18-11-11, 11:17 PM | #1 | ||||
| الأمين و المأمون.-جرجي زيدان الأمين و المأمون جرجي زيدان نبذة عن حياة الكاتب جرجي زيدان تعد حياة جورجي زيدان نموذجًا للعصامي الذي يشق حياته وسط طريق ملبد بالغيوم مليء بالثغرات، فيجتاز ذلك بالهمة العالية والإرادة الصلبة، والتطلع إلى المعالي، لا يصرفه عن ذلك فقر حل به، أو ظروف معاكسة، أو بيئة غير مواتية، يأتي إلى القاهرة فقيرا لا يملك من الدنيا شيئا، فيصنع لنفسه حياة عريضة وشهرة واسعة في ميدان الصحافة والأدب والتاريخ. المولد والنشأة ولد جورجي زيدان في بيروت في (10 من جمادى الآخرة 1278هـ = 14 من ديسمبر 1861م) لأسرة مسيحية فقيرة، كان عائلها رجلاً أميا يملك مطعمًا صغيرًا كان يتردد عليه طائفة من رجال الأدب واللغة، وطلاب الكلية الأمريكية. ولما بلغ الخامسة أرسله أبوه إلى مدرسة متواضعة ليتعلم القراءة والكتابة والحساب، حتى يستطيع مساعدته في إدارة المطعم وضبط حساباته، ثم التحق بمدرسة الشوام فتعلم بها الفرنسية، ثم تركها بعد فترة والتحق بمدرسة مسائية تعلم فيها الإنجليزية. ولم ينتظم جورجي في المدارس، فتركها وعمل في مطعم والده، غير أن والدته كرهت له العمل بالمطعم، فاتجه إلى تعلم صناعة الأحذية وهو في الثانية عشرة ومارسها عامين حتى أوشك على إتقانها لكنه تركها، لعدم ملاءمتها لصحته. ولم تشغله هذه الأعمال عن القراءة والاطلاع؛ فقد كان يبدي منذ صغره ميلا قويا إلى المعرفة، وشغفا بالأدب على وجه الخصوص، وتوثقت صلته بعدد كبير من المتخرجين في الكلية الأمريكية، ورجال الصحافة وأهل اللغة والأدب من أمثال يعقوب صروف، وفارس نمر، وسليم البستاني وغيرهم، وكان هؤلاء يدعونه إلى المشاركة في احتفالات الكلية، فهفت نفسه إلى الالتحاق بها مهما كلفه الأمر، أو بذل من جهد ومشقة، فترك العمل نهائيا سنة (1299هـ = 1881م) وانكب على التحصيل والمطالعة، راغبا في الالتحاق بمدرسة الطب، فتحقق له ذلك بعد اجتيازه اختبارا في بعض المواد العلمية عكف على تعلمها ثلاثة أشهر، وبعد أن أمضى في مدرسة الطب عاما كاملا تركها إلى مدرسة الصيدلة. الهجرة إلى القاهرة اعتزم جورجي زيدان الهجرة إلى القاهرة ليتم بها دراسة الطب، ولم يكن معه ما يكفي نفقات السفر، فاقترض من جار له ببيروت ستة جنيهات على أن يردها إليه حينما تتيسر له الأحوال، ولما نزل القاهرة في (ذي الحجة 1300هـ = أكتوبر 1883م) صرف عزمه عن الالتحاق بمدرسة الطب لطول مدة الدراسة، وأخذ يبحث عن عمل يتفق مع ميوله، فعمل محررا في صحيفة "الزمان" اليومية التي كان يملكها ويديرها رجل أرمني الأصل يدعى "علكسان صرافيان". وكانت صحيفة الزمان الجريدة اليومية الوحيدة في القاهرة بعد أن عطل الاحتلال الإنجليزي صحافة ذلك العهد، وبعد نحو عام عُيّن مترجما في مكتب المخابرات البريطانية بالقاهرة عام (1301هـ = 1884م)، ورافق الحملة الإنجليزية التي توجهت إلى السودان لإنقاذ القائد الإنجليزي "غوردون" من حصار المهدي وجيوشه، ودامت رحلته في السودان عشرة أشهر عاد بعدها إلى بيروت في سنة (1302هـ = 1885م). العودة إلى بيروت وفي بيروت انضم إلى المجمع العلمي الشرقي الذي أنشئ في سنة (1299هـ = 1882م) للبحث في العلوم والصناعات، والإفادة منها بما يعود على البلاد بالنفع والخير، وتعلم اللغتين العبرية والسريانية، وهو ما مكّنه من تأليف أول كتبه "فلسفة اللغة العربية" سنة (1303هـ = 1886م)، وهو يعد أول جهد واضح بُذِل في تطبيق مبادئ فقه اللغة المقارن على اللغة العربية، وإن كان غير عميق التناول، وهو ما جعله يعيد فيه النظر مرة أخرى، ويعود إليه منقحا ومعدلا في طبعة جديدة أصدرها بعد ذلك في سنة (1322هـ = 1904م) بعنوان "تاريخ اللغة العربية"، ثم زار جورجي زيدان لندن، وتردد على مكتباتها ومتاحفها، ومجامعها العلمية، ثم عاد إلى القاهرة. الاستقرار في القاهرة استقر جورجي زيدان بالقاهرة، وتولى عقب عودته من لندن إدارة مجلة المقتطف، وظل بها عاما ونصف العام، وقد قدم استقالته من المجلة سنة (1306هـ = 1888م) ليشتغل بتدريس اللغة العربية بالمدرسة "العبيدية الكبرى" لمدة عامين، ثم تركها ليشترك سنة (1309هـ = 1891م) مع "نجيب متري" في إنشاء مطبعة، ولم تستمر الشركة بينهما سوى عام، انفضت بعده واحتفظ جورجي زيدان بالمطبعة لنفسه، وأسماها مطبعة الهلال، على حين قام نجيب متري بإنشاء مطبعة مستقلة باسم مطبعة المعارف، ثم أصدر جورجي زيدان في سنة (1304هـ = 1892م) مجلة الهلال، وكان يقوم بتحريرها بنفسه، إلى أن كبر ولده "إميل" وصار مساعده في تحريرها. نشاطه الفكري كان جورجي زيدان متمكنا من اللغتين الإنجليزية والفرنسية إلى جانب اللغة العربية، واسع الاطلاع بهما، وبخاصة فيما يتصل بالتاريخ والأدب العربيين، واتجهت مؤلفاته الأولى نحو هذا المضمار، وإن مالت نحو الدراسات التاريخية، فأصدر في سنة (1307هـ = 1889م) كتاب "تاريخ مصر الحديثة" في مجلدين، و"تاريخ الماسونية والتاريخ العام"، وهو موجز في تاريخ قارتي آسيا وأفريقيا، ثم توالت كتبه: تاريخ إنجلترا، تاريخ اليونان والرومان، جغرافية مصر وطبقات الأمم وغيرها، غير أن هذه الكتب لم تلفت إليه الأنظار، ولم تلق نجاحا يذكر، إلى أن أنشأ مجلة الهلال التي ارتبطت حياته بها ارتباطا وثيقا. مجلة الهلال وقد صدر العدد الأول من المجلة في (ربيع أول 1310هـ = 1892م) يحمل افتتاحية بقلم جورجي زيدان أوضح فيها خطته، وغايته من إصدارها، وقد عكف على تحريرها بنشاط لفت إليه الأنظار، وكان ينشر فيها كتبه على هيئة فصول متفرقة، وقد لقيت المجلة قبولا من الناس حتى لم يكد يمضي على صدورها خمس سنوات حتى أصبحت من أوسع المجلات انتشارا، وقد مد الله في عمرها حتى تجاوزت قرنا من الزمان، وكان يكتب فيها عمالقة الفكر والأدب في مصر والعالم العربي، ورأس تحريرها على مدى حياتها المديدة كبار الكتاب والأدباء، من أمثال: الدكتور أحمد زكي، والدكتور حسين مؤنس، والدكتور علي الراعي، والشاعر صالح جودت وغيرهم. الروايات التاريخية اشتهر جورجي زيدان برواياته التاريخية الشهيرة التي بدأها برواية "المملوك الشارد" التي صدرت في سنة (1309 = 1891م)، ثم تتابعت رواياته حتى بلغت اثنتين وعشرين رواية تاريخية، منها سبع عشرة رواية تعالج فترات من التاريخ الإسلامي، تمتد من الفتح الإسلامي إلى دولة المماليك، مثل: أرمانوسة المصرية، غادة كربلاء، فتح الأندلس، العباسة أخت الرشيد، الأمين والمأمون، شجرة الدر، استبداد المماليك. وقد لقيت هذه الروايات رواجا واسعًا وإقبالاً هائلاً، وتُرجمت إلى الفارسية والتركية، والأذربيجانية، وغيرها من اللغات، وتنحصر أهمية هذه الروايات في أنها قدمت التاريخ في صورة سهلة ومشوقة، وبلغة جذابة تحمل القراء على متابعة تاريخهم دون مشقة أو ملل. ومع ذلك فإن تلك الروايات لم تسلم من النقد فيما يتصل بالشكل والمضمون: أما من ناحية الشكل والمعالجة فإن الأحداث تقوم على علاقة غرامية بين بطلي القصة، وتحول الدسائس دون التقائهما واجتماعهما، وشخصيات رواياته متشابهة ونمطية فهو لا يهتم برسم شخصياته. أما من حيث المضمون فلم يلجأ جورجي زيدان إلى الفترات المشرقة من التاريخ الإسلامي، بل اتجه إلى الفترات التي تمثل صراعًا بين مذهبين سياسييَن أو كتلتين متصارعتين على السلطة والنفوذ، ولم يتجه إلى التاريخ الإسلامي لإبراز أمجاده، وكان متأثرًا في ذلك بنظرة المؤرخين الغربيين إلى العالم الإسلامي، ويأتي في روايته ذكر "الدير" بصورة مفتعلة. وعلى الرغم من ذلك فإنه يعد المؤسس لهذا اللون من الروايات التي تجمع بين التعليم والتسلية والتاريخ. أهم كتبه يعد كتاب "تاريخ التمدن الإسلامي" الذي صدر في خمسة أجزاء في الفترة من (1320 – 1324هـ = 1902 – 1906م) أهم مصنفاته، وقد أفاد الرجل من قراءاته ودراساته في المؤلفات الغربية، ومناهج التأليف في التاريخ والحضارة، فضلاً عن مطالعاته الواسعة في المصادر العربية، وكان من يكتبون في تاريخ الإسلام يجرون على منهج رواة المسلمين القدامى مع شيء من التحسين، مثلما هو الحال في كتابات الشيخ "محمد الخضري"، ولم يكن لهم صلة بعالم الاستشراق أو وقوف على المناهج الحديثة. وقد أثار الكتاب عند ظهور أجزائه الأولى نشاطًا واسع المدى في أبحاث التاريخ الإسلامي، وأقبل عليه الناس، وكانت الجامعة المصرية قد قامت وامتلأت قاعاتها بالطلاب، فانتبهت إلى مكانة جورجي زيدان وسعة علمه، فدعته إلى إلقاء سلسلة من المحاضرات في التاريخ الإسلامي، لكن حالت الظروف دون القيام بهذا العمل في الجامعة. وقد ترجم هذا الكتاب إلى عدة لغات شرقية، كما ترجم المستشرق الإنجليزي "مارجوليوث" الجزء الرابع منه إلى الإنجليزية، وعده عملاً أصيلاً غير مسبوق. ويعد كتابه "تاريخ آداب اللغة العربية" الذي صدر في أربعة أجزاء في الفترة (1329هـ – 1332 هـ = 1911 = 1914م) من أهم المراجع للمشتغلين بتاريخ الأدب العربي في عصوره المختلفة، وكانت فكرة تأليف هذا الكتاب قد شغلته منذ وقت مبكر، فنشر فصولاً في مجلة الهلال سنة (1312هـ = 1894م) تحت هذا العنوان، ثم وسّع هذه الفصول حتى جعل منها كتابًا مستقلاً، ويعد جورجي زيدان رائد هذا الميدان، وإن سبقته محاولات محددة لم يكن لها مثل تأثير كتابه. وتأثر جورجي زيدان بمنهج المستشرقين في دراسة تاريخ الآداب العربية، وبخاصة كتاب بروكلمان المستشرق الألماني في كتاب "الأدب العربي" وغيره من مؤلفات المستشرقين، وقد وضع في الصفحات الأولى من كتابه أسماء المراجع الفرنسية والإنجليزية والألمانية التي رجع إليها ونهل منها. ويعد كتابه "تراجم مشاهير الشرق" من أهم المراجع التي يستأنس بها كل باحث وكاتب يبحث عن الترجمة لعلم من أعلام الشرق في القرن التاسع عشر، والكتاب لا يختص بطائفة معينة من الناس، وإنما يجمع بين أعلام السياسة والأدب والإدارة والحكم وغيرهم. وفاته كان جورجي زيدان يعمل بانتظام شديد، وبعزيمة قوية، ينكب على القراءة والتدوين ست عشرة ساعة متوالية في اليوم، مكتفيًا من النوم بأربع ساعات في أخريات حياته، يسابق الزمن في إنجاز أعماله الضخمة، ووافته المنية وهو بين كتبه وأوراقه في مساء يوم الثلاثاء الموافق (27 من شعبان 1332هـ = 21 من يوليو 1914م)، وقد رثاه كبار الشعراء من أمثال شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران بقصائد مبكية. ================================================== =================== الكتاب من هنا | ||||
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|