04-09-22, 12:48 PM | #1 | ||||
| الطائر الغريق [ الطــــــــــــائر الغريق ] خرج عبد المعطي من محبسه وقد أخذته قدماه إلى حيث لا يدري ، إلى شارع الطبال الكائن في حارة الزفة ،كأنه يود أن يستعيد ذكرياته وماضيه وأيامه المارقة ، دار برأسه مثل التائه ، لا يعرف إلى قبلة يتجه ؟ . توقف تدفق الدم في رأسه وغشت عيناه ، لم يدر أين هو ؟، رمق وهو يدور برأسه مقهاه القديم ، انتحى بنفسه على كرسياً منفردا كان قد تركه صاحبه للتو ، أمام المقهي التي تكتظ بها ابزبائن بحارة الزفة ، جلس ..كانت رائحة الحشيش المتطاير من أفواه (الحشاشين) تلعب بالرؤوس جلس ينازعه الغرق في يم الماضي ويلعب برأسه الدخان المتطاير من أفواه الحشاشين ، بدأ تزمجر أمواجه الغاضبة والتي بات لا شطٍ لها ،، زمجرة الوحوش الضاربة في الغاب ، تنازعه سكرات التيه وهو يغوص في أعماق الماضي ويطفو على السطح فتضربه الأمواج وكلما ارتفع على سطح الماء ضرب كفِ بكف وأخماسِ بأسداس ، فلا يصل إلى محصلة حسابية أو حاصل ضرب يكون صحيحاً أو شيء هو أقرب للصواب ... فقد الكثير من التركيز تماماً ، كأنه أخذ جرعة زائدة من دخان الحشيش والبانجو أو أخذ جرعة من xxxx مخدر فأفقده وعيه ، فمنذ إن رجع من أخر سفر له ، راح يهذي في صحوه ومنامه ، يلعن اليوم الذي ساقته قدماه ليسلك هذا الطريق .. طريق الضياع ، دون أن يدري .. أخذه اللهو والمجون وثلة السوء والأنس المشيطن إلى مأخذ غير محمود ، أدى به السلوك المشين والاستهتار إلى هذا الوضع المزري ... ***** لقد وهب الله عبد المعطي بك سحنة وملامح مليحة تشد إليه النواظر فتشغف بحديثه وعذوبة لفظه رقيق حد النعومة ، تغرق وجدان أيي أنثى في جمال ملامحه ، منفرد في تكوينه وشخصيته ، هبة إلاهية استخدمها استخداما ً سيئاً ،انتهج نهجاً مغايراً ، سلك طريقاً معوجاً ، صاحب أقران السوء ، ضرب عرض الحائط بكل ما هو محمود ، وكل عُرفٍ وكل أمر ينهى عن المنكر ويأمر بالمعروف ، أغراه المال والثراء الموروث والعز الزائل والسمعة الكاذبة ، استخدم عبد المعطي بك مواهب الله من حسنٍ ومفاتن لتكون نكبة وحسرة عليه ، تلك هوى المزاح الذي اكسبه أرضية وبساطا ،وصدق من قال :خفة دم .. أنه يمدحه ولا يضلله ، عرج إلى الطريق المعوج طريق الندامة وسكة ألا رجعة والمروق ، غره كثرة ما حوله من منتفعين وأصحاب المآرب الذين التفوا حوله بغية قضاء مصالحهم ومنفعتهم ،لم يحسب للعمر ولا للزمن حساب ، انفض الجميع من حوله وتركوه قائماً في وحدته غارقاً في ديونه بعد كان أن ثرياً من الأثرياء المحسوبين ، وكلما انتفض الخيال في رأسه وفي عينيه أكلته النار وراح في نوبة من الهذيان والهستريا ، يعضه الندم في لحظة لا ينفع فيها الندم لمثله ، قد كَلََّ من كُلِ شيء وغطته سحابة رمادية وراحت تمطره بوابل من الغثيان ، كلما أفاق عاد مرة أخرى ليكتسي ثوباً أزرقاً باهتا ، يفزع من جحيم ما يراه ويراوده ويخالجه فيعدو في الطرقات ، عله يجد المأوى ويجد ألأنيس ....لتخمد نار جوفه وتتوقف دموعه التي لو قيست مقارنة ..! ،تساوت بقذائف وحمحم بركان ثائر ينفث زفيره ليحرق كل من اقترب منه على الأرض ... إلى فصل أخر من فصول الطائر الغريق بإذن الله تعالى بقلم : سيد يوسف الجهني | ||||
04-09-22, 01:39 PM | #2 | ||||
| الطائر الغريق الفصل الثاني ورث عبد المعطي ثروة لا بأس ، بها تقدر بالملايين ما بين أموال بالبنوك وأراض زراعية تعد بالعشرات من الأفدنة ، كانت تدر عليه الكثير من ثمار المحاصيل والحبوب ، بالرغم من خسارة أبيه الكبيرة من الأموال والأسهم في البورصة نتيجة المضاربات وهبوط بعض أسهم الشركات في السوق لعدم استقرار الوضع الأمني بالمنطقة عموما وزعزع الوضع الأمني في البلاد ، فتدني الوضع الاقتصادي ، مما أضر بالحال العام في سوق الأسهم وتبادل الأوراق المالية ، المال الموروث جعل عبد المعطي ينفق ببذخ وإسراف ، فهو المدلل لأبيه فهو وحيده ووريث عرشه وممتلكاته ، لذلك انتهج نجهاً غير سوياً ، لم يكن عبد المعطي مثل أبيه يعرف قيمة القرش ، فأهمل كل شيء وغر به اللهو والسهر والتعاطي ،انسلت الأرض من تحت يديه قطعة بعد قطعة وفدان بعد فدان ، قل العائد والتحصيل الوارد من الأرض ،حتى أن ناظر عذبته لم يدخر جهداً في الاستيلاء على بعض القطع من أراضيه التي لم يعرف عنها شيئا ، باعها دون أن يدري أو يعلم عنها ، لقد أوكله عبد المعطي وسلم له الأمور يتصرف كيف يشاء وكما يشاء ، ما عليه إلا أن يقبض ويوقع على عقد البيع لينفق ، ملذاته .. نساؤه المعجبات ...الساقطات ...الآن وقد فرغت أكياسه واستدان ، اقترض ... تفرق الأصحاب عنه ومن حوله فلزم السجن الطوعي لنفسه ، جلس في بيته ، أصبح حديث الناس في مجالسهم يضربون به المثل ، كأنه ينتظر النهاية ويعد ما تبقى له من عمر ، يمنى نفسه أن يخرج منها ولا يرى وجوه الخلق ، وهم ينظرون إليه ، كأنها نظرة شماته أو احتقار ..فإن خرج سيخرج غير مأسوف عليه ، ما عاد يضحك ولا يقهقه كما كان ، لا شيء يعاوده يحوي في داخله الحميم ليهب واقفاً ،يفزع ليطفئ نار جوفه .... تحرك الشريط السينمائي ليعرض فصلاً من فصول ومشاهد المسرحية التي كان عبد المعطي بطلها ونجمها ، بدأ الفصل والمشهد عندما رن تليفونه وهو يمسك به ويحمله في بطن راحته ويحدق بعيداً عنه في سماء الحال الملبد بالغيوم ، لم يكن الرقم المتصل بالمحلي أي في حيز حدود الوطن بل كان رقماً من خارج الحدود لم يعهد به من قبل ، ألقى ببصره يتعرف عليه ..قبل أن يخاطب المتصل ، وجده غريباً عليه آ، تركه حتى سكت التليفون عن الرنين ، برهة وعاود المتصل اتصاله من جديد كأنه مُصرٌ على محادثته ، لمس بأصبعه سطح التليفون ورفعه قريباً من أذنه ، غير عابئ بمن يتكلم من الجهة الأخرى ، خرجت من شفتيه : ألو ألو ... جاء صوت المتكلم من الضفة الأخرى فإذا هو صوت أنثى بلغة غير عربية ألو : مستر عبد المعطي ..! نعم : أنا ، أدنى التليفون إلى أذنه وتأهبت حواسه وبرقت عيناه ، نشطت دورته الدموية ، كان صوت المتكلمة جاداً ، يحدد ويضع توضيحاً ِلهاجس ...! ..ظن عبد المعطي أن المتكلمة من المعجبات أو المغرمات ، سرعان ما عرف أن المرأة متقدمة في السن ، يبدو خلفها أو لديها أمرا مهم ...! فلينتظر ...! ليعرف ما وراءها من أمر ....قالت :السيدة أنا فيكتوريا صديقة كاترين هل تذكرها مستر عبد المعطي ؟، لحظة مرت طويلة كأنه يسترد ماضية ويستدعي الذاكرة وجاء الصوت مرة أخرى هل تذكرها ..؟ عبد المعطي : نعم ..نعم أذكرها مدام أذكرها جيداً ، لم أنساها قط ، فكتوريا : ماتت كاترين منذ شهر تقريباً وتركت لي وصية أن أبلغك بها ، هي رسالة هامة بالنسبة لك ...! حينما غادرتك كاترين ورحلت عنك إلى إيطاليا ، اختفت عنك وغيرت أسمها من كاترين إلى شيرين ، حتى لا تتعرف عليها أو تصل إليها ، تزوجت بمستر روفائيل وكان يدير مطعماً كبيراً بالمدينة وعندما وضعت طفلها نسبته لزوجها ، دعته بجون روفائيل ، استيقظ عبد المعطي على صوت فيكتوريا وهي تقول لقد أبلغتني كاترين أن أعلمك بالأمر ، على أن جون هذا هو أبنك الشرعي من كاترين .. وقد بلغ الخامسة والعشرون من عمرة وقد كتب مستر روفائيل كل أملاكه له وهو الآن يدير مطعما كبيراً بمدينة ميلانو وقد أبلغته كاترين بذلك وقمت أنا بزيارته وأقر بمقابلتك والتعرف عليك وهو في انتظار أن يراك وتراه وإذا أردت أن تراه وتقابله أبلغني عند وصولك إيطاليا واتصل بي على نفس الرقم وسأحدد لكما ميعاد للمقابلة ... تلك وصية كاترين وقد أبلغتك ... (قُد باي ) مع السلامة وغاب صوت المتصلة وانقطع ....! وقع الخبر على عبد المعطي وقوع الصاعقة وانتفض من مكانه وهو يصرخ بأعلى صوته وبكل قواه ليسمع المارة ..أبن هو ؟ لن ينقطع نسلي ، سيكون ليَ حفيدٌ .. أحفاد ..سأعود به إلى مصر سأرفع رأسي من جديد ، سأعوض ما ضاع مني ، أمطرته الأماني بالنشوة واحمر وجهه وراح يهتف ويكبر وجرى اسم الله على لسانه لأول مره ، وكأنه أسلم بعد كفر وإلحاد ، وراح يطوف حول الكعبة بخياله في رحاب الحرم ورطب لسانه وراح يعدو في الطريق ويركض ويريد أن يأكل الطريق أكلاً من شدة فرحه ، لم ينتظر ولم يضيع وقتاً ، راح يعد حقيبة سفره وهو يمني نفسه الكثير ، اتسعت أساريره وانزاحت الغمة التي كانت تجثم على صدره، وراح يغني ويطرب تارة ويهتف تارة أخرى ، وما هي إلا ساعة من الزمن مرت عليه مثل ثانية وقد حجز مقعداً في الخطوط الجوية الايطالية على متن طائرة البوينج رحلة الواحدة من بعد الظهر من مارس عام 1975.... وإلى فصل أخر من فصول الطائر الغريق بإذن الله تعالى بقلم : سيد يوسف الجهني | ||||
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|