منها صار لوجودها حرارة وتفاعل حتى أنها عند ما قرأت مذكراتها يوماً ضحكت ملء فمها ما هذا الهراء الذي كنت تكبته الحياة الآن أجمل بكثير و السعادة التي تحسها هي وقع نحن نخططه ونسعى له .
نجحت في امتحاناتها بتفوق فأقامت لها والدتها حفلة رائعة دعت فيها كل صديقاتها الآن صار لحياتها هدفاً ومهما كانت العثرات يجب أن تسعى نحو هذا الهدف بإرادة صلة وتقاوم كل عوامل اليأس و الإحباط (( هل تحتاج الآن إلى حب يشعرها بالدفء و الأمان . نعم تحتاجه وكن بالوسائل المشروعة لتكتمل صورته المثلى ويحقق الرجاء الذي تبتغيه كل أنثى فهذه الذئاب البشرية تقف وراء أسوار البيوت الآمنة في ظلمة الليل يتلصصون خلسة عبر المنافذ و الفوهات لاقتناص فريسة سهلة الانقياد لإشباع رغباتهم المريضة وشهواتهم الآسنة بإسم الحب و الأمان و الاطمئنان فالحبيب المخلص يطرق الباب ويدخل البيت بالأسلوب الشرعي وفي وضح النهار وغير هذا غبث وطيش وابتزاز الإشباع العاطفي إلا يمنحه لا زوج المستقبل الذي سيبني للفتاة الموعودة عشاً جميلاً وملكها قلبه وروحه وأمنه .
هكذا حدثت المعلمة تلميذتها (( نرجس )) حينما سألتها عن الحب .. فقداً تشرق شمس الحب مع زوج المستقبل حينما يأتيها فارساً شهماً يطير بها في سحاب الجمال و الروعة بمباركة الله و الوالدين و الناس.


% نهاية القصة %


غناء الروح غير متواجد حالياً  
التوقيع
قيد التحديث
رد مع اقتباس
قديم 14-05-11, 03:10 PM   #7

غناء الروح

نجم روايتي وكاتبة في مكتبة روايتي وعضوة في فريق التصميم ومصممة بمنتدى وحي الخيال وموهوبة في مسابقة فطورنا يا محلاه

alkap ~
 
الصورة الرمزية غناء الروح

? العضوٌ??? » 113383
?  التسِجيلٌ » Mar 2010
? مشَارَ?اتْي » 9,966
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Palestine
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » غناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond reputeغناء الروح has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الحكاية الخامسة:

" فريال "

قصة ((فريال))

قال الله سبحانه وتعالى:
((إن الله لا يُغيّر ما بقومٍ حتى يُغيَّروا ما بأنفسهم)).

من قاع الحرمان، ومن بين أنقاض الضياع والأسرة المقطعة الأوصال تنبت زنبقة بيضاء كبسمة الفجر حينما تشقشق عن ليل دامس تبصر حولها بيتاً بلا قيم وأرضاً بلا جذور وبانكسار تبحث عن حضن أم غلبتها أنانية متهتكة فتركت باب البيت مشرعاً نهباً لرياح الفساد تخلخل بنيانه وتصدع جدرانه ولا شيء غير الإهمال والتشرد.
كبرت ((فريال)) بلا حنان وبلا قيم تأكل وتشرب كأي كائن مادي تنمو حواسه الحيوانية وتتفتق في أعماقه رغبة جامحة في التهام الملذات، ليس ثمة ضوابط عقلية أو روادع نفسية تكبح هذه النوازع وتلجم صهيل الشهوات، الروح الطيبة ترفل في سماء حياتها ((فاطمة)) الخادمة الهندية تعبق بذلك الوفاء المتأصل في فطرتها نحو ذلك البيت الذي حوّلته الأم إلى وكر عربدة صديقات همشتهن الحياة وألقتهن على الأرصفة العتيقة، بقايا استحالت مع مرارة الزمن إلى كائنات ملغومة بالحقد تنسف كل القيود التي تحد جموحهن الأحمق.و((أمها)) ترملت شابة فانبسطت لجمالها أجنحة الطمع تحتويها بجنون وتأخذها إلى كل حلم يدغدغ ذاكرتها وهي رهينة رجل طيب فقير طوق هذا الجمال المتمرد بذراعين رخوتين.
الخادمة ((فاطمة)) تلازم فريال كظلها مذ أن كانت غضة ملفوفة في قماطها الأبيض، هوت بها الأم الجحود في قاع الحرمان ((خذيها واسقيها الحليب)) قد جففت الحليب من ثدييها خشية أن يَتشوّه معالم الجمال فيه لتنطلق في جولاتها المتهورة وهي نفساء هادرة الرغبات ((الخادمة)) تحتضن الرضيعة التي برّح بها الجوع والحرمان في نوبات بكاء متشنجة تكابد حيرتها وإهمال الأم المفرط.
في ربيعها السادس عشر تفجرت كنوزها الأنثوية لترسم في تكوينها البديع جمالاً متفرداً في تعابيره وخوف فاطمة يكبر والرعب يتحول إلى مواجهة عاصفة بينها وبين الأم فكان قرار التسفير الجائر أسقط ((فريال)) في قعر الحزن الممض ففاطمة كانت الأمل الذي يتبرعم في هذا البيت القاحل اجتثت الأم جذوره من الأعماق.
شاهدنها النسوة تعبر عيونهن المنبهرة في حسنها الوضّاء، فانحبست أنفاسهن في صدور ضاق بها الحسد ((أهذه إنسيّة أم حوريّة؟)) اشتعلت الغيرة في قلب الأم واستبدت بها أنانيتها البغيضة فحجبتها عن الظهور أمام الضيوف.
تعلمت ((فريال)) في ظروف وعرة ونتائجها صادمة لتوقعاتها، فذهنها متعكّر بالهموم والقلق وعيناها بحيرتا دمع لا تفتأ أن تفيض كلما داهمها رعب الأم تضربها في انفجاراتها العصبية المشتتة الدوافع، أصرّت على النجاح وشقت بين الصخور نهراً صغيراً فيه الأمل.
التحقت بمعهد المعلمات بنسبة ضئيلة وانطلقت في حياة جديدة مصقولة بنضج فاتن وبينما هي تخرج من باب المعهد تماشي صديقتها ((عبير)) لمحت ذلك الشاب المريب ظل يترقب إطلالتها فعرفت أنه شقيق ((عبير)) وصارحتها برغبة أخيها في الزواج منها، وفكرت ملياً في حياتها المضطربة فوجدت أن زواجها هو المخرج الوحيد الذي سينتشلها من مستنقع الهاوية.
تزوجت ((عدنان)) رجلاً عابثاً.. متكاسلاً، نزوي الطبع، منغمر في الملذات البهيمية وكانت نزوته الدنيئة مع الخادمة طعنة جارحة في صميم كبريائها بكت وكبدها يتلظى من وقد الألم ((ما أسوء حظي ما أتعسني من امرأة)) تفانت من أجل أن يستقر بيتها وغضت الطرف عن عيوبه وطّنت نفسها على طبعه وتكيفت مع تقلباته المزاجية كي تستقيم حياتها وتركن إلى شاطىء الأمن والسلامة.
حملت بإبنها ((طلال)) فرحة عمرها قد وطّن قلبها على الغفران لأبيه واحتساب الصبر استثماراً لاستقرار أبدي، أخلصت بعطاء نادر وجهاد في ورع، احتوت بيتها بدفء قلبها ورهافة روحها.[ذات مساء عادت من المستشفى إلى بيتها تحمل ابنها المريض مرهقة متهالكة تجرّ ساقين مكدودتين وفوجئت بمشهد عذابها الذي أباح دم كرامتها في بيت الزوجية صرخت بدوي هيستيري وانهالت عليهما ضرباً ((حقيرة، نذل، جبان...)) ما الذي ينقصك؟ جنونها الهادر متواطىء مع بغتة المشهد صفعها ثم شدها من ذراعها نحو الباب ((اخرجي أنتِ طالق، طالق، طالق،)).
صراخها الأمموي ينخر في عباب الضجة ((ابني طلال)). ويدفعها خارج الدار ((اخرجي اخرجي، حشرة، نكرة))، فتاهت بين دروب الضياع بلا مأوى ولا رجل مشتتة العقل وفكّرت أن تعود لأمها حينما عرفت أنها قد تزوجت وحدست أن الزواج قد أضفى عليها شيئاً من الرحمة والغفران.. طرقت ((فريال)) الباب وباغتها الزوج الذي شهق من هول جمالها وخلفه الأم المرتبكة ((ما الذي أتى بكِ في هذه الليلة؟)).
وتسمّر الزوج في مكانه مشدوهاً ((ادخلي يا ابنتي)).
أدخلتها الأم على مضض وحضورها المبهر يستثير غيرتها على زوجها الذي ما استقرت رغائبه في استمالتها.
بحثت عن عمل فإذا بالعروض تنهال عليها تباعاً، رؤوس كبيرة عبّدت لها الطريق وذللت لها منافذ العبور إلى القمة، فجمالها كان تأشيرة مرور نحو آفاق كثيرة. المدير العام لهذه الشركة استأثرها لنفسه ((سكرتيرة خاصة)) حسدتها النساء فهي ما خطرت في مكان حتى كانت لكل رجل مطمع واستباحها سوق النخاسة الذي حوّل المرأة إلى سلعة رخيصة تُسعّّر وفقاً لمقاييسها الجسدية.
استوعبت اللعبة وقررت أن تعيش في سياق هذا العصر الحسي النزعة وهوت بنفسها في هذا البحر الزاخر بالنعيم والمسرات فقد وهبها الله ثروة تفوق ثروات العالم الثالث كما قال أحد المنتفعين المبتذلين. ثم شرعت تستظهر مخالبها الأنثوية ومقالبها المتفننة لاستدراج رجال من الوزن الثقيل وهجرت أمها بعد أن استأجر لها مديرها شقة فخمة في حي راق.
صادف أن التقاها شاب من بلد عربي يعمل في السلك الدبلوماسي نبض قلبها بالحب نحوه واستشعرت رغبتها في الاستقرار ثانية. هفهفات طيبة من روح فاطمة مربيتها تهدهد روحها التواقة إلى حضن أسرة وعطف زوج اقترنت به وكان الثمن طردها من الشقة وإقالتها من العمل وما هي إلاّ أيام ظنت نفسها أنها بلغت نعيم الجنة حتى كشفت خبيئته، متورط في مشاريع مشبوهة بتغطية أحد الأثرياء الذي دعاه ذات ليلة على وليمة عبّرت عن خسة أصله ودناءة خُلقه! وهالها خبر حملها من هذا الزوج المريض الذي أدمن على كل المحرمات ولوث فطرتها الميالة للسكون والتوبة.
بكت بأسى وبعويل يصدع القلوب ((متى أستقر يا ربّاه؟)).
عادت تبحث عن عمل جديد والذئاب تنهشها والعيون تغرس سهامها المتوحشة في لحمها، عرضوا عليها التمثيل وكل صنوف الغواية التي تحوّل كرامتها إلى أشلاء.
إنها تراوح بين الرفض والخضوع هي في الظاهر أمها المتمردة على القيم وفي باطنها ((فاطمة)) المؤمنة المتباكية في الصلاة ترتّل التعاويذ والأذكار حينما تأخذها إلى الفراش مازالت حاضرة بسمرتها الداكنة وخمارها الأسود. افترستها الأحزان فوهن جسدها الجائع الذي لفظ الجنين واستحوذتها كآبة قاتمة امتصت نضارتها وجففت رواءها- عرضت نفسها على طبيب نفسي قد لفّها بشرنقة الحيرة ليجتذبها إليه محتاجة فبدت مستسلمة لفنونه المغلفة بالسحر وظل يلاحقها بجنون ويتودد إليها تحت ذرائع غامضة فتركته متخبطاً في أهوائه. عادت لتستأجر ملحقاً صغيراً في أحد المنازل اتخذته مأوى لوحدتها ودفئاً لبرد وحشتها... هذه الليلة داهمتها حُمى أبلت عظامها وأدخلتها في غيبوبة حلم، نامت وعيناها طائراً حيرة تبحثان عن شاطىء فاطمة فهتفت بلوعة، متراخية بين اليقظة والغفوة ((أين أنتِ يا فاطمة))..
ارتعدت والعرق يتصبب من بدنها، تلهث، مذعورة ((فاطمة، فاطمة)) فاطمة تخاتلها بثوب أبيض تسقيها شربة من حليب مصفّى ((اشربي يا فريال)).
إنها تنتفض، تبكي ساهمة يجتذبها نداء خفي ونور يسطع من بعيد، وثَبَت كمن لدغتها أفعى، ثم وقفت أمام المرآة متحفّزة تعنف نفسها:
((ما قيمتي وقد طواني جمالي في قبر من شهوات الرجال، ما أتعسني من امرأة، من أحبني؟ من احترمني؟ من أخذني دون ثمن؟!)).
ثم هوت على الأرض باكية، نادبة، منتحبة ((يا رب تعرف أنني أمقت تلك الحياة الوضيعة، غداً سأخسر كل شيء وأتحوّل إلى نكرة مرمية على رصيف الحياة)).
وقررت ((فريال)) أن تعبر نحو الرصيف الآخر حيث الأمن والطمأنينة فكرت أن تزور إمام المسجد في الحي الذي تقطنه، وجلست بين يديه تقر ذنوبها، ووجعها الدامي، بارك خطوتها وأسبغ عليها شيئاً من فيوضات الله عبر آياته التي تستحث على التوبة مهما أسرف العبد في الذنوب والآثام فحدثها عن العفة والحجاب وارتدائه يعتبر نقطة تحوّل تأخذها إلى حياة الطهر والسعادة.
اغتسلت ((فريال)) غُسل التوبة وصلّت ركعتين أحست بارتياح لم تشعر به من قبل، نور يتغلغل إلى عتمة قلبها فيضيء كل جنباتها إنها في ربيعها الثلاثين وقد اختزنت تجارب مهجنة بالعذاب هدتها إلى حقيقة الحياة.وامرأة في ذروة الحسن والطلة البَهيّة المرشحة لأن تتبوء عرش الجمال إن استجابت تخرج من جوف الرذيلة إلى شق النور، وتقرر بصلابة وشموخ فاطمة أن ترتدي الحجاب متشحة بعباءة الطهر- منطلقة في رحاب الله عابدة، متبتلة لا يُرى منها إلاّ قرص وجهها الملائكي المجلل بالسكون المهيب.
ولّى عنها الاضطراب دون رجعة، تخلصت من الأقراص المنومة والمهدئات فإذا بهذا الانقلاب الهائل في حياتها يلقيها في مرافىء السكون والهداية، بحث لها إمام المسجد عن مهنة تسترزق منها وتقيها ذلّ الحاجة، عملت سكرتيرة في مدرسة بنات وتجلى بعد فترة لطف الله سبحانه ورحمته إذ خطبها شاب متدين قد توفت عنه زوجته، اقترنت به وذاقت معه رحيق الحب وشهد الحنان، تفانى في حبها وأغدق عليها نعماً ومسرات لم ترها في حياتها قط.
بعد سنتين من زواجها داهمها المرض الخبيث وعاشت تصارع الألم المرير في صبر وجلد وفي حضرة الحب المقدس يغمرها الزوج برعاية جمة تهمس في لحظاتها الأخيرة مودعة حياتها بين يديه:
((الحمد لله أنني مفارقة الدنيا وأنا في نعمة الإيمان مطمئنة إلى رحمة الله وبلائه في مرض عضال كفّر عن ذنوبي ومحى سيئاتي وأشكرك لأنك أذقتني ولأول مرة في حياتي طعم الحنان، أحمد الله كثيراً أن كانت توبتي متناغمة مع سياق القدر الذي كان يخبىء حتفي الأبدي بهذا المرض، الحمد لله أن كافأني الله عز وجل في خاتمة حياتي بأحسن مكافأة.

% نهاية القصة %

وأتمنى أن تكون الحكايات نالت إعجابكم.


غناء الروح غير متواجد حالياً  
التوقيع
قيد التحديث
رد مع اقتباس
قديم 18-04-13, 09:42 PM   #8

مغرمة قصص

? العضوٌ??? » 6598
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 23
?  نُقآطِيْ » مغرمة قصص is on a distinguished road
افتراضي

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

مغرمة قصص غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-04-13, 10:03 PM   #9

بيلاسان
alkap ~
 
الصورة الرمزية بيلاسان

? العضوٌ??? » 239980
?  التسِجيلٌ » Apr 2012
? مشَارَ?اتْي » 656
? الًجنِس »
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » بيلاسان is on a distinguished road
¬» مشروبك   star-box
¬» قناتك max
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

بيلاسان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:22 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.