شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.rewity.com/forum/f202/)
-   -   91 - تناديه سيدي - فيوليت وينسبير - ع.ق ( كتابة / كاملة )** (https://www.rewity.com/forum/t166743.html)

أمل بيضون 08-07-11 09:44 PM

تقدمته أيفين وهما يخرجان من الغرفة ثم من القلعة , وفتح السائق باب السيارة فدخلت أيفين وكأنما تسمع همس ثوبها المخملي , وتبعها دون جوان بأرتباك بسبب عرجه , ووقعت عصاه على أرض السيارة , وأستعادتها أيفين بسرعة , وجفلت عندما قبضت أصابعه على أصابعها وعصاه, وشكرها بأحترام , وبدا وجهه جامدا كقناع قاس عندما سقط عليه ضوء مصباح سقف السيارة.
أنكمشت أيفين في ركن السيارة يعد الخروج من بوابة القلعة , وبدت فتية القوام في ثوبها وقلادتها.
شعرت وكأنها لن تفهم هذا الرجل أبدا , فهو حينا يبدو طيبا يفيض بالأنسانية , وحينا مترفعا لا سبيل للدنو منه , أنه أعطاها المسكن والمأكل والملبس , ولكنه يمنعها من أن تقدم له أي شيء في المقابل ..... حتى التعاطف والمحبة.
وتأملت ملامحه الجانبية لها فبدت جامدة كأنما هو رجل من حجر .
لم تكن أيفين تدري أن نادي هيدالغو سيكون بمثل هذه العظمة ! كانت هناك عدة سيارات متوقفة أمامه , وعدة نوافذ طويلة تشعشع بضوء الشمعدانات البلورية , وهواء النادي يعبق بعطور النساء وموسيقى الأوركسترا.
أستقبل المركيز دي ليون والفتاة التي في صحبته بالترحاب ونظر الناس اليهما الى أن أوصلهما الخدم الى مائدتهما التي كان يشغلها رجل ذو شعر فضي وذقن وقور , ومعه راكيل فونسكا الجميلة.
" شكرا لمجيئك".
ووقف السيد فونسكا , ولمحت أيفين عينيه الورديتين فزال أضطرابها فورا , وأنحنى على يدها عندما قدّمها المركيز وكان يبدو ألطف من أبنته التي كانت تتفحص ثوب أيفين المخملي وقلادتها الذهبية بعينين ثاقبتين.
وقالت راكيل بصوتها الدافىء:
" جوان , من الصعب أن أتبين فتاتك التي شملتها بوصايتك كما كانت آخر مرة رأيتها , تصور يا أبي أنها كانت مسلية للغاية , عندما جاءت من الشاطىء , تحمل شمامة ضخمة وحسيتها تلميذة مدرسة , الليلة تبدو أنيقة للغاية.... ما أروع ما تفعله ثياب محلات غران فيا للمرأة".
إبتسمت بعذوبة بعدما أستقر الجميع في مقاعدهم , وتحدث دون جوان قائلا:
" الليلة سنطيل السهرة قليلا".
تطلعت راكيل عبر المائدة الى أيفين وقالت:
" سيكون هذا ممتعا , ولكن لماذا هذه الليلة بالذات , أهو عيد ميلادك يا عزيزتي؟".
أجابت أيفين:
" كلا".
وأشتدت قبضة يدها في حجرها ونظرت الى السيد فونسكا كأنما تسأله العون , ووجدته طيبا سمحا مما جعلها تشعر بالأطمئنان , وتابعت:
" على الأقل أشعر كأنما ولدت من جديد , فكل هذا جديد بالنسبة الي".
وهزت راكيل بيدها مروحتها التي كان رسم ورودها يتناسب مع لون ثوبها , وقال:
" أظن أنك كنت مرافقة , أليس كذلك؟".
وصححت أيفين قول راكيل وهي تدرك أنها على علم بأمرها ولكنها تجبرها على الجهر بذلك , فقالت:
" مرافقة وخادنة".
أبتسم السيد فونسكا وقال:
" لا عجب أذا كان هذا كله يبدو لك أشبه بمولد جديد , أن جوان يرغب أن أعلمك الأسبانية وأشياء أخرى وأظن أنه سيسرني أن أكون مدرسا لفتاة جذابة مثلك".
تمنت لو أستطاعت أن تحتضنه في هذه اللحظة , وقالت:
" أنا تواقة للتعلم على يديك يا سيدي , وأحذرك بأنني سأكون تلميذة متعطشة للعلم".
ضحكت راكيل وغازلت عيناها من فوق مروحتها دون جوان وقالت:
" أصبح عندك في العائلة يا صديقي عاشقة علم , وسحب أبي شحنها بالمعرفة , ولكنني أرى أن الأفضل أن تستمتع بالحياة وأن تجمع حولها المحبين".
وضحك السيد فونسكا وقال:
" ترى ماذا يحدث يا جوان عندما يسمح الأسباني لأبنته بأن تتحرر ؟ أنها تتجه فورا الى الطراز الأسباني وتفكر فقط في الغرام".
وقالت راكيل في دلال:
" وأي شيء ألطف من التفكير في الغرام ؟ بالطبع أذا كانت الفتاة عادية , فمن الأفضل لها أن تكون ماهرة , وأنا لم أكن ماهرة جدا".
رأت أيفين , من التلميحات فقط , أنها بالنسبة الى الفتاة الأسبانية تبدو ساذجة ومرتبكة , وغير معتادة على الظهور بمظهر المرتدية ثوبا غاليا من محلات غوان فيا , حدّثت نفسها قائلة أن الأكليل الذين تزيّن به رأسها يبدو غريبا ,وشفتيها باهتتين , أيعتقد دون جوان أن شفتي راكيل ورديتان بطبيعتهما؟
كان قدوم الخادم بالمقبلات قد ساعد على فتح مجالات أخرى لحديث خفيف بهيج , وتوالت الأطباق الشهية بعد ذلك مما جعل وقت العشاء سارا وممتعا , وأيفين تستمع لما يدور من كلمة هنا وأخرى هناك , وعزفت الأوركسترا وأمتلأت حبة الرقص , وكانت تعرف أن مانريك كورتيز لا بد أن يظهر ويسحر الجو بصوته وغيتاره.
هذا التفكير أضاء عينيها , وفي لحظة أدركت أن دون جوان كان ينظر اليها مباشرة , سألها:
" أيسرك عزف الأوركسترا؟".
تجرأت وإبتسمت له قائلة:
" أنها تجعل المرء يشعر بالأرتياح والسرور".
وأتجه أهتمامها بعد ذلك الى حلبة الرقص على مقربة من الأوركسترا حيث ظهر وسط عاصفة من التصفيق شاب يرتدي سروالا ضيقا قاتم اللون وقميصا فيه كشكشات , أنحنى , ونظر حواليه , وشعرت أيفين بأثارة شديدة عندما ألتقت عيناه بعينيها , أبتسم وشعرت كأن كل فرد قد عرف أنه أبتسم لها وحدها.

أمل بيضون 09-07-11 06:59 PM

" سيداتي سادتي , سأغني أغنية قديمة من أغاني أشبيلية".
وأستند الى أحد الأعمدة وأحتضن غيتاره , وبدأت الأضواء تخفت , ثم قال:
" تخيّلوا شرفة وفتاة , وتحتها في الليل عاشق يعرف أن هناك رجلا آخر يحول بينه وبين رغبته".
أخذ مانريك يعزف على غيتاره , وبدا كأن الغيتار قد دبت فيه الحياة بين يديه , وشمل المكان سكون مطبق فلا قرقعة سكاكين أو ملاعق أو همسات زبائن , من قبل أحست أيفين عند الشاطىء بسحر صوته وموسيقاه , والليلة أختلطت موسيقاه بسهرة عشاء لم تتعود على مثلها , وأحست كأنها هي فتاة الشرفة في الأغنية , فتاة مرغوبة وممزقة بين عاطفتين.
ووسط التصفيق الذي أعقب الأغنية , لاحظت راكيل أنه كان جذابا للغاية , وكانت أيفين تحس بنظراتها , فجفلت كأن الفتاة الأخرى لديها القوة على أفساد حلمها.
مال السيد فونسكا يحاول تقديم شعلة لجليسه وقال:
" أنه موسيقي بارع يا جوان , ولكن لا شك أن الشلبتين هنا تهتمان بشخصيته الجذابة".
أحاط الدخان بعيني دون جوان , وشعرت أيفين بأنه يتطلع اليها , بينما أخذ مانريك يعزف بعض الموسيقى الأسبانية , وكانت قطعة موسيقية مرحة مليئة بالهيام الأسباني , وأبتعد عن العمود الذي كان يستند اليه وراح ينتقل بين الموائد , وقفز قلب أيفين الى حلقها عندما توقف عند مائدتهم وغنى شطرا من الأغنية خصيصا لها... ثم أبتعد.
قالت راكيل وهي تهز مروحتها كجناح طير عنيف:
" أن أيفين كانت تنظر اليه منذ اللحظة التي بدأ يغني فيها".
وظلت أيفين لحظة صامتة , ثم نظرت الى راكيل وشعرت بدافع بدائي لشدّها من شعرها , وقالت :
" الواقع أنني أعرفه , لقد ألتقيت به عند الشاطىء في اليوم السابق , وأصبحنا صديقين".
أضيئت الشمعدانات في هذه اللحظة وكتم التصفيق للمغني كل كلام لعدة دقائق , ولكن نظرة راكيل كانت واضحة المعاني , وأدركت أيفين بتحد أن عيني المركيز قد ضاقتا.
وبعد أن هدأت عاصفة التصفيق قال دون جوان:
" لماذا لم تدعي السيد كورتيز الى القلعة؟ العادة لدى الأسبان أن يقدم الشاب نفسه رسميا الى والد الفتاة أو وصيها".
أجابت:
" أنني بريطانية , ومثل هذه العادات الفكتورية قد بطلت في بلادي ".
وفي الحال وكأنما شعلة تلتهب في عمق عينيه قال:
" عليك أتباع عاداتنا أثناء وجودك ضيفة في بيتي , في المرة التالية التي يقترب فيها شاب منك.....".
وتوقف في هذه اللحظة , أذ عندما بدأت الأوركسترا تعزف موسيقى راقصة , أقترب مانريك كورتيز من مائدتهم مرة أخرى , كان يرتدي جاكيت للسهرة وعلت وجهه مسحة مهذبة وأنحنى أمام المركيز وضيوفه , وسأل:
" هل يسمح لي السيد المركيز بأن أطلب الآنسة الأنكليزية للرقص؟ لقد ألتقينا , ولكنني أنتهز الفرصة لأقدم نفسي رسميا لوصيها".
وبدت المسألة بالنسبة الى أيفين كأنها تشاهد مشهدا في مسرحية من مسافة , وأنها واحدة من الجمهور لا واحدة من النجوم , رأت دون جوان ينفض رماد سيكاره , ومروحة راكيل تتوقف كأنما هي جناح مكسور , وقال دون جوان:
" لا بد أن أهنئك يا سيد كورتيز على مهارتك كعازف , لقد أستمتعنا كثيرا بعزفك , ولو علمت من قبل أنك تعرف ضيفتي لدعوتك لمشاركتنا العشاء , ولعله يمكنك الآن؟".
ونظر مانريك الى أيفين وأبتسم في عينيها وقال :
" السيد المركيز كريم للغاية , ويكفيني جدا أن تسمح لي بالرقص مع الآنسة".
وأتجه دون جوان بنظره مباشرة الى أيفين وسألها:
" أترغبين في الرقص؟".
وقالت مرتبكة:
" أود حقا , ولكنني لا أجيد ذلك تماما".
" دعيني أعلمك يا آنسة ". وساعدها على النهوض من مقعدها وتقدم بها الى حلبة الرقص , وهناك أحاطها بذراعيه وهمس : " مرحبا سوليداد , يا ألهي , كنت أشبه بمن يتقدم الى عرين الأسد لآخذك من الوصي العنيد!".
" أعرف ماذا تعني".
ثم ضحكت في خجل وأندمجت مع أيقاع الموسيقى ووجدت مانريك رفيقا ممتازا , أنه يحيطها بذراعين قويتين , وكتفه عند الأرتفاع المناسب تحميها من نظرات الوصي عليها ونظرات راكيل فونسكا , وقال يغيظها مداعبا:
" قلت أنك لا تحسنين الرقص , أظن أنك فتاة غامضة , أخبريني مع من رقصت من قبل؟".
" مع كبير الخدم , في سهرة العيد يوم كنت خادمة , وكان ذلك شرفا لأنه فضّلني على غيري".
أستمرت ترقص مع مانريك نحو ساعة لم يغادرا فيها الحلبة , وعندما غادراها وجدت نفسها في الشرفة معه , النجوم تلمع في السماء , ورأسها وقلبها في دوامة , ضحكت بنعومة وقالت:
" لم أسعد أبدا بوقت ممتع كهذا ! هل أنتصف الليل؟ وهل عليّ أن أبتعد سريعا قبل أن تزول أناقتي؟".
أمسكها مانريك من ذقنها كأنما يتأمل عينيها , وفي الحال وجدت نفسها تتركه وتهبط درج الشرفة الى الحديقة , وتبعها وسرعان مت أختفيا وسط شجر اللوز وأحواض الزهور , هنا حيث الظلال والورود تقوم كحاجز بينها وبين دون جوان وسلطانه عليها , وأمسك بها مانريك عند شجرة وقال:
" أنت رقيقة للغاية , أليس كذلك ؟ ولكنني معجب بك كما أنت بغير تصنّع".

Minar 09-07-11 09:31 PM

verry verry nice
thank you

أمل بيضون 10-07-11 04:24 PM

ومع أن قلبها كان يدق بسرعة من كثرة الرقص , ألا أنها لم تكن مضطربة مع مانريك مثلما هي الحال عندما تكون مع دون جوان , سألته:
" أليست صداقتنا جديدة للتحدث عن الأعجاب؟".
" كلا , أن الشباب الأسبان يرددون دائما أحاديث الأعجاب والهوى".
" أنا لست أسبانية يا سيدي".
" تعنين أنك لم تسمعي مثل هذا الكلام من الشباب؟".
وهزت رأسها مبتسمة , فهي حتى الليلة لم ترقص مع شاب , ولم تعرف أثارة الخلوة مع شاب جذاب جريء , أن سهم الحب لم يعرف الطريق اليها بعد.
" لقد كنت محاطة بحماية كبيرة ".
" كنت معزولة , هذه الكلمة أفضل".
قالت ذلك وداعبت بأصابعها ثوبها المخملي , وتابعت:
" من الغرابة أن أجد نفسي في ثياب كهذه , كأنني متنكرة في ثياب فتاة أخرى".
تطلّع مانريك اليها في الحديقة شبه المعتمة , وقال:
" لكنك لست .زز المركيز غني وقد جعل نفسه وصيا عليك , هذه القلادة مطعمة بالماس والزمرد".
لمست أصابعه القلادة وأرتعشت لسبب غريب , وقالت:
" أنا ممتنة لك , ولكنني أشعر كأنني مملوكة له ".
كانت يداه تمسكان بها عندما سألها:
" ماذا تعنين ؟ أنه يعاملك مثل أبنته , أليس كذلك؟".
" أجل.......".
" أذن لماذ تتحدثين عن الأمتلاك , أننا نستخدم الكلمة عندما نعني شيئا آخر معناه أنا أريدك كأمرأة وليس كإبنة !".
تملصت من بين يديه وقالت:
" لا تقل هذا ! لم أقصد شيئا كهذا , دون جوان وصي عليّ , وهو يحمل المسألة محمل الجد على نحو كبير , لقد طلب لي من أسبانيا مشرفة ترعاني , وقبل أن أعقد صداقة مع من أريد على أن أقدمه له للموافقة!".
ضحك مانريك وقال :
" الآن فهمت! هذا هو الحال مع الأب أو الوصي , وعليك أن تتوقعي من المركيز أن يعاملك على هذا النحو , أصبحت الآن مؤهلة تماما".
أنتابتها الحيرة فسألته:
" ماذا تعني , التحدث عن شخص أنه مؤهل يتضمن الزواج والمهر , أؤكد لك.....".
لمس مانريك خدها كأنه يهدىء من روعها وقال:
" لقد تكررت الآن , يا عزيزتي , ما دمت تحت وصاية المركيز فأنك تحصلين منه على مساعدتك كثيرة , أنت تعرفين هذا بالتأكيد , كما أن الأسباني يتحمل مسؤولياته بصورة جادة".
" كل ما أريده هو التعلم!".
" يا لك من لطيفة وبريئة ! كل ما تريدينه هو تعلّم أحتياجات الفؤاد , دعيني أكون معلمك".
ثم حاول أن يقربها منه أبتعدت وقالت:
" كلا يا مانريك !".
ثم جمدت وصمتت أذ سمعت وقع خطوات على الممشى الممتد بين الشجر وقالت:
" أنه هو".
" أيفين , أين أنت؟".
لم تستطع الرد عليه , ولم يحرك مانريك ساكنا أيضا , كانا يقفان على مقربة من بعضهما في ظلام الحديقة.
وراح دون جوان يفرّق أغصان الشجر بعصاه وهو يتقدم منهما قائلا:
" نحن على وشك العودة الى البيت".
كان صوته مثل وجهه بلا تعبير , ولكنه أضاف موجها الكلام الى العازف:
" أرجو أن تترك ضيفتي يا سيد , ويكفيها كل هذه الأثارة في ليلة واحدة".
بدت أيفين شاحبة ومذنبة , وتنحى دون جوان جانبا حتى تتقدمه , وسمعته يقول لمانريك:
" في المستقبل عليك أن تتذكر أنني وصي على أيفين , ومثل هذه الخلوات في الظلام تضطرني لمنعها من رؤياك".
أستدارت كي تحتج ولكنه لوّح لها بالسير في الممشى , ولم تتجرأ على عدم أطاعته , أنه طويل وأسمر وجاد , وجمعت ذيل ثوبها وجرت متقدمة عنه , شعرت كأنها طفل ضبط متلبسا بسلوك سيء , وحاولت وهما في السيارة في الطريق الى البيت أن تدافع عن براءتها , فقالت وقد ركزت عينيها على الزجاج الذي يفصل بينها وبين سائق السيارة.
" لم يحدث بيننا أي عناق".
" أنا متأكد أن ذلك كان حتما سيحدث أذا تأخرت عن المجيء".
" مثل عم من الزمن الفكتوري !"
" أهذا هو شعورك؟".
وعمقت أبتسامة صغيرة خطوط السخرية المحيطة بفمه , وأضاف:
" البراءة تغمرك يا أيفين , ولكنني أعرف الشبان الأسبان وخبرتهم في المغازلة , ولا أريدك أن تخلطي بين الحديث الصريح لموسيقي شاب وسيم والأحاسيس العميقة الصامتة , أود أن تزداد معرفتك بالأسبان وبعاداتهم , وبعد ذلن لن تحتاجي لحماية عم من الزمن الفكتوري".
وعضّت أيفين شفتها وقالت:
" آسفة أن أكون قد أتعبتك وأصبحت عبئا عليك يا سيدي".
" أنت تضيفين كلمات لم أستعملها يا آنسة , تقصدين تصرفي , عندما وجدتك مع هذا الشاب في ظلام الحديقة".
" لقد كنت معه في حلبة الرقص..... وهل هناك فرق كبير؟".
" يا صغيرتي العزيزة , أذا كنت لا تعرفين الفرق , فهناك أذن نواحي أخرى من التعلم ينبغي أخذها بعين الأعتبار".
نظرت اليه بسرعة ولمحت في عينيه السوداوين هذا البريق من الدعابة غير المتناغمة , وهذا ما جعلها تجفل أذ أن وجهه لم يكن ينم عن شيء , بل كان أشبه بنور الشمس المتجمعة في قاع بركة , كان ذلك البريق علامة للشيطنة ...... وتذكيرا بأن جوان دي ليون لم يكن دائما رجلا أعرج.

أمل بيضون 11-07-11 11:48 AM

" أنت تمثل الطاغية الحديدي لكي تغيظني".
ضم يديه على قمة عصاه الفضية وقال:
ليس تماما , لقد عنيت ما قلته لمانريك كورتيز , يمكنه أن يكون صديقا لك لأنك في حاجة الى شاب تتحدثين اليه وترقصين معه ..... ولكنني لن أسمح بعلاقة غرام , هل فهمت؟".
نظرت الى ملامحه الجانبية وشعره الدخاني عند السوالف , كان مزيج القوة والنضوج مزعجا , وكانت تود أن يكون مختلفا , كانت تود أن يكون هذا الرجل بمثاب الأب لها , ولهذا قالت:
" نعم , فهمت يا سيدي , سأحاول فعل ما تشير به عليّ, ولكن ماذا عن شعوري؟".
نظر اليها عن عمد وقال:
" شعورك!".
" لا يمكنك منعي من أن أحب".
" أذا كنت تتحدثين عن غرام المراهقة السريع الزوال , فهذا شيء علينا جميعا أن نعاني منه الى أن يكتمل نمونا ونضجنا".
قالت بهدوء:
" قالت بهدوء:
" لقد أكتمل نموي منذ بلغت الخامسة عشرة وفي حالتي , لا أظن أن مانريك يود أن يظل صديقا لي بعد الذي قلته له".
نظر اليها دون جوان وقال:
" الأسبان ليسوا بمثل هذه الحساسية , وهم أكثر أصرارا عندما يتطلعون الى هدف".
وأبتسمت نصف أبتسامة وقالت:
" مثل دون كيشوت مثلا؟".
وتلاقت عيونهم:
" بالضبط , هل قرأت مغامراته؟".
" ضمن نطاق مطالعاتي قصص الحب للسيدة ساندل".
أبتسم وقال:
" مكتبتي في البرج البحري تزخر بكتب أنكليزية كثيرة , وهي لك للمطالعة والمتعة".
شكرته وفكرت كيف تحول بلباقة من التحدث عن الرومانسية الى التعلم , يمكنها أن تظل صديقة لمانريك , ولكن المركيز لا يرى أنها ناضجة بما فيه الكفاية للحب.
أخذت تحلم قليلا أحلام الفتيات ثم أستولى عليها النوم , ولما وصلت السيارة فناء القلعة كانت يد تلمس شعرها وسمعت صوتا يهمس بأسمها:
" وصلنا البيت يا أيفين".
قالت والنعاس ملء عينيها:
" البيت؟".
وعندما فتحت عينيها كان رأسها يستند على كتف مضيفها ووجهه قريبا منها , وفي أقل من ثانية أسرعت بالأبتعاد عن وجهه.
" لقد غلبك النوم بعد كل هذا الرقص مع مانريك الوسيم , هيا ا , وتذكري أن غدا بداية دروسك مع السيد فونسكا".
وبعدما خرجت من السيارة شبه نائمة , تبعت دون جوان على الدرج المؤدي الى باب القلعة الواسع , وبعدما دخلا القلعة أنحنى لها المركيز مودعا:
" ليلتك سعيدة يا تلميذة".

أمل بيضون 11-07-11 12:19 PM

5- عيون لا تنام


كانت فيللا فونسكا تطل على مياه الميناء الزرقاء الحريرية , حيث مراكب الصيد راسية الى جانب الجدران التي يبللها البحر والتي شيدت من فوقها البيوت البيضاء , ركب دون جوان السيارة مع أيفين الى بيت فونسكا , ولكنها علمت عند وصولهما أن ركوبه معها لم يكن رغبة منه للأطمئنان على سلامة وصولها الى مدرّسها , بل لأن دونا راكيل في أنتظاره , تبدو كزهرة جميلة ندية , في ثوب من الدانتيل الأبيض , وقبعة عريضة ذات وردة تحت حافتها , كانت هي ودون جوان ذاهبين من الجزيرة الى الأرض الأم ( أسبانيا ) لقضاء اليوم , راكيل من أجل التبضّع والمركيز لأجراء بعض الأعمال.
وقبل ذهابهما تناول الجميع الشاي بالليمون المبرد في باحة الفيللا , وكانت الباحة مكانا به زوايا رومانسية وأشجار زيتون قديمة ملتوية , وهناك مقعد يحيط بأحدى الأشجار , جلست فوقه راكيل بقبعتها العريضة , راضية لأن الرجل الأسمر النحيل ذا البدلة البيضاء الأنيقة سيكون لها وحدها طوال يوم كامل , قال لها:
" أنت أشبه بلوحة للرسام الفرنسي رينوار".
أبتسمت وأستقرت عيناها لحظة على أيفين في ثوبها الأصفر البسيط ذي الياقة الفراشية البيضاء , ثوب قصير بلا أكمام يكشف عن ذراعيها وساقيها , وشعرها الداكن ينساب فوق أحد كتفيها , وقد ربطته بشريطة خضراء.
وسألته راكيل وهي ترف بأهدابها ناظرة اليه , كأنما تبعث اليه بلغة أهدابها أحدى الرسائل السرية المتبادلة بين المحبين:
" جوان , وأي رسام قد يكون رسم ضيفتك؟".
مال ببدلته البيضاء عند شجرة قاتمة , بينما كان السيد فونسكا يجلس مرتاحا فوق كرسي من الأغصان المجدولة يدخن سيكارة بفم من العظم الملون , وأجاب فونسكا على السؤال نيابة ع دون جوان الذي لا رأي له على ما يبدو بخصوص ضيفته فقال:
" الرسام الفرنسي ديفاس , فهو وحده قادر على أن يصور هذه الأذرع والسيقان الرشيقة والعيون الواسعة , كان للبنات في لوحاته دائما سحر خفيف أشبه بسحابة صيف تسبح في الفضاء.
ونهضت راكيل وهي تضحك وقالت:
" أذن أنت يا عزيزتي لست مثلنا في أرض الواقع , أبي , أعط الحالمة الصغيرة قطعة أخرى من كعكة اللوز لئلا تصبح كالريشة في الهواء ".
وضحك السيد فونسكا وقال:
" هل أنت ذاهبة للتبضع ! جوان , خذ أبنتي هذه المدللة ودعني مع هذه الصغيرة التي لم يزدحم عقلها بصرعات الثياب والحفلات والملذات!".
أبتسم جوان , وأمسك بعصاه ووقف قبالة أيفين , على النحو الذي عرفته جيدا , أنحنى نصف أنحناءة ثم نظر اليها وقال:
" كوني طالبة مجدة يا صغيرتي , سأوجه لك أسئلة عندما نلتقي ثانية".
تلاقت عيناه بعينيها ووجدت أنه أصبح مرة أخرى الوصي الجاد , أن الكتف الذي أستندت اليها كانت بعيدة غير حنونة , واليد التي تمسك بالعصا الأبنوسية يد لا رقة فيها إلا في الأحلام , تحدثت الى دون جوان قائلة:
" آمل أن تستمتع بيومك يا سيدي".
وأبتسمت لمدرسها , لأن الوصي عليها لا يريد على ما يبدو أبتسامات من أحد غير راكيل , أنها وحدها التي تحمل على ما يبدو مفتاح شخصيته المحيرة.
وسألها دون جوان فجأة وفي أدب:
" ماذا أحضر لك؟".
أتسعت عيناها حتى لم تعد ترى وجها آخر غير وجهه الأسمر المميز , ولاحظت نظرة راكيل اللاهية ويدها التي تعبث بمقبض حقيبة يدها , وأجابت المركيز:
" لا شيء , دون جوان".
وعاد يسأل وفي عينيه أبتسامة:
" ولا حتى علبة حلوى؟".
فأجابته بأبتسامة مترددة:
" حسنا , حلوى".
ثم أستدار نحو السيد فونسكا وقال:
" سنعود في ساعة متأخرة يا صديقي , ولكنني أعدك بأنني لن أترك أبنتك الجميلة تشرد بعيدا عني".
وضحكت راكيل ضحكة دافئة وتأبطت ذراعه بعد أن قالت:
" جوان , لا تبدأ في معاملتي بلهجة الوصي ....... لست في حاجة لذلك , فأنا لست مراهقة كما تعرف".
أبتسم وقال:
" أعرف يا راكيل , والآن علينا أن نرحل أذا كان علينا اللحاق بالباخرة".
أنحنى دون جوان للسيد فونسكا , ونظر لحظة الى أيفين ثم رحل هو وراكيل من الباحة , وسرعان ما أختفى صوت عصاه وصوت كعب حذاء راكيل العالي عبر القاعة وأعقب ذلك أغلاق الباب.
بعد دقيقة أو نحوها أستعادت أيفين كما أستعاد مدرسها الأحساس بالسكينة التي غمرت الباحة من جديد , كأنما كانت هناك عواطف متضاربة تتقاتل في نور الشمس , ولم يعد هناك الآن غير زقزقة الطيور الطبيعية ونفثات النافورة الموجودة على الحائط , كانت الفيللا مبنية على الطراز الباروكي وجدرانها صفراء , وهناك شجرة دقلى حمراء تفوح منها رائحة ذكية , قال فونسكا:
" أنت أذن تواقة للتعلم , أكانت الفكرة فكرتك أم هي فكرة دون جوان ؟ أنه صاحب أرادة قوية , وهو شيء غير عادي أن تقدم فتاة جذابة على دراسة فلسفة الفن وتاريخه , أذ أن معظم الفتيات الصغيرات غارقات في الرومانسية".
أبتسمت في حياء وأجابت:
" أنا لم أحصل على تعليم حقيقي يا سيدي , ومما يشبه المعجزة أن يأتي بي دون جوان اليك لتتولى تعليمي , أنا أريد أن أتعلم وأتشرّب العلم وأنمو بفضله فالمرء بدون المعرفة يظل غير ناضج".

أمل بيضون 12-07-11 11:25 PM

قال فونسكا:
" لعله من غير العادي أن يتولى شخص أعزب رعاية فتاة , ولكن الحقيقة هي أنك غير عادية , وليس جوان بالرجل العاطفي , وأنني متأكد أنك لو كنت غير ذكية لأعادك الى وطنك مع شيء من المال وأنحناءة مهذبة , لقد قال لي أنه ليس لك عائلة".
" لا أحد الآن".
" هذا محزن بالنسبة اليك , كل شخص لا بد له من شخص آخر , لعلك تعتبرين دون جوان في منزلة العم؟".
" كلا ". وأبتسمت أبتسامة تحولت الى ضحكة : " الواقع أنني لا أتصور نفسي أدعوه بالعم جوان , أنه مترفع جدا وله مكانته ...... أنه أسد هذه الجزيرة".
" وأنت تعتبرين نفسك نزوة من نزواته؟".
" أجل".
" أتعرفين يا صغيرتي أن الرجل الأسباني فيه قسوة وتفرّد ؟".
" أعرف هذا الآن".
مال فونسكا الى الأمام وعيناه تنصبان على وجهها وقال:
" هل أعطاك جوان بالفعل الدليل على ذلك ؟ وفي أي ناحية؟".
" أنه يعارض قليلا صداقتي مع مانريك كورتيز , أظن أنه يعتبرني غير ناضجة الى الحد الذي أستطيع فيه التعامل مع شخص منفتح مثل مانريك".
" أنت تسرّين برفقة هذا الشاب؟".
" من دواعي السرور دائما يا سيدي أن أجد صديقا لأنه ليس لي أصدقاء كثيرون , ومانريك مرح وحسن المظهر و.....".
أبتسم فونسكا وقال:
"صداقته تشعرك بالرضا , وهذا شسء طبيعي , عندي أبنة وأعرف ماذا يعني للفتاة أن تحظى بالأعجاب".
" أن دونا راكيل جميلة ". قالت أيفين ذلك بأخلاص وأن تكن الشكوك تساورها بالنسبة الى طبيعة ذلك الجمال , ثم قالت: " لا بد أنها دائما محط الأنظار".
وصرّح الأب بدون أي أعتزاز في عينيه:
" منذ طفولتها , أنها تشبه أمها , ولكن آنا كانت لطيفة وطيبة وكانت سنواتنا القليلة معا سنوات سعيدة جدا , وأبنتي راكيل فيها القليل من أمها , وأنا أشفق على الرجل الذي ستتزوجه".
كانت أيفين تقطع لاهية أوراق أحدى الزهور , وأخذت تتخيل صورة راكيل وهي اليوم تضع يدها ذات الحلي في ذراع دون جوان , وأدركت أن راكيل قد وجدت أن من صالحها ومن المثير أيضا أن تصبح عروسا للمركيز , وتساءلت ماذا يمكن أن يحدث لها كضيفة لدى دون جوان.
" فيم تفكرين يا صغيرتي وقد أكتست عيناك بالغموض؟".
تطلّعت أيفين الى مدرّسها وجادت عليه بأبتسامة وقالت:
" الحياة شيء محير للغاية , هل صحيح أن طريقنا مكتوب حتى قبل أن نولد".
بدا على فونسكا التفكير ثم قال:
" القدر , أنني أميل الى الأعتقاد أن أمام كل منا مفترق طرق في حياته , آه , أنت تفتحين عينيك العسليتين , هل قلت لك شيئا مهما يا آنسة؟".
" نعم أنه لأمر غريب".
ثم سقطت البراعم الصغيرة من يدها بينما أخذت تتفحص كفها التي رأت فيه أحدى الغجريات خطوط مفترق الطرق , وأخبرت مدرّسها بما قالت الغجرية عن كفها , وأنتظرت منه أن يبتسم ولكنه لم يفعل , قال:
" لدى الغجريات , الرومانيات موهبة الأستبصار , والدة دون جوان كانت غجرية أسبانية , وأنني أتساءل أحيانا أذا كانت قد عرفت سلفا أن زواجها من والد جوان سينتهي بمأساة , أن المركيز الكبير ما كان ليقبل الفتاة الغجرية , وعندما وقعت المأساة وأصبحت أرملة , هربت مع أبنها الطفل جوان الى أميركا الجنوبية , وهناك ترعرع جوان وأصبح رجلا , وبفضل أرادته القوية وطموحه نجح في عمله بدون مساعدة أسرة والده , وكان ذلك في ليما.......".
وتوقف فونسكا وتفحص وجه أيفين ثم قال:
" أن لك القدرة على الأصغاء بهدوء للرجل...... ألم يكشف لك جوان أبدا عن القليل من ألمه؟".
وكررت كلمة ( ألمه ) وتذكرت اللحظات التي كان يبدو فيها تائها في بحر أكتئاب مظلم , والأوقات التي كان عبوسه يرعبها ويضطرها الى الأبتعاد عن طريقه.
قال فونسكا:
" أن ساقه لا تزال تتعبه , في البداية أراد الأطباء فيليما بتر الساق , ولكنه لم يقبل وسافر الى أنكلترا رغم بعدها , حيث أستعان بجراح عظام ماهر شرع في ترميم ساقه بواسطة سلسلة جراحات مضنية , مر بعدة أنتكاسات وعذابات , وكانت أعجوبة أن أحتفظ بساقه بعد تهشّم عظامها على أثر سقوطه بسبب أنكسار عظمة حافر الجواد الذي كان يركبه , كان جوان يحب القفز بالحصان وهو مسرع , ويوم وقع الحادث كان يصعد بالجواد فوق أحدى التلال , فأذا بالحصان يقذف به وتتهشم ساقه ثم يقع عليه الجواد ويتدحرجان معا".
وألتقطت أيفين أنفاسها وتخيّلت بسرعة فظاعة الحادث , سقوطه من فوق صهوة الجواد , والتدحرج , والساق المهشمة , ثم قالت بصوت متألم:
" لا بد أنه كان بمفرده في تلك البراري".
" ظل كذلك بضع ساعات حتى مر به بعض الرعاة ووجدوه يعاني من الألم تحت الشمس المحرقة , والحصان ميت الى جانبه من الرصاصة التي أفرغها فيه كي يريحه من شدة الآلآم التي تعذبه , قال لي ذات مرة أن وجود المسدس في جرابه حفظه من الجنون ساعات الأنتظار , كان يعلم أن في أمكانه أذا عجز عن التحمل أن ينهي عذابه كما أنهى عذاب الحصان ".

أمل بيضون 12-07-11 11:43 PM


وهمست أيفين:
" ليس لأحد غير صاحب أرادة حديدية أن يتحمّل ما تحمّله , الألم والشمس المحرقة وكونه بمفرده في مثل تلك الحالة".
" يا صغيرتي أن دون جوان أسباني وغجري معا , من نوع الغجر الذين قاموا قديما بغزو عوالم جديدة وعانوا المشاق وسببوا لغيرهم المتاعب أيضا , وبفضل هذه القوة الكامنة فيه , والسيطرة على العواطف والأعصاب , تغلّب على الحادث بتحمله التعرضللشمس , وتحمل شهورا طويلة من العلاج البطيء , ثم عاد الى أسبانيا ليقيم وحيدا في قلعة حزينة , حزينة بسبب التعاسة التي عاشتها أنه بين جدرانها".
قالت أيفين بنعومة:
" لقد رأيت صورتها , من الصعب عليه أن يغفر لمن ألحقوا بها الأذى , كيف يظهرون لها الكراهية وهي أشبه بزهرة سمراء حلوة".
أستفزت نظرات فونسكا بحزن على الورود النامية قرب حائط الباحة , وقال:
" نعم , روزاليتا , لقد قابلتها في زيارة خاطفة للجزيرة , في تلك الأيام كنت أدرس للشهادة العليا بجامعة مدريد , ولم أكن قد أقمت بعد مسكني في الجزيرة , قابلت روزاليتا ووالد جوان قبل فترة قصيرة من مغادرتهما الجزيرة , وكأنما كتب عليهما ألا بعودا اليها بعد ذلك , كان تألقها قويا يشبه السحر , والمركيزة , جدة جوان أمرأة قوية السلطان لا تلين , أختارت لأبنها عروسا غنية ولكنه آثر أن يجعل من راقصة غجرية زوجة له , وأن تكون المركيزة في المستقبل.... ولهذا لم تغفر له أسرته ذلك".
وتعجبت أيفين قائلة:
" يا له من تكبّر وحرص على الجاه والمركز دون الحب!".
فقال فونسكا بشيء من سخرية رجل في منتصف العمر:
" أن عواطف الشباب يا صغيرتي قليلة القيمة في نظر الذين لم يعرفوا العواطف أبدا , كان من الطبيعي للثراء في عائلة جوان أن يتزوج الثراء , ولأصحاب االمراكز مصاهرة أصحاب المراكز , وقد حطّم والد جوان القاعدة , وأجدني أحيانا.......".
" نعم يا سيدي؟".
" بالنسبة الى جوان , أنه إبن نبيل ثائر وغجرية ساحرة , لا أظن أنه كان ليحافظ على لقبه ومركزه هنا , لو لم يكن الحادث هدّأ من الروح القلقة في نفسيته. يكفي أن تتأمليه على حين غرّة فتجدين في عينيه الأسد السجين في قفصه , أما في أوقات أخرى فتجدين فيهما سخرية الأسباني الذي يتقبّل قدره المكتوب".
كانت الباحة دافئة ومع ذلك أرتعشت أيفين قليلا , أن القدر قد يقسو على بعض الناس , ولاح لها أمل بأن تجد السعادة طريقها اليه حتى تعوّضه عن الألم الذي عاناه ورسم خطوطه على وجهه , وأشاع الفضة في شعره , وحرمه القدرة على أن يمتطي جواده أو يمارس رياضة التنس , أو ينعم برقصة مع فتاة , وجدت نفسها تسأل فونسكا:
" كم هو عمر دون جوان ؟".
" إنه في الثانية والثلاثين".
" حسبته أكبر من ذلك بكثير وهو يعاملني كطفلة !".
ضحك مدرّسها وقال:
" بالنسبة الى جوان أنت صغيرة وبريئة , أعتقد أنه عاش في ليما أسما على مسى , وهي مدينة تزخر بسيدات المجتمع".
وهمست:
" دون جوان , العاشق الكبير الذي ظل قلبه بغير جراح".
" يقال أنه وقع في الحب مرة واحدة".
" حقا؟".
ومرة أخرى خطرت لها راكيل وهي ممسكة ذراعه بأصابعها ذات الخواتم الماسية , وهو يتأمل تلك الفتاة بعيني مجرب فيهما أعجاب بجمالها , ولعلّ قلبه أصبح أخيرا على أستعداد للأستسلام , وقف فونسكا وقال:
" حان الوقت لنبدأ درسنا , وغرفة الجلوس في الداخل ليست حارة وفيها كتب وبعض قطع فنية جديرة بالدراسة".
كان أثاث الغرفة , التي ستصبح فيما بعد مألوفة لها , من طراز عهد أيزابيلا , قاتما وغنيا بالنقش الجيد , ولهذا بدت مجموعة فونسكا الفنية رائعة.
ولاحظت أيفين على الفور بعض تماثيل صغيرة لأطفال بثياب أسبانية , وقد سمح لها المدرس أن تمسكها بعناية , وقال لها:
" عليك أن تحبي القطع الفنية حبا نابعا من القلب".
قالت : هذه جميلة , وما أن أمسكت بالتماثيل الصغيرة حتى لم تشعر بأي شيء آخر غير الأهتمام الفني , ونظرت الى لوحات الرسم المعلقة على الجدران المكسوة بألواح الخشب , ورأت فيها عيون أناس حقيقيين بدلا من عيون مرسومة , شعرت بالتأثر , أن الأشياء المجسّدة أيا كان جمالها لا يتحرك لها قلبها , الناس وحدهم هم الذين يقدرون على ذلك, والغضب أو الشفقة أو السرور فقط.
ومرة أخرى قالت : جميلة , ثم شعرت بعيني مدرّسها تستقران عليها بعنف , وأخذ فونسكا كتابا كبيرا من فوق أحد الرفوف وقال:
" سنبدأ بحكاية تيتيان , وأعتقد أنك ستتعاطفين مع شخصيته على نحو أكثر ....... وبعد ذلك ستكونين جاهزة لدراسة الفنان المعلم".
وتساءلت بعينيها الكبيرتين العسليتين.
فقال وهو يبتسم:
" ليوناردو دافنشي ".
ولكن بدا لأيفين أنه إنما يقصد شيئا يختلف كل الأختلاف!

anvas 13-07-11 12:34 AM

السلام عليكم
كيفك يا امووله..؟؟
رووعه كثير الكماله ومحمسه للغايه
متشووقه جدا لها
،،
وتعجبني شخصيه البطلين:)
وخااصه البطل بغمووضه ^^
،،
تسلمين يالغلا وبانتظارر الكمال
ولكن ع رااحتك^^

رحيق شاهر 13-07-11 05:05 PM

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . :top:
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمل بيضون (المشاركة 5355312)
وهمست أيفين:
" ليس لأحد غير صاحب أرادة حديدية أن يتحمّل ما تحمّله , الألم والشمس المحرقة وكونه بمفرده في مثل تلك الحالة".
" يا صغيرتي أن دون جوان أسباني وغجري معا , من نوع الغجر الذين قاموا قديما بغزو عوالم جديدة وعانوا المشاق وسببوا لغيرهم المتاعب أيضا , وبفضل هذه القوة الكامنة فيه , والسيطرة على العواطف والأعصاب , تغلّب على الحادث بتحمله التعرضللشمس , وتحمل شهورا طويلة من العلاج البطيء , ثم عاد الى أسبانيا ليقيم وحيدا في قلعة حزينة , حزينة بسبب التعاسة التي عاشتها أنه بين جدرانها".
قالت أيفين بنعومة:
" لقد رأيت صورتها , من الصعب عليه أن يغفر لمن ألحقوا بها الأذى , كيف يظهرون لها الكراهية وهي أشبه بزهرة سمراء حلوة".
أستفزت نظرات فونسكا بحزن على الورود النامية قرب حائط الباحة , وقال:
" نعم , روزاليتا , لقد قابلتها في زيارة خاطفة للجزيرة , في تلك الأيام كنت أدرس للشهادة العليا بجامعة مدريد , ولم أكن قد أقمت بعد مسكني في الجزيرة , قابلت روزاليتا ووالد جوان قبل فترة قصيرة من مغادرتهما الجزيرة , وكأنما كتب عليهما ألا بعودا اليها بعد ذلك , كان تألقها قويا يشبه السحر , والمركيزة , جدة جوان أمرأة قوية السلطان لا تلين , أختارت لأبنها عروسا غنية ولكنه آثر أن يجعل من راقصة غجرية زوجة له , وأن تكون المركيزة في المستقبل.... ولهذا لم تغفر له أسرته ذلك".
وتعجبت أيفين قائلة:
" يا له من تكبّر وحرص على الجاه والمركز دون الحب!".
فقال فونسكا بشيء من سخرية رجل في منتصف العمر:
" أن عواطف الشباب يا صغيرتي قليلة القيمة في نظر الذين لم يعرفوا العواطف أبدا , كان من الطبيعي للثراء في عائلة جوان أن يتزوج الثراء , ولأصحاب االمراكز مصاهرة أصحاب المراكز , وقد حطّم والد جوان القاعدة , وأجدني أحيانا.......".
" نعم يا سيدي؟".
" بالنسبة الى جوان , أنه إبن نبيل ثائر وغجرية ساحرة , لا أظن أنه كان ليحافظ على لقبه ومركزه هنا , لو لم يكن الحادث هدّأ من الروح القلقة في نفسيته. يكفي أن تتأمليه على حين غرّة فتجدين في عينيه الأسد السجين في قفصه , أما في أوقات أخرى فتجدين فيهما سخرية الأسباني الذي يتقبّل قدره المكتوب".
كانت الباحة دافئة ومع ذلك أرتعشت أيفين قليلا , أن القدر قد يقسو على بعض الناس , ولاح لها أمل بأن تجد السعادة طريقها اليه حتى تعوّضه عن الألم الذي عاناه ورسم خطوطه على وجهه , وأشاع الفضة في شعره , وحرمه القدرة على أن يمتطي جواده أو يمارس رياضة التنس , أو ينعم برقصة مع فتاة , وجدت نفسها تسأل فونسكا:
" كم هو عمر دون جوان ؟".
" إنه في الثانية والثلاثين".
" حسبته أكبر من ذلك بكثير وهو يعاملني كطفلة !".
ضحك مدرّسها وقال:
" بالنسبة الى جوان أنت صغيرة وبريئة , أعتقد أنه عاش في ليما أسما على مسى , وهي مدينة تزخر بسيدات المجتمع".
وهمست:
" دون جوان , العاشق الكبير الذي ظل قلبه بغير جراح".
" يقال أنه وقع في الحب مرة واحدة".
" حقا؟".
ومرة أخرى خطرت لها راكيل وهي ممسكة ذراعه بأصابعها ذات الخواتم الماسية , وهو يتأمل تلك الفتاة بعيني مجرب فيهما أعجاب بجمالها , ولعلّ قلبه أصبح أخيرا على أستعداد للأستسلام , وقف فونسكا وقال:
" حان الوقت لنبدأ درسنا , وغرفة الجلوس في الداخل ليست حارة وفيها كتب وبعض قطع فنية جديرة بالدراسة".
كان أثاث الغرفة , التي ستصبح فيما بعد مألوفة لها , من طراز عهد أيزابيلا , قاتما وغنيا بالنقش الجيد , ولهذا بدت مجموعة فونسكا الفنية رائعة.
ولاحظت أيفين على الفور بعض تماثيل صغيرة لأطفال بثياب أسبانية , وقد سمح لها المدرس أن تمسكها بعناية , وقال لها:
" عليك أن تحبي القطع الفنية حبا نابعا من القلب".
قالت : هذه جميلة , وما أن أمسكت بالتماثيل الصغيرة حتى لم تشعر بأي شيء آخر غير الأهتمام الفني , ونظرت الى لوحات الرسم المعلقة على الجدران المكسوة بألواح الخشب , ورأت فيها عيون أناس حقيقيين بدلا من عيون مرسومة , شعرت بالتأثر , أن الأشياء المجسّدة أيا كان جمالها لا يتحرك لها قلبها , الناس وحدهم هم الذين يقدرون على ذلك, والغضب أو الشفقة أو السرور فقط.
ومرة أخرى قالت : جميلة , ثم شعرت بعيني مدرّسها تستقران عليها بعنف , وأخذ فونسكا كتابا كبيرا من فوق أحد الرفوف وقال:
" سنبدأ بحكاية تيتيان , وأعتقد أنك ستتعاطفين مع شخصيته على نحو أكثر ....... وبعد ذلك ستكونين جاهزة لدراسة الفنان المعلم".
وتساءلت بعينيها الكبيرتين العسليتين.
فقال وهو يبتسم:
" ليوناردو دافنشي ".
ولكن بدا لأيفين أنه إنما يقصد شيئا يختلف كل الأختلاف!



الساعة الآن 10:22 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.