شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.rewity.com/forum/f202/)
-   -   142- مرة في العمر - آن ميثر - روايات عبير القديمة(كتابه/كامله)** (https://www.rewity.com/forum/t181980.html)

أمل بيضون 04-11-11 07:31 PM

142- مرة في العمر - آن ميثر - روايات عبير القديمة(كتابه/كامله)**
 

https://up.graaam.com/uploads/imag-6/...94a95adbd2.gif
142- مرة في العمر - آن ميثر - روايات عبير القديمة

الملخص


العاطفة الصادقة تطلق سهمها باكرا , ومرة فى العمر هارييت فى مطلع صباها عندما يغزو الفرنسى اندريه قلبها بسحر شخصيته ووسامته الفذة , ولكن ماذا تعرف عن حياته؟ قرر فجأة ودون سابق إنذار أن يسدل ستارا كثيفا على قصة حبهما المتأججة , طاعنا إياها فى الصميم بشكل لا يغتفر أو ينسى. لكن وراء اختفاء اندريه سرا عميقا اخفاه عنها منذ البداية , ولما التقته مجددا بعد ثمانى سنوات من الفراق المر , ظل محتفظا بصمته أمام اتهاماتها المهينة الشرسة.
لا شئ يغير ما حصل من قبل. الماضى يقف جدارا بينهما. وبما انها لم تقدر أن تثق به سابقا , كيف يمكنها أن تثق به الآن؟ وفرضا أنها توصلت إلى كشف السر الدفين الذى يعذبها , هل تجد فى نفسها المقدرة على الغفران بعد طول كراهية وحقد؟



روابط الرواية

word
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي
text
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفيpdf
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

كن فيكون 05-11-11 07:02 PM

الله يعطيك الف عافيه
على اختياراتك المميزه
للروايات تسلم الانامل المعطاه
تعجبني الحبكه للكاتبه ان ميثر
مع خالص شكري كل عام وانتي
بخير وعيد سعيد

معشوقة الورد 05-11-11 07:13 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

anvas 06-11-11 11:20 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
راائع.. راائع..^^
ملخص مشووق للغآأآيه
حمااااااااس
بانتظآج امووله^^


أناناس 12-11-11 03:27 PM

امووووووووووووولة ,,,
مرسي على رواياتك الحلوة ,,,,
حبوبة كلنا بانتظار التكملة ,,,,
يعطيك الف عافية يارب ,,,

أمل بيضون 13-11-11 08:20 PM

1-بيت من الغبار


كان الباب مردودا فلم تحتج الى المفتاح ، ولما دفعته فاحت رائحة قوية من العفن والرطوبة أثارت إشمئزازها كانها رائحة تفاح فاسد ، لم تر من الأثاث سوى طاولة على جانبيها مقعدان طويلان من الخشب ، وكرسي هزاز عتيق مهترىء قرب الموقد ، المجلى المحفر رأت فوقه حنفية قديمة ، إعتقدت ان موضتها إندثرت منذ سنين ، وكانت أرضية الغرفة الحجرية مغطاة بأوراق شجر وبقايا اخرى دخلت ولا ريب من فتحات النوافذ ، وفي الزاوية علامات تدل على ان مخلوقات غريبة إحتلت المكان من قبل وخلفت فيه هذه النفايات ، كان الهواء منعشا بالنسبة الى الحرارة في الخارج ، وبسبب قميصها الملتصق بظهرها العارق احست برعشة برد في جسمها ، لم يكن البيت نظيفا منذ إستعماله لآخر مرة ، وقد غطى رماد الموقد كل شيء بطبقة خفيفة من الغبار.
احست هارييت خيبة تلسع قلبها ، هل من المعقول ان تبقيا هنا ؟ إن المكان قذر ورطب ، ثم ما هذا الحفيف الذي تسمعه ؟ جرذان؟ وبحركة لا شعورية ، رفعت قدميها عن الأرض بالتناوب ، وتملكتها رغبة في أن تطوي حافتي بنطلونها حول كاحليها ! اين البيت الريفي النظيف الذي توقعته ، البيت الأبيض الخلوي المشيد في وادي دوردون الشهير بعرائش العنب وفطائر الباتيه ، حسبما جاء في كتيب الدعاية الذي أطلعت عليه؟ كيف يمكن أن يباع بيت مهجور كهذا على اساس أنه مكان صالح للسكن ؟ كيف جرؤ احد على ان يبيعها إياه؟
كانت قد تركت سوزان في السيارة لكنها سمعت خطواتها على الممر تقترب منها ، فإستدارت اليها وهي تحاول إخفاء شيء من الحنق والخيبة ، لقد مرت سوزان بظروف عصيبة في الأسابيع الخيرة ، واملت هارييت الان ان لا يفسد منظر هذا المكان كل الجهود الطيبة التي بذلت من أجل راحتها ، بدت فكرة ممتازة أن تصطحب إبنة اختها الى جنوب فرنسا لبضعة اشهر كي تغيّر جوها السابق كليا ، وكانت بادرة لطيفة من تشارلز ، رب عملها ، أن يمنحها هذه الإجازة ، ولكن كل ما ادخرته من مال دفعته ثمنا لهذا المكان ، لكونها عوّلت على تأكيدات الوكالة في باريس بأن هذا البيت الريفي في روشلاك يطابق المواصفات التي تريد ، والان عندما إكتشفت الحقيقة المزيفة شعرت بإهانة مرة.
وسمعت سوزان تقول بصوت متفائل:
" اهذا هو المكان؟".
فاجابتها هارييت متنهدة:
" نعم ، مع الاسف".
تخطتها الصغيرة ووقفت بالباب تسألها:
" لماذا مع الأسف؟".
نظرت اليها هارييت كأنها لا تصدق ما تسمع واشارت بيدها قائلة:
" هل السؤال ضروري؟".
فردت سوزان ببساطة:
" صحيح انه قذر ، لكن هذا ليس مهما ، اقصد اننا نستطيع تنظيفه بسرعة".
علّقت هارييت بصوت خائب.
" إنه رطب ! ألا ترين هذه البقع على الحائط؟ إنني أخاف التفكير بالذي ينتظرنا في الطابق العلوي ! وبالنسبة الى الاثاث..".
إجتازت سوزان أرض الغرفة دون ان تبالي بإحتمال وجود ضيوف غير مرغوب فيهم ، وسالتها:
" هل تجوّلت في الداخل؟".
ثم فتحت بابا لم تنتبه اليه هارييت واردفت:
" هذه غرفة الجلوس ، هل تدعى كذلك بالفرنسية؟".
أجابت هارييت آليا:
" يدعى الصالون".
ثم نظرت حولها واجمة ، واردفت:
" سوزان ، إنتبهي أين تضعين قدميك ، سمعت خشخشة عندما دخلت".
" لعلها فئران الحقل التي من عادتها إحتلال البيوت المهجورة ، اين الدرج؟".
" أوه سوزان ! لا عرف!".
تنهدت هارييت ثانية تنظر حولها حائرة ثم قالت حانقة:
" إنها غلطتي وحدي ، كان يجب ان أصر على معاينة هذا المكان قبل أن اصرف فلسا واحدا ، إنتظري ما سوف افعل بالسيد فروند عندما امسك به ! لا اعتقد انه ذهب في حياته الى ابعد من جنوب أورلينز".
عادت سوزان الى المطبخ وقالت تواسيها:
" لماذا تغضبين هكذا يا هاري ؟ هناك مقعدان لائقان في الداخل وطاولة زينة ، لسنا في آخر الدنيا ، اعتقد أنه منزل رائع ، يمكنك أن تشاهدي الحديقة خلف البيت ، كما يوجد جدول........".
فقاطعتها هارييت :
" اتصور انها مغمورة بالأعشاب البرية.. ولا تناديني هاري!".
إبتسمت سوزان إبنة الرابعة عشرة وقد بدا النمش واضحا في شحوب وجهها ، فالاسابيع القليلة الماضية سلبت لونها الشاحب اصلا ، وسر هارييت جدا أن تراها تبتسم هكذا ، إذا كان البيت يثير فيها هذه الحماسة، لا يمكن ان يكون شيئا الى هذا الحد".
وقالت سوزان تعلق على إعتراض خالتها السابق:
" أنت لا تحبين ان أناديك خالتي هارييت ، أليس كذلك؟".
فإنفرجت اسارير خالتها وقالت باسمة:
" هذا صحيح ، إنما افضل ان تناديني بإسمي مجردا ، هارييت فقط ".
" حسن ، انت من اليوم فصاعدا هارييت فقط!".
فضحكتا معا واردفت سوزان بصوت مرتجف بعض الشيء:
" لنتكلم جديا ، البيت ليس سيئا كما تتصورين ، إنني احبه وقد سئمت الاجواء الأخرى التقليدية".
تشاغلت هارييت بتفحص ما حولها لتعطي سوزان وقتا تتغلب فيه على حزنها العابر .... كانت هناك ابواب أخرى ففتحت أحدها بوجل ، وتنفست بإرتياح حين رأت درجا خشبيا يتعرج الى الطابق العلوي ، اعلنت بجفاف وهي تصعد اول درجة:
" وجدت السلم!".

الحب الجارف 13-11-11 08:55 PM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

أمل بيضون 15-11-11 12:33 AM

كان بلا درابزين والدرجات عالية جدا ، مما جعل هارييت تستبعد فكرة تغطيتها بالسجاد ، لكنها كانت متينة على الأقل توصل الى شقة مربعة ذات سقف ينحدر بشدة في إتجاه نوافذ صغيرة فيما الأرضية الخشبية خشنة وغير متساوية ، كانت هناك هيكلية سرير متداعية ودعّاسة بالية ، ومنضدة قديمة للإغتسال عليها طشت وإبريق مشقان ، رائحة الفاكهة الفاسدة كانت اقوى هنا ، وحرارة الشمس تحرم الغرفة من الهواء وتلفها بجو خانق قابض للنفس.
وخيّل الى هارييت ان النوافذ سليمة على الأقل ، لكنها عندما حاولت فتحها إستعصى عليها ذلك بسبب خشبها المنتفخ.
سوزان تبعتها الى فوق ، وسمعتها تهتف ملهوفة:
" إنظري! يوجد فراغ في السقف كانه عليّة ، وهناك باب خفي".
نظرت هارييت حولها بضيق وهي تلف شعرها الطويل الفاتح حول أذنيها بيد لا مبالية.
كانت سوزان تومىء الى فتحة مربعة في السقف المفتت ، فلمحت هارييت سلما خشبيا مسنودا على الحائط قرب السرير ، تركت النافذة العنيدة وإقتربت لتقف تحت الفتحة ، لكنها قطعت على سوزان رغبتها في مواصلة الإستكشاف ، إذ نظرت الى ساعتها وقالت:
" قاربت الساعة الخامسة إلا ربعا ، إذا اردنا قضاء الليل هنا ، وانا لست متأكدة من صواب ذلك ، يجب ان ننشط لتنظيف الطابق السفلي وترتيبه ".
حدّقت اليها سوزان قائلة:
" هل تفكرين في الرحيل؟".
فردت هارييت بهدوء:
" ليس هذا بالضبط ، لكن عليك ان تعترفي بان المكان ليس كما توقعنا ان يكون".
" لا يهمني".
" تقولين ذلك لأنك.....".
" بل أعني ما اقول ، فهي مغامرة بالنسبة الي وقد نمت في اماكن اسوأ يا ألهي ، عندما ذهبت الى مخيم الكشافة".
فقاطعتها خالتها بحزم:
" انا لم انفق آلاف الفرنكات لأحصل على بيت كهذا لا يصلح إلا كمضرب للخيام!".
وحين رأت وجه سوزان يتقطّب أضافت بسرعة:
" ربما إستطعنا ان نفعل شيئا بشان البيت ، لكن بالنسبة الى الليلة فيجب ان نجد نزلا ننام فيه ريثما يتسنى لي الإتصال بالسيد فروند...".
زمّت سوزان شفتيها وإعترضت بإمتعاض:
" لكننا قررنا ان نخيم هنا ! وأحضرنا أكياس نومنا".
فقالت هارييت تذكّرها وهي تشير الى خلف:
"كما تلاحظين يوجد سرير واحد ولا اسمح لكلب بأن ينام على ذلك الفراش ، كما أن الهواء فاسد ويجب فتح النوافذ لمدة كافية".
تجاهلت نظرة الضياع التي إرتسمت في عيني سوزان ، وهبطت السلم وهي تحدث قرقعة على الدرجات بنعليها المصنوعين من الفلين ، ودخلت المطبخ حيث الهواء اكثر نقاوة.
لحقت بها سوزان وتفقدتا الغرفة معا ، وعادت هارييت تقول بإصرار :
" يجب ان تعترفي بانه رهيب ! ".
فاحنت سوزان كتفيها وسألت:
" اين سنمكث إذن ؟ وماذا ستقولين عندما تكلمين السيد فروند؟".
هزت هارييت راسها فهي نفسها لا تعرف ماذا ستقول ... هل تقدر أن تسترد بعض المال المدفوع ؟ إنها تشك في ذلك ، إذ كان عليها أن تتفقد ال**** قبل شرائه ، ولا تسمح لنفسها بأن تنخدع باساطير دعائية عن الكرمة والقصر ، وأمسيات الإسترخاء على ضفاف النهر وهي ترشف الشراب المثلج.
وقالت بصدق:
" لا أعرف الآن كيف ساتصرف".
لاحظت الغبار الذي لطخ قميصها وعبرت الغرفة بحذر على الأرض المليئة بالحفر ، وخرجت الى ضوء الشمس تتنفس بعمق ، ثم فكت زرا ثانيا أظهر عمق فتحة صدرها التي ما جرؤت على عرضها وهي في بلدها.
كانت السيارة متوقفة على الدرب وراء السياج الشائك المحيط بالحديقة ، والهدوء شاملا والوقت يؤذن بالغروب ، ولدى إقترابها من ممر مظلل بالأشجار أحست نشوة كالتي تحسها سوزان ، ولكن حتى هذه الفسحة الأمامية من الحديقة كانت تنبت فيها الأعشاب والشجيرات بفوضوية ، وما بدا لها عملا بسيطا قبل هنيهة إتخذ الآن ابعادا كبيرة ، فجدران المنزل بحاجة ب الى طلاء إضافة الى التصليحات الأخرى ، وما كان أغباها عندما سمحت للورد والمتسلقات ان يعميا بصرها عن هذا الواقع ، أجل ، لم تلحظ الأعشاب التي تصل حتى الركب ، ولا الأشواك الخانقة أو العليق المهدد بخدش الأرجل.
وسالتها سوزان بلهفة وهي تدير المفتاح في القفل الصدىء:
" سنعود اليه ، اليس كذلك؟".
رمقتها خالتها بأسى وقالت:
" سنضطر الى ذلك على الأرجح ، أو قد نعود الى بلدنا".
إرتجفت شفتا سوزان وقالت متوسلة:
" لن تفعلي ذلك ... اقصد انه لا يجب أن نفعل ذلك..".
قطبت هارييت بإذعان وقالت موافقة:
" سنعود على الأرجح ، هيا بنا ، انا عطشى ، هناك علبة من عصير الليمون في السيارة على ما أظن".
احست هارييت بمزيج من التعب والتشاؤم ، كانت تقود السيارة منذ الصباح الباكر والشوق يحثّها على الوصول الى وجهتهما المنشودة ، لكن كل آمالهما فقدت رونقها ، وحتى إستياؤها من السيد فروند تحول الان الى غضب على نفسها ، متى ستتعلم ان الناس ليسوا دائما كما يبدون؟
تقاسمت علبة العصير مع سوزان متظاهرة بإهتمام لم تكن تشعر به إطلاقا ، إستعانت بالخريطة التي فردتها على مقود السيارة وقالت وهي تشير بدقة الى مكانهما:
" نحن الآن على بعد ثلاثين كيلومترا من بيناك وأظنها أقرب مدينة الينا ، لكن القرية اقرب بالتأكيد وتدعى روشلاك ، هل علينا برايك أن نحاول إيجاد مكان فيها؟".
أجابتها سوزان:
" بكل تأكيد".

haneen el nada 15-11-11 05:33 AM

Mtab3aky ya Amal
Zo2ek dayman 7elw be ekhtyar elrewayat

لمى .. 15-11-11 02:11 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

anvas 15-11-11 10:00 PM


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيفك اموول..؟
/
يااسلام..يااسلام
صرااحه الروايه كثير ..كثير
حلووه..إلى الان اعجبتني ..وابدآيتهآ طيبه
اعجبتني هآرييت..:$
\
بالنسبه لسوزآن اتوقع انه قبل فتره فقدت آهلهآ
وهالرحله هي للاستجمآم والابتعآد لفتره عن الاحدآث الحزينه
واتوقع كمآن..ظهور البطل ويكون ساكن في هالنآحيه
/
مشكووره مرا ثانيه الغالليه
وبانتظاارج...=)
بلهفه


أمل بيضون 15-11-11 11:48 PM

كان واضحا انها تفضل البقاء من المنزل ، والقرية لا تبعد عنه اكثر من ثلاثة او أربعة كيلومترات".
فردت هارييت مفكرة:
" قد لا نجد نزلا هناك".
" لدي شعور أكيد باننا سنجد واحدا".
" وإذا إتضح العكس ، ماذا سنفعل؟".
فهزت سوزان كتفيها وقالت:
" في هذه الحال سننام في السيارة".
واذعنت خالتها لمشيئتها......
عادت هارييت تقود السيارة على الطريق المشقوقة بين قريتي بلسوربو وروشلاك ، وأحست بشعور بسيط من من الالفة أتجاهر وشلاك ، هو الذي جذبها اليها بالدرجة الأولى ، إنما لم تستطع تحديد هذا الشعور.
وأمكنهما من الطريق ان تريا البيت المحاط بالشجار وحتى رؤية سطحه القرميدي الرمادي وخلفه الجدول المتدفق ، كان كل شيء يبدو ساحرا من بعيد ، لكن إرهاق هارييت الشديد حال دون تقديرها لهذه الحسنات ، أما سوزان فتطلعت اليه بحنين عبر كتفها لكن خالتها ضغطت بقوة على دعاسة الوقود فإنطلقت سيارة الفيات الصغيرة تركض بهما قدما.
بدت روشلاك ملتصقة بجانب التل المطل على النهر والذي يتفرع منه الجدول المجاور للبيت المهجور ، وخمنت هارييت أن السير الى القرية بمحاذاة النهر قد يكون اسرع من الوصول اليها بالسيارة ، لكنها سرعان ما إنصرفت عن هذه الفكرة المشجعة على البقاء ، إذ اقنعت نفسها بانهما قد لا تعيشان فيه ولا حاجة إذن الى هذه الحسابات.
كانت القرية ذات جمال طبيعي رائع كما تمنتها أن تكون ، طرقات ضيقة ، شرفات تعج بالمتسلقات المزهرة ، ساحة صغيرة وبرج عال ، أوقفت السيارة أمام حانوت لبيع الحلوى تنبعث منه رائحة خبز طازج تسيل اللعاب ، ثم اقفلت السيارة وسارت مع سوزان على الدرب الشديد الإنحدار المرصوف بالحصى والمؤدي الى النهر.
البيوت على جانبي الطريق عالية ومتلاصقة كما لو أنها تتزاحم على إيجاد فسحة فيما بينها ، واسطحتها المنحدرة الرفيعة الرؤوس تبدو كالرماح على كتف الجبل الصخري ، وذات نوافذ بارزة الى الخارج وبعضها مغطى بستائر ملونة من الكتان السميك لتحميها من تأثير الشمس المشعة على النهر الجاري بسلاسة وغموض.
وقفت سوزان على حافة الطريق ونظرت من فوق الى أعماق النهر ، إنضمت اليها هارييت وقد جذبها على التو مشهد مركب سياحي يتهادى عليه ، فيما الركاب يغمسون ايديهم في مياهه الباردة.
ثم تنهدت بحسرة وقالت:
" هيا بنا ، يجب أن نبحث عن مكان نمكث فيه".
وهتفت سوزان فجأة :
" أوه ، إنظري!".
كانت تشير الى ما وراء القرية ، الى ابراج قلعة او قصر تطل من فوق الأشجار التي تغطي واجهته.
لقد شاهدتا نماذج عديدة من هذا الفن المعماري في طريقهن الى روشلاك ، وتوقفتا في بيناك لمشاهدة القصر الذي كان في يوم من الأيام معقل ميركاديه الرهيب ، فأثناء حكم ريتشارد قلب الأسد ، إستبيحت ونهبت الضاحية حول بيناك حتى جاء سيمون دو مونفورت بنفسه وفرض هيبة الأمن في عام 1214 ، هذه الناحية من فرنسا كانت تعمها حكايات من هذا النوع ، وتاريخها الجياش لم يكن إلا جزءا بسيطا من جاذبيتها.
سالتها سوزان بفضول:
" هل تظنين أن أحدا يسكن هنا؟".
لكن هارييت هزت راسها ، فعلّقت الصغيرة:
" أنني اشاطرك تخمينك ، لنتمشى الى الساحة مرة ثانية ، فلا توجدهنا فنادق او بانسيونات".
وظهر أن هذه القرية لا يوجد فيها إستعدادات لأستقبال السياح ، وصاحب المقهى الوحيد اوضح انهم لا يستقبلون زوارا كثيرين ، ولحسن الحظ كانت هارييت طلقة اللسان بالفرنسية ، لأن عملها كان قد جاء بها أكثر من مرة الى فرنسا ، ولذا علمت أن صاحب المقهى يعرف عددا قليلا من الكلمات الأنكليزية.
وسالت هارييت وهي تحاول إخفاء نفاذ صبرها :
" وماذا الآن ؟ لا اجد فكرة العودة الى بيناك مستحبة".
فقطبت سوزان وخاطبت صاحب المقهى قائلة:
" هل تعرف احدا يمكنه إستضافتنا هذه الليلة؟".
عبس الرجل وغاص في خطاب طويل لم تفهم سوزان منه إلا القليل ما عدا كلمة قصر ، وأدارت عينيها المرتبكتين نحو هارييت التي حزنت عليها وأوضحت كلام الرجل بقولها:
" ماكون أي صاحب المقهى كان يؤمن متطلبات القصر ، ويقول أنه ما عدا القصر لا توجد بيوت تستطيع إستضافة الزوار".
" هل القصر فندق؟".
سألت سوزان بحماسة لأنها وجدت فكرة قضاء الليلة في قصر من العصور الوسطى شيقة جدا ، لكن هارييت خيّبت أملها سريعا وقالت:
" يبدو أن لا أحد يعيش في القصر هذه الأيام ، إذ لم يستطع المالك تأمين تكاليف الصيانة فاخذ القصر يتداعى كغيره من القصور ، إنتظري قليلا ".
قبلت هذه الجملة بحرارة شديدة جعلت السيد ماكون وسوزان ينظران بدهشة الى هارييت التي قفزت من مكانها ، وراحت تقول:
" سيد ماكون ، هل القصر جزء من الممتلكات ؟ هل الذي يملك الأراضي يملك المزارع المحيطة بها؟".
تعجب الرجل كانه صدم من السؤال الذي لم يعجبه لكونها تخطت حدود التطفل ، فرفع جسمه المسترخي عن المقعد وقال بصوت متشنج:
" ذلك ممكن ايتها الآنسة ، والآن إسمحا لي بالإنصراف".

أمل بيضون 16-11-11 12:10 AM

فقلصت هارييت قبضتيها وسألته بتوسل:
" لحظة من فضلك ، هناك شيء آخر ، من يملك القصر؟".
مسد صاحب المقهى صدريته ، وسال بتهرب:
" لماذا تريدين أن تعرفي؟".
إلتفتت هارييت الى سوزان ثم قالت للرجل بتردد:
" إننا في الواقع ، اقصد انني....... إشتريت ****ا يبعد بضعة كيلومترات من هنا ، واتساءل من يملك هذا القصر ، إشتريت ال**** بواسطة وكيل في باريس".
نظر اليها مرتابا وقال :
" ولكنك سألت عن مكان تمضيان فيه الليل؟".
تمكنت هارييت من كبت الغيظ الذي كان ينبعث من كل جزء فيها وقالت:
" المنزل يحتاج الى تهوية وتنظيف".
لكنها أيقنت ان السيد ماكون لم يكن مقتنعا بما تقول.
إلتفت الرجل حوله بريبة كأنه يأمل أن يجد زبونا آخر ليمنحه كل إهتمامه ، ولكن المقهى الصغير كان مقفرا في هذا الوقت من النهار ، وحزرت هاريييت أنه كان يتمنى لو اقفل باكرا ليتجنب الرد على مثل هذا السؤال.
وحثّته هارييت سائلة:
" على الأقل ، ما إسم هذا القصر؟".
إستنتجت انه مهما كان إسم القصر فلا بد ان صاحبه يحمل الإسم نفسه.
" إنه قصر روش فورت ايتها الانسة ، أي شخص يستطيع أن يقول لك ذلك".
" شكرا".
لملمت هارييت حقيبتها وخريطتها التي كانت تحملها وغادرت المقهى بصحبة سوزان التي سالتها حالما أصبحتا بعيدتين عن مسمع الرجل :
" علام كان كل هذا الجدل ؟ ماذا يهمك من يملك القصر؟".
إبتسمت هارييت بداخلها وقالت لها:
" الأمر واضح وحسبتك حزرت الحقيقة".
ظهرت العصبية على سوزان ، فخاطبتها هارييت قائلة:
" الا ترين ؟ إن السيد فروند يمثل المالك ، والبيت الذي إبتعناه ربما كان ملك الكونت دو روش فورت ، إذا كان يدعى كذلك".
إنفرج وجه سوزان وهتفت:
" فهمت ، تعنين أنه قد يتوجب علينا التكلم مع المالك ، أليس كذلك؟".
" شيء من هذا القبيل".
" ولكن متى؟ الان؟".
" يا ألهي ، كلا".
ثم نظرت هارييت الى ساعتها ، وهزت راسها قائلة:
" الساعة تقارب السادسة ، لا جدوى من ان نحاول إيجاد طريقنا الليلة ، وإلا تهنا ، يجب ان نترك هذا العمل الى الغد".
وسالتها سوزان :
" وما العمل الان ؟".
إبتسمت هارييت إبتسامة صفراء وهي تنظر الى سوزان قائلة:
" إنني إمقت الفكرة ، لكن يجب أن نعود ادراجنا".
" الى البيت؟".
بدت سوزان في غاية الفرح واللهفة فأجابت هارييت بجفاف :
" نعم الى المنزل ، ولكن اقترح أن نبتاع بعض الأشياء قبل أن نذهب ، مثل مبيدات للجرذان ومساحيق للتنظيف".
كانت السيارة محملة بالأغذية الكافية لأسبوع واحد ، ولكن هارييت أضافت علبة من الحليب وكمية من البيض وذلك من باب الإحتياط.
وقالت لسوزان عندما لاحظت الإبتسامة العنيدة على محياها:
" آمل الا تظني انها ستكون نزهة".
فقهقهت سوزان ضاحكة لتعليق خالتها وردت:
" لا احسبك آسفة كليا للعودة الى البيت كما تحاولين أن تظهري".
لم تستطع سوزان إخفاء نشوتها عندما إنطلقت بهما سيارة الفيات الصغيرة على الطريق المتعرج بين الأشجار ، بينما الشمس تغيب وتضفي بريقا على قرميد البيوت وهي تسدل وشاحا من الظل على الجدران المشقّقة كأنها خلية في الغروب تخفي شوائبها.
وعندما أوقفت هارييت سيارتها أمام البيت ورأت دخانا يتصاعد من المدخنة إرتجف قلبها بقوة إذ جالت في خاطرها قصص الأشباح والأساطير التي سمعتها .
وصرخت سوزان:
" هناك دخان يتصاعد من المدخنة ! هارييت ، نحن لم نضرم النار في الموقد!".
نظرة واحدة الى وجه الفتاة كانت كافية لتعيد الرشد الى هارييت التي رددت:
" كلا ، لم نضرم النار في الموقد".
فتحت الباب وترجلت برباطة جاش أذهلتها ، مع العلم ان ساقيها كانت ترتجفان وهي تقطع الممر القصير المعشوشب الذي يقود الى المدخل ، وإنقبض قلبها في صدرها عندما ظهر شخص طويل القامة أمامها لم تستطع تمييز ملامح وجهه لأن شعاع الشمس كان يبهر نظرها ، توقفت بتردد ، متسائلة إن كان هذا الرجل متشردا أو متطفلا ، تساءلت إن كان شرسا ، وعندئذ تكلّم فاحست العالم المحيط بها يتبخر !
وهتف الرجل غير مصدق ما يرى:
" هارييت ! يا ألهي ، أحقا أنت هارييت بنفسها ؟".

haneen el nada 16-11-11 05:36 AM

[:31-1-rewity:SIZE="5"]Allah ya3teeky el3ajya ya Amal
Bejad ana kteer mabsouta enek dayman
:sm92::sm92:ma btet2akhary 3aleina be tanzeel elrewaya
Ya3teeky 1000000 3afya ya 2amar
[/SIZE]

:elk::elk:

خفايا الشوق 16-11-11 06:50 PM

شـكــ ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

أمل بيضون 17-11-11 10:11 PM

2- جرح يستيقظ ؟


تجمّدت هارييت في مكانها ، احسّت ان سوزان قد لحقت بها واصبحت وراءها وأحسّتها تلمس ذراعها وهي تسألها هامسة:
" من هذا يا هارييت ،هل تعرفينه؟".
لكن هارييت لم تجب ، كانت مصعوقة ، مرتبكة ، فاقدة تماما إمكانية إستعمال أوتارها الصوتية لتسمح لكلمة ما بأن تخرج وتعبّر للرجل عما يجيش في نفسها ، هل تعرفه ؟ وفكرت منذهلة ، هل عرفته؟ ليتها لم تعرفه ، ليتها لم تلتق به ابدا ....ولكن كل هذا لم يفسر ماذا كان يفعل هنا.
اراحها الضغط على حقيبتها ،ولما زال وهج النور الذي يغشي بصرها ، تمكنت من رؤيته جليا .... لو لم يتعرف اليها بسرعة هل كان بمقدورها التعرف اليه ؟ طردت هذه الفكرة من راسها لأنها غير جديرة بذكائها ، طبعا كانت ستعرفه ، لم يتغير كثيرا ، ربما اصبح نحيلا ، لذلك بدت الخطوط عميقة في وجهه ، وفي شعره خصل بيضاء لم تعهد كثرتها من قبل ، لقد مضت ثماني سنوات على فراقهما واصبح الان في الأربعين أو أكثر ، وها هو السواد يغلب على لون شعره الذي إنسدل على ياقة قميصه ذي القماش الخشن ، كان ينظف الموقد على ما يظهر ، لأن ذراعيه بدتا مسودتين بغبار الفحم لذلك لم يحاول لمسها ، لكنه نظر اليها بعينيه السوداوين اللتين ما نسيتهما ابدا ، قال:
" هارييت ، لم اعرف انك انت !".
"ماذا كنت من قبل؟".
خرجت الكلمات متقطعة حادة ، لا تشبه أبدا صوتها المبحوح ، نظر اليها بغرابة واوضح قائلا:
" لم أدرك أنك أنت التي إشتريت البيت ، ماذا تظنين أنني قصدت ؟".
آثرت هارييت ان لا تجيب ، وإلتفتت الى سوزان بقلق وقدّمتها بصوت خافت:
" إنه السيد لاروش يا سوزان ، لقد إلتقينا منذ سنوات في باريس في مزاد علني".
ما قالته كان إخفاء للحقيقة ، وخشيت ان يفضح الأمر ، لكنها خمّنت انه لن يفعل ذلك.
قال للفتاة وهو يحني راسه بتهذيب:
" كيف حالك يا سوزان ؟ المعذرة ، لم أستطع مصافحتك".
ومد لها يديه المتسختين.
إبتسمت سوزان قليلا ، ونظرت الى هارييت كانها تطلب الإرشاد ، فتنحنحت خالتها وقالت:
" حتى الآن لم توضح سبب وجودك هنا يا سيدي".
نطقت هذه العبارة بقسوة ، مع انها كانت متضايقة من قوة نظرته اليها ، أجابها:
" حسبتك تعلمين ، يجب إذن أن أقدّم إعتذاري عن حالة البيت المزرية ، لكن حتى يوم أمس لم أعرف أن السيد فروند قد وجد شاريا للبيت".
نظرت اليه هارييت بهلع وهتفت:
" هل تقصد انك المستأجر القديم؟".
" هذا صحيح".
كان من الصعب عليها تصديق ذلك لكن كل شيء لا يصدّق ، حتى لاروش نفسه يبدو مختلفا جدا عن الرجل الأنيق المتحضر الذي إلتقيته في صالات سان جرمان في باريس ، كان يرتدي آنذاك ثيابا انيقة ونظيفة، مفصلة بعناية لتظهر نحول جسمه ، إنما ألآن يجب ان تأخذ بعين الإعتبار أنه كان ينظف الموقد ، لكن القميص الذي يرتديه مصنوع من قماش خشن ، إما بنطلون الجينز الملتصق بعضلاته القوية فيبدو رثا وعتيقا.
سالته بصوت خافت ، وهي تحس إشمئزازا وإمتعاضا إتجاه المكان :
" هل تسكن هنا؟".
فهزّ رأسه وقال مفسرا:
" كلا ، لم اقل ذلك ، انا أسكن.... على بعد بضعة كيلومترات من هذا المكان ، وعندما علمت من السيد فروند أنه باع البيت ، تيقنت أنه يجهل حالة المنزل".
تنهدت هارييت وقالت:
" فهمت".
صوت قرقعة من الداخل جعل الرجل يستدير ، فإستاذن منها ودخل ليهتم بالحطب الذي كان يحترق متأججا في الموقد ، تبادلت هارييت مع سوزان نظرات المغلوب على أمره ، ثم تبعته الى الداخل.
بدت الغرفة أصغر حجما بوجوده بجانب المدفأة ، إنما لاحظت النفايات قد نظفت ، وإن شبه محاولة قد تمت لتنظيف الطاولة والكراسي.
سالته وهي لا تصدق ما ترى:
" هل انت الذي فعل ذلك؟".
فأومأ بالإيجاب وقال وهو يكدس مزيدا من الحطب:
" كنست الطابق العلى مساء أمس لكنني لم أجد متسعا من الوقت لأكمال كل شيء ، عن كل شيء بدائي هنا كما ترين".
تريث قليلا نوعندما لم تبد ملاحظة وقف وإستدار اليهما قائلا:
" بإمكانكما تفقد المكان ، وإذا تبيّن لكما ان البيت ليس كما وصفه السيد فروند ، فلا استطيع ان الومه ، لكنني سأطلب منه ان يعيد لكما الثمن حالا".
تطلعت سوزان بقلق نحو خالتها ، كانت لغة لاروش الأنكليزية أحسن بكثير من لغة هارييت بالفرنسية ، ولم يكن هنالك مجال للإلتباس ، وإعترفت هارييت بتردد:
" في الواقع اتينا الى هنا باكرا وتفقّدنا المكان حينئذ ".
" آه ".
لم يبد عليه الإستغراب وأردف:
" أذكر أنني لم اقفل الباب".
فشهقت هارييت وسالته مندهشة:
"وهل لديك مفتاح؟".
اخذت عضلات وجهه تتقلص وأجاب:
" بالتأكيد ، قلت لك أنني اعلم أن السيد فروند قد باع البيت ".
"حسنا ، إذا كنا سنبقى هنا فانتظر منك ان تعطيني المفتاح ".
تحرك فمه كأنه يهزأ بها وقال:
" بالطبع".

haneen el nada 18-11-11 04:29 AM

teslamy ya 2amar
ma tetakhary 3aleina

همسه فرح 19-11-11 06:10 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . :rogaan:

تقبلي مروري............:6[1]:

أمل بيضون 19-11-11 08:22 PM

احست هارييت بإحمرار وجهها وإنتبهت الى فتحة قميصها وشكلها المشعث ، فحتى تلك اللحظة كانت مشدودة الى مظهره فلم تبال بمظهرها .
إرتفعت اصابعها بطريقة آلية لتقفل زر قميصها ، وكأن الرجل أحس بحرجها فادار وجهه لتفقّد النار ، كانت خيالات الغسق تعتم الممر في الخارج فبدت النار فرحة ومشعّة ، وإنعكاس الشمس الغائبة اضفى على الغرفة سحرا غريبا.
ظنّت هارييت أنه بعد تنظيف البيت وطلاء الجدران سيتحسن منظره ولكن البيت لم يعد المشكلة بل الرجل الذي يقف قرب المدفاة اصبح هو العقبة.
شدّت سوزان كم قميص خالتها وسالتها بلوعة:
" سنبقى هنا ، اليس كذلك؟".
فبدرت عن هارييت حركة توحي بنفاد صبرها وقالت:
" ارجوك ، لا تضايقيني!".
كانت سوزان مصممة على البقاء لكن هارييت رفضت الإبتزاز ، صحيح انها هي التي إقترحت ان تصطحب إبنة اختها لبضعة أشهر لتشفيها من صدمة موت والديها ، لكن إذا كان السيد فروند مستعدا لأعادة المبلغ اليها ، فلا يوجد سبب يمنعها من شراء بيت او كوخ في مكان آخر من البلاد ، إلا انها تحب منذ زمان هذه المنطقة ، وتريد البقاء فيها.
لكن كل هذا كان قبل أن تعرف من سيكون جارها ، كيف تستطيع أن تمكث هنا ، على رمية حجر منه ومن عائلته ؟ كيف تستطيع أن تتحمل فكرة لقائه في أي وقت.... أو إلتقائها بزوجته؟ ربما وجودها هنا سيعتبره دعوة مفتوحة ليجدد العلاقة التي كانت بينهما ، وهي لن تدعه يفعل ذلك ابدا ! إن وجوده هنا أذهلها ، وتساءلت منذ متى أصبح يقوم بأعمال يدويه؟
وقال فجأة :
" أخيرا تبدو النار متقدة كما يجب!".
تقدم من المغسلة ليغسل يديه المتسختين ثم سال:
" هل تنويان قضاء الليل هنا؟".
لفّت هارييت حمالة حقيبتها حول معصمها ، وردّت بإختصار:
" اجل ، لقد ذهبنا الى القرية بحثا عن نزل ، لكن صاحب المقهى المدعو ماكون قال لنا أنه لا توجد بانسيونات في هذه الناحية".
" هذا صحيح ، مع العلم ان شركة اميركية ، رغبت مؤخرا في شراء القصر وتحويله الى فندق من الدرجة الأولى ".
" قصر روشفورت؟".
فقطب حاجبيه وسالها:
" هل ذهبت الى هناك؟".
قالت وهي تهز راسها:
" كلا ، مجرد فكرة .... لا يهم ".
نظرت هارييت الى سوزان ثم اضافت :
" ربما نعلمك غدا إذا كنا سنبق ... الوقت اصبح متأخرا ، ونحس بالجوع".
نشّف يديه بمنديل سحبه من جيب بنطلونه ، لم يكن المنديل جديدا لكنه نظيف للغاية ، ووجدت نفسها تتساءل عن حقيقة مكانته ، عن حالته تحيّر ، حتى لو كان يستحق العقاب.
قال وهو يضع المنديل في جيبه:
" كيف ستنامان ؟ إن السرير الموجود فوق لا يصلح".
" لا اعتقد ان هذا الأمر يهمك ، يا سيد لاروش".
قالت ذلك ببرود جعل وجهه يحمر قليلا ، فأجاب بهدوء:
" لم أقصد التطفّل".
احست هارييت باللوم وقبل ان تكمل أضاف:
" إذا قررتما البقاء ، سآتي لكما بسريرين عوضا عن الذي فوق والذي يجب ان يتلف".
لم تشكره هارييت ، فالبيت بيع مؤثثا ولا جدال حول ضرورة وجود سرير فيه .
وسالت سوزان فجأة :
اين الطباخ؟".
أجاب لاروش:
" لسنين خلت كان الفرن الوحيد المجاور للموقد الطباخ الوحيد ن لكننا زودنا المستأجرين القدامى بفرن على الغاز ، مع الأسف نقلته منذ اشهر االى القصر وسوف ارسله اليكما إذا آثرتما البقاء".
تنهدت هارييت وقالت:
" وكيف نستطيع تحضير شراب ساخن؟".
فدلّها على ابريق حديدي قرب الموقد وقال معتذرا:
" آسف ، عليك ان تغلي الماء في هذا الوعاء الليلة".
توقف قليلا وكان عينيه تبحثان عن شيء في وجه هاريييت ، ثم اضاف:
" ما لم تودي أن تنضمي الى العائلة لتناول العشاء".
فأشاحت عنه بإنفعال وقرف ، كيف يجرؤ ؟ كيف يستطيع ان يدعوها الى تناول العشاء والجلوس الى الطاولة نفسها مع زوجته وعائلته مع علمه بعلاقتهما... السابقة؟
كادت تختنق وهي ترفض دعوته ، فتحرك منكبيه ودلّت هذه الحركة على أصله الفاليكاني وقال:
" كما تشائين".
واقدّم نحو الباب متابعا:
" سأعود في الصباح لعرف قراركما".
ثم أشار الى القنديل المتدلي من السقف وقال:
" يوجد زيت في داخله ، هل تستطيعين إضاءته؟".
إنتصبت هارييت وقالت:
" أظن ذلك يا سيدي ، تصبح على خير".
أجاب بتهذيب:
" وأنت من اهل الخير".
حيا سوزان بإبتسامة صغيرة ثم تركهما وذهب عبر الممر.
إنتظرت هارييت حتى وصل الدرب ، فاسرعت الى النافذة ،وهي تسكت سوزان التي حاولت الكلام ،وأخذت تراقب الطريق الذي سيسلكه.
إنعطف الى الطريق الممتدة بين بلسوربو وروشلاك ، ودخل بين مجموعة الأشجار التي تحد الجدول ، اكد بذلك نظرية هارييت بأن هذا الممر يقود الى القرية ، إنتظرت حتى غاب عن النظر وإتكأت على الحائط ويدها تضغط على شريان عنقها المنتفض ، نظرت اليها سوزان لثوان ثم سالت بصبر نافذ:
" من هو ؟ ماذا يجري هنا؟".
إنتصبت هارييت وهي تهز راسها:
" قلت لك ... هو ... أنا ... لقد إلتقينا منذ بضع سنوات في باريس".
" هل هو تاجر تحف قديمة ايضا ؟".
" لا أعرف".
" لكنك قلت انك إلتقيته في مزاد علني!".
" اجل ".
ثم ضربت هارييت يدها في الهواء واردفت بحزم:
" إسمعي ، لا وقت لدينا للحديث عن هذا الموضوع ، ستظلم قريبا وعلينا أن نفرغ السيارة".

haneen el nada 20-11-11 12:16 AM

teslamy eydek
bnestana elba2y

استراليا 20-11-11 03:51 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

أمل بيضون 21-11-11 02:15 AM

نظرت اليها سوزان بحرد وقالت:
" لا تستطيعين التخلص بهذه السهولة ، انت لم تلتقيه مرة واحدة فقط ، أنا لست بطفلة ، ويبدو لي ان معرفتكما قامت على عدة لقاءات ".
" أوه ، كفى يا سوزان....".
وخرجت هارييت من البيت .
فألحت سوزان وهي تلحق بخالتها:
" حسنا ! ما الخطا الذي حدث بعد ذلك؟ أقصد أنه جذاب وقد ذكّرني بساشا دي ستيل".
قالت هارييت غاضبة:
" يا ألهي ، لا يشبه ساشا دي ستيل ابدا ! هل ستساعدينني في نقل الحاجيات الى الداخل ام لا ؟".
حملت سوزان صندوق المأكولات وإستفسرت بعفوية:
" هل كانت لك علاقة غرامية به؟".
وللحظة لم تستطع هارييت الكلام لأن السؤال صعقها فأكملت سوزان حديثها وهي تحمل المأكولات الى المطبخ:
" أنه شيء طبيعي ، إنني اعرف فتيات في عمري و ....".
قاطعتها هارييت قائلة:
" أفضل أن لا اتحدث بهذا الموضوع".
وضعت هارييت أكياس النوم على الطاولة وتابعت قائلة:
" هل تفضلين الشاي أم القهوة ؟ أنا لا فرق عندي بين الأثنين".
فهتفت سوزان وهي تنظر اليها بتوسل :
" أخبريني إسمه على الأقل".
تنهدت هارييت وردت بسؤال:
" لماذا؟".
" اريد ان أعرف فقط ، وسوف اتوقف عن الأسئلة إذا اجبت بصراحة".
" أحقا ستتوقفين؟".
" نعم ، نعم اعدك بذلك".
إنحنت هارييت فوق الغراض وقالت:
" إسمه أندريه ، اندريه لاروش ،والآن ، هل يمكن أن نقوم ببعض الأعمال؟".
كان الماء يغلي في الأبريق المنظف ، واللحوم الباردة والجبنة والخبز المقمّر الطازج أشهى ما يمكن مع القهوة الساخنة، كان الباب موصدا على سواد الليل ، وضوء القنديل يبعث الدفء.
قالت هارييت:
" لم نجرب محاسن الإعتسال بالماء البارد ، وتذكري أنه لا يوجد حمام ، هل لاحظت التواليت وأنت تمرين بالجدول؟".
اومأت سوزان قائلة:
" إنه وراء الباب الخلفي مباشرة ".
فقالت هارييت :
" سوف نستعمل الكيماويات ...".
ثم زمّت شفتيها قرفا وتابعت:
"لا استطيع ان الوم أحدا على ذلك ، كنت أعرف أن التسهيلات غير مشابهة لما إعتدنا عليه ولكن...".
قاطعتها سوزان قائلة:
" سنبقى هنا اليس كذلك ؟ إنه ليس سيئا كما توقعناه ، وإذا أمّن لنا أندريه لاروش سريرين......".
" السيد لاروش من فضلك".
قاطعتها هارييت بحدة وتابعت قائلة:
" لا اعرف ماذا سافعل ، إذا أعاد لي السيد لاروش المبلغ ، من المستحسن أن أستعيد دراهمي".
فشهقت سوزان وقالت بإنفعال:
" أوه ، كلا !".
بسطت هارييت يديها كأنها لا تستطيع فعل شيء وقالت:
" يمكنني شراء بيت آخر ، وفي مكان اقل وحشة من هذا".
" لكنني أحب هذا المكان !".
هتفت سوزان وهي ترفع شعرها عن جبينها وبدت في هذه اللحظة تشبه والدتها كثيرا.
صوفي والدة الفتاة كانت ذات شعر أحمر وعينين زرقاوين ورثتهما إبنتها سوزان ، مع العلم أن شعر سوزان أكثر زرقة، ولم تكن لديها المشاكل الجلدية نفسها التي كانت والدتها تعاني منها ، اما هارييت فعيناها بنيتان وأقوى من عيني سوزان التي تشكو من قصر النظر ، تأثرت هارييت لذكرى شقيقتها وترددت مع أن كل شيء في داخلها كان يحثها على ترك البيت ما دامت الظروف تسمح بذلك ، وتفضل الإبتعاد عن روشلاك قبل ان تزج في وضع تندم عليه.
" سوزان.... سوزان".
قالت مسايرة ، لكن إبنة اختها كانت لها قوة ابيها نفسها فواجهت خالتها بعناد وقالت:
" وعدت بان نبقى هنا ، كنت دائما تقولين انك تودين الإقامة في وادي دوردون لتستكشفي القصور والكهوف ، أما الآن فانت تغيرين رايك، وكل ذلك من اجل هذا الرجل !".
" هذا ليس صحيحا !".
إحمرت وجنتا هارييت وتابعت:
" تعلمين يا سوزان أن المكان لم يعجبني عندما رأيته".
" لكنك كنت ستبقين ، وكنا سنحاول تحسين الوضع ، ذلك حتى اللحظة التي إلتقيت فيها اندريه لاروش!".
" سوزان !".
" لا اصدق أنك لا تحبين هذا اليت ، بإستطاعتنا تحويله الى جنة ، وأنت تعلمين ذلك ، ماذا حدث ؟ هل تركك أو حصل شيء من هذا القبيل ؟ الذلك أنت عانس في السادسة والعشرين؟".
حالما انهت سوزان كلامها ، ندمت على ما قالته فوضعت راسها على ذراعيها المطويتين وأجهشت بالبكاء كأنها مكسورة القلب ، تركتها هارييت تبكي لفترة وجيزة لأنها أيقنت ان هناك أسبابا أخرى غير خيبة الأمل التي جعلتها تذرف الدموع.
لم تشف بعد من صدمة وفاة والديها بحادث سيارات جماعي منذ ستة اسابيع ، وكانت هارييت مخطئة في تفكيرها إذ إعتقدت أنها تستطيع تحوير افكار الطفلة حينما يطيب لها ، بالنتيجة ربما إلتقت باندريه في أي وقت وفي عدة اماكن تجري فيها مزادات علنية في انحاء فرنسا ، ربما كانت فكرة صائبة ان تخرج طبقة من حياتها لآخر مرة ، على ان العلاقة التي كانت بينهما في تلك الحقبة من حياتها اثرت على كل علاقاتها اللاحقة ، ولم تكن سوزان مخطئة عندما إتهمتها أنها عانس ، فالرجل الوحيد الذي دخل حياتها بعد أندريه هو تشارلز ولم يكن بينهما إلا حبهما المشترك للأثريات.
نهضت من مكانها وتقدمت نحو الفتاة وإحتضنتها ، إعتذرت سوزان بصوت خافت وأسندت وجهها اليها وهي تشهق باحثة عن منديلها ، كانت العاصفة قد هدات فنظرت الى خالتها بسذاجة وقالت:
" آسفة".
قالت هارييت بمرح:
" لا تكوني سخيفة ، لست غاضبة وربما انت على حق فانا عانس بالفعل".
" كلا ، لست بعانس يا خالتي ، كل ما في الأمر انك تكرسين وقتك لعملك ، صديقاتي يقلن انك لبقة وثيابك دائما في غاية الأناقة ، أنت لا تشبهين أمي ، أقصد .... لم تبدي إهتماما بالزواج ولا بإنشاء عائلة، أليس كذلك ؟ ولكنني أعتقد انك عرفت عددا كبيرا من الرجال ....".
" إنك تظهرينني كإمراة قاسية انانية !".
كانت هارييت تبتسم وهي تجيب لتخفف اللم الذي احدثه كلام الفتاة ، لو علمت سوزان بالمرارة التي تشعر بها !
قالت سوزان:
" انا ايضا أود ان أكون مثلك ، لا أريد الزواج من أحد حتى اصبح في الثلاثين من عمري ، اريد ان تكون لدي مهنة".
إستدارت هارييت لتأخذ الأكواب الفارغة وتضعها على المجلى ، في الخارج اصبح السواد دامسا ، والحشرات التي يجذبها النور كانت تصطدم بزجاج النافذ الملطخ ، من فترة وجيزة كانت هارييت قد وضعت مكان الزجاج المكسور نوعا من الكرتون على النوافذ ، والان عندما رات الحشرات والبعوض تحاول ان تعبر الى داخل المنزل فرحت لما فعلت ، فهي لا تحب الحشرات على أنواعها.
سألتها سوزان وقد قررت ان تترك للغد إستيضاح هارييت حول بقائهما أو عدمه:
" أين سننام؟".
" هنا على ما أظن فالهواء في غرفة الجلوس يبدو رطبا ، وافضل أن تكون الحجرة نظيفة قبل أن نستعملها".
" حسنا".
إستعادت سوزان رباطة جأشها السابقة وأخذت تفرش أكياس النوم قرب النار ، وإستأذنت خالتها قائلة:
" هل بإمكاني تأجيل الحمام الى صباح غد ؟ إنني اشعر بالنعاس الشديد ".
" حسنا".
فقالت سوزان باسمة:
" لكنني سأذهب الى التواليت قبلك لتأكد انه خال من الحشرات التي تكرهين".
عندما عادت هارييت الى البيت سمعت نعيق بوم ، فكتمت ضحكة هستيرية كانت على وشك ان تخرج من اعماقها ، لماذا لم تتصور كيف يصبح المكان في الظلام ؟ وأقفلت الباب وهي تشعر بشيء من الإطمئنان.
ومع انها كانت منهوكة القوى ، إلا انها لم تستطع النوم جيدا لأن امورا كثيرة جالت بخاطرها ، ولا سيما القرار الذي ستتخذه في اليوم التالي ، اما سوزان فكانت تنعم بنوم هادىء عميق فحسدتها لأنها تستطيع ترك مشاكلها تحل نفسها بنفسها.
فكرت هارييت بالوضع الذي تعانيه ، ماذا ستفعل ، علما ان سوزان ستكون بغاية التعاسة إذا باعت البيت ، وكم سيستغرق إيجاد مكان آخر حتى لو توفر لها المال ؟ في كل حال ، لقد منحها تشارلز عطلة شهرين فقط كما على سوزان ان تعود الى المدرسة في شهر سبتمر / ايلول.
لا حل لها ألا البقاء هنا حتى لو لم تحب هذا التدبير ، إنها ثمانية اشهر فقط ، ومتى إستتب بهما المقام بطريقة مرضية ، فلا حاجة لهما لأن تريا أندريه لاروش ، فهما لا تدفعان إيجارا لتضطر الى رؤيته ، ولا شك أن زوجته ستسارع الى الإعتراض إذا بدأ يتردد عليهما بكثرة... هل هي غير واثقة من نفسها ومن مشاعرها الى حد الإستسلام الى فكرة الهرب الجبانة ؟ إن الماضي مات ، والألم الذي تحسه ناتج عن جرح قديم فتحته فجأة يد ثقيلة قاسية ، فكل جرح يتعرض للهواء قد يتأخر شفاؤه ، لكن ليس من شيء يقنعها بانها ستتخلى يوما عن إحساسها بالكره والإحتقار اتجاه الرجل الذي ايقظها بقسوة على حقائق الحياة.


haneen el nada 21-11-11 02:53 AM

teslamy eydeky ya 2amar

أمل بيضون 22-11-11 11:06 PM

3- لماذا نام الحب؟

إستيقظت هارييت على صوت الماء الذي كانت سوزان تعبّئه في الأبريق ، وقد تمكنت من تحريك الجمر دون ان تحدث صوتا يزعج خالتها ، ثم أضافت بعض الأغصان اليابسة ، وبعض قطع الكرتون من بقايا العلب التي كانت تحتوي المأكولات ،ونجحت في إبقاء النار لتغلي الماء المطلوب للإفطار.
تحركت هارييت في نومها ، واحست أنها مرتاحة برغم تشنّج ظهرها ، في الخارج ، كانت الطيور تغرّد ورائحة البراعم تفعم الجو بالعبير ، كل شيء أصبح أكثر إشراقا مما كان يبدو في الظلام ، مع ان أشعة الشمس التي تسللت عبر النوافذ الملطخة كانت تضيء عيوب الغرفة.
نامت هارييت بثيابها ، والان عندما خرجت من كيس النوم ، احست بالحرارة والعرق وتذكرت ما قالته عنها سوزان في الليلة الماضية بانها عانس ، هذا التشبيه بدا اصح في تلك اللحظة لأن منظرها يوحي بذلك .
سألتها سوزان وهي تضع الأبريق فوق النار:
" هل قضيت ليلة مريحة؟".
فلم تبح لها هارييت بانها لم تغمض عينيها قبل ساعات الفجر الأولى ، وسالتها بدورها:
" وانت؟".
ثم نهضت واخذت تطوي كيس النوم فأومأت سوزان بحماسة وقالت :
" نمت كقطعة خشب ، ربما بتأثير المناخ".
ثم ملأت صدرها بالهواء النقي وتابعت قائلة:
" اليس الصباح الريفي ساحرا؟".
لفت هارييت كيس النوم ووضعته على الطاولة وقالت متسائلة:
" اتظنين ان الجدول ضحل؟".
فردت سوزان بلهفة:
" جدولنا؟ لا أظنه عميقا إذا كان هذا ما تقصدين".
فعبست هارييت قائلة:
" هل بإمكاني أن اغتسل فيه ؟ أحس أنني متسخة ، وبحاجة الى حمام جيد قبل أن ابدّل ثيابي".
أجابت سوزان :
" سأذهب لأستطلع إذا أردت".
" كلا ، لا تتعبي نفسك ، سأذهب أنا ، هل اخرجنا المناشف من الحقيبة ليلة أمس؟".
فتحت هارييت الباب وخرجت الى الحديقة وهي تحمل الفرشاة ومعجون الأسنان والصابون والمنشفة ، كانت الحديقة الخلفية كالتي أمام البيت ، تعج بالأعشاب والشجيرات العالية ، وفيما هارييت تشق طريقها ، رأت حديقة حشائش تنبعث منها رائحة النعناع وأكليل الجبل.
كان الغدير صافيا سريع الجريان وخطر لها ان تذوق طعم الماء ثم عدلت عن الفكرة لأنها لا تريد أن تجازف ، خلعت حذاءها وغطست قدميها في الماء المثلج وهي تبتسم لأن برودة الماء دغدغت أصابعها ، في أسفل المجرى تجويف في الصخر تحوّل الى بركة ماء صغيرة ، وتمنت هارييت لو تستطيع تغطيس جسمها الدبق فيها ، لا باس بالأغتسال ، لكنه لا يشبه الإستحمام الكامل ، وبعد التأكد من خلاء المكان نزعت قميصها وبنطلونها ، وغطست في الجدول ، جلست على القاع الرملي ، فأخذ الماء ينساب من حولها وهي ترغي الصابون بلذة كالأطفال.
في شقتها بلندن حمام كبير وعصري يحتوي كل متطلبات الراحة ، ولذا نسيت مع الوقت كيف تستمتع بمباهج الحياة البسيطة ، حتى منزل والديها في ساري كان مزودا بجميع أسباب الراحة من تدفئة مركزية وآلات غسيل ، لكن جلوسها هنا جعلها تحس باللذة التي تفتقدها ، وبحركات رشيقة جففت جسمها بالمنشفة لتعيد اليه بعض الدفء ولبست بنطلونها وقميصها وركضت نحو البيت ، لم تبال بتزرير ثيابها لأنها كانت تزمع تبديلها في البيت ، ووصلته ملهوفة ومصممة على أن تخبر سوزان ما حدث ، رأت أندريه لاروش متكئا على المجلى ، يحادث سوزان وهي تضع الزبدة على الخبز المحمص ، إهتزت ولفّت نفسها بالمنشفة المبللة ، تساءلت بإنزعاج من اين أتى ، وإن كان قد شاهدها وهي تستحم في الغدير ، ربما خرير الماء منعها من سماع وقع خطاه ، لم تحتمل فكرة رؤيته لها وهي تاخذ حمامها المرتجل.
" صباح الخير".
إنتصب يحييها بتهذيب ، لكنها لحظت نظرته المتسائلة وضمّت المنشفة حولها.
هل في نبرة صوته سخرية مبطنة أم هي تصورتها فقط ؟ تجاهلت تحيته وقالت بجفاف:
" لقد بكرت في زيارتنا ، فالساعة بالكاد تناهز الثامنة".
اجابها بلطف:
" بعضنا لديه أعمال ، لو وجدتك نائمة لكان عليّ أن اعود ثانية".
" هل تريد بعض القهوة يا سيد لاروش؟".
سلب سؤال سوزان الفرصة من هارييت لتجيبه ، فدخل الصالون الصغير حيث الحقائب ، وفي لحظات إرتدت قميصا نظيفا وبنطلونا من القطن المخطط وإنتعلت حذاء ذا كعب عال ، وسرّت للطول الإضافي الذي منحها إياه ، فمع انها ممشوقة القامة ، إلا أن اندريه يطولها بعدة سنتيمترات ، وإذا إستطاعت تقليل فارق الطول يكون افضل.
لما عادت الى المطبخ وشعرها المسدل يبرق من الفرشاة ، أحست انها تستطيع التعامل معه بالرغم من انها لم تتبرج.
كانت سوزان قد احضرت القهوة وهي تقوم بسكبها وتقديمها الى الضيف ، إنتظرت هارييت بفارغ الصبر ان يطرح عليها السؤال الملح لديه ، لكنه لم يفعل ، لاحظ عودتها بحركة خفيفة من حاجبيه ن ثم أثنى على سوزان درايتها في الأمور المنزلية ، أشرق وجه سوزان نتيجة الثناء المقصود ، لكن هارييت صرّت على اسنانها بقوة وتعجّبت لأن أسنانها لم تتكسر !

haneen el nada 23-11-11 04:43 AM

متبعاكي حبيبتي
تسلمي على المجهود :):bravo::bravo::bravo::bravo::bravo::bravo::bravo :

أمل بيضون 24-11-11 12:57 AM

قدّمت سوزان الى خالتها فنجانا من القهوة ، ورفضت قطعة الخبز متجاهلة الرجاء الذي ظهر في عيني إبنة اختها ، فرغم كل التعقل الذي حاولت إقناع نفسها به الليلة الماضية ، كان شيء يحثّها على إبلاغه انهما ستتركان البيت.
وعلّق لاروش فجأة :
" اخبرتني إبنة أختك أنك خبيرة بالسيراميك".
فرمقت سوزان بنظرة منزعجة واجابته:
" انت تعلم ان الأولاد يبالغون ".
تجاهلت تذمّر سوزان وتابعت قائلة:
" أتصور انك ترغب في معرفة قراري من ناحية البيت".
وضع اندريه فنجانه على الطاولة ، وكان اليوم يرتدي بنطلونا من الجينز يتهدل على وركيه وقميصا أخضر زيتيا يضفي على ملامحه نوعا من الشحوب ، عندما إستدار ليواجهها ، أحست أنه ينوي تاجيل سؤاله عن القرار الذي توصلت اليه فشعرت بإرادتها تضعف ... (يا الهي )، قالت لنفسها ، ( هل يريدني ان أبقى هنا؟ ).
" انت ذاهبة؟".
لم تكن هذه العبارة بمثابة سؤال بل كأنه يقرر واقعا ، تحوّل أنتباه هارييت لبرهة عندما سمعت سوزان تشهق معترضة ، ثم نظرت اليه وأنكرت التهمة بقولها:
" لم يكن لديّ متسع من الوقت لكي اجد بيتا آخر ولأدخل في مفاوضات البيع والشراء ، لكن بالطبع اتوقع منك أن تؤمن السريرين اللذين وعدت بهما ، والطباخ.
أجاب بالفرنسية:
" بالطبع".
كانت علامة قلّة إنتباه ان يجيب بلغته الخاصة ، واجبرت هارييت على تجاهل الإستفسار الصريح الذي بدا في عينيه ،كانت نصف غاضبة من نفسها لأنها قبلت البقاء وتميل الى لومه لهذا الوضع ، لم تستطع إقناع نفسها بأن لا علاقة له بهذه القصة ، وبتصرف صبياني أرادت ان تجعل منه كبش فداء ، ومن اجدر من اندريه لاروش ان يكون ذلك الكبش؟
سمعت وقع اقدام في الخارج ، ونظرت هارييت بتعجب الى ولد في الخامسة عشرة من العمر يقف على العتبة ، كان شابا وسيما طويل القامة ذا منكبين عريضين وشعر اسود وملامح رقيقة تدل على ذكاء ، وقف رافعا يديه ليسند نفسه على حاجب الباب ، وإرتعشت عيناه بإهتمام عندما رأى الفتاتين ثم إنفرجت أسارير وجهه بإبتسامة لما وقع بصره على الرجل.
وقال له الشاب بإرتياح:
" أنت هنا ؟ كنت ابحث عنك".
علمت هارييت على الفور من هو ، فالشبه كان واضحا ، إذ ورث الشاب عيني ابيه ، لم يكن مرتبكا وهو يقف هناك والفضول يعمق نظراته .
قلّص اندريه عضلات كتفيه قبل أن ينظر صوب الشاب ، ثم قال له بالإنكليزية:
لا نملك هذا البيت بعد اليوم يا بول ، وكان بإستطاعة لويز ان تقول لك أين أنا".
لويز ، هل هذا إسم زوجته؟ توقفت هارييت عن التنفس ، هل من المعقول ان ينادي زوجته بإسمها أمام الشاب؟
وهتف الزائر مندهشا:
" ماذا؟".
قابل عيني أندريه بتحد ودارت بينهما معركة بصرية صامتة ، ثم نظر الى وجه سوزان الذي تورد فجأة ثم حوّله الى هارييت وقال:
" عذرا أيتها الانستان".
بدا غير مقتنع بما يقول ، وسمعت هارييت صوت تنفس أندريه الغاضب ، وقال:
" هذا إبني بول".
لم يكن بحاجة الى التعريف عن إبنه لأن الشبه بينهما واضح ، لكن هارييت ردت قائلة:
" صباح الخير يا بول".
تأملها الشاب بإهتمام وعلّق بتمهل:
" انت الآنسة أنغرام أليس كذلك؟".
وإندهشت هارييت للسهولة التي نقل بها حديثه من الفرنسية الى الأنكليزية ".
ثم اضاف:
" قال لنا والدي انك أشتريت هذا المكان بدون أن تعاينيه".
وخطا الى الأمام متجاهلا نظرات أندريه الممتعضة وتابع يسالها:
" هل قررت البقاء في روشفورت؟".
قطبت هارييت حاجبيها عند سماع إسم روشفورت ، وإستوضحته قائلة:
" أتقصد روشلاك؟".
نظر بول بسخرية الى والده ، وهزكتفيه قائلا:
" ربما ، في كل حال ، هل ستبقين هنا؟".
أجاب والده:
" هذا الأمر ليس من إختصاصك".
فإعترض بول قائلا ببراءة:
" ربما إستطعت مساعدتكما".
لكن هارييت لاحظت ان والده لم ينخدع بكلامه وشاطرته الراي ثم إستدارت قائلة:
" لا تجعلنا نؤخرك عن اعمالك".
" حسنا".
ونظر أندريه الى إبنه بعصبية ثم قال لهارييت :
" سأرسل الأثاث المطلوب في وقت لاحق من النهار".
" شكرا".
تحركت شفتا هارييت بنوع من الأبتسامة المهذبة المجردة من الدفء ، وحوّل بول طرفه بين الآنستين لكن ذراع ابيه قادته نحو الباب وقال أندريه وهما يخرجان:
" إذا واجهتكما أية صعوبة أخرى فأرجو منكما الأتصال بي".
لم تدرك هارييت إلا بعد مغادرتهما أنها لا تعرف أين يسكن اندريه ، وركضت سوزان وإحتضنت خالتها قائلة بلهفة:
" شكرا ، شكرا".
لكن هارييت لم تكن صافية المزاج لتقدر عفوية رد فعل سوزان ، واجابتها بإختصار:
" لا تشكريني ، علينا أن نعمل كالعبيد قبل أن نبدأ بلتمتع بهذه الإجازة".
على الأقل ، العمل الشاق سيبعد طيف أندريه لاروش عن مخيلتها.
إستعانت بمخل ومطرقة لفتح نوافذ الطابق العلوي ، مع العلم أن محاولة إقفالها ثانية ربما تصبح مستحيلة ، طلبت الى سوزان ان تنظف أرضية غرفة النوم ثم نقلت كل محتويات المطبخ الى الخارج وبدأت بتنظيف الجدران والخزائن ، كان عليها ان تؤجل تنظيف قاعة الجلوس ، وفي أي حال لن تقضيا وقتا طويلا في تلك الغرفة.

haneen el nada 24-11-11 02:14 AM

tesalmy
ya ret etkabry el part :)

أمل بيضون 25-11-11 10:44 PM

في الخارج وجدت كشكا صغيرا قرب بيت الخلاء يحتوي بعض أدوات الزراعة البدائية ، أخذت منجلا ثقيلا ، ثم طوحته ببراعة في الهواء ، فرات بدهشة رؤوس زهرات دوار الشمس تقع امام قدميها.
كان المنجل حادا أكثر مما تصورت ، فنظرت الى الحديقة المغمورة بالأعشاب البرية ، وقالت لنفسها أن دور كل هذا يأتي لاحقا.
عادت الى المطبخ حيث الجو حار والنار لا تزال متقدة ، فلم تجرؤ على إطفائها قبل ان يرسل لها الطباخ ، منذ الأمس لم تتناولا وجبة ساخنة ، فقررت أن تحضر بعض البيض واللحم المقدد على النار إذا إضطرت لذلك، لم ترغب في وضع المقلاة المطلية بمانع ضد الالتصاق على الموقد ، لكنها مجبرة على ذلك لأن سوزان بحاجة الى وجبة أفضل من الخبز والجبن .
عندما ناهزت الساعة الحادية عشرة بدا منظر المطبخ مقبولا ، مع أنه يحتاج الى طبقة من الطلاء ، إلا أنه أصبح نظيفا على الأقل.
في هذه الأثناء كانت سوزان قد نظفت غرفة النوم ، فتعاونتا على سحب الفراش الى الحديقة ، ثم فككتا السرير وأخرجتا قطعه ايضا.
صوت سيارة في الخارج جذبهما الى النافذة ، وعندما رأت هارييت الشاحنة الصغيرة محمّلة بالأثاث أحست بإرتياح ، كان البيت قد إكتسب رونقا ، والشيء الوحيد الذي يزعج هارييت هو وجود اندريه بالجوار ، عرّف سائق الشاحنة بنفسه فقال ان إسمه برتراند مادوك ، كان قصير القامة ثقيل البنية رمادي الشعر وله عينان صغيرتان بنيتان تشبهان الأزرار. عندما رأته هارييت خيل اليها أنه لن يستطيع حمل السرير الى الطابق العلوي ، لكنها سرعان ما غيّرت رايها لأنه بدا شديد العزم وبسهولة متناهية إستطاع ان ينقل السرير والمغسلة.
وهتفت سوزان متأففة:
" لقد إنتهيت توي من تنظيف الغرفة !".
لكن براتراند إكتفى بهز راسه وقال يطمئنها:
"لحظة يا آنسة ".
فإمتثلت سوزان ، ووقفت تنظر اليه.
لم يرسل أندريه سريرين وطباخا فقط ، إذ حوت الأغراض خزانة صغيرة (وتواليت )قديمة قيّمة ومزخرفة ببراعة ، ومقعدين من القطيفة الحمراء ، واريكة باهتة اللون ، ومكتبا من القرن التاسع عشر ، طلبت هارييت من برتراندان يضع الخزانة الصغيرة في المطبخ لأنها تصلح للأطباق والأواني ... ليتها نظّفت قاعة الجلوس قبل أن تصل الأغراض.
ضايق هارييت ان تشعر بالإمتنان نحو اندريه ، إنما بدون شك كان لطفا منه إرسال هذا الأثاث ، هل إستخدم هذه الطريقة ليجعلها مدينة له ؟ لكن لماذا تفكر هكذا وقد دفعت مبلغا مناسبا ومن حقها أن تحصل على تلك الأشياء ؟ وتساءلت من أين أتى بكل هذا ، لو أنه أشترى اثاثا عصريا جديدا لكلّفه أقل ، ما لم يكن حصل على هذه القطع من أحد القصور المتداعية .... ليست هذه المرة الأولى التي تساءلت فيها عما كان يفعل في قاعة المزاد في سان جرمان حين رأته قبل ثماني سنوات ، وفجأة ادركت لماذا بدا إسم روشلاك في حينه مالوفا ، فبعض الأغراض التي عرضت للبيع آنذاك كان من قصر روشلاك ، طبعا ! لماذا لم تتذكر هذا من قبل ! إذن من هو أندريه ؟ وكيل عند العائلات الأرستقراطية التي لحقها الفقر مع الزمن؟
أنهى برتراند عمله في غضون ساعة تقريبا ، ورفض أن يتناول الشراب ، ثم صعد الى سيارته فإضطرت هارييت الى اللحاق به ركضا قبل ان يقفل باب السيارة وقالت:
" ارجوك ان تشكر السيد لاروش بالنيابة عني".
فرد مبتسما:
" لا شك انك تستطيعين شكره بنفسك".
ثم رجع بالسيارة الى خلف ومضى.
عادت هارييت الى البيت وهي تفكر في كلماته ، لقد بدا واثقا مما يقول ، هل الكل يعرف ان أندريه يتردد على البيت ؟ الم يعترض أحد؟ قررت بحزم أنها لا ترغب في أن تتكرر هذه الزيارات ، وواجهت بهجة سوزان بوجه مكفهر.
لم تستطع إظهار عدم اللامبالاة لوقت طويل ، فالطباخ الذي أرسله اليها كان جديدا ويعمل على الغاز ومزودا بفرن ، الخزانة اصبحت أجمل الان وهي مزينة بصحون على رفوفها ، وحتى الشمس إستطاعت الآن إرسال اشعتها من خلال النوافذ النظيفة.
حملت هارييت حقائبهما الى الطابق العلوي ، وإنصرفت الى توضيب السريرين ، ثم فردت عليهما غطاءين جميلين فبدت الغرفة أكثر إشراقا .
إنتهت سوزان بسرعة من توضيب الثياب ، الفساتين والتنانير والبنطلونات معلقة بترتيب في الخزانة ، والملابس الداخلية وضعت في الأدراج.
التفتت سوزان الى خالتها وهتفت بسرور:
" الا يبدو كل شيء جميلا ؟ ألست سعيدة ببقائك هنا؟".
فاحاطتها هارييت بذراعها وإعترفت قائلة:
" كنت على حق بان هذا المكان قابل للتحسين".
بعد تناول وجبة الغداء ، كان الجو حارا للقيام بأي عمل ، إرتدت سوزان لباس السباحة ونزلت الى الغدير ، ثم إستلقت على حصيرة غير مبالية بالنمل.
حملت هارييت كرسيا هزازا الى الخارج ، وأخذت تكتب اسماء الأغراض التي إعتقدت انهما بحاج اليها ، لكنها احست أن هذا العمل البسيط مرهق ، فوقع القلم من يدها وإسترخت على المقعد ، كان الهواء ساكنا لا يداعب أوراق الأشجار ، ولم يعكر الهدوء سوى تغريد العصافير وأصوات الحشرات وخرير الجدول الناعم.

أمل بيضون 25-11-11 11:08 PM


تحولت افكارها نحو أندريه لاروش لعدم إنشغالها بشيء ، والى الصدفة الطريفة التي جعلته هو مالك البيت الذي إشترته ، ربما لحسن الحظ لم تستقص عنه معلومات أكثر لأنها لو عرفت المزيد لما حضرت الى هنا.
وبالرغم منها عادت بها الذكريات الى المرة الأولى حيث إلتقت هذا الرجل الذي لعب دورا مخربا في حياتها...منذ ثماني سنوات كانت في الثامنة عشرة من عمرها وفي اول رحلة لها بصحبة تشارلز هوكني الى باريس ، كانت يومذاك في غاية السرور عندما اتيح لها لمس المعروضات التي قرأت عنها فقط ، وزيارتهما المتعددة لقاعات العرض فاجأتها بثروة من الجمال والحرفية المتقنة ، ربما في تلك اللحظات أصبحت تهوى البورسلين .... عندما حملت في يدها تمثالا رائعا وتعلمت ان تميز ماركة الدوق دي فيلوروا مؤسس المصنع ، أم انها مع مرور الزمن ، تتذكر كل تلك التفاصيل وتعطيها وزنا أكثر مما تستحق؟
مهما كانت الحقيقة ، تذكر حتى الان كيف وقفت بجانب تشارلز في مؤخرة قاعة المزاد الواقعة في ساحة سان جرمان ، وهي تراقب منادي المزاد العلني يقوم بعمله ، أحست فجأة ان هناك من يراقبها ، ومع ان تشارلز حسبها مستغرقة بالمزاد ، فقد إستدارت ونظرت الى رجل واقف في الناحية الأخرى من الغرفة يحدق اليها بإهتمام ، كان أطول من معظم الرجال في اقاعة ، أسمر البشرة ونحيلا ، تقاسيم وجهه غير منتظمة لكنها اكثر جاذبية من التقاطيع الوسيمة عينان غائرتان ، خدان عاليان ، أنف بارز وفم به نوع من الألتواء القاسي ، تذكرت أنه كان يرتدي بزة من المخمل الكحلي وقميصا من الحرير ، لم تلتق هارييت من قبل أحدا يشبهه ، اما الطريقة التي كان ينظر بها اليها ، فجعلتها تحس بالضعف والخوف الداخلي ، لم يكن مثل الشبان الذين عرفتهم ، ولا مثل تشارلز الذي كان بدينا ، قصير النظر واصلع ، ايقنت أن هذا الرجل في الثلاثينات ، أس أصغر من تشارلز بعشرين سنة ، وواثق من إعجاب النساء به ، أحست بالذعر عندما اثار مناسبة ليتكلم الى تشارلز .... وبالتالي اليها ، لكنها أدركت الآن أن لم يكن داع للخوف في حينه ، كان رائعا وجذابا ومن السهل التحدث اليه، سالها عن عملها وعن طموحاتها وكم من الوقت ستبقى في باريس ، جعلها تشعر أنها شخص مميز ، وعندما غادرت قاعة المزاد كانت تحس بنشوة دامت حتى اعادها تشارلز الى الواقع ، في اليوم التالي أتصل بها هاتفيا فنسيت توصيات تشارلز وقبلت تناول العشاء معه تلك الليلة ، لم يوافق تشارلز لكنه لم يستطع منعها ، وحتى لو فعل لكانت تجاهلته ، إصطحبها أندريه الى مطعم في مونمارتر.
أوصلها الى فندقها رأسا ، وخجلت من نفسها عندما أحست بخيبة وهو يقبل يدا متمنيا لها ليلة سعيدة.
ووبّخها تشارلز قائلا:
" هل فقدت عقلك؟" لو عرف أهلك بهذا التصرف فما عساهم يقولون؟".
فأجابته بحزم وإحترام:
" إنني في الثامنة عشرة من العمر يا سيد هوكني وأهلي لم يتدخلوا ابدا في إختياري لأصحابي".
كتمت عنه ان والديها يعرفان جميع اصحابها عبر أهلهم أو شقيقاتها الأكبر سنا ، ومن جهة ثانية لم تشعر ابدا بالنشوة التي أحستها مع اندريه وكانت غبية عندما إعتقدت أنها تسيطر على الموقف ، مخاوف تشارلز كانت في غير مكانها لأنها بعد تلك الليلة لم تر اندريه ثانية إلا بعد عدة أسابيع ، عادت بصحبة تشارلز الى لندن ، وبالرغم من الأحساس بالفراغ كلما تذكرت باريس إستطاعت أن تتحمل متاعب الحياة ، في هذه الأيام كانت تقيم مع والديها في غيلفورد وتذهب كل يوم الى لندن ، هذا يعني السرعة في الصباح والهرولة في المساء ، لكن والدتها تحبذ هذا التدبير وهارييت لا تمانع ، كانت تلتقي بعض الناس في عملها إلا ان جميع أصدقائها يقيمون في غليفورد ، ولو لم تتواجد هناك لحرمت من الحفلات الراقصة والإجتماعات التي تذهب اليها مع الأصدقاء .
كانت وحدها في المخزن ذات يوم حين دخل اندريه ، وقد فقدت الأمل بمشاهدته ثانية واصبحت مقتنعة بأن ما قاله تشارلز صحيح ، وهو ان أندريه يتلاعب بعواطفها وانها محظوظة لأن القصة انتهت دون أن تخلف جراحا.
مجيئه المفاجىء اربكها ، وبدا متغيرا كأنه كبر سنا او فقد شيئا من وزنه ، حيّاها وكانه فقد أيضا شيئا من جاذبيته التي عهدتها ، والشيء الوحيد الذي لم يتغير عينيه اللتين قالتا لها إنك متعة للنظر ، وسالته لعجزها عن قول شيء آخر:
" ماذا تفعل في لندن؟".
لكنه تجاوزها الى داخل المخزن فلحقت به الى الغرفة الخلفية.
تشارلز لم يكن يسكن فوق المتجر ، بل في مزل مريح في سانت جونز وود وهذه الغرفة كانت مخصصة لأستضافة الزبائن ، وعلّق اندريه قائلا:
" رب العمل ليس هنا ، رأيته وهو يغادر المكان".
ثم نظر اليها سائلا:
" قولي لي ، هل أردت لقائي ثانية؟".
عندما عاد تشارلز الى المخزن كان الباب مقفلا والستائر مسدلة وإضطر الى أن يحدث ضجيجا لوقت طويل قبل أن تاتي هارييت لتفتح له ،شعر انه قطع عليهما خلوتهما ، وتساءلت هارييت كيف لم يطردها من العمل ، لكنه جلس يرشف القهوة ويتحادث مع اندريه ، بينما أخذت هي توضب الأمور ، لم تفهم كيف إستطاع اندريه أن يبقى هادئا بعد كل ما حصل إلا أنها لاحظت إرتجاف يده وهو يرفع فنجان القهوة ، لاحظت كذلك أنه ليس مرتاحا كما يبدو ، تصرفها افزعها إذ لم تتصور أنها تستطيع التصرف بهذا الطيش دون أن تحس بتأنيب الضمير ، كيف سمحت لأندريه ان يغازلها؟ هذه أول مرة تتصرف فيها على هذا النحو مع رجل ، ولو لم يعد تشارلز في الوقت المناسب لكانت فعلت كل ما طلبه منها أندريه ، إعترفت لنفسها بهذا لأنها تعودت أن تكون صريحة مع ذاتها ، كانت غير مرتاحة لما حدث وكأنها وجدت شخصية أخرى بداخلها لم تعرفها بعد ، اهي كالفتيات اللواتي قرأت عنهن ، يلقين بأنفسهن في حضن أي رجل ؟ لكنها توغلت في الماضي وأيقنت ان الحياة ربما سهلت عليها لو كانت مثل هؤلاء النساء.

haneen el nada 26-11-11 10:10 PM

teslamy ya Amal 3al 2 parts :)

أمل بيضون 27-11-11 07:22 PM

وفي السنوات التي تلت خيانة اندريه تاقت الى أن تشعر بعاطفة نحو أي رجل آخر ، لكن أحاسيسها جمدت ، والبرودة التي نعتت بها كانت في مكانها ، إنما في ذلك الزمان ، سيطر عليها خوف كبير من أن لا ترى أندريه ثانية ، أما هو فكانت الحالة غير طبيعية بالنسبة اليه ، لأن تشارلز كان يتصرف معها وكانه والدها ، ولا شك أن النسوة اللواتي يخالطهن اندريه كانت لديهن خبرة في هذه الأمور ، فلا يحتاج للإختلاء بهن في الغرف الخلفية لمخزن أثريات ، وتصورت الشقق المضاءة بالشموع والمفروشة بجلود النمور .... ما عادت تهتم لجاذبية شعرها الأسكندنافي الأشقر ، ولا لتفتح صباها الذي لا يستطيع أي تبرج تقليده.
لم يكن خوفها في محله ، ففي الأشهر الثلاثة التي تلت هذه الحادثة ، أمضى اندريه أوقاتا طويلة في لندن ، حيث كان يطير اليها من باريس صباح السبت ويعود مساء الأحد ، لم يوافق تشارلز على ما كان يجري لكنه أدرك أنه لا يستطيع تغيير رأي هارييت بالنسبة الى أندريه لاروش.
والداها كانا اقل تفهما ، لقد إلتقيا أندريه في عدة مناسبات لكن والدتها وجدت فارق السن بينهما كبيرا ، اما والدها فلم يكتف بتلميحات اندريه العفوية الى بيته في فرنسا ، بل اراد ان يعرف شيئا عن عائلته وكيف يكسب قوته ، وهارييت بدأت تقلق كلما تهرّب اندريه من الإجابة.
علاقته معها لم تكن مرضية ، كان عليهما أن يلتقيا دائما في الأماكن العامة فلم ينفردا ببعضهما ابدا ، في الحقيقة ، كانت مرتاحة لذلك مع العلم ان أحاسيسها كانت تتطلب مزيدا من الألفة ، ولم تعد تثق بنفسها من ناحيته ، وتربيتها أجبرتها ان تتقيّد بالمبادىء الأخلاقية التي يتمسك بها والدها ، ولكن كل ذلك لم يمنعها من الأحلام ، وطالما عادت بها الذاكرة الى اللحظات التي قضتها معه في مكتب تشارلز ، متمنية لو لم يقطع عليهما تشارلز ذلك اللقاء.
ولأسابيع عديد تذمرت والدتها لأن اندريه لم يقدم هارييت الى عائلته كما تعرف هو بعائلتها ، الم ترغب هارييت بلقاء عائلته؟ ألا تفكر انه يجب عليها ذلك؟
أصبحت الفتاة ثائرة الأعصاب ومكبوتة ، فقالت لأندريه ما كانت تردده والدتها ، ولم تصدقه عندما قال لها انه فقد والديه ، وسالته بإرتياب:
" مع من تعيش إذن؟".
لكنه رفض المناقشة حول هذا الموضوع وأجابها بنعومة:
" ما الفرق ؟ هذا الموضوع يخصنا وحدنا".
فاجابته:
" انت إلتقيت بعائلتي".
فقال بلهجة لامبالية:
" انت التي اردت ذلك بدون أن أطلبه منك ".
أغاظها بعدم إكتراثه فسالته محتدة:" تقصد أنك لم ترغب في ذلك؟".
بعد لحظات كانت تشاجره بعنف ، وأخرجت كل ما تكدس في جعبتها من مرارة وحسرة على نفسها في الأسابيع الماضية... لم تلاحظ أنه لم يشترك بالنقاش ثم نهض من مكانه وتركها وحيدة في مقصف المطار.
الأيام التي تلت هذه الحادثة كانت مؤلمة جدا بالنسبة الى هارييت ، وصارت تذهب من البيت الى العمل كانها دمية مسيرة ، ثم أخبرت امها أن كل شيء قد إنتهى بينها وبين أندريه ، إنما لم تذكر السبب ، ربما حزر والداها لكنهما لم يسألاها عن التفاصيل ، وتساءلت هارييت إذا كانت تستطيع ان تسامحهما يوما على ما فعلاه بها.
بعد اسبوعين ، إتصل بها اندريه هاتفيا وفي وقت كان يعلم أن تشارلز في فترة الغداء ، وعندما سمعت صوته إصطكت ركبتاها من الضعف...
سالها:
" هل سامحتني انت؟".
مضت ثوان من الصمت ، قال بعدها اندريه:
" كنت اود الإعتذار منك فقط يا هارييت ، ولأسمع صوتك مرة أخرى ، صدقيني لست انت الملومة على أي شيء"
ملأها الذعر أجابت هاتفة:
" ماذا تقصد ؟ متى اراك؟".
" لن تريني بعد اليوم ، لن أزور لندن ثانية".
" ولكن يا أندريه".
كانت يدها الممسكة بسماعة التلفون تتصبب عرقا ، واردفت:
" اندريه ، أود أن اراك ثانية".
أجابها بخشونة:
لا فائدة من ذلك ، والدك على حق ، أنت تحتاجين الى رجل أصغر سنا... شخص مثلهما يعيش بحسب مفاهيمهما ومثلهما".
أحست هارييت بالخجل وفقدت صوابها وهي تحتج بيأس :
" أنا لا أبالي بهما ! لا تهمني مثلهما ....".
وعندما سمعها تجهش بالبكاء قاطعها قائلا بوحشية:
" أنت لا تقصدين ماذا تقولين ، والدتك تعلم أنني لا أستطيع مشاهدتك بلا...".
وأنقطع عن الحديث فجأة وخافت ان يكون قد أنهى المكالمة ، فتوسلت قائلة:
" ارجوك ، دعني أحضر لأراك ، إسمح لي بان أجيء الى باريس ، بإمكاني ان أدّعي السفر مع السيد هوكني ، ارجوك يا اندريه ، لا ترفض طلبي".
لم يكن من السهل إقناعه ، ومع أنها عرفته جيدا فقد تساءلت إذا كان قد فشل في ردعها ، وهكذا ذهبت الى باريس ، وقضت عطلة نهاية الأسبوع معه في فندق في شارع ريفولي.
رغم كل ما حدث بعد هذا اللقاء إعتبرت هارييت هذه العطلة أجمل ما في حياتها ، بدت باريس كأكثر مدن العالم رومنطيقية ، وهي في الثامنة عشرة من العمر ومغرمة برجل إستطاع أن ينسيها كل شيء ، كان ينتظرها في المطار فركضت اليه وضمّها الى صدره فنسيت تعاسة الأسابيع التي فرقتهما.
لكن العودة الى لندن كانت أسوأ مرحلة ، فقد توقعت الى حد ما ان يطلب منها أندريه البقاء الى جانبه ن أو على الأقل أن يعود معها الى لندن ، لكنه لم يفعل ، رافقها الى الى المطار ، وحياها بيده بينما كانت الطائرة تهم بالإقلاع ، وهذه كانت آخر مرة رات فيها اندريه.
تسلمت منه رسالة وبعد قراءتها ألقت بها في النار.
بعد وقت قصير ، إستاجرت شقة في المدينة، ومع ان أمورا عديدة حدثت وعقدت صلحها مع والديها ، فلم تسامح نفسها على الطريقة المخجلة التي عاملتهما بها.
كان تشارلز الإنسان الوحيد الذي احس وتفهم ما قاسته ، ساعدها لتجد شقة تعيش فيها ، ردت له الجميل بالعمل بجدية ونشاط لترفع ثقل العمل عن كاهله ، كانا مثل شريكين وليس كرئيس ومرؤوس ، وعندما قتلت شقيقتها الكبرى وزوجها ، إقترح تشارلز عليها ان تأخذ الفتاة بعيدا وذهب بها.
" إنك بحاجة الى إجازة".
وكان هذا صحيحا لأنها لم تحصل على إجازة منذ عيد الميلاد وقد بدأت تحس بالإرهاق ، لكن كيف ستحصل على الراحة ما دام أندريه لاروش الى جوارها ؟ ما عسى تشارلز يقول لو علم بالأمر ؟ وماذا سيقول والداها ؟
نهضت الان من كرسيها ، وسارت عبر البوابة المؤدية الى الدرب ، إقتلعت بعض الأعشاب وأخذت تمضغها وهي غائبة عن الواقع تنظر الى الأشجار التي حجبت الجدول عن النظر ، لو لحقت الدرب نفسه الذي سلكه اندريه ، هل تصل الى بيته؟
ماذا عسى زوجته تقول لو وصلت من دون دعوة ، وعائلته؟ تساءلت عن عدد أطفاله وفكّرت بغضب ، إنه يستحق أن تذهب الى بيته وتعرّف نفسها ، تخيّلت ذهوله لو عاد الى البيت ورآها جالسة مع زوجته وأخذ يتساءل عن الأشياء التي باحت بها !
قلّصت شفتيها فاقدة الصبر وقالت في نفسها : ( يا ألهي ، هل سأمضي الأجازة كلها وانا اتحسر على الماضي ؟ الماضي مات ! كم مرة يجب ان تذكر نفسها بهذا!).
وفي طريق عودتها الى البيت تذكرت بول وايقنت أنه كان في السابعة من العمر عندما قضت العطلة مع والده في باريس.

haneen el nada 28-11-11 03:37 AM

teslamy ya a7la 2amar

أمل بيضون 28-11-11 10:44 PM

4- تحت ظل القصر


في الأيام القليلة التالية ، وجدت هارييت ان لديها أعمالا كثيرة لتملأ فراغها ، ذهبت الى روشلاك وعدا الأغراض الأساسية التي إشترتها مثل الحليب والبيض والخبز ، إبتاعت طلاء وأفرشة وقماش ستائر ، كان الصالون الغرفة الوحيدة التي لها ستائر إنما في حالة يرثى لها ، والأثاث الجديد يستحق ستائر افضل ، الخياطة باليد ستكون شاقة ، لكن بإستطاعة سوزان المساعدة بينما تقوم هي بطلاء الجدران.
إنتظرت ان يعود اندريه لتشكره على الأثاث الذي ارسله ، لكنه لم يات واحست بالأنزعاج من ذلك ، أرادته ان ياتي فتشكره وينتهي الأمر ، وأن يجعلهما تنتظرانه لجل غير مسمى تمشيا مع عادته ، ثار غضبها ومسحت بقعة من الدهان لطخت فستانها الأزرق البحري.
مع نهاية الأسبوع بدأ البيت يكتسب جمالا ، زينت حيطان المطبخ البيضاء بعدد من الصور التي وجدتها في سوق روشلاك ، أما الخزانة الصغيرة فبدت أجمل عندما طليت باللون الأصفر ، وعدد من قطع السجاد الصغيرة بسطت على الأرض ، القنديل المتدلي من السقف كان يبرق لأنه فرك جيدا ، نال الصالون وغرفة النوم حظهما من التنظيف والدهان والتوضيب ، مع أن هاريت كفت عن محاولاتها العديدة لإقفال النوافذ ، أما العلية فظلت الجزء الوحيد من البيت الذي لم تكتشفاه إذ كانت تؤجل مضايقة العنكبوت المعشعش هناك ن وحتى تعهّد سوزان بالقضاء على الحشرات الزاحفة لم تغير رأيها.
عندما أصبح البيت على ما يرام قررت سوزان إستكشاف الجوار ، فهما لم تعطيا بيناك وكازيناك إلا إهتماما عابرا وبخاصة أن الضاحية المحيطة بها مبثوثة بالصور بالقلاع والقلاع ، ومن نقط المراقبة الموجودة على سور قصر بيناك كانت مشاهدة وادي الدور دون ممكنة ، قررت هارييت أن تزور قلعة تود الواقعة على ضفاف النهر المواجهة لبيناك ، خلال حرب المئة سنة إحتل الإنكليز قلعة تود ، وجرت عدة معارك دامية بين الجيشين المتخاصمين ، وهذه المنطقة غنية بالتراث التاريخي ، وقد عثر في الكهوف والمغاور على بقايا هياكل عظمية ورسوم لسكان الكهوف.
وبينما سوزان تغسل أطباق الفطور قالت لخالتها:
" لنبدأ اولا بزيارة القصر الموجود هنا ، أقصد إذا كان صحيحا أن مجموعة فنادق اميركية تود ان تشتريه كما قال السيد لاروش فلا بد ان يكون رائعا".
فاجابت هارييت:
" لا أظن أن موقعا كهذا ينال إعجابهم".
وأكملت وهي تفحص درجة السمرة التي إكتسبها جلدها :
" الملاكون القدامى كانوا يعرفون اين يبنون قصورهم ويقيمون قلاعهم في أفضل الأماكن حيث المناظر الخلابة وفي الأراضي التي تصلح لحماية قلاعهم ، اظن مجرد إستطاعتهم أن يكشفوا ما حولهم على مد النظر نوع من التحصين ضد الغزوات".
" أريد ان أرى هذا القصر في أي حال".
اجابتها هارييت :
" لا أجد مانعا لذلك ، كنت ساقترح زيارة كاهورز ، إنما نستطيع تأجيل هذه الزيارة الى يوم آخر".
نشفت سوزان يديها ثم قالت:
" ألا تمانعين حقا؟".
إبتسمت هارييت وأجابت:
" لماذا أمانع ؟ أعتقد أنه سيكون يوما حارا ومن الأفضل ان لا نبتعد أكثر من بضعة كيلومترات عن روشلاك.
وجدتا سيارة الفيات ساخنة بعد وقوفها في الشمس لبضع ساعات ، وفتحت هارييت جميع النوافذ قبل أن تصعد اليها ، كانت ترتدي بنطلونا قصيرا وقميصا برتقالي اللون من دون أكمام ، وجلد ذراعيها تكسوه سمرة عسلية جذابة ، جلست سوزان بقربها وهي تلبس ثيابا مشابهة ، وسالت بقولها:
" هل سأشبهك في يوم من الأيام ؟ ليت شعري كان اشقر مثل شعرك ".
فردت هارييت :
" إن حمراوات الشعر يلفتن النظر أكثر من غيرهن ".
وتابعت وهي تبتسم:
" بالطبع ستكبرين كما فعلنا ، تذكري دائما أنه من الأفضل ان يكون المرء نحيلا وليس سمينا".
فجعّدت سوزان انفها قائلة:
" في المدرسة فتيات ذوات قامات رشيقة".
ادارت هارييت محرك السيارة وقالت:
" هل هن طويلات القامة؟".
" تقريبا بطول قامتي ، أي حوالي خمس اقدام وبوصتين".
" وما قياس حوضهن؟".
" لا أعلم".
" على فتيات الرابعة عشرة من العمر ان لا يبالين بهذه الأمور".
" لكنهن يلقبنني ( بالعظام ) لنحول جسمي".
إستطاعت هارييت ان تخفي ضحكتها ثم قالت:
" لو كنت مكانك لما سمحت لهذا الشيء ان يؤثر في ، سوف تتغيرين مع الوقت".
زمت سوزان شفتيها وغمغمت:
" هذا الشاب... بول".
وتوقفت قليلا لتفهم خالتها عما تتكلم ثم تابعت:
" إنه لم يعرني إهتماما إذ كان منهمكا بالنظر اليك ، هل تظنين انك جذبته؟".
" أوه ، يا ألهي !".
وتجنبت هارييت في آخر لحظة الإصطدام بحصان يجر عربة محملة بالقش ظهرت فجأة على منعطف الطريق ، ردة فعلها كانت عفوية واخفت أي جواب كانت قد تضطر لإعطائه على ملاحظة الفتاة.
وعندما إستعادت رشدها اجابت ببساطة:
" كان يحاول إظهار رجولته فقط يا سوزان".
فاصرت سوزان قائلة:
" إنك أعجبته ، لقد لاحظت ذلك ، ولم لا وأنت تجذبين الرجال كما يجذب الرحيق النحل !".
شهقت هارييت واجابتها:
" لا تبالغي ! انت صغيرة السن لتدلي بتصريح كهذا ، يا للسماء ! أنت تتكلمين مثل...".
توقفت هارييت عن الكلام مرتبكة وايقنت بغضب ماذا كانت على وشك ان تقول ، لكنها لم تخدع سوزان التي تمتمت بحزن:
" في الواقع والدتي قالت ذلك حين سالتها عنك في احد الأيام لماذا لا تتزوجين ... أجابت .... إنك لست من النوع الذي يستقر مع رجل واحد".
جفلت هارييت عند سماعها هذا التعليق وقالت:
" فهمت".
" هل أنت غاضبة؟".
ونظرت سوزان الى خالتها بقلق ، وحاولت هارييت ان تبتسم وهي تجيب:
" طبعا لا ".

أمل بيضون 30-11-11 10:25 PM

فكرت وهي تنعطف على منحنى متعرج في الطريق ، إن ما قالته اختها عنها آلمها إذ ظنت أن وجود المعجبين حولها دليل على طيشها هي وليس على طيشهم.
إعتققدت هارييت أنها ستضطر الى المرور بروشلاك بالسيارة لتصل الى القصر ، لكن على مشارف القرية رات لافتة كتب عليها أن الطريق الى القصر تمر في درب ضيق مظل بالأشجار ، ويسمح بالمرور لسيارة واحدة فقط ، توقفت هارييت مترددة ونظرت حولها ثم قالت:
" سنسد الطريق إذا ذهبنا بالسيارة الى هناك ، والله وحده يعلم ماذا أفعل إذا صادفت سيارة أخرى ".
" إذن لنمش ، من المؤكد أن القصر ليس بعيدا".
إقترحت سوزان ذلك ، وفي اللحظة نفسها فتحت الباب.
ترجلت هارييت من السيارة ، ونظرت بشك الى السماء الزرقاء ، كانت الشمس ترتفع عاليا وبعد قليل أمست فوق رأسيهما ، ترددت ثم قالت:
" لا أعرف ، ربما إذا سرنا الى القرية نجد طريقا معبدة".
فتوسلت سوزان بحماسة:
" أوه ، لنذهب من هذا الطريق وإذا لم نصل في غضون نصف ساعة نستطيع العودة".
وافقت هارييت لكنها أردفت :
" يجب ان أوقف السيارة بعيدا عن الطريق ، في ظل الأشجار لتحميها من حرارة الشمس".
إستمر الدرب ينحدر لوقت قصير ، ثم إنعطف بإنحدار اقوى ووصل فوق مجرى الغدير الضيق ، كانت ضفة الجدول مشجرة بكثافة ومكسوة بالإعشاب والأشواك المزهرة ، والنباتات الزاحفة تفوح منها رائحة العشب الزكية ، في جزئه الأسفل ، توسع الغدير وأصبح شلالا سريعا يتساقط فوق الحجارة المغطاة بالخنشار.
نظرت هارييت الى الغدير عابسة وقالت:
" هذا هو جدولنا ، إنني متأكدة ، إنظري!".
وأومأت الى البعيد قائلة:
" أليس منزلنا هناك؟".
شهقت سوزان وهتفت:
" هو بيتنا حقا ، لا بد أن هذه طريق مختصرة تقود الى القرية".
قالت هارييت:
" كنت اتساءل عن هذا ".
تابعتا الطريق فوصلتا الى جسر يقطع الجدول ، إنتهت الدرب عند هذه النقطة ، وخمنت هارييت أن القصر يقع على قمة الهضبة التي تسلقانها ، شعرتا بالحر الشديد بعدما سارتا أكثر من نصف ساعة ، إنما لم ترغبا في العودة ، هذه مغامرة وكانت هارييت تحس بالحماس نفسه الذي تحسه سوزان لبلوغ الهدف ، وصلتا الى ارض مكشوفة ومن هنا لمحتا القصر لأول مرة ، كان جاثما على صخرة شامخة ووعرة وابراجه المتعرجة تبدو صفراء من إنعكاس أشعة الشمس ، لهثتا وهما تصعدان بين الجذور والنباتات الزاحفة حتى وصلتا حافة صخرية كانها تمشي حول جدران القصر الخارجية ، كان المنظر من هنا رائعا يضم مشهد سطوح بيوت القرية وفروع النهر.
في البعيد ظهرت أبراج قلعة أخرى متجهة الى السماء وحول القصر بيارات الأشجار المثمرة التي اعطت نوعا من المناعة للقصر ، بدا أن الجدول يختفي تحت القصر وكانت هارييت تتأمل هذه الظاهرة عندما قاطعتها سوزان بصوت هادىء:
" الا تظنين ان ذلك بول لاروش؟".
نظرت هارييت بسرعة ، وبالفعل كان إبن أندريه يقفز في إتجاههم على الممر الضيق ، ولم تستطيعا تحاشيه إلا إذا هربتا في الإتجاه المعاكس.
حياهما بلا إكتراث بينما إنتشرت على ملامحه الجذابة إبتسامة كسولة وأردف:
" لم اعرف ان لدينا ضيوفا".
أجابت هارييت:
" لم نات لزيارتكم ، كنا نرغب فقط في مشاهدة القصر".
فضاقت عيناه بإعجاب عندما إستوعب جمال محياها وقال:
" إذن يجب ان تسمحا لي بمرافقتكما لزيارة القصر ، عادة لا يفتح القصر للسياح إنما أعتقد انه في إستطاعتنا بصورة إستثنائية ان نفتحه".
أجابته هارييت:
" لن نقبل خدمة كهذه".
خاب أملها لأنها قامت بالرحلة من اجل لا شيء ورمقته بنظرة ثاقبة ثم قالت لرفيقتها:
" هيا بنا يا سوزان".
" كلا ، إنتظرا".
وأمسك بول بذراعها ثم أفلتها عندما نظرت اليه بحدة ، وقال متلعثما:
" ارجوك... أود .. ان اريكما المكان".
فنظرت سوزان الى هارييت قائلة:
" من فضلك ، دعينا نتفرج ، لقد سرنا وقتا طويلا....".
تنهدت هارييت ثم قالت:
" يبدو أن هذا ال**** ملك خاص....".
قاطعها بول:
" ارجوك ، لا داع لهرب".
فحدّقت هارييت اليه وأجابت:
" انا لم أحاول اهرب!".
ثم حوّلت نظرها عنه بسرعة واردفت:
"حسنا ، كيف ندخل القصر؟".
" سأريكما".
إبتسم بول وقادهما الى الدرب الذي اتى منه ، سار الثلاثة قرب سور القصر المتعرج ، وعندما إبتعدوا عن الوادي الضيق العميق ، أخذ الممر يتسع واصبح مظللا بالأشجار ، بعد بضع ياردات وصلوا الى نوع من الحدائق الكبيرة التي تواجه القصر... هكتارات من الحشائش الناعمة كالحرير ، بدت بحاجة ماسة الى اقليم ، ورأت هارييت الغابات وراء الحديقة حيث تخيّلت كونتات روشفور القدامى يصطادون الغزلان البرية ، وكبقية المكان أصبحت النباتات والخضراوات تنمو عشوائيا ، كان القصر أكبر مما تصورت ،ومجهزا بأبواب حديدية ضخمة تفتح على الساحة الداخلية ، نوافذ تبدو كانها فارغة.
إتشح المكان بصيغة الإهمال لكن هذه الحالة لم تطغ على دقة وجمال النقوش والزخرفة في الجدران ، قال بول بتهكم:
" اربعمائة عام من التاريخ تتهدم لتصبح غبارا!".
قالت سوزان متأثرة:
" هل القصر بهذا القدم؟".
فهز بول راسه وقال شارحا :
" اعيد ترميم معظم هيكله في القرن التاسع عشر وأثناء الحرب إحتل من قبل الألمان ونهب تماما ، مات اجدادي أثناء الأحتلال".
" آسفة لذلك ".
وبينما هارييت تقدم تعازيها ، جال في خاطرها ان اندريه أخبرها عن هذه الواقعة قبلا.

أمل بيضون 02-12-11 10:56 PM

هز كتفيه غير مبال وتقدم نحو البوابات الحديدية ، فقالت هارييت :
" إنتظرا ! لا نريد الدخول".
" ولم لا ؟".
أومات هارييت بضعف وهمست:
" هل القصر مسكون؟".
قطب بول حاجبيه واجاب:
" البيت الصغير عند المدخل مشغول فقط ، ألا تعلمين ذلك؟".
أجابته هارييت:
" اعرف؟ ماذا أعرف؟".
رد بول بدهشة:
" إننا نسكن البيت الصغير".
تمنت هارييت لو إنفتحت الأرض وإبتلعتها ، كان من السهل ان تلهو وتتصور رد فعل أندريه عند دخولها مسكنه ، لكن الإقتحام الفعلي كان شيئا آخر.
قالت سوزان:" هل تسكنون هناك في البيت الصغير ؟ إنه لشيء مثير !".
لم يكن عند سوزان تحفظات خالتها ، فنظر اليها بول بإستعلاء ، ثم إلتفت الى هارييت قائلا:
" ما الأمر ؟ ألا ترغبين في رؤية القصر ؟ أعدك أنه ليس متداعيا كما يبدو للعين".
رفعت هارييت شعرها بيد مرتجفة وبدأت تقول:
" ليس الأمر هكذا".
وعندما خرج رجل من باب البيت الجانبي ووقف ينظر اليهم ، كان ذلك الرجل اندريه ، لم تكن بحاجة للنظر اليه لتحس بتقلص عضلات معدتها ، فقربه منها أرسل ذبذبات سيلت طعم العلقم في حلقها ، لاحظهم بالرغم من أن اشعة الشمس كانت في عينيه وتقدم نحوهم.
لاحظ بول عدم إرتياح هارييت فألفت حوله وقطب عندما رأى والده ثم زمجر قائلا:
" أتساءل إذا كان يعرف إنك تخافينه".
" كلا ، لا أخافه!".
وصل أندريه قربهم ، وضاقت عيناه السوداوان عندما سمع همساتهم الحارة وقال ناظرا الى سوزان:
" إنها فرصة سعيدة مفاجئة ، هل ينقصكما شيء ؟ ربما لديكما بعض الشكاوى؟".
كانت هارييت متضايقة جدا من قصر بنطلونها ، ومن لمحة السخرية التي إرتسمت على وجه اندريه ، كان يرتدي بنطلونا من المخمل المضلع البني وقميصا من الحرير ، ويبدو قاسي التعابير وباردا ، فتضايقت هارييت مما إعتبرته تطفلا عليهم ... هل حسبهما جاءتا لتبحثا عنه ؟ لو علمت أنها ستلتقي به لبقيت على مسافة بعيدة من روشفور ، خطر لها أنه يكن أن يكون وكيلا لهذا القصر ولذلك عرف إبنه بول كل هذه التفاصيل عن المكان ، اوموظفا عند النبلاء ويدعي ملكية هذا ال**** ، سرحت افكارها ، هل من الممكن ان يكون مالك البيت الذي إشترته؟ وهل صحيح ان البيت تابع للقصر ؟ وسمعت سوزان تقول له:
" اردنا مشاهدة القصر ، إنه في غاية الجمال ، أليس كذلك ؟ ما أجمل تلك القبة الصغيرة ! أهي مدخنة ؟".
نظر أندريه الى البناء بسرعة وقال:
"إنها في الواقع قبة الجرس ، من سنين طويلة وفي ايام الثورة ، كانت القرية تعاني من فقر كبير ، أجدادي كانوا يقرعون الجرس وكل من ياتي لدى سماع صوته يقدمون له صحنا من الشوربة وقطعة خبز".
وتابع بسخرية:
" مع الأسف هذا لم يمنع أن تتدحرج رؤوسهم ، ولحسن حظي ، إستطاع أحد أولادهم الهرب الى أنكلترا".
لم تعد هارييت تفهم كلمة واحدة مما قاله بعدما ذكر كلمة أجداده ، هل يعني هذا انه الكونت الحالي لروشفور؟ رفت بعينيها فنظر اليها بول بشيء من السخرية وقال:
" هل دخل شيء في عينك يا آنسة آنغرام؟".
فزمت هارييت شفتيها بغضب وأجابت ببرود:
" كلا ، لكن اشعة الشمس قوية".
كان واضحا أن بول ل يصدقها ولكن كلماتها جذبت إتباه اندريه الذي قال:
" ربما تودان تناول العصير معنا ، وبعد ذلك ، إذا احببتما ، يأخذكما بول لتتجولا في القصر".
أظهرت سوزان تحمسا لهذه الفكرة لكن هارييت هزت رأسها قائلة:
" يجب ان نعود لأننا أطلنا النزهة ، وقد تركت السيارة في مكان غير مناسب".
تجاهلت خيبة أمل سوزان ، وسالها أندريه مقطبا:
" هل أتيتما بالسيارة؟".
تنبّهت هارييت الى أنه أعتقد أنهما جاءتا الى هنا عمدا ، فكرهته لوقاحته ، وقالت أول شيء خطر في بالها وهي تأمل الا تناقضها سوزان:
" كنا في طريقنا الى كاهورز في الواقع".
سرّها على الأقل رؤية الإستغراب على وجهه ولكن فرحتها لم تطل لأنه اجابها:
" ألا تظنين أنكما سلكتما الطريق الغلط؟".
فإحمرت وجنتاها عندما إعترفت بانها غير متأكدة ن وتابع قائلا:
" كان عليكما ان تسلكا طريق بلسوربو لا طريق روشلاك".
اخفت هارييت غستياءها وقالت:
" إنني أشكر لك إرشاداتك ايها السيد".
ثم حيّت بول وهمّت بالإنصراف لكن أندريه تقدم منها قائلا:
" يجب أن تأتيا وتتناولا معنا الشاي في يوم من الأيام".
لكنها لم تستوضح تعبير وجهه لنه كان يطبق عينيه تقريبا ، وتساءلت إذا كان يحس كم تحتقره ، وتابعت قائلة:
" لا اريد أن أكون متطفلة".
أكد لها أنها غير متطفلة على الإطلاق ، وأنهم يستقبلون عددا قليلا من الزوار هذه الأيام.
تساءلت هارييت كم فهم بول من هذا الكلام ذي الحدين ، وقد سرّها ان سوزان صغيرة السن ولا تفهم دقائق العبارات التي تبادلتها مع اندريه ، اما بول فكان ينظر اليهما بإستغراب وإهتمام.
قالت سوزان فجاة :
" لم تشكري السيد لاروش على الأثاث الذي ارسله".
فصاح بول صيحة إستهزاء وقلّدها بسخرية ، فنظرت اليه سوزان بدهشة وقالت:
" ما الأمر؟".
فكرر بول كلمتي السيد لاروش مبديا حركة غير مستحبة موجهة لهارييت ، فوبّخته قائلة:
" ما دام والدك يوافق على ان نناديه بالسيد لاروش ، فلا أرى مبررا لتحقيرنا لأننا نناديه بهذا الإسم ، وإذا كنت نموذجا لأبناء الأرستقراطيين فليتهم يتبرأون منك !".
ثم أمسكت بذراع سوزان وقادتها بسرعة الى المكان الذي أتتا منه .
" لحظة من فضلك......".

haneen el nada 03-12-11 02:34 AM

ah ya amal el 2essa badat tseer a7la
bedy a3rfe sho ser enfassal andre we hariette

yalla kamly bsor3a :)

أمل بيضون 05-12-11 12:24 AM

قبضة يد اندريه وهي تمسكها من ذراعها جعلتها تقف على الرغم منها ، تركت يد سوزان وإستدارت تنظر الى أندريه بوجل ، لم تعرف هارييت من تعالج أولا ، كانت تريد ان تنزع اصابع أندريه عن ذراعها وفي الوقت نفسه أن تواسي سوزان ، ونظرت الى أندريه بغضب قبل أن تقول للفتاة:
" لا تنظري هكذا يا سوزان ، فلا احد يبغي إيذاءك ".
نظرت ثانية الى اندريه بصمت كأنها تتحداه ، فتركت يه ذراعها ، لكن فمه اصبح خطا واحدا ، وتساءلت إذا لم تكن متفائلة اكثر مما يجب ، إرتاحت لأن بول قد إختفى ، وحوّل اندريه نظره عن وجه هارييت ونظر الى الفتاة الصغيرة قائلا بهدوء:
" أعتذر عن تصرف إبني ، آسف لأنه في السنوات القليلة الماضية اصبح فظا ، إنه ليس معتادا على الفتيات الإنكليزيات المهذبات".
بلّلت سوزان شفتيها وقالت:
" لا باس".
ونظرت بخجل صوب خالتها وقالت:
" هل ستاتين؟".
كانت هارييت تهم بمغادرة المكان عندما تكلم أندريه للمرة الثانية :
" لحظة يا سوزان ، سوف نلحق بك ، إنني ارغب بمحادثة خالتك على إنفراد".
إنتفض رأس هارييت فجأة وأجابته:
" لا أظن يا كونت أن لدينا ما نقوله".
لكنها برغم برودة جوابها خفضت نظرها إذ لم تتحمل نظرة أندريه النافية ، وبحركة متضايقة أومأت ثم قالت لسوزان:
" إسبقيني يا سوزان ، لن اتاخر سوى دقائق قليلة".
ترددت سوزان قليلا ثم مشت على الدرب المنحدر الذي يقود الى الوادي ، وبقيت هارييت واقفة مع اندريه في ظل شجرة الطقوس الكبيرة.
وعندما أصبحت سوزان بعيدة عن مرمى السمع ، نظرت هارييت الى طرف حذائها وهي تحفر الأرض اليابسة وقالت لأندريه:
" حسنا ، ماذا تريد أن تقول؟".
خيم جو من الصمت بينهما كأنه أصبح وجودا بذاته ، وفي الأخير ، تكلم اندريه قائلا:
" أدرك ان الوضع صعب يا هاريت لكن لا ينفع أن تعامليني كأبرص!".
رفعت راسها بتحد وسالته:
" لم لا وأنت كذلك بالفعل".
مرت فترة اخرى من الصمت ثم قال:
" هل تكرهينني يا هارييت الى هذا الحد؟".
كان يبدو متعجبا ، وإنفجر غضبها مرة اخرى فهتفت:
" ماذا كنت تنتظر ؟ ان افرح لمشاهدتك؟ ان اكون قد نسيت انك حيوان أناني؟".
تقلصت عضلات وجهه عند سماعه إتهاماتها ، ورأت شريان عنقه ينتفض بسرعة من خلال قميصه المفتوح على عظام صدره القوية ، وجلده مسمّر وملطخ بالعرق ، تأثرت للمشهد ، فقال لها:
" العلاقة التي كانت بيننا كانت ستنتهي يوما بمعرفتك للحقيقة ".
إرتجفت هارييت ولم تستطع السيطرة على نفسها وقالت:
" اتريدني ان أكون شاكرة لك ذلك؟".
إلتوت شفتاه ، وتابع قائلا:
" كلا ، من الواضح انك لا تشعرين بالإمتنان ".
" هل كان هذا كل ما اردت قوله؟".
" كلا !".
شد على قبضتيه وتابع:
" من فضلك ، اردت محاولة توضيح الأمر لك....".
" التوضيح !".
وتراجعت الى الوراء وتابعت:
" ماذا يمكن أن تفسر لي ؟ خل عنك ! إترك كل شيء .... ودعني لوحدي !".
رفعت عينيها الخاويتين لتنظر اليه ، لكن ما شاهدته في عينيه بعث الإحمرار من عنقها الى وجهها ، رأت سواد عينيه الملطخ بلون العنبر ، يقول لها أنه لا يصدق كل ما شاهد وهو لا يحاول إخفاء عدم التصديق ، ثم خفض نظره الى جسمها وأخذ يتأمل تقاطيعها ، صدمت هارييت وخجلت من نظراته الجريئة ، ثم أخذت نفسا طويلا وقالت:
" لا تنظر الي هكذا !".
" وكيف انظر؟.
لم يكن هناك أي دفء في صوته ، وإستجمعت هارييت كل قواها لأكمال ما ارادت أن تقوله:
" نظرتك غير لائقة".
فسالها:
" هل هذه المرة الأولى التي أنظر اليك هكذا يا حبيبتي؟".
وبدون أن تتوقف لتفكر بالعواقب تقدمت وصفعته بشدة على وجهه البارد المتهكم ، وللحظات مخيفة تصورت أنه سيبادلها الصفعة.
تحركت يده نحوها فجأو بعفوية ثم أوقف ردة فعله وإنكمشت أسارير وجهه ، وقال:
" هل تلذذت بذلك؟ هل أصبحنا الآن متعادلين؟".
أجابت بصعوبة:
" لا شيء يجعلنا نتعادل ، أنت... أنت...".
وأكمل عنها الكلام:
" حيوان اناني على ما اظن ، لوصف إياه".
واخذ يفرك جلد خده المحمر ، وقال :
" حسنا يا هارييت ، فهمت مرادك ، اليست هذه العبارة المعهودة ".
تنهدت هارييت وقد نضب منها كل تهجم ، نكست راسها وهي تحس بالفراغ وعدم الجدوى وتساءلت عن خيانة الجسم والروح ، هل ستتخلص يوما ما من هذا الرجل.
رفعت رأسها عندما سمعت صوت قدميه يتلاشى على الدرب ، وأحست بكتلة تستقر في حنجرتها عندما رأته ذاهبا ، كان يفتح أزرار قميصه ليحس بالبرودة ، يحرك منكبيه كأنه مثقل بالتعب.
كانت تصارع رغبتها بالركض وراءه ، واحست بموجة شديدة من الوهن تسيطر على جسمها ، فاغمضت عينيها من شدة إحساسها بالتعاسة المؤلمة ، يا ألهي ، صلّت بصمت ، لا تدع هذا يحدث لي!

أمل بيضون 06-12-11 12:59 AM

5- الإبن سر أبيه؟


يد كأنها تريد أن تعبر عن شيء لمست ذراعها ، ففتحت عينيها وشاهدت سوزان تقف الى جانبها وتنظر اليها بقلق ، ثم تهمس ملتاعة:
" هارييت؟ ما الذي يضايقك؟".
نظرت هارييت حولها ولما تأكدت انهما بمفردهما رفعت شعرها الى الوراء وهزت رأسها بعنف وهي تجبر نفسها على الإبتسام ، تمتمت وهي شاردة الذهن:
" إنه الحر....".
نظرت اليها سوزان غير مصدقة وسالت:
" ماذا قال لك السيد لاروش ؟ إن وجهك شاحب".
قالت هارييت متضايقة:
" لنعد الى السيارة ، إنني بحاجة الى جرعة ماء".
فاجابت سوزان بعبوس:
" إذن لماذا رفضت دعوة السيد لاروش؟".
عرفت هارييت أنه يجب عليها توضيح الأمور ، فقالت وقد إستطاعت السيطرة على صوتها :
" لن نستطيع الكلام هنا ، في كل حال ، أنه لا يدعى السيد لاروش ، بل الكونت دو روشفيور ، صاحب القصر !".
" احقا ما تقولين؟".
نظرت سوزان الى جدران اقصر وقالت:
" يا للعجب !".
ثم عبست وتابعت:
" وما الذي يدعو ( كونتا ) الى تنظيف الموقد؟".
أجابت هارييت بلهجة جافة:
" تستطيعين ان تسألي هذا السؤال ! هيا بنا يا سوزان ، لنتحرك ! لن نستطيع الوقوف هنا طول النهار".
عبرتا الغدير وهارييت تفكر ، تساءلت ما عسى أندريه يقول لزوجته إذا إرتأى إبنه ان يخبرها عن الزائرتين الغريبتين؟ في كل حال ، رد فعلها اتجاه سخرية الصبي كانت تفوق الإساءة ، وبول لم يكن مخبولا ، وقالت لنفسها بشراسة، هذه مشكلة والده ، ورفضت الإعتراف بالذنب الذي كان سيسيطر عليها.
اسرعت وراء سوزان وأسنانها تصطك ، إنها لحمقاء ، فكرت بمرارة ، لتسمح لأندريه بأن يتغلغل في كيانها ، الم تحظ بتعاسة كافية بسببه ؟ ما عساها ان تكون ، هل ترضى بالألم والذل ؟؟ كانت السيارة شديدة الحرارة ، وسوزان منهمكة بفتح الشبابيك بطريقة دراماتيكية ، جلست هارييت وراء المقود ، وارجعت السيارة الى الوراء وقادتها نحو البيت.
سالت سوزان:
" هل سنذهب الى كاهورز؟".
لكن خالتها هزت رأسها وقالت بوجوم:
" نحن ذاهبتان الى البيت".
وكرست إنتباهها للقيادة فقط.
وعندما وصلتا البيت ، كان من المستحيل تجنب المجابهة ، وبإحساس من الحتمية اسرعت هارييت بتحضير السلطة للغداء ، وهي شاعرة بإستياء إبنة اختها.
وقفت سوزان في المدخل ورفعت رجلها لتضع الأخرى على برواز الباب ، ثم قالت بعصبية:
" والان ! هل ستقصين علي كل ما حدث؟".
ارادت هارييت أن تكسب وقتا فأجابت:
" كل ماذا؟".
تنهدت سوزان قائلة:
" لا تجيبيني هكذا ، أنت تعلمين ماذا أقصد ، بالتحديد ما هو مقدار معرفتك بالسيد ، أقصد ، الكونت؟".
" لم اعرفه جيدا".
ثم رفعت بصرها وقالت:
" سوزان ! لقد وجدت بعض الرشاد عندما كنت قرب الغدير هذا الصباح ، هل بإمكانك إحضار القليل منه؟".
بدت على وجه سوزان تعابير تمرد وأجابت:
" لا أعرف الرشاد من غيره من الأعشاب".
" لا باس سأحضره بنفسي".
قطعت هارييت المسافة الى الباب المفتوح على البهو الصغير والذي يطل على الحديقة الخلفية ، وقالت:
" يجب أن نبدأ بقطع هذه الأعشاب ، فإذا امطرت ، سوف تبتل ثيابنا لدى السير في غمارها".
ابدت سوزان إستياءها وقالت:
" إذن انت لا تريدين إجابتي".
" اوه ، سوزان !".
ونظرت هارييت حولها بخيبة وأردفت:
" انت صغيرة جدا لتفهمي".
أجابت سوزان :
" لكنك تعرفينه اكثر مما تدعين ، أليس كذلك؟".
" لقد... خرجت معه بضع مرات".
" متى كان هذا؟".
إحمر وجه هارييت :
" منذ ثماني سنوات".
نظرت اليها سوزان بتأمل فإنكمشت شفتا هارييت وتمتمت :
" نعم ... كان رجلا متزوجا ...".
وأكملت سوزان عنها وهي تعبس:
" ولديه عائلة ! هل عرفت هذا أيضا؟".
فتحت هارييت الباب بقوة وقالت:
" كلا".
فتمتمت سوزان:
" ولكن هو كان يعلم".
فإنتفضت هارييت ، وتابعت سوزان:
" بدات أفهم الآن".
" أحقا؟".
كانت هارييت تشك بذلك لكنها قالت:
" الآن سوف احضر الرشاد".
في اليوم التالي ذهبتا الى كاهورز ، وأبت هارييت ان تفصح لماذا إختارت هذا المكان بالذات كأول زيارة تقومان بها ، ولكنها صممت ان لا تدع أندريه يتصور أنهما ذهبتا الى القصر لأي سبب آخر كما ذكرت ، كانت الطريق الى كاهورز تمر بأرض جبلية تحد وادي نهر اللوت ، ووصلتا الى المدينة فجأة ، الأبراج والحصون ترتفع فوق النه بروعة من العصور الوسطى ، ونهر اللوت يزنر كاهورز من ثلاث إتجاهات ، حزرت هارييت أنه كان بمثابة حصن طبيعي ، والجهة الرابعة يحدها سور يمتد من الشرق الى الغرب ، كانت تقطع النهر عدة جسور ، أحدها من القرن الرابع عشر يدعى جسر فالانتر ويشار اليه في دليل السياحة أنه أجمل جسر في العالم ، له أقواس ضخمة من الطراز الغوطي وابراج نحيلة ، يشكل منظرا مهيبا ، لكن هاريت كانت قد زارت البندقية ، ولا شيء في نظرها يضاهي جمال قناطر الريالتو البيضاء ، أما سوزان فلم تذهب الى إيطاليا ، وبالتالي لا تستطيع المقارنة ، إلتقطت عدة صور فوتوغرافية قبل ان تنتقل الى الكاتدرائية فحسدتها هارييت على سذاجتها.

أمل بيضون 06-12-11 10:36 PM

تناولتا طعام الغداء في مقهى رصيفي في شارع جانبي قرب النهر حيث الطاولات مظلة بالأشجار ، ومع أن هارييت كانت متعبة ، أحست بإسترخاء لم تعهده منذ أيام ، أكلا خبزا مقمرا ولحوما باردة وإحتستا الشراب المثلج على انغام اوكورديون شجية تختلط بأحاديث الرواد ، لم يكن أحد بعجلة لخلاء الطاولات وساعات الغداء إنسابت بكسل ، لاحقا ، توقفتا لأبتياع بعض الأشياء التذكارية من بوليفار جامبيتا ثم عادا الى السيارة وبعدها الى البيت ، تأملت سوزان أطرافها النحيلة وهي تستقل السيارة وإبتسمت قائلة:
" هل تذكرين عندما ذهبت الى المتجر لتشتري الخبز ؟ كنت واقفة في الخارج فغمزني احدالشبان ! ما رايك بهذا؟".
ضحكت هارييت قائلة:
" قلت لك أنها فقط مسالة وقت".
ثم سالتها هارييت بجدية:
" ارجو ألا تكوني تجاوبت بطريقة ما؟".
إعترفت سوزان بصدق:
" أحمرت وجنتاي فحسب".
فضحكت هارييت وهي تدير محرك السيارة .
احستا بإرتياح عندما عادتا الى البيت ، خرجت هارييت من السيارة وتمطت بنشوة بعد عناء القيادة ، ترجلت سوزان وبينما هارييت تجمع حوائجهما من مؤخرة السيارة ، أخذت سوزان المفاتيح وذهبت لتفتح الباب ، ثم هتفت وهي تلتقط ظرفا ملقى خلف الباب.
" لقد وصلتك رسالة !".
تقدمت هارييت عبر الممر رافعة حاجبيها بدهشة ، فقالت سوزان :
" لا يوجد على المغلف طابع ، ويوجد شيء ثقيل داخله".
احست هارييت بالتوتر يحيط بها ثانية فأخذت المغلف وفتحته ، وجدت ورقة في داخله ولكن ليس عليها اية كتابة ، كانت الورقة تغلف مفتاحا سقط منها عند فتحها فاحدث صوتا .
إنحنت سوزان لتأخذ المفتاح ، ونظرت اليه بدهشة ثم الى خالتها وقالت:
" إنه المفتاح المرادف لمفتاحنا.... والذي كان.... بحوزة الكونت ".
اومأت هارييت ودخلت المطبخ ، إنه يشبهه ، وافقت بحدة ، وتبعتها سوزان الى الداخل بدون أي تعليق.
بعد يومين ، وفيما هارييت في الطابق العلوي توضب السريرين سمعت اصواتا فإقتربت من النافذة للإستقصاء ، لم تستقبلا ضيوفا بإستثناء اندريه وإبنه ، وتساءلت مع من كانت سوزان تتكلم.
ولم يدم إنتظارها طويلا إذ سمعت صوت بول لاروش الكسول ، وضحكة سوزان المتوترة ، فحزرت هارييت أن الشاب كان يمارس جاذبيته على إبنة اختها السريعة التأثر.
كانت سوزان بدون شك تتمتع بهذه الفرصة لتدرب أنوثتها اليانعة، وبالطبع وجدت في بول نموذجا جذابا لتجرب رمي شبكها عليه ، بول نسخة طبق الأصل عن ابيه لكنه أصغر سنا وأقل خبرة ، وعندما تذكرت هاريت ماذا فعل ابوه هرولت الى اسفل الدرج.
جفلت سوزان لدى ظهور خالتها ، كانت تجلس على طاولة المطبخ كانها تقلد إحدى الفتيات اللواتي يعرضن آخر إبتكار لتسمير البشرة ، كانت تنظر اليه جانبيا وتبرز كل ما عندها ، لكن منظر بول يوحي بانه لا يرى شيئا جديدا ، احس بول بإرتياح لرؤية هارييت وعندما لاحظت الإعجاب في عينيه تنبهت لما كانت ترتديه ، وخاطبها بول بتهذيب:
" صباح الخير ! إنني سعيد لرؤيتك ثانية".
إنتصبت سوزان ، وفي عينيها نظرة تحد بددت نشوتها ، وقالت:
" طلب مني بول ان اذهب معه لنلعب التنس ، هل تمانعين يا خالتي؟".
برغم تضايق هارييت من ان آل لاروش يظنون أنهم يستطيعون الذهاب والإياب بحرية ، لم تستطع إخفاء طرافة الموقف ، وكأن سوزان ارادت توضيح العلاقة بينهما ، لم تستطع الموافقة على الطلب ، فقطعت الغرفة لتملأ الإبريق متفادية نظرات الفتاة المذنبة نوعا ما ، سألتها:
" اين تنويان الذهاب؟".
وقبل ان تستطيع سوزان الإجابة ، تدخل بول قائلا وهو يعطي ظهره لسوزان:
" توجد ملاعب من الحشيش في القصر ، لماذا لا تأتين انت أيضا ؟".
شعرت هارييت بجاذبية نحو الصبي لأنه يشبه والده كثيرا ، ونظرت بشرود الى الإبريق الذي فاض بالماء وإنسكب بعضه على الأرض ، هتفت:
" اللعنة".
ثم مدت يدها الى قطعة قماش لكن بول كان اسرع منها فتناولها قلبها ومسح بها الأرض بسهولة وجدارة ، وعندما لامست قطعة القماش أطراف اصابعها نظرت الى اسفل وفي اللحظة نفسها كان ينظر ايها ، إنزعجت من تصرفه ، ليس لانه في السادسة عشرة فقط وهي تكبره بعشر سنين وإنما لكونه إستطاع ان يؤثر عليها.
لم تعرف هارييت إذا كانت سوزان قد تنبهت لما حدث لكن الابريق احدث ضجيجا عندما وضعته على فرن الغاز ، ولفت نظر الفتاة التي عادت تسالها:
" حسنا ، هل أستطيع الذهاب؟".
عضت هارييت شفتيها متحاشية النظر الى بول ثم اومات بعدم إكتراث وأجابت:
لن استطيع منعك ، إذا كان هذا ما تريدين".
تنهدت سوزان قائلة:
" يا الهي ! إنني بحاجة الى رياضة".
ونظرت الى بول الجالس على الطاولة وقالت:
" اعطني دقيقة لأحضر المضرب".
صعدت سوزان الدرج وحذاؤها يحدث صوتا ، أحست هارييت بالإرتباك حين وجدت نفسها وحيدة مع الصبي ، ولتطرد هذا الإرتباك ، خرجت الى الحديقة وأدارت وجهها لنسيم الصباح ، ثم تنهدت عندما أدركت ان بول قد لحق بها ووقف خلفها.
" ما اجملك!".
قال هذا بصوت منخفض بدون ان ينظر اليها كانه يريد أن يوحي اليها بأنها تخيلت هذه الكلمات ، إنما حين إنتصب ونظر اليها تاكدت أنها لم تتخيل ما سمعت ، أجابته بغضب:
" لا ينبغي ان تقول لي أشياء كهذه !".
ثم مسحت خدها المحمر وأردفت:
" أنا... لا احب ذلك".
أجابها :
" مستحيل !".
ردت عليه:
" انا بالفعل لا أحب ذلك ".
" احقا ، لماذا؟".

خفايا الشوق 07-12-11 02:36 PM

ررررررررررررررررووووووووع ه

شـكــ ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .


الساعة الآن 08:50 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.