| كانت ليا في الفراش عندما عاد ماتيوس إلى المنزل .. استطاعت رؤية أنوار سيارته , وسمعت هدير محركها الناعم , وهويقودها نحو الكاراج .. تساءلت بمرارة مع من قضي أمسيته . حينما عادت مع كاتي في وقت متأخر من بعد الظهر , علمت من السيدة فلاندرز أنه أتصل , قائلا إنه لن يأتي للعشاء أما عذره فانشغاله باجتماع عمل في " ليدز " لكن ليا طالما سمعت مثل هذا العذر من قبل .. على أي حال أحست برضي معين وهي تشهد خيبة أمل كاتي عندما وقع بصرها على مقعدين فقط معدين حول المائدة .. سألت وهي ترجع حمالة الثوب الرفيعة عن كتفها إلى مكانها الصحيح . _ أيتناول خالك العشاء في الخارج كثيرا ؟ هزت ليا كتفيها : " أحيانا ". ظهر الانزعاج على كاتي وهي تجلس مكانها .. لم تزعج ليا نفسها بارتداء فستان للعشاء , بل ظلت متردية التنورة والبلوزة اللتين ارتدتهما في مانشستر .. امتنعت أمام نظرات كاتي عن تناول الأطعمة الدسمة التي وضعتها السيدة فلاندرز أمامها . تجنبت ليا البطاطا المشوية التي تفضلها , وركزت طعامها على القنبيط والجزر واللوبيا , التي رافقت البطاطا وهذا ما استدعي تعليقا مضطربا من السيدة فلاندرز التي قالت : _ ما بالك يا فتاة .. ؟ هل انت مريضة ؟ لم أعهدك تمتنعين عن الطعام هكذا .. لقد لاحظت أنك لم تأكلى البيض هذا الصباح . تجنبت ليا النظر إلى كاتي : " ولكنني تغديت ؟ " . _ كان الغداء سلطة وهو مناسب للأرانب لا لفتاة صغيرة , لا يمكنك العيش على الخس واللوبياء .. هيا الآن لقد أعد لكما بولي فطيرة بطاط حلوة . سال لعاب ليا ولكنها قالت بانزعاج : _ هل لي أن أتناول فقط الجبنة والتوست المحمص ؟ فلست جائعة .. سأتناول بعض الفاكهة فيما بعد , فالحرارة شديدة على تناول الفطائر المحلاة . لم تصدقها السيدة فلاندرز : " هه ! " . لم تستطع كاتي انتظار خروج السيدة فلاندرز حتى تسخر من ليا . تركت يديها تمران على جسمها النحيل باستمتاع وقالت : _ إذن لقد اخذت بكلمتي في وقت سريع . _ علمت أنك ستقولين لي هذا . تمنت لو تقول لها ما تشعر به حقا .. تركت كاتي ضحكة خبيثة تنطلق منها : _ لم أواجه قط مشكلة مع زيادة الوزن , كنت نحيلة منذ أن كنت في السادسة عشرة من عمري .. فزيادة الوزن تحد من اختيار الملابس .. فدور الأزياء لا تحسب حساب المقاسات الكبيرة . ردت ليا : " ليس قياسي قياسا كبيرا " التوت شفتا كاتي : " افعلي ما شئت , إنما تذكري أن مصممي الأزياء يفضلون النحيفات .. ولكن لا تقلقي , فلا حيلة لك بالأمر .. تعاني بعض النساء مثلك من كثرة الدهنيات في أجسامهن " . صاحت ليا وهى غير قادرة على كبح ردها الغاضب : _ ليس لدي مشاكل دهنية .. بشرتي صافية , خالية من البثور ! ابتسمت كاتي ساخرة : " إذن لماذا تعتمدين حمية غذائية ؟ " صمتت ليا لافتقارها إلى رد مهذب . فيما هي مستلقية في فراشها تصغي إلى هدير محرك سيارة ماتيوس الثابت , تمنت لو تجرؤ على الخروج من الفراش لمقابلته , كما كانت تفعل في طفولتها . فعندما كان يجفوها النوم ليلا , كانت تتسلل إلى الطابق السفلي حالما تسمع صوت الباب يقفل وكثيرا ما ضحكت مسرورة عندما يرفع ماتيوس يده إلى فمه دهشا من وجودها . منذ حادثة المسبح لم تحاول ترك غرفتها .. ركلت الغطاء بعنف عنها لأنها أدركت أن تلك الأيام ولت . عادت ذكري ما حصل هذا الصباح لتعذبها , كان ماتيوس غاضبا جدا .. لقد تصرف وكأنما ما حصل كان غلطتها , ولكنه عندما ضمها بين ذراعيه لم تستطع تحرير نفسها منه , حتى لو أرادت .. وكأنه كان يريد معاقبتها , ومعاقبة نفسه في آن واحد .. عرفت رغم قلة خبرتها , أن الأمر خرج عن سيطرته .. غريبة الحياة . ففي اليومين الماضيين تلقت نوعين مختلفين من العناقات .. ولكنها تعرف أن عناق ماتيوس كان الأخطر . أصغت ليا متوترة إلى وقع قدمي ماتيوس وهو يرتقي الدرج القديم الذي تعرف كل طقطقة فيه . لم يصعد فورا إلى الطابق العلوي , بل تظنه دخل إلى المطبخ ليشرب الحليب . كانت معتادة على مشاركته الحليب والجلوس إلى حافة مائدة المطبخ وعيناها تبرقان . استلقت على بطنها غير عابئة بالبرد الذي تعرض نفسها له بغياب الغطاء . ولأن الجو حار لم ترتد ثوب النوم , ودفنت وجهها في الوسادة وهي تتمني لو تستطيع النوم . جعلها وقع أقدام ماتيوس المقتربة تدفن وجهها في الوسادة .. ثم تسمرت بلا حراك عندما انفتح بابها فجأة .. أنار شعاع ضوء من الممر سريرها ..كادت تزهق أنفاسها ولكن النور سرعان ما اختفى وعاد الباب إلى ما كان عليه .. فتركت أنفاسها تنطلق بضعف . في الصباح , بدا لها ما حدث حلما .. ولكنها تعلم أنه ليس حلما .. دأب ماتيوس مدة أربعة عشر عاما على فتح الباب ليلا ليتفقدها , ولكنها تكون عادة نائمة . آه ليته ظنها نائمة كذلك ليلة أمس حتى لا يثير هذا الموضوع الحرج عن النوم بملابسها الداخلية فهذا الموضوع نقطة خلاف بينهما . تستطيع تصور ما سيقول , وما ستفهمه كاتي لورد من مثل هذه الشائعة اللذيذة الطعم . لم تستطع منع موجة الحرارة التي اجتاحت وجنتيها عندما دخل إلى غرفة الطعام ليجدها على المائدة .. زاد اضطرابها ما إن جلس في مواجهتها ينظر إليها بهدوء . قال وهو لا يزال ينظر إليها : " آنا أسف " . رفعت نظرها إليه : " آسف ؟ لا أدري ما قصدك .. أنت تتأخر عادة عن موعد الفطور .. وكما تري , لم تظهر الآنسة لورد حتى الآن " أخذت قطعة توست تدهنها بالمربي , ورد عليها : _ لم أكن أتحدث عن الفطور ليا . وتوقفي عن التظاهر بأنك ستأكلين قطعة التوست ! لقد وضعت الكثير من المربي فوقها حتى بدت مقرفة . ضعي السكين من يدك , وانظري إلي . أعد ألأ تؤلمك نظرتك هذه . مسحت أصابعها في المنديل بدون أن ترد , ثم رفعت ذقنها غصبا . وتمتمت : _ لم أعرف أنك ستدخل غرفتي .. وبسبب الحر لم أستطع وضع الغطاء علي . _ أكنت مستقيظة ليلة أمس ؟ تنهدت : " أجل " _ ولم تقولي شيئا ؟ حركت كتفيها بعجز : " لا . وماذا كنت تريد مني أن أقول ؟ تصبح على خير ماتيوس ؟ " _ ولم لا؟ هزت رأسها :"لم لا ؟ أنا من افترض أنك ستقول تصبحين على خير ". _ أنا لا أتحدث عن ليلة أمس . بل عما حدث صباح الأمس . كنت أعتذر . أنا آسف . بعد التفكير أدركت أنني المخطيء لا أنت . أخرجت نفسها بضعف : " لم تكن غلطة أحد ! أعرف أنني لست الفتاة الأولي التى تقبلها ولا أتوقع أن أكون الأخيرة " _ ولكنك ابنة شقيقتي ليا . أنا من بحاجة للضرب لا أنت . رطبت شفتيها بقلق : _ ماتيوس نحن لسنا قريبين . برقت عيناه الخضراوين : " كيف ؟ " _ تعرف قصدي . _ نعم أعرفه , ولكني أعتبرك ابنة أختى ليا ولا أقبل بأي شيء آخر أبدا . أطلق ضحكة خشنة : " أتتصورين ما قد تقوله أمي لو عرفت بما حدث ؟ " غرزت ليا أظافرها في قماش المائدة : " حسنا .. لست آسفة " دفع كرسيه إلى الوراء بحدة , وصاح غاضبا : _ يجب أن تكوني آسفة . أعتقد أن علاقتك بماتيسون أعطتك ذوقا للمهازل .. لكن لا تجربي ألاعيبك على ليا .. فما زلت قادرا على تغيير رأيي بالنسبة لإرسالك إلى المدرسة الداخلية . صاحت غاضبة : " آه ! توقف عن تهديدي بهذا ! هذا غير عادل .. كلما قلت شيئا أو فعلت شيئا سلطت هذا السيف على عنقي .. إذا أردت إرسالي إلى جنيف , فأرسلني .. لا يهمني ذلك الآن .. فتوقف عن إطلاق التهديدات ! " سألها بحدة : " أتعنين هذا ؟ " تلاشت ثقتها بنفسها , وأجابت متوترة : _ أجل ! لا ! لا أدري .. أوه . دعني وشأني . بت غير قادرة على التفكير السوي . _ كما تشائين . كان ماتيوس على وشك مغادرة الغرفة , لكن دخول السيدة فلاندرز مع إبريق القهوة الطازجة منعه . قالت بنشاط : _ هاكم .. البيض والكلي في الطريق .. أواثق يا سيد ماتيوس أنك لا تريد عصير البرتقال أيضا ؟ أو بعض " الكورنفليكس " مع الفريز ؟ اتسعت عينا ليا .. الواضح من كلام السيدة فلاندرز أن ماتيوس كلمها قبل الدخول إلى غرفة الطعام .. فتنهدت لأنه لن يتركها وهو غاضب . قال ماتيوس للسيدة فلاندرز : _ الكلي والبيض فقط . وعاد مكرها إلى مقعده ليصب فنجان قهوة .. فاستدارت مدبرة المنزل إلى ليا موبخة , تنظر إلى قطعة التوست التي لم تأكلها : _ وماذا عنك ؟لا أدري ما دهاك .. لم تتناولي الكثير من الطعام بالأمس , ولم تلمسيه هذا الصباح , لقد أخبرت خالك .. قلت له إننى لا أعرف ما خطبك فلم أعهدك ترفضين طعاما . تبادلت ليا نظرة حيرة مع ماتيوس .. ألهذا اعتذر منها ؟ هل قاده قلق السيدة فلاندرز على صحتها وشهوتها للطعام إلى الظن بأنها مغتاظة من مواجهتهما ؟ .. دفعت طبقها جانبا , واستدارت إلى مدبرة المنزل , قائلة : _ غيرت رأيي , سأتناول البيض واللحم والكلي ! . امتقعت وجنتاها عندما دخلت الآنسة لورد إلى الغرفة .. فكان أن فقدت الاستمتاع بلحظة انتصارها . ما إن وصل الطعام حتى وجدت صعوبة كبري في التعامل معه كما يجب خاصة وهناك شخصان يسلطان الأنظار عليها . لكنها على الأقل أزعجته , وعرفت من نظرة كاتي الهازئة أنها خيبت أمله . بعد الفطور اعتذر ماتيوس , فكان أن ظلت ليا بمفردها مع كاتي التي قالت لها وهي تنظر برضي إلى الطقس : _ اظن أن علينا قضاء يومنا في الحديقة , فذلك يعطينا وقتا للكلام , كما فعلنا بالأمس . أريد معرفة كل شيء عن أصدقائك وأقاربك . أحست ليا بأنها ملزمة بملاطفتها , فاقترحت : _ ألا ترغبين في لعب التنس ؟ هزت كاتي رأسها : _ التنس لعبة عنيفة , ستشعرنا بالحر . هذا ليس بعمل مناسب في يوم حار .. لا .. سنجلس قرب المسبح .. أمهليني وقتا حتى أغيرملابسي وأرتدي ثوب سباحة . تفضل ليا لعبة التنس لأنها ستساعدها على هضم الفطور الدسم التي تناولته لتوها .. تعرف أن كاتي إنما تريد أن تسألها في الواقع عن خالها , عن أصدقائه وأقاربه , وما هي إلا ذريعة . اندفعت من المنزل إلى الشرفة المسقوفة , ثم توجهت نحو الكاراج .. كان جورج هناك كالعادة , محشور الرأس داخل محرك اللاندروفر ولكنه استدار لدي سماع وقع أقدامها , ورفع يده المليئة بالزيت : _ مرحبا .. هزت ليا رأسها ردا على تحيه " مرحبا " ثم تقدمت إلى الكاراج الذي يحتوي على الهوندا : _ لا أريد مقاطعتك . أرغب فقط في بعض الهواء النقي .. إذا سألك عني أحد فقل إنني ذهبت في نزهة . _ وهل من المحتمل أن يسال عنك أحد ؟ _ ربما _ ماتيوس ؟ _ لا أدري .. لكنه ذهب إلى المصنع . سيارته غير موجودة . _ أوه .. أكيد .. لقد ذعب منذ نصف ساعة .. ظننتك ستهتمين بالقنبلة الشقراء . هزت كتفيها : " أهكذا تسميها ؟ " ضحك جورج : " هذا ما يطلقه عليها سام العجوز .. يجب أن تعترفي بأنها مغرية " _ انا مسرورة لأنك تظن هذا . أدركت ليا أنها تبدو لئيمة بكلامها , فسارع جورج إلى تفسير كلامها مخطئا : _ لا تقلقي .. أحب النساء الممتلئات , كما أنني أحب سوداوات الشعر , خاصة من تنصح منهن الجاذبية ! أخرجت ليا الدراجة النارية من الكاراج , وصعدت فوق المقعد .. سألت : " أما زال ماتيوس غاضبا منك ؟" "_ لا أظن .. مع أنه غير متحمس لوجودي , فهمت ما أعني . لكنه لطيف معي .. وكأنه يجهل ما كان يجري . عبست ليا : " وماذا جري ؟ " رفع جورج عينه إلى السماء : _ هيا الآن ليا . مسح يديه القذرتين برقعة قماش وأكمل : _ تعرفين ما أقصد , تقاربنا كثيرا منذ عودتك من المدرسة . ردت باختصار , دون أن يعجبها تصرفه : _ نحن صديقان فقط . تقدم إليها هازا رأسه : _ اوه .. أهذا كل شيء ؟ لم تعجبها النظرة في عينيه , فوقفت على الدواسة , وضغطتها .. ما أشد ما كانت غبطتها عندما انطلقت الدواسة عند أول لمسة فذلك أخرجها من باحة الكاراج قبل أن يتمكن جورج من منعها .. وما إن وصل إلى زاوية المبني , حتى كانت تخرج بسرعة من البوابات .. في المرآة الخلفية شاهدته يستدير عائدا إلى عمله وعلى وجهه عبوس كبير . لم يعد ماتيوس لتناول الغداء , وهذا ما أراح ليا .. عندما نزلت إلى غرفة الطعام , مستحمة نضرة بعد قضائها فترة الصباح في الخارج , وجدت كاتي جالسة على المائدة , حيص سألت وقسمات وجهها متجهمة بسبب اختفاء ليا : _ أين كنت ؟ _ ذهبت إلى المزرعة . _ على ظهر جواد ؟ _ لا .. بل على الدراجة النارية , اشتراها لي ماتيوس هدية في عيد ميلادي , إنها آلة صغيرة , لكن جورج أصلحها فأصبحت سريعة . _ جورج ؟ آه ماتيسون .. ذلك الشاب الذي وجدك خالك معه تعبثين يوم وصولي . أخبرني بالأمر .. وهو أحد أسباب وجودي هنا . امتقع جه ليا غضبا : " أخبرك ماتيوس بهذا ؟ " أخذت تفتح رغيفا بأناملها الرقيقة : - طبعا . كان يشرح لي سبب اختفائك السريع بعد وصولي . يجب أن أقول إن ذوقك لا يعجبني . عامل الكاراج .. حقا ! أليست أظافره متسخة ؟ أخذت ليا تغلي غضبا على ماتيوس الذي تباحث شؤونها الخاصة مع كاتي . فقدت أعصابها فصبت جام غضبها على كاتي : - على الأقل يعرف قيمة العمل الشريف .. وهو ليس متطفلا يعيش عالة على الآخرين ! ردت كاتي بلؤم وهي تتذوق طعم الفاكهة : - مثلك أنت .. ألا تعيشين عالة على خالك .. منذ وفاة والديك ؟ أحست ليا بألم في حلقها : " هذا غير صحيح " - لماذا غير صحيح ؟ بالنسبة لي , دعاني خالك لأداء عمل . أطلقت ضحكة مثيرة للأعصاب : - إلام تشرين ؟ - أنت لست قريبته ! وضعت شوكتها من يدها عندما فهمت قصدها .. فهي كذلك ليست قريبته .. لكن , لم تذكر كاتي هذا . أسعدها رنين الهاتف الذي شغلهما عن الحديث المزعج . نظرت ليا من فوق كتفها ترجو الله أن تكون المخابرة لها .. دفع ظهور السيدة فلاندرز المتذمرة بسبب انشغالها بالطعام ليا إلى النهوض عن كرسيها بسرعة لتجيب : - ماتيوس ؟ آه .. ماتيوس , يسرني سماع صوتك ! لم تكن تدري حتى تلك اللحظة كم كانت يائسة إلى سماع صوته . رد بلهجة متسامحة قليلا : - لماذا ؟ ماذا فعلت ؟ اطلقت تنهيدة : - لم أفعل شيئا . أردت فقط أن أتحدث إليك .. أيدهشك هذا ؟ منذ فترة ونحن لا نتبادل الأحاديث . - أكنت تبكين ؟ اللعنة ! ماذا قالت لك كاتي الآن ؟ ألا أستطيع ترككما خمس دقائق بدون أن تنقض أحداكما على خناق الأخري . - هذا غير صحيح .. وليس السبب شيئا قالته الآنسة لورد .. لماذا تتصل ماتيوس ؟ هل ستغيب عن العشاء مرة أخري ؟ - لا .. ليا .. من الأفضل أن تخبريني بما حدث .. فقد لا تتاح لنا فرصة الحديث هذا المساء . - لماذا لا ؟ - لدينا ضيوف .. لقد دعوت فيليب جفرسون وزوجته لقضاء عطلة الأسبوع . إنه مسافر إلى ألمانيا يوم الاثنين , وأريد أن أتحدث إليه قبل سفره . امسكت شفتها السفلي بين أسنانها . - هل سيجلبان معهما ستيف وكايت ؟ ستيف وكاتي هما توأم جفرسون البالغان الرابعة عشرة من العمر , واللذان تتمتع ليا بصحبتهما الرائعة .. لكن ماتيوس سرعان ما أطفا جذوة حماسها : - لا .. إنهما في ديفون في الوقت الحاضر مع جدتهما .. إنما ادعي بعض أصدقائك إذا كنت ترغبين . بدت خيبة الأمل في صوتها : - شكرا .. ولكن معظم أصدقائي مسافرون حاليا .. فنحن في شهر تموز ماتيوس .. تنهد ماتيوس : " قلت لك إننى سأحاول السفر في شهر أيلول " . - أتعدني ؟ - اعدك . - نحن الاثنين فقط ؟ - لا أدري . صاحت بيأس : - لماذا لا تدري ؟ لم نسافر السنة الماضية . لقد أقسمت أن تسافر في إجازة هذا الصيف ؟ - لا أذكر أننى قلت شيئا عن السفر بمفردنا .. لن يكون هذا ملائما .. أليس كذكل ؟ أعني .. بإمكانك تصور ما قد يظنه الناس بنا . - أيهمك هذا ؟ - طبعا يهمني . - لكنه لم يزعجك من قبل . - لأنك لم تكوني من قبل في السابعة عشرة . - إذن , من الآن وصاعدا لن نقضي أي وقت معا بمفردنا ؟ أطلق ماتيوس أنفاسه بنفاد صبر : - لم أقل هذا .. على أى حال , بعد سنة سترغبين في قضاء عطلاتك مع من هم في مثل عمرك . كان بإمكانك الذهاب إلى سانت تروبيز مع عائلة موللر في عيد الميلاد السابق لولا عنادك . وقد جاءتك فرصة أخري للسفر إلي باربادوس في عيد الفصح . - بدونك ؟ سمعت اللعنة التي حاول كبتها : - بالطبع بدوني .. ليا .. أنت في السابعة عشرة الآن ! ويجب أن تنفصلي عني في وقت ما . أمسكت أنفاسها : " أتفضل أن أقوم بعمل ؟ " - عمل ؟ ما شأن العمل في ما نتكلم عنه ؟ - رد علي سؤالي .. اتفضل لو بدأت بكسب بعض المال لأعيل نفسي ؟ سمعته يشتم ثانية : " ماذا ؟ ليا , ماذا دهاك ؟ لماذا تريدين المال ؟ ألا أعطيك مصروفا كافيا ؟ أتريدين المزيد ؟ " ردت متجهمة : " لا ! آه ! .. ليس للأمر أهمية ؟ استحوذت على كامل اهتماهه الآن : - بل يهمني ! ليا , أتريدين الحصول على عمل ؟ أهذا ما يقلقك ؟ أتريدين القول إنك ترغبين في الاستقلال ؟ نظرت ليا من فوق كتفها خشية أن تكون كاتي تسترق السمع , ثم قالت : - لا .. سنتحدث في هذا في وقت آخر ماتيوس , سأبلغ السيدة فلاندرز بأن تحضر غرفة للضيوف . صمت ماتيوس للحظات , ثم قال بتوتر : " نعم أبلغيها " وأقفل الخط قبل أن تتمكن من إضافة كلمة أخري . قالت لكاتي حالما عادت إلى غرفة الطعام : - لدينا ضيوف في عطلة الأسبوع . كانت قد بلغت السيدة فلاندرز الخبر , وتعرف أن عليها إبلاغ كاتي أيضا . - من ؟ هل أعرفهم ؟ ردت ليا باختصار : - هذا وقف على مدى اهتمامك بالكمبيوتر , إنهما فيليب جفرسون وزوجته .. إنه يملك شركة الكترونيات . استوعبت المعلومات مفكرة : - هكذا إذن .. وهل السيد جفرسون زميل عمل لخالك ؟ - إنهما شريكان .. هلا مررت لي الملح رجاء؟ أعطتها وعاء الملح , قائلة : - اعتقدت أن خالك يهتم بالأصواف فقط . تنهدت ليا : " في الواقع أن له اهتمامات أخري " - أخبريني .. أيسافر خالك كثيرا في سياق عمله ؟ كبحت ليا نفاد صبرها ورفعت بصرها فالتقي بالعينين الباردتين . - ليس الأمر مهما .. صحيح ؟ - إنه فضول ليس إلا . أخذت قطعة لحم بالبيض وأكملت : - كنت أنا ودادي نقضي وقتا طويلا خارج البلاد . كان عالم آثار يهتم جدا بالحضارات القديمة . كان يعرف مصر خير معرفة ولي فيها ذكري . عبست ليا تقاطعها : - ألم تقولي إنه كان كاتبا , ذكرت ذلك أمام ماتيوس . سارعت كاتي إلى تصحيح قصتها : - حسنا .. هكذا كان .. كان يكتب عن علم الآثار , بالطبع .. ألم أذكر أن كتبه تقنية . - وذكرت أيضا أنكم انتقلتما من لندن لأنه بحاجة إلى العزلة ليكتب .. قلت إنكما انتقلتما إلى كرونويل , أكان ذلك قبل سفركما إلى مصر أم بعده ؟ ابتسمت كاتي بجمود : - حسنا .. فيما بعد طبعا .. ان يعيش المرء في كرونويل لا يعني بالضرورة الانقطاع عن العالم . لاأعتقد هذا . - اظنك سافرت مع خالك . - قليلا .. ولكن في غير رحلات العمل. انتفخت فتحتا أنف كاتي بسبب مضامين التهرب الحريص . | |