|
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() | #1 | ||||
![]()
| ![]() صُوَرٌ رَتِيبَةٌ .. فَمَنْ يُمَزِّقُهَا .. !؟ .. كَعَادَتِي نَهَضْتُ هَذَا الصَّبَاحَ عَلَى مِزَاجٍ أَسْوأَ مِنْ مِزَاجِي فِي الصَّبَاحِ الَّذِي سَبَقَهُ ، إِحْسَاسٌ شَارِدٌ يَلُوكُنِي ، يَصْطَنِعُ فِي أَرْجَائِي الوَاهِنَةِ خَرَابًا مُطَلْسَمًا . ذَلِكَ لأَنَّ أمَلاً فِي حَيَاةٍ كَرِيمَةٍ لا يَزَالُ يُرَاوِدُنِي بِإِغْرَاءٍ شَدِيدٍ . هَذَا الأَمَلُ الَّذِي كَادَ أَنْ يُصْبِحَ كَمِثِلِ خُرَافَةٍ لِمُسْتَحِيلٍ سَخِيٍّ .. فَرُحْتُ أَرْكُلُ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ أُصَادِفُهُ أَمَامِي. " لاَ تَقْلَقْ " .. هَذِهِ الكَلِمَةُ الجَاثِمَةُ عَلَى عَرْشِ قَلْبِي دَهْرًا غَابِرًا ، كَرِهَتْنِي قَبْلَ أَنْ أَكْرَهَهَا ، وَأَصْبَحَتْ تَتَمَنَّى لِي التَّمَلُّصَ مِنْ نِزَاعِ الرُّوحِ المَرِيرِ وَالدَّائِمِ لِهَذَا المَشْهَدِ الرَّتِيبِ ، وَالَّذِي تَرَعْرَعَ فَتًى عَنِيدًا ، مُتَعَنِّتًا فِي مَنْزِلِ فُؤَادِي الشَّقِيِّ. كَانَ صَبَاحِي عِبَارَةً عَنْ كَوْمَةِ خُيُوطٍ ، مُتَدَاخِلَةِ الأَطْرَافِ ، مَجْهُولَةِ الرَّأْسَيْنِ . لِذَا لَمْ أَسْتَطِعْ تَحْدِيدَ مَا أَفْعَلُهُ ، وَلاَ مَا هُوَ رَأْسُ أَوَّلِ شَيْءٍ أَبْدَأُ بِمُجَابَهَتِهِ ؟ . كُلُّ صَبَاحَاتِي ، بَلْ كُلُّ أَيَّامِي ، صُورَةٌ طِبْقٌ لأَصْلِ سَابِقَتِهَا : أَنْتَ أَيُّهَا الصَّانِعُ شَايًا لِلْحُلُمِ : " مَاذَا سَتَفْعَلُ لَوْ أَنَّكَ تَرَى فِي مَنَامِكَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَحْلاَمًا رَتِيبَةً ؟.. مَاذَا سَتَفْعَلُ ؟ أَجْبْنِي بِكُلِّ صِدْقٍ وَإِخْلاَصٍ ؟ .. طَبْعًا سَوْفَ تَنْبُذُ -مِنْ غَيْرِ شَكٍّ- هَذَا الَّذِي نُسَمِّيهِ مَجَازًا " لِبَاسَ الرَاحَةِ أَوِ الاسْتِرْخَاءِ الحَمِيمِ ". أَنَا الشَّابُّ الَّذِي يُطِلُّ عَلَى شُرْفَةِ المَلَلِ الفَاتِكِ ، أَنَا الشَّابُّ الَّذِي يَخْطُو خُطُوَاتٍ مَطَّاطِيَةً فِي دُرُوبِ قَرْيَتِي التَّعِيسَةِ . إنَّهَا قَرْيَةٌ مَرْسُومَةٌ فِي شَكْلِ شَارِعٍ وَحِيدٍ ، كَئِيبٍ وَ يَتِيمٍ . كَكُلِّ مَرَّةٍ صَبَاحِيَةٍ أَسِيرُ مُكْرَهًا ، مُرْغَمًا إِلَى مَقْهَى البُؤْسِ وَالحِرْمَانِ ، حَتَّى أَتَمَكَّنَ مِنْ رَشْفِ مَرَارَةِ قَهْوَتِي . أَشَرْتُ إِلَى النَّادِلِ مُحَرِّكًا يَدِي عَلَى شَكْلِ زَاوِيَةٍ مُنْكَسِرَةٍ ، وَأَنَا أُحَاوِلُ أَنْ أَتَسَتَّرَ فِي طَلَبِ قَهْوَتِي المَطْلِيَّةِ بِزَيْتِ الوَقَاحَةِ الأَلِيفَةِ ، فَيَرْتَدُّ زَئِيرُ صَاحِبِنَا مُزَمْجِرًا : " الثَّامِنَةَ .. أَمِ السَّابِعَةَ .. أَمِ .. " . " مَرَّ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ أُسْبُوعٍ مُوجِعٍ وَأَنَا أُمَارِسُ طُقُوسِي الجُنُونِيَّةَ الرُّوتِينِيَّةَ مَعَ فِنْجَانِ القَهْوَةِ مُتَخَفِّيًا ، وَمِنْ دُونِ أَنْ أَدْفَعَ حُقُوقَ حُضُورِ مَرَاسِيمِ هَذِهِ العَادَاتِ الطَّاعِنَةِ فِي الرَّتَابَةِ الْيَوْمِيَةِ السَّافِرَةِ ". كَلاَمُ النَّادِلِ جَعَلَ كَلِمَاتِي تُحْتَضَرُ فَوْقَ فِرَاشِ لِسَانِي لِتَطْفُوَ عَلَى سْطْحِ وَاجِهَتِي حُمْرَةً فَاتِحَةً ... لِأَنْصَرِفَ بَعْدَ أَنْ يُوْمِئَ صَاحِبُ المَقْهَى بِكَتِفَيْهِ ، ثُمَّ يُثَنِّيَ بِهَزِّ حَاجِبَيْهِ ... أَنْصَرِفُ وَأَنَا أَجُرُّ وَرَائِي ذَيْلاً طَوِيلاً مِنَ ذُيُولِ الخَيْبَةِ الفَظِيعَةِ وَالخَجَلِ المُرِيعِ . ... نَظَرَاتِي تَرْمُقُ هَذَا البُؤْسَ الحَضَارِيَّ الرَّهِيبَ : تَبًّا لَهُ وَسُحْقَا .. لاَ شَيْءَ يُذْكَرُ فِي هَذِهِ القَرْيَةِ المِسْكِينَةِ سِوَى رَصِيدٍ ، يَزْدَادُ رَقَمُهُ تَضَخُّمًا عَلَى مَرِّ الأَيَّامِ وَالأَسَابِيعِ ، إِنَّهُ رَصِيدٌ فِي حِسَابِ الدَيْنِ الَّذِي اقْتَرَفْتُ – وَ مَازِلْتُ أَقْتَرِفُ - إِثْمَ طَلَبِهِ مِنْ بَنْكِ قَهْوَةٍ أَرْتَشِفُهَا مُرَّةً بِغَيْرِ سُكَّرٍ حَتَّى أَدْفَعَ ثَمَنًا أَقَلَّ ، وَلَيْسَ يَتِمُّ لِي ذَلِكَ إِلاَّ بَعْدَ جَوْلاَتٍ مَارَاطُونِيَّةٍ مُرْهِقَةٍ مِنَ التَّلَطُّفِ أَوِ التَّطَفُّلِ الشَّهِيِّ أَمَامَ فَخَامَةِ النَّادِلِ المُحْتَرَمِ. " عَادَةً مَا يَرْتَشِفُ كَثِيرٌ مِنَ المُبْدِعِينَ قَهْوَتَهُمْ مُرَّةً حَتَّى يَتَمَكَّنُوا مِنْ مُمَارَسَةِ طُقُوسِ التَّلْقِينِ المُبْدِعِ فِي حَضْرَةِ أَسَاتِذَةِ العَبْقَرِيَّةِ النَّادِرَةِ وَأَسَاطِينِ التَّمَيُّزِ الفَرِيدِ ؛ إِلاَّ أَنَا .. وَمِنْ غَرَابَةِ الصُّدَفِ ، فَإِنَّنِي أَرْتَشِفُهَا مُرَّةً لاَ لِشَيْءٍ إِلاَّ لأُعَكِّرَ جَوَّ هَذِهِ الرَّتَابَةِ الفَسِيحَةِ ، وَأَجْلِسَ عَلَى مَقْعَدِ المَنْفَى المُثْخَنِ بِالأَوْجَاعِ المُزْمِنَةِ ، مُحْتَفِلاً بِهَذَا الخَرَابِ الكَبِيرِ " . فَتَبًّا وَسُحْقًا وَوَيْلاً لِهَذِهِ الوُجُوهِ المُؤَهَّلَةِ أُلْفَةً تَكْوِينِيَّةً بِتَقْدِيرٍ مُمْتَازٍ .. مُعْظَمُ هَذِهِ الوُجُوهِ مُتَحَصِّلَةٌ عَلَى شَهَادَاتٍ جَامِعِيَّةٍ ، لِتَجِدَ نَفْسَهَا مُكَدَّسَةً فِي المَقَاهِي تُغَازِلُ آَخِرَ خَبَرٍ لِلْفَجِيعَةِ المَذْعُورَةِ فِي سِيَادَةِ التِّلْفَازِ المُحْتَرَمِ ، وَالَّذِي أَصْبَحَ المَلاَذَ الوَحِيدَ لَكِ أَيَّتُهَا الصُّوَرُ الرَّتِيبَةُ الَّتِي تحيى يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ عَلَى شَبَحِ مُمِلٍّ وفُتُورٍ كَثِيفٍ. كُلُّ شَيْءٍ بَاقٍ عَلَى حَالَتِهِ السَّابِقَةِ ، النَّاسُ هُمُ النَّاسُ ، الحَوَانِيتُ الصَّغِيرَةُ ، المَقْهَى أَوْ نِصْفُ المَقْهَى كَذَلِكَ لَمْ تَتَغَيَّرْ ، بَلْ حَتَّى تِلْكَ الحُفْرَةُ المُقَابِلَةُ لَهَا تُلْقِي عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَأَنْتَ تَهُمُّ بِتَطَفُّلِكَ المُعْتَادِ عَلَى قَهْوَةٍ بَاتَتْ هِيَ مُزَوِّدَكَ الوَحِيدَ لِتُوقِفَ هَذَا العَطَبَ الكَبِيرَ الَّذِي أَصَابَ العَالَمَ بِأَسْرِهِ بِأَنْفْلِوَنْزَا الأُلْفَةِ بِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بَاقٍ عَلَى حَالَتِهِ الطَّبِيعِيَةِ . تُسَلِّمُ عَلَيكَ الحُفْرَةُ فَتُسْقِطُكَ أَرْضًا وَكَأَنَّهَا تَحْتَجُّ عَلَى طَلَبٍ لِتَغْيِِيرِ إِقَامَتِكَ مِنْ بَلَدِ الرَّتَابَةِ إِلَى دَوْلَةِ التَّجْدِيدِ . فِي المَنْزِلِ ، هَذَا الرُّكَامُ المُدَمِّرُ . لاَ وُجُودَ لِفِكرَةٍ أُخْرَى قَدْ تُجْدِيكَ نَفْعًا ، وَتَجْعَلُكَ تَقْسِمُ جَدْولَ سَاعَاتِكَ الرَّتِيبَةَ إِلَى نِظَامٍ يُنَبِّهُكَ إِلَى أَنَّ هَذَا العَالَمَ عِبَارَةٌ عَنْ حَدِيقَةِ زُهُورٍ جَمِيلَةٍ ، مُخْتَلِفَةِ الأَلْوَانِ ، مُتَنَاسِقَةِ الأَشْكَالِ ، هَذِهِ الجَنَّةُ الخَضْرَاءُ وَهَذَا المَرْتَعُ الخَصِيبُ الَّتِي بَاتَتْ مِنْ سَابِعِ المُسْتَحِيلاتِ أَنْ تَتَجَوَّلَ فِي حُقُولِهَا الزَّاهِيَةِ ، وَتَسْتَنْشِقَ عُطُورَهَا الزَّكِيَّةَ فِي هَذَا الوَاقِعِ المُؤْلِمِ ، وَفِي هَذِهِ الأَيَّامِ الرَّتِيبَةِ . خرجتُ إلى فناءِ المنزلِ أحاول أن أصطادَ شيئًا جديدا في محيطِ هذا القلقِ الطاغي .. لتبصرَ عينايَ المتفرستانِ ابنةَ الجيرانِ ، وهي تنشر الغسيلَ على مشجبِ ابتسامةٍ بيضاءَ ، جعلتني أشعرُ لأول مرةٍ في حياتي أنَّه يمكننا أن نقطفَ الأزهارَ الجميلةَ من صخورِ الرتابة المُمضَّةِ ...إحساسٌ وسيمٌ وبديعٌ يجتاح شَغَافَ القلبِ الكسير ، وفرحةٌ عارمةٌ تغمر أجواءَه المتلاشيةَ . " في لحظةِ فرحٍ فاتنةٍ .. تحس أنه بإمكانك أن تستقبلَ العالمَ بأسره ضيفا عزيزا في منزلِ قلبك السعيد ؛ لتقدمَ له مأدبةَ غذاءٍ فاخرةً ، طبقُها الرئيسي قطعةُ حلوًى طُهيتْ في فرنِ السعادةِ الرشيقِ " . صراحةً .. لقد استنشقتُ رحيقَ تلك النظراتِ العطرةِ ، والابتساماتِ المزهرةِ قبل أن يقطعَ صديقي هذه الفرحةَ المهذبةَ ، وينادي علي طالبا مني مرافقتَه إلى المقهى ... ودَّعتُ تلك النظراتِ الحالمةَ ، ورُحت أُمنِّي النَّفس المعذبةَ بقهوة على حسابه ، وجولةٍ نلتهم فيها طبقا من أطباقِ الدومينو اللذيذةِ .. وفعلا لقد قضيت أمسية رائقة بفعل سحرِ تلك العيونِ الجميلة. إنه إحساسٌ مفاجئٌ غير مألوفٍ هذا الذي رمتْني به تلك النظرات الساحرة . وهاأنذا أعود ثانيةً إلى خرابي الكبيرِ ، وأن أفتحَ خزانةَ الرتابة ، وأخلعَ معطفَ هذا الشعورِ الشفيف ، وأعيدَه إلى مرقدهِ الوثيرِ... ثم أطلُّ على شرفةِ منزلي لأبصرَ مكامن ابنة الجيران ، أستجمعُ ما تبقى من خيالِ نظراتِها الحالمةِ متنفسا عطرَ الغسيلِ الذي كان معلقًا على جدار ابتسامة خلابةٍ جعلتني أحس لأول مرةٍ أن شيئا جديدا سوف يمزقُ هذه الصورَ الرتيبة الكئيبةَ . الراسخ في الرتابة القاتلة : عبد الحليم بولحية | ||||
![]() | ![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|