شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.rewity.com/forum/f202/)
-   -   150 - خيط الذهب - دافني كلير - روايات عبير القديمة(كامله) (https://www.rewity.com/forum/t183629.html)

أمل بيضون 06-01-12 11:50 PM

بدات ليندا تفهم الحقيقة فقالت :
" ولكنه كان من الأنسب إيهامي بانها خطيبتك بالتواطؤ معها بالطبع ".
" هي لا تعرف شيئا عن الموضوع ".
" ولكنك قدمتها الي ...".
قاطعها ريك موضحا :
" قدمتها كالسيدة بيرنيت العتيدة بعد أن قلت لك أنني انوي الزواج ، وهكذا إعتمدت على ربطك الخيوط بالطريقة الخاطئة ، وإفتراضك بأنني سأتزوج من بيث التي لم تظهر أي إنفعال لأنها فعلا كانت السيدة بيرنيت العتيدة كونها خطيبة ريان ، جازفت بلعبتي معتمدا على الإنفعال وليد رؤيتك خاتم الخطوبة في يدها ، ولولا ذلك لما صدقت أنني مقدم على الزواج ، وبعد إنطلاء الحيلة عليك ، فكرت بالأشياء الكثيرة التي كان بوسع روث قولها ببراءة وفضح اللعبة بسهولة ".
" كنت محظوظا للغاية ".
" صحيح وإن يكن الشعور بالندم لازمني ، لأنني اقحمت روث في الموضوع وجعلتك تكرهينها ، ولم أكتف بذلك بل جعلتك أخيرا تكنين لريان الشعور نفسه ".
علّقت ليندا على ذلك :
" مع العلم أن إحتمال لقائي بهما من جديد ضئيل للغاية ".
" ومن قال أننا سنلتقي بعد هذه السنوات الطويلة في المقلب الآخر من العالم ؟".
" وكانه ...".
أكمل ريك قوولها :
" القدر ".
ضحكت ليندا هازئة وقالت :
" يا لأفكارك الساذجة ! انا لم أعد أؤمن بالأحلام الرومنطيقية منذ زمن طويل ".
" منذ ثماني سنوات ، أليس كذلك ؟".
وقفت ليندا ، فحذا ريك حذوها وهو يرمقها بنظرات براقة وغامضة لم تستطع الفتاة فك رموزها .
" لنقل أنك كنت أحد العوامل الباعثة على تغيري ( أطرقت ليندا قليلا واضافت ) مسكين انت يا ريك ، كم تحملت حماقات وجنون الفتاة المراهقة ".
صدم الرجل لقولها فسال وهو يسير وراءها :
" أتعنين ان الأمر كان غمامة صيف؟".
أجابت ليندا والمرارة كامنة خلف مزاجها المزعوم :
" بالنسبة اليك على الأقل ".
" غير صحيح ".
قهقهت ليندا عاليا لتقنعه بعدم إكتراثها وقالت :
" أتقصد انك كنت مقتنعا بصدق حبي الأبدي ؟".
" لم اقل ذلك ".
" مهما كان شعورك ، تبين لي أن وفائي وإخلاصي كانا مصدر إزعاج لك وأنك بذلت المستحيل لتفهمني ذلك وأرحل عنك ".
حاولت ليندا التوجه نحوالسيارة فامسك ريك بذراعها وجذبها اليه بعنف صارخا :
" ليندا ! إخلاصك لم يزعجني ، بل كان على العكس بلسم جراحي ، ولكنني لم أكن اريد ربطك برجل مستقبله غامض قد يفسد حياتك ، والحقيقة أن تصرفاتي معك كانت فظة وقاسية ".
لم تستطع ليندا إلا تصديقه فالألم الماثل في نبرته أزال من نفسها أي شك ، وزادها يقينا قوله :
" سامحيني ".
" على ماذا اسامحك ؟ وضعتك في موقف حرج لا بل مستحيل بتسرعي ، ولم أستمع الى نصيحة واحدة من احد ، هل بإمكاننا العودة الى السيارة الآن بعد ان أنهيت إعترافك العظيم ، فالطقس بارد وأنا فتاة حساسة".
قال ريك ببرودة :
" سمعا وطاعة ، حضرة المعلمة ".
في السيارة أضاء ريك النور الداخلي وحدّق بليندا التي بادلته النظرة ببرودة ، فقال متعجبا :
" كنت في الماضي اقرأ الأحاسيس على وجهك بسهولة ، أما الان فيصعب علي معرفة وجهة تفكيرك ".
" عندما يكبر الإنسان يصبح قادرا على السيطرة على أنفعالاته ، سيما وأن هذه الإنفعالات تصبح نارها أهدأ مما كانت عليه أيام المراهقة ".
" تتكلمين وكانك عجوز هرمة لا مكان في قلبها البارد لأي شعور ".
أشاحت ليندا بنظراتها الى الخارج وتمتمت :
" ربما ".
" هناك طريقة واحدة لمعرفة ذلك وهي الإختبار الشخصي ".
لحسن الحظ لم يظهر على وجه ليندا ما يفضح خفقات قلبها السريعة ، فحافظت على هدوئها الذي دفع ريك الى التعليق :
" ليندا التي أعرفها تحمر خجلا من هكذا قول ".
أزراء صمتها التام اطفأ ريك الضوء وأدار محرك السيارة ، فإستوت الفتاة في مقعدها بعد أن أحكمت وضع المشلح على كتفيها ، وأخذت تراقب الطريق بشرود ، بعد ان بلغت السيارة مقصدها ، اوصل ريك رفيقته الى باب شقتها منتظرا أن تدعوه للدخول ، ولكنها لم تفعل فإكتفى بالإقتراح :
" أتودين معاودة الكرة يوما ؟".
أدركت ليندا أن هذه الدعوة الجديدة وضعت الكرة في ملعبها ، ففتح صفحة جديدة مع ريك اصبح بين يديها الآن ، لا شك أن بعضا من كرامتها المجروحة عاد اليها بإعتراف ريك بخيبته الكبيرة لإضطراره الى رفض حبها ، والحق يقال ان خياراته كانت عندها محدودة .
" علي التفكير بالأمر قليلا ( إستدركت ليندا إذ لاحظت ان إجابتها جاءت خجولة ) أعني انك لم تعد مرغما على دعوتي الى أي مكان لأنك اوضحت الإلتباس ".
بادر ريك الى القول :
" تذكرين أننا أبرمنا إتفاقا منذ زمن طويل يلقي موجبات متبادلة على الطرفين ، فهل تظنين أننا نستطيع تجديده وإحياءه؟".
ترددت ليندا طويلا قبل أن تجيب :
" ولم لا ؟.
" حسنا ، الدكتور سيمونز لن ينهي أعماله قبل الأحد ، فما رأيك بالخروج يوم السبت سيما وأنني أجد فرصة بذلك للفرار من أعمالي المكتبية وأكداس الأوراق ؟ قيل لي أن الريف في منطقة كرومومانديل يستحق الزيارة".
" قمت بزيارة المنطقة مرة وهي بلا شك جميلة ويستغرق التجوال فيها نهارا كاملا".
إنفرجت اسارير ريك فإقترح :
" سأمر لإصطحابك في الثامنة صباحا إذن ".
" إتفقنا ، طابت ليلتك ".
قالت ليندا ذلك وهمّت بإقفال الباب لكن قدم ريك كانت أسرع منها فإنسلت بين الباب والجدار ، ودخل الرجل الى الشقة ، فوقفت ليندا تنظر اليه بتحد ، فإبتسم ساخرا وأدار ظهره ومشى .

أمل بيضون 07-01-12 04:44 PM

في اليوم التالي على مائدة الغداء إستوضحت بيغي صديقتها ليندا :
" حظيت بسهرة مفاجئة البارحة ، اليس كذلك ؟".
لم تعرف ليندا ما تقول ففسرت بإرتباك :
" لا ، فريك كان قد طلب مني الخروج معه عندما إصطحبني دانيال الى مخيم الذهب ".
" ولكن لماذا كنت تبحثين عمن يشاطرك النزهة ما دمت على موعد مع ريك ؟ فانت لم تكفي طوال نهار أمس عن محاولة إقناعنا بالذهاب لمشاهدة فيلم سينمائي ".
" المضحك أنني نسيت الموعد فحضر ريك ولم يجدني مستعدة ، المسكين ، إضطر للإنتظار نصف ساعة حتى إرتديت ملابس ، في أي حال ، كيف علمت بخروجي مع ريك ؟".
ضحكت بيغي واجابت :
" رايتك خارجة وكما تعلمين لا أسرار عندنا هنا ".
ليندا تعرف ذلك بالطبع وتعرف أن الألسنة الثرثارة ستدور كثيرا بعد بضعة ايام عندما يحين موعد لقائها ريك ، ولهذا حاولت تجنبه في زياراته القصيرة للمدرسة حتى لا تذكي نار الشائعات والأقاويل .
مساء الجمعة وصل دانيال بينما كانت ليندا تصلح بعض الملابس القديمة في غرفة الجلوس المشتركة ، فجلس الى جانبها وقال :
" يا لهذا النشاط والإخلاص في العمل ! ".
" شكرا للإطراء".
" أكانت سهرتك ممتعة ؟".
توقفت ليندا عن العمل وقالت ببعض السخرية :
" هل السؤال موجه بإسم جميع أعضاء فريق العمل ؟".
أجاب دانيال بحذر :
" السؤال موجه بإسم المدير ".
" وهل تهمك حياتي الخاصة ؟".
" إذا كان في الأمر ما يؤثر على سعادتك ".
" وإذا كان فيها ما يؤثر على عملي ".
إبتسم دانيال قائلا :
" على عملك وعلى الجو العام ، فالتوافق والطمأنينة ركيزتان اساسيتان لتحقيق العمل المثمر ، إذا كان عدد الموظفين قليلا كما هي لحال عندنا ".
" أيجب أن نكون جميعنا سعداء حتى نعمل كما ينبغي ؟".
" علينا أن نتصارح ونساعد بعضنا على حل مشاكلنا ".
رمقته ليندا بنظرة ساخطة وقالت :
" إطمئنك أنه لا مشاكل عندي سوى تدخل بعض المتطفلين في شؤوني الخاصة ".
" إعتذر على الإزعاج لكننا غيورون على مصلحتك فحسب ".
عندها إعتذرت ليندا نادمة :
" آسفة لقساوتي يا دانيال ، فأنا واثقة من محبتك الأوية ".
" وانا لم أقصد التطفل ، لقد تدبرنا الأمر بالنسبة للرحلة ، فالسيارات تأمنت وكذلك الرجال الذين سيساعدون في نقل الكراسي المتحركة، والموعد حدد يوم الخميس المقبل إذا كان هذا يناسبك ".
" لا مانع عندي بالنسبة للخميس ، لم أخبر الأولاد بعد بأمر الرحلة ، وهم لا شك سيتشوقون للقيام بها وتعلم اشياء جديدة ، خصوصا وأننا إستعلمنا عن تاريخ المنطقة وأشهر المنقبين الذين زاروها ".
علّق دانيال على كلامها بتهكم :
" أيسمى هذا تعليما عن طريق الرشوة ؟".
أجابت ليندا بقسوة :
" إنها الطريقة الفضلى لأثارة إهتمام الولد وتعليمه حب المعرفة وفضول الإطلاع ".
ضحك الرجل قائلا :
" حسنا ، أسلوبك ممتاز ، أعتقد أن الرحلة فرصة مناسبة لك ولكليو لتجربا البحث عن الذهب من جديد ، فكليو أكدت لي انه لو قدر لها أن تعيش في القرن المنصرم لكانت أول الملتحقين بالمنقبين عن الذهب في اميركا ".
في هذه اللحظة لمحت ليندا صديقتها كليو تدخل الغرفة فقالت :
" ها هي كليو وصلت في اللحظة المناسبة ، كنا نتحدث عنك لتونا ".
هم دانيال بلنهوض لتقديم كرسيه لكليو لكنها سارعت الى منعه قائلة :
" لا لزوم لذلك فسأجلس على ذراع الكرسي بقربك ، أكان الحديث عني قدحا أم مدحا ؟".
إبتسمت ليندا موضحة :
" قال دانيال انك اصبت بحمى الذهب وأن كلينا يجد في الرحلة فرصة سانحة للبحث عن المعدن الأصفر من جديد ".
ضربت كليو كفا بكف كمن إفتضح امره قائلة :
أيها الماكر ! كشفت العبة ".
قهقه الثلاثة عاليا ثم قال دانيال بجدية :
" إن فكرة القيام برحلة مفيدة جدا للأولاد ، وانا أعتقد ان بناء هذه المدرسة بعيدا عن أي حي سكني كان خاطئا ،فالمعاقون بحاجة للإختلاط بالمجتمع حتى لا يحسوا أنفسهم مختلفين عن سائر الناس ".
وافقت كليو على راي دانيال :
" أشاطرك الرأي ، وأظن أن ليندا موافقة على قولك أيضا ".
فكرت ليندا ثم أجابت :
" سأبدي رايي كمعلمة ، لطالما فكرت ان وجود المدرسة في مدينة افضل من وجودها في مكان منعزل ، ففي المدينة نستطيع ، على رغم صعوبة التحرك عند الأولاد ، القيام بنزهات قصيرة ونشاطات جمة تحتاج الى الكثير من الجهد لتحضيرها في هذا المكان ، كما أن وجود الأولاد في مدرسة عادية يجعلهم يختلطون بالأولاد الطبيعين وهذا عامل يساعد المعاق نفسيا وجسميا ".
واضاف دانيال الى كلام ليندا :
" هذا يسهم ايضا في جعل الأولاد الطبيعيين يتعلمون التعامل مع المعاقين ، ضمن المشاكل الأساسية التي يواجهها المعاق بعدم قدرة الناس الآخرين على لتعامل معه كإنسان عادي ".
اما كليو فقالت :
" صحيح ، فالبعض يعتقد أن المعاق جسميا متخلف عقليا ويعامله على هذا الأساس".
علّقت ليندا على ذلك بحسرة :
" يا لفظاعة الأمر ، فالمعاق إنسان كغيره ".
اثنى دانيال على كلامها :
" بالطبع هو إنسان كغيره مع فارق بسيط وهو صعوبة في الحركة ، وبالإمكان تخطي هذا الحاجز لو عرف المجتمع كيف يتقبل المعاق ويجعله عضوا فعالا فيه ".
هنا سال كليو بجدية :
" اتعتقد ان مدرستنا تعمل الكافي لتحقيق هذا الهدف ؟".
هز دانيال راسه مجيبا :
" اعترف بأننا لا نعمل الكافي ، فالأولاد جميعهم قادرون على تجاوز مشكلتهم ومواجهة الحياة كأناس عاديين ، ومهمتنا تكمن في إستثمار هذه المقدرة إستثمارا حسنا ".
" ايستطيعون طرد فكرة كونهم ناقصين جسميا من رؤوسهم ؟".
" بالطبع والدليل على ذلك يسطع في هذه القصة ، عندما بدأت اعمل في هذا الحقل إلتقيت فتى أمضى خمسة عشر عاما مسمّرا في كرسيه المتحرك ، لكنه إستطاع تحطيم الجدار وأصبح من انجح رجال الأعمال ، كما أنه يهوى الرياضة على أنواعها ويمارس نشاطات متعددة لمساعدة اقرانه ، ولا أنكر أن هذا الرجل مثال يحتذى من المعاقين وغير المعاقين ، فلما أعربت له مرة عن تقديري لشجاعته وعزمه أجابني بأنه وجد نفسه امام خيارين لا ثالث لهما ، أن يبقى مقعدا بقية حياته أو يصبح رجلا ... والخيار كان واضحا للغاية ! ".
مرت بضع لحظات صمت قبل أن تقول كليو :
" ليت الباقين مثله ، فالبعض يستلم لقدره ويفسد حياته ، كم أود مقابلة هذا الرجل ".
" استطيع تدبير ذلك لو اردت ".
" صحيح يا دانيال ، متى ؟".
تعجب الرجل لأندفاع كليو فقال :
" حسنا ، سنفعل ذلك يوم عطلتك ".
" نا لا أعمل السبت والأحد ".
نهض دانيال من كرسيه قائلا :
" سأتصل بشارلي وأعلمه بمجيئنا لتناول الغداء عنده يوم الأحد ، هو يسكن في أوكلاند مع زوجته التي لا تغار عليه لحسن الحظ ".
تدخلت ليندا لتنقذ صديقتها المتلعثمة :
" اهو متزوج ؟".
" للمرة الثانية ، فزوجته الأولى توفاها الله منذ زمن طويل ، وسوزان زوجته الثانية إمرأة رائعة لم تسع قط وراء ماله بل وراء حبه فحسب ".
لم تجد كليو ما تقوله سوى :
" إنه لأمر رائع حقا ".
سال دانيال :
" أن تحب إمرأة زوجها ؟".
فاجابت :
" إن يكون الشعور متبادلا ".
قبل أن يخرج من الغرفة تمتم دانيال :
" ما عليك إلا أن تساليه بنفسك إذا كان الشعور متبادلا ".
بعد تواريه إنفجرت كليو :
" يا لحماقة لساني الطويل ".
" ماذا تعنين ؟.
" لقد ارغمت بفضولي دانيال على الخروج معي ! ".
" لا تكوني حمقاء يا كليو ، فو لم يكن راغبا بذلك لأختلق ألف عذر وعذر ".
" لكنني بدوت كمن يسعى وراء دعوة ودانيال أطيب من أن يخذل ساعيا ".
" كفي عن هذه السخافات إلا إذا لم تكوني راغبة بالخروج معه ".
" رغب بذلك بكل جوارحي ".
عندئذ قالت ليندا بنبرة المجرب الحكيم :
" ما عليك سوى التمتع بكل لحظة سعيدة تتاح لك ".
" أرجو ألا يكون دانيال يشعر أنني احاول الحصول على قلبه بشتى الوسائل ".
" لو كان يشعر بذلك لفاتحك بالأمر ؟".
" كيف تعرفين ذلك يا ليندا ؟".
" أعرفه عن طريق التجارب الشخصية مع العلم أن تفاصيلها ليست للنشر ، فما عليك إلا أن تثقي بي ".

أمل بيضون 07-01-12 05:36 PM

10- جنة صغيرة

افاقت ليندا باكرا تنظف شقتها وترتب اغراضها المبعثرة في كل مكان ، إستحمت وتناولت إفطارها ثم خرجت الى شرفتها تستمتع بدفء الشمس ، قبل أن تهييء نفسها لملاقاة ريك ، كانت عملية إختيار الثوب المناسب سهلة هذه المرة ، فقد عملت بنصيحة كليو ، إختارت ثوبا عاديا وقررت بكل بساطة ان تعيش لساعتها وليومها من غير ان تبالي بالمستقبل ، فالحاضر أضمن من المستقبل وخاصة مع رجل مثل ريك.
أسرع ريك عند لقائهما يساعدها في حمل حقيبة البحر ليفاجأ بوزنها الثقيل :
" ماذا تحملين في هذه الحقيبة ، جواهر العرش؟".
" بعض الطعام من مطبخ السيدة نيرمان ، نظاراتي ، بضعة مساحيق وكتاب".
" كتاب؟".
تجاهلت ليندا بريق الهزء في عينيه واكملت :
" هل تستطيب سندويش الدجاج؟".
" جدا ، لكن ما عليك إزعاج نفسك ، فقد حضرت بدوري بعض السندويشات ".
" لدينا إذن عدة أصناف من الأكل وهذا يناسبني لأنني أمتاز بشهية هائلة ، ماذا عن شهيتك ؟".
" جيدة والحمد لله".
وضع الحقيبة في المقعد الخلفي قرب سلة من القش فيها قطع من ثيابه ، وفتح لها باب السيارة بإحترام ، مقترحا :
" ما رايك لو نسلك شاطىء التايمز صعدا الى مدينة كورومانديل ثم نكمل الى ويتيايغا ثم نعود ادراجنا مارين ببلدتي تايروا وكويو ".
" تبدو واثقا من صحة لفظك لأسماء الأماكن ، كوني معلمة يفسر كيفية إلمامي بها لكن بعد طول عناء ، وأنا مندهشة كيف تعلمت لفظها بهذه السرعة ".
" تعلمت على يد الدكتور سيمونز ، ولم يطل بي الأمر حتى أتقنت لفظ احرف العلة ،ولكن هناك بضعة حروف ما زلت أعاني صعوبة في لفظها ، وأعتقد انني لن اتمكن من ذلك أبدا".
" لا تهتم بذلك ، كثيرون من سكان نيوزيلندا يجهلون بدورهم كيفية لفظ حروف اللغة الماورية ".
" أخبرني الدكتور سيمونز بان هناك فكرة بجعل هذه اللغة إلزامية في المدارس ".
" أجل فقد قدمت عدة إقتراحات بهذا الصدد لكنها جبهت بإعتراضات قوية ".
" ما سبب هذه الإعتراضات ؟".
" هناك ما هو أهم من هذه اللغة يمكن تعليمه للتلاميذ ، عدا عن ان الأمر سيلتبس على هؤلاء وهم يحاولون تعلم لغتين في سن مبكرة ، ويحصرون إستعمال مهارتهم في لفظ أسماء المناطق بصورة صحيحة ، بعضهم يؤكد أن هذه اللغة في طريق الزوال ولا جدوى من تعليمها للأولاد".
" اشفق على شعب يشهد إحتضار لغته ، بموتها تموت حضارة كاملة مرتبطة بها ".شارفا على نهاية شاطىء التايمز ليسلكا الطريق المتعرجة التي تمر بين الخلجان العديدة التي تزين الشاطىء.
سحرت ليندا بمنظر بنيتسولا البلدة الصغيرة الشبيهة بإحدى بلدات الغرب الأميركي القديمة ، بيوتها ومحلاتها قديمة يعود بناؤها الى القرن الماضي ، جاب ريك وليندا الشارع الرئيسي فيها يتفرجان على معالمه المميزة ، اكملا بعد ذلك نزهتهما في الطرق المتعرجة المحيطة بالبلدة ، الى الجهة الشرقية المطلة على البحر.
في ويتيايغا حيث توجد أماكن اللهو الوحيدة في شبه الجزيرة توقف ريك وليندا للسباحة وتناول الغداء ، تمددا في مكان شبه منعزل على رمل شاطىء بافالو الأبيض والنظيف ، يراقبان الزوارق الصغيرة تمخر عباب البحر في سباق مجنون.
سبحا لفترة وجيزة إستلقيا بعدها على منشفتيهما حين سألها ريك :
" أين المرهم الذي تستعملينه بعد السباحة ؟".
كانت ليندا قد إستلقت بوضع مريح على ظهرها تستمع بأشعة الشمس تدفىء جسمها ، فرفعت نظارتها مجيبة:
" ما زال في الحقيبة ، يمكنك إستعماله إن شئت ".
" ليس لي ، بل لك أنت ".
" لست بحاجة له ، فأشعة الشمس خفيفة ".
" كنت ترتدين ثوب إستحمام آخر عندما تعرضت آخر مرة لأشعة الشمس ، أليس كذلك ؟".
لا إراديا ألقت ليندا نظرة لتكتشف أنه على حق فيما يقوله ، فثوب الإستحمام هذا إشترته حديثا وهو أكثر جرأة من القديم.
ناولها الزجاجة وأضاف :
" إستعملي المرهم فانا لا أتحمل رؤيتك تحرقين جسمك ".
أطاعته شاكرة وهو يراقبها تمسح براحة يدها ثم تناول الزجاجة منها قائلا :
" هل أساعدك ؟".
" لا شكرا".
اعاد ريك الزجاجة الى الحقيبة وإتكأ على مرفقه بوضع يسمح له برؤية وجهها ، أما هي فقد أغمضت عينيها لا تعيره أدنى إهتمام .
ما لبثت ليندا ان شعرت بالنعاس يدب فجأة الى عينيها فأسرعت نحو دوش قريب ، تضع راسها تحت قطراته الباردة لتنتعش قليلا وتطرد شبح النعاس من مقلتيها ، عادت تستلقي مجددا وهي تتثاءب حتى كادت تغفو ، فإنحنى ريك فوقها ، حاجبا بظله اشعة الشمس ثم نزع نظارتيها لتواجه عيناه المبتسمتان عينيها ، فصرخت بوجهه حنقا :
" يا لك من ابله ، فعلت ذلك عمدا أليس كذلك ؟".
" أبدا ، لكن لا يجب ان تنامي تحت الشمس ".
سألته ليندا :
" ولم لا ؟ بإمكاني التفكير بعدة أشياء بدلا من النوم في وضح النهار على الشاطىء في يوم كهذا ، على كل حال ليس هنالك ما نفعله سوى السباحة".
" السباحة فقط ؟ لماذا لا تقرأين في كتابك ؟".
تمنت ليندا لو لم تفتح هذا الموضوع ، فهي تجهل دائما تأثير صدى كلماتها على ريك ، فلا تعلم أبدا الى أين ستؤدي بها الكلمة التي تقولها له.
تمدد ريك على منشفته تاركا لها حرية التفتيش عما يسليها ، فبحثت بدورها عن نظارتيها حتى وجدتهما حيث رماهما ريك على الرمل ، فنظفتهما وأعادت وضعهما على انفها .
بدا عليه الإرتياح وهو الى جانبها بعكسها هي، فقد كانت قلقة ومرتبكة طوال الوقت ، فنهضت جالسة تتأمل مياه البحر وما تحويه من سابحات وسباحين يضحكون ويمرحون ، ورحلت عيناها الى البعيد حيث زوارق الصيد تحجب الأفق وتزين صفحة اليم بالوانها الزاهية.

أمل بيضون 07-01-12 07:30 PM

لم تشعر ليندا إلا بأنامله تنساب على رأسها لتهدأ على كتفها ثم سالها :
" يوجد ندب صغير هنا ، ماذا جرى ؟".
" كنت أسير بين الأشواك وزلت بي قدمي ، حاولت ان أتمسك باحد الأغصان فغنكسر في يدي واصابني بهذا الخدش".
نهض ريك وإتكأ على ركبتيه أمامها قالبا شفته السفلى لثوان عديدة ، ثم أمالها بذراعيه مقربا وجهه من وجهها ، إنتفضت ليندا محولة وجهها عنه.
" لا ، لا ! ".
لكنه لم يدعها تفلت منه بل حدق بوجهها ، وعيناه شاخطتان الى عينيها لبرهة ، ثم انزل ذراعيه محولا نظره االى البحر :
" حسنا.... كما تريدين ".
" سأسبح قليلا ".
" سأرافقك وعندما نعود نجمع اغراضنا ونمشي من هنا ".
سبحا متمتعين بمياه البحر الباردة المنعشة ، وخفت الأمواج التي كانت تتفجر على جسميهما من حدة إنفعالها ، لم تأبه ليندا لشعرها المكشوف والمربوط بأحكام الى الوراء ، بل راحت تغوص بخفة وبراعة اثارا إعجاب ريك ، عندما خرجت من الماء كان شعرها قد فقد أناقته وتخلص من ربطته مغطيا كتفيها وقسما من وجهها.
بحسرة وندم ، اسرعت تجفف خصلاتها وتصفها ، وبحثت في حقيبتها عن المزيد من الدبابيس لتعيد ربط شعرها ، سألها ريك :
" لماذا لا تتركينه على سجيته ؟ فهو يناسبك هكذا ".
لم يمنعها كلامه من متابعة عملها معلقة :
" شكرا ، لكنه مزعج عندما لا اربطه".
" مزعج لمن ؟".
رمقته ببرودة وهي تنهي ربط شعرها وأجابت :
" لي أنا طبعا ( ونهضت ) سأذهب لأغير ملابسي ".
جلس يراقبها تدوس على الرمل الدافىء قادمة نحوه تسبقها رائحة عطرها الناعمة ، بعد أن تجملت ، بدت كالحورية الخارجة من بين الأمواج ، وقرص الشمس وراءها كأنه هالة تحيط برأسها حاملة في عينيها زرقة البحر وعمق مياهه.
إبتسم عندما رىها وعلّق بتهكم واضح مأخوذا بجمالها :
" ها هي معلمة المدرسة قد عادت الى الحياة".
سالته بحزم :
" لم لا ؟ هذه هي الحقيقة".
زفر ريك زفرة خفيفة تدل على السخرية ، وأمسك ذراعها متوجهين نحو السيارة.
توقفا في تايروا لإلقاء نظرة أخيرة على البحر قبل العودة الى المؤسسة .
أوشكت الشمس على المغيب وليندا وريك ما زالا في نزهتهما ، وصلا الى جسر صغير حيث إنعطف ريك بإتجاه إستراحة عامة مخصصة للسياح وعابري السبيل فاوقف السيارة قائلا :
" دب في الجوع من جديد ، هل بقي لدينا سندويشات ؟".
اجابت لدينا وهي تدقق في محتويات الحقيبة :
" عدد قليل إضافة الى بعض الطماطم والفاكهة ".
جلسا الى طاولة خشبية ألصقت بها المقاعد يسدان جوعهما ، وتوجها بعدها الى ممر ضيق يؤدي الى نبع الماء وسلكاه بسهولة ، نظرا للأحجار الكبيرة المنثورة في وسط المجرى لتسهيل مرور المشاة ، خلعت ليندا حذاءها ومشت في المياه المثلجة ، تجمع حصى صغيرة مهترئة بفعل المياه.
" إنظر يا ريك الى الوان هذه الحصى ، عندما تجففها ستفقد بعضا من بريقها ، ومع ذلك فهي تشكل مجموعة جميلة ".
في الواقع كانت الحصى رائعة للغاية وتشكل فيما بينها تناسقا فريدا في الألوان ، منها الأحمر والبنفسجي والأخضر والرمادي ومنها المرقط ، أضافت ليندا شارحة :
" بعضهم يجمعها ويدهنها فتبدو كالجواهر ".
اعجب ريك بالفكرة ، فراح بدوره يلتقط الحصى.
" إنها حقا جذابة ! ".
لفت نظره قطعة كبيرة في الماء فأسرع يتفحصها ليفاجأ بلونها الأصفر المشع ، لم يصدق عينيه في بادىء الأمر ، فمرر اصبعه عليها عدة مرات حتى تأكد أنه لا يحلم وقال بهدوء :
" يا الهي إنه...".
ضحكت ليندا :
" ذهب مزيف".
" حقا ؟.
" لست خبيرة ، لكن بعد الذي سمعته من القيم على مخيم الذهب بت افرق بسرعة بين الذهب الحقيقي والمزيف ، فالأخير يبدو أقرب الى الذهب من الحقيقي نفسه ".
دس ريك الحجر في جيبه :
" مزيفا كان أم لا ، ساحتفظ به ، لقد أعجبني منظره ".
عادا يدا بيد ، لا ينبسان ببنت شفة سالكين الممر نفسه ، في منتصفه ، حيث الأغصان الوارفة تتدلى من كل صوب فتحجب المارين عن الأنظار لمسافة صغيرة ، جذبها ريك نحوه وأمسك بيديها الإثنتين لا يرفع نظره عن وجهها ، وتحركت اصابعه بنعومة نحو كتفيها مرورا بذراعيها لينتهي الى عينيها.
" لا تمانعي ".
دنا منها على مهل وبنعومة فائقة عانقها ، إستكانت ليندا بهدوء ، وإمتنعت عن التفكير او حتى الحراك ، لا تريد ان تلقى هذه الدقائق الخالدة مصير الأحلام التي عاشت في قصورها خلال السنوات الماضية ، لن تدعها تنتهي بسرعة ولن تسمح لأي كان ان يدمرها.
لكن هذه المرة ريك لم يرحل ، إنتهت اللحظة وما زال يطوقها بذراعيه ، ثم أمسكها بيدها يساعدها في الخروج من الممر متجهين نحو السيارة.
خيم هدوء اثناء عودتهما الى المؤسسة ، لم يعكره سوى تعليق ليندا على سلاسة السيارة اثناء سيرها ، وأضافت تسأله :
" لمن هذه السيارة؟".
" إستأجرتها لتنقلاتي مدة بقائي هنا".
سكتت لا تريد التمادي في هذا الموضوع ، فهي لا تريد أن تسمع متى تنتهي مهمته هنا ، شعرت بألم خفيف يدب في أوصالها فتذكرت قرارها بالتمتع بهذا اليوم من غير التفكير بالأيام التي ستلي.
خفف ريك من سرعة السيارة حتى بانت له أبنية المؤسسة من بعيد وسالها :
" هل نذهب الى منزل الدكتور سيمونز لبعض الوقت ؟".
طأطات ليندا راسها لا تدري بما تجيب ، فما كان من ريك إلا ان إستانف سيره متخليا عن بطئه ، عندما اوقف سيارته قالت ليندا :
" أشكرك كثيرا على هذا اليوم الرائع يا ريك ".
" شكرا لك ، هل تعيدين الكرة ؟ أم تفضلين أن نتناول العشاء ؟".
" موافقة ".
" كلما بدأنا باكرا كلما طالت نزهتنا وبعدت ، هل تفضلين السفر الى أوكلاند لنمضي سهرة من سهرات العمر ؟".
" لا ، هذا مستحيل خلال الاسبوع ، هل نسيت أنني ابدأ عملي في الصباح الباكر ؟".
" حسنا ، لا رحلات طويلة ، ولكن هذا يضيق علينا مجال الخيار".
" لا أمانع في الذهاب الى المطعم نفسه مرة اخرى ، كان جوه ممتعا المرة الماضية ".
" حسنا ، أيناسبك يوم الثلاثاء ؟".
" إتفقنا ".

أمل بيضون 08-01-12 03:05 PM

أوصلها الى باب مسكنها وقبل أن يذهب سألته :
" هل تعلم ان الرحلة الى مخيم الذهب قد حددت ليوم الخميس ؟ هل ستاتي ؟".
" لا أعتقد ذلك ، ساكون مشغولا جدا هذا الأسبوع ( تردد قليلا ثم سألها ) هل تدبّر دانيال ما يكفي من مساعدين ؟".
" اجل أحد نوادي تايمز قدم لنا المساعدة اللازمة".
مرر أصابعه بلطف على خدها قائلا :
" طابت ليلتك يا ليندا ".
صباح يوم الإثنين إستدعيت ليندا من صفها لترد على مخابرة هاتفية في مكتب دانيال .
غادر دانيال مكتبه تاركا ليندا وحدها من غير أن يحكم إغلاق الباب خلفه ، كان صوت ريك واضحا ومرتجا حين وصلت الى مسمع ليندا كلماته :
" ليندا ؟ أعذريني ، سأضطر الى إلغاء موعدنا ، ارسل الدكتور سيمونز يطلبني الى اوكلاند لمدة أسبوع ، دعينا للإجتماع ببعض الأشخاص قد يكون بإستطاعتهم مساعدتنا في مشاريعنا للمدرسة ".
" ايعني هذا صرف النظر عن إقفال المؤسسة ؟".
" من السابق لأوانه ان نقول هذا ، لكننا نامل تلافي هذه الخطوة كما تعلمين ، لست أكيدا من رجوعي في نهاية الأسبوع ، ساتصل بك فور عودتي ".
" سأكون بإنتظارك ".
" علي ان أرحل حالا ، أكرر إعتذاري لك عما حصل ".
" لا بأس ، فلدي ما يشغلني لحين رجوعك ".
" وما يسليك ".
" أجل لدي من هذا ايضا ".
" هل ستشتاقين الي يا ليندا ؟".
كان صوتها دافئا وصادقا لكنها كانت متيقظة كفاية كي لا تجيب كما تريد بل قالت بهدوء :
" انا متاكدة من أن هذا سيكون شعور الجميع".
ساد سكوت لثوان معدودة ، قطعه ريك :
" لم يكن هذا مقصدي آمل لقاءك الأسبوع المقبل ، الوداع ".
" الوداع ".
دخل دانيال المكتب وهي تقفل الخط ، فسألها :
" هل إنتهيت ؟".
" اجل ، شكرا ، أعتذر لأنني أبقيتك خارج مكتبك ".
" لا تكوني سخيفة ، هل بإمكاني سؤالك إن كنت قد تمتعت بنزهتك في العطلة ؟".
" جدا ، وأنت ؟".
" كانت ممتعة للغاية ، الم تخبرك كليو عنها ؟".
" لم تسنح لها الفرصة بعد ، لعلها ستخبرني عنها الليلة ".
في المساء إجتمعت ليندا بكليو وبيغي الى مائدة العشاء ، كانت كليو متاثرة جدا بلقائها شارلي غراهام وزوجته ، فأمضت العشاء بطوله تحدث جليستيها بالتفصيل عن ذلك النهار وإعجابها بالرجل الذي إلتقت.
" بما انه جرح اثناء الحرب ، فهذا يدل على أنه عجوز ".
إعترضت ليندا :
" إذا كان في العشرين من عمره خلال الحرب ، فهذا يعني نه في حدود الخمسين الآن ، مع العلم أن كثيرين ممن إشتركوا بالحرب كانوا ما دون العشرين ".
قالت كليو :
" في الواقع يبدو في الخامسة والأربعين من عمره ، طويل القامة ، عريض المنكبين ، ملتح ، عندما يضحك تسمع ضحكته على بعد ميل ، لم يسبق لي أن إلتقيت برجل يحب الحياة مثله ".
سألت بيغي بتاثر :
" وهل بقي على كرسيه المتحرك اكثر من ثلاثين عاما ؟".
" لا ، خمسة عشر عاما ".
" سمعتك تقولين أنه أصيب خلال الحرب ".
" اجل ، لكن الإصابة لم تؤثر على قدرته على المشي في حينها ، سقطت قذيفة بالقرب منه ، فاصيب بشظايا التي تم نزع بعضها بينما بقي البعض الآخر في عموده الفقري ، لسوء حظه سببت له إحدى هذه الشظايا بعد سنوات عديدة شللا في رجليه ، زيادة على ذلك ، راح يتطوع لمساعدة الناس في الأعمال التي تعصى عليهم ".
علقت بيغي بجفاء :
" تحاولين أن تقولي ان قضاء خمسة عشر عاما على كرسي متحرك أمر سهل وكانه كان يتمتع بذلك ".
" لا ابدا ، أعلم يا بيغي ان ما مر به كان رهيبا للغاية ، أود لو يمكنني ان اجمعه بأطفالنا ليروا بأم عيونهم ما يمكنهم عمله في حالتهم هذه ".
سالتها ليندا :
" هل عرضت الأمر على دانيال ؟ أنا متأكدة من أنه لن يمانع في دعوة صديقة للتعرف على الأولاد ".
" اجل ، تباحثنا في الأمر ، يظن دانيال انها فكرة سديدة ، سيعرض الأمر على شارلي عندما نعود من رحلتنا الى مخيم الذهب ".
إستفسرت ليندا مرة أخرى :
" أخبريني عن زوجة شارلي ، كيف تبدو ؟".
أجابت كليو بحماس :
" جذابة جدا ولطيفة للغاية ، أتذكرين عندما قال دانيال أنها لم تفكر بالمال بتاتا عندما تزوجت شارلي ، وأنها تحبه بجنون ، وتهيم به الى حد التضحية ؟ لم أحمل كلامه حينها على محمل الجد..... اعني أن الرجال يخطئون في آرائهم عن النساء اليس كذلك ؟".
تمتمت ليندا :
" ما عدا دانيال ، فهو يعرف الذهب الحقيقي بمجرد رؤيته ".
نظرت رفيقتاها اليها بتعجب بينما علا الإحمرار وجنتي كليو فاردفت :
" على كل حال ، إنها إمراة لطيفة جدا وتشكل مع زوجها ثنائيا رائعا ".
علّقت ليندا :
" لماذا لم تسالي شارلي لماذا تزوجها؟".
رمقتها كليو بنظرة باهتة وأجابت بسخط :
" قد أرتكب هفوة بين الحين والاخر ، لكن هذا لا يعني أنني بلهاء ".
تمشت ليندا وبيغي بعد العشاء في طريقهما الى شقتيهما ، فسالت ليندا :
" أتعتقدين ان كليو مغرمة بدانيال ، يا بيغي؟".
أجابت بيغي من غير إستغراب :
" جائز ، فكليو لديها لسان لا يستهان به ، وأعتقد انها قد بدات تظهر ميلا لدانيال لا اعرف كيف افسره ".
" اعلم ذلك ، ربما دانيال بدا يلاحظ ذلك ايضا ".
" هل هذا يضايقك ؟".
" يضايقني ؟ولماذا يضايقني ؟".
ضحكت بيغي مفسرة :
" يبدو أن كليو تظن أنك على علاقة بدانيال".
" هذا شيء مضحك، هل بإمكاني أن أسألك عن هذه العلاقة ؟".
" أعتقد أنها تعني علاقة عاطفية ، اخبرتني أنها أبصرتكما مرة غاضبين وظنت أنكما تتشاجران ، وكلنا يعلم أنك ودانيال نادرا ما تتخاصمان مع أحد ، فكيف مع بعضكما ، ثم اخبرتني أنك أسمعتها عبارات مبطنة عنه مما أكد لها أنك تحتفظين بسر ما يتعلق به ".
صاحت ليندا بدهشة :
" حقا ! ما بال كليو تتفنن بإستنتاجات كهذه ؟ إنها على خطأ ، لا يوجد علاقة كهذه بيني وبين دانيال ".
" إنني أصدقك ، أما فيما يتعلق بكليو ، فأظن انها تزداد يوما عن يوم هياما بالمدير ".
أجابت ليندا بفرح :
" هذا نبأ سار ولا ارى أي ضرر فيه".

KATTI2010 08-01-12 03:16 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

أمل بيضون 08-01-12 10:56 PM

11- إمنحيني ذكراك

كانت الرحلة الى مخيم الذهب ناجحة جدا لكنها أضنت المشرفين عليها وإستنفدت الكثير من طاقاتهم وأعصابهم ، فإرتموا عند وصولهم الى المؤسسة على المقاعد المنثورة في الأروقة طالبين قسطا ولوزهيدا من الراحة بعد الذي تكبدوه من عناء.
دعا دانيال المتطوعين الذين وفدوا من بلدة تايمز لمساعدته الى تناول الشاي في مكتبه ، شاكرا إياهم على ما بذلوه للإعتناء بالأطفال ، بينما قادت ليندا وبيغي الأولاد الى غرف النوم ، حيث قدمتا لهم الطعام ليناموا بعدها ملء جفونهم .
في هذا الوقت كانت السيدة نيومان قد أنهت تحضير الطعام ، فجلس الموظفون الى المائدة يأكلون ويتناقشون في تفاصيل الرحلة.
لم يصب أحد بمكروه ، لكن بعض المشرفين إشتكى من عدم إنضباط الأطفال في بعض الأحيان ، حين قام بعضهم بسلوك الممرات المنحدرة بكراسيهم المتحركة، وبالتسابق أثناء مرورهم في طرقات وعرة وخطرة.
قالت ليندا معلقة:
" بالرغم من كل ذلك فقد أمضى الأطفال وقتا ممتعا ، فجلب كل منهم علبته الصغيرة المملوءة ذهبا وخباها تحت وسادته بعدما كتب عليها إسمه ، ناموا والبسمة تعلو شفاههم .
خاطب دانيال الحاضرين :
" سنرسل رسالة الى شركة النقليات نشكرها بها على مساعدتها القيّمة لنا ، تكبدوا مشقة بالغة في نزع المقاعد من سيارات النقل لتستوعب الكراسي المتحركة.
أردفت ليندا :
" سأطلب من الأولاد ان يكتبوا رسائل شكر للمتطوعين الذين لولاهم لما تمّت الرحلة ، وافق الجميع على الإقتراح ، ووقفت ليندا توجه كلامها الى الجميع :
" حسنا ، بعد هذا النهار المثير احس انني بحاجة الى نزهة ، هل من يريد الإنضمام الي ؟".
علا انين الجالسين ولم تصدق كليو ما عرضته ليندا :
" لا اخالك جادة ، بعد كل الذي عانيناه خلال النهار ، وبعد الركض الطويل وراء الأولاد ومساعدتهم في غربلة الأحجار وغسلها ، تريدين القيام بنزهة ؟ أطرافي كلها تؤلمني ، جل ما اود فعله هو الإرتماء على سريري ".
هتف دانيال وسط الحاضرين :
" انا سأرافقك ".
ونظر كلاهما في أرجاء القاعة لعل أحدا يريد الإنضمام ، لكن الأمر ظل مقتصرا عليهما ، فخرجا من القاعة وسط صخب الموجودين وتعليقاتهم الممزوجة بالهزء والإعجاب .
تمشيا من غير كلام في أحد الممرات بين حدائق غناءة هادئة تحيط بهما من الجانبين ، الى ان قطع دانيال حبل الصمت :
" إنها طريقة جيدة للترويح عن النفس ".
سألته ليندا بعد أن فكرت بالمسؤولية الكبيرة التي ألقيت على عاتقه هذا النهار:
" هل خشيت حدوث مكروه لأحد اليوم ؟".
" خشيت أكثر من ذلك ".
نظرت ليندا اليه بفضول لكنه لم يكمل حديثه وبدا شارد الذهن ، ضائعا ، فإرتات عدم إستدراجه الى قول ما لا يود.
توقف أمام باب شقته وامسك بذراعها يثنيها عن التوجه نحو مسكنها ، سائلا :
" هل ترغبين بتناول الشاي في شقتي ؟".
ترددت لبرعة أجابت بعدها :
" حسنا ، ستكون خاتمة لطيفة لنهار كهذا ".
قام لياتي بالشاي ، وسكب بعضا منه في فنجان ليندا ثم ملأ فنجانه ،وجلس على المقعد المقابل .
لاحظت ليندا توتره وإرتباكه فسالته بهدوء :
" أهناك مشكلة ما يا دانيال ؟".
" المشكلة نفسها التي أعاني منذ عشر سنوات ".
لم تفهم ليندا في بادىء الأمر مقصده ، نهض من مكانه وتوجه ناحية طاولته الصغيرة يحملق في صورة موضوعة في وسطها ، هامسا :
" اليوم يصادف ذكرى وفاة زوجتي منذ عشر سنوات ".
صاحت ليندا بأسى :
" يا للهول ، لا بد انك تشعر ..".
قاطعها قائلا :
" لا تقلقي ، قد تغلبت على حزني منذ زمن بعيد ، آسف يا ليندا ، لم ادعك الى هنا لكي اشركك في ألمي ".
" لا تقل هذا ، ألا تذكر أنك دعوتني مرة لتشاركني همومي ؟".
" طبعا واذكر أنك رفضت طلبي يومها ".
" لكنني قد اعود وأطلب معونتك يوما ".
رشف من فنجانه وعاد يحدق بالصورة من جديد قائلا :
" سأكون حاضرا لألبي النداء ".
سالته ليندا :
" أهذه صورة زوجتك ؟".
" اجل ، كانت ....".
" كانت ماذا ؟".
" فتاة رائعة ، عندما رايتها للمرة الأولى ...".
لم يقدر أن يكمل عبارته وشعر بغصة تلتهم حلقة وبألم هائل يعصر قلبه .
إقتربت ليندا منه تسأله بلطف :
" ارجوك ، أخبرني عنها إذا كان ذلك يريحك ".
إبتسم بفتور :
" تعنين انك مستعدة لمواساتي إذا أردت الكلام عنها ؟".
" قلت لي مرة أنني إستغللتك للوصول الى غايتي ".
" صحيح ، لكنني جعلتك تدفعين الثمن ، اليس كذلك ؟ فقد كانت هذه وسيلتي الوحيدة للتعبير عن غضبي وإنفعالاتي ".
" ماذا تعني بذلك ؟".
ألقى رأسه الى الوراء وغرق في مقعده وأجاب :
" أعني اشياء كثيرة ، الحقيقة ان الذي يغار عليك هو أنا بالذات ".
إبتسم لها عندما رآها تحدق به مذهولة :
" لا بأس ، فلن ابوح لك بمكنونات صدري في هذه الساعة ، ولو فعلت فلن أجد لديك أي تجاوب ، أليس كذلك ؟".
" هذا يسعدني ، لكن ...".
" لكنك مغرمة بريك بيرنيت ".
" كان هذا منذ زمن طويل ، دانيال ...".
قاطعها بسخط :
" كان هذا نهار الثلاثا الماضي ، لاحظت تعابير وجهك عندما سمعت صوته على الهاتف ".
" لا اريد الكلام عن ذلك الان ، إذا سمحت ، أرجو ان لا تخبر ريك شيئا ".
رفع حاجبيه ناظرا اليها وكأنه يوبخها ، فطأطأت راسها متمتمة :
"انا آسفة ".
" على كل حال ، عندما قلت انني اغار عليك كنت أعني الغيرة بمفهومها الواسع ، واليوم إنتشلتك فيه صباحا ودخلت الى شقتي ، نصحتك ، أتذكرين ؟".
" ان لا اضحي بحياتي لأجل رجل لا يريدني ، أليس كذلك ؟".
" اجل ، وأن هناك اسماكا اخرى في البحر ".
" اتعني رجالا آخرين في العالم ؟".
" أجل المعنى نفسه ".

أمل بيضون 09-01-12 12:20 AM

أشاحت بنظرها عنه ، تنظر الى لوحة معلقة أمامها على الحائط ، تصارع في راسها عشرات الأفكار وفي نفسها مئات المشاعر ، أكتب لها ان تبقى سائرة من ضياع الى آخر ، من إرتباك الى آخر ؟ متى تهدا هذه العاصفة الهوجاء في نفسها ؟ متى يعود الربيع من جديد الى قلبها ؟ لم تفق من شرودها إلا على صوت دانيال يتصنّع السعال ويكمل كلامه:
" خطر لي أن اعمل بنصيحتي لك ، فقد قررت منذ زمن بعيد الا أفكر بالزواج، لكن ذلك النهار عندما خرجت من شقتي ، قررت العكس ".
" طبعا ، ليس مني أنا ".
" تقريبا ، فقد كنت إحدى ( المرشحات ) اعتذر على هذه التسمية ، ما أعنيه هو أنني بدات أنظر الى السيدات اللواتي أعرفهن نظرة مختلفة ، أعتقد أنني أسيء التعبير عن افكاري ، فلا تفسري كلامي على انه مراجعة حسابات أو ندم ".
أجابته ليندا بهدوء :
" أعلم ذلك ، انت بكل بساطة قررت التوقف عن معاملة نفسك كرجل متزوج ".
نظر اليها بحنان وقال :
" شكرا يا ليندا ، هذا ما قصدته بكلامي ، على كل حال عندما إكتشفت انك ما زلت تهتمين بريك أشفقت على نفسي ، لا على خسارتي لك فحسب ، بل لأنه لم يهتم بي أحد كما فعلت أنت ، هل تفهمين ما اعني ؟".
" كل الفهم ، دانيال إسمع جيدا ما سأقوله لك ، هناك العديد من الفتيات الجميلات يتمنين لو تتخلى عن معاملة نفسك كرجل متزوج ".
بدا مرتاحا لكلامها ومحرجا في آن واحد، ولم ترد ليندا ان تزيد من إحراجه فضحكت منتقلة الى موضوع آخر ، قبلت فنجانا آخر من الشاي تستمتع بالحديث اليه في جلستها المريحة ، ارادت ان تبقى أطول وقت ممكن ، لأنها احست أن دانيال بحاجة الى من يتكلم معه ، ارادت مساعدته لأنه صديق محبب اليها ، فهي لم تنس مساعدته لها في أحلك ايامها .
تحدثا مطولا ، أخبرته كيف تعرفت الى ريك ، وماذا جرى معهما منذ ثماني سنوات ، كان ينصت اليها بإهتمام كلي متجنبا مقاطعتها ، اما هي فكانت تنفعل من حين لآخر حتى توردت وجنتاها فضحكت معلقة :
" لا ادري إذا كان إحمرار وجنتي عائدا الى الجو الحار هنا ام أن إنفعالي الزائد؟".
نهض دانيال يحضر لها كوبا من الماء البارد ، شربته ، ثم رافقها الى الباب مودعا :
"شكرا يا دانيال ، سأمر عليك بين الحين والآخر ".
هتف دانيال في إرتباك مصطنع كانه يحاول إنذارها مشيرا بيده الى أحد الموظفين يمر امامهما وينظر اليهما بفضول :
" ليندا أرجوك ، حافظي على سمعتي".
ضحكت ليندا بملء صوتها ، فهما معروفان من الجميع ، وهي متأكدة من أن من يراهما لن يشك لحظة في حديثهما البريء حتى ولو تبادلاه خلسة.
وصل ريك الى المدرسة برفقة الدكتور سيمونز نهار الأحد بعد الظهر ، وإختليا مباشرة بدانيال الى أن حان موعد العشاء ، لكنهما لم يمكثا لتناول العشاء في المدرسة .
لم تتح الفرصة لليندا كي تكلم ريك ، بل لمحتهما من بعيد يغادران الباحة الخارجية ، لكنها لاحظت على وجه دانيال ، عند دخوله غرفة الطعام ، ملامح التجهم والغضب.
في اليوم التالي كانت في صفها عندما لمحت ريك واقفا ينظر اليها ، أسرعت نحوه تاركة التلاميذ ينظرون اليها بإهتمام ، فتراجع ريك خطوة ومشيا في الرواق.
بادرها بقوله :
"اعتذر عما حصل ليلة امس ، اصر الدكتور سيمونز على مغادرة المدرسة فور إنتهاء الخلوة مع دانيال لأضطراره للسفر الى أوكلاند البارحة ، كما أنني لم أشا إحراجك في قاعة الطعام ".
إبتسمت ليندا تطمئنه :
" لا باس فالعمل قبل كل شيء ".
" هل أنت حرة هذا المساء؟".
لم تشأ ان تخبره انها كل ليلة حرة بل ردت ببرودة :
" أجل ".
وقبلت دعوته للعشاء ، بعد أن وافقت من غير نقاش على الوقت ، ثم اسرعت عائدة الى صفها .
كلاهما دقيق في مواعيده ، إلتقته امام شقتها مرتدية قميصا حريرية زرقاء وتنورة زرقاء داكنة ، بادرها بإطراء على كل حرف منه :
" يناسبك كثيرا اللون الأزرق".
وحدّق في شعرها المربوط من غير تعليق ، ثم اردف وليندا تهم بركوب السيارة :
" إكتشفت مكانا تقام فيه حفلة موسيقية ، فهل تريدين حضورها بعد العشاء؟".
وافقت ليندا ، تناولا العشاء في المطعم المعتاد وإنتقلا بعد ذلك الى قاعة صغيرة حيث إستمعا الى ألحان كلاسيكية ، في نهاية الحفلة إعتذر ريك قائلا :
" أخشى أن اكون قد سببت لك إزعاجا بمجيئنا الى هنا ".
" على العكس ، إستمتعت كثيرا بالموسيقى ".
أجاب بهزء :
" تتحلين بلباقة دائمة يا ليندا ".
" إنني اعني ما قلته ، أمضيت وقتا ممتعا هذا المساء ".
" أهذا يشمل الرفقة؟".
لم تجبه بل إكتفت بالنظر اليه بطرف عينها ، سمعته يضحك وهو يفتح لها باب السيارة، وعندما جلس وراء المقود سألها :
" الى البيت مباشرة؟".
أجابت بحزم:
" أجل ، مباشرة الى المنزل ".
لكن عندما أوصلها الى باب شقتها تخلت عن حزمها ودعته لتناول القهوة .
جلس على الأريكة يتناول الفنجان منها ينما جلست ليندا على كرسي قبالته .
" هل بإمكاني الأستفهام كيف سارت المفاوضات الأسبوع الماضي؟".
إبتسم قائلا :
" بدات دوافعك الخفية تظهر ( وأضاف موضحا ) هل دعوتني لأستدراجي للكلام عن مخططات المدرسة المستقبلية ؟".
" لا ابدا ، لكن من الطبيعي أن أهتم بالمر ، كل منا يود أن يعرف ماذا برأيك سيجري خلال إجتماع مجلس الإدارة؟ هل سيتخذ القرار بإقفال المؤسسة؟".

أمل بيضون 09-01-12 06:02 PM


رشف قهوته واجاب بهدوء:
" لا سمح اله ، لكنني أتوقع الموافقة على بعض التغييرات ، طلب مني التحقق من النواحي المالية والأدارية للمؤسسة ، لكن بالطبع ، بإمكانك إيجاد الجواب على سؤالك اثناء قيام مجلس الإدارة بعملية أقرار الموازنة او تعديلها ، آخذا بعين الإعتبار عوامل عديددة أخرى".
" عوامل اخرى ؟ كالعزل مثلا ؟".
تطلع ريك اليها بحدة مستجوبا :
" هل سبق ان ناقشت هذا الموضوع مع أحد؟".
أجابت بعفوية غير مبالية بتعابير وجهه:
" مع دانيال ، قال أن مشكلتنا الوحيدة هي بعدنا عن الشركة الأم وصعوبة التنسيق معها ، فهناك قسم من الأهالي يعانون صعوبات هائلة لزيارة اولادهم ، وأشار الى ان الحل الوحيد لهذه المشكلة هو نقل المدرسة بكاملها ، وبالطبع مجلس الإدارة عاجز عن القيام بذلك ".
رد ريك بفظاظة :
" لا يمكنني إخبارك شيئا ، ساقدم تقريرا مقتضبا عن دراساتي الى مجلس الإدارة ، وهو على درجة من الأهمية بحيث لا يمكن مناقشته مع الموظفين قبل عرضه على المجلس ، ربما أطلعك دانيال على المزيد "تضايقت ليندا من نبرات صوته الفظة :
" فهمت ، أعتذر عن تمادي في الأسئلة( وضعت فنجانها على الطاولة سائلة ) متى تنتهي من تحضير تقريرك ؟".
وضع ريك بدوره الفنجان على الطاولة مجيبا :
" يلزمني اسبوعان لانتهي منه ".
تأملت ليندا الفناجين الفارغة على الطاولة ، تحسب في مخيلتها كم هي طويلة مدة الأسبوعين ثم خاطبته :
" هل ستعود بعد ذلك الى منزلك ؟".
" من المحتمل أن مدد عطلتي اسبوعا آخر ، لكن بعيدا عن العمل هذه المرة ، لم تسنح لي الفرصة لأطوف كما يجب في نيوزيلندا ، وقد أخبروني ان هناك أماكن ينبغي ان أزورها ".
حاولت ليندا جاهدة أن تخفي تاثرها بمجرد تفكيرها بأنه بعد أسبوعين من الآن قد لا يتسنى لها رؤيته مرة اخرى ، فتظاهرت باللامبالاة :
" بالفعل ، هناك احواض المياه المعدنية في روتوروا ، وكهوف الكلس والحباحب في وايتومو ، إضافة الى صيد السمك في توبو ، هل تصطاد السمك ؟".
" لا ، لكن بودي ان أفعل ، هل زرت كل هذه الأماكن ؟".
" أنا ايضا لا اصطاد السمك ، لكنني زرت كهوف الحباحب وأحواض المياه ".
" برفقة دانيال ؟".
اجابت بعفوية خالصة :
" لا ، لم اكن اعرف دانيال يومها ".
" كم مضى على معرفتك إياه ؟".
" سنتان ، منذ قدومي للعمل في المدرسة ".
" تبدين معجبة به ".
إحتارت ليندا كيف تفسر كلامه هذا ، تساءلت إن كان يرمي الى شيء آخر من خلاله ".
" اجل ، فهو عدا كونه صديقا ، رئيسي في العمل ".
" صديقان حميمان فقط ؟ ( وأردف قبل ان تجيب ) يبدو ان صداقتك الحميمة قد طالت رجالا عديدين منذ عرفتك ".
" البعض منهم ".
حدّجها بنظرة ثاقبة جعلتها تضطرب قليلا وهي تستعيد في ذهنها كيف شدّد على كلمة ( صديقان ) .
عاد يسألها :
" هل يمانع دانيال في أن أراك ؟".
" أبدا ، لم يخطر بباله يوما ان يتدخل في أموري الشخصية ، فهذا امر لا يعنيه البتة ( وأضافت مستعيدة في ذهنها ما قرأته عن حالة المعلمين والخدم في القرون الماضية وكيف كانوا مسيّرين من قبل مخدوميهم ورؤسائهم حتى في شؤونهم الخاصة ) لسنا في القرون الوسطى على ما أعتقد ".
" بكل تأكيد ".
نهضت ليندا تحمل الفنجانين الفارغين الى مطبخها الصغير آملة أن يفهم من ذلك ان عليه الإنصراف ، عند عودتها كان قد نهض من مقعده فبادرته :
" شكرا على العشاء وعلى الحفلة ".
بدا مسروران وعيناه تلمعان ببريق زاه ، ثم إتجه نحو الباب قائلا :
" سنعيد الكرة ، أليس كذلك ؟".
" لا مانع عندي ".
مد يده مصافحا فترددت لحظة ثم تركت يدها تعانق اليد الممدودة اليها هامسة :
" طابت ليلتك ".
تخلى عن مصافحته لها قائلا :
" أهذا اقصى ما يمكنك القيام به ( وأمسكها من كتفيها ) جربي مرة أخرى ".
تركته يعانقها بهدوء ، لكن جسمها كان ككتلة من إسفلت وأعصابها مشدودة ، لم ترد أن تخون نفسها فأحجمت عن تلبية نداء قلبها وصراخ أحاسيسها .
رفع رأسه قليلا ممررا يده على وجهها مستوضحا :
" ما بك يا ليندا ؟".
هزت رأسها من غير جواب ، فمال اليها مرة أخرى علّه يحوز على تجاوب حقيقي منها ، لكن من غير جدوى ، كانت أكثر برودة وجمودا من المرة الأولى وحاولت التخلص من ذراعيه ، فأفلتها لتبتعد عنه وتخبىء وجهها بين يديها ، وتمتم :
" أعتقد أنه لن يكون هناك مرة ثانية ".
أومأت برأسها صامتة تنصت الى وقع خطواته تبتعد بعد ان أقفل الباب خلفه.
وافقت ليندا على الفور عندما عرض عليها ريك القيام برحلة الى روتوروا ، فقد كانت تنتظر الفرصة لتزيل من ذهنها ذكرى السهرة الأخيرة أو بالأحرى نهايتها، السهرة غير الكافية التي لم ترة عطشا مزمنا بالنسبة الى ريك ، وغير المنتظرة فلم تعط مجال إتخاذ القرار بالنسبة لليندا ، كما أن يوما كاملا يمضيانه معا قد يساعد في صفاء ذهنها ، خاصة وأن ايامه في المؤسسة باتت معدودة .
لم تصرف النزهة ليندا عن ملاحظة تصرفات ريك معها ، فإنتبهت الى ملامسته لها بيده وهو يساعدها في تخطي عد من الممرات الوعرة ، الى تشبثه بها خلال إجتيازهما طريقا أوتقاطع طرق ما ، والى إبتسامته الناعمة والحنونة أثناء نظره اليها ، لاحظت نه كان طوال النهار يبثها حبه بلطف ورقة بعيدا عن اللجاجة والتصنع.
كان قد خيّم الظلام عند وصولهما الى بلدة تايمز لكن ريك لم يسلك الطريق المؤدي الى المدرسة بل إنعطف بسرعة في درب مغاير ، إلتفتت ليندا مستوضحة فطمأنها :
" عندي لك مفاجأة ، حضّرت لك عشاء شهيا ، ألم أقل لك أنني إعتدت على أعمال المنزل ؟".
لم يسع ليندا أن ترفض ، فلو فعلت لبدت وكأنها تحاول التظاهر بالحشمة أو تتعمد الفظاظة ، دعاها ريك للجلوس بينما ينهي تحضير الأطباق ، ثم جلسا الى المائدة حيث سكب لها قليلا من الحساء ثم أتبعه بقطعة من الدجاج محمّرة مع قليل من السلطة والبطاطا ، حاولت ليندا مساعدته :
" دعني أملأ لك طبقك ".
" أرجوك أنت ضيفتي ، وأنا الليلة خادمك فلا تزعجي نفسك بشيء ".
بعد ذلك جلب ريك أنواع الجبن وطبقا من الفاكهة إختارت منه ليندا تفاحة حمراء كبيرة وإجاصتين .
قالت له وهي تتناول فنجان القهوة من يده :
" عشاء شهي لللغاية ، لا أظنك كنت تمزح بشأن قيامك بأعمال المنزل ".
رشف ريك قهوته ثم سألها مبتسما :
"هل تمتعت بالنزهة هذا النهار ؟".
" جدا وماذا عنك ؟ فأنت السائح ".
" أهذا ما أنا ؟ يبدو أنك بتّ تعتبرين نفسك من السكان الأصليين هنا ".
" تقريبا ".
أنهى قهوته ونهض يأخذ منها الفنجان ليضعه في المطبخ ، عند عودته رآها غارقة غير مرتاحة في كرسي جلدي كبير فبادرها :
" إسترخي ، إنك تجلسين على أحسن كرسي في المنزل ومع ذلك تبدين منزعجة ".
" شعري يضايقني".
بالفعل كان شعرها السبب ، فالعقدة الكبيرة الناجة عن ربطها لشعرها تمنع عليها إسناد راسها الى حافة الكرسي ، أجابها بغير إكتراث :
"دعيه يتهدل على كتفيك أو إجلسي على الأريكة ( تقدم ليقف أمامها واضاف بنعومة ) ليتك تقومين بالعملين معا ".
إنحنى نحوها وجذبها بيديها نحوه غير مبال بمقاومتها اللينة ،ثم دفعها الى الأريكة وجلس بجانبها ، حاولت ليندا أن تعترض لكنه كان قد سبقها الى نزع الدبابيس من شعرها يرميها على الأرض ، فرفعت يديها تحاول منعه قائلة بوهن :
" لا لزوم لهذا الان ".
لامست اصابعه الربطة المطاطية وبنعومة فائقة فكها ليتهدل شعرها كالشلال فوق كتفيها .
حاولت ثنيه عن عزمه ممسكة بمعصمه ، فأمسك بإحدى يديها وأدناها من صدره بينما راحت يده تداعب عنقها ، فهتفت بضعف :
" لا ".
لكن بعد فوات الأوان ، تخلت عن معصمه واضعة يدها على كتفه ثم حول عنقه ، وعندما أفلت يدها الأخرى ليضمها قرّبتها بملء إرادتها من صدره تستمتع بدفئه.
واحست فجأة بالبركان الخامد في اعماقها ينفجر ، لكنها في الوقت نفسه كانت تنصت الى صوت في اعماقها ، فلو كانت مع شخص غير ريك لأوقفت ما يجري منذ البداية ، يتجاذبها إحساسان ، إحساس نابع من عاطفتها وغريزتها ، وإحساس آخر نابع من تحكيمها لعقلها ، سيطر هذا الصراع عليها ، فإستسلمت لحالة من التشنج والتردد، شعر بها ريك ، فرفع راسه قائلا :
" ارجوك يا ليندا ، إمنحيني ذكرى حلوة أستعيدها بعد ذهابي".
أحست ليندا وكان السماء قد إنهارت على رأسها ، وجاهدت حتى تخلصت منه وإتجهت نحو النافذة تنظر الى البحر من غير ان ترى شيئا .
غشى الياس عينيها وحطم كل ذرة أمل أدخرتها في الماضي ، وقفت وحيدة، وجهها بين يديها تذرف دموع الخزي والندم.

أمل بيضون 09-01-12 07:42 PM

12-كل شيء كالحلم

مرت دقائق طويلة خيم فيها صمت عميق على الغرفة ، قطعه ريك قائلا بقساوة ووضوح :
" هل بإمكاني أن أعرف السبب ؟ واضح انك لا تعتبرينني مثيرا للإشمئزاز " لم تدر ليندا كيف تعبّر عما يخالجها ، فتلعثمت تطلق كلماتها بتقطّع ومن غير فحوى :
" أعتذر عما بدر مني فأنا لم أقصد ... حاولت مرة أخرى ، كان عليّ ان لا أفسح ....".
" إذن ، لماذا أفسحت ؟".
" طلبت منك مرارا ان تتوقف ".
" صحيح ، لكن لم يكن طلبك بمعنى الأمر ".
" لم أكن أدرك الى ...".
" .... الى أي حد ساتمادى ؟".
فجأة فقد ريك هدوءه وراح يرتجف صائحا :
" آن لك ان تفيقي من غيبوبة المراهقة ، لم تعودي في التاسعة عشرة " ضحكت ضحكة خفيفة تخفي وراءها إرتباكا واضحا ومرارة تنعكس بجلاء على وجهها :
" لا بل عذراء في السابعة والعشرين من عمرها ".
أخذ نفسا عميقا وكانه على وشك أن يعنّفها بكلامه ، لكنه ما لبث ان إستعاد بعضا من هدوئه مطلقا سهمه القاتل :
" إكتشفت أن هذا غير صحيح".
إلتفتت فجأة لتواجهه بعينين داكنتين مصدومتين تلمعان غضبا :
" ما هذا الذي تقوله ، هل جننت ؟".
لم ينبس ببنت شفة بل إرتسمت على وجهه علائم السخرية والغضب .
لم يسبق لها ان رأته بهذه العصبية أو لمحت تعابير الهزء هذه من قبل ، أكمل بتهكم ليذكي نار القهر المتأججة في داخلها :
" يجب أن تكوني أكثر حذرا عند زيارتك لأصدقائك ".
" دانيال ؟".
" شاهدتك تغادرين شقته صباح اليوم التالي لوصولي الى هنا ، تقريبا في وضح النهار ، لكن ما أثار ريبتي انك كنت لا تزالين ترتدين ثياب السهرة التي أمضيناها كلنا معا ، كانت المرة الأولى التي ارى شعرك متهدلا على كتفيك ، بدوت يومها رائعة وجذابة ، بعيدة كل البعد عن مظهر معلمة المدرسة ( العجوز ) يبدو أن دانيال ممتن كثيرا على ( صداقتك الحميمة له ) .
تمنت ليندا لو كان يقف بقربها ، لكانت صفعته بقوة أزالت معها تلك البسمة المرتسمة على شفتيه ، كانت تهتز غضبا ، ولم تكن يوما حانقة كما هي الان ، شدت قبضتيها بحزم تكبت غيظا يتفاعل بسرعة وقالت :
" كلامك يثير قرفي ، لا لزوم للتكتم حول علاقتي بأي شخص في هذه المؤسسة ولو ارادت إخفاء حقيقة علاقتي باحد فكن على ثقة أنني سانجح في إخفاء الأمر عن الجميع ، وحتى عنك أنت بالذات ، لو خرجت من وكر التجسس حيث كنت متواريا تلك الليلة وإنضممت الينا لكنا شرحنا لك ...".
قاطعها ريك بحدة:
" لم أكن أتجسس ، صدف ان كنت نائما في الجناح الملحق بالمستشفى قرب الفناء، وإستيقظت يومها باكرا ، كنت واقفا امام النافذة فشاهدتكما معا ".
اجابت ليندا بمرارة :
" وتولى خيلك الرحب إستنتاج ما تبقى ، دانيال طبيب ، وقد حملني الى شقته ليداوي جروحي بعدما تعثرت في نزهتي ".
شعرت ليندا فجاة بصداع عنيف يلف رأسها ، وغلّتها الرجفة من راسها حتى أخمص قدميها .
لا جدوى من الإسترسال في محاولاتها لأقناعه ، عرفته عنيدا وما زال ، وذاقت من عناده هذا طعم الشقاء واللوعة ، لن تتمكن من تغييره الان وفي ظرف كهذا ، لا بد أنه فطن لعلاقتها بدانيال وأساء تفسيرها ، لكن رجلا سخيفا مثل ريك لن يفهم ذلك ولو بعد ملايين السنين ، خاطبته بوضوح وعزم :
" لست مجبرة على إعطائك أي تفسير ، هل تسمح بإيصالي الى شقتي؟ إذا كان هناك من وسيلة أخرى متوافرة ، فلا تزعج نفسك ، صدقني ، اذهب بمفردي ".
قاد ريك السيارة بحذر في الطريق الساحلي المتعرج وليندا الى جانبه صامتة تنظر من النافذة الى الخيالات المتراكضة خارجا والمرارة تفتك بقلبها ، جاهدت قدر المستطاع كي تكتم حنقها وألمها.
حاولت ان تلهي نفسها عن التفكير بما جرى ، لكن من غير جدوى ، عاودتها كلماته ، مجبولة بعلامات الهزء والسخرية التي إرتسمت على محياه ، هذه الليلة تضمنت عباراته معاني جديدة لم تعهدها في السابق ، كان يرمي الى شيء ما ، مدفوعا بغيرته ، لكنها لم تتوصل الى معرفة هدفه.
اسندت راسها الى النافذة تتساءل عن سبب إهتمامه المفاجىء ، وعن تفسير صحيح لشعوره الغريب بالغيرة ، من يحسب نفسه ليعاملها هكذا ؟ إلأنهما كانا على علاقة منذ ثماني سنوات ، يظن نفسه الآن وصيا عليها ؟ لكنها لم تستغرب تصرفه بقدر ما إستغربت محاولة تبرئة نفسها بتاكيدها له أن دانيال صديق لا أكثر ، وأن صداقتهما لا تتعدى نطاق الزمالة في العمل .
نظراته الحنونة ، إبتسامته الدافئة ، وتودده العذب اليها كانت كلها وسيلة ماكرة لنيل مأربه منها ، أجاد تمثيل دور النادم والودود ليحظى بما يتوّج به عطلته في نيوزيلندا
لم تنتظر ليندا وقوف السيارة نهائيا ، بل ترجلت مسرعة طالبة من ريك عدم مرافقتها ، ما ان وصلت الى شقتها تبحث عن المفتاح بيديها المرتجفتين ، حتى سمعت هدير سيارته في طريقه الى خارج المرآب .
لم يكن يوم ليندا أفضل من مسائها ، فحوادث ليلة البارحة إنعكست سلبا على عملها ، فالأطفال الذين إعتادت أن تراهم متنبهين ساكتين اثناء شرحها الدروس ، كانوا اليوم مشاكسين يستحيل عليها ضبطهم ، في نهاية النهار كانت ليندا على وشك الإنهيار.

أمل بيضون 09-01-12 09:00 PM

إلتقت ريك عدة مرات أثناء إنتقالها من صف الى آخر لكن من بعيد ، لم تذهب وقت الغداء الى المطعم خوفا من الإلتقاء به ، بل الى شقتها حيث حضرت لنفسها غداء خفيفا ، كانت تدرك أنه لا يمكنها تجنبه الى الأبد ، لكن جراحها لم تندمل بعد ، وليست مستعدة في الوقت الحاضر لتلقى المزيد منها.
أحست ليندا بالراحة عندما لم تجد سيارة ريك في الموقف بعد إنتهاء الدروس.
إتجهت كعادتها نحو غرفة الطعام بالرغم من عدم إحساسها بالجوع ، كي لا تثير شكوك صديقتها حول غيابها .
جلست الى طاولة كليو مكتفية بإلقاء تحية خفيفة ، لكن صديقتها بادرتها قائلة :
" كان الأطفال مشاكسين جدا هذا النهار ".
إحتارت ليندا كيف تفسر لكليو تصرف التلاميذ المفاجىء ، فلم تر بدا من إعطاء سبب ما ، فشرودها وتفكيرها بالبارحة ، شلاّ قدرتها على فرض الإنضباط في الصف كالعادة .
أجابت معللة :
" في الواقع إنني مصابة بصداع قوي ، اعتقد أنني سآوي الى الفراش باكرا هذه الليلة ".
" حسنا تفعلين ".
فور رجوعها الى شقتها أخذت ليندا حماما ساخنا وإرتدت سترة صوفية أرسلها لها أهلها الشهر الفائت ، جلست تصفف شعرها أمام التلفزيون علّه يريح اعصابها ، ويبعث في جفنيها الكرى .
فجأة سمعت قرعا خفيفا على الباب ، لم يسبق ان وارها أحد في مثل هذه الساعة من الليل ، بإيتثناء كليو أو بيغي طالبتين التسلية ، ظنت ليندا أنها كليو جاءت تطمئن الى صحتها ، فنادت :
" تفضل ".
لم تكد تتحقق من وجه الزائر حتى نهضت عن الأريكة بعصبية وسرعة ، تعلو وجهها علامات الذهول متمتمة :
" أخرج من هنا ".
أغلق ريك الباب خلفه وسار نحوها قائلا :
" لكنني سمعتك تقولين تفضل ".
" كنت أنتظر كليو فلم اتوقع قدومك أنت ( واضافت ) ولا قدوم احد اصدقائي الحميمين ".
لاحظت ليندا تأثير كلامها عليه ، فحاول إخفاء إضطرابه قائلا متصنعا الهدوء :
" قد جئت أعتذر منك ، سأجثو على ركبتي إن أردت ".
تذكرت ليندا قساوته الجارحة ليلة أمس ، عندما حاولت أن تشرح له كل شيء ، وإحجامها عن ذلك بعدما رفض ان يصدقها ، فبادته بنبرة صارمة :
" لقد فهمت ، يبد أن رواية دانيال جاءت مطابقة لروايتي ، الم يخطر ببالك إمكانية قضائي بقية الليلة الماضية مع دانيال حيث إتفقنا على ما سيخبرك به؟".
" لم ابحث الأمر مع دانيال ، كلامك كاف بالنسبةالي".
" لم يكن كافيا الليلة الماضية ".
" لم أكن بكامل عقلي البارحة ".
لاحظت ذلك ".
إستدرك :
" كانت لدي أسبابي ، فالإنفعال من شانه احيانا أن يفقد المرء إتزانه لفترة ".
" اعتقد ذلك ".
تأملت ليندا الفرشاة التي كانت تحملها في يدها لدقائق من غير أن تدري سببا لذلك ، وعندما اعادت النظر اليه راته يبتسم بلطف ، خاطبها بعبارات رقيقة لامست فؤادها :
" يا حبيبتي ، لم أكن بحاجة الى أكثر من هذا الإثبات لأقتنع بصدق كلامك ، فعبارتك تجسد في طياتها كل البراءة ".
بادلته الإبتسامة :
" الا تريد سماع القصة باكملها ؟".
" كلا ".
كان واضحا برفضه ، مما بعث في نفسها أملا مريحا بانه صدقها ، لكن عندما نظرت الى الأمر من زاوية أخرى ، فهمت إصراره على الشك بها ودانيال ، وعذرته على سرعة إستنتاجه ، قالت تعبّر عن افكارها :
" أعتقد أنه في هذه الأيام وفي هذه السن ، لا يجوز إتهام من يحكم على الأمور كما تبدو بالعتة".
" الهذا السبب إقتنعت ".
" قلت لك أن كلامك كاف ".
" شكرا ".
" اتدرين أن لون سترتك وهذا الضوء يضفيان على عينيك مسحة بنفسجية ؟".
" كلا ، اترغب بفنجان من القهوة ؟".
احست بإرتباك بعدما تعمدت تغيير موضوع الكلام فجأة ، إبتسم لها وكأنه فهم قصدها ، قائلا :
" هل أطلت زيارتي ؟".
" ابدا ، كنت اشكو من صداع لكنه زال الآن ".
ذهبت الى المطبخ تحضر القهوة ، إنما في الحقيقة كانت تحاول أن تتخلص من افكارها المتراكمة .
لم ينظر اليها عندما تناول فنجان القهوة منها ، بقي غارقا في مقعده ينظر الى لوحة معلقة ، وكأنه يرسمها في مخيلته من جديد ، جلست ليندا القرفصاء على الأريكة ترشف قهوتها على مهل ثم بادرته بقولها :
" هل ستنسى ما جرى ؟".
" بكل تأكيد ".
كادت تساله إن كان بمقدورها هي ان تنسى لكنها عدلت في اللحظة الأخيرة لتقول :
" هل اعجبتك القهوة ؟".
" لا بأس ".
إبتسمت له من غير أن تدرك السبب ، للمرة الأولى منذ لقائهما في المؤسسة شعرت بالراحة قربه ، فتعابير وجهه الودودة بعثت في نفسها إحساسا ناعما من الحبور والغم ،غار في مقعده وكأنه لا يقدر على القيام منه ، ممسكا بفنجانه الفارغ يقلبه ، وبمجهود ظاهر مال الى الأمام ليضعه على الطاولة.
أثارت حالته حفيظة ليندا فسالته مطمئنة :
" يبدو عليك الإرهاق ، الا تريد النوم ؟".
لمعت عيناه ببريق غريب وسألها مازحا :
" اعتبر هذا عرضا ؟".
لم تفطن ليندا الى مزاجه المبطن مجيبة :
" كلا ".
مال الى الوراء مشبكا يديه خلف رأسه ومغمضا عينيه :
" وانا أيضا لم أعتبره كذلك ".
بدا لها بعينيه المغمضتين أكثر فتوة وتذكرت الساعات الطويلة التي أمضتها بجانبه في المستشفى ممسكة بيده وهو نائم.

أمل بيضون 10-01-12 08:30 PM

سالها والنعاس يغلبه :
" أيزعجك إن أخلدت الى النوم ؟ ( ولم يفسح في المجال للإجابة واردف ) طبعا سيزعجك ، قد أطيل النوم مما سيعرض سمعتك للدمار ".
اجابته بصدق :
" لست قلقة على سمعتي ".
" ماذا إذن ؟".
كانت تخشى أن تفقد صلابتها ومقاومتها له ، وخافت أن يدب الوهن الى إرادتها فتفقد السيطرة على نفسها ".
نهضت تتناول الفنجان من أمامه قائلة بلطف :
" يمكنك النوم إن أردت ، وإن شئت التمدد على الأريكة فعلى الرحب والسعة ".
نظر اليها بعينيه الداكنتين اللتين تلمعان رقة تغلفهما مسحة خفيفة من الحزن ، وسألها :
" هل تثقين بي؟".
" اجل ".
نهض من مقعده وتناول الفنجان من يدها وأعاده الى الطاولة ، ثم وضع يديه على منكبيها بنعومة فائقة هامسا :
" المشكلة ، أنني لا أثق بنفسي ".
فكرت ليندا بكلامه لتجده ينطبق عليها هي الأخرى ، سألها ريك :
" هلا أخبرتني شيئا ، لماذا ترفضين دائما التجاوب ؟".
" معك ؟".
" مع الجميع ".
" الأسباب كثيرة ، لكن السبب الأهم ، هو إيماني بان الألفة الكاملة بين شخصين يجب أن يجاريها إلتزام كامل ".
أحست بيديه تضغطان على كتفيها ، وبمسحة من الألم تحل محل الحزن في عينيه :
" لا يمكنني أن أمنحك الإلتزام ".
كانت تعلم ذلك ، فلم يشعر نحوها يوما بما يفرض عليه ذلك بالرغم من إعجابه وإهتمامه بها ، همست تجيبه :
" أدرك ذلك ، كما انني عاجزة عن منحك ما هو اقل من ذلك ".
دنا منها وضمّها بنعومة شديدة ، أحست بوجنتيها تتبللان ، فأدركت انها تبكي ، فأسند راسها الى كتفه دافنا وجهه في شعرها .
شعرت بالبرد عندما افلتها فلازمت مكانها واقفة مغمضة عينيها الى ان سمعت صوته قبل ان يخطو الى الخارج ،هامسا برقة وتحبب :
" الى اللقاء يا حبيبتي ".
وقفت ليندا وسط غرفتها مصعوقة لا تقوى على الحراك ، إكتشفت أنها كانت وستبقى ضحية حظها العاثر ، فللمرة الثانية يخذلها القدر ويرميها فريسة سهلة بين براثن التعاسة .
ندر ظهور ريك في في المؤسسة ذلك الأسبوع ، مما بعث في نفس ليندا شعورا كبيرا بالراحة ، عادت تجتمع بأصدقائها ، مبددة شكوكا بدأت تنمو في أذهانهم ، ردا على سؤال كليو عن ريك وعن مصير المؤسسة أوضح دانيال ان إختفاء ريك دليل على قرب إنتهائه من تحقيقاته ودراساته ، مع إعتقاده بأنه الآن يمضي عطلة يستحقها بعد العمل المضني الذي قام به .
اثار كلام دانيال قلقا لم تنجح ليندا في إخفائه من وجهها بالرغم من محاولاتها ذلك ، لاحظت كليو ما تعاني منه صديقتها فتعاونت مع دانيال وبيغي على التخفيف عنها وصرف تفكيرها عن امور محددة ، من غير ان يطرحوا اسئلة.
قدم شارلي غراهام وزوجته لتمضية ثلاثة ايام في رحاب المؤسسة ، وصلا نهار الجمعة وتوجه شارلي مباشرة الى قاعة الصفوف للتحدث الى التلاميذ عن عمله ، وعن رحلته الأخيرة عبر البحار ، للإشتراك بالمباريات الرياضية التي يشترك فيها معاقون من مختلف الدول.
اصغى الأولاد اليه بإنتباه ودهشة ، خصوصا عندما عرض عليهم صورا لمناظر خلابة في بلدان زارها ، مشعلا فيهم روح الرغبة للقيام برحلات مماثلةعندما تسمح لهم سنّهم بذلك .
امضى الأورد نهار السبت برفقة شارلي ، يتعلمون إستعمال القوس وكيفية إطلاق السهام ورمي الرماح ، كانوا متحلقين حول جسمه الضخم بحماس كبير ، يصفقون له محيين عند كل حركة يقوم بها ، كان يتعمد السير امامهم ليطلعوا على مهارتهم في تسيير كراسيهم المتحركة ، فيسرع حينا ليقوموا بمجهود للحاق به ويبطىء حينا آخر ليريحهم ، فتحولت المساحة العشبية الممتدة أمام المدرسة الى ساحة رياضة تضجّ بصراخ الأولاد وصفارة شارلي.
شعرت ليندا ببعض الحماس وهي تلف الى جانب سوزان تراقبان شارلي وقد جمع حوله التلاميذ ، يروي لهم إحدى قصصه ، ويومىء بيديه في كل الإتجاهات فيستثير ضحك الأولاد .
همست ليندا لسوزان :
" أحسده على ما يتحلى به من صبر وطيبة مع الأولاد ".
أجابت سوزان بفخر وإعتزاز :
" شارلي طيب مع الجميع ".
تتمتع سوزان بقسط وافر من الجمال ، شعر اسود طويل غزا الشيب بعض خصلاته ، عينان داكنتان لا يخبو بريقهما ، قامة ممشوقة ، وخصر ما يزال محافظا على نحافة جذابة.
سألتها ليندا :
" هل عرفته طويلا قبل الزواج ؟".
ردت سوزان بجفاء تطلب إيضاحا :
" تقصدين الإستفهام عما إذا كان عاجزا عندما تزوجته؟".
أجابت ليندا بهدوء :
" لا ، فانا على علم بذلك ".
إستدركت سوزان بصدق :
" إستميحك عذرا ، يبدو أنني بالغت في التأثر ، كان عليّ أن أدرك أنك لست من هواة التطفل ، هل أنت كذلك ؟".
" لا أبدا ".
" عرفت شارلي سنوات عديدة ، فقد كان صديقا لزوجي الأول باعدت بيننا الأيام الى ان توفي زوجي فعدنا وإلتقينا اثناء الجنازة ، كان قوي العزيمة لا يهاب شيئا ، قادرا على القيام باي شيء ، أعتقد أنني إعتمدت عليه بوقاحة في إحدى الفترات ، اقعد المرض زوجي مدة طويلة في الفراش فإضطررت للقيام بدور الممرضة ليالي طويلة مما أرهقني واضعف كثرا عزيمتي ، كان عليّ أن ابدو قوية لأجله لكن في الوقت ذاته ، كادت قواي تخور فجأة ، لم أجد بجانبي إلا شارلي ، فكان خشبة خلاصي بعد فاة زوجي".
" لا اخاله يبخل بتقديم المساعدة لأحد ، انت محظوظة لوقوعك على شخص مثل شارلي ".
" اعلم ذلك ، لكن المضحك في الأمر أنه لم يشعر بإعجابي به في البداية ، استغرب كثيرا فكرة الزواج مني (وإبتسمت لذهول ليندا من كلامها مردفة ) آسفة يبدو أنني أربكتك بجراتي ، لست ثرثارة الى هذه الدرجة عادة".

أمل بيضون 10-01-12 09:16 PM

أوضحت ليندا :
" لا ، ارجوك ، لم تسببي لي أي إرتباك على الإطلاق ، في الواقع كنت أود سؤالك عما عنيته بكلمة ( استغرب ) لكنني عدلت عن ذلك ".
" يا لك من شابة لطيفة ! انت مثل شارلي ، يمكن لأمثالي الإعتماد عليك ، دانيال يتمتع بهذه السجية ايضا ، إنه نوع من الطاقة الذاتية لدى البعض ".
ايقنت ليندا خلال حديثهما ان سوزان غراهام، تملك بدورها هذا النوع من الطاقة الذاتية لكنها لم تعلق على ذلك بل تقبلت بهدوء إطراءسوزان تنتظر بقية القصة .
أكملت سوزان :
" كنت اعلم ان شارلي يحبني ، لكنه كان يتجاهل تلميحاتي اليه بهذا الخصوص ، كدت اياس ، فصارحته طالبة منه أن يتزوجني، رفض عرضي شاكرا لأنه حسب قوله ليس بحاجة الى ممرضة ، وفي حال أراد الزواج مرة ثانية سيختار شخصا يعتني به لا شخصا بحاجة الى من يرعاه ، افهمته أن هذا ما كان يجول في خاطري وأنني مستعدة لأن أعتني به حتى آخر رمق من حياتي ".
هتفت ليندا :
" هل تقدّم بعرضه عندئذ ؟".
" تعنين ، هل قبل بعرضي ؟ ليس مباشرة ، فكّر في الأمر فترة ، لكنني تمكنت من إقناعه بعد طول نقاش أنني لا اقوم بلعب دور الأرملة المحتاجة معه ، ما بك يا عزيزتي؟".
علا الإصفرار وجه ليندا وتقلصت عضلات عنقها ، تذكرت أنها تعرضت هي الأخرى لأتهام كهذا منذ زمن بعيد ، تحاملت على نفسها وأجابت باذلة بعض الجهد :
" لا شيء ، صدقيني ، أصبت بصداع بسيط لا أكثر ".
" يا لغباوتي ، أقلقت راحتك بكلامي من غير ان أفطن الى حالتك ، إذهبي يا عزيزتي وتمتعي بقسط من الراحة ".
تركتها ليندا لكن ليس لترتاح ، بل توجهت الى صفها تشغل نفسها هناك بتحضير بعض الدروس الى ان دخل دانيال يبحث عنها :
" لا شك أنك بحاجة الى بعض الترفيه ، لذلك أنت مدعوة الليلة الى العشاء ".
" انا ؟".
" طلب مني الدكتور سيمونز ان أوجه الدعوة لك وللآل غراهام ، لي ولكليو ، لملاقاته وريك في منزله".
اجابت بسرعة وحزم :
" لن اذهب ".
" بل ستذهبين ، هذا أمر ، لن يخالف أحد من موظفّي اوامر رئيس مجلس الإدارة " دهشت ليندا من طريقته الفظة في أقناعها بالقدوم ، فوقفت تنظر اليه فاغرة فاها ، ثم حاولت الإعتذار مرة أخرى :
" دانيال ارجوك ...أنت لا تفهم ، على كل حال انا مصابة بصداع ..".
" تناولي حبتين اسبرين ، إذا لم تشعري بتحسن سأعطيك شيئا أقوى ".
إنحنى نحوها فوق الطاولة يلامس وجنتها بيده مطمئنا :
" ليندا ، اؤكد لك ان كل شيء سيكون على ما يرام ".
لن يكن الوضع سيئا كما تصورت ليندا ، إستقبلها ريك بإبتسامة فاترة وإنشغل بعدها بمساعدة الدكتور سيمونز في خدمة الضيوف .
جلست الى جانب كليو ودانيال على الأريكة يتسامرون .
عند دعوة الدكتور سيمونز للجلوس الى المائدة ، عمدت ليندا الى الجلوس بين شارلي ودانيال في مواجهة ريك المحاط بكليو وسوزان ، بينما تصدر الدكتور سيمونز المائدة .
لم تتمكن ليندا من الإستمرار في تجنب نظراته ، فإلتقت عيونهما في نظرة طويلة كادت تنسيهما ما حولهما ، فسارعت ليندا :
" اتعني ان المدرسة ستستمر يا دكتور ؟".
" يبدو أن الأمر كذلك يا عزيزتي ، نحن بإنتظار موافقة مجلس الإدارة ، لكنني أعتقد أنني وريك ودانيال قد نجحنا في وضع خطة جيدة لأستمرارية المدرسة في المستقبل ، لا ننس أيضا مساهمة صديقنا شارلي في إنجاح هذه الخطة.
وسط هتاف الحاضرين وصيحاتهم ، اصرت كليو على الحصول على إيضاحات ، لم يلق طلبها لدى واضعي الخطة إلا الضحك معتذرين ، فالتفاصيل لا يمكن أن تذاع إلا بعد إنعقاد مجلس الإدارة ، وعلى النساء كتم الأمر ال حين ذلك ، لكن إشباع بعض فضول كليو لن يضر بسير الخطة ، فكشف الدكتور سيمونز النقاب عن قرار بيع الأبنية الحاضرة وأرض المدرسة ، وشراء أرض جديدة يتم تشييد المدرسة عليها بمساحات اقل ونكون اقرب الى المدارس العادية، حيث يصبح بإمكان التلاميذ الإنتقال بسهولة لأكمال دروسهم ، النفقات اللازمة سيتم الحصول عليها عن طريق قروض ضئيلة الفائدة ، مقدمة من شركة ريك ومن شارلي ومن مجموعة صغيرة من رجال الأعمال المستعدين للمساعدة ، قسم من هذه النفقات سيخصص لتشييد المدرسة الجديدة والتي ستكون اصغر حجما من السابقة ، لكنها ستبنى خصيصا للمعاقين ، وستحوي كل التجهيزات اللازمة ، وأحدث المبتكرات الضرورية للعناية بهم ، وتثقيفهم ، بدلا من إدخال تعديلات جوهرية على المبنى القديم وتحويله الى مدرسة خاصة بالمعاقين ، القسم المتبقي من النفقات سيستثمر بطريقة تقي المدرسة شر العوز وإمكانية التعرض للإغلاق مرة أخرى .
دنت ليندا من دانيال الجالس قربها على الأريكة ، مشيرة الى شارلي يتكلم مع ريك وتسأله بصوت منخفض :
" ما شان شارلي في كل هذا ؟".
" كنا في زيارته ، كليو وانا في إحدى الأمسيات وشرحت له الموقف بعدما أطلعني ريك على طريقته بالعمل ، كما تعلمين نحن بأمس الحاجة الى أناس ميسورين ، ومستعدين لتوظيف أموالهم في أعمال خيرية ، لا اعرف غير شارلي ، لكنه عدني بإدخال بعض من معارفه في عملية التوظيف ، إستدارت ليندا نحو سوزان غراهام وسألتها بلطف :
" هل كنت تعلمين بأن زوجك سيتبرع ؟".
" أجل وقد شجعته على القيام بذلك ، لقد ساعدنا المال والآن حان دورنا لمساعدة الآخرين به ، صحيح أنه لا يمكن شراء السعادة أو الصحة بالمال ، لكنه إذا إستخدم في الطريق القويم ، فقد يساعد الناس على التخلص من المرض والتعاسة بطريقة أسرع ".

أمل بيضون 10-01-12 10:38 PM

لم تنفع محاولات دانيال المتتالية في إدارة محرك سيارته بسبب عطل مفاجىء طرأ على مضخة الوقود ، إضطر الجميع للإنتقال الى سيارة ريك ، الذي تولى نقل كرسي شارلي النقال الى صندوق سيارته ، بينما ساعد الدكتور سيمونز ودانيال شارلي على الجلوس في المقعد الأمامي .
كانت السيارة واسعة ، مما سمح لسوزان في الجلوس الى جانب زوجها ، بينما شغل دانيال والفتاتان المقعد الخلفي.
قاد ريك السيارة بهدوء وحذر نظرا للمنعطفات الخطرة التي تتخلل الطريق الساحلي ، الذي يربط الشاطىء بمدرسة ايلين ديوك ، لدى وصولهم الى أحد هذه المنعطفات ، ظهرت امامهم فجأة سيارة قادمة في الطريق المعاكس بسرعتها الفائقة واضوائها الباهرة ، كانت تسير في منتصف الطريق ، فحاول سائقها تفادي الإصطدام بسيارة ريك بأن إنحرف بقوة الى اليسار ، فإرتطم بالحاجز الخشبي المنصوب الى جانب الطريق فحطمه ، وتدحرجت السيارة بمن فيها الى الشاطىء على علو عشرة امتار ، إرتطم مقدمها بصخرة ، ثم إنقلبت على نفسها عدة مرات قبل أن تستقر على الرمال بين الصخور.
تمكن ريك من إيقاف السيارة بعد ان كاد يرتطم بسفح الجبل وترجل الجميع ، ما عدا شارلي القابع تحت المقود من جراء الحادث ، وهرولو مسرعين يجتازون الطريق بإتجاه الشاطىء.
كان المكان مليئا بالصخور التي بفضلها لم تستقر السيارة على سقفها تماما ، أحد الذين كانوا فيها ممدد خارجها ينزف من رجله المهشمة ، إنحنى دانيال ناحية النافذة المحطمة ، يطفىء محرك السيارة ثم إستدار نحو الجريح يتفحصه على ضوء مصباح جلبه ريك معه.
إلتفت الى كليو يعطيها التعليمات ، فجأة سمع جلبة خفيفة تحت السيارة وصوت رجل يئن ، هرع الى مصدر الصوت هاتفا :
" يوجد رجل آخر هنا وهو ما زال حيا ، يبدو أنه سقط من السيارة أثناء إنقلابها ثم إستقرت على جسمه .
تناولت كليو حقيبة الإسعافات الأولية ، وباشرت الإهتمام بالجريح بمساعدة سوزان ، دنا ريك من السيارة يتفحصها ثم علّق :
" أعتقد أنه يمكننا رفعها ".
نهره دانيال :
" لا تتحامق يا ريك ".
" سأحاول ".
" كوني طبيبا ، فهذا يمنعني من السماح لك بالمحاولة ، إن كنت مصرا على لعب دور البطل فانا لن أساعدك ، هلاّ جلبت لي حقيبتي الطبية التي نسيتها في صندوق سيارتي ، اسرع ارجوك ، منزل الدكتور سيمونز لا يبعد كثيرا من هنا ، ومن الأفضل أن تطلب سيارة إسعاف فور وصولك الى منزله ، عوضا عن هدر الوقت في قرع أبواب المنازل المجاورة ، فقد تكون غير مأهولة او لا هاتف فيها ، تردد ريك ثوان طويلة فصاح دانيال بملء فمه :
" بريك يا ريك ماذا تنتظر لتنطلق؟".
ناوله ريك المصباح ، وراح يعدو نحو سيارته لا يلوي على شيء ، بينما أجال دانيال طرفه في الشاطىء الرملي المنبسط امامه وكأنه يبحث عن شيء ، شاهد خشبة كبيرة طافية على وجه الماء ، ثم قذفتها موجة قوية الى الشاطىء ، فإلتقطها ووضعها تحت السيارة قريبا من إحدى الصخور مخاطبا ليندا :
" ليندا ، توجهي الى الطريق العام وحاولي إيقاف سيارة مارة ، أخبريهم أنني بحاجة الى مساعدة والى رجال أشداء.
لحسن حظها ، صادف وصولها الى الطريق مرور سيارة ركابها من الشبان المفتولي العضلات ما لبثوا أن هرعوا الى مكان الحادث ملبين نداء ليندا ، تعاون الجميع على رفع السيارة ، وتحرير الجريح من ثقلها.
اغمضت ليندا عينيها وهي تمسك بالمصباح ، ليتسنى لدانيال وكليو تضميد جروح الرجل بعد سحبه ، أحست أنها ستتقيأ لكن ريك لم يتأخر في العودة مع الحقيبة ، فأمسكها من ذراعها مبعدا إياها عن مكان الحادث .
في صباح اليوم التالي بدا كل شيء كالحلم ، أحست ليندا وكانها قد تخلصت من كابوس مزعج رافق نومها طوال الليل .
إرتدت ثيابها بسرعة وصففت شعرها بعناية ثم غادرت شقتها لتلتقي دانيال في طريقه الى مكتبه ، سالته من غير مقدمات :
" لماذا منعت ريك من محاولة رفع السيارة البارحة؟".
" لأن هذا عمل يعجز عن القيام به عدة رجال ".
" هل تناسيت وجود ثلاث نسوة يتمتعن بصحة جيدة ، معكما ؟ لا أخالك إعتبرتهن قادرات على المساعدة ".
" لا ، لكنهن لا يتمتعن بقوة الرجال...".
" إذن لماذا لم ترسلني أنا لجلب حقيبتك وتركت ريك يعاونك في رفع السيارة؟ كنتم تحمونه ، أليس كذلك ؟".
" حسنا ... تعرض ريك لأصابة في ظهره مرة ، ولم ارد المجازفة ".
" من المفروض ان يكون قد شفي تماما من الإصابة ".
" هل هذا ما ... ( قطع عبارته ثم أردف ) إنها تسبب له إزعاجا بين الحين والآخر .... هذه مشكلة الإصابات القديمة ، نصحته بإستعمال بعض الأدوية الإضافية ،وهذا يجعله أحد مرضاي ، آسف يا ليندا ، لا يمكنني مناقشة البقية معك ".
" حسنا ، لنفترض وجود حالة شبيهة بحالة شارلي ، أصيب بشظايا عديدة في ظهره تسببت بحرمانه من إستعمال رجليه لاحقا ، هل يمكن لهذا أن يحدث لأنسان ، اصيب بحادث حريق ترك أجزاء معدنية حول عموده الفقري ؟".
" ليندا...".
أعادت السؤال بعنف :
" هل يمكن ان يحدث ذلك ؟".
" أجل ، في حالة الإفتراض هذه ، أي إجهاد أو ضغط قد يكون خطيرا جدا على المصاب ".
صاحت ليندا بحدة تغلب عليها اللوعة :
" المجنون ! كدت اقتله ! بل اريد خنقه بيديّ الإثنتين ! " وراحت تعدو كالمجنونة بإتجاه مرآب السيارات.

أمل بيضون 10-01-12 11:23 PM

13- لن اعود الى شقائي


لاحظت ليندا عند وصولها أمام منزل الدكتور سيمونز أن سيارة الأخير لم تكن هناك ، فتح لها ريك الباب ، قميصه نصف مفتوح ، فدخلت من غير إستئذان وإتجهت مباشرة الى قاعة الإستقبال ، ثم إستدارت تواجهه بعينين تقدحان بشرر الإنتقام ، وصاحت به :
" ماذا فعلت ؟ كيف تجاسرت ؟".
نظر اليها ريك بإستغراب ودهشة، للمرة الأولى يراها بهذه الحالة، سالها بتعجب :
" بماذا أنا متهم الآن ؟".
" ليس الآن ، بل منذ ثماني سنوات ، كذبت عليّ ، وخدعتني حين طردتني من حياتك ، وإتهمتني بأنني لا أصلح لأن أكون زوجة لرجل قد يصبح عاجزا ، ألا تذكر يوم نعتني بالفتاة اللعوب التي تفضل نهايات سعيدة لعلاقاتها؟".
همس بحنق :
" دانيال ( وأضاف ) ساقتله".
" كلا ، بل مجرد حدس ، ولا علاقة لدانيال بالأمر سوى أنني جعلته يؤكد لي حدسي ، أصحيح ان حالتك قد تسوء في المستقبل ؟ هل يعلم ريان بذلك ؟".
أجاب ريك بحدة :
" كلا ، أطلعوني على الحقيقة بعد فترة من إجراء العملية الجراحية ، منعتهم من إطلاع احد على الأمر ، املي لا يتعدى الخمسين في المئة ، وإذا حدث ما ليس في الحسبان ستجرى لي عملية اخرى ولن يكون لي عندها ما أخسره".
" لكن لماذا ، لماذا فعلت هذا بنفسك ، كنت تملك الأمل ومع ذلك لم تقبل بإجراء العملية ، اهدرت ثماني سنوات من حياتك وحياتي ، وما زلت على إستعداد لتمضي قدما في إضاعة ما بقي لنا من الحياة ، اما فكرت يوما بان لي الحق في المشاركة بتقرير مستقبلي ؟".
لم يحرك ساكنا ، عيناه متقلصتان ونظراته حائرة :
" أعتقد انك تستبقين الأمور بعض الشيء ، أعيد تذكيرك انني لم اعترف لك بحبي أبدا ".
أجابت ليندا بسرعة :
" كما انك لم تقل العكس ايضا ".
وقفت في وسط الغرفة شاخصة اليه ، تنتظر كلمة منه تعيد الى قلبها الحياة والى مستقبلها الوضوح ، أحسن بثقل الصمت الرهيب المخيّم على القاعة يطبق على انفاسها ويكاد يخنقها .
إستدار ريك ناحية الخزانة الصغيرة وتناول أنبوبة صغيرة ، اخذ حبة صغيرة منها وإبتلعها ، إلتفت بعدها الى ليندا مخاطبا :
" لقد ضقت ذرعا بالاعيبك العاطفية يا ليندا وتخليت عنها منذ ثماني سنوات ، تصورتك نجحت في التخلص منها أيضا ".
اعاد ريك انبوبة الدواء الى مكانها وإتكا بمرفقيه على الخزانة ، فلم تدر ليندا حقيقة شعوره ، اهو غضب أم ندم ، أم شيء آخر ".
" اليس الوقت باكرا على تناول الدواء؟".
إستدار يواجهها وعيناه مسمرتان في عينيها :
" إنه شيء يقتل الضجر ".
أجابت بثقة تامة :
" انا لا اسبب لك الضجر ، كما أنني لم أسببه لك من قبل ، اعتقد ان سبب تناولك الدواء هو حاجتك الماسة الان الى القليل من الشجاعة ، يمكنك مصارحتي وجها لوجه بأنك لم تحبني ".
"هل تتركينني وشأني إذا صارحتك ".
" أجل ، سادعك وشأنك ولن ازعجك بعد الان ، سأخرجك من حياتي نهائيا من غير وداع ، سيحيا كل منا حياته ولن نلتقي مجددا ، وإذا تحولت الى مدرّسة عجوز أو إذا تلقيت عرضا للزواج من رجل يحبني ، فلن يكون لك شأن في ذلك ، قل لي انك لا تحبني يا ريك ( وإقتربت منه ببطء وهمست ) أنظر اليّ وقل جملتك وسأمشي ".
اخذها بين ذراعيه صائحا :
" لا ! لن يتكرر الأمر ( ودفن وجهه في خصلات شعرها ) لقد تحملت ما يكفي من العذاب والألم ، ولن أعود الى شقائي مرة أخرى ".
إستسلمت ليندا لدموع ساخنة ترقرقت على وجنتيها وهمست بحنان :
" لست مجبرا على ذلك يا حبيبي ".
" احبك ! ".
ربتت على كتفيه قائلة بنبرة ناعمة ، وكانها تواسي طفلا بحاجة الى سلوى :
" أعلم ذلك ، لم أشك لحظة في ذلك بالرغم مما جرى ".
" حاولت جاهدا ان أثبت لك العكس ".
" اعرف ، آسفة لأنني جعلتك تقسو على نفسك ".
" أتعتذرين مني ؟ كم أنت رقيقة ! ".
بدا وكأنه نادم على ما فعل ، فعاتبته :
" شعورك بالذنب ناتج عن تصرفك بغباوة طوال هذه السنين ".
طوّقها بذراعيه وجذبها برقة نحو الأريكة ".
" تبدين متشوقة كثيرا لصفعي ".
" اخبرت دانيال أنني مستعدة لخنقك بيديّ ".
أجابها محذرا :
" ما عليك إلا أن تحاولي".
لم تضطر ليندا لأن تحاول فقد عانقها بحنان ، تبخّر ما تبقّى من كلام بينهما وكانت تستسلم بملء إرادتها الى فرح غامر لم تحسّه منذ سنوات .
فجاة ابعدها عنه صائحا :
" هذا لا يغيّر شيئا ، لن أدعك ترتبطين بإنسان معرّض لأن يصير كسيحا يوما من الأيام ".
لم تصدق ليندا أذنيها ، ما أن بدات تقطف ثمار صبرها وتستمتع بأولى هنيهات إنتصارها ، حتى إنهار كل شيء من جديد وها هو ريك فريسة لشكوكه من جديد.

أمل بيضون 11-01-12 01:43 PM

هتفت بصوت حاد مهتز النبرات :
" لا ادري لماذا استمر بالتكلم اليك ؟ مشكلتك انك قررت ان تكون كسيحا منذ ثماني سنوات حتى بت كالكسيح بعد أن تصرفت كذلك من يوم إتخاذك قرارك المشؤوم ".
" قراري ؟ ما هذا الهراء ، أي قرار هذا ؟ لم يكن لي الخيار ".
" بل كان هناك خيار آخر ، كان شارلي أمام خيارين عند إكتشافه أنه كسيح ، اما أن يستسلم لقدره ، أوان يكون رجلا ويتصرف وكان عاهته شيء عارض ، فقرر ان يكون رجلا ، لكن انت .... ( واضافت بإزدراء ) ما أن علمت بإمكانية إصابتك بالشلل ، حتى فقدت حماسك للحياة ، وبدأت تتصرف وكأنك حقا كسيح.
" إنني احيا حياة طبيعية جدا ...".
" حقا ! معظم الرجال في سنك متزوجون وأرباب عائلات ( وحدجته بنظرة تحد ) وأنت متى قررت أن تتزوج ؟".
أجاب بعد فترة صمت قصيرة :
" الأمر يتعلق بما إذا كانت معلمة المدرسة تريد حقا أن تمضي حياتها في تعنيفني و معاتبتي ، وإتهامي بالغباوة و ...".
لم تدعه يكمل كلامه ، بل طوقته بذراعيها قائلة:
" ولن تنسى ابدا ان تحبك بقوة وصدق ، قل لي يا ريك هل انا حقا متسلطة وقاسية ؟".
" أبدا ، لكنك تبالغين في لعب دور المعلمة، لا ادري كيف تغاضيت عن زجرك إياي عند تناولي حبة الدواء ".
" هل اردت أن تضربني ؟".
" يا لك من حمقاء فاتنة ! ".
وهمس في اذنها :
" انت ايضا لم تعترفي لي بحبك ".
" لم اتمكن من ذلك ، لأنك لم ترد أن تستمع اليّ ، لكنك كنت تعلم ... ( فجأة تخلصت من طوق ذراعيه وتراجعت تنظر اليه ) كنت تعلم ، أليس كذلك ؟".
" أجل كنت اعلم ،ليتك تدرين كم إشتقت وتمنيت سماع كلمات الحب من شفتيك يا حبيبتي ".
" لم تسال كي أجيبك الى طلبك ".
" لم أقدر على طلب ذلك ، حمدت الله على انني لم اخبرك حقيقة شعوري عندما كنا في فرنسا ".
رمقته ليندا رافعة حاجبيها بذهول تسأله :
" كنت تعلم يومها؟".
" بل من أول لحظة ، علمت عندها أنني أريد الزواج منك ، لكنك كنت فتية جدا ، عديمة الخبرة ، وتقضين إجازتك ، بالرغم من رغبتي الجارفة بمصارحتك بما يخالجني فقد عزفت عن ذلك لأنني لن اكون عادلا لو فعلت ، كان من شأن إعترافي أن يقيدك ( واردف ) كوني على ثقة ان عزوفي ما كان ليطول لولا الحادث اللعين ".
صاحت من غير ان تعي ما تقول :
" ايها الأحمق ، وتتهمني أنا بنكران الذات والتضحية ، أعلم أنك لم تردني يومها ان أرحل ، والسوار الذي قدمته لي لم اضعه أبدا ".
" ساشتري لك سوارا ذهبيا يتناسب معه ... هدية عرس ، وأنت تقدمين لي تلك اللوحة المعلقة في شقتك ".
" لماذا هذه اللوحة ؟".
" لأن فيها بريقا ذهبيا يشع أملا وحنانا مما يذكرني بك ".
سمعا جلبة سيارة تتوقف امام المنزل ، فإلتفت ريك الى النافذة ثم قال :
" إنه الدكتور سيمونز برفقة دانيال".
" هل ذهب ليأتي دانيال ؟ صحيح ، فسيارة دانيال ما زالت هنا ، اليس كذلك ؟ ولا بد أنني تجاوزت سيارة الدكتور سيمونز في طريقي الى هنا ( وأردفت ) سنطلعهما على سرنا الجميل فور دخولهما ، اليس كذلك؟".
" أنخبرهما أنك عرضت عليّ الزواج وقد قبلت ؟ ( ثم نظر اليها ضاحكا ) ظننتك نسيت كيف يكون الخجل !".
ضحكت بدورها صائحة :
" يا لك من خسيس ! لم انس ( وأردفت بصدق ) للحقيقة إعتدت مواجهة بعض الناس من غير خجل ".
كان الدكتور سيمونز ودانيال قد دخلا محاولين إخفاء سرورهما بنجاح خطتهما التي إتفقا وريك على تنفيذها .
همس ريك في أذنها :
" لا باس ، سنكتفي بإخبارهما أننا سنتزوج الان ؟".
أجابت ليندا بجدية :
" اجل الان ، أنت الان امام شاهدين وسيكون تعهدك قطعيا لا مجال للرجوع عنه، وبالتالي لا يعود بإمكانك مخادعتي مرة أخرى ".
" أعدك بأنني لن اتخلى عنك بعد اليوم ، منذ هذه اللحظة أصبحنا جزءا لا يتجزأ وعاصفة حب لا تهدأ
".


تمت

ســـارهـ 11-01-12 08:23 PM

يعطيك الف عافيه

خفايا الشوق 14-01-12 05:48 AM

شـكــ ـــرا لك ... .

lola @ 14-01-12 09:12 PM

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

ندى تدى 16-01-12 05:57 PM

جميله جدا جدا جدا

دموع الكلام 19-01-12 02:10 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

حكآية جنون 19-01-12 03:46 AM

روايهــ مشووقهـ


يسلموو ع الكتابه ,,

shimaa1 23-01-12 10:36 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

rose16 07-05-12 12:31 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

sara00 19-05-12 07:46 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

engi 01-09-12 12:07 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

اميرة الأحلام 14-04-13 12:35 AM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

شموخ ملكه 14-04-13 04:12 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمل بيضون (المشاركة 5949039)
150 - خيط الذهب - دافني كلير- روايات عبير القديمة
الملخص


لكى تتغير حياة بأكملها , يكفى شئ بسيط كاللقاء بالصدفة على شاطئ البحر ذات نهار , أى نهار. رجل أشعل حياتها كالفتيلة , ووهبته ليندا لورانس حبها دون أن تبخل بشئ. ولكن حادثا طارئا قطع الطريق على أحلامها ووجدت نفسها تحب من جانب واحد. أرادها ريك أن تخرج من حياته , وفعلت. هربت إلى الجهة الأخرى من العالم .... إلى نيوزيلندا حيث يمكن للمسافات الشاسعة أن تبتلع العواطف الكبيرة بسهولة.
وجدت ما تنشده من نسيان , ونجحت أخيرا فى تحويل الماضى إلى فراشة من غبار فى كتاب ذكرياتها. حتى ظهر ريك أمامها ذات يوم. هل يبدأ كل شئ ثانية؟ هل تدخل نفس الحلقة المفرغة؟ قلبها متعطش للحب. وعيناها تريان خيط الذهب. ولكن عقلها يرهب المحاولة من جديد......

لك مني أجمل تحية .

قتيبة الشيخ 18-07-13 10:09 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

شموخ ملكه 22-07-13 07:29 AM

... لك مني أجمل تحية .

liana66 28-01-14 06:54 AM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

asila 28-01-14 11:58 AM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . كيف حالك إن شاء الله دائما بخير ؟

.. شوشو الدلوعة .. 29-01-14 09:19 PM

تسلميز على الروايه كتير

امل حبي 18-05-14 05:35 AM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

شيرين يحيى 04-06-14 09:39 AM

شكراااااااااااااااااااااا اااا

reryy 10-06-14 05:21 PM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

نضال 12345 27-08-14 06:44 PM

تعيشون رحمه الولديكم

نضال 12345 27-08-14 06:46 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

khawlakhalil 01-11-14 12:43 AM

الظاهر القصةحلوة اتمنى يفتح اللينك

راما ال عايش 01-11-14 02:51 AM

ررررررررررررررررروعه


الساعة الآن 05:46 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.