آخر 10 مشاركات
طفل البليونير (74) للكاتبة Leanne Banks .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          كُنّ ملاذي...! (92) للكاتبة: ميشيل ريد *كــــاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          بأمر الحب * مميزة & مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة (1) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          ساحرتي (1) *مميزة , مكتملة* .. سلسلة عندما تعشق القلوب (الكاتـب : lossil - )           »          تبكيك أوراق الخريف (4) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          لقاء الخريف / الكاتبة : طرماء و ثرثارة ، كاملة (الكاتـب : taman - )           »          الأتية من بعيد *مكتملة* (الكاتـب : lossil - )           »          زواج مؤقت- بيتى نيلز - روايات غادة *كاملة* (الكاتـب : سماالياقوت - )           »          أنثى من ضوء القمر **مميزة ** (( كاملة )) (الكاتـب : هالة القمر - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > القصص القصيرة (وحي الاعضاء)

 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22-11-11, 08:20 AM   #1

hadya

نجم روايتي وقاصة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية hadya

? العضوٌ??? » 160169
?  التسِجيلٌ » Feb 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,521
?  نُقآطِيْ » hadya has a reputation beyond reputehadya has a reputation beyond reputehadya has a reputation beyond reputehadya has a reputation beyond reputehadya has a reputation beyond reputehadya has a reputation beyond reputehadya has a reputation beyond reputehadya has a reputation beyond reputehadya has a reputation beyond reputehadya has a reputation beyond reputehadya has a reputation beyond repute
Elk حِـجــابْ.. **متميزة**





{جفََّت الأفكار..سَكِن جَدولُ الأحلام....فتَيبَّست الأحاسيس!!..
صِرتُ أرَى كلََّ صُورى، كلماتى..و أحلامى...مَحضَ صُورٍ باهتة..تكسَّرت قوائمُها...تقطَّعَت أوصالُها....فتلَملَمَتْ، و اسْتَتَرت من خَلفِ حِجابٍ، يشُفّها..لكنّى، ما عُدتُ أراها..}

ظلّت تهُزُّ قدمَيها، صُعودًا و نُزولاً بقلق، فى جلستِها المُتوتِّرَةِ فوق مِقعدِ الطاولة الرّقيقة..فتَتَّكِئ بمرفَقِها الأيمنِ فوق الطاولة...فى يأسٍ تُخفض رأسَها مُنحنيًا..و يدُها اليُسرى تحتوى قلمَها العَصِىّ..تشُدُّ مِن حَولِه أصابعًا مُرتجفةً تضغطْه...ثُم تمُدّهُ ثانيةً باتجاه دفترٍ انبسطت أوراقُه من أمامها فى انتظار ملَّتاه، هى و الأوراق..
و الضيق من دواخلِها يُطلّ مُستتِرًا خلف خصلاتِ شَعرِها تتدلّى مِن حولِ جبينِها الخفيضِ...ضاق صدرُها أكثر..فأرسلَ بِضعَ دمعاتٍ تخنقه..ليعود للضيقِ بقلبها مُتسعًا جديدا!

هدّأت من حركتِها..سيطرَت على ارتجافِ أوصالِها واضعةً القلَم فوق الأوراق، ترفعُ رأسَها قليلاً..ثم مدَّت يدَها لفنجانِ قهوةٍ ثقيلةٍ مُنِعَت عنه لأيامٍ خَلَت..فأمسَكتْهُ بحُب...و رفعته إليها ترتشفُ منه رَشفةً ساخنةً، تستذيقُ بشَوقٍ كُلََّ معالمِها و تفصيلاتِها...لتضَعَه مرَّةً أُخرى....تُخلِّلُ أنامِلَها بضعفٍ بين خصلاتِ شَعرِها المُتشعِّثَةِ تحاول تسويتْها..و تُمسِّدُ بهما عينيها الجافّتَين بُكاءً و أرَقًا...لتعود و تُمسكُ بالقلَمْ..تُحاول..و تُحاول...و تُحاول....
فتكتُبَ بألَمْ...
{فلتكتُب أيُّها القلَم..اكتُب...اكتُب، فإنِّى حزينةٌ..
اكتُب يا قلَمى..اكتُب، فأرتاح...}

"ماما؟!!"

مُجفلةٌ اعتدلَتْ فى جلسَتِها فجأة..أقصَت قلَمها عنْها.. بينما تمتدُّ أناملُها لتمسحَ عينَيها و وجهَها الذى اختفى للحظة...فاستدارَت بعدها، تُعيدُه و عينَيْها، ناظِرةً بأمَلٍ لصغيرتِها التى وقفت بالقُربِ تتأمَّلُها، و بحِضْنِ كفَّيَها الصَغيريَنِ اللَّذَينِ أحكَمَتْهُما، يُمسِكانِ دفترَ تلوينٍ و أقلام...فاهتزَّت شفتاها بابتسامةٍ يغلُبُ عليها الحنان، و أجابتها بصوتٍ غاب عنها...
: "نعم، حُب (ماما)؟"
ببطءٍ و ارتباكٍ، تمد الصغيرةُ يدَيْها بالدفترِ و الألوان..و تقول بصوتِها الصَّغير..
: "ارسُمِ لى..شَجَرة؟!"...و عيناها الواسعتان، ترصدانِ بشفافيَّةٍ كلَّ ما احتجَب..خلفَ عينَى أمِّها..تُربِكانِها!!..تُربِ كُها نظراتُ قطعةٍ منها، تسلّلَت لداخلِ نفسِها، كما تسلَّلَت مِن داخِلِها خارجةً للحياةِ يومًا، و كأنّ ما بينهما، وصالٌ يأبى الانقطاع!!

بيديها المُرتجفتين تناولَتْ مِنها الدفترَ و الأقلام..وضعتْهم مِن فوقِ دفترِها الكئيب، و حملَتْها...أجلَسَتْها بوَهَنٍ فوقَ فخذِها..تجيبُها بشُرودٍ مع كلِ شئٍ جديد تطلُب رسمَه بالموافقة.."شَجَرة، و قِطّة..و فَتاة...و بَيْت..."
راحت تُحيطُها بحنانٍ بذِراعها الأيمن..و يدُها تُرَبِّتُ على جانبِ صغيرتِها...فتعودُ لتهُزّ قدمَيها، برقَّةٍ و رتابةٍ انتظمت فيها حركتُها و حركةُ كيانِها الصّغيرِ المُحتَوَى..مع نَبرةِ صوتها، ترتَفِع تارةً، و تنخفضُ أُخرى..و تشرُدُ كثيرًا...تُدَمْدِم أُغنيةً قديمةً اعتِيد غناؤها للأطفال..التصقَت بزوايا ذاكِرتى، مع صَوتِها الناعم، الباقى على سحرِه مهما وهِن أو غاب....

التقطَت من يدِ الصّغيرة اللَونَ الذى وقعَ عليه الاختيار...و بَدَأتْ بالرَّسمِ كيفَما رسِمَتْ..
رَسِمَت وَرْدَة...ثم تركَتْها ذابلة..لترسُم بالبُعدِ عنها ثمرةَ تفّاحٍ لم تُكمِلها...فصارت الألوانُ مِن بينِ أصابعِها تحيد..فترسُم و تكتُب أشياءَها...
و الصغيرةُ المُراقِبةُ بصمت، تتأمل...رفَعَت الصغيرةُ عينَيها عن الدفترِ و ما كُتب فيهِ ولا تُدركه، و ما رُسم فيهِ و لَم تفهمه، فانتظرَت لحظةَ التعرُّفِ عليه التى لم تَأتِ بَعد..رفَعَت عينَيها لوَجهِ أُمِّها تكشِف ملامِحَه بصمت، تتحرّك شفتاها مع هَمَساتِ أمّها الخفيضةِ تُحاولُ إدراكَها لتعيدُها معها، فلا تستطيع

أعادت رفعَ فنجانَ القهوةِ ترتَشِف ممّا بَقِى فيهِ حتى فَتُر..فلَم تستطِع إكماله..أرجَعَتْه لمَوْضِعِه، تحت تأمُّلاتِ عينَى طيفِها الصغيرِ و تفكُّراتِها..

{لِمَ يحملُ الأطفالُ، تِلك الأعيُنِ البريئةِ الكاشِفة؟!!
أتُراها، تلك الأعيُن تحكى..عن كَشْفِ عميقِ بَوَاطِنِنا؟!!
عندما أهمِسُ بغَريبِ البَوحِ، أو أنْثُرَ فَضْفَضات تسرَّبَت للأوراقِ من بينِ يَدَىّ..فإنها تتبعُ السّكنةَ و الحرَكَة، تُدرِكُها..و كأنما تقرأها، و تقرأنى، حَرْفًا..حَرْفًا....}

أزاحَت الدفترَ المُلوَن قليلا، ليظهر البعضُ مِن دفترِها السّاكِنِ مِن تحتِه...و مَعَ استمرارِ هَدهداتِها و هزّاتِ قدمَيها، بدَأَت تكتُب..و تكتُب....و تكتُب...

{ أحْكى لكِ صغيرتى، حكايةً...أكتُبها..لكِ أنتِ، فقط...
ربما لتقرأينها يومًا ما..فتُذكِّرُك باليوم...أتُراكِ ستَذْكُرينَه؟!....لم أُفَكِر من قَبلِ اليوم..بأنّى، سأُهديكِ ما أكتُب..كما أفعلُها الآن!!
و أوراقى تِلك، التى تلمَسينَها بيِدَيكِ مُنذ دقائقٍ و يدى تحولُ يدَيكِ دونَ جذبِها..فأرَحْتِ رأسَكِ بجوارِها..مُنذِرَةً بأنَّكِ تَغفيْن...فتَرفعين رأسَكِ فجأةً علامةَ الاستيقاظ..أتخدعِينَنِ يا صغيرة!!..
أوراقى تلك، هِى لكِ..لَمْ أحسَبنى سأترُكُها، لكِ أنتِ يومًا...
يومًا..يومًا ما...من قبلِ سَنواتٍ قليلٍ عددُها..كثيرٍ، كثيرٍ أمدُها...أحبَّت فتاةٌ شابًا..و أحَبَّها، أو ربما هو كذلك كان...كما كانت هى كذلك، و تغيّرَت؟!..لا..لا يهم...
عندما أراد الفَتى، أنْ يَحيا دومًا، بجوارِ الفتاةِ، مُحِبَّته..فوافَقَت، و من قبلِها وافَق أبوها، و أمُها..و فَرِح الأهلُ، و الأقاربُ و الجيران...

كانت الفتاةُ جميلة، و حُلْوَة..لكنها، لم تكن تعرِف أبدًا، كيف أنْ تبدأ حياةً، و كيفَ تعتنى بالحياةِ تِلك، و كيف تستطيع الاستمرار....
كيف تَستطيعَ الاستمرار؟!!و الفتى أيضًا..فإنَّه، كان مثلَها، و إن لَم يكُن كذلك..لكنّه، و ببساطة، حمَّل الفتاةَ الأمرَ كلَّه..و ببساطةٍ كان الحبُ، و حياتُهما التى لم تُغادر مَهدَها بعد، عُرضةً لأن تُقتَلَ فيه...
عندما بدأَت، مُحاولَتْها الأولى لتَحبو، طُعِنَت حياتُهما..عندَ أوَّل اختبارٍ قَد تتعرَّض له.......}
تركَتِ القَلَم بتَوَتُّر..وأرجَعَت رأسَها للوراء فجأة..ألقَت بثِقَلِها و حَملِ ظهرها إلى ظَهرِ المقعدِ المُحتَوى جلسَتِها...التفََّت الصغيرةُ بجلستِها، تتساءَلَ بصمتٍ عن سرِّ دمعاتٍ مُختنِقة، تأبى الظهور لكنَّها، ظلَّت مُعلَّقةً ما بين القلبِ و وجهِها..يسيلُ منها الألم، ولا تسقُط...
تتساءَل عن إرهاقِ أمِّها، الذى مرَّت عليهِ أيامٌ كثيرة، ولا يشفى، بل يزيدُ مَع كلِ يومٍ جَديد...و يقولُ أبوها، بأنها تأبى أبَدًا، أن تأخُذ دواءَها!!..
فتَحَت عَينَيها ناظرةً لطفلتِها من جديد...فاعتدلت و أعادَت الصغيرة لحِضنِها، و القلَم لحِضنِ يدِها..و أكمَلَت بعد سطورٍ عدّة...
{كان رباطُهُما، الهزيل..عُرضةً لامتدادِ يدَينِ ناعِمَتينِ، بارِعَتَينِ فى الاصطِياد..و فى قَطعِ أىِّ رِباطٍ هزيلِ التكوين...اصطادته فتاةٌ أُخرى..و انساق مع طُعْمِها الأجوَفِ يُبهِرُه
فى الوقتِ ذاته عندما بدأَت الفتاةُ تحاول جهدها، أن تُرَتِّب الأمر..و تُعيدُ للونِ حياتِهما..بعضَ ما فُقِد منه..فى الوقتِ ذاتِه، شعُرَت الفتاةُ، بفتاها يبتعِد عَنها أكثَر..و كلََّما حاوَلَت إيجادَ قُربٍ يؤلف بينهما، قطعَه البَين...و تسلَّلَ فتاها بعيدًا عنها..شيئًا فشيئًا انقطَعَت أخبارُه، لا تعرِف أرضَه أو عُنوانَه..وهو مَعَها..فى قلبِها..و فى بَيتِها، و حُجْرَتِها مَبيتُهُ و مَكانُه...

ليستَفيق، مُتأخِرًا...فيعود لفتاتِهِ نادمًا..أوَتَنْفَعُ جبيرةُ النَدَم؟!!أسَيُجَبِّر النَدَمُ عَميقَ ما كُسِر؟!!...أوَيَنفعُ النَدَم؟؟....}
تنَهّدَت..تارِكةً القلم و الأوراق، تأخُذ نَفَسًا عَميقًا، مُرتجفًا...بعدَه، تابَعَت إمساكَ قلمِها..و أتْبَعَت، تكتُب مُفَكِّرَةً بالمَكتوبِ مِن كَلِمات...
{لا...لا فائدة..
فاشِلةٌ هَذه..
فاشِلةٌ أيْضًا...}
أمْسَكَت أناملُها بطَرَفِ الوَرَقةِ و بَدَأتْ بجَذبِها، فتَختَفى مَعها مَعالمُ قِصةٍ كُتِبَت..و تَمزَّقَت....جذبَها بَعيدًا عن الأوراق أصواتٌ أتتها من خلفِ بابِ عُزلَتِها..فتَرَكَت الوَرَقةَ النَّاجِية تستَقرّ..و أَرْهَفَت سَمعَها، تُنصِت لجدَّتى التى يبدو بأنّها قد استيقظَت للتَّو..تتحدث بالخارجِ مَع أبى...جدّتى، لَم تَكُن مُقيمةً مَعَنا..سِوى من فِترةٍ ضئيلة..فإنّها انتقَلَت لتُقيم مَعَنا حتى تكون بالقُرب منّا، و مِن أمّى حتى تَشفى...كُنتُ أشاهِدهما و أسمَعهما يتحدّثانِ أمامى، لكنّى، لم أكُن أفهَمهُما حينِها..فَجدّتى لم تكُن لتُصَدّق حديثَ أبى إليها..بأنّ أُمِّى مريضة...حتى قَدِمت إلينا يومًا..و بعد الزيارَةِ الثانيةِ للطبيب، كانَت جدَّتى قد رتَّبَتْ مجيئَها للمُقامِ مَعَنا..

عادَت أمّى للوَرقَةِ التى تراجَعَت عنْها..فلا أكمَلَتْها..ولا مزَّقَتْها..قلَبَت الوَرقة بقَلَق..و أمْسَكَت قلَمَها الحائرَ و كتبَت بأَلَم...
{لا أحد منهُم فهِمَها..لم يسمعُها أحد، أو، لم يُعطِ أحدٌ لنفسِه، لحظةً للإحساسِ بها، حتى أمها!!..
البشر ُ طبائِعٌ...و لِكُلٍ قُدراتُه..و هى إنسانة..لا تستطيع!!....
لَم تستطِع احتمالَ حياةٍ...تغفرُ فيها ما لم تستطِع غُفرانَه، و تحتمل ما لَم تكُن يومًا لتحتمِله...لم تستطِع القَبول...
لم تستطِع احتمالَ هاجسِ، أن الدَينَ يرتَدّ..على ابنتِهِ...ابنَتِهما!!
ليس ذنبُها!!..
و كأنَّها..لم تستطِع الحياةَ أبدًا..}
شهِقَت بأَلَم...كَتِبَت بمَكانٍ آخر...
{أنا..أوَدُّ الرَحيل....}
للَحَظاتٍ، نظَرَت إلىّ بعينيها الدّامِعَتَين..ثُم عادت لتكتُب....
{رُبما بعضًا من حكايتى، صغيرتى ستفهمينَه يومًا..بمُفرَدِك...و رُبما بعضًا آخر لَن تَرَينَه أبدًا....
رُبما أوراقى تِلك لن تَصِل إليكِ أبدًا...لكنِّى، أدعو..ألا يمنَعُك عَنكِ، و عن قَلبِك يومًا حِجاب...
إن لم تَستطيعِ مُسامَحةَ مَن يكسِر لكِ شيئًا...فإنَّكِ..لن تُسامحينه...رُبما ستُعاقبينه أبدًا..باستمرارِك المُكوثَ مَعه..لكنَّكِ، ستُعاقبين روحَكِ أكثَر..و تَفصِلِينَها عَنكِ أكثَرَ..و أَكثَرْ
أتفهمينَنِ؟!!
رُبما لَم أكُن أُمًا جيِّدة، كما تمنيتُنى لكِ، و لإخوَةٍ لكِ..لم يُكتب لهُم أن يتخطَّوا يومًا كَينونَتَهم فى الخيال..لكننى...أحببتُكم، كُلََّكُمْ....}

لم تهتَم بدَمْعاتِها، التى باتَت كخُيوطِ مَطَرٍ لا تتوَقََّف...أقفَلَت دفتَرَها بسُرعة و حملتنى تحتضِننى بقوّة...لتفتَح جارورًا جانبيًّا بالطاوِلة المكتبيَّة الصغيرةِ، التى كانت تخُصّ غُرفَتى حينِها...مِن بينِ دفاترٍ صغيرةٍ، و كُتيّباتٍ طفوليةٍ و أوراقى المُلوَّنة..أودَعَت دفترَها فى مكانه الذى عرفتُه، أنا فقط، عنها من كثرَةِ ما خبّأَت بهِ أشياءَها، فى الفترةِ الماضية...
نهضَت بتَوترٍ و اتجهت للفِراشِ الصّغيرِ الورْدىِّ اللَّوْن..وَضَعت صغيرتَها بِداخِلِه، و دثََّرَتْها بسُرعةٍ تحثُّها على النوم داسَّةً بجوارِها دُميَتَها الأثيرةَ قائلةً: "نامى حبيبتى..نامى..."
أمامَ نظراتِ الصغيرة..لم تملك إلا أن حاوَلَت هزَّ شفتيها فى شبهِ ابتسامةٍ..فشِلت...فأدارت ظهرَها مُبتعدة.
ظلّت تروحُ، و تُجئ..بين جُدران الغرفة الرّقيقةِ الأثاث..التى تزداد ضيقًا و خِناقًا على جَسَدِها و روحِها..فيزداد ارتجافُها.
مع اقترابِ خُطواتِ أبى، همََّت فجأة بمُغادَرَةِ الغُرفَة و كأنّ هُناكَ ما يُخيفُها!!
فى خُطوتِها تجاه الباب، كان قد انفَتَح....أجفَلَها وُجودُ أبى، الواقفِ مُتوترًا بفَتحةِ الباب، مُمسِكًا بمقبضِهِ بقوّة
بألمٍَ ظلّ كلٌّ منهُما يحادِث الآخر..فى صمت!!..قطعته هى، تريد العبور...وصلَهُ هو، بدلاً من أن يتنحَّى مُفسِحًا لها طريق...وجد نفسَه، و قَد سدَّه أكثَر...مدّ إليها يدًا، نفُرَت مِنها..و مِنه!!
بألمٍ..قال بصمت : "آهٍ لو تَعلمين..."
بألمٍ أعمَق..و بكلماتٍ تهتز، همَسَت و كأنما سَمِعَتْه : "لا أستطيع..."
كاد غضبُه أن يُفجِر صَمتَه و يُدمِّر الهُدوء..و يخرُج أينَما يخرُج...لكنّ عينيه..ثبُتَتا خجَلاً، أمامَ عينىِ الصغيرة، التى لم تكُن نائمةً كما ظنَّها...تقهقَر غضبُه..فاختفى مع عودَةِ عينيه لوجهِها..و عينيها المُغمَّمَتَينِ بُكاءً، تُفرِغانِ حمولَتَهِما بألمٍ خارج الشُعور...
اقترَبَ منها بيأسٍ..يضُمّها إليه، وهو يقول : "تعالَى..."
و الصمتُ معهُ يُرَدِّد فى رَجاء: "فمازِلتُ على حُبِك...أتُصَدِّقين؟!!"
لم تَقْبَل..و لَم تَقترِب مِنه أو تحتَملَ قُربَه...لكنها، بقلَّةِ حَيلةٍ ألقَت برأسِها المُثقَلِ فَوق كَتِفِه..و دمعاتُها التى خنِقَتْها، ثارَت تُرجِفُ بعُنفٍ جسدَها..تبكى بصوتٍ يرتفِع، فيعتَصِر معه قُلوب..
و صمتُها منها يعجَب، و يتساءَل قلبُها بهَوَانٍ جرَحَه فأدماه : "أرفُض..وكَيفَ لى بأن أرفُضَ....فأَسْتَكِين؟!!"

قلبُه يصرخُ فى صَمتِه : "آهٍ لو تترُكِينَنِ..أحتَويكِ يَومًا...دونَما عِتاب..دونَما حِجاب..."

و قلبُها يبكى هزيمتَه، و حياتَها..و يلعَن صمتَه : " أوَدُّ الرَّحيل.."

قالَت، أوَدُّ الرَحيل..و رَحلَتْ
رَحِلَت أُمّى مُنذ زَمَنٍ طويل..و أنا، لم أعُد صغيرةً، ذات أعوامٍ قليلةٍ لا تعرفُ إحصاءَها...لكنّ هذا اليوم..مازالت خطوطُه ثابتة..تعودُ بمُفرَدِها إلىّ فجأة، و كأنّها تُدرِك وَحدَها..متى أكونُ بحاجَتِها
رُبما رحيلها..قد أراحَها؟!!...فبرغمِ ما حلَّ من حُزن..إلا أنّى، أبدًا لم أُخطئ تلك النظرةِ تلوحُ بالكثيرِ من العُيُون.

أوراقُ أمّى...ظلَّت مَعى..و فيها ما كتِبَتْ..كُلَّ ما كَتِبَتْه، و لم أفهَمه أبدًا..و ما فَهِمتُه..و ما ظَننتُنى أفَهمه، و كأنَّه، رسائل لى!!
قصصٌ و كلمات...لحظاتٌ، و عِبارات..و صَفحاتُه الأخيرة المشوَّشَة..
و تلك القصة المبتورة..كانت آخرَ ما كتِبَتْه أبدًا...وحدها تلك القصة، ظلّت ساكنةً ذِهنى..تعوده بين الحينِ و غيرِه..و إنْ كنتُ بعدْ، لا أعِ كُلَ ما فيها..أو أستطيع ربطَها..بكُلِ ما رافَقَها من كَلِمات...لكنّها، هكذا تُجيئُنى!!
و أجِدُنى أعودُ إلَيها..كُلّما لامسنى الحنين، أو شعرتُ بشئٍ، قَسوتُه، تَجرِحُ بقلبى شيئاً ثمين..

صوتُ المقتَرِب منِّى، أبعد عنِّى الأفكار..و أبعدَنى عن الذِّكريات...بينما تُغلق يداى الأوراقَ القديمةَ بحِرص، رفعتُ وجهِى للَّذى وقِف بارتباكٍ ينتظر أن أشعُرَ به...فاعتذر قائلاً بحرجٍ ضايقه : "أنا، آسف...أما زلتِ حزينةً منِّى؟؟"
لم أعرف بمَ أجيب!؛ فأنا..لم أكن، حزينةً منهُ هو أبدًا...فهو، لم يكن يقصد أبدًا مُضايقتى..
لم يكُن يعلم حينما كَسِرَ أرجوحتى..بأنها لن تحتمل لَعِبَه، و ثِقَلَه فَوقها...فعلامَ أُعاتِبُه؟!
عندما رَأى صدمَتى، من بعدِ رؤية قِطَعها الخشبيَّة القديمةِ، تتدلَّى بثِقَلٍ من وُثاق حِبالها السَّميكة...شعُرتُ بحَرَجِه..فلم أستطِع مِن بَعدِ نظراتى تلك، و اعتذاره، أن أوبِّخُه!!
و أيضًا..فهُو قَدْ سَقط عنها حينَما كسِرَها..و ربَّما قد أوجَعتْه وقْعَتُه..
عندما ركضتُ إلى جدَّتى، أشكو إليها..قالت بأنى أحسنتُ قولاً...و هو قَطعًا، لن يُكرّرها...
و برغمِ كُلِّ شئ؛ فإنّ أبى يعدُنى بإصلاحِها فى الغد...إلا أنَّنى، وجدتُنى و قد أحضرتُ أوراقَ أمى..و جلستُ أقرأها، و كأنِّى فى كلِ مرةٍ أجدُ فيها شيئًا جديدا...

خرجتُ من أفكارى، بأنّه ينتظرُ جوابًا..رفعتُ عينىّ إليه..و شفتىّ تبتسم علامة أن: "لا عليك"...
حاولت النهوض عن جلستى التى بقَيْتُ عليها طويلا حتى تخدَّرتا ساقاى و آلمتانِ...فمدَّ إلىّ يدَه..فاستندتُ إليها...نهضْت..و أكملنا سيرنا معًا بالقُرب من منزلِنا و منزِله، باتجاه الحدائقِ الصغيرة التى نحسبُها لنا؛ اعتدنا التَّلاقى هناك مع بقيَّةِ أتْرابِنا.
سِرتُ بجوارِه، أنفُضُ عن رُكبتىّ و ملابسى أثرَ الأرض...أدَرْتُ رأسِى للخلفِ لحظة، أبعثُ سلامًا صامتًا نحو أُرجوحتى المُتعَبة..فحثَّنى للسير.

: "لِمَن تلك الأوراق؟!!"
: "هاه؟؟!!"
أعاد سؤالَه بفُضولٍ، و قد عادت إليه طبيعتُه المُحبَّبَة: "تلك الأوراق، التى بيديكِ!!أعثُرتِ عليها؟!!"
: "لا..لا تهتم..إنها...محضُ، أوراقٍ قديمة!!"....بينما أتجاهل بإجابتى المُبهمة، استفهاماتَ تعجُّبِهِ الظاهرةِ بعينيه..أحكمتُ يدىّ من حولِ أوراقى..يبدو بأنّى، كما أقرأُ الجديدَ فيها كلَّما عاودتُها..يبدو أيضًا بأنّى..لا أُفلِح أبدًا بتعلُّمِ، أىِّ شئٍ مِنْها!!


إحم..بدأت، عند فكرة باغتتنى بها خاطرة أنا بكتب قصتها...و انتهيت عند شئ آخر، و أفكار بعيدة تماما....لكن، الشكرَ يظل واجبا..

رابط القصة ككتاب "هدية رقيقة، أسعدتنى، و أعتز بها كثيرا"..تصميم الغلاف، و صفحات القصة و تجميعها..من إبداع الجميلة، حنان..s
محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي

لا أملك إلا أن أشكرها من قلبى..



التعديل الأخير تم بواسطة hadya ; 31-03-12 الساعة 10:19 AM
hadya غير متواجد حالياً  
التوقيع

أنا كنت شىء، و صبحت شىء؛ ثم شىء
شوف ربنا، قادر على كل شىء
هزّ الشجر شَواشيه... وشوشنى قال:
لابدما يموت شىء؛ عشان... يحيا شىء
- - -


رد مع اقتباس
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:03 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.