شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.rewity.com/forum/f202/)
-   -   150 - خيط الذهب - دافني كلير - روايات عبير القديمة(كامله) (https://www.rewity.com/forum/t183629.html)

أمل بيضون 19-11-11 07:17 PM

150 - خيط الذهب - دافني كلير - روايات عبير القديمة(كامله)
 
150 - خيط الذهب - دافني كلير- روايات عبير القديمة
الملخص


لكى تتغير حياة بأكملها , يكفى شئ بسيط كاللقاء بالصدفة على شاطئ البحر ذات نهار , أى نهار. رجل أشعل حياتها كالفتيلة , ووهبته ليندا لورانس حبها دون أن تبخل بشئ. ولكن حادثا طارئا قطع الطريق على أحلامها ووجدت نفسها تحب من جانب واحد. أرادها ريك أن تخرج من حياته , وفعلت. هربت إلى الجهة الأخرى من العالم .... إلى نيوزيلندا حيث يمكن للمسافات الشاسعة أن تبتلع العواطف الكبيرة بسهولة.
وجدت ما تنشده من نسيان , ونجحت أخيرا فى تحويل الماضى إلى فراشة من غبار فى كتاب ذكرياتها. حتى ظهر ريك أمامها ذات يوم. هل يبدأ كل شئ ثانية؟ هل تدخل نفس الحلقة المفرغة؟ قلبها متعطش للحب. وعيناها تريان خيط الذهب. ولكن عقلها يرهب المحاولة من جديد......




يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

كن فيكون 09-12-11 12:04 PM

الله يعطيك الف عافيه
على الابداع المتواصل
من العطاء والتجدد في الاختيار
والتشويق والاثاره

anvas 10-12-11 11:14 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يااسلآم ياا امول ملخص مشووق جدا
ويبعث على التشوويق
تسلمين الغلآ
ويعطيك الف عاافيه
تستاهلي كل التقيم والشكر
‏=)

naddou 10-12-11 02:40 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كيف حالك إن شاء الله دائما بخير ؟ موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

مطرفيه 13-12-11 11:02 PM

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
روايه حللللوه

anvas 21-12-11 10:11 PM

عمري اموول
نتتظر الفصل الاول :30-1-rewity:



anvas 21-12-11 10:17 PM

عمري اموول
نتتظر الفصل الاول :30-1-rewity:



أمل بيضون 22-12-11 11:23 PM


1-شاطىء الأمس

إعتادت ليندا لورانس اللجوء الى أحضان الطبيعة كلما ضاقت بها الدنيا وإسود أفق حياتها وشعرت أنها بحاجة ماسة لأن تكون وحدها ن بعيدة عن اعباء العمل.
واليوم إختارت شاطىء مضيق التايمز تفترش رماله مرتدية ثوب الإستحمام ، تمتع الطرف بمنظر البحر بصفحته الفضية التي تعكس غيوما رمادية اللون تملأ الأديم وبالإسترسال في الإستلقاء والإستمتاع بحمام الشمس.
وتوجهت ليندا مضطرة الى سيارتها لتبدل ملابسها وتعود ادراجها الى مسكنها الموحش ، متمنية لو لم يكن هذا اليوم يوم عطلة ، ففي الأيام الأخرى تكون منهمكة في العمل في مدرسة إيلين ديوك حيث تتولى الإعتناء بالأطفال المعاقين ، فهذا النوع من العمل المضني يتطلب الكثير من الجهد والتركيز مما ينسيها بعضا من ذكرياتها الموجعة ، البارحة أمضت يومها في تحضير الدروس حتى أنهت ما ستلقّنه للأطفال في الأسبوع المقبل ، لتجد نفسها صباح الأحد وحيدة بلا رفيق ، فالمدرسة التي تساعدها في عملها تقيم مع أهلها في مدينة تايمز وتقضي أوقات فراغها مع صديقها الشاب.
أما الممرضات فكعادتهن ، لا يتغيّبن عن المدرسة ، بل يلتزمن الدوام كاملا حتى في أيام العطلة ، لكن الممرضتين بيغي واتسون وكليو برانت لم تجدا دقيقة فراغ لتؤنسا وحدة ليندا ، وعلى كل حال ، فهي لا تعتبر نفسها رفيقة مسلية لهما.
لماذا إختارت المجيء الى عالم يحرك دفائن اعماق نفسها ؟ هل هي الذكرى التي تدفعها لا شعوريا الى هنا ، أم أنها قصدت القدوم لتمتحن قوة إرادتها على النسيان ؟ في كل الحالات ومهما تعددت أسباب مجيئها ، تمنت لو لم تأت ، فصور الماضي تتراكض في مخيلتها ، تنسيها حاضرها ، وتنتقل الى زمن ولى ، وحكاية كتبت سطورها على الرمال الذهبية بحبر قلبها وعينيها ، حكاية حب كانت شرارتها الأولى يوم إلتقت ريك برنيت على أحد الشواطىء الفرنسية.
يومها لفت إنتباهها ، ولا شعوريا أخذت تراقبه مأخوذة بوسامته وقالت في نفسها أنه مثال الشاب الفرنسي الجذاب ، كان ممشوق القامة ، اسمر ، أشعث الشعر وغي عينيه نظرات صبيانية.
تلفت الشاب حوله ينظر الى رواد الشاطىء المنتشرين في كل مكان ، ثم إتجه نحو الماء ، راميا منشفته قرب فتاة جميلة مستلقية تحت الشمس ، وتأكد لليندا أنه أصاب هدفه ، فالحسناء رفعت راسها عندما ألقى منشفته وراحت تراقبه بعين فضولية وهو يسبح.
تمدد الشاب بجانب حسنائه وهو يبتسم لها إبتسامة ذات مغزى ، فتذكرت ليندا عند رؤيتها تصرف الشاب نصائح عائلتها وتحذير أخوتها لها من تصرفات شباب اليوم.
أخوتها الثلاثة تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والثالثة والعشرين ، وأختها الأخرى في مثل سنها تقارب التاسعة عشر ، صغيرهم تدعوه ليندا طوني الصغير ساخرة من طول قامته ، ويليه روبن ثم تأتي اليسون الفتاة الأخرى ، وبيتر وهما توأمان.
كان لأليسون تأثير كبير على ليندا بحكم الخبرة التي إكتسبتها من خلال علاقتها مع أحد الشبان ، كما كانت ليندا موضع إهتمام أخويها روبن وبيتر ، اللذين دأبا على تحذيرها من الأساليب المختلفة وغير اللائقة التي يتوسلها بعض الشباب.
وليندا بدورها لم تكن غريبة عن هذه الأجواء ، فقد مر في حياتها شبان كثيرون ، لكن ، عندما تصل الأمور الى أبعد من ذلك ، كانت لديها طريقتها الخاصة لإفهام الطرف الآخر بإيقاف العلاقة عند حدود الصداقة ، حفاظا على سعادة الطرفين ، فتنتهي العلاقة بخيبة أمل لدى الشبان ، فيسعون الى فريسة اسهل منالا ، أما هي فلم تشعر أبدا أنها بحاجة الى حماية احد ، بعض الرجال يقدر الصداقة ، ويعجب بتصرفاتها الجدية ، وحديثها اللبق أحيانا ، والصارم والعنيف الى درجة التوبيخ أحيانا أخرى.
بدا لها الشاب من النوع الذي طالما حذرتها منه عائلتها ، ولكن أخوتها أكتفوا بالتحذير من غير أن يأتوا على ذكر ماذا تفعل لو صادفت احدهم.
وصل الى مسمعها صدى ضحكة أطلقتها الحسناء ، وهي ترجع راسها الى الوراء ، وفجأة ساد الجليسين صمت وإرتباك ، فقد قطعت الحسناء ضحكتها لتنهض على قدميها محدّقة في وجه عملاق أشقر وقف أمامها.
لم تسمع ليندا ما دار من حديث ، لكنها رأت الحسناء تشير بيدها الى الشاب المذهول الذي مد يده مصافحا الزائر المفاجىء ، تردد العملاق هنيهات طويلة قبل أن يمد يده هو الاخر ، متمتما بعض العبارات.
لم تتمالك ليندا نفسها عن الضحك ، فقد كان مشهد الشاب ، بإرتباكه وحرجه أمام عملاق يفوقه طولا بعدة سنتيمترات ، مضحكا للغاية.
جلس الزائر الأشقر بقرب حسنائه ، وأحاط خاصرتها بيده ، وتجاهلا وجود الشاب معهما ، فما كان منه إلا أن تناول منشفته محييا وإنصرف يبحث عن مكان يلتقط فيه أنفاسه ويخفف من تصبب عرقه ، فإلتقت عيناه عيني ليندا ، ورآها وهي تضحك على النهاية المأساوية التي آلت اليها محادثته ، متظاهرة بالتفرج على ولدين يتجاذبين دلوا صغيرا لتعبئة الرمل ، راجية أن لا يكون قد لاحظ سخريتها منه ، لكنها إكتشفت أن الشاب متجه نحوها ، فحاولت إقناع نفسها أنه مار بقربها فحسب ، لكنه توقف امامها بسحنته السمراء وشعره الأسود الفاحم ، ثم حياها باللغة الفرنسية.
" آسفة يا سيد ، فأنا لا اتكلم الفرنسية".
فرد بلغة إنكليزية متقنة:
" حسنا ، سنتكلم الإنكليزية إذن".
وبدهشة إستدارت نحوه قائلة:
" أنت إنكليزي؟".
فأجاب الشاب بكل هدوء:
" أجل وما العجب في ذلك فالمكان يعج بالسياح كما تعلمين ، وأظن أن الأجانب يفوقون الفرنسيين عددا على هذا الشاطىء".
وأشار بيده الى حيث يجلس العملاق الأشقر وحسناؤه مردفا:
" كصديقنا الإسكندينافي هناك ( وعلّق بفرح ) أليس كذلك؟".
ثم فرش منشفته المبللة ، ومن غير إستئذان جلس قرب ليندا وسألها:
" بما انك كنت تتفرجين ، فهل ألام على إنسحابي؟".
لم تجب ليندا بل إكتفت بإبتسامة تهكم ، وأكمل الشاب بلهجة أكثر لطفا ونعومة:
" لا بأس ، بإمكانك ان تضحكي ، أعتقد أن المنظر بدا مضحكا من هنا".
فضحكت وإستلقت على ظهرها متجاهلة إياه ، ولم تعجبه ضحكتها ، فتجهم وجهه وإتكأ على مرفقه بقربها وسألها بغم:
" هل كان المنظر مضحكا لهذه الدرجة؟".
فأفتر فمها عن إبتسامة ناعمة وقالت:
" ظننتك فرنسيا وأعجبت بأسلوبك".
ولمعت عيناه ببريق أحسته ليندا سهما يخترقها ، وتنبهت لحظة فإبتعدت عنه قائلة:
" لا أخالك تحاول معي ، فأنا مجرد متفرجة".
فرد بسخرية:
" ألديك إسم ينادونك به؟".
" طبعا ، ولكن ليس من عادتي أن أعطيه لرجل غريب".
" أنت حقا محترسة ، لكن ما الضرر من الإفصاح عن الإسم ، أنا أدعى ريك برنيت".

أمل بيضون 23-12-11 12:21 AM

وسكتت ليندا لورنس برهة ثم أجابت بثبات:
" أدعى ليندا لورنس".
" إنه إسم جميل".
" ماذا تقصد؟".
" لا تتظاهري بالبراءة ، ما سبب نظرتك الي هكذا ؟".
" أعتقد أنها الرد المناسب على أسلوبك الواضح ".
فإزداد وجه الشاب إمتقاعا ، وبذلت ليندا جهدا كبيرا لتمنع نفسها عن الضحك ، لأنها تعلم انه هذه المرة لن يكون لطيفا معها.
فإستدركت الأمر قائلة بلطف:
" أتعلم ، إنك شاب وسيم وبغنى عن هكذا أساليب في تحدثك الى الفتيات ".
أصيب ريك بدهشة أنفرجت أسارير وجهه على اثرها وضحك طويلا ، فشعرت ليندا أنها تصرفت بغباوة.
وهمّت بالنهوض تجمع حاجياتها ، حين سألها:
" الى أين أنت ذاهبة؟".
" إنني عائدة الى الفندق".
" دعيني اوصلك ، لن تستغرق عملية تبديل ثيابي أكثر من دقيقتين ".
" لا شكرا ، لقد سررت بالتحدث اليك يا سيد برنيت ، أما الآن فعلي أن أذهب".
" مهلا ، هل تقبلين دعوتي الى العشاء الليلة؟".
لم تجد ليندا افضل من الكذب وسيلة للتخلص من دعوته.
" إنني مرتبطة بموعد هذه الليلة ".
" ما رأيك بمساء غد ؟".
" لا أعتقد أن ذلك ممكن".
" إسمعي ، أنا من الذين يحترمون مدعويهم".
" لا شك في ذلك ، لكن....".
" لكنني لا اثير إعجابك ".
وإزداد محياه عبوسا ، فردت ليندا بإحراج :
" كن أكيدا انك تعجبني ، أعني كيف أعلم ذلك ولم يمض على لقائنا أكثر من ساعة؟".
" وكيف ستعلمين إن لم نتقابل ثانية ؟ فإلى مساء غد إذن ، إتفقنا".
وبدا وكانه يرجوها ، فلم يكن بد من الموافقة.
عند عودتها الى الفندق ، راحت ليندا تؤنب نفسها على تماديها مع ذلك الشاب ، تهيات ليندا باكرا للموعد ، فإختارت أجمل ثوب لديها ، فستان أزرق تحتفظ به للمناسبات الخاصة ، زادها اناقة وفتنة ، فلم يسع ريك عند لقائهما أمام الفندق ، إلا أن يعلق قائلا:
" تبدين جذابة جدا".
لكنها لم تزل تحت تأثير فكرة كونها خياره الثاني ، فردت تشكره ببرودة وصورة تلك الحسناء على الشاطىء ما زالت ماثلة أمام عينيها.
وزادها ريبة نظرات بعض الفتيات الى ريك عند دخولهم الى المطعم .
قطع ريك حبل الصمت سائلا:
" ما الأمر يا ليندا؟".
" لا شيء ، شكرا على هذه الوجبة اللذيذة ، لقد إستمتعت بها كثيرا ".
" لكنك لا تتمتعين برفقتي ، أليس كذلك؟".
" ما الذي يجعلك تظن ذلك ؟ إنني أمضي وقتا رائعا".
" رائعا ! يا لك من فتاة مهذبة ".
" ويا لك من شاب وقح ! فانا أجهل كل شيء عنك ، ومع ذلك أحس نفسي مجبرة على مخاطبتك بتهذيب".
" أعتذر ، فجل ما أريده هو أن تمضي وقتا ممتعا برفقتي ، لكنني المس العكس تماما".
" بل أنا الآسفة ، وأظن أن اللواتي يخرجن معك يقدرن صحبتك أكثر مني".
سكت كلاهما ، ولاحظت ليندا سخطه البادي في إتساع حدقتيه ، وعلى فمه المشدود ، فتسارعت خفقات قلبها حتى كاد يمزق صدرها ، إعتذرت منه مجددا ولكن هذه المرة بإخلاص ومن غير تصنع قائلة:
" تفوهت بوقاحة لا تغتفر ".
ومضت دقائق قبل ان يعلق ريك على كلامها ، ثم إنفرجت اساريره ولمس بيده الدافئة يدها متسائلا بتعجب:
" لا تغتفر ، ما هذا الذي تقولين؟".
وأتبع عبارته بضحكة وهو يلاحظ تورد وجنتيها خجلا ، ثم خاطبها بجدية تعكس صدق مشاعره:
" لا اريدك أن تشبهي نفسك باللواتي اخرج معهن ، فأنت تختلفين عنهن كثيرا ، وأنا قصدت الشاطىء البارحة بمفردي للسباحة لا لشيء آخر ، ولكن صدف ان إلتقيت تلك الحسناء ، فإرتايت التعرف اليها لتكون دليلي في بلاد أجهلها ، وكما تعلمين لم يرق الأمر لصاحبنا العملاق ، وفشل مخططي ، لكن صدقيني ، أنا مسرور جدا لأنني عدت وإلتقيتك".
نظرت ليندا في عينيه تمتحن صدقه مبتسمة ثم سألته:
" ألم يخب املك للقائك فتاة غير فرنسية؟".
" أنا سعيد لأنني وجدتك انت بالذات ، وقد رأيتك على الشاطىء تضحكين على ما يجري ، وددت لو تتوطد صداقتنا".
كبتت ليندا مشاعرها متجاهلة نداء قلبها ، ولم تنبس ببنت شفة ، فهي لو ارادت ان تكون صادقة مع ذاتها ، لبادلته العاطفة نفسها.
ومضت الأيام لتزيد علاقة ليندا وريك وثوقا ، أمضيا معظم العطلة معا ، يسبحان حينا ، ويتنزهان حينا آخر ، أو يخرجان لتناول العشاء والرقص ، مع صديقتها جاين وصديقها الفرنسي تارة ولوحدهما تارة أخرى ، اخبرته كل شيء ، عن بلدها ، وعن منزلها الكائن في مدينة صناعية صغيرة وعن اخوتها ولم تنس ان تخبره عن والدها المحامي وعن امها التي تعتبرها من افضل ربات البيوت ، لم تترك شيئا إلا وأخبرت ريك عنه ، من غير أن تعرف الشيء الكثير عنه هو ، فقالت بلهجة السؤال:
" لم تخبرني شيئا عن عائلتك".
" توفي والداي وأنا طفل".
" يا لشقائك!".
فرد ريك بهدوء من غير أن يظهر عليه أي تأثر :
" لا تقلقي ، فقد كنت صغيرا حين فقدتهما ولم أشعر باليتم ابدا ، فقد ادخلني عمي الى مدرسة داخلية ، وعمل جاهدا على أن أكون موضع إهتمام بالغ ، وعندما كبرت ارسلني الى مدرسة أخرى جيدة ، كان يعاملني كوالد حقيقي ولم يترك لي المجال لأفتقد والديّ ، رحمهما الله".
وإنعكس إهتمام ليندا شغفا بمعرفة كل شيء فأكملت أسئلتها :
" ما هي مهنتك؟".
" أعمل مع عمي".
" بماذا؟".
" بمهنة تجعلني اطّلع على كل ما يختص بممتلكات الشركة".
" هل تعني محاسبة ومسك دفاتر ؟".
" تقريبا ".
" وهل تحب مهنتك ؟".
"نوعا ما ، فعمي يريدني أن أعمل معه".

" ايعني هذا انه يريدك ان تترأس الشركة من بعده؟"
" اصبت ، فلا وريث له سواي".
" لكن هذا إبتزاز عاطفي".
" لا ابدا ، لأنني لو إخترت مهنة أخرى ، فعمي لن يرفض طلبي ، بل سيقدم لي كل عون متمنيا لي التوفيق ، الآمر يتعلق بي ، أنا لا أرغب بعمل آخر ، ولذلك أفضل إبقاء الأمور على حالها فيكون الجميع سعداء".
" أنا خترت مهنتي منذ حداثتي".
" التعليم؟".
" أجل ، فقد إعتدت في صغري ان أصف الدمى وأمثل دور المعلمة ".
فإبتسم ريك بلطف موافقا.
" أرى ذلك بوضوح ، لاحظت عند لقائنا الأول أنك معلمة".
" كيف لاحظت ذلك؟".
" في عباراتك وتصرفاتك شيء من الحزم المشوب بالنعومة ، أي ما يكفي لبقاء التلاميذ الأشقياء في مقاعدهم".
ردت ليندا بحزم واضح:
" لا تتفوه بسخافات كهذه".
فضحك ريك ضحكة رنانة زادت من حيرتها وقال :
" ارايت ، لا عجب من عدم محاولتي عناقك حتى الان".
فاجأها بقوله ، فلم تتمالك نفسها ، وأدارت وجهها كي لا يلاحظ سرعة تورد وجنتيها خجلا ، فقد سبق وتساءلت مرات عديدة عن عدم محاولته ، وهي تعلم تمام العلم أنه يود ذلك ، فهو ليس من الشبان الذين يصبرون طويلا لنيل مبتغاهم .
تمنت ليندا لو أن بمقدورها إيقاف الزمن ، فالوقت يمضي سريعا ، والأيام تتآكل كالثواني ، والعطلة شارفت نهايتها فماذا سيحل بعلاقتهما؟
سبقته ليندا ترقص امامه ،وهي تدندن آخر ما سمعته من الحان في المطعم وكأن الدنيا ملك يديها ، حبيبها معها وهي مسكونة بأطياف الحب تراقصها في الشارع كطفلة صغيرة ، فجأة إرتطمت بعمود كهرباء ، وبكل وقار إنحنت أمامه معتذرة بالفرنسية:
" عفوك سيدي".
بدا المشهد مضحكا للغاية ، وعلا صوت ريك مقهقها وغمرها ، ومرا تحت إحدى النوافذ فتهادى الى مسامعهما لحن فالس ساحر ، فطوقت ليندا عامودا للكهرباء أمامها وراحت تراقصه ، فما كان من ريك إلا وقف مبتسما ثم ضمها بين ذراعيه قائلا:
" إن كنت تريدين الرقص ، فإرقصي معي وليس مع هذا العمود ".
أدناها من قلبه بذراعه ، وراح يفتلها بيده الأخرى ، وبدت اقدامهما طائرة لرشاقتها ، وتحول الشارع الى حلبة رقص.
جذبها نحوه وتبادلت عيونهما احلى نظرات الحب ، فبادرها ريك بلهفة وحنان:
" حبيبتي هل ساراك غدا؟".
تمتمت ليندا بغبطة عارمة كانها في عالم آخر :
" اجل ".
" ساكون هنا في الصباح الباكر ".
ثم رفع رأسها بأصابعه وتبادلا نظرة مفعمة بالشوق.
" الى اللقاء غدا صباحا".

ام منى 23-12-11 01:49 AM

[SIZE="7"]ا[rainbow]لسلام عليكم ورحمة الله وبركاته [[/rainbow]/SIZE] موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . :Ts_012:

عيش وملح 23-12-11 02:02 AM

gh jugdr gh h[] hg;gl;hj

أمل بيضون 24-12-11 12:36 AM

2- حريق لا يرحم


كانت ليندا تقود سيارتها على مهل بمحاذاة الشاطىء متجهة الى مقر عملها ، وبين الحين والآخر تمسح بعصبية ظاهرةعينيها المغرورقتين بالدموع ، وتحاول جاهدة أن تفكر بشيء آخر ينتشلها من صور الماضي الأليمة، فقد إكتشفت لتوها ، أن لا فائدة من الخوض مجددا في متاهات ذكريات موجعة طوى صفحاتها الزمن ، ثم سلكا طريقا فرعية ، لتتفادى المرور في بلدتها تايمز ولتصل بسرعة أكثر الى عملها.
بالرغم من الأيام الحلوة التي أمضياها معا ، لم يأتيا أبدا على ذكر المستقبل ، كانت خائفة من شيء ما لم تتمكن من تحديده ، تخاف على حبها من الغد خاصة وأنها لا تعلم حتى الساعة حقيقة شعور ريك ، لكن تأجيل موعد سفره دليل كاف لها على أنه يود رؤيتها بإستمرار ، وهذا يعني أن علاقتهما لم تكن مجرد تسلية بل اعمق من ذلك بكثير ، وعادت بها ذاكرتها الى النزهة التي قاما بها الى خليج إكتشفاه صدفة ، فأمضيا نهارا كاملا يفترشان رمال الشاطىء ولشدة فرحها يومها لم تتوان عن عناقه بطريقة لم يعهدها فيها من قبل ، ففقد ريك توازنه يكاد يسقط أرضا ، وضحكت كما لم تضحك من قبل ، لكن ما لبثت أن أصابتها رجفة فإبتعدت عنه ، أفلتها ريك ونهض بتوتر واضح ليجلس بعيدا.
أحست ليندا بدوار فظلت مستلقية فترة قصيرة ، نهضت بعدها وجلست قربه ،واضعة يديها على ركبتيها تريح راسها عليهما ، فغطى الشعر الطويل وجهها ، لم تشعر إلا ويده تلامس راسها ، فأزاح شعرها بأصابعه وقال بلطف:
" أنا آسف يا حبيبتي فقد أخفتك أليس كذلك؟".
" كانت غلطتي ، لم أقصد إغاظتك".
" لم تغيظيني ، فتصرفك عكس حقيقة مشاعرك ، لقد غاب عن بالي انك لست سوى طفلة ".
" لست طفلة ، أنا في التاسعة عشر من عمري".
" حقا؟ وأنا في السادسة والعشرين وكنت على علاقة بفتيات كثيرات ، معظمهن أكثر خبرة منك ".
" آسفة لأنني خيبت أملك".
ووقفت تلملم أغراضها ، فنهض بدوره وجذبها اليه غير آبه بمقاومتها وصرخ بتأوه:
" ليندا لا تذهبي ، اريدك أن تفهمي أنني تمتعت برفقتك أكثر من اية فتاة اخرى".
" لطيف كلامك هذا".
كانت تعلم أنه لا يعني ما يقوله ، فهو يحاول بلطف ان ينسيها كيف جرح شعورها منذ لحظات ، وأمسك ريك بذراعيها وعيناه مسمرتان في عينيها قائلا بسخط :
" أنت لا تصدقين ما أقوله ، أليس كذلك ؟".
بقيت ليندا على صمتها ، وفي برهة تحولت صورته الى ما كانت عليه يوم إلتقيا للمرة الأولى ، طفل متجهم ، عاقد الحاجبين ، وما لبث أن إستعاد إبتسامته وقال بإشمئزاز :
" على كل حال ، أشكرك على ثقتك بي ".
لم تنم ليندا تلك الليلة ، كانت تفكر بريك وبكلامه ، لماذا لم يجاملها كعادته عندما أوصلها الى الفندق ؟ أقلقتها الأسئلة لا تجد لها جوابا يريحها ، فلم يغمض لها جفن حتى طلوع الصباح ، حين زارها ريك وكأن شيئا لم يكن ، كانت الإبتسامة تعلو شفتيه وأسارير وجهه إنفرجت بإرتياح مفاجىء.
وفي اليوم الأخير من العطلة ، سألها ريك عن عنوان منزلها ودوّنه في مفكرته الصغيرة ، فسألته ليندا:
" أيمكنني الحصول على عنوانك؟".
فتردد ، وبدا وكأنه يمانع في ذلك ، وإستبد بها قلق هائل لم تنجح في إخفائه ، فإبتسم قائلا:
" اتشكين في أنني سأتصل بك ؟".
" لا ابدا ، وأنت لا تقلق فانا لن...".
ولم يدعها تكمل عبارتها ، فقد أرادت أن تطمئن باله من انها لن تطارده أو تحرجه إذا عدل عن الإتصال بها ، فقاطعها بعنف وكأنه يقرا افكارها:
" كفى يا ليندا".
وتناول مفكرته ثانية ، وكتب عنوانه ثم نزع الورقة وقدّمها لها بعصبية وأردف:
" هذا عنواني ، ولن تكوني بحاجة اليه لأنني مصمم على رؤيتك بإستمرار".
وإفترقا ، كل في طائرة ، على أمل اللقاء في المطار.
إنتظرت ليندا وجاين ريك في المطار حسب الإتفاق ، وما أن شاهد ليندا حتى أسرع اليها وحيّاها كأنه لم يرها منذ شهور ، فإستسلمت لشرود عذب وتخيلت نفسها زوجته أو خطيبته تستقبله بعد غياب ، ولاحظ ريك شرودها ، فربت على خدها يعيدها الى واقعها ، وإستدارت تساعده في حمل الحقائب.
ترددت جاين في قبول دعوتهما للعشاء ، فالألم الذي سببه إفتراقها عن صديقها الفرنسي ما زال يحز في نفسها بالرغم من تواعدهما على المراسلة ، لكن أمام إصرار ريك وعزم ليندا على عدم تركها فريسة للألم والكآبة وافقت جاين على مرافقتهما.
تناولوا العشاء في مطعم صغير متخصص في تحضير مختلف المآكل الشرقية ، إعتاد ريك إرتياده ، وبما ان الفتاتين غريبتان عن جو كهذا ، فقد اخذ ريك على عاتقه تفسير ما تحمله لائحة الطعام من اسماء غريبة ، كما تولى إختيار أصناف الأكل حسب ما قدمته الفتاتان من مواصفات .
أشعلت جاين سيكارة وإتكات على كرسيها بغبطة ظاهرة معلّقة :
" شكرا يا ريك على هذا الطعام الشهي".
" يسعدني أنه نال أعجابك ، ما رأيكما بقليل من القهوة؟".
فإعتذرت جاين عن تناول القهوة وقامت لتغسل يديها، بادر ريك ليندا مبتسما:
" اعتقد أنها أصيبت بالتخمة".
" أجل ، ولكثرة ما أكلنا ، لا أقدر على التفكير بشيء".
" هل أطلب لك فنجانا من القهوة ؟ بإمكانك الحصول على قهوة تركية هنا".
" اهي جيدة ؟ فأنا لم أذقها قبلا".
" اعتقد ذلك".

أمل بيضون 25-12-11 12:02 AM

وطلب ريك فنجان القهوة ، بينما جالت عينا ليندا في أرجاء المطعم ، لتقعا على ولد في السادسة من عمره تقريبا ، جالس مع أهله الى الطاولة المجاورة ، بعينيه الواسعتين والقاتمتين ، يمسك السكين والشوكة بعناية وإرتباك ، مما يدل على تجربته الأولى في تناول العشاء في مكان عام كهذا ، إبتسمت ليندا من غير أن تدري ان ريك يراقبها ، فرفع حاجبيه مستفهما :
" شخص تعرفينه؟".
" لا ، إنني أبتسم لذاك الولد الصغير الجالس هناك "
عند خروجهم من المطعم ، فوجىء الثلاثة بحشد من الناس على الرصيف المقابل ، وبسيارات الأطفاء والشرطة تلهب الأرض مطلقة منبهاتها ، كانت إحدى البنايات المجاورة تشتعل ، وأمام عيون الثلاثة راحت نوافذ البناء تهوي ، وإمتدت النيران محولة كل ما يعترضها الى لقمة سائغة ، ورجال الإطفاء يبذلون ما بوسعهم لكبح جماح السنة اللهب ، فعزلوا منطقة الحريق لمنع النار من إلتهام أماكن أخرى.
تذكرت ليندا فجأة ذلك الولد في المطعم ، فإستدارت تبحث عنه لتجده واقفا مع اهله يراقب الحريق ، مأخوذا بوهج النار وبمنظر سيارات الإطفاء ، وإهتم ريك بإيجاد طريقة ما لمغادرة المكان ، فالإزدحام يشتد وسيصعب بعد قليل إيجاد وسيلة نقل ، قال للفتاتين :
" أخشى في حال بقائنا هنا ألا نحظى بسيارة أجرة بسبب الطوق المضروب حول المكان ، فعلينا الإسراع بالإبتعاد من هنا".
ووافقت الفتاتان ، فالإزدحام يعيق تحرك رجال الإطفاء وقيامهم بواجبهم ، شرح ريك خطته قائلا:
" حسنا ، لنتحرك قبل أن يشتد توافد الفضوليين ، لكن علينا المرور قرب البناء المشتعل ومن هناك نصل الى الطريق العام ، فهيا بنا ما دام ذلك ممكنا الآن ".
كان البناء كالمعمل الهادر بآلاته ومحركاته ، أجيج النار يغطي على كل شيء ، وألسنة اللهب إمتدت الى كل شبر منه ، ثائرة ، هادرة ، لا تقوى يد الإنسان على لجمها ، فتحول المكان كله الى آتون هائل من نار ، أحست ليندا بوهج النار يلفح وجهها وهي تراقب رجال الإطفاء يعملون ، وفجأة وقعت عيناها على خيال صغير يقف وحيدا قرب مكان الحريق ، خلف إحدى سيارات الإطفاء ، مما حجبه عن أعين الإطفائيين ورجال الشرطة ، فسحبت يدها من يد ريك ، وإستدارت تتحقق من صحة ما تراه ، وصرخت بهلع:
" يا ألهي ، إنه الطفل الذي شاهدته في المطعم !".
وتراجع الإطفائيون بسرعة صائحين:
" إنتبهوا ، إنتبهوا !".
وبدا أن زمام الأمور قد أفلت من يد الجميع ، فالنار تنذر بكارثة والخيال الصغير ما زال مسمرا في مكانه ، فتراجع المتجمهرون متدافعين إلا ريك الذي أمسك بذراعي ليندا ، ودفعها الى مكان آمن بين الجموع ، وركض ناحية البناء في سباق مع الوقت ، ليبعد الولد عن مكان الحريق.
وفجأة دوى إنفجار هائل يصم الآذان ،وهوى احد الجدران على الأرض،وتحول البناء الى بركان... وكأنما النار قد إبتلعتهما ، لم تقو ليندا على الحراك ، عيناها شاخصتان برعب الى مكان الإنفجار ،كل ما فعلته أنها نادت ريك بأعلى صوتها ، لكن صيحاتها ضاعت بين صراخ الجموع وتعليقهم ، فراحت تشق طريقها بين المحتشدين بطريقة قاسية لم تعهدها في نفسها من قبل ، حتى وصلت الى حيث إنحنى رجال الشرطة والإطفاء فوق جسمين بلا حراك ، وما لبثوا ان نقلوهما بعيدا من غير ان تتمكن ليندا من إلقاء نظرة عليهما .لم تتأخر سيارة الإسعاف في الوصول الى مكان الحريق ، ونقل ريك الى إحداهما ملفوفا بغطاء صوفي ، فيما نقل الولد الى السيارة الأخرى يرافقه والداه ، وزاد من توتر ليندا أنها أخضعت لأجراءات شكلية وإضطرت للإجابة على أسئلة عديدة ، قبل السماح لها بالصعود الى سيارة الإسعاف ،ومرافقة ريك الى المستشفى.
في المستشفى ادخل ريك رأسا غرفة العمليات ، بينما تولت الممرضة المسؤولة عن قسم الطوارىء الإستفسار عن إسمه وأقاربه من ليندا ، فأعطتها عنوان عمه والعنوان الذي اعطاها إياه قبل الحادث ، لكن إدارة المستشفى لاقت صعوبة في الإتصال بعمه ، فحاولت المسؤولة الحصول على عناوين أخرى عن طريق ليندا من غير فائدة ، فهي لا تعرف سوى عمه قريبا له ، وتدخلت جاين لتوفر على ليندا مزيدا من الإرهاق موضحة :
" نحن صديقتا السيد برنيت ، ولا نعرف شيئا عن اقاربه".
وعبثا حاولت الممرضة إقناعهما بالذهاب الى المنزل للراحة فبقاؤهما هنا لا يجدي في الوقت الحاضر ، لكن ليندا أصرت على البقاء قائلة:
" مستحيل ، أريد اولا الإطمئنان الى صحته".
" لا يمكننا الجزم بشيء حتى الآن ، فقد أدخل غرفة العمليات وقد يبقى فيها ساعات ،فعليكما ببعض الراحة ".
" هل تعرفين شيئا عن الولد الصغير ؟".
" سمعت إحدى الممرضات تقول أن حالته لا تدعو الى القلق ، فقد أغمي عليه بعد إصابته برجله وسيكون على ما يرام ( وأردفت بسخط ) لو لم يقترب هذا الولد الغبي من مكان الحريق لما حصل هذا كله"
" لقد بهره منظر سيارات الإطفاء ، وأظنه لم يدرك الخطر المحدق به فهو ما زال طفلا".
قالت جاين بتهكم:
" انت تدافعين عنه لأنك متيمة بالأطفال".
تمتمت ليندا :
" ربما".
حاولت جاين قدر إستطاعتها صرف ليندا عن الشرود والقلق فقالت:
"نتج الحادث عن إنفجار قوارير الأوكسجين ، ولم يصب غيرهما بجروح بليغة ، أما مصابو رجال الإطفاء فجروحهم طفيفة لأن كلا منهم يعتمر قبعة".
أدركت ليندا هدف صديقتها من كل هذا الكلام ، لكنها لم تكن تصغي ، فتفكيرها منصب على هاجس واحد ، ريك.

أمل بيضون 25-12-11 01:06 AM

ومضت ساعات أحستها ليندا دهورا قبل أن تدخل إحدى الممرضات قاعة الإنتظار ، فنهضت ليندا بلهفة حارة مستفسرة ، بادرتها الممرضة:
" أعتقد أنكما تنتظران أخبارا عن حالة السيد برنيت ، أليس كذلك؟".
فردت ليندا بإضطراب :
" أجل ، هل سيكون عل ما يرام ؟".
" لن يموت ، فهو محظوظ جدا ، لقد أصيب بحروق عديدة لكنها سطحية ، وعليه البقاء في المستشفى لبعض الوقت ، فبعض الشظايا التي أصابته يستغرق إخراجها من جسمه فترة ، وهذا سيزعجه قليلا ، والآن هل أنت خطيبة السيد برنيت؟".
تمنت ليندا لو ترد بالإيجاب لكنها قالت:
" كلا ، نحن صديقتاه ، هل إتصلتم بعمه؟".
"نعم، وقد أفادونا انه خارج المدينة في رحلة عمل ، ولكنه عائد اليوم وسيأتي مباشرة الى هنا".
" هل يمكنني مشاهدته؟".
" لا يمكنه إستقبال احد الان ، وهو على كل حال ما زال تحت تأثير البنج ، أقترح أن تعوداه لاحقا فتحظيان بمقابلة عمه ايضا ، لأنني متأكدة أنكما بحاجة للراحة".
في سريرها في الفندق ، اغمضت ليندا عينيها بعد أن طمأنت نفسها أن ريك بخير ، وأن كل شيء سيكون على خير ما يرام.
وعند عودتها الى المستشفى مع جاين ، تعرفتا الى ريان برنيت عم ريك ، فقامته الطويلة ،ومنكباه العريضان ، وشعره البني وعيناه المشابهتان لعيني ريك بريقا ولونا ، جعلته يبدو أصغر من أعوامه السبعة والأربعين .
حياهما ومد يده مصافحا ثم خاطب ليندا:
"آنسة لورانس ، اخبروني انك كنت برفقة ريك عندما اصيب".
" هذا صحيح ، فقد كنت نتناول العشاء ثلاثتنا ، هل سمحوا لك برؤيته؟".
" أجل ، لكنه ما زال فاقد الوعي".
فسألته ليندا بقلق:
" كيف حاله ؟".
" بعدما أطلعت على تفاصيل الحادث ، لم أكن أتوقع أن يكون بحال أفضل كما سترين بنفسك بعد قليل".
" أود رؤيته".
" آنسة لورانس ، هل إسمك الأول ليندا؟".
" أجل".
" إذن ، يمكنك رؤيته بكل تأكيد ، فما برح يسأل عنك في هذيانه ".
ودخلا الغرفة معا ، فقامت الممرضة الجالسة بقربه وإنحنت على أذنه هامسة:
" سيد برنيت".
ولم تدعها ليندا تكمل ، فوقفت في الجهة الأخرى من السرير وقالت :
" لا توقظيه أرجوك".
إبتسمت الممرضة قائلة:
" إنه بحاجة لرؤيتك ، فقد كان قلقا جدا عليك ، كان طوال الوقت يتذكر الإنفجار ، فيسأل عما حلّ بك ، صدقيني ، ستتحسن حالته حين يعلم أنك بخير".
وسألها ريان برنيت:
" هل إسترد وعيه؟".
" لفترة وجيزة ، فأنا أمضيت الليل بقربه ، وإستلمت نوبتي منذ دقائق ".
وإستدارت تزيح عن جبين ريك بعضا من شعره ، ففتح ريك عينيه قليلا ، فهمست في أذنه:
" لديك ضيوف يا سيد برنيت".
ففتح عينيه أكثر يحاول أن يرى بصورة أوضح ، وإقتربت ليندا منه فرفع يده أتجاهها ، فحضنتها يداها بنعومة وسمعته يقول:
" أنت بخير ، هذا أنت حقيقة ، أنا لا أحلم أليس كذلك؟".
أجابت ليندا والدمع يطفر من عينيها:
" انت لا تحلم يا حبيبي ، أنا حقا بخير ".
كان وجهه شاحبا تملأه الخدوش ، خده الأيمن اصيب بحرق بالغ ، وألصقت ضمادة كبيرة تحت عينه اليسرى ، لكن ما يهم ليندا أنه حي ، فهي تشعر بلهاثه وبحرارة يده بين يديها.
وأغمض عينيه بإحكام ، فأدركت أنه يخفي دموعا كادت تفضح ما يعانيه.
ثم زفر زفرة طويلة وقال:
" قلقت عليك كثيرا يا حبيبتي".
فغمرته ليندا تمسح شعره بيديها ، ونظر ريان الى الممرضة نظرة أدركت معها أنه من الأفضل إخلاء الغرفة للحبيبين ، فخرجا بهدوء الى الصالون الصغير.
أمضت ليندا ساعات قرب ريك ، الى أن تأكدت أنه نام ، فإنسلت الى حيث كان ينتظرها ريان وجاين ، وذهب الثلاثة لتناول الشاي في مقهى المستشفى.
كانت ليندا مرهقة جدا ، فرؤيتها ريك بهذه الحالة أثّرت فيها كثيرا ، لكنها حاولت جاهدة أن تخفي إرهاقها عن جليسها ، فأخبرتهما بإقتضاب عن الممرضات وحسن معاملتهن للمرضى وخاصة لريك ، الى أن سألها ريان:
" كم مضى على علاقتك بإبن اخي يا آنسة لورانس؟".
كانت دهشته عظيمة عندما سمع جوابها ، لكنه كان بارعا في إخفاء إنفعاله بسرعة ، ثم قالت جاين:
" إتصلت بأهلك ، وأخبرتهم عما حصل ، كما اعلمتهم أننا عائدتان غدا".
فردت ليندا بعزم:
" لا يمكنني العودة غدا ، سأعاود الإتصال بهم وأشرح لهم الوضع ".
نظرت اليها جاين بدهشة وأكملت ليندا:
" آسفة يا جاين ، أعتقد انك ستعودين وحدك".
فتدخل ريان سائلا:
" هل بإمكاني الإستفسار عن سبب إمتناعك عن العودة؟".
" ريك بحاجة لأن أكون قربه".
" ما مدى معرفتك بريك يا آنسة؟".
لم تجب ليندا على سؤاله فقد شغل تفكيرها حالة ريك .
فتدخلت جاين قائلة بسخط :
" لا أدري ما القصد من سؤالك يا سيد برنيت ، لكن إسمح لي أن أوضح لك نقطة وحيدة هامة جدا ، ليندا لا تنتمي الى هذا النوع من الفتيات".
فإبتسم ريان ورد مدافعا عن نفسه:
" لم أفكر لحظة أنها كذلك ، وأؤكد لك أنني لم أعن شيئا من هذا القبيل ، فقد سبق وقلت يا آنسة لورانس أنه لم يمض على معرفتك ريك أكثر من ثلاثة أسابيع ، ولكن يبدو انك تعتبرين نفسك أكثر من رفيقة عطلة ، صدقيني ، هذا ليس تطفلا ، ولكن يهمني كثيرا معرفة حقيقة العلاقة بينكما".
كان صادقا في ما يقوله ، أو هكذا ظنت ليندا ، فردت بتاثر يعكس حرارة مشاعرها:
" لا يمكنني الجزم حول شعور ريك ، اما عن شعوري فأنا أحبه".
لم يدم إسترسالها في التفكير طويلا ، فقد قطعه ريان قائلا:
" هل يمكنني مرافقتك الى الفندق ، أود ان أتحدث اليك أكثر ؟".
تركتهما جاين وحدهما في الغرفة ، وتناول ريان كرسيا وجلس قرب النافذة ، بينما جلست ليندا على حافة سريرها ورأسها بين يديها تنتظر منه الإفصاح عما يريده بالتحديد ، ثم سالها بهدوء:
" ماذا تنوين فعله بالضبط؟".
" البقاء هنا طالما ريك يحتاجني".
" لكنه قد يمكث طويلا في المستشفى".
" هل هي الحروق ؟ لكنهم قالوا لي أنها طفيفة ، وأنه لن يموت".
فرد ريان وهو يبذل ما بإستطاعته للسيطرة على إنفعالاته :
" لا لن يموت ، لكن هناك عدة شظايا في ظهره تعذر إخراجها اثناء العملية ، وقد أصاب بعضها عموده الفقري، فإرتاى الأطباء عدم لمسها حفاظا على حياته ( مسح دموعه بيده ) هناك خطر بألا يتمكن من المشي بعد الآن "
.

أمل بيضون 26-12-11 12:03 AM

3- لن تكون وحيدا


هوت ليندا على السرير وصدى كلمات ريان برنيت يتردد في ذهنها ، ولما إستوعبت أخيرا الحقيقة المرة قالت:
" ايعلم ريك بذلك ؟".
" لا ، فهو لم يفق من غيبوبته إلا لبضع دقائق لم تكن كافية حتى يطلعه الطبيب على الأمر الفظيع".
أضاف الرجل منتشلا إياها من شرودها :
" إصابته تسبب آلاما كثيرة لذلك سيبقيه الأطباء تحت البنج ليومين أوثلاثة ، ولكنهم سيضطرون بعد ذلك لأعلامه بكل شيء ، لأنه لا بد أن يلاحظ عجزه عن تحريك رجليه ".
" أتعتقد أنه من الحكمة إخباره بخطورة حالته ؟ أخشى أن يثبط ذلك من عزيمته ، فيستسلم للياس وتخف مقاومته المعنوية للشلل".
" إصغي اليّ جيدا يا آنسة لورانس ، أظن أنني أعرف ريك أكثر منك فهو عائلتي الوحيدة لو صحّ التعبير ، ريك لا يحب الأسرار ، وهو سيعرف كل شيء عاجلا أم آجلا ، لذلك أعطيت تعليماتي للأطباء بإطلاعه على حقيقة حالته حالما يسأل ، فلو أخفينا الأمر عنه سيتصور أنه أسوأ مما هو عليه ".
نهض عن كرسيه ، وتوجه الى النافذة ينظر بشرود الى ما يجري خارجا ، ثم إستدار ورمق ليندا بنظرات فضولية ما لبثت ان إلتقت عينيها المفعمتين بحزن عميق ، فسالته:
" لماذا تنظر الي هكذا يا سيد برنيت؟".
مرر الرجل يده على شعره وتنهد قائلا:
" آنسة لورانس...".
" أرجوك أدعني ليندا".
" كم تبلغين من العمر يا ليندا ؟".
" تسعة عشرة عاما ".
" تسعة عشر ... ما زلت صغيرة جدا ".
لم تحرك الفتاة ساكنا ، لكن عينيها الغاضبتين أعلمتا الرجل بانها تلقت إهانة لا تتقبلها من أحد ، فسارع الى الإعتذار:
" لا أقصد جرح شعورك يا ليندا ، لكنني قلق على ريك ".
" وأنا ايضا قلقة عليه وأريد أن افعل شيئا لمساعدته ، سأستقر في لندن وأحصل على وظيفة لأستطيع البقاء بقربه".
" ليندا".
رفعت الصبية عينيها الى وجهه فرأت فيه إضطرابا كبيرا ، لكنه مع ذلك إستطاع أن يقول بكل لطف :
" واثقة أنت من ان ريك محتاج اليك ؟".
" لم تر ما قالت الممرضة...".
" كانت الممرضة على حق وانا لا أنكر أن ريك إرتاح وسرّ كثيرا لرؤيتك ،ولكنني أخشى أن يكون خيالك قد ذهب بعيدا بعض الشيء يا عزيزتي ، أنت وريك أمضيتما الأسابيع الثلاثة الأخيرة معا ، وكنتما معا عندما وقع الإنفجار ، فمن الطبيعي ان تكوني اول شخص سأل عنه ريك حين أفاق من الغيبوبة ، لكن مع الأسف ، هذا لا يعني أنه يحبك".
واضاف وهو يلاحظ المرارة والخيبة في عيني ليندا:
" لا تسيئي فهمي يا ليندا ، فانا أريد صالحكما معا ، أن تقع فتاة في التاسعة عشرة من عمرها في حب شاب صحيح الجسم ووسيم شيء ، وأن تسجن نفسها في حب رجل قد يبقى مقعدا طوال حياته شيء آخر ( أضاف بعد لحظة تفكير ) قلت لي سابقا انك لا تستطيعين الجزم حول شعور ريك ، هل هذا يعني أنه لم يصارحك بحبه؟".
" أنت على حق لكن ريك قال أنه لا يريد الكف إطلاقا عن رؤيتي ".
" لكن الأمور تغيّرت الآن يا ليندا ! إذا إستطاع ريك السير ثانية فلن يكون ذلك قبل أشهر من الصبر والجهد والمثابرة ، أما إذا لم يكن هناك أمل فالوضع سيكون رهيبا الى حد لا استطيع وصفه أوحتى تصوره ".
فقالت ليندا بكل بساطة وصدق :
" أمشي أم لم يمش سيبقى ريك الرجل الذي أحب".
" أتدركين مدى خطورة ما تقدمين عليه؟".
" أنا واثقة من نفسي يا سيد برنيت ، ولا أدري لماذا تحاول إقناعي بعكس ذلك".
إتصلت ليندا هاتفيا بأهلها وشرحت لهم القضية من غير أن تحدد موعدا لعودتها فقالت لأمها :
" الأمر يتوقف على حالة ريك ، لن أتمكن من حزم أمري قبل بضعة أيام".
أجابتها أمها بصوت مضطرب:
" لكن لم يمض على معرفتك هذا الشاب سوى بضعة أسابيع يا عزيزتي ".
" أعلم ذلك ، ولكنه بحاجة اليّ يا أمي".
" أرجوك يا إبنتي ، لا تنساقي وراء شعور بالذنب أو المسؤولية لئلا نجد أنفسنا في ورطة لن نتمكن من الخروج منها".
" ألا تفهمين يا أمي أنني أغوص في هذه الورطة بملء إرادتي؟".
" أتعنين انك مغرمة بهذا الشاب؟".
أجابته ليندا بصوت ناعم إذ عاودتها ذكرى اللحظات الحلوة التي أمضتها مع ريك :
" نعم ، أنا مغرمة به.... إنه شخص مميز يا أماه".
أدركت ليندا من سكوت أمها ان موقفها يلقى تفهما وتجاوبا ، وتأكدت من ذلك أكثر عندما قالت والدتها:
" افهم موقفك يا عزيزتي ! وهو ، أيبادلك الشعور نفسه؟".
ردت الفتاة بكل صراحة:
" لا أعرف".
جفلت المرأة لهذا الرد وسكتت طويلا قبل أن تقول لإبنتها :
" كنت دائما طفلة حساسة يا حبيبتي ، فلذلك عليك إختيار الحل الأنسب لك وله مهما بدا قاسيا ، أعتقد انك تحسنين صنعا لو عدت الى البيت الان ونسيت ريك".
شعرت ليندا بأن أمها خانتها فإنفجرت :
" لا يا أمي ! انت أيضا تقولين هذا الكلام ؟".
" ومن قال لك ذلك غيري؟".
" ريان برنيت ، عم ريك".
" وماذا قال لك بالضبط؟".
وأخبرت ليندا أمها بما دار من حديث بينها وبين ريان ، فعلّقت هذه الأخيرة :
" يبدو لي أنه رجل حكيم وعاقل ، هل فكرت بنصيحته؟".
" فكرت بها مليا ".
" من الواضح أنك لا تنوين العمل بها ( تنهدت الوالدة واضافت ) متى سنراك إذن؟".
" قد أمر بكم في نهاية الأسبوع ، وفي أي حال ساعلمك بذلك قريبا ".
" وماذا عن دروسك ؟ الفصل الجديد يبدأ بعد عشرة ايام ".
" أعلم ذلك يا امي ، ولكن قد أبقى في لندن وأحاول الإنتقال الى أحد معاهدها ".
" وماذا يحصل إذا لم تنجح المحاولة ؟".
" سابحث عن وظيفة ما".
" وتتخلين عن دراستك؟".
" إذا كان ذلك ضروريا ".
سلمت الأم بالأمر الواقع بعدما لمست مدى تصميم إبنتها فقالت:
" حسنا ، حاولي المجيء في نهاية الأسبوع إذن ، الديك ما يكفي من المال؟".
" نعم يا أمي ، لا تقلقي علي".
اقفلت ليندا الخط والخيبة تغمرها ، وشعرت أنها وحيدة في هذا الخضم ، لن ينتشلها منه إلا إراداتها القوية وتصميمها الثابت ، لقد أحبته ، وإيمانا بهذا الحب الكبير ، ولأجل هذا الإيمان قررت البقاء بجانب ريك طالما هو محتاج اليها ، ولن ترجع عن قرارها مهما حدث ، لكنها أغفلت شيئا مهما ، لقد أخذت القرار من غير مراجعة ريك ، الطرف الثاني للقرار.

أمل بيضون 26-12-11 12:25 AM


من جهته ، وافق ريان على بقائها وسالها ما إذا كانت بحاجة الى المال ولكنها بالطبع رفضت حتى لا تكون مدينة لأحد.
قامت ليندا حتى الآن بثلاث زيارات لريك في المستشفى ، فوجدته في كل منها عاجزا عن الحراك بسبب المهدئات القوية التي كان يعطى.
أما ريان فكان يزور المستشفى كل مساء متكلا على ليندا للقيام بالواجب خلال النهار ، لأن اشغاله لا تسمح له بذلك ، فهما الزائران الوحيدان المسموح لهما برؤية ريك ، لذلك شعرت ليندا بأنها محظوظة ، فأحبت ان تظهر أمتنانها لريان.
" لا تشكريني يا ليندا فريك يطلب مشاهدتك ويشعر بالإرتياح لذلك ، كنت على حق عندما قلت انه بحاجة اليك ".
خلال الزيارة الرابعة حرصت الممرضة على تنبيه ليندا الى مستجدات هامة قبل دخولها الغرفة .
" ستجدينه مختلفا هذه المرة فقد خفّف له الطبيب المهدئات فصار واعيا أكثر ، وبالتالي متألما أكثر ، ونحن نحاول إبقاءه هادئا قدر المستطاع".
" اشكر لك إهتمامك وسأعمل على عدم إثارته".
" لا أخفي عليك يا آنسة أنه لم يكن مطواعا عندما رآه الطبيب في الصباح ، أهو متقلب المزاج الى هذا الحد؟".
وفوجئت الممرضة بجواب ليندا :
" أظن أنه ليس سهل الطباع أبدا ".
ثم إنسحبت بعد أن إطمانت الى أن ريك لا يحتاج الى شيء ، فوجدت ليندا نفسها وحيدة مع رجل مستقبلها الغامض ،وحارت كيف تبدأ الحديث ، فلم تجد سوى الكلام عن الممرضة الطيبة:
"ممرضة ممتازة أليس كذلك؟".
" الممرضة سيدني رائعة حقا وتملك طريقة فعالة في التخفيف عن المتألمين".
إقتربت ليندا من السرير تنظر اليه ثم مدت يدها الناعمة ليحبسها في قبضته ، لا شك أنه يبدومختلفا الان ، إختفى ذلك البريق العابث في عينيه ، وإلتصقت بشرته بعظام وجهه ، ولم تعد تلك الصفات الصبيانية موجودة في ملامح محياه ، كما عهدته سابقا ، فأدركت ليندا في قرارة نفسها ، انها لن ترى فيه ثانية ذلك الصبي الشقي الذي خلب عقلها بمرحه.
سالها ريك بإهتمام كبير بعدما لاحظ وجومها :
" ما الأمر؟".
" لا أعلم لماذا تبدو متقدما في السن".
فقال الشاب بحزن واسى :
" أنا أشعر بذلك ايضا ، فالألم الفظيع الذي أعانيه فعل فعله وهد قواي".
رات ليندا الخوف القابع في عينيه فقالت بصوت متهدج:
" ليس الألم ما يشغل بالك ، أليس كذلك؟".
شدّها ريك الى صدره بقوة وعانقها بلهفة وإصرار وكأنه يحاول الفرار من هول ما ينتظره ، وتجاوبت ليندا معه في محاولة للتخفيف عنه ، علّه ينسى حالته البائسة قليلا وينعم معها بهنيهات فرح.
فجأة أطلق ريك صرخة ألم ، فنهضت تحاول ترتيب شعرها المتناثر على وجهها بفوضى:
" ما بك يا ريك ؟ أتريدني ان أدعو الطبيب ؟".
" لا حاجة لذلك ، لماذا سمحت لي بعناقك؟".
" لأنك بحاجة لذلك".
تنفست ليندا الصعداء عندما رات الخوف يغيب من عينيه ، وإبتسامة الرضى ترتسم على شفتيه ، كان بحاجة الى هذا العناق ليستعيد ثقته بنفسه بعض الشيء .
وسألها ريك هازئا:
" أتنوين إعطائي كل شيء احتاج اليه؟".
" أجل".
" هناك شيء واحد لا أحتاجه وهو الشفقة منك".
" كن على ثقة إنك لن تنالها ، المهم انك حي وتلقى أفضل عناية طبية ممكنة ، ويوما ما ستخرج من هنا وتعود الى ملاحقة الفتيات ،وحتى يأتي ذلك اليوم ستبقى في عهدتي ".
" أنا لم الاحق الفتيات في حياتي ، ثم ماذا تعنين بقولك أنني سأبقى في عهدتك ؟ لطف كبير منك ان تبقي معي ، لكن من الآن وصاعدا سأتعلم الإهتمام بنفسي من غير مساعدة أحد ، فما عليك إلا العودة الى البيت والإهتمام بشؤونك ، سأتصل بك فور الخروج من هنا".
" شكرا على محاضرتك القيمة ، لكنني باقية معك".
" لا تتساخفي يا ليندا ! ألا تدركين انني قد أمضي هنا شهورا ، وأنت مضطرة للإلتحاق بالمعهد بعد أسبوع على ما أذكر ".
" الأمر في غاية البساطة ، لن التحق بالمعهد".
إنفجر ريك غاضبا :
" ستفعلين ، ثم ما الذي يجعلك تعتقدين أنني أرغب بوجودك؟".
نظرت اليه ليندا بطرف عينها وقالت بغنج:
" الم تظهر رغبتك منذ دقائق؟".
أجاب بهدوء لامبالاة :
" كنت بحاجة لي امرأة ، ولكن إهتمام الممرضة سيدني وتعاطفها لم يصل مع الأسف الى حد العناق ".
إنتشلها صوته من تفكيرها إذ قال :
" لا أستطيع ان أدعك تفعلين ذلك ! لا يمكنني ان أراك سجينة معي في هذه الوحدة !".
غلفت صوته هذه المرة نبرة ناعمة ، فإلتفتت بسرعة لترى حقيقة إنفعاله لكنه أطرق ينظر الى السرير فارا من فضولها.
" لن تستطيع منعي من البقاء هنا ".
رفع ريك راسه وصاح بسخط :
" سأفعل ! إذا لم تعودي الى البيت سأوعز لإدارة المستشفى بعدم السماح لك بزيارتي ، أنا حر في إختيار زواري ، قد تكون هذه الحرية الوحيدة التي املك !".
أطلقت ليندا زفرة الفشل وسلمت بالأمر.
" حسنا ، سأعود الى اللبيت لكن بعد أن تقطع وعدا بالسماح لي بزيارتك في نهاية كل أسبوع".
" السماح ؟ ولماذا تطلبين الأذن ما دامت هذه رغبتك ! لكن عليك أن تدركي أنك لست مرغمة على فعل ذلك ، وأنك حرة في التوقف عن زيارتي ساعة تشائين".
فردت الفتاة بهدوء:
" لست مرغمة ، بل افعل ما تمليه علي إرادتي".

أمل بيضون 26-12-11 10:48 PM

قابلت العائلة عودة ليندا الى المنزل بإرتياح عامر ، بعد ان ذهل الجميع لموقفها السابق ، الذي كان سيدفعها الى هدم مستقبلها لتبقى قرب رجل لا تكاد تعرفه ، وإتجهت العيون نحو الوالدة لأنها الوحيدة التي تملك الجرأة على الخوض مع ليندا في مواضيع حساسة كهذه.
قالت الأم بنعومة :
" أنا مسرورة لأنك غيّرت رأيك ".
" لم اغيّر رأيي ، بل أصر ريك على رحيلي وهدّد بعدم إستقبالي ثانية إن لم أفعل !".
هنا تدخل صوت أليسون المتعاطف :
" ألا يحفل بك البتة يا عزيزتي ؟".
أفترت شفتا ليندا عن إبتسامة خجولة وهمست :
" بالطبع هو يحفل بي ! وإلا لما طلب رحيلي ، أخبره الأطباء بأن شلله قد يكون غير قابل للشفاء ، فخشي ان يحطم حبي لرجل معقد مستقبلي ويفسد حياتي ".
شارك الوالد بنبرته الهادئة :
" لا شك ان كلامه في محله ".
نظرت ليندا الى والدها وهي تكاد تنفجر غضبا رافضة هذه الفكرة ، لكن أمها سبقتها الى الكلام :
" أقال لك ذلك ، أم تتصورين أن هذه الفكرة خطرت له؟".
" إنه مجرد إستنتاج شخصي ، فهو لم يقل شيئا من هذا القبيل بل على العكس ، أكد لي أنه سيتصل بي فور خروجه من المستشفى ، وانه لن يفعل ذلك إن لم أعد الى البيت ".
لم يصدق أفراد العائلة ما سمعوا ، وأخذوا يتطلعون الى بعضهم بذهول ، اما طوني الصغير فعلّق ببساطة :
" طريقة لبقة للتخلص من شخص مزعج ! ".
ضحكت ليندا بعصبية ظاهرة محاولة توضيح الأمر وقالت :
" قد يبدو ما تقوله صحيحا ، فريك بالغ في تمثيله ، حتى يجعلني أعتقد أنه غير مكترث وإن يكن شعوره الحقيقي نقيض ذلك، تصوروا أنه غيّر مخططاته وقطع إجازته في فرنسا ، حتى يستطيع إصطحابي الى العشاء في لندن قبل أن أعود الى البيت ، هذا فضلا عن إصراره على رؤيتي بإنتظام ( وتوقفت قليلا قبل ان تتابع ) كما أنه لم يكف عن ترديد إسمي عندما كان غارقا في الغيبوبة .... في الحقيقة لا أعلم إذا كان يحبني ، لكنني أدرك أنه مهتم بي الى درجة محاولة إبعادي عنه حتى يحميني من حبي به ".
ساد الجو صمت ثقيل قطعه سؤال أليسون :
" أيعلم بحقيقة شعورك نحوه ؟".
لم تفلح ليندا في إخفاء إرتباكها وحزنها عندما أجابت :
" أعتقد أنه يعلم ، خصوصا أنني لم أحاول إخفاء حبي".
لم يفاجىء قولها هذا أحدا ، فالجميع يعلم أن ليندا صادقة في التعبير عن مشاعرها ، لا تعرف المداورة والكذب ، إذا أحبت ، فعلت ذلك بكل جوارحها متخطية كل الإعتبارات مهما عظمت، ومحطمة كل الحواجزمهما علت .
مرت أيام الأسبوع ببطء قبل أن يأتي يوم السبت وتستقل ليندا القطار لتزور حبيبها الجريح ،وتدبر روبن امر مكوثها في شقة كبيرة يملكها صديق له يقيم في قسم منها مع عروسه ليؤجر الغرف الأخرى ، فوافق على تأجير غرفة لليندا مقابل بدل معقول عن يومي نهاية الأسبوع ، كان هذا ما أرادته ليندا ، فهي غير قادرة على دفع تكاليف الفنادق الباهظة وإن يكن من سيئات المكوث في شقة مفروشة الأختلاط بأناس غرباء ، ولحسن الحظ كان الزوجان صاحبا المنزل لطيفين ، وكذلك المستأجرون الآخرون وجلهم شبان وشابات.
شعرت ليندا بالخجل وهي تفتح باب غرفة ريك لأنها تغيب عنه للمرة الآولى منذ إلتقته.
قرب سرير ريك ، جلس صبي صغير لم تتذكره للوهلة الأولى ، ولما نظر اليها مبتسما تذكرت الوجه المثير للفضول حين لفت نظرها في المطعم ، والذي تسبب بإصابة ريك في حادث الإنفجار .
نهض الصبي متناولا عكازيه وقال :
" أهلا يا آنسة ".
فسارعت ليندا الى دعوته ليبقى جالسا :
" أرجوك ، إبق مرتاحا ! ".
قاطعها الصبي مفسرا :
" كنت اسليه حتى تأتي ، فهو الذي انقذ حياتي :.
وتكلم ريك بهدوء :
" علي أن أعرفكما ببعضكما ، هذا جيمي يا ليندا ، جيمي أريدك أن تتعرف الى الآنسة لورانس ".
توقعت ليندا أن يكون الصبي أجنبيا لأن ملامحه تدل عى ذلك ، ففوجئت بلهجته اللندنية الشعبية البحتة ، نظر الصبي الى أسفل بنطلونه قائلا :
" كنت هناك يا آنستي يوم الحادث، أليس كذلك ؟".
صعقت ليندا عندما رأته يقف على ساق واحدة بمشقة بالغة ، فسارع الى تطييب خاطرها :
" لا لزوم للقلق ، فهم يعدون لي ساقا صناعية تعمل أفضل من الطبيعية ".
وإستعان بعكازيه ليتجه الى الباب فهرعت ليندا تفتح له .
" لن أعود بحاجة لهذين العكازين بعد تركيب الساق ، وعندها تصبح مهمة فتح الأبواب لك من صلاحياتي ".
قال ريك بعد ان اقفلت ليندا الباب :
" من الافضل أن تجلس قبل أن يغمى عليك ".
عملت ليندا بنصيحته بالرغم من إعتراضها بصوت عال :
" من قال لك انني ساصاب بالإغماء ؟".
" قال ذلك وجهك الأكثر إصفرارا من هذه الأغطية البغيضة ( تابع ريك بفظاظة ) ما الذي صعقك ، منظر العكازين ، أم فكرة بتر الساق ؟".
" فوجئت لأنني ظننت ان الصبي أصيب بجرح بسيط ، ولم أعلم أن ساقه بترت ، ثم إن رؤيته أعادت الى ذاكرتي تلك الليلة الرهيبة ، أصحيح انك أنقذت حياته؟".
" لا تحاولي جعلي بطلا ، فجل ما في الأمر أنني حاولت إبعاده عن طريق الإطفائيين ، وعندما وقع الإنفجار طرحته بصورة عفوية على الأرض ".
وأكملت ليندا جملة ريك الناقصة :
" طرحته وإرتميت فوقه ".

أمل بيضون 26-12-11 11:22 PM

علّق ريك مازحا :
" اللوم يقع على الأفلام التلفزيونية فهي تعلمنا أنه علينا حماية النساء والأطفال ونحن نقوم بتطبيق ذلك لا شعوريا ".
" ولكن كان هناك العديد من القادرين على الوصول اليه ونجدته ، فلماذا لم تدب النخوة إلا فيك أنت ؟ لماذا هذا الإندفاع أتجاه شخص لا تعرفه؟".
أجاب ريك بكل جدية من غير أن تغيب روح المرح من عينيه :
" قلت في المطعم أنه صبي لطيف ، فلذا وجدته جديرا بالإنقاذ من ألسنة النار ، والإنسان يتصرف في مثل هذه المواقف وفق غريزته طارحا العقل جانبا ، فأنا لم أدرك كيف قفزت نحوه ".
" قفزت بعد ان كدت تقتلني بدفعتك العنيفة".
ضحك ريك عاليا وقال :
" ارجو المعذرة يا عزيزتي لأنني لم أكن بكامل وعيي وقتها ، وفي أي حال أنا لست نادما على إنقاذي جيمي ، فبذلك كسبت معجبا جديدا يعتبرني بطلا ".
" أتعني ان زيارات جيمي تغنيك عن مجيئي ؟".
" أتمانعين في تغيير الموضوع؟".
" على الرحب والسعة ، حسنا لنتكلم في شيء آخر ، كيف تشعر اليوم ؟".
أجاب ريك بما يشبه الصراخ:
" إخترت أسوأ موضوع ، فأنا لست راغبا في التحدث عن حالتي الصحية ".
" ما أصعب أرضاءك ! على فكرة ، هل عادك كثيرون في الأسبوع الفائت ؟".
إستنتجت ليندا ذلك من البطاقات الكثيرة الموضوعة على طاولة قرب الباب ، الى جانب باقات زهر مختلفة الألوان مرتبة في زوايا الغرفة .
أجاب ريك :
" يمكنني القول أنني لم أشعر بالوحدة خلال أوقات الزيارات على الأقل ".
وإنصرفت ليندا لترتيب وعاء مليء بأنواع الفاكهة ، فاخذت ترمي ما لم يعد صالحا للأكل وتنسق الباقي بشكل جميل .
" تناولي شيئا ، فانا لن استطيع إلتهامها كلها ".
أخذ ريك يداعب شعرها بنعومة واراحت ليندا راسها على صدره ، بعد دقائق تململ ريك فنهضت سائلة :
" هل آلمتك؟".
" لا ، سارفع الوسادة قليلا فارتاح أكثر ".
" ريك ".
" ماذا تريدين ؟".
" ارجوك أخبرني ، هل يحرز العلاج تقدما ؟".
أجاب الشاب بهدوء ملفت :
" هناك ساق لا أمل بشفائها ، والثانية تتجاوب مع العلاج حتى الآن ، والحقيقة أن الأطباء عاجزون عن إصدار حكم قاطع منذ الآن ، ولكنني ان مشيت يوما ، سأكون بحاجة الى مساعدة ".
" أتعني عكازين ؟".
" أحسنت يا حلوتي ، فقد سميت الأشياء بأسمائها ".
قالت ليندا بهدوء ايضا :
" ولم لا ؟ الكل يكره إستعمال العكاز ، ولكنك مضطر للإعتياد على الفكرة ما دام العكاز سيساعدك على المشي مجددا ".
ومرت لحظات طويلة قبل أن يتمتم ريك بمرارة:
" قد لا أحتاج الى العكاز مطلقا إن بقيت حالتي على ما هي عليه ".
" لكنك لن تبقى هكذا ، فهم يجرون لساقيك علاجات وتمارين ، أليس كذلك؟".
" أخضع يوميا لساعات من العلاج الفيزيائي".
" شيء عظيم ".
علّق ريك بسخرية :
" واين العظمة فيه ؟ أين العظمة في ان أطمح الى السير على عكازين طوال حياتي؟".
" الكثيرون يفعلون ".
أغمض عينيه بحزن ، وكأنه لا يريد التسليم بالأمر الواقع وقال :
" أعلم ذلك ، ولكن كل واحد منهم مر بالمرحلة نفسها من القلق والتوتر ، أحمد الله على أنني أتمكن من التحرك قليلا وأرجو مساعدته لأعتاد على الأمر ".
" وربما لا يجب أن تعتاد على الأمر ".
" ماذا تعنين ؟".
" عليك ان تطمح الى أكثر من ذلك ، قرر السير مجددا على ساقيك ، حطّم حواجز المستحيل وإزرع في نفسك الأمل".
" يا لثقتك الكبيرة بي ".
" حاول يا ريك ".
" من أجلك أنت؟".
" لا أستطيع أن أطلب منك المحاولة لأجلي ، بل عليك أن تفعل ذلك لأجلك ".
" وهل أنا قادر على هذا ؟".
" بالطبع".
" ستكون طريقا شاقة".
" ولكنك لن تكون وحيدا فيها ".
وارغم الشاب نفسه على الإبتسام وقال :
" وهل تتصورين أنني قادر على المحاولة دقيقة واحدة بدونك ؟".

أمل بيضون 28-12-11 11:16 PM

4- من يشعر بالذنب ؟


أحيانا ، كان ريك يتلقى زيارات من أصدقائه اللندنيين ، فإذا وصلوا قبل ليندا إنتظرتهم في الخارج او في غرفة جيمي ، وإذا حضروا وهي في الغرفة خضعت لشكليات التعارف ثم إنسحبت بهدوء لتعود بعد رحيلهم ، ولما لاحظ ريك ذلك سألها يوما :
" ألا يعجبك أصدقائي؟".
" سؤال غريب ".
" لماذا ؟".
" كيف تريدني ان أحكم عليهم جميعا وأنا أكاد لا أعرفهم ؟".
" صحيح ، ما دمت تهربين فور وصول أحدهم ".
" لكنهم ياتون لزيارتك لا لزيارتي ، كما ان وجود العديد من الزوار في آن يزعجك ".
" من قال ذلك ؟ تبدين وكأنك إحدى الممرضات لا بل رئيسة الممرضات ومصابة بعقدة التفوق وبلذة الأوامر ، إعترفي ، أتغارين من مجيء الزوار ؟".
" لا تكن سخيفا ! فانت تعلم ان الإزدحام في الغرفة غير مفيد على الإطلاق".
" ولماذا ؟".
" الضجيج والثرثرة يؤثران على الأعصاب ".
" حسنا ، أنا متوتر ، أتريدين أن أعتذر؟".
" هذا يتوقف على مشيئتك".
مد ريد يده اليها ودعاها الى الإقتراب منه لكن ليندا لم تتحرك قيد أنملة فخفض يده قائلا:
" أنا آسف ، أيكفي ذلك ؟ والان تعالي اليّ ".
وبالطبع لم ترفض ليندا هذه المرة دعوته.
ذات يوم فتحت ليندا باب غرفة ريك فوجدت أن لديه زائرا من نوع خاص ، فقد كانت الى جانبه حسناء شقراء ، لكثرة ما بدا مفجوعة ، إرتمت على صدره منتحبة .
ازاء هذا المشهد وقفت ليندا حائرة ، فرماها ريك بنظرة إستنجاد حتى تخلصه من هذه الورطة ، فاغلقت الباب بهدوء وذهبت تبحث عن الممرضة سيدني التي تستطيع برصانتها إنقاذ الموقف وإنتشال ريك من براثن رفيقته.
" إتكلي علي يا آنسة لورنس ، إنتظريني عشر دقائق في غرفة الجلوس فأكون في هذا الوقت قد حللت المشكلة".
" وكيف ستتصرفين ؟".
" سأعطي الفتاة فنجانا من الشاي حتى تهدأ ثم ارسلها ال البيت ".
وفعلا ، كان ريك وحده عندما عادت ليندا الى الغرفة ، فإستقبلها قائلا بغضب:
" بالله عليك ، اين كنت ؟ الم تعلمي أنني بحاجة الى المساعدة؟".
" رايت أنه من غير اللائق تدخّلي في هذه المسألة ، لذلك آثرت إنتظار رحيلها في غرفة الجلوس ".
" ماذا تقولين ! نصبت نفسك ملاكي الحارس وتركتني في هذه الورطة ! ألم يكن بوسعك عمل شيء ؟".
إرتفعت نبرة ليندا عند الإجابة :
" أولا ، لا تكلمني بهذه الطريقة ! ثانيا ، أنا لم أبق مكتوفة اليدين ، فقد أخبرت الممرضة سيدني بالأمر لأنه من مهامها التعامل مع هذه المشاكل ، وأنا واثقة من أنها تصرفت بكل براعة".
" براعتها لا تقل عن الجدل ، فقد امسكت مارينا بكتفيها واخرجتها بلحظة وهي تطيب خاطرها ".
" يا له من إسم جميل ".
" وصاحبته كذلك".
ضحكت ليندا فسالها :
" ما المضحك في الأمر ؟".
" لا بد انها المرة الأولى التي تستنجد فيها بأحد ينقذك من فتاة جميلة !".
" مارينا إيطالية الأم ولذلك هي تجيد لعب دور المفجوعة بمأساوية بالغة ، لا أخفي عليك أننا أقمنا علاقة لأشهر خلت لكنها لم تتعد التسلية ، وما لبثت مارينا ان إنتقلت الى رجل آخر ، وهي لم تكن لتعود الى هنا وتنعم علي بدموعها إن السخية لو أنها ما زالت مرتبطة به".
" الم تكن على علم بالحادثة ؟".
" هذا ما إدّعته ، وعواطفها في أي حال سطحية وكاذبة ، وكل ما تريد برهنته هو جمال عينيها الداكنتين المرطبتين بالدموع ".
" هل أبكيت الكثير من النساء ؟".
" لا لم افعل ، والدليل أنني ما أبكيتك يوما ".
هزت الفتاة رأسها موافقة دون أن تصرّح بعدد الليالي التي لم يغمض لها فيها جفن ! إلا على وسادة مبللة بالعبرات ، وفي محاولة تهرب من الحقيقة قالت :
" قد تكون مارينا صادقة في حزنها فأنت لا تستطيع الحكم على حقيقة عواطف فتاة بهذه السرعة !".
أسر ريك يدها في قبضته ولما هم بالكلام دخل عمه ريان الغرفة ، فلمحت ليندا علائم إرتياح على وجه الشاب الذي يحب قريبه الوحيد بإخلاص.
لم تبارح ليندا الغرفة فريان يرغب ببقائها ، وهي تستسيغ صحبته وتلتذ بوجوده وحديثه ، والرجل يحبذ بقاءها الى جانب إبن أخيه ما دام هذا الأخير في المستشفى ، وأحيانا كثيرة كان يصطحبها بعد إنتهاء أوقات الزيارات لتناول فنجان من القهوة والتحدث عن ريك ، إستطاع ريان ان يمحو الصورة القاسية التي كوّنتها ليندا عنه ، خصوصا عندما حذّرها من مغبة خذل ريك في منتصف الطريق.
جلس الثلاثة يتحدثون في مواضيع شتى فمر الوقت بسرعة مذهلة حتى رمى ريك بالأغطية متذمرا من الجو الحار ، وبالفعل كانت الغرفة شديدة الدفء على الرغم من كونها مكيفة ، فتبرع ريان بفتح النافذة العليا ، لكن وصول الممرضة سيدني جاء كالعادة في الوقت المناسب ، فقالت وهي تدخل الغرفة :
" دعني اتولى ذلك يا سيد برنيت".
ساعدها ريان على الصعود الى الكرسي لتستطيع الوصول الى النافذة ففتحتها ، ثم تفحصت جهاز التكييف ولاحظت :
" يبدو أن عطلا ما طرأ على الجهاز المركزي فهو لا يعمل كما يجب ، والكثير من المرضى تذمروا من الحر الشديد ".
وقفت ليندا قرب الطرف الآخر للسرير تراقب الرجلين يحدقان بالممرضة الواقفة على الكرسي بثوبها الأبيض الضيق ، والمعقود عند الخصر بزنار أحمر يساعد في كشف قامتها الجميلة وتكاوينها المليئة بالأنوثة.
غرقت الغرفة فجأة في صمت تام فيما الجميع يتفرجون على الممرضة تتفحص الجهاز حتى إنتهى ( المشهد ) اخيرا بنزولها عن الكرسي ، ولم يكن من الصعوبة بمكان ان ترى ليندا في عيني ريك وعمه علامات الإعجاب والرضى بعد ان تاملا طويلا مفاتن الممرضة الحسناء ، خصوصا وأن ريان سارع الى مساعدتها على النزول شاكرا :
" الف شكر يا آنسة ".

أمل بيضون 30-12-11 01:49 AM

بدا الرجل عندها مسرورا مما أعاد اليه بعضا من حيوية جعلته يبدو اصغر من اعوامه السبعة والربعين ، لكن الممرضة سيدني لم تبادل الرجلين سرورهما فظهر عليها الإرتباك وخرجت مسرعة .
عندها ، لم تتمالك ليندا نفسها من الصياح بوجهيهما :
" يا لكما من .... لقد أخفتما الفتاة ! ".
علّق ريك ببرود :
" إستعمال عبارة فتاة خاطىء ، فهي تكبرني ببضعة أعوام ".
لم يكتف ريان بهذا القدر اليسير من المعلومات فسأل :
" بكم تكبرك ؟".
وأردفت ليندا:
" وكيف تعرف عمرها تماما ؟".
" سألتها فتبيّن لي أنها تكبرني بثلاثة أعوام ".
بدا أن فضول ريان لم يخب فتوجه الى ليندا مستفهما :
" هل ظهر عليها الإنزعاج ؟".
" وماذا تريدها ان تفعل وأنتما تدققان فيها بهذه الطريقة ! ".
علّق ريك ضاحكا :
" صائبة كلمة تدققان !".
وتدخل عمه موضحا :
" كنا نتأملها كما يتأمل الذواق لوحة جميلة او تمثالا بديعا ".
لكن ريك كان أكثر وضوحا من عمه لما زاد :
" أو كما تتأمل أمرأة رجلا وسيما ، ألم يحدث لك أن وقفت تتاملين وسامة رجل والتمتع ببراعة شكله ؟".
أرادت ليندا الكلام لكنها أعرضت وذاكرتها تعود الى اليوم الذي شاهدت فيه ريك للمرة الأولى وأحست بما قاله الآن تماما ، ولكنها لا تجرؤ بالطبع على إظهار مشاعرها بمثل صراحة الرجلين .
أزاء سكوتها اضاف ريك :
" ما الضير في النظر الى الممرضة سيدني فهي أفضل ما يحيط بي هنا ؟ كما أنني أحب النظر اليك إذا لم يكن عندك مانع بالضبط ".
إحمرت ليندا خجلا فإبتسم لها ريان وقال لأبن أخيه:
" لا ضرورة لأن تكون وقحا الى هذا الحد إذا كانت ليندا صبورة وتتحمل ".
علّق ريك بإقتضاب :
" لا أحد يجبرها على التحمل ".
نظر ريان اليه بعين غير راضية وتوجه الى الباب قائلا :
" علي أن أتكلم مع الممرضة سيدني وأعتذر لها فيما لو صح قول ليندا ".
إنتظر ريك خروج عمه حتى يعلن :
" اراد ريان إخلاء الجو لنا كي نتشاجر ... أو نتصافى ، فأي الحلين تفضلين؟".
" انا لا أحب المشاجرات ".
" ولكنك لا بد معتادة عليها مع أخوتك ، فالمنزل الكثير الأولاد لا يمكن أن يخلو من التشاجر ".
" الحقيقة ان الأمر لم يتعد يوما الخلاف في وجهات النظر ، فنحن متفقون ونتعايش بسلام تام".
ظهر الإهتمام على ريك عندما سالها :
" هلا اخبرتني عن أخوتك ؟".
" ماذا تريد أن تعرف ؟".
" لقد أطلعتني على أعمارهم وعلى نشاطاتهم ، ولكنك لم تصفيهم أو تصفي طبائعهم ، هل أختك اليسون مثلا جميلة مثلك ؟".
" أليسون أجمل مني بكثير ، ولكن لماذا يهتم الرجال بمظهر الفتيات كل هذا الإهتمام !".
جاء رد ريك سريعا :
" ليس في الأمر إهتمام بل الجمال هو أول ما يقفز الى عين الإنسان ، حسنا لندع المظهر جانبا ونتحدث عن شخصية أليسون ، أهي تحب التضحية ونكران الذات كأختها؟".
" من اين تاتي بهذه الأفكار الغريبة فأنا لا أضحي بشيء !".
قال ريك هازئا :
" صحيح ! لقد جمعت لي حتى الآن باقة من الأفكار إعتبرتها غريبة ".
" ماذا تقصد ؟".
" ألا تعرفين ماذا أقصد ؟".
لم تجب ليندا بل سارعت الى تغيير الموضوع :
" لن أتمكن من المجيء الأسبوع المقبل ".
" لماذا ؟ لا ، لا تقولي شيئا فأنت حرة في قطع الزيارات ساعة تشائين".
" أنت تعلم انني أرغب دائما بزيارتك فكف عن هذه السخافات ، جل ما في الأمر ان يوم السبت يصادف ذكرى ميلاد أخوي التوامين ولا اريد تفويت الحفل المقام بالمناسبة ".
" يا للصدفة ، فذكرى ميلادي قريبة كذلك ! ".
" متى ؟".
حفظت ليندا التاريخ عن ظهر قلب وإنشغلت بالتفكير بالهدية التي ستجلبها له فيما هو يتكلم دون ان تسمع حرفا واحدا ، وأخيرا رفع ريك صوته حتى ينتشلها من شرودها :
" أنت لا تصغين ! ".
" كنت افكر بالهدية التي سأبتاعها لك ".
" لا شك أن الهدية هي لإبقائي في تأنيب الضمير لأنني جرحتك بكلامي ! ".
رسمت ليندا على شفتيها الناعمتين إبتسامة ماكرة وقالت :
" لا ، ولكنني لا أمنعك من الشعور بالذنب لو شئت ذلك ".
علّق ريك بإمتعاض :
" تقولين هذا لأنك على علم بالكثير الذي يشعرني بالذنب ".
جلست ليندا على طرف السرير وأسرت بحنان :
" تعرف أن هذا ليس مقصدي ، فلا تختلق ما يغيظني ".
تنهد ريك وراسها مستلق على صدره الرحب .
وريك يعرف كيف يجعلها تنسى مما جعل ليندا تتمنى لو تحظى بعنايته هذه دائما وتنجومن فظاظته ومزاجيته التي تبقيها حذرة تقيس كل كلمة تقولها وكل حركة تقوم بها ، هو معذور بالطبع بسبب حالته والآلآم المبرحة التي يقاسيها ، وبسبب الشعور بالذنب الذي يحسه إتجاهها ، وليندا مستعدة لتحمل أي شيء مقابل الا ينزلق اليأس والإستسلام للقدر المحتوم ،ومقابل ان تساهم في تخفيف وطأة آلامه وطرد مخاوفه .
حاولت ليندا الإنسجام قدر الإمكان في جو الحفل المرح وإستسلمت للثرثرة مع الشبان اليافعين الذين لم يستطيعوا برغم براعتهم طرد صورة وجه ريك القاسي من مخيلتها.
لاحظ روبن سلوك شقيقته الغريب فحاول أن يعرف سبب إنزعاجها مدفوعا بالشعور بالمسؤولية كونه أكبر منها سنا .
" أنا بخير يا روبن واتمتع بالجو الرائع ، فلا بزوم للقلق".
" ورغم ذلك أنصحك أن تكتفي بشرب الليموناضة يا عزيزتي ".
" لا تكن فظا يا روبن فليندا تعرف كيف تحافظ على توازنها".
إبتسم الشاب معترضا :
" يبدو أنك نسيت ذلك هذه المرة".

خفايا الشوق 30-12-11 12:08 PM

رررررووووووووووووعه

أمل بيضون 01-01-12 12:16 AM

لم تحتج أليسون الى كثير من الذكاء لترى القلق في عيني شقيقتها فسرعان ما قالت بمرح:
"لتكن هذه الليلة ليلة خاصة تنسين فيها كل شيء وتنصرفين الى اللهو !".
بعد إنتهاء الحفلة أوت ليندا الى فراشها لكنها لم تستطع أن تغفو ملء جفنيها ، فافاقت في الصباح الباكر مصابة بصداع قوي ، وكان من الطبيعي أن يخصص قبل الظهر لتنظيف البيت من بقايا البارحة ، مما زاد من إرهاق ليندا التي تناولت بعد ذلك غداء متأخرا واوت الى السرير من جديد ، وعندما نزلت من غرفتها لتناول الشاي وافاها روبن مستفسرا عن صحتها :
" كيف تشعرين الآن ؟".
" أفضل بكثير ، وأرجوك يا روبن ألا تغرقني بالنصائح لأنني أراك متحفزا للبدء بالوعظ ".
إبتسم الشاب وقال :
" انت على حق فأنا متحرق للكلام ، ولكنني لن أفعل إكراما لك ، على فكرة ، هل تنوين زيارة ريك الأسبوع المقبل ؟".
" بالطبع ".
" أليسون وأنا مدعوان لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في لندن عند بعض الأصدقاء ، فهل تودين أن أقلك بسيارتي ؟".
ولم لا ؟ فبذلك تتخلص ليندا من رحلة القطار الطويلة والمملة ، كما ان روبن أكد لها انهم سيصلون الى لندن في فترة بعد الظهر أي في الفترة التي تخصصها المستشفيات للزوار ...
لكن الريح تجري بما لا تشتهي السفن ، فبعد أن قطعت السيارة ثلاثة أرباع المسافة حلّت الكارثة إذ اصدر المحرك أصواتا غريبة قبل أن يتعطل نهائيا .
دفع روبن السيارة الى جانب الطريق وهو يكيل لها من اللعنات ما يعرف ، ثم تفحص الوقود فوجد الخزان شبه مليء ، ففتح غطاء المحرك ولم يصل الى تشخيص للداء إلا بعد ربع ساعة ، فأعلن لشقيقتيه :
" اعتقد أن عطلا طرأ على مضخة الوقود وبالتالي لا يسعني عمل شيء سوى إحضار ميكانيكي ، لذلك سأوقف سيارة تقلني الى أقرب مرآب لأحضر ميكانيكيا أو رافعة تنتشلنا من هذا المكان اللعين ".
ما كادت ليندا تسمع ذلك حتى صاحت :
" لكن الأمر سيأخذ وقتا طويلا وأنا على عجلة من أمري ! ".
رمقها روبن بنظرة متفهمة قائلا :
" اخشى انك لن تتمكني من الوصول الى المستشفى في الوقت المحدد ، ولكن لا باس إن ذهبت الى ريك في المساء ".
" ماذا تقول ؟ نحن على موعد الآن ".
ترددت ليندا :
" سأستقل أول سيارة ....".
قاطعها روبن صارخا في وجهها :
" لن تتحركي من هنا ، بل ستبقين مع أليسون حتى أتدبر امر السيارة ونتوجه راسا الى لندن ! ".
أرادت ليندا الإعتراض لكنها عدلت بعدما نظرت الى وجه اخيها العنيد ، ووجدت فيه من الإصرار ما يقنع ، فرغم طيبته يستطيع روبن أن يظهر قساوة بالغة وتشبثا بالراي كبيرا يجعلان موقفه ثابتا لا يتزحزح .
وهكذا إكتفت ليندا بطلب القليل :
" أاستطيع مرافقتك الى المرآب لأتصل بعم ريك وأشرح له الأمر ؟".
لكن روبن لم يكن في مزاج يسمح له باي تهاون إذ اجاب :
" لن ندع أليسون وحيدة على قارعة الطريق ، إبقي معها وسأبذل جهدي لأتصل بعم ريك ".
بعد قليل توقفت إحدى السيارات لأشارة روبن وأبقى سائقها إلا أن يعرض مهارته الزائفة في إصلاح السيارات .
فأضاع عشر دقائق في تفحص المحرك قبل أن يعلن فشله ، وأخيرا شاهدت ليندا شقيقها يبتعد والرجل بسيارة هذا الأخير بعد أن قطع لها روبن وعدا بالإتصال بريان بيرنيت .
ومرت الدقائق ببطء ثقيل قبل أن يعود روبن وبصحبته الميكانيكي ، وكانت اول كلمة وجهتها له ليندا الإستفسار عن الأتصال .
طوّقت أليسون كتفي ليندا بذراعها وقالت مخففة عنها :
" لا تقلقي يا عزيزتي ، سترينه في المساء وتشرحين له كل شيء ، ألا تستطيعين الإنتظار بضع ساعات ؟".
تنهدت ليندا بيأس وأجابت :
" استطيع الإنتظار لكن ريك قد يفهم المسألة على طريقته ، فأنا لم اذهب لزيارته الأسبوع الماضي وبتأخري الآن سيظن أنني سئمته ولم أعد ارغب برؤيته ! ".
" لكنك شرحت له سبب تغيّبك السبت الفائت ".
" صحيح يا أليسون ، لكن ذلك مضافا الى غيابي اليوم سيجعله يعتقد ان الحفلة كانت مجرد عذر للتهرب منه ".
خرجت اليسون هذه المرة عن تحفظها ونهرت شقيقتها :
" يبدو أنك تقولين للرجل اشياء كثيرة لا يعقل ان يفكر بها لو كان يعرف حقيقتك ! ".
أنار كلام أليسون القاسي وجه ليندا ونبهها الى ما كانت غافلة عنه .
" أنت على حق يا أليسون ، لكنني خائفة لأن ريك المكبل في سريره قد يضخم الأمور بعض الشيء ".
" لست مكانه لأحكم على ذلك ولا أدري من أين جاءتك هذه القدرة على التحليل النفسي ! ".
" أنا اعرف كيف يفكر ريك ".
" وكيف ذلك ؟".
" حدسي ينبئني بالأمر ".
لم تشأ اليسون الإسترسال في هذا الحوار ما دامت غير قادرة على إقناع ليندا بعدم صواب تفكيرها ، وإعتمادها على الحدس الذي غالبا ما يكون خاطئا .
إنتهى إصلاح السيارة أخيرا وتوجه الثلاثة مجددا الى لندن ، وفي الطريق هدأت اعصاب ليندا بعدما أيقنت أن القلق لن يساهم إلا في توتير الجو ، الأمر الذي لن يوصلها الى مقصدها قبل حلول المساء ، فجلست في مقعدها صامتة تنتظر إنتهاء العجلات من إلتهام الأسفلت حتى تلتقي ريك .
فيما دخلت السيارة موقف المستشفى نظرت اليسون حتى تلتقي ريك :
" ما رايك بالدخول لنشرح لريك سبب تاخر ليندا ؟".
لم يمانع روبن في ذلك وولج ثلاثتهم حرم البناء فيما ليندا تتساءل عن ردة فعل ريك عندما سيقابل إثنين من أفراد عائلتها ، هو لم يطلب منها يوما أن يقابل أحدا منهم لكنه ابدى إهتماما ظاهرا لدى أي حديث عنهم ، ولربما حان الوقت لمقابلة أحدهم ، إضافة الى ذلك ، فإن وجود أليسون وروبن الى جانبها سيساعدها في مواجهته لأنه لا بد سيكون غاضبا ، وغضبه إمتحان ليس سهلا تجاوزه .

أمل بيضون 01-01-12 10:44 PM

5- إخرجي من حياتي


بقدر ما كانت سرعة ليندا كبيرة في السير في رواق المستشفى ، كانت سرعة توقّفها امام باب الغرفة أكبر .
وجدت السرير شاغرا بعد أن لحق بها روبن وأليسون وإذا بريك جالس على كرسي يغلق كتابا ويقول بهدوء :
" أهلا يا ليندا ".
نظرت ليندا الى الحائط قرب كرسيه فرأت عكازين مما زاد من إرتباكها فلم تعد تدري كيف تبدا الحديث ، ولا بدّ أن ريك لاحظ ذلك فكان هو البادىء إذ إبتسم لروبن واليسون قائلا :
" الا تكونين أليسون ؟ لقد وصفتك ليندا بدقة بالغة ".
الحقيقة ان ليندا لم تفعل ، بل قالت أن أليسون اجمل منها بكثير ، لكن الشبه بين الإثنتين كبير الى حد جعل إكتشاف أنهما من بيت واحد أمرا يسيرا .
ردت اليسون الإبتسامة باحلى منها وجلست على الكرسي الآخر فيما تولت ليندا شكليات التعارف بين ريك وشقيقها .
بعد ذلك تولت الشقيقة الكبرى ولوج بيت القصيد إذ أوضحت لريك سبب التأخر :
" جئنا لنساعد ليندا في تقديم الإعتذار ، فحظها السيء جعلها تأتي معنا تخلصا من رحلة القطار المملّة دون أن نحسب حسابا لتعطّل السيارة في الطريق ".
علّق ريك ببرود :
" ليست ليندا بحاجة للإعتذار فانا لا أملك حق محاسبتها على وقت مجيئها ".
وهنا تدخّل روبن مضيفا :
" حاولت الإتصال بعمّك فلم أجده ، ولما إتصلت بالمستشفى إنقطع الخط ".
وبنبرة شبه هازئة علّق ريك :
" أشكرك على المحاولة ، لكن الأمر لم يكن حيويا الى هذه الدرجة لتحمّل كل هذه المشقات ".
مرة أخرى فسّرت اليسون :
" حاولت إفهام ليندا ذلك وأنك لا شك تلقيت زوارا كثيرين في غيابها ".
إبتسم ريك ولم يجب مما دفع ليندا الى السؤال :
" هل حضر عمك اليوم؟".
" أتوقع حضوره في المساء ".
أثار رده فول ليندا فإستفسرت :
" وهل اتى السبت الماضي ؟".
" لا تخافي عليّ من الوحدة يا ليندا ، ريان كان هنا وكذلك مارينا التي جلست الى جانبي تداعب يدي وتهمس في أذني أعذب الكلمات ".
فوجئت أليسون بلامبالاة ريك حيال إهتمام شقيقتها ووفائها له ، وكلامه عن فتاة أخرى بهذه السهولة ، فقررت هزه لترى رد فعله وقالت :
" كانت حفلة رائعة وليندا نجمتها الساطعة ، الا توافق معي يا روبن ؟".
أجاب شقيقها بنبرة جافة متذكرا تصرفات ليندا :
" بلى ".
لم يرض جواب روبن مرامي أليسون فنهرته :
" لا تكن قاسيا وتحاول إظهار سلطتك كشقيق أكبر ، لا ارى ضيرا في أن تنال الفتاة قسطا من المرح ، خصوصا إذا كانت محط أنظار الشبان الذين حاموا حولها تلك الليلة كالنحل حول زهرة شهية ".
إعترضت ليندا على ذلك بقوة :
" لا ، لم .........".
لكن أليسون ما لبثت أن قاطعتها :
" لا تدّعي التواضع يا عزيزتي ، فأنت تعلمين ان ما اقوله صحيح ، كانوا على الأقل ثلاثة لم يكفوا على مراقبتك طوال السهرة ، وهذا لا يعني بالطبع أنك لم تمضي وقتا ممتعا ! ".
نظرت ليندا الى ريك حائرة لا تجد الكلمات المناسبة خصوصا وانه ظهر بمظهر غير المكترث لما جرى في السهرة ، وتمكنت بعد جهد من تمتمة :
" كانت السهرة رائعة ، إنما ...".
لم يدعها ريك تكمل كلامها إذ سارع الى القول :
" يسرني سماع ذلك يا ليندا وأنا أراهن أن المعجبين كانوا كثيرين ".
رمقها ريك بنظراته الحنونة لكن إبتسامة ليندا جاءت فاترة .
فقد وجدت في نظراته شيئا مختلفا عن الأسى الذي عهدته مؤ خرا في رجل مقعد يائس تفطر قلبها حزنا عليه .
رفع ريك حاجبيه مستغربا ونظر الى ليندا الواقفة الى جانب شقيقها قائلا :
" لماذا لا تجلسين على السرير ؟".
أجابت ليندا :
" أخشى أن أفسد ترتيبه الممتاز فتؤنبني ممرضتك صاحبة السطوة المخيفة ".
فهم روبن مقصد ريك فذكّر أليسون :
" اعتقد انه علينا الإنسحاب الآن حتى لا نتأخر على موعدنا أكثر ".
نهضت أليسون عن كرسيها فإبتسم ريك وقال :
" تشرفت كثيرا بمعرفتكما وارجو ان تعودا الى زيارتي مرة اخرى ".
شكره روبن مودعا في في حين إكتفت أليسون لتوديعه بإنحناءة من رأسها ،وما هي إلا ثوان حتى كانت ليندا تواجه ريك وحدها :
" اتجد صعوبة في إستعمال العكازين ؟".
تنهد ريك وأجاب :
" ليس الأمر سهلا ولكنني ساعتاد عليهما مع الوقت ".
علّقت الفتاة بنبرة محذرة :
" لا تعتد عليها كثيرا لأنك لن تعود بحاجة اليهما يوما ما ".
" أنت تغالين في التفاؤل ، أليس كذلك ؟".
" وما الفائدة من التشاؤم يا ريك ؟ فالإنتحاب والبكاء لا يحلان المشاكل ".
" ارايتني يوما أنتحب ؟".
" بالطبع لا ".
شعرت ليندا برغبة في الإقتراب منه لأمساك يده ودفن راسها في صدره الرحب ، لكنها لم تجرؤ لأنها لاحظت عليه توترا وإنزعاجا .
في هذه اللحظة وصل ريان وبدا فرحا لوجود ليندا فبادرها قائلا :
" إشتقنا اليك يا ليندا ، كيف كانت الحفلة ؟".
أجاب ريك بخبث :
" قالت شقيقتها أنها كانت محورها ".
" شيء عظيم ( إلتفت ريان الى إبن شقيقه واعلن ) احضرت معي زائرا هاما ، إنها تنتظر وخطيبها في الخارج حتى لا تكون مستعدا لأستقبالهما ".
بدا الفضول على وجه ريك لما سال :
" ومن هي هذه الزائرة ؟".
" ليز وارمان ".
لم يظهر أي إنفعال على وجه ريك وعلى رغم ذلك لاحظت ليندا إنه فوجىء لسماع الأسم وخصوصا بقوله :
" قلت ليز وخطيبها ؟".
أوضح ريان :
" تماما ، فهي خطبت منذ مدة قصيرة الى شاب كندي ، وكان سبب غيابي عنك اليوم ذهابي الى المطار لأستقبالهما فقد وصلا لتوهما ، وأقتنعت ليز بالبقاء في شقتي حتى الغد قبل أن يتوجها لزيارة أهلها ، فهي ترغب برؤيتك ".
هم ريك بالنهوض من مقعده وقال :
" ساعدني لأعود الى سريري فالكراسي غير كافية وليندا لن تجلس على السرير ، لخوفها من أن تقتص منها الممرضة روجرز ".

أمل بيضون 02-01-12 07:45 PM

تقدمت ليز وارمان وهي فتاة متوسطة الطول شعرها الأسود يتوج وجها جميلا تزيد من بريقه عينان زرقاوان ، من ريك وضمته بحنان ثم عرّفته بخطيبها الكندي ، شاب ممشوق القامة ، يبدو فخورا كونه حظي بليز ، لكنه أظهر إرتباكا لم تعرف ليندا سببه وإن يكن محصورا في واحد من إثنين ، أما طبيعة خجولة أو اسف سببه إمتلاؤه صحة وعافية بينما ريك مقعد في سريره لا حول له ولا قوة .
لم تنتظر ليز طويلا حتى غرقت في سرد المغامرات التي خاضتها في كندا خلال الأشهر الستة المنصرمة ، وفهمت ليندا من كلامها أن الروابط بينها وبين ريك متينة وقديمة جدا ، وان اواصر صداقة عميقة تربط بين العائلتين .
حاولت ليندا مرة خلال الجلسة سحب يدها لكن ريك كان لمحاولتها بالمرصاد ، إذ احكم قبضته عليها بعنف جعلها تعدل عن المحاولة .
إقتربت ليز من السرير ، حيث ما يزال ريك ممسكا بيد ليندا ، وطبعت قبلة أخوية على جبينه في حين مد خطيبها يده مصافحا ، لكن ريك لم ير أو تظاهر بعدم رؤية ذراعه الممتدة وإنشغل بالقول لليندا :
" أراك غدا يا عزيزتي ".
ردت ليندا بإبتسامة صغيرة ومضت دون أن تنبس ببنت شفة .
لم يستطع النوم طرد السهاد من عيني ليندا معظم تلك الليلة، وهو لما فعل لماما تكلفت الكوابيس بمهمة إيقاظها مذعورة .
في المستشفى لم تدر ليندا سبب ترددها قبل فتح باب الغرفة .
إستقبلها ريك جالسا في سريره وعباءته مرمية على الكرسي حيث أسند عكّازيه ، وكعادته فاجاها بخروجه على المالوف إذ إكتفى بالقول :
" عاد جيمي الى بيته ".
" رائع ! ولكنك ستشتاق اليه ".
رماها ريك بنظرة غامضة قائلا :
" أرجو ان يفي بوعده ويعود لزيارتي ".
" بالطبع سيفعل ".
غلفت الحدّة نبرة ريك عندما تكلّم مشيرا الى الكرسي :
" أحسدك على تفاؤلك الدائم ، إرفعي الأغراض وإجلسي ".
اسندت ليندا العكازين الى السرير ورتبت العباءة وهي تمرّر يدها عليها بإعجاب معلقة :
" قماش فاخر ".
" إنها هدية ".
كاد لسان ليندا يسبق تفكيرها ويسال ممن الهدية ، لكنها إستطاعت لجمه في آخر لحظة ، رغم ذلك أدرك ريك تساؤلها وقال هازئا :
" ريان رجل طيب للغاية ، على فكرة ، لم تعطني رأيك بأليسون وروبن ".
" لطيفان جدا مع العلم أن شقيقتك لم تستلطفني على ما أظن ".
" ما الذي يجعلك تقول ذلك ؟".
" مجمل تصرفاتها وإن تكن في منتهى التهذيب ".
" نظرتك خاطئة يا ريك ، فأليسون لا تكره الناس بلا سبب ".
"لديها سبب وجيه وهو أنني عاملتك بقسوة بالغة أمامها ".
تعرف ليندا تماما أنها كانت عرضة لمعاقبة باردة من ريك ، ولم يخطر ببالها أن أليسون وروبن لاحظا ذلك فإعترضت بنبرة غير واثقة :
" هراء ! لقد كنت مهذبا ولطيفا ...".
قاطعها ريك بلهجة النادم:
" لطيف على بعض الشراسة ، أليس كذلك ؟ شقيقتك ليست غبية لينطلي عليها هدوئي المزعوم ".
حاولت ليندا تغيير الموضوع فقالت بدلع :
" أليسون ليست غبية أولا ، وهي أجمل مني ثانيا ".
" ايضايقك ذلك ؟".
ضحكت ليندا وأجابت :
" على العكس فانا فخورة بشقيقتي ".
فجأة تجهم وجه ريك وكأن شيئا خطيرا سيحدث ، فأحست ليندا بقسوة اللحظات الآتية ، وخصوصا لما تنازل عن صمته وعلن :
" عليّ أن أتكلم بصراحة يا ليندا ".
" عسى ألا يكون كلامك سخيفا ".
" الموضوع أكثر من جدي ، قررت ألا استغل طيبتك أكثر مما فعلت ، ليندا ، لا اريدك أن تأتي لزيارتي بعد الآن ".
كان لهول الصدمة اثر كبير على ليندا فعجزت عن التفوه بكلمة واحدة ، وساد الغرفة صمت ثقيل لم يتبدد إلا مع صحوة ليندا وقولها :
" لا يمكن أن تكون جدا ! لا أستطيع الكف عن رؤيتك ، فلا تحاول لبس مظهر النبل والشهامة ! ".
"ولم لا ؟ ألم يحن دوري لأظهر بعض الشهامة ؟ لقد كنت خير بلسم لجراحي وخير معين في محنتي وأنا أقدر لك وفاءك وإخلاصك ، لكنني لم أعد بحاجة اليك الآن ، فقد أبلغني الأطباء أنني في طريقي الى الشفاء ، وأنني ساستغني قريبا عن العكازين وأعود الى بيتي سليما معافى ".
" هل أكدوا ذلك ؟".
" نعم وفضلك في تحسن حالي كبير ، لقد ساعدتني وأنا ممتن لك ".
حدقت ليندا فيه والإنفعال باد على وجهها ثم صاحت :
" فضل ؟".
" لن أدعك تضحين أكثر ! أنت صبية جميلة وأبواب الحياة مفتوحة أمامك لتغرفي من طيباتها ، عليك أن تذهبي الى الحفلات بدل زيارة رجل مقعد ...".
أكملت ليندا جملته :
" حيث أضيع صباي وجمالي ، أليس كذلك ؟ ( أطلقت ضحكة متوترة واضافت ) بالله عليك ، الن تضيف أنه علي البحث عن رجل مكتمل البنية أو ما شابه ذلك من الكلمات الجوفاء ؟".
ظنت ليندا لبرهة أنه سيبادلها الضحك ، لكن قلقا غريبا ملأ عينيه وقال بكل جدية :
" ربما كنت على حق ".
" ماذا تقصد ؟".
إنفجر ريك عندها غاضبا :
" ما زلت صغيرة لتدركي الحقيقة ! أنت مجرد فتاة خجولة لا تعرف من الحياة شيئا ".
رمته الفتاة بنظرة تحدّ مستفهمة :
" لا بدّ لقولك مقصدا معينا ".
" بالطبع ".

أمل بيضون 03-01-12 12:51 AM

حارت ليندا في تفسير قوله ، أهو أدرك لحقيقة مشاعرها نحوه أم تسليم بمبادئها الخلقية السامية؟ وكيف السبيل إلى إستخراج الحقيقة من اعماق نفسه خصوصا ، وأنه خبأ عينيه بيده علامة التعب أوالالم ؟ ولما رات ليندا ذلك إقتربت منه أكثر وسألت بنعومة :
" ما الأمر ؟".
بدا على ريك الإرهاق والإعياء فإكتفى بالقول :
"لا شيء ، أرجوك يا ليندا ألا تاتي اليّ بعد الآن ".
صعقت ليندا ، لا لأصراره ، بل للتوسل البادي في صوته ، فنظرت اليه مرتبكة وسألت :
" قل لي ما السبب ".
" السبب انك لا تصلحين لي ( لم يأبه ريك للالم الذي سببه لها واضاف بلا رحمة ) أكره نفسي عندما تكونين بجانبي لأنني استغلك بوقاحة وأنت ساكتة على ذلك ".
" ساكتة لأنني موافقة ".
" ألا تدركين انني لا أملك شيئا أقدمه لك بالمقابل يا ليندا ؟".
أطرقت ليندا تحاول إستيعاب تصميمه على موقفه فأطلق ريك زفرة تدل على نفاد الصبر وأكمل :
" تخطئين إذا ظننت انني في أمس الحاجة اليك ".
" أنت لا تحتاج الي ولكنني استطيع المساعدة ".
صاح ريك في وجهها :
" يا الله ! ماذا عليّ ان افعل لأفهمك أنني لا أريدك! ".
" تستطيع أن تقول لي بكل بساطة أنك لا تريدني في حياتك فاصدق كلامك وأرحل ، ولكن ذلك لن يحدث إلا بعد شفائك ".
إشتبكت عيونهما في قتال مرير خرج منه ريك مسلّما :
" حسنا يا سيدتي ، فلتكن صفقة ! سأفعل حسبما تشائين ".
أرسلت ليندا لريك بعض الكتب بمناسبة ذكرى ميلاده ، ومنها رواية جديدة حطمت الأرقام القياسية في البيع وديوان شعري عتيق متروك للغبار في إحدى زوايا مكتبة متواضعة .
صحّ ظن ليندا بأهمية هديتها فلما زارت ريك لأول مرة بعد إرسال الكتابين وجدت ديوان الشعر موضوعا على الطاولة قرب السرير .
" أرجو ان يكون الكتاب قد نال إستحسانك ، فانا لا أعلم ما إذا كنت تهوى الشعر ".
وبشيء من الكلفة والشكلية قال ريك شاكرا :
" شكرا على الكتاب فقد جعلني أكتشف أنني أحب الشعر وأتمتع كثيرا بقراءته".
تصرّف ريك طوال جلستهما بغرابة ، إذ بدا انيسا ومهذبا كأنه يجالس شخصا غريبا ، رات ليندا في عمله محاولة تباعد وبناء جدار بينه وبينها ، تمهيدا للانفصال النهائي .
عندما حضر ريان إنفرجت أسارير ريك وخاض مع عمه في احاديث طويلة ، كانت ليندا شبه غائبة عنها رغم محاولات ريان إشراكها بها ، واخيرا توجه اليها الرجل مباشرة :
" هل أخبرك ريك برضى الأطباء عن تحسنه الرائع ؟ هم يظنون أنه سيستغني عن العكازين وإن يكن سيحتاج الى عصا لفترة قصيرة ".
فوجئت ليندا بذلك وقالت :
لماذا لم تخبرني يا ريك ؟".
إبتسم ريان معلقا :
" ريك متواضع جدا ولا يحب التباهي بمنجزاته ، إعترف لي الأطباء بأنهم لم يشاهدوا في احد من مرضاهم مثل عزمه على الشفاء والسير من جديد بأقصى سرعة ممكنة ".
إغتنم ريك الفرصة ليضيف بمكر وتهكم :
" فعلت ذلك دون أي مساعدة ".
إنزعجت ليندا لكلامه لكنها تمالكت نفسها قائلة :
" أنا على ثقة من أنك ستعود الى حالتك الطبيعية قريبا يا ريك ".
" أعلم ذلك ،وخير البر عاجله ".
إبتسم ريان قائلا دون أن ينتبه للصراع الخفي الدائر بينهما :
" يا للروح المعنوية العالية ! ".
إستمر هذا الصراع اسابيع طويلة أظهر ريك خلالها لا مبالاة نحوليندا وقساوة بالغة أحيانا ، أما لسانه فإكتسب من السلاطة ما دفع ريان مرة الى التدخل مؤنبا :
" كفى يا ريك ! نحن ندرك انك في حالة إستثنائية لكن هذا لا يسمح لك بالتصرف بهذه الطريقة وكأنك طفل مدلل ! ".
نظر ريك الى عمه وعيناه تقدحان شررا وقال :
" لا تتدخل بيننا يا ريان فانا لم اعد طفلا ، وأعرف كيف اتدبر شؤوني ".
" قولك لن يمنعني من تنبيهك بأنك مدين بإعتذار لليندا ".
رضخ الشاب أخيرا لمشيئة عمه وتوجه الى الفتاة :
" أنا آسف يا ليندا ".
لم تجب الفتاة تاركة المجال لريان ليحسم الأمر ويقول :
" نراك في الغد يا ريك ".
وقبل ان يعترض الشاب تأبط ريان ذراع ليندا مضيفا :
" تعالي لنتناول فنجان قهوة معا ".
بدأ الرجل الحديث وهما يحتسيان القهوة الساخنة في المقهى :
" ماذا أصاب ريك هذه الأيام ؟".
هزت ليندا باسى بالغ رأسها وهمست :
" ربما كان من الأفضل ألا احضر لزيارته بعد الان ".
اخفت نبرة ريان خلف هدوئها غيظا شديدا .
" لن تفعلي فقد حذرتك منذ البداية من مغبة التراجع وترك ريك في منتصف الطريق ".
" الأمر ليس بيدي لأن ريك لم يعد يريدني وقد طلب مني مرارا التوقف عن المجيء ".
" أحسنت بعدم الإنصياع لرغبته يا ليندا لأنك لو فعلت ، لأستسلم لليأس ولما عاد قابلا للشفاء ".
" عقد صفقة معي ".
إنتظر ريان حتى تشرح له ما هية هذه الصفقة ، ولما رآها صامتة سأل :
" الن تقولي ما هي ؟".
عجزت ليندا عن الكلام لأن الصفقة المعقودة بينهما تفوق حد التعامل الإنساني المبني على إحترام العواطف ، فقالت محاولة تغيير الموضوع :
" حالته في تحسن مستمر ، أليس كذلك ؟".
" جسميا لا نفسيا ، فالقلق يظهر على تصرفاته وعلى تصرفاتك ايضا ".
هزّت ليندا راسها فاكمل ريان :
" ربما كان سبب ذلك صراعه العنيف مع الشلل ، لكنني اشعر أن هناك شيئا آخر يقض مضجعه ، اعندك فكرة عما يكون هذا الشيء ؟".
قالت ليندا بتردد :
" ما مدى علاقته بليز أورمان ؟".

أمل بيضون 03-01-12 11:36 PM

ضاقت نظرات ريان وأجاب :
" ليز وريك متعارفان منذ زمن طويل ، كانا يخرجان معا ولكن ( فكّر ريان قليلا ثم تابع ) ألا ترين انه تغير منذ زيارتها؟".
" صحيح ".
" لم يخطر لي يوما ان العلاقة بينهما جدية وتعدى إطار التسلية والصداقة ، اتكونين بصدد محاولة تضليل لئلا تكشفي لي حقيقة ما يجري بينك وبينه؟".
أقنعت نبرة ليندا العفوية ريان بخطأ إفتراضه :
" بالطبع لا !".
إبتسم الرجل وهو يربت على يدها قائلا :
" حسنا لا تغضبي يا عزيزتي ، وفي أي حال اصبحنا قاب قوسين أو أدنى من إنتهاء المحنة بخروج ريك منها معافى".
حدث كل شيء بسرعة مذهلة ، فقد عادت ليندا من زيارة المستشفى ، لتتلقى في بحر الأسبوع طردا مضمنا فضّته امام افراد العائلة الفضوليين ، كان في الطرد علبة حمراء تحتوي سوارا فضيا ثمينا ورسالة قصيرة من ريك ، يقول ريك في الرسالة أنه خرج من المستشفى وانه يعترف بجميلها وممتن بتمضيتها الأوقات الصعبة بجانبه ، كما يعتذر عن سوء تصرفه نحوها في بعض الأحيان ، ويأمل كذلك أن تسامحه وتحتفظ بنفسها بذكرى طيبةعنه ، وتقبل الهدية المتواضعة عربون التقدير والعرفان ، وتمنى لها أخيرا كل خير ونجاح...
رسالة الوداع...
طوت ليندا الورقة في يدها والصمت الجليدي يخيم على المنزل ، ثم وضعتها في علبة السوار ، وإنسحبت الى غرفتها ، تاركة أفراد العائلة في حالة من الذهول والحيرة .
بعد حوالي الساعة غامرت والدتها بالدخول الى الغرفة ، فوجدت إبنتها واقفة قرب النافذة تنظر الى الفراغ والورقة متدلية من بين أناملها المرتجفة .
قالت ليندا دون أن تلتفت الى أمها :
" إقراي ".
علّقت السيدة لورانس بعد فراغها من القراءة :
" ربما وجد ان الرسالة أسهل من مواجهتك لأن موقفا كهذا ليس سهلا على الإطلاق".
وافقت ليندا ظاهريا على كلام والدتها قائلة:
" ربما وجد الرسالة أسهل ... لكنه سيضطر مع ذلك الى مواجهتي ...".
ترجّلت ليندا من تاكسي أقلّها الى العنوان الذي اعطاها إياه ريك لأشهر خلت وللمرة الأولى في حياتها شعرت بالتوتر والخوف مما ينتظرها ، وقفت امام البناء الضخم شاعرة برهبة حيال فخامته ، وترددت طويلا قبل أن تقرر الدخول وتأخذ المصعد الى الطابق الثاني .
أثارت حقيقة غناه في نفسها تساؤلا جديدا : هل يظنها ريك تسعى وراء ماله ؟ لكنها سرعان ما طردت الفكرة من راسها لأن ريك ليس من النوع الذي يظن سوءا بالناس كما أنه ليس من أولئك الأثرياء الذين يقيمون وزنا للفروقات الطبقية.
رنّة خفيفة على الجرس ويفتح لها خادم بثياب أنيقة.
" أود مقابلة السيد ريك بيرنيت من فضلك ".
إستفسر الخادم عن إسمها ، وغاب بضع لحظات قبل أن يعود ، ويقودها الى داخل الشقة المفروشة باناقة وذوق ، في غرفة الجلوس ، إمتدت سجادة سميكة ومقاعد وثيرة ، وقرب أحد هذه المقاعد وقف ريك وعلى وجهه أحلى إبتسامة قائلا :
" ليندا ! يا لها من مفاجأة ! ".
" اهي حقا مفاجأة ؟".
لم يجب الرجل بل قدّم لها مقعدا وجلس بدوره دون أن يظهر اثر لعكّاز أوعصا ، وإن يكن الشحوب لم يغب تماما عن وجهه .
" أشكرك على السوار".
نظر ريك الى معصم ليندا الخالي وعلّق :
ارجو أن يكون نال إعجابك ".
لم ينجح دفء المقعد المريح في تهدئة ليندا التي بدت متوترة عندما قالت :
" سوار جميل جدا ، كيف تشعر ؟".
" أنا باحسن حال ، أمشي كثيرا مع الم خفيف ، طمأنني الأطباء الى زواله القريب تلقائيا ، وعلى ذلك سأكون في مكتبي كالمعتاد من الأسبوع المقبل ،بكلمة ، لقد شفيت تماما ".
" اجاد أنت في ما تقول ؟".
" كل الجدية ".
" الحمد لله إذن ، ولكن قل لي لماذا لم تعد راغبا في رؤيتي ؟".
" ألا تعرفين الإستسلام ؟".
" اريد ان اعرف السبب ".
" حتى وإن آلمتك ؟".
" نعم ".
" رايت أنك بحاجة لمن يريحك ، ويرفع عن كاهلك العبء الثقيل الذي تحملته ".
" لا تعد الى النغمة عينها ! أنت تعلم تماما أنني لم أبق بجانبك لشعوري بالمسؤولية او بالشفقة ".
" أعلم ذلك ، ومن جهتك تعلمين أنني لم اصرح لك يوما بحبي ".
عرفت ليندا الان معنى قوله ، حتى وإن آلمتك ، وفجأة غمرها الخوف .
" اسلّم بذلك ".
إزاء إقرارها بالأمر أضاف ريك :
" بما أنني لا أحبك اردت قطع العلاقة حتى لا تقولي أن دافعي للإستمرار بها هوموقف نبيل مقدّر لمساعدتك .... انا لست بطلا يا ليندا بل مجرد جبان يخاف من المجاهرة بالحقيقة ".
" أي حقيقة ؟".
" أنا على عتبة الزواج ".
سمّرت الصدمة ليندا في مكانها ودارت بها الغرفة ، فاحسّت أن وجه ريك تبدّد الى ذرّات صغيرة قبل أن تعود اليها الرؤية واضحة ، وبعد ثوان قالت بصوت متهدج :
" لا يمكن أن أصدق إلا إذا كانت ليز ...".
فوجىء ريك لسماع إسم ليز فقال :
" ليز مجرّد ...".
قاطعه جرس الباب وصوت مألوف لأمرأة تتحدث الى الخادم :
" حسنا ، خذ الأغراض الى المطبخ فالليلة سأعد وجبة تعلمتها مؤخرا ولكنني سألقي التحية على ريك قبل ذلك ".
وقف ريك ليستقبل خطيبته التي دخلت الغرفة فبادرها بالقول :
" أهلا بك يا روث ، تذكرين ليندا اليس كذلك ؟ ( أضاف ريك متوجها الى ليندا ) أقدم لك عروستي العتيدة ".
نظرت ليندا الى روث وقالت كالبلهاء :
" الممرضة سيدني ! ".
صحّحت المرأة قول ليندا :
" روث من فضلك ".
بدت خطيبة ريك مختلفة عما كانت عليه في المستشفى ، فقد زادت حيوية تجلّت في بريق عينيها وحمرة خفيفة في وجنتيها ، كل ذلك يتناسب مع خاتم الخطوبة الماسي في يدها اليمنى .
تمكنت ليندا إنقاذا للموقف من رسم إبتسامة فاترة على شفتيها والقول :
" أتمنى لك يا روث كل خير وهناء ( إلتفتت صوب ريك واردفت ) طالما ظننت ان الممرضة سيدني أفضل ممرضات المستشفى ، وخبر الزفاف أتى تتويجا لذلك ".
أمسك ريك بيد خطيبته ثم قال :
" روث طاهية ماهرة الى درجة أنني افضّل تناول العشاء هنا بدل أن نخرج الى المطاعم ، ولست الوحيد الذي يقول ذلك ، فريان يشاطرني رأيي بحماس ".
تساءلت روث سيدني بواقعية :
" لماذا يقصد المرء المطاعم ويبدد أمواله ، ما دام يستطيع تناول افضل الأطعمة في المنزل ؟وخصوصا إذا كان في المنزل مطبخ مجهّز بأحدث الوسائل كمطبخ آل بيرنيت ، وأنا أتحرّق للإنتقال الى هنا ليصبح المطبخ في تصرفي الدائم ".
عندئذ قال ريك مداعبا :
" كم احب المرأة المطيعة والمهتمة بشؤون البيت ! هيا يا روث الى المطبخ لتقومي بوظيفتك السامية ! ".
حيّت روث ليندا ببرود :
" الى اللقاء يا ليندا ".
بقيت ليندا واقفة بعد ذهاب روث ، تراقب وجه ريك القاسي ولم تستطع تمالك نفسها من القول :
" هل ستدعوها بإسمي عندما تعانقها ؟".
رماها ريك بنظرة ملؤها السخط اللاهب وأمر :
" إخرسي يا ليندا ! ".
أقفلت ليندا فمها بيدها ، وكأنها تحاول إرجاع الكلمات الحمقاء التي خرجت لتوها دون وعي .
" انا آسفة ".
" من الأفضل ان تذهبي ".
" أجل ".
قالت ليندا ذلك ، وتوجهت الى الباب ، ثم إلتفتت اليه ورات وجهه منحوتا من الصخر لا يرشح منه أي إنفعال ، ولا يمكن إكتشاف حقيقة شعوره ، وفجأة مرّت في ذهن ليندا فكرة مشككة فقالت :
" لم أرك تمشي بعد كما إتفقنا في الصفقة ".
" حسنا ".
مشى ريك نحوها بثقة تامة ، وإن يكن عمل ساقه اليسرى ليس سليما تماما ، ويحتاج الى مزيد من العلاج والتمرين ، وكلما إقترب ريك منها ، كلما كبر التحدي في عينيه ، تسارعت دقات قلب ليندا وأحست بقطرات من العرق البارد تتصبب على جبينها .
واخيرا وصل ريك اليها وقال بهدوء وثقة :
"والآن بعد ان أعطيتك البرهان ، هلاّ خرجت من حياتي ؟".



خفايا الشوق 04-01-12 12:09 PM

ررررررروووووووووووووووووو وعه

شـكــ ـــرا ... لك مني أجمل تحية .

أمل بيضون 04-01-12 02:41 PM

6- سيف الحب


أحيطت ليندا بكثير من الرعاية بعد الصدمة التي تلقّتها على يد ريك ، وإزداد إهتمام أخوتها بها ، فحاولوا جاهدين ان يوفروا لها حياة إجتماعية جديدة ، لم يدعوها ابدا بمفردها تستسلم لأوهامها ، بل هناك دائما أحد بقربها يمنعها من الإسترسال في التفكير ، وينتشلها من نوبات القنوط والتجهم التي راحت تنتابها من وقت لآخر ، حتى في قرارة نفسها لم تعد تلك الفتاة العفوية المتحمسة لأظهار مكنونات صدرها ، بل صارت تحسب ألف حساب قبل أن تدع الناس يكتشفون مشاعرها الدفينة ، وصارت تتفاجأ بإعجاب الرجال بها ، خاصة عندما تقارن وجهها بوجه أختها الدافىء والبديع ، أو بين رصانتها وفظاظتها أحيانا وبين شخصية اختها العذبة وإطلالتها المشرقة والضاحكة أبدا ، فكانت تهزأ من إطراء الناس لها ، وتنفر من الذين يتوددون اليها .
وإكتشفت أنها ما زالت فتيّة على تفهم مشاعرها فكيف بإمكانها أن تسبر غور شخص مثل ريك وتفهم عواطفه ؟ وجهها اليافع لم يكن كافيا لشخص مثل ريك ، ففضّل عليها إمرأة خبرت الحياة ولها القدرة على فهمه.
وجاء اليوم الذي قضى على آخر ذرة أمل لديها ، وأخمد بصيصا ما زال في فؤادها ، ففي ذلك اليوم ورد خبر صغير في إحدى الصحف يحمل نبأ زفاف ريك والممرضة روث في إحتفال بسيط هادىء ، إقتصر على الأقارب في إحدى أصغر كنائس لندن ، لم تكن هناك أية صورة للثنائي السعيد .
فسألت اليسون مستفهمة :
" ماذا يعني الحرفان ر. ر. ؟".
إكتشفت ليندا كم كانت معرفتها بريك سطحية ، فقد عجزت عن تفسير معنى حرف الراء الثاني لأختها فإكتفت بالقول :
" الراء الأولى تعني ريك ! ".
وكتمت حسرتها تاركة أختها تحاول بمفردها إيجاد الجواب .
أتمت ليندا دراستها في المعهد ونالت سهادة التعليم ، وبدأت عملها كمعلمة في مدرسة محلية .
وتزوجت أليسون من شاب بعد قصة حب غريبة ، فهو لم يابه لها في بادىء الأمر مما زادها تعلقا به ، وظلت تتعقبه بمراوغة وحذق فائقين متعجبة من نفسها كيف تنساق وراء شاب كانت تتصور أنه من النوع الذي لا يعني لها شيئا ، وفي النهاية وقع الحب وحلّت الخاتمة السعيدة.
وتزوج روبن ايضا ، اما ليندا في سنها الرابعة والعشرين فقد بدات تحس بالتملل والجر ، فإنتقلت الى لندن حيث راقها العمل في مدرسة للاطفال المعاقين ، فتذكرت حين راتهم جيمي ، ذلك الطفل الجريء صاحب العينين الداكنتين والساق الصناعية ، فلعل العمل مع هؤلاء الأطفال ، يساعدها على ملء الفراغ الهائل الذي ينغص عليها حياتها الهادئة .
أعجبت ليندا كثيرا بعملها الجديد ، فبالرغم من الأعباء الجديدة التي القاها على كاهلها ، شعرت أنها وجدت فيه الإكتفاء والصفاء اللذين كانت تنشدهما .
ولكن كتب على ليندا أن لا تهنا براحة أو تسعد بأمر ، وكان القدر خاصمها طوال العمر فيريد الثأر منها كيفما تصرفت واينما رحلت ، ففي يوم أحد ، كانت تتنزه كعادتها في إحدى الحدائق العامة ، تراقب العائلات الإنكليزية تفترش الأرض مقيمة الولائم على العشب الاخضر ، والصغار منهم من يطعم اسراب الأوز التي تختال في نهر قريب ، ومنهم من يلعب بالكرة في الفسحات الخضراء بين الأشجار ، ولفت إنتباهها ولد في حوالي الثالثة من عمره بجماله وترتيبه ، واحست ان فيه شيئا ما مالوفا لديها .
كان يلاعب طفلا آخر منه بكرة ملونة ، وفي الجهة الأخرى فتاة صغيرة بإبتسامتها الفاتنة ، تشاركهما اللعب، لكنها ما لبثت أن تعثرت في جريها ووقعت ارضا ، وبسرعة مدهشة ركض الولد الصغير نحوها وساعدها على النهوض برقة والقلق يغشاه .
إبتسمت ليندا أمام هذا المنظر المؤثر من غير ان تدري سببا لإهتمامها بمراقبة الولد ، الى أن حجبت عنها الرؤية إمرأة أسرعت على صراخ الصغيرة وإنحنت مباشرة تنفض التراب عنها ، ولحسن حظ ليندا ان القادمة لم تنتبه لها فقد كانت الممرضة روث سيدني أو بالأحرى السيدة برنيت والدة الأطفال .
لم تصدق ليندا كيف وصلت الى مسكنها الصغير لتستسلم لنوبة بكاء طويلة ، فلا عجب من إهتمامها المفاجىء بالطفل وبوجهه المألوف لديها ، فهو يشبه أباه تمام الشبه ، ولا شك أنه صورة مطابقة لريك في طفولته .
حاولت ليندا قدر إستطاعتها أن تمنع نفسها عن التفكير بما جرى ، فالحزن لا يجدي وحان لها ان تتحرر من قيود الماضي ، لكن القدر ما برح سيد مصيرها يتحكم بها كيفما يشاء ، فشاءت الصدف ان تقرأ يوما عن طلب معلمة للعمل في مدرسة في نيوزيلندا ، واحست ليندا وكأن القدر يفسح لها في المجال لتتخلص من نمط حياتها الحالي ، ودفعها حبها للمغامرة الى الإبتعاد عن اهلها ومنزلها بعدما أخبرتهم ان غيابها لن يطول ، وهلها من جهتهم لم يحاولوا ثنيها عن عزمها فهي قبل كل شيء راشدة وقد بلغا الرابعة والعشرين من عمرها .
إنتقلت ليندا الى نيوزيلندا ، حيث أمضت سنة كاملة كمعلمة في مدرسة كبيرة ، إنتقلت بعدها الى كورومانديل حيث المنزل الصغير والعناية بالأطفال المعاقين ، هناك إنصرفت كليا الى عملها ، برفقة أصدقاء لطفاء وغير متطلبين ، وصرفها واقعها الجديد عن التفكير بذلك الشاب الأسمر الذي عرفت معه أجمل ايام عمرها ، والذي رددت شفتاه إسمها ، وحضنتها ذراعاه أمسيات عديدة .
لكن الأيام لم تقو أبدا على محو يوم واحد فقط من ذراكرتها ، يوم نظر اليها ببرودة وطلب منها الخروج من حياته.

أمل بيضون 04-01-12 07:11 PM

إستيقظت ليندا والدموع لم تجف بعد على وجنتيها ، لقد إنتهى العيد وعليها ان تبدأ نهارا جديدا .
دخل التلاميذ القاعة محدثين جلبة غير مقصودة ، منهم من إتكأ على عكازين وإعتاد عليهما فسار بخفة تثير الإعجاب ، ومنهم من اتى بكرسي متنقل قاده بكل ثقة وسهولة في انحاء القاعة ، وكانهم في عملهم هذا يدحضون وصف الناس لهم بالمعاقين ، ويثبتون أن ما منعهم من إرتياد المدارس العادية ليس العاهات التي يعانون ، بل مبتكرات المجتمعات الحديثة التي اوصدت في وجوههم ابواب الإنفتاح على العالم كالسلالم الكهربائية والعادية ، والأبواب المتأرجحة ، والسيارات ، وغيرها من الإختراعات التي يستحيل عليهم التكيف معها وإستعمالها ، فهم لا يختلفون عن غيرهم من الأطفال ، بذكائهم وهدوئهم أحيانا ومشاكستهم أحيانا أخرى ، كاي تلميذ عادي في الصف.
وإضافة الى قلة عددهم كان هناك تفاوت في اعمارهم ، وليندا رأت في ذلك تحديا وحافزا أكبر على العمل والتقدم .
فسهل عليها تقسيم الصف الى مجموعات ، تتميز كل مجموعة عن الأخرى بقدرات معينة على العطاء في مواضيع مختلفة ، هي وزميلتها في العمل شارون كريغ التي تهتم بالتلاميذ الصغار ،حصدتا نتائج جيدة حتى الآن ، فأسلوبهما في التعليم واحد ، مما سمح لهما بتأليف فريق رائع ومتجانس .
حيّتهم ليندا بصوت عال قائلة :
" صباح الخير يا أولاد ".
فردوا التحية بأجمل منها ، وبدا يوم عمل آخر لا يختلف عن بقية ايام التعليم .
كعادتها توجهت ليندا لتناول طعام العشاء في القاعة الكبيرة المخصصة لموظفي المدرسة ، حيث إلتقت زميلتها كليو برنت ، بقامتها القصيرة والممتلئة في آن والتي لم تمنعها من التمتع بشعبية كبيرة بين بقية الموظفين ، دعتها كليو للجلوس وتناول الطعام معا وما لبثت أن إنضمت اليهما بعد دقائق بيغي واتسون ، زميلتهما الدائمة ، كانت هي الأخرى متوسطة القامة ، سمراء ، تتمتع بقسط ضئيل من الجمال ، وتستغل يديها النحيفتين والقويتين في قسم التدليك في المدرسة .
وجدت ليندا في صداقتها لزميلتيها ، فرصة لتستعيد بعضا من حياة المراهقة التي حرمت منها في الماضي القريب ، فكانت علاقتهن طبيعية مع بقية الموظفين ، لكن فيما بينهن كانت العلاقة أوطد وأمتن بكثير ، الى درجة ان ليندا المعروفة بهدوئها وقلة كلامها في المدرسة ، تبزّ صديقتيها كلاما وحركة عندما يكن وحدهن.
جلست الفتيات الثلاث الى الطاولة وتناولن في البداية حساء يحوي خلاصة كبد الدجاج ، ثم قطعة من اللحم مطبوخة مع أنواع متعددة من الخضار ، واخيرا إخترن من الحلويات قطعا من الدراق الطازج يغمرها سائل بني اللون يحوي سكّرا محروقا.
إستهلت بيغي الكلام ، بعدما أنهت طعامها بسرعة ، سائلة :
" هل سمعتما أن المدرسة معرضة للإقفال والتوقف عن العمل ؟".
توقفت زميلتاها عن الأكل مشدوهتين ، وإستفهمت كليو بإهتمام بالغ :
" من أخبرك ذلك ؟".
" سمعت النبأ من عدة مصادر ، يبدو أن المؤسسة تواجه مشاكل مادية ، وانتما تعلمان انه قد عيّن مجلس لأدارة الشركة ، مهمته تنفيذ وصية هيلين ديوك".
فردّت كليو :
" طبعا ، نحن نعلم ذلك ، فهذا عامنا الثاني انا وليندا في هذه المؤسسة ، ولم يسبق أن تخلفنا عن حضور أي إجتماع أو الإطلاع على قرارات مجلس الأدارة".
واضافت ليندا :
" ولا ننس الأسابيع التي أمضيناها في تحضير المكان وترتيبه ، قبل مجيء أعضاء المجلس لتنفيذ مهمتهم ، ولا ننس أيضا ذكر أولياء التلاميذ ".
أجابت كليو :
" أنا لم انسهم ، لكن أولياء التلاميذ يقومون بزيارة المؤسسة بإستمرار ، والإحتفال السنوي يعود ريعه لمجلس الإدارة".
قاطعتها ليندا مذكّرة :
" بعض عضاء مجلس الإدارة يقومون أيضا بزيارتنا أحيانا ن كالدكتور سيمونز رئيس المجلس".
وافقت كليو وقد إنفرجت أساريرها:
" أجل ، كيف انسى الدكتور العزيز سيمونز ؟ لكنه يعتبر واحدا من أفراد الأسرة ".
سالتها بيغي بإهتمام :
" اية عائلة ؟".
" أعني المدرسة ، ونحن ألسنا تقريبا عائلة واحدة سعيدة ؟ والآن ماذا عن قصة إقفال المؤسسة ؟".
" يبدو أن المؤسسة على شفير الإفلاس ".
فسألتها كليو بإنزعاج :
" ألسنا كلنا كذلك ؟ هل تعنين أن التضخيم قد طال المدرسة أيضا ؟".
" ظاهريا أجل ، لكن قد يكون الأمر في النهاية مجرد إشاعة ".
وإقترحت ليندا التأكد من الأمر فورا .
" إذن ، فلنستجل الأمر لنصل الى حقيقة ما يجري".
وجالت بناظريها في انحاء القاعة ، ثم نادت رجلا صادف مروره قرب طاولتهن متجها نحو الباب :
" دانيال : هل لي بدقيقة من وقتك ؟".
توقف الدكتور دانيال فوكس مدير المدرسة وإستدار ناحيتهن ثم إبتسم لثلاثتهن محييا ، إكتشفت ليندا أن كليو كانت على صواب بشأن الجو العائلي في هذه المؤسسة ، فالجميع يتنادون بالأسماء الصغيرة ومن غير تكلف ، من رأس الهرم ، المدير ، الى الحاجب ، في أوقات الراحة وحتى اثناء العمل ، وعدم التكلف هذا لم يضعف يوما روح المسؤولية والتفاني السائدة في جميع اقسام المؤسسة .
ونظرت ليندا الى الرجل اواقف خلها ... بالرغم من سنواته التسع والثلاثين فقد أسندت اليه المسؤولية الكبرى ، بدا جذابا بهندامه الأنيق ووسامته المميزة ، وبشعره الكستنائي اللون ، يشع من عينيه بريق يوزع إشعاعاته فطنة وحنانا وهزلا في آن معا.
نظر المسؤول الى الفتيات كل بمفردها ثم حدق بليندا سائلا :
"هل من خدمة أؤديها لكنّ ؟".
" هناك شائعة عن إقفال المؤسسة ، هل هذا صحيح ؟".
زمّ دكتور دانيال شفتيه ورفع حاجبيه دلالة على السخرية ،وجذب كرسيا جلس متكئا بمرفقيه على الطاولة ، وقال بمرارة :
" من اين حصلتن على هذه المعلومات ؟".
ردت بيغي بجدية :
دعنا من مصدر المعلومات ، ما يهمنا هو أن نعرف هل الإشاعة صحيحة ام لا ؟".
قال دانيال بهدوء :
" لا أبدا ، اريد ان أعرف من اين سمعتن الخبر يا بيغي ، وأعدكن بان أحدا لن يلحقه أذى ".

أمل بيضون 04-01-12 10:00 PM

لم يكن كلامه مجرد طلب ، بل كان امرا بكل ما للكلمة من معنى فلم يكن بد من الإذعان ، فاخبرته بيغي عن إسمي الممرضتين اللتين سمعتهما تتناقشان الموضوع.
" شكرا ، وأؤكد لكنّ أنه لم يجر حتى الساعة أي حديث حول هذا الموضوع ، لكن ما دام في الجو شائعات فمن الأفضل إطلاع الإدارة على الوضع الحقيقي ، سأدعو لإجتماع بعد نصف ساعة في قاعة اللقاءات ".
ونهض عن كرسيه آمرا جميع الحاضرين بالسكوت ، ثم أعلن عن عقد الإجتماع ، طالبا من الحاضرين إعلام الغائبين ، وإستدار ناحية الفتيات مبتسما وإنصرف.
راقبته بيغي مغادرا القاعة وقالت بإعجاب :
" هذا الرجل لا يضيع وقته ابدا ".
واضافت كليو :
إضافة ال كونه لطيفا جدا ، هل هومتزوج ؟".
" كان متزوجا ، فقد توفيت زوجته ".
تبدلت كليو وليندا نظرات الدهشة ، وإلتفتتا الى بيغي قائلتين :
" كيف تحصلين على كل هذه المعلومات ؟".
ضحكت بيغي موضحة :
" كل ما أفعله هو إبقاء اذني وعيني مفتحتين ، للحقيقة أظن ان الممرضة انغريد أخبرتني ذلك ".
ردّدت كليو الإسم وعلامات التأثر بادية على وجهها :
" أنغريد ؟ هذه الممرضة تعتبر من الأوائل اللواتي عملن هنا ، وهي المسؤولة الآن عن قسم التمريض وتحظى بإحترام الجميع وتقديرهم ، لقد كانت تعمل مع الدكتور دانيال أليس كذلك ؟".
وجاهدت ليندا كي تتذكر ثم قالت :
" أجل ، عملت في عيادته لسنوات خلت عندما كان حديث العهد هنا ، وأذكر مرة قال لي فيها أنه يخاف منها".
علت ضحكاتهن في ارجاء القاعة ، ولم تكن ليندا تبالغ ، فالموظفون جميعا يعرفون الممرضة جونز صاحبة الوجه العابس أبدا ، والشعر الفضي اللون ، والأنف المسنن ، ولكن بالرغم من تصرفاتها المرعبة والفظة مع الكبار ، فقد عرفت بطول البال واللطف اللامتناهي مع الأطفال ، والممرضات انفسهن لا ينادينها بإسمها الأول إلا بغيابها ، ومع ذلك كله كانت تربطها بالمدير علاقة ودية للغاية .
لدى إنعقاد الإجتماع في الوقت المحدد ، إكتشف المجتمعون صحة رواية بيغي ولوجزئيا ، وأخبرهم دانيال أن نجلس الإدارة يلاقي مصاعب من الناحية المالية .
وان رئيس مجلس الإدارة ، الدكتور سيمونز يشارك في هذه الساعة في مؤتمر عالمي ، معقود في اوستراليا ويحضره ممثلون عم مختلف المؤسسات الخيرية العالمية ، ومعظمهم يعاني المشاكل نفسها ، ورجاؤهم واحد هو إيجاد حل قريب لها ، لكن حتى الآن لم يسفر هذا الإجتماع إلا عن مجرد افكار ، قد يطبق بعضها لمساعدة مدرسة هيلين ديوك ، وذكّرهم دانيال بان أمنية هيلين ديوك ، وهي على فراش الموت ، كانت أن تشرع أبواب المدرسة للجميع ، ولسنوات خلت ، حدد مجلس الإدارة طريقة دفع الأقساط ، فكان أولياء التلاميذ يدفعون قدر إستطاعتهم لقاء تعليم اولادهم والإهتمام بهم ، ويأمل مجلس الإدارة خيرا من الحكومة التي ساعدت ، لكن بقدر ضئيل ، وجاء العون الأكبر من مجموعة شيكات تاسست حسب وصية هيلين ديوك ، وأديرت هذه المجموعة وإستثمرت من قبل مجلس الإدارة لكن بصعوبة كانت تزداد عاما بعد عام .
وتحولت جهود المؤسسة الى إبقائها مفتوحة والحفاظ على طبيعة عملها ، وصارحهم دانيال في النهاية بأن قضية إقفال المدرسة أمر سينظر فيه مجلس الإدارة في إجتماعه المقبل بعد شهرين ، وتمنى عليهم ان يتحلوا بالصبر ويتحسسوا مع القيمين عل المؤسس ، ووعدهم بانه في حال إتخاذ قرار بإقفال المدرسة فلن يكون الأمر إعتباطا بل كل واحد منهم سيتلقى إشعارا مسبقا بذلك .
تنهدت كليو بعدما أنهى دانيال حديثه ، وقالت :
" على الأقل بتنا نعرف اسوا الإحتمالات ".
وأضافت بيغي :
" الأسوا هو البحث عن عمل آخر في مدة شهرين كما علينا إيجاد مدرسة أخرى لأولادنا ".
وزفرت كليو زفرة طويلة وردّت بتحسر :
" يا له من عار ! كيف يقفل مكان كهذا والناس بأمس الحاجة اليه ؟".
فإستدركت ليندا قائلة:
" لم تقفل المدرسة بعد ،ربما عاد الدكتور سيمونز بحل ما ، علينا ان ندعمه بثقتنا ، لإيجاد وسيلة ما للخروج بالمؤسسة من هذه المحنة ".
قاطعتها بيغي معلقة بتهكم :
" أنت متفائلة كعادتك ".
واكملت ليندا كلامها :
" لا جدوى من النظر الى الأمور بمنظار اسود ، أليس كذلك ؟ والآن لنتفاءل قليلا ونستعيد بعضا من روحنا المرحة ".
وافقت بيغي بحماس وقالت :
" في غرفتي زجاجة من شراب الورد ، ادخرتها لمناسبة خاصة ، فلنذهب ثلاثتنا الى غرفتي ونفتحها إحتفالا بولادة التفاؤل فينا من جديد ".
إستعادت المدرسة هدوءها الطبيعي ودبّ الحماس في قاعات الدرس من جديد ، بالرغم من مسحة القلق الطفيفة الظاهرة على وجوه الموظفين .
وشارف فصل الصيف على الإنتهاء ، فذبلت أوراق الأشجار المنتشرة على طول الساحل ، وتساقطت براعم الأزهار وتطايرت مع ريح ايلول ( سبتمبر ) الناعم ، وشاركت الحدائق المحيطة بالمدرسة بوداع الصيف ، ففقد الورد ألوانه الزاهية والمتنوعة ، والنباتات لم تعد وافرة الأوراق ، وإكتست الأرض برداء من الأوراق اليابسة.
وفي أحد الأيام ، شوهدت سيارة الدكتور سيمونز متوقفة مام مكتب دانيال لساعات عديدة ، فتناقل الموظفون الخبر بإهتمام بالغ وخية زائدة فالأمر يبدو خطيرا.
لم يطل تساؤل الموظفين ، فقد إتضح ، كما سبق ورجحت ليندا ، ان الدكتور سيمونز قد تعرف لدى إنعقاد المؤتمر في أوستراليا الى خبير بريطاني مختص بالشؤون المالية وبإدارة المؤسسات ، وهو عضو في شركة تهتم بالمعاقين ، فإذا كان هناك من بإمكانه إنقاذ مؤسسة هيلين ديوك من عجزها ، فسيكون هو بالتأكيد ، على الأقل كانت هذه وجهة نظر الدكتور سيمونز الذي دعا الخبير الإنكليزي ليحل ضيفا عليه في منزله الصيفي على شاطىء كورومانديل.

أمل بيضون 04-01-12 11:32 PM

ابدى دانيال تفاؤلا حذرا إزاء فكرة الدكتور سيمونز ، لكن لم يكن هناك خيار آخر ، وخرج ليعلن للموظفين ما تم الإتفاق عليه .
بعدما أنهى دانيال كلامه ، إختلت ليندا به لتستوضح أكثر عن المشكلة ، فطمأنها دانيال قائلا :
" يبدو انه أحد نوابغ علم المال ، ومن الجائز نه يمكن تطبيق الوسائل المتّبعة لدى شركته في أنكلترا ،على مؤسستنا ".
" لكن الشركات تتطلب مالا وفيرا في البداية ".
" وهكذا فعلت مؤسستنا ، فقد بدأنا برأسمال ضخم ، لكنه في الآونة الأخيرة بدأ يتضاءل بسرعة جعلت النهاية غير مضمونة النتائج إلا إذا قمنا بعمل ما ، الأمر كله عائد الى كيفية إستثمار هذه المؤسسة ، فالمهم أن تتمكن المؤسسات من الحصول على مدخولات كافية من إستثماراتها من غير ان تحتاج الى مصادر اخرى تغذّيها ".
علّقت ليندا :
" هذا برأيي صحيح ، آمل ان ما تفعله سينفع المؤسسة ".
وقال بحرارة صادقة :
" لنامل ذلك ، فالشاب قادم في نهاية الأسبوع ، وسيرافقه الدكتور سيمونز بعد ظهر يوم الجمعة الى هنا ليلقي نظرة خاطفة على المكان ، وسيمكث في منزل الدكتور على الشاطىء ، ولسوء الحظ فإن الدكتور مضطر للعودة الى أوكلاند ، لكنه سيترك ( للعبقري ) كل الملفات والكتب المتعلقة بالمؤسسة ".
علّقت ليندا :
" مسكين هذا الضيف ، فقد سمعت أنه من المفروض أن يكون هنا في إجازة وليس محاطا بالأعمال والأعباء ".
ضحك دانيال وقال :
" أنت تعرفين الرئيس ، فقد أفلح في إظهار الأمر له جذابا ومثيرا ".
وضحكت ليندا أيضا ، فجميع الموظفين يحبّون الدكتور سيمونز ويجلّونه ، ويقدرون فيه غيرته على المؤسسة ومصالحها .
اعطى دانيال تعليمات صارمة بشان يوم الجمعة ، فكل شيئ يجب أن يكون عاديا كأي يوم عمل لأن الضيف يريد فقط الإطلاع على سير العمل في المدرسة .
تميز نهار الجمعة بتقلبات مفاجئة في الطقس ، بعدما كان الطقس صاحيا صباحا مع ضباب خفيف ، إنقلب ظهرا الى غائم مع رياح باردة ، وزخّات متقطعة من المطر ، بعد ظهر ذلك اليوم كانت ليندا جالسة في زاوية من زوايا صفها ، منحنية نصف إنحناءة امام خريطة كبيرة راحت تشرح عنها لتلاميذها المتحلقين حولها ، فجأة دخل دانيال برفقة الدكتور سيمونز والخبير الضيف.
كانت أنوار القاعة غير مضاءة والغيوم القاتمة التي تملأ السماء لا تسمح للداخل بالرؤية بوضوح ، فلم يرها الداخلون في البداية ، وقدّم دانيال الضيف الى التلاميذ فرحبوا به وبالدكتور سيمونز الذي يعتبرونه صديقهم بحرارة كبيرة ، نهضت ليندا من جلستها وهرعت تحيي القادمين ، وهي تضع نظارتيها اللتين تستعملهما للقراءة ، وللعمل المتطلب جهدا بصريا ، ولكن ما أن صارت في منتصف القاعة ، حتى مدت يدها لا شعوريا لتنزعهما عن وجهها ، وأمسكها دانيال بيدها مبتسما وسار معها ليقدمها الى الضيف الواقف أزاء الباب.
" اقدم لك الآنسة لورانس المسؤولة عن هذا العالم الصغير ".
ورفع يده مشيرا الى جدران القاعة المملوءة رسوما وألعابا وخرائط علّقت بطريقة ناعمة وجميلة ، لكن الضيف لم يعر الإشارة أو الرسوم أي إنتباه ، فعيناه كانتا مسمرتين على الفتاة الواقفة أمامه ، وأكمل دانيال :
" ليندا ، اعرّفك على السيد ريك برنيت".
أجابت ليندا من غير أن تفقد هدوءها :
" لا حاجة لكل هذا ، مرحبا يا ريك ".
لم يصدق ريك عينيه في بادىء الأمر ، لكنه كعادته سيطر على إنفعالاته متفوها بإسمها :
" ليندا ! ".
وراح يغمرها بنظراته ، من شعرها الطويل ، الى النظارات في يدها ، الى حذاءيها ، كانت عيناه تتكلمان ، تهمسان في عينيها من غير أن يجرؤ على التفوه بحرف ، وإبتسم إبتسامته المعهودة ، وكأنه يتعمد تذكيرها بالأيام الماضية ،لكنها لم تفقد مناعتها فإبتسمت بدورها إبتسامة ذات مغزى .
فوجىء الدكتور سيمونز بمعرفتهما لبعضهما فقال بسرور :
" أتعرفان بعضكما ؟".
أجابت ليندا موضحة وهي تراقب حاجبي ريك يرتفعان :
" نعرف بعضنا منذ مدة طويلة ( ونظرت الى الثلاثة ) لكن ليس هذا سبب قدومكم الى هنا ، أرجوكم اكملوا مهمتكم ".
تابع الثلاثة عملهم ، فراحوا يخاطبون الأطفال ويطرحزن الأسئلة عليهم وعلى معلمتهم ، وبرعت ليندا في الإجابة ببرودة على أسئلة ريك الذكية ، وبعد إنصرافهم أرتمت على مقعدها تهنىء نفسها على إجتيازها الإمتحان بنجاح ، فقد أيقنت لتوها أنها تمكنت من خنق ذلك المارد المدفون في أعماقها ، وأن ريك لم يعد يعني لها شيئا ، وحتى رؤيتها إياه فجأة لم تترك في نفسها أدنى اثر ، فأضاءت القاعة وأكملت شرح الدروس .
في تلك الليلة ، تعذّر على ريك والدكتور سيمونز العودة الى منزل الأخير فالمطر الغزير تسبب بإنهيارات عديدة جرفت معها الأتربة والصخور واغصان الأشجار ، مما قطع معظم الطرق ومن بينها الطريق المؤدي الى الشاطىء ، ولم يتمكن عمال وزارة الأشغال من القيام بعملهم بسبب غزارة الأمطار مرجئين عملهم الى صباح الغد.
فكان على ريك والدكتور سيمونز أن يبيتا ليلتهما ويتناولا العشاء في المدرسة ، وإرتأى دانيال أن يناما في إحدى غرف المستشفى الصغير .
بدّلت ليندا ثيابها وإرتدت ثوبا أزرق من الحرير الناعم قبل ان تذهب لتناول العشاء ، وتخلصت من حذاء العمل لتنتعل أجمل ما عندها .
عند ولوجها قاعة الطعام ، كان دانيال وريك والدكتور سيمونز قد جلسوا الى طاولتهم برفقة الممرضة انغريد جونز ، اصرّ دانيال على ان تشاركهم ليندا طاولتهم ، فجلب كرسيا ووضعه بقرب ريك قائلا :
" لا شك أن هناك كلاما كثيرا تودان تبادله".
أومأ ريك براسه بطريقة مهذبة وعيناه مسمرتان على ليندا فردت التحية بإبتسامة باردة ، وإستغلت إنشغال الاخرين عنهما لتعتذر منه قائلة :
" انا آسفة ، لكنهم يعتقدون أننا ما زلنا أصدقاء ، وهم يحاولون قدر المستطاع إتاحة الفرصة لنا للقاء والحديث ، أخشى ألا أتمكن من وضع حد لمحاولاتهم ".
" لست منزعجا ابدا من محاولاتهم ، تبدين أكثر ...".
وسكت من غير أن يكمل جملته مكتفيا بالنظر اليها .
فقالت ليندا بفتور :
" أبدو كالمربية العجوز ، أليس هذا ما تود قوله ؟".
إبتسم راجيا :
" لا ، لا أخالك تسعين وراء المشاجرة من جديد ".
" أليس هذا ما فكرت به بعد ظهر اليوم وأنا مع التلاميذ ؟".
" في الحقيقة ، بدوت كفتاة صغيرة تحاول الظهور بمظهر المعلمة ".
انقذ وصول الحساء ليندا من إيجاد جواب لكلامه هذا ، ولم تكد تلتقط ملعقتها حتى خاطبها :
" تبدين رائعة هذه الليلة ، دائما أتساءل كيف ستبدين عندما تنضجين ".
همست ليندا بتحدّ واضح :
" احقا تساءلت ؟".
تجاهل ريك تحدّيها وحاول أن يشغل نفسه برش بعض الملح في صحنه ، فسالته :
" كيف حال روث ؟".
" في أحسن حال ".
" وريان ؟".
" بخير ، ودائما يتساءل عما حل بك ".
قطع الدكتور سيمونز عليهما حديثهما موجها كلامه الى ريك ، فكانت فرصة لليندا لتتامله مليا مقارنة بين الأمس واليوم ، بدا أكبر سنا من قبل لكن شعره ما زال داكنا وكثيفا ، وظهرت بعض التجاعيد الخفيفة حول فمه وعينيه لم تعهدها ليندا من قل ، قابلت مظهره بمظهر الدكتور سيمونز الكهل صاحب الوجه السمح ، والمحبوب من جميع معارفه ، فلم تتمكن من إيجاد قاسم مشترك واحد بينهما .
انهى ريك حديثه مع الدكتور وإلتفت ناحية ليندا سائلا :
" ما اخبار عائلتك ، هل تتصلين بها ؟".
اخبرته ليندا أن أليسون وروبن تزوجا ، وأن بيتر وطوني ذهبل في رحلة سياحية في أوروبا وآسيا قد تدوم سنة على الأقل .
فعلّق ريك :
" إنهما مغامران حقا ! وانت تعيشين هنا بعيدة عن والديك ، كم مضى على قدومك الى نيوزيلندا ؟".
" حوالي الثلاث سنوات ".
" وهل تنوين البقاء ؟".
" لا أعلم ".
" الا تشتاقين الى اهلك ؟.
" طبعا اشتاق اليهم ، لكنني أحب لعيش هنا ".
" أتعنين أنك أحببت هذه البلاد ام هذا المكان بالذات ؟".
" الإثنين معا ، ساحزن جدا في حال إقفال هذه المدرسة ، وكل الموظفين هنا ينظرون اليك كنقذ".
" لا يمكنني ان أعد بشيء ، لكنني سأبذل ما بوسعي ".
" منذ متى تقوم شركتك باعمال كهذه ؟".
" منذ خروجي من المستشفى ، إنه وعد قطعته على نفسي في حال شفائي ، فقد فكرت أنه يمكن تحويل قسم من أموال الشركة لمشاريع الإنماء والأعمار ، عوضا عن إستثمارها في مشاريع أخرى ، وراقت الفكرة لريان ".
" هل تعرف شيئا عن جيمي ؟".
" ألتقيه من حين لآخر ، سيعمل في شركتنا عند إنتهائه من الدراسة ".
بعد العشاء ، إنتقل الجميع الى الصالة الكبرى لتناول القهوة ، تعمدت ليندا الجلوس بعيدا عن ريك ، فإختارت مقعدا قرب دانيال ، ودارت مناقشات صاخبة ، إشتركت ليندا فيها بهدوء ، لكن ريك كان محور الإهتمام طوال السهرة ، وتساءلت ليندا عن سبب ذلك ، ألأنه غريب عن المكان ؟ لكنها متأكدة من أنه في أية سهرة يدعى اليها ، يجعل الأضواء تتسلط عليه ، لا عن طريق فرض آرائه ، بل بسبب ما يختزنه من قوة مغناطيسية تجذب الاخرين اليه ، ولاحظت أنهم جميعا أحبوه ، وحتى هي احست مرة اخرى بميل اليه ، ومع ذلك فقد فرحت كثيرا عندما علمت أن زيارته للمؤسسة لن تطول ، وبذلك لن تراه ثانية .
وزاد من حيرة ليندا وإرتباكها ، أنها كانت تهنىء نفسها بعد الظهر لتغلبها على عواطفها وإكتشافها أنه لا يعني لها شيئا ، بينما بدأت تشعر الآن انها على أتم الأستعداد لتسليم عنقها لسيف الحب من جديد.

أمل بيضون 05-01-12 12:46 AM

7- البحث عن الذهب

ما زالت بقايا الظلمة تتحدى إنبلاج الفجر ، والظلام ترك آثاره على الدروب وبين المباني ، مع ذلك تمكنت ليندا من تلمس سبيلها ، وإجتازت الفناء المحاط بمساكن الموظفين والمستشفى ، من غير ان توقظ احدا ، ثم سارت في فسحة عشبية كثيرة الأشجار متجنبة الدوس على المربعات الحجرية المخصصة للمشاة ، والقت نظرة سريعة الى يمينها حيث حديقة واسعة خصصت للاطفال وألعابهم ، بطريقة تتناسب وحالتهم ، وفي مكان آخر ، قطعة أرض رملية يمارس عليها القادرون على إستعمال أطرافهم من المعاقين مختلف أنواع الرياضة ويقيمون المباريات والحفلات .
كان هدف ليندا من نزهتها الباكرة هذه ، الوصول الى قمة التلة، حيث يمكنها التمتع مليا بمنظر شروق الشمس ، فسلكت ممرا شديد الإنحدار لكنه الأقصر مسافة الى بلوغ الهدف .
لم تحسب حسابا للمطر الذي هطل في الليل وهي تسلك الممر ، فالأرض كانت زلقة بسبب كثرة الوحل ، أحست وكانها تمشي على كتلة من صابون ، حاولت التمسك باحد الأغصان قبل ان تهوي لكنه لم يصمد امام وزنها فإنكسر ، علق كتفها برأس الغصن المسنن مخترقا سترتها وقميصها ، صرخت ليندا من الألن ، وبقيت لدقائق ممددة على الأرض بلا حراك ، مغمضة عينيها الدامعتين تئن كالطفل غير آبهة للوحل ، ثم نهضت وهي تلوم نفسها وتصيح :
" كم انا خرقاء ".
وأدركت ان لا مجال الآن لمشاهدة منظر الشروق ،كتفها تؤلمها ولا تعلم إن كانت تنزف ام لا ، فقد كانت مبلولة من رأسها حتى أخمص قدميها .
عادت أدراجها متجهة الى مسكنها ، لكنها قبل ان تصل الى الساحة ، أحست بدوار وكاد يغشى عليها ، وجاهدت علّها تصل الى المدخل ، فأخذت نفسا عميقا واسندت راسها بيدها وعادت تشق طريقها ، لكنها هذه المرة إصطدمت بصندوق للنفايات كان قد وضعه أحد الموظفين خارجا ليتم تحميله في الصباح اباكر ، وأحدث إرتطامها بالصندوق جلبة فجلست تلتقط أنفاسها مبتهلة ألا تكون قد ايقظت أحدا ، فجأة تهاوى الى مسمعها صوت باب يفتح وراءها ، وأحست بيدين قويتين تحملانها فاغمضت عينيها واحست كانها تطير ، لتنتهي ممددة على أريكة داخل إحدى الشقق .
فتحت ليندا عينيها بعدما زال عنها غثيانها وخف صداعها لتفاجأ بدانيال واقفا الى جانبها مرتديا بيجامته والقلق باد في عينيه .
قالت ليندا معتذرة :
" أنا آسفة لأنني أيقظتك ".
" لا بأس ، ماذا كنت تفعلين خارجا في هذا الوقت ؟".
" ذهبت في نزهة صباحية مبكرة لمشاهدة شروق الشمس ، لكنني وقعت بعد ان زلت قدمي ".
إبتسم دانيال قائلا :
" فهمت ، هل اصابك مكروه ؟".
" كتفي تؤلمني ".
وحاولت الجلوس ولكنها صرخت من الألم فإنحنى يساعدها :
" دعيني اكشف على موضع الألم ".
وعلّق قائلا :
" ليس الأمر بذي بال ، إنما هناك شظية من الغصن عالقة ".
وسحبها على مهل بينما أخذت ليندا نفسا عميقا كي لا تصرخ من جديد ، وقالت مازحة :
" لقد إخترت الباب المناسب لأمر امامه ، اليس كذلك ؟".
" بكل تأكيد ، وكلما اردت أن يغمى عليك فإعملي دائما على أن يتم الأمر أمام باب الطبيب ".
وقام يحضر لها الشاي بسرعة أذهلت ليندا ، وجلسا يرتشفانه على الأريكة ، والإرتياح باد عليها بعد نزهة قاست فيها الأمرين ، فإبتسمت له تشكره على الشاي اللذيذ ، لكنه كان يريد اكثر من ذلك ، يريد أن يعرف ماذا كانت تفعل بمفردها في الخارج فسألها بلطف :
" هل تريدين إخباري عن سبب تركك غرفتك في مثل هذا الوقت المبكر ؟".
طاطأت ليندا رأسها ، وإحتارت بماذا تجيب ، هل تصدقه القول أم لا ؟ فدانيال ليس من النوع الذي يسهل إخفاء الحقيقة عنه ، وإن حاولت ذلك تكون قد قضت على صداقتهما .
قطع تفكيرها بقوله:
" كان لي زوجة ، كما تعلمين ، وكنا سعداء جدا الى حين وفاة أليس ، وكان لموتها أثر بليغ في نفسي ، لا أرغب برؤية احد من موظفي حزينا ، فهذا يفسد جو المكان كله ، عدا ذلك ، فنحن كلنا اصدقاء هنا ، أليس كذلك ؟".
" أنا لست حزينة ".
" لكنك كنت شديدة الإضطراب البارحة".
دهشت ليندا من كلامه فلم تتفوه بكلمة ، واردف دانيال :
" لقد لاحظت ذلك بكل وضوح ، لا تنسي أنكما كنتما جالسين بقربي ".
" هل تحكم على كل من يجلس إزاءك بأنه مضطرب؟".
إبتسم موضحا :
" ليس دائما ، فقط عندما يكون الجالس بقربي شخصا أحبه ، إننا نعمل معا منذ سنتين يا ليندا ، وكنت أحيانا اتساءل عن الكدر الساكن في عينيك ، ولا تتعجبي من إكتشافي فأنا عشت هذا الحزن ايضا ".
" لكنه لم يمت ".
" رجل ؟".
وإبتسمت بفتور مرددة كلامه :
" نعم رجل".
" هل كان متزوجا ؟".
" كلا ، لم يكن وقتها متزوجا ، لكنه بكل بساطة لم يردني ".
نظر دانيال اليها هاتفا :
" لا بد أنه مجنون ".
أدركت ليندا أنه صادق فردت شاكرة :
" شكرا يا دانيال ، فانت محدث لبق للغاية ".
ووضعت فنجانها الفارغ على الطاولة ونهضت تستاذن للخروج.
سالها دانيال وهو يفتح لها الباب :
" أأكيدة أنت أنك بخير الآن ؟".
" أنا على ما يرام ، لقد حظيت بأفضل عناية طبية في حياتي ".
وما أن صارت خارج الشقة حتى إرتعدت بردا فإستوقفها وهرع الى الداخل لياتي بسترة صوفية ، ووضعها على كتفيها ، ثم أحكم تزريرها حول عنقها بشكل يحمي وجهها من النسيمات الباردة ، ونظر اليها مبتسما ثم قال :
" العالم مليء بالرجال يا ليندا ،فلا تهدري حياتك في سبيل إنسان لا يريدك " خطت ليندا خطوة الى الوراء قائلة :
" أنا لا أنوي ذلك ، شكرا على ضيافتك وإهتمامك ".
" على الرحب والسعة ".
وراقبها تتجه نحو شقتها ولم يقفل الباب إلا بعد ان ودّعته بإتسامة ناعمة .

أمل بيضون 05-01-12 05:49 PM

غادر الدكتور سيمونز وريك المؤسسة قبل الغداء ، بعد ان هدأت العاصفة وفتحت الطرقات وغابت غيوم الأمس ، لتشع الشمس من جديد ، وأخذت ليندا تلاميذها في نزهة هي جزء من برنامجها التعليمي ، حيث تحثهم على تأمل المناظر الطبيعية ويصف كل منهم ما رآه أو أعجبه منها ، دت ليندا من تلاميذها المنتشرين على البساط الأخضر ونادتهم ليتحلقوا حولها ، ثم إقتربت من أحدهم وقالت :
" أغمض عينيك وفكر بما تحس به عند لمسك أي شيء يقع تحت يديك ، كيف تصف هذا الشيء للآخرين ؟ ولا تنس ان تفرق بين الأشياء ، لأنني لاحقا سأطلب منك أن تكتب عن كل شيء قمت به .
راقت اللعبة للتلاميذ ، فتفرقوا كل في إتجاه يلمسون الأرض والعشب الخضر والأشجار وعيونهم مغمضة ، فيتعثرون وينهضون ضاحكين ، او يرتطمون ببعضهم فيعتذرون ويمضي كل في سبيله ، وليندا تراقبهم فرحة ، فهي تعلم كم تعني لهم هذه النزهة وما تتيحه لهم من فرص للتمويه والتسلية .
لم تكد ليندا تنتهي من تقديم العون لطفل علقت عجلة كرسيه في الوحل ، حتى فوجئت بريك والدكتور سيمونز يقتربان منها في طريقهما الى مرآب السيارات ، إبتسم الدكتور قائلا بصوت عال ليسمعه التلاميذ :
" إبقاء التلاميذ في حركة دائمة هو النخوة بعينها يا ىنسة لورنس " ، ردت ليندا الإبتسامة بمثلها ناظرة الى ريك بطرف عينها ، وهو يوزع نظراته بين قميصها ووجهها بوقاحة ظاهرة تقارب حد الإزدراء ، ولم يلبث الرجلان أن تابعا سيرهما ، تاركين ليندا في حيرة قاتلة وغير مصدقة ما قرأت عيناها في عيني ريك ، هل هو واقع أم نسج خيالها؟
توجهت ليندا وكليو في عطلة يوم الأحد الى شاطىء وايهي حيث المناظر الطبيعية الخلابة ، النهر يرافق الطريق على طول الساحل ، فتنعكس أشعة الشمس على صفحة المياه كبريق الذهب ، وفي الجهة الأخرى تطل بين الحين والآخر تلال صغيرة مكسوة بغطاء اخضر بدأ يلفحه ذهب أيلول الأصفر .
قطعت الفتاتان انهر وتوقفتا في مكان كان في الماضي موقعا لمدينة مزدهرة اسست أبان موجة التهافت على الذهب ، ولم يبق منها الآن سوى منازل قليلة ، أما السياح الذين يؤمون المدينة فجاذبهم الوحيد هومخيم الذهب الذي أقامه ويشرف عليه شاب ذكي وماهر ، حيث بإمكانهم لقاء مبلغ بسيط البحث بأنفسهم عن الذهب عن طريق غربلته.
في وسط المخيم تجثم الالة القديمة حيث تطحن صخور المنجم القديم وترسب في دلو معلق في اسفل الالة .
دخلت ليندا وكليو المخيم يدفعهما الفضول للتعرف على ما يجري في في الداخل ، وبإرشاد من القيم على المكان ن تناولت كل منهما ( مقلاة ) وملأتها من محتويات الدلو ، ثم راحت تهزها هزا خفيفا وهي وهي تصب عليها ماء لفصل الذهب عن الرمل والحصى وفي النهاية لم يبق في قعر المقلاة سوى بعض حبيبات المعدن الثمين ذات اللون الأصفر الذهبي يشع بريقها تحت ناظري الفتاتين .
ادركت ليندا ساعتها كيف كانت ( حمى الذهب ) تخلق حافزا غريبا حدا بالناس على مر العصور الى تكبد مشقات هائلة في التنقيب عن هذا المعدن الأصفر السحري .
ولم تلبث ان أحست بعدوى ( الحمى ) تنتقل اليها .
ضحكت كليو وقالت وهي تدفع بحذر حبيبات الذهب في الأنبوب الزجاجي .
" لن نصيب الثراء من هذه الكمية القليلة ".
ووافقت ليندا على قول صديقتها :
" يا الهي ، يلزمنا أيام كاملة للعثور على الكمية الكافية ، على كل حال ، هذا الذهب ما زال خاما ، فهو ممزوج بكميات كبيرة من المعادن الأخرى التي يمكن فصلها عنه عن طريق المغناطيس".
" في السابق ، كان عزل الذهب عن بقية المعادن يتم رأسا بعد إستخراجه عن طريق آلة خاصة ، لكن هذه الطريقة أمتع بالرغم أنها لا تثرينا".
" هل تعتقدين أنه بإمكاننا جلب التلاميذ الى هذا المكان ؟ فبالرغم من وعورة الدري الذي سلكناه للوصول الى هنا ، أعتقد أنه يتسع لمرور سيارة المدرسة ، يمكننا الحصول على إذن خاص لذلك ، نظرت كلي والى الطريق المنحدر وقالت :
" لن يكون الأمر سهلا بالنسبة للتلاميذ ، ستحتاج الى كل عون ممكن وخاصة الى من يحمل المقاعد المتحركة ، تعالي نلقي نظرة على المكان ".
إقتنعت كليو بفكرة الإتيان بالتلاميذ الى المخيم ، بعد الجولة التي قامتا بها في أرجاء المخيم ، وقررت الفتاتان تنظيم زيارة التلاميذ للمكان بعد إتخاذ ما يلزم من ترتيبات لتامين الراحة للأطفال ، وبعد اخذ مشورة دانيال والطلب منه الإتصال بالقيّم على المخيم .
أمضت ليندا وكليو نهارهما على شاطىء وايهي في السباحة لكن بحذر ، فالأمواج في ثورة عارمة بعكس مياه شاطىء كورومانديل ، وهواة التزلج على الماء منتشرون في كل مكان محاولين الإستفادة قدر الإمكان من أيام البحر الأخيرة ، هؤلاء المتزلجون لا يابهون لغيرهم من رواد الشاطىء ، فيظن الواحد منهم نفسه مصارعا يناطح السحاب وهو راكب متن الموج ، فلا يضع حدا لحركاته سوى وقوعه عن اللوحة الخشبية .
عند المساء ، أثناء تناول العشاء عرضت كليو عل دانيال ما جمعته من حبيبات الذهب وأعربت له ليندا عن رغبتها في تنظيم رحلة للتلاميذ الى المخيم ، فصرخ دانيال :
" هل هذا حقا ذهب؟".
رفعت كليو الحبيبات وحركتها في راحة يدها ، فبدت كحصى سوداء سابحة في مياه موحلة، فاوضحت :
" يجب أن تجفف إضافة الى وجود معادن أخرى فيها ، سآتي بقطعة مغناطيس وانزع الحديد منها عندما تجف ، مع العلم ان الإختصاصيين يستعملون الزئبق لأتمام ذلك ".

أمل بيضون 05-01-12 10:08 PM

إعترفت ليندا :
" بدت أقرب الى الذهب عندما كنا نغربلها هناك ، فالذهب يلمع تحت الشمس وهذا سيفرح الأطفال كثيرا يا دانيال ".
" إنه مشروع جيد ، أعجبتني الفكرة كثيرا ".
اضافت ليندا بحماس :
" ولا ننس الناحية التثقيفية في هذه الرحلة ، فهناك تاريخ المدينة ، وعلم إستخراج الذهب وغيرها من العلوم التي تساعد في توسيع أفق المعلومات لدى التلاميذ.
" حسنا ، لقد إقتنعت ، يبقى علي ان اتحقق من إمكانية التنفيذ ، ( ونظر الى كليو ) أريد إلقاء نظرة أخرى على حبيباتك عندما تنتهين من تجفيفها وإستخراج الحديد منها ".
عملت كليو بكد في تجفيف حبيبات الذهب من غير أن تسفر عن عملها هذا أية نتيجة ، فلم يطرأ على الحصى تغيير يذكر ، لم يفاجأ دانيال بالنتيجة بل نظر الى كليو قائلا :
" ليس كل ما يلمع ذهبا ".
لكن كليو إستدركت قائلة :
" لكن هذه الحجارة لا تلمع ، فهل هذا يعني أنها ذهب ؟.
تطلع دانيال الى السماء متنهدا :
" يا ألهي ، هل هذا نموذج عن منطق النساء ؟".
" لا أبدا ، كلما أود قوله هو أن ما في يدي ذهب بالرغم من أنه لا يدل على ذلك ، هل رايت ذهبا ،مزيفا من قبل ؟".
" لا ، أظن أنه مشابه للذهب الحقيقي".
" بالفعل ، بل احيانا يفوق الحقيقي لمعانا و( إصفرارا ) فلون الذهب الحقيقي قاتم بعض الشيء مما يقلل من جاذبيته ، والذهب المزيف لا قيمة له البتة ، اليس هذا مضحكا ؟".
أجاب دانيال :
" أشعر انك تحاولين كشف حقيقة ما ، اليس كذلك ؟".
" أبدا ، لكن لكل شيء وجهين ، فهناك اشياء كثيرة لا تبدو على حقيقتها ، أحيانا يبدو السيء حسنا والحسن سيئا ، اعني في الحياة ".
نظر دانيال اليها بإحترام بعدما لاحظ جدّيتها وقال :
" اجل ، هذا صحيح ، عثرت فيك لتوي على ما هو اثمن من الذهب يا كليو ".
ثم نهض مستأذنا وإنصرف ، تاركا كليو في حيرة من مرها .
" أكان هذا إطراء ؟".
ضحكت ليندا :
" أعتقد ذلك ، أنت محظوظة يا كليو ، فأنا لا أعتقد أنه من النوع الذي يوزع إطراءاته بغزارة على الموظفين ".
" ومع ذلك ، أظن انه كان يمزح ".
" لا اخاله يمزح ، على كل حال اين الخسارة في تقبل مديحه ؟".
أجابتها كليو :
" وهل لي خيار آخر ؟ فقد قال كلمته ومشى ".
" ايعجبك دانيال ؟".
" أليس هذا شعور الجميع هنا ؟".
ادهش الجواب ليندا :
" صحيح ؟".
إنفعلت كليو وردت بغيظ ظاهر :
إنك تثيرين إستغرابي يا ليندا وكانك لست من البشر ، دانيال لا يثير إعجابك ، أليس كذلك ؟ إنه الرجل الوحيد في هذه المؤسسة والممرضات جميعهن يملن اليه .
" لكن هناك عدة رجال غيره ...".
اصرت كليو :
" لا يعتد بهم ، فالممرض الوحيد في المستشفى خاطب إحدى الموظفات ، وهو على كل حال صغير السن ولا يصلح لأي منا ، ومساعد البستاني ما زال فتيا علاوة على كونه ( خارج العبة ) والسيد نيومان المسؤول عن التموين ودّع عامه الخمسين منذ مدة قصيرة إضافة الى انه متزوج من الطاهية ".
اجابتها ليندا محذرة :
" لا تحاولي رمي شباكك على السيد نيومان ، فمن أسباب تعلقي بهذا المكان ، طهو زوجته اللذيذ ، ولا ارغب في رؤيتها تعيسة ".
" كوني على ثقة حتى ولو لم يكن متزوجا فلن يكون بغيتي ".
" كنت دائما أعتبره رجلا لطيفا ".
أجابت كليو تحاول وضع حد للمناقشة :
" إنه من عمر والدي ، لست بحاجة الى أب آخر ".
تغيرت نظرة ليندا الى دانيال فوكس بعد تلك المناقشة مع كليو ، فبالرغم من كونه الرجل الوحيد في مؤسسة غالبيتها من الجنس الناعم ، فهو لم يحاول ابدا الإستفادة من وضعه هذا ، بل كان ودودا ، مجاملا وأحيانا حازما فيما يتعلق بالعمل ، ويعامل موظفيه كلهم على قدم المساواة ، ولم يشذ عن هذه القاعدة إلا الممرضة جونز ومع ذلك لم يشك أحد بوجود اية علاقة عاطفية بينها وبين دانيال .
كان ريك يتردد بإستمرار على المؤسسة بعدما ترك له الدكتور سيمونز كوخه على الشاطىء وسلّمه كل ما يتعلق بالمدرسة من أوراق لدرسها ، وخوّله صلاحية واسعة في زيارة المؤسسة والإطلاع على سير الأعمال فيها ، فبات ملما بكل الأمور والأمكنة بدءا من مكتب المدير حتى مطبخ السيد نيومان ، ونجحت ليندا في أن تتجنب لقاءه من غير ان يشعر ، لكن نجاحها لم يكن تاما ، فأحيانا لا مفر من اللقاء وخاصة حين يبقى ريك في المؤسسة ليتناول الطعام.
لمحته أكثر من مرة يتناول غداءه مع مدير المدرسة ، وفي كل مرة كانت تنسل الى إحدى زوايا المطعم تراقبهما بفضول لم تجد له تفسيرا ، ثم تغادر المكان قبل إنتهائهما من الأكل بقليل .
مساء السبت ، إنضم الدكتور سيمونز الى ريك ودانيال لتناول العشاء ، كانت ليندا في المطعم جالسة وحدها ، لأنها تاخرت في الحاق بكليو وبيغي اللتين غادرتا الى المدينة لتمضية السهرة.
أثناء خروجهم من المطعم ، توقف الرجال الثلاثة لتحية ليندا والتحدث اليها ، إستهل الدكتور سيمونز الحديث:
" أخبرنا الدكتور فوكس عن مشروع أخذ التلاميذ الى مخيم الذهب ، إنها فكرة سديدة ".
تدخل دانيال :
" ساذهب غدا للكشف على المكان ، هل ترغبين بمرافقتي ؟".
وافقت ليندا متسائلة إن كان ريك سيشارك في النزهة ، وقررت انه ما دام الدكتور سينونز ودانيال معهما ، فلن توجه الحديث الى ريك إلا عند الضرورة .

أمل بيضون 05-01-12 10:45 PM

ليت بإمكانها العدول عن الذهاب غدا ، فالرحلة ستكون شاقة عليها ، لكن سيعتبر تصرفها فظا ومستهجنا ، إختلست نظرة سريعة الى ريك لتفاجأ بمسحة من التكدر تعلو وجهه ، خفّفت من حدتها إبتسامة فاترة إرتسمت على فمه بعدما سمع الدكتور سيمونز يشيد به وبرفقته ، أحست ليندا بإنقباض مفاجىء حاولت إخفاءه بأن إبتسمت لدانيال شاكرة إياه على دعوتها لمرافقته.
لكنها وإن أخفت حقيقة شعورها عن الآخرين فكيف تخفيه عن نفسها ؟ كانت تعلم انها تكذب على نفسها ، فبمجرد ان رأت ملامح الغضب على وجه ريك تمنت لو يطرأ شيء ما يلغي رحلة الغد .
لم يتغير البرنامج ، وعند العاشرة صباحا ، قرع دانيال باب ليندا ، وبعد قليل وصل ريك والدكتور سيمونز ، فركب الأربعة في سيارة دانيال وبدأت الرحلة في طقس صحو والشمس قرص هائل يزين كبد السماء ، جلس ريك في المقعد الأمامي قرب دانيال ، وشاركت ليندا الدكتور سيمونز المقعد الخلفي.
سارت السيارة مخترقة الحقول الخضراء المزروعة بمختلف أنواع الخضار والفاكهة ، تسورها سلسلة جبال كورومانديل المكسوة بالغابات الصنوبرية والنباتات البرية.
عمدت ليندا الى البقاء قرب دانيال ممسكة بيده ، تدله على المكان ، ودخلا الكوخ القديم حيث حفظت ادوات التنقيب القديمة وصور المنجم الذي إكتشفت فيه كميات الذهب الأولى ، ثم سلكا طريقا تؤدي الى التلة الواقعة في الجهة الأخرى من المخيم ، هناك اشرفا على القناة الكبيرة التي كان الباحثون عن الذهب يغسلون ما يجدونها فيها ، أيام كان هذا المعدن الثمين موجودا بكميات كبيرة .
اصر الدكتور سيمونز على ان يطلع ريك على أرجاء المكان ، فقاما بجولة سريعة إنتهت داخل المنجم القديم حيث غطيت بئر عتيقة بقطع من القماش الكتاني لتنبيه المشاهدين.
عند عودتهم الى السيارة ، سارع ريك الى فتح الباب داعيا ليندا للجلوس في المقعد الأمامي ، إعترضت ليندا لكنه لم يابه لإعتراضها مصرا على دعوته:
" لا تمانعي فقد حان دورك في الجلوس قرب دانيال".
إلتفتت ليندا نحودانيال وهو يقود السيارة فوق الجسر سائلة :
" ما رايك الآن ؟".
" أعتقد أن فكرتك قابلة للتنفيذ شرط ان نتدبر عددا كافيا من المساعدين ، فنحن بحاجة الى من يحمل الكراسي النقالة...".
قاطعته ليندا بفرح :
" رائع ، سيستمتع الآولاد كثيرا بالزيارة ".
نظر دانيال اليها بطرف عينيه مبتسما :
" أعتقدت أنها ستكون رحلة تثقيفية ؟".
" ألا يمكن الجمع بين الثقافة والمرح ؟ من الأفضل للتلاميذ ان تكون الزيارة ممتعة".
ضحك الدكتور سيمونز في مقعده الخلفي معلقا:
" شتان ما بين الأمس واليوم ، هذا لم يكن موجودا في ايامي".
إلتفتت ليندا ناحيته مبتسمة :
" هل تعني أن هذه الأيام افضل؟".
" بكل تأكيد ولسبب واحد ، فالمعلمات لم يكن بهذا القدر من الجمال ".
إكتفت ليندا بالإبتسام من غير ان تعلّق على كلامه ، فقال دانيال :
" من الأفضل أن تتم الرحلة في يوم عطلة ، فهل بإمكانك مراافقتنا يا دكتور سيمونز ؟".
" للاسف لا ، ربما ريك يود المساعدة إذا تلطفت الانسة لورانس وطلبت منه ذلك ".
" انا آسف ، أخشى أنني لن أكون ذا فائدة لكم ، علي ان أنتهي من العمل الذي سلمني إياه الدكتور سيمونز ".
إنعكس كلام ريك على وجهي ريك وليندا تعجبا ودهشة ، فرد دانيال:
" الطقس لا يسمح لنا بإرجاء الرحلة لمدة طويلة ، ما رايك لو عينّاها بعد اسبوعين ، هل تعتقد أنه يمكنك مرافقتنا ؟".
" لا يمكنني الجزم الآن ، لكن يمكنني إعلامكم بذلك قبل الموعد ".
" حسنا ، سنحجز لك مكانا تحسبا ، سأتصل غدا بأحد مكاتب الخدمات ليرسل لنا عددا من الشبان لمساعدتنا في الرحلة ".
لم تنبس ليندا ببنت شفة ، ايقنت أن ريك لا ينوي الإشتراك في الرحلة ، وانه يحاول تجنبها بقدر ما حاولت هي تجنبه ، في هذه الحالة لن يجدا صعوبة في البقاء بعيدين عن بعضهما.
وبعث هذا الإستناج في نفسها شعور غريبا بالمرارة.

خفايا الشوق 06-01-12 01:13 PM

ررررررررررررررووووووووعه

يسلمووووووووووووووووووووو

لك مني أجمل تحية

أمل بيضون 06-01-12 04:30 PM

8- حلقة الدموع....


عند وصولهم الى جسر بايروا اوقف دانيال السيارة الى جانب الطريق مقترحا :
" ما رايكم بالذهاب الى تي آروها لنسبح في مياهها المعدنية الساخنة؟ فالساعة تشير الى الواحدة ظهرا وامامنا متسع من الوقت للوصول الى هناك".
لم يبد أحد إعتراضا على الإقتراح ، فإستدار دانيال بالسيارة سالكا الطريق المؤدي الى أجمل بقعة في نيوزيلندا.
تي آروها بلدة صغيرة قابعة على سفح جبل شاهق سميت بإسمه ، حيث تتشر منازلها وزهو ، وتحيط بها مراع شاسعة تختال فيها قطعان الماشية بحرية وإطمئنان .
عن قمة الجبل ، حيث برج البث التابع للتلفزيون والذي يغطي سهول الهوراكي والمناطق المجاورة ، تنبسط امام الناظر مشاهد ولا أروع ، خاصة عند صفاء الجو ، لكن لا مجال الآن للإستمتاع بهذه المناظر ، فسيارات الأجرة التي تنقل السياح الى القمة غير متوافرة في هذا الوقت ، ولم يكن احد منهم متحمسا لقطع هذه المسافة سيرا على قدميه مخترقا أدغال الشوك التي تغطي الجبل.
تناولوا طعام الغداء في مطعم صغير ، بعد ان نجح دانيال في إقناع ليندا ، بعد جدوى إقتراحها القاضي بشراء بعض الأكل ، وتناول الغداء في إحدى الحدائق الخلابة على جانبي الطريق ، وأردف مفسرا :
" أخشى أن تندمي فيما بعد ، فالغرباء عن تي آروها فقط يتناولون طعامهم في البساتين ، لأنهم يجهلون ان الينابيع الدافئة تشكل انسب مكان لتناسل الذباب البري ، فإذا لم تتحركي بإستمرار أو تبقي تحت الماء ، فستكونين لقمة سائغة لتلك الحشرات".
بعد الغداء إنتقل الأربعة الى حديقة عامة قريبة ، حيث طافوا في ربوعها متأملين الخليط الرائع من الأشجار المحلية والمستوردة والمزروعة بطريقة هندسية رائعة ، والعصافير على الأغصان مزقزقة في هذه الجنة الصغيرة ، وأمام حمامة رائعة الألوان صفر دانيال إعجابا بسمنتها وبجناحيها المخططين باللونين الأخضر والأصفر وقال :
" أعرف مكانا فوق السفح بقليل يشرف على مناظر خلابة للغاية ، والطريق اليه سهل ( ونظر الى الثلاثة كل بدوره ) هل تودون المحاولة ؟".
ساله ريك :
" كم ستستغرق من الوقت ؟".
رد دانيال بلهجة الواثق:
" أقل من ساعة ".
فقالت ليندا:
" اود رؤية ذلك المكان ".
اردف الدكتور سيمونز مبتسما :
" اعتقد ان عظامي الهرمة يمكنها القيام بالمحاولة أيضا".
" حسنا ، فلنذهب".
وإستدار دانيال ليدلهم على الطريق.
لم تكن الطريق سهلة كما تصورتها ليندا.
إستدارت ليندا تنظر الى ريك واقفا بعيدا عنها يتأمل بدوره روعة المنظر ، أحست نفسها في أوج سعادتها ، وحمدت ربها أن ريك إستطاع أن يتسلق الطريق المؤدية الى هنا ، من غير ان يبذل جهدا كبيرا ، فمنذ سنوات ثمان حكم ريك بعدم القدرة على ريك بعدم القدرة على المشي من جديد ، لكنه اليوم أثبت العكس ودحض روايات الطب ، فبدا معافى ، مرتاحا ، ومسرورا ، لم يشك اثناء صعود الجبل من أي الم ، ولم تسمعه يلهث كما لهثت هي.
لم يعد يهمها بعد الآن انه تخلى عنها قاضيا على قصة حب إعتقدت أنها خالدة ، كل ما يهمها في الوقت الحاضر انه بخير وعافية وسعيد في حياته ، في هذه اللحظة اطلقت السراح لحبها المدفون تحت أنقاض الحزن والجروح ، والمجبول باللامبالاة والإهمال من قبل ذلك الذي كانت تدعوه حبيبها ، الان إعتقت ذلك المارد المخنوق وتركته يخرج من القمقم الذي سجنته فيه ثماني سنوات ، كانت في عقلها الباطن على ثقة ان إعترافها المضمر بأنها ما زالت تحبه سيسبب لها الما ، لكن هذا الألم إنقلب الان الى متعة عارمة لوجوده قربها ولرؤيتها علامات الحبور على وجهه.
إستدار ريك ناحيتها وكانه شعر انها تراقبه ، لم يبتسم لها لكن عينيه عانقتا عينيها الداكنتين بإصرار غابت عنه روح الهزء والعداوة التي رافقت نظراته اليها مؤخرا ، تقدم منها ووقف قربها مشيرا بأصبعه الى اللوحة الشاسعة تحتهما ، وراح الإثنان يمتعان الطرف بروعة المنظر.
لم يبق الأربعة في حوض السباحة اكثر من ساعة ، فالبقاء في المياه المعدنية مدة أطول قد يفقد المرء بعضا من طاقته ، تفقدوا بعد ذلك النبع حيث الماء في غليان دائم لحظة تدفقه من الصخر ، شرب كل منهم كأسا من الماء بعد إصرار الدكتور سيمونز على أن ذلك يطيل عمر الإنسان ويهبه الصحة والقوة ، قوله هذا لم يكن جديدا على مسامع الباقين ، فالكتابات التي ما زالت تزين بعض الصخور والتي كتبت في لقرن الماضي تردد القول نفسه ، وتنصح بالإستحمام في الينابيع الساخنة ، والإستفهام عن جميع انواع العلاجات.
في طريق عودتهم الى السيارة إلتفت الدكتور سيمونز الى ليندا ودانيال قائلا :
" يجب ان تشاركانا العشاء الليلة ، أنا وريك ذهبنا للصيد في الصباح الباكر ، وثلاجتي الآن تئن من ثقل ثلاث سمكات كبيرة ، بالغت كثيرا في إكرامي وإكتفيت الان من ضيافتك يا دانيال ، دعني أولم لك هذه المرة".
اكمل ريك :
" وانا خير شاهد عل ما يحضره الدكتور من طعام ، وأعتقد انه أساء إختيار المهنة ، كان عليه ان يكون طاهيا".
لم يسع دانيال امام ما سمعه إلا ان يرد بسرور واضح :
" في هذه الحالة ، شكرا يا دكتور ويسعدنا كثيرا ان نلبي دعوتك ، أليس كذلك يا ليندا ؟".
لم ترفض ليندا الدعوة ن ليس بسبب الطريقة التي قدمت فيها فحسب ، بل أرادت أن تكون صريحة مع نفسها هذه المرة لأنها ترغب كثيرا بتلبيتها ، فأومأت برأسها موافقة .

أمل بيضون 06-01-12 05:18 PM

أكمل دانيال وليندا طريقهما الى مسكنيهما بعد أو أوصلا ريك والدكتور سيمونز الى سيارة الأخير ، لم تصدق ليندا كيف وصلت الى شقتها ، فقد كانت منهوكة ، لكن فرحها الداخلي ما لبث ان أنساها تعبها ، فقامت تغتسل ثم إرتدت قميصا رقيقا من الصوف الناعم ، وسروالا ازرق اللون داكنا ، وإرتدت فوق القميص سترة رمادية اللون تخططها خطوط زرقاء ، ولفت عنقها بمشلح حريري عليه نقوش متناسقة الألوان ، فبدت أكثر فتنة ، مررت الفرشاة على شعرها بسرعة حتى بات كتلة براقة ثم ربطته الى الخلف كما إعتادت منذ ان بدأت عملها في المدرسة ، كانت تود تركه يتهدل بحرية ودلال على كتفيها لكنها أحجمت عن ذلك ، فليس من سبب يستحق تغيير عادتها هذه الليلة بالذات.
إبتسم ريك مرحبا بليندا ودانيال ، ورمقها بنظرة ناعمة وهي تمر بقربه في طريقها الى الداخل مردفا بصوت منخفض:
" تبدين فاتنة للغاية ".
كتمت ليندا سرورها لطرائه الناعم وشكرته بهزة خفيفة من راسها.
سار ريك أمام الزائرين يدلهما على غرفة الإستقبال الصغيرة ، تتوسطها طاولة صفت عليها الأطباق ، وزينت بباقة من الورد الأحمر تحيط بها شمعتان مضاءتان.
" الدكتور سيمونز منهمك بالعمل في المطبخ ، وأنا في خدمتكما الى حين إنتهائه " طلب كلاهما كوبا من عصير العنب ، إبتسمت ليندا عندما تناولته من يد ريك وهي جالسة على اريكة في زاوية الغرفة ، نظر دانيال اليها قائلا :
" كم أنت جميلة الليلة ، هذه اللوان تناسبك جدا ! ".
لم يتح لهما ريك مجال الحديث اكثر فعلّق بعد ان ذاق العصير :
" طيب هذا العصير ! صنع من يا ترى ؟".
فرد دانيال :
" مزرعة محلية تصنع هذا النوع من العصير ، ففي الجوار مزرعتان أو ثلاث تعمل في هذا الحقل ، ويعتبر عنبهم من افخر الأنواع".
تناول الزجاجة واعطاها لريك للتأكد من كلامه سائلا :
هل انت خبير بانواع العنب ؟".
أجاب ريك ناكرا عنه هذه الصفة :
" لا أبدا ، لكن عمي هو الخبير ، وقد حاول مرارا ان يوسع دائرة معلوماتي حول هذا الموضوع".
سالته ليندا :
" أيزال ريان يعيش معك ؟".
" كلا، كما تعلمين ، هو صاحب المنزل ، وما يزال يسكن فيه ، إشتريت منزلا جديدا " وبدا مرتبكا في كلامه وكانه يجاهد في إختيار العبارات ، وعندما لاحظ أنها تريد الإسترسال في السؤال عن ريان إلتفت نحودانيال وغيّر الموضوع ، لم تمانع ليندا في ذلك ، فمناقشة أموره العائلية وذكر روث والأولاد سيعيد إشعال نار ألم جاهدت في إخفائها والتغلب عليها زمنا طويلا ، وليس الوقت مناسبا للتالم من جديد.
لكن امرا إسترعى إنتباهها فريك يخفي شيئا ما ، أغلب الرجال السعداء في حياتهم الزوجية لا يتركون فرصة إلا ويتكلمون عن زوجاتهم او على الأقل عن أولادهم ، اما ريك فلم يذكر عائلته أبدا منذ ان إلتقته ، اهو يحاول تجنب الإساءة الى شعورها؟
التهم الضيوف السمكتين المشرحتين والمشويتين مع الزبدة والمزينتين بأنواع الخضار المختلفة ، بشهية كبيرة يصب معها عليهم ملاحظة خطا في تحضيرها ، اتبعهما الدكتور سيمونز بأشهى انواع الجبن المحلي والمستورد ، فكانت أفضل نهاية لوليمة شهية تركت آثارها على جميع الحاضرين إستحسانا وإطراء لعمل المضيف.
إعتذر الدكتور سيمونز في نهاية العشاء :
" للاسف ، لا احسن تحضير الحلويات ".
ردت ليندا :
" لست مولعة بالحلويات، الجبن افضل بكثير ".
ايّدها ريك :
" إنها أشهى وليمة ذقتها في حياتي !".
أدركت ليندا أن الفرصة سانحة لتظهر لريك ان ذكر زواجه لا يضايقها البتة ، فضحكت قائلة :
" هذا إطراء بحق ، تعلم يا دكتور أن زوجة ريك من أمهر الطهاة ؟.
إرتعشت يدا ريك وهو يضع شريحة من الجبن على قطعة الخبز ، فسقطت في طبقه.
قال الدكتور سيمونز بإنذهال :
" زوجته! ".
ورمقه دانيال بنظرة ثاقبة وعلّق بفضول :
" كنت حتى الساعة اظنك أعزب يا ريك ".
أجاب ريك بكل هدوء :
" في الواقع لست متزوجا ولم يسبق لي ان كنت ".
علت علامات الحرج وجه الدكتور سيمونز ، فإن كان هناك من أسرار في ماضي ريك ، فليس مفروضا ان يحرج موقف ضيفه على مائدةالطعام".
علا صوت ليندا وحيدا :
" لكن..... روث".
نظر اليها ريك بلطف قائلا بصوت هادىء النبرات :
" هناك سوء تفاهم على ما أعتقد يا ليندا ، فروث زوجة عمي".
" ريان ؟".
" اجل ، لا شك انك قرأت الخبر في الصحف وإعتقدت انني الزوج السعيد ، في الواقع ( وإلتفت الى الرجلين مفسرا ) عمي وأنا نستعمل الحرفين الأولين نفسهما ، وعملنا في المؤسسة عينها والسكن سويا في المنزل ، سببا حالات من سوء التفاهم ، هذه إحداها ، وأعتقد أن مناداتي ريك قد سهلت الأمر قليلا ".
لكن ليندا على يقين أنه ليس سوء تفاهم ، فقد كانت أكيدة من علاقته بروث ، ورجّحت ان عمه تمكّن من إبعاده عن روث بعد إستيلائه على قلبها ، وتذكرت الولدين وكم كان شبههما لريك ولريان كبيرا ، فإعتذرت من ريك والألم يعصر قلبها ، كيف اقدما على عمل كهذا ولم يمض على خروجه من المستشفى وقت طويل ؟ اين العاطفة ؟ اين رابطة الدم والقربى ؟ هل يعقل ان يسبب ريان لريك الما كان بإمكانه ان يودي بحياته؟

أمل بيضون 06-01-12 09:54 PM

نظر ريك اليها وقد إحمرت وجنتاه ، فادركت حراجة موقفه ، لكن الآخرين لا يعلمان أنه كان مخطوبا لروث قبل زواجها من عمه ، إعتذرت مجددا بصدق وتأثر واضحين :
" اتمنى أن تعذرني على غلطتي هذه ".
رد بلطف متناه :
" بكل تأكيد ، سبق وقلت أن هذا يتكرر بإستمرار وقد إعتدنا عليه أنا وريان " عرضت ليندا تحضير القهوة لتختلي بنفسها في المطبخ لبعض الوقت ، ما تحتاجه الان بعد أن عرفت أنه لم يتزوج روث ، هو دقائق من الهدوء لأعادة تفكيرها الى طبيعته ، لكن لا تأثير لذلك أبدا ، فإهماله لها طيلة هذه السنوات لا يبدل شيئا في الواقع الجديد فكأنه تزوج عشرات المرات ، أقنعت نفسها بحزم أن هذا الواقع الجديد لن يبدل شعورها ، كما وأنه لن ينسيها ما قاست من عذاب وما تحملت من شقاء ، راحت تهيء الفناجين على صينية فضية صغيرة ، وهمّت بسكب الماء الساخن عندما ظهر ريك فجأة في المطبخ ، لشدة إرتباكها اوقعت قليلا من الماء على الطاولة ، إقترب منها مظهرا إهتمامه:
" دعيني اساعدك ، هل أصابك مكروه ؟".
طمأنته ليندا متظاهرة بهدوء واه :
" لا، إقتصر الأمر على الطاولة ".
تناولت قطعة قماش تمسح بها آثار الماء على الأرض والطاولة ، تحاول ان تلهي نفسها قدر الأمكان عن مواجهته.
" ظننت أن بإمكاني المساعدة خاصة وأن الحديث في الداخل يدور حول امور الطب".
" هذا لطف منك ، بإمكانك جلب فنجانك وسأضع البقية على الصينية ".
هتف بصوت مضطرب وكأنه يستغيث :
" ليندا ، يجب أن نتحدث ".
أحست بقلبها يموج بين اضلعها ، وردت :
" حسنا ، تكلم ".
قال وصبره يكاد ينفد :
" ليس هنا ، هل نتقابل الأسبوع المقبل ؟ بإمكاننا تناول العشاء معا إذا أردت ، والقيام بنزهة ليلية ".
" لا أعتقد ان ذلك ممكن ، شكرا".
إنحنت لتحمل الصينية ، لكنه أمسك بذراعها وأدارها نحوه .
لبثت ليندا ساكنة ويده تقبض على ذراعها ، تنظر الى وجهه المضطرب وما لبث ان رفع يده راجيا :
" أرجوك يا ليندا ، لقاؤنا ضروري جدا ".
اجابت ليندا بوضوح لا يشوبه تردد ، تجاهد في سحق صدى صراخ العاطفة :
" ليس ضروريا بالنسبة الي".
" هناك ما اريد ...".
قطع الدكتور سيمونز بدخوله عليهما الحديث ، موجها حديثه الى ريك :
هل أزعجناك بحديثنا عن الطب يا ريك ؟ أعتذر لذلك ، لكن إذا عدتما الى الداخل أعدكما بعدم الكلام عن هذا الموضوع مجددا ".
اجاب ريك بلباقة :
" لا أبدا يا دكتور ، جئت فقط لأساعد ليندا في تحضير القهوة ، واعتقد أننا إنتهينا ، حمل ريك الصينية بنفسه وسار وراء ليندا الى غرفة الجلوس ، حيث قدمت لكل فنجانه ، ثم جلست قريبا من دانيال على الأريكة ترشف بهدوء من فنجانها ، فدانيال يمثل لها نوعا من الرجال ترتاح الى محادثته ، صريح ، مخلص ويتفهم مشاكلها وأحاسيسها ، كان يتأمل طوال الوقت ، يراقب حركاتها ويستمع اى ملاحظاتها ، ما أن إنتهت من فنجانها وإنحنت لتضعه على الصينية حتى وضع ذراعه على طرف الأريكة بطريقة تطوق جسم الجالسة قربه حتى تتكىء الى الوراء .
كان ريك يراقبهما وفي عينيه بريق من السخط ، لم يخف على ليندا عندما نظرت اليه ، إحتارت كيف تفسر نظراته ، اهو يغار عليها ؟ كادت أن تهلل فرحا ، لكن كيف تبتهج لغيرته عليها وهو الذي تخلى عنها كل هذه السنوات ؟ لم يردها لنفسه كما أنه لا يتحمل رؤيتها سعيدة برفقة رجل آخر ، معانا في إغاظته ، إلتفتت الى دانيال وتبادلا إبتسامة ود وألفة ، تتساءل إن كان ريك قد صرف النظر عن التحدث اليها بعد أن لاحظ تصرفاتها أم لا ؟
وضع دانيال يده على كتفها من غير أن ينظر اليها متابعا الحديث مع الدكتور سيمونز ، ضاغطا بقبضته بطريقة يصعب التخلص منها من غير أن يلاحظ الآخران ذلك ، سهرت يده على كتف ليندا الى أن حان وقت الرحيل ، فساعدها دانيال على النهوض وإرتداء معطفها .
واكبهما ريك والدكتور سيمونز الى الباب مودعين ، وقبل أن يمضيا عاجل ريك ليندا بالسؤال وكأنه يؤكد موعدا إتفقا عليه سابقا :
" إذن الى يوم الثلاثاء مساء ، يا ليندا سأمر في السادسة ".
لم يعطها مجالا للرد على كلامه المفاجىء بل سارع الى توديع دانيال وإختفى داخل المنزل .
في طريق عودتهما الى المؤسسة ، سأل دانيال ليندا وهو يقود السيارة بمحاذاة الشاطىء :
" إتفقتما على موعد ؟".
كتمت ليندا إرتباكها :
" تقريبا".
لم يعجبه جوابها فإلتفت اليها مستفسرا :
" هل افهم من جوابك ان لا أتدخل في شؤونك الخاصة ؟".
" لا أبدا ، لكنني لست اكيدة إن كان يجب أن أقبل دعوته أم لا ".
" ولم لا ؟ يبدو انه شاب محترم وشهادة الدكتور سيمونز على ذلك كافية ، إضافة الى انكما راشدان وحران في تصرفاتكما ".
تردد صدى كلمة ( حرّان ) في ذهن ليندا لفترة وجيزة ، قال دانيال بعدها وكأنه يقرا أفكارها :
" كنت تعتقدين أنه متزوج ؟".
" اجل ".
" والان إتضح العكس ، فلا يمكن لأحد كامل العقل ، أن يلفق مثل هذه الأكذوبة على الدكتور سيمونز ، على كل حال يمكنني ان أتحقق من الأمر إن شئت ".
" لا ، لا تفعل ، إنني متأكدة من صدقه ".
" كل ما تحتاجينه هو المزيد من الوقت لتعتادي على الواقع الجديد ".
" هذا ما أعتقده ".
" دعوته لك الثلاثاء قد تساعدك على ذلك ".
" ربما ".
سكتا لفترة حاولت فيها ليندا ان تضع حدا لتشوش أفكارها .
لا تعرف الى من تستمع ، الى قلبها الهاتف بشوق الى ريك ، ام الى عقلها الذي يابى دخول حلقة الدمع والألم من جديد ".
إنعطف دانيال الى اليمين سالكا الطريق المؤدي الى المدرسة ، وممسكا بيده يدي ليندا المشتبكين في حضنها .
" هل ريك برينت هو رجل الماضي الذي ذكرته مرة ؟".
زفرت ليندا زفرة طويلة انهتها بضحكة قصيرة وأجابت :
" يا لك من شخص مميز يا دانيال ! ".
" هل انا على صواب ؟".
" اجل ".
رفع يده عن يديها لينعطف من جديد نحو باحة المدرسة حيث أوقف سيارته وأطفأ أنوارها ثم إلتفت اليها قائلا :
" لم يكن من الصعب إكتشاف ذلك ، عندما تلجأ فتاة مثلك الى إستغلال علاقتها برجل مثلي ، لتغيظ رجلا آخر وتشغل في قلبه نار الغيرة ، فلا بد وإن يكون الأمر أكثر من مجرد لقاءات عابرة كالتي تمت بينك وبين ريك منذ قدومه الى نيوزيلندا ".
شكلت الظلمة خير ستار تختفي ليندا وراءه إحمرار وجنتيها فهمست معتذرة :
" ارجوك سامحني يا دانيال ".
" ليس هذا بيت القصيد فقد سعدت بمساعدتك ، لكنك تلعبين لعبة خطرة قد تكون عواقبها وخيمة ".
قبل ان تجيبه ، ترجل من السيارة ليفتح لها الباب ، ورافقها الى مدخل شقتها حيث إستدارت نحوه قائلة :
" شكرا يا دانيال على كل شيء ".
" لا أظن انني ساتخلى عنك بهذه السهولة ".
لم يكن عناقه مجرد وداع صامت كما عوّدها في كل مرة يوصلها الى شقتها ، فقد كان يفتقر الى النعومة ، آثر عند نهايته أن يعتذر واضعا اصبعه على شفتيها :
" أنا آسف يا ليندا ، يمكنك أن تصفعيني إن شئت ".
" ساورني شعور بانني محظوظة كونك لم تصفعني أنت عندما كنا في السيارة ، هل كان تصرفك هذا عقابا لي ؟".
" تقريبا ، إعتبريه تحذيرا أوليا ".
ودفعها داخل شقتها بنعومة مردفا :
" طابت ليلتك ، سيكون كل شيء على ما يرام في الصباح ".
أغلق دانيال الباب خلفها تاركا إياها وحيدة في وسط ظلمة شقتها الحالكة ، فإتكأت على الباب تنصت اليه يحكم إقفال باب شقته.

أمل بيضون 06-01-12 10:58 PM

9- إعتراف في طقس بارد

بعد إنتهاء اليوم المدرسي إرتدت ليندا ثيابا خفيفة ، ثم إنصرفت الى تنظيف الغرفة وأمضت وقتا كبيرا في تنظيف الخزائن وتوضيب محتوياتها ، ولجأت بعدها الى حمام ساخن تريح به أعصابها مصممة على عدم الخروج وريك ، وتأكيدا لذلك إرتدت بعد الحمام ثيابا عادية لا تصلح لسهرة.
في السادسة إلا خمس دقائق سمعت ليندا طرقا خفيفا على الباب ففتحت وعلى وجهها إمارات الرفض ، مرر ريك نظراته عليها وقال بهدوء :
" أراك غير جاهزة ، هل علي ان انتظر طويلا لتستعدي ؟".
أجابت الفتاة ببرودة :
" الى الأبد ، آسفة إذا أفسدت مشاريعك فأنا لن أرافقك ".
" ما السبب ؟".
بدأ الغضب يفقد ليندا ثقتها بنفسها فردت بصوت مرتجف:
" لأنني لم أدع...".
قاطعها ريك :
" أذكر بوضوح انني دعوتك ....".
لم تكن ليندا على إستعداد لسماع نهاية الكلام فقالت :
" رفضت دعوتك وها أنت تحاول إصطحابي بالقوة ، إطمئن ، فانا لن اتزحزح من هنا".
تراجعت ليندا لتقفل الباب لكن ريك كان أسرع منها فدفعه ودخل قبل ان يغلقه وراءه ، أسند ظهره الى الباب وأعلن بكل نعومة :
" ولم لا ؟ فلنبق هنا ونتحادث ما دمت تفضلين ذلك ".
عندئذ حذّرته ليندا بعصبية :
" إن لم تخرج ساملأ الدنيا صراخا ! ".
" لن تذهبي الى هذا الحد فأنا لم امسك بسوء ، ماذا ستقولين لدانيال والباقين عندما يهرعون لنجدتك ؟ إسمعي يا ليندا ، أنا آسف لأنني دخلت غرفتك عنوة ، كما آسف لأنني قمت بحيلة تلك الليلة ، جل ما في الأمر أن هناك سوء تفاهم أريد إزالته ، ومن الأفضل فعل ذلك بعد و
جبة طعام في مكان هادىء ، وإذا لم تكوني جائعة لا مانع عندي، رغم تضوري جوعا ، من التكلم هنا ثم الإنصراف ".
" كم ستطول السهرة؟".
أجاب ريك بفظاظة :
" لن تدوم الليل كله إذا كنت خائفة على سمعتك من التخدش ".
" لا تكن سخيفا !".
ضحك ريك عاليا وقال :
" يا لنبرة المعلمة القاسية ".
كان البريق الماكر في عينيه مدغدغا يدعوها الى مشاركتها الضحك ، فوجدت شفتيها ترسمان إبتسامة عريضة ، وبسرعة إستغل ريك الفرصة ليقول :
" هيا يا ليندا ! إرتدي شيئا جميلا لنخرج ، فانا ارغب كثيرا بتمضية السهرة معك ( نظر اليها متوسلا وزاد ) إعتبريها خدمة تسدينها لي ".
فكرت ليندا قليلا ورضخت للأمر الواقع قائلة :
" حسنا ، إجلس فلن اطيل إنتظارك أكثر من ربع ساعة ".
" أنا مستعد لمنحك ربعا إضافيا ".
خرجت ليندا من غرفة النوم بعد عشرين دقيقة لتجد ريك واقفا يتأمل لوحة معلقة على الحائط .
سالته :
" هل اعجبتك ؟".
إستدار ريك قائلا :
" ملابسك أم اللوحة؟".
أجابت جازمة :
" اللوحة بالطبع ".
لا تدري ليندا لماذا تحاول صده دائما وبطريقة صبيانية أحيانا لا تخفى على ريك ، فماشاها وعاد يحدق في اللوحة التشكيلية الليثة بخطوط بنية ، تضيق لتلتقي في الوسط حول دائرة ذهبية لماعة .
إستفسر ريك مدفوعا بفضول فني بحت :
" ما إسم هذه اللوحة؟".
" لا إسم لها ".
" الشعاع الذهبي في الوسط ينقذها ، فهو يجسد أملا مشرقا وسط إطار قاتم متشائم الى حد السواد ( إلتفت ريك صوبها وتابع ) هذه اللوحة لا تلائم طباعك كما عهدتك ".
بدت كلمات ريك وكانها تصطدم بجدار ولا تؤثر بليندا التي علقت :
" كبرت وتغيرت كثيرا ".
عندها قال ريك بكل جدية :
" زادك الكبر روعة وجمالا".
تناول ريك مشلحها الصوفي ذا اللون الفضي ووضه حول كتفيها قائلا :
" الطقس بارد في الخارج ".
ثم فتح الباب وحاد لتخرج قبله ملقيا نظرة أخرى على اللوحة ومعلقا :
" أعتقد أنها تعجبني قليلا ".
خلال العشاء رفض ريك التحدث في موضوع سوء التفاهم معلنا رغبته في التمتع بالسهرة ، وافقت ليندا على التأجيل وصبت إهتمامها على الأطعمة المعروضة امامها.
قال ريك وهو يدفع طبقه الفارغ :
" أتريدين قطعة من الحلوى ؟".
" لا شكرا ، خذ راحتك إذا كنت ترغب واحدة ".
" القهوة تفي بالغرض على ما أظن ، فأنا لا أحب الحلويات كثيرا ".
بعد العشاء إتجها بالسيارة ناحية الساحل فالوقت ما يزال باكرا نسبيا ، ومنظر الغروب يستحق المشاهدة ، نشرت آخر خيوط الشمس حجابا فضيا فوق البحر والأمواج تتلاطم متكسرة على الشاطىء ، قاذفة الحصى الصغيرة في كل إتجاه .
أوقف ريك السيارة تحت شجرة ظليلة والليل يكاد يبدأ ، ثم فتح الباب سائلا ليندا :
" اترغبين القيام بنزهة صغيرة على الشاطىء ؟".
وافقت الفتاة معتبرة النزهة عاملا مساعدا على التصارح والبوح بما يشغل القلب ، فلربما كانت رحابة البحر حافزا لريك على الكلام برحابة ماثلة .
وزاد من سحر الجو وجماله أضواء بعيدة تتلألأ من بيوت على الشاطىء كالنجوم التي تصدر وميضا يتحرق الناظر لأكتشاف سره.
أكملا نزهتهما بهدوء الى أن شدها ريك نحو صخرة ملساء ناشفة من بين الرمال وقريبة من الماء ، جلسا عليها يتأملان المياه وليندا شاعرة بأن ريك يستعد للكلام ، صح ظنها إذ تنفس الرجل عميقا وقال :
" احيانا أتمنى ان أكون من المدخنين ، فالسيكارة قد تساعد في تخفيف وطأة مثل هذه المواقف".
لم تحرك ليندا ساكنا بل ظلت تحدق في سواد المياه الرهيب ، الى أن ايقظها ريك بفتحه الموضوع :
" أخالك ظننت أن ريان سلبني فتاتي ، لذا علي أن اشرح الحقيقة ، لا يعقل أن يقوم ريان بعمل كهذا وهو رجل شهم كما تعلمين ، وأنا لا ارضى بجعلك تعتقدين انه يقدم عل عمل من هذا القبيل خاصة وأنه يحترمك ويحبك ، وهذا الإعتقاد الخاطىء ، سيولد كذلك صورة مغلوطة عن وضعي الحقيقي أود محوها من ذهنك ، خاصة انني انفر من شعورك بالشفقة إتجاهي والذي سئمت منه في الماضي ".
" اتعني ان روث لم تكن مخطوبة اليك ؟".
" تماما".


الساعة الآن 05:47 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.