آخر 10 مشاركات
زَخّات الحُب والحَصى * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Shammosah - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          همس الموج - قلوب أحلام زائرة - للكاتبة Nor BLack **مكتملة& الروابط** (الكاتـب : Nor BLack - )           »          تشليح سيارات الدمام (الكاتـب : اماني العشري - )           »          أميرها الفاتن (20) للكاتبة: Julia James *كاملة+روابط* (الكاتـب : ميقات - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          دموع رسمها القدر * مميزة ومكتملة *_ بقلم ديدي (الكاتـب : pretty dede - )           »          رواية اسيرة الشيطان..بقلم مايا مختار " مميزة " مكتملة (الكاتـب : مايا مختار - )           »          قبل الوداع ارجوك.. لاتذكريني ! * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : البارونة - )           »          كوابيس قلـب وإرهاب حـب *مميزة و ومكتملة* (الكاتـب : دنيازادة - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-01-15, 05:28 PM   #1

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25 فتاة الريف / للكاتبة غيداء الجنوب ، فصحى مكتملة




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نقدم لكم رواية
(فتاة الريف)
للكاتبة غيداء الجنوب

ندى تدى likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 13-01-15 الساعة 10:32 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-01-15, 05:29 PM   #2

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25



الإهداء

إلى كل من جعلت من الأمل نوراً يضئ
لها الظلام من حولها .. وسارت
وسارت رغم كل العوائق ..
إلى كل من عاش في قلبها حب
لا يعرف المستحيل ووقفت أمام الصعاب
تتحدى به الآخرين والأوجاع ..
إليك عالمٌ عشته في داخلك ولمسته في
عواطفك ..
عالمٌ كله عطاء وأساسه الحب الخالص ..
ليحتضن الأمل بين يديك ويقول لك :
كوني فتاة ريفٍ لا تعرف الخضوع أو التراجع
لا تعرف للخوف طريق ..
كوني فتاة ريف لا تسمح لقلبها حين
يحب أن ينسى من أحب ..



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 13-01-15 الساعة 10:29 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-01-15, 05:31 PM   #3

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



رابط لتحميل الرواية

https://www.rewity.com/forum/t320846.html#post10220320


كانت دائمة البكاء وهي تناجي ربها بصوتٍ مبحوح وتطلب منه أن ينير

بصيرتها إلى الطريق الصحيح ويصرف عنها اليأس كي تعيش باقي حياتها بسلام ..


في قرية رائعة الجمال وبين الجبال الخضراء .. ومن أحد البيوت المتناثرة حولها ولدت فتاة أنعكس جمال قريتها على جمال وجهها البديع ..
عاشت " زينة " في رعاية والديها الذين كانا يعملان ويحرثان في الأرض ليحصلا على قوتهما وقوت ابنتهما الوحيدة .. كانت سعيدة بينهما رغم الفقر الذي كانت تشعر به والحاجة التي كانت تمقتها كلما رأت والدها يطرد ذليلاً من بيت رجل ثري حين يرفض شراء الفاكهة التي يبيعها من مزرعته .. كانت تقف بجانبه وهي عديمة الحيلة ولا يمكنها مساعدة والدها بأي شيء لتنسيه ذلك العناء ..
أما والدتها فقد كانت تجد العناء الكبير وهي تمسح وتغسل وتكنس في بيت أحدى الراقصات وكيف أنها كانت تجد المضايقات من كل زائر إلى ذلك البيت .. ولكنها كانت تجد الراحة والسعادة حين تعود إلى بيتها وهي تحمل في يديها سلةً بها بعض الخبز والجبن وبقايا طعام سيدتها الراقصة التي لم تبخل عليها يوماً بحنانها ورأفة قلبها على حالها الكسير كانت " زينة " تتابع والدها بنظراتٍ كلها حزن وأسى رغم أنها لم تتجاوز العاشرة من عمرها وهو يجلس مكسور الجناح .. عديم الحيلة والقدرة على راحة زوجته من الشقاء الدائم وابنته من الحاجة المستمرة ..
ومضت عليها السنين .. وهي تجد وتجتهد وتثابر في دراستها لتحقق حلمها الوحيد وهو أن تحصل على شهادة تهيأ لها عملاً شريفاً تكسب منه المال حتى ترد لوالديها البعض القليل من الجميل .. وتبعدهما عن الذل والإهانة وترفع من شأنهما حتى لو تتطلب ذلك رحيلهم من هذه القرية الساكنة في قلبها وعقلها ..
ولكن الأقدار تقف أمامها وتضربها بكفٍ كالحديد بكل قسوة لترمي بها بلا رحمة محطمة الفؤاد .. دامية العين .. لا ترى أمامها سوى الحزن والضياع والوحدة المميتة..
في ذلك اليوم المشئوم استيقظت " زينة " من نومها كعادتها لتذهب إلى المدرسة وكانت آنذاك في الثانية عشر من عمرها .. حيث ارتدت ثوبها الأزرق القديم الذي ذبل من كثرة الغسيل وسرحت شعرها الأحمر خلف رأسها ليظهر وجهها أجمل من البدر خاصةً وأنها بدت في أجمل أنوثتها وأروعها ..
وقفت " زينة " أمام بيتها القديم تنتظر قدوم الباص الصغير الذي يقلها إلى المدرسة هي وبعض فتيات القرية .. ووصل الباص في وقته المعتاد .. وصعدت داخله وجلست في آخر الباص بعد أن ألقت تحية الصباح على صديقاتها بابتسامةٍ رائعة .. جلست بمفردها تتأمل السماء الصافية وتتابع الأشجار والبيوت المتناثرة حول الوادي حيث يقوم المزارعون بحرث الأرض قبل حلول فصل الشتاء ..
كانت شاردة بذهنها وتفكيرها حتى أنها لم تنتبه لنزول رفيقاتها من الباص ومكثت مكانها وواصل سائق الباص سيره وهو يراقب شرودها من خلال مرآة السيارة ..
وفجأة نظرت حولها لتجد جميع الفتيات قد نزلنّ من الباص وهي لا تزال باقية في مكانها حينها أدركت أنها وحيدة فوقفت والخوف يمتلكها لتسأل سائق الباص :
- المدرسة ليست من هذا الطريق .. يا عمو ..!!
رد عليها وهو يداري خبث عينيه ويكتفي بالنظر إليها خلال المرآة ثم قال :
- لا تخافي يا صغيرتي .. فقد ظننت أنك تريدين العودة إلى البيت .. سوف نعود حالاً .. حالاً ..
بدأ سائق الباص يسير في طريق كله أشجار كثيفة وقد يكون خالي من الناس .. مما جعل "زينة " تجلس وهي تضم حقيبتها إلى حجرها بخوفٍ وهلع ..
توقف الباص فجأة ورأت السائق وهو يتقدم نحوها وابتسامة الخبث والدهاء تفترش وجهه .. حتى اقترب منها وحاول أن يمسكها .. ولكنها دفعته بيدها وصرخت صرخت بأعلى صوتها ولكن المكان مهجور ولا يسكنه أحد لذا لم تسمع سوى صدى صوتها يعود إليها يئن ويتوجع .. حتى تمكن منها رغم بكاءها وتوسلها إليه بأن يبتعد عنها ويتركها تذهب في شأنها وأن لا يلمسها .. ولكن ما فائدة الرجاء والتوسلات من رجلٍ فقد الرحمة في قلبه .. وقد تمكن الشيطان منه ليأخذ منها أغلى ما تملكه الفتاة في لحظة خانتها فيها شجاعتها وقوتها ولم تتمكن من مقاومة هذا الوحش الكاسر المتلهف والمتعطش لدماء فتاةٍ ذبحت بين يديه ..
جلست " زينة " تبكي بخوفٍ زلزل كيانها بينما السائق يجلس على مقعدة ينفث سيجارته وهو لا يبالي ولا يعبأ بمشاعرها ودموعها .. وتابع سيره وكأنه لم يفعل شيء .. فما كان منها إلا أن قامت واتجهت نحـوه وفي قـرارة نفسها تشتعل نار الانتقام منه .. وانقضّت عليه وأمسكت برقبته لتخنقه .. حاول مقاومتها ونزع يديها من فوق عنقه فترك مقود الباص حتى فقد السيطرة عليه وأصبح يميل يميناً وشمالاً .. وما هي إلا لحظات وانحدر الباص من فوق حافة جبلٍ صغير ليسقط منه وتنقلب بهما المركبة وتصطدم بحجرٍ كبير ثم بشجرةٍ كبيرة ليحترق الباص بأكمله ..
كانت مشيئة الله فوق كل شيء .. وكان انتقامه أشد انتقام حين احترق الباص وفي داخله السائق المجرم ليتحول إلى جسدٍ متفحم بعد أن فارق الحياة إلى الأبد .. أما " زينة " فقد كانت يد الله حريصة على إنقاذها ودفعها خارج الباص لتسقط مسافة بعيدة عنه فوق أحد الحجارة المنتشرة أسفل الوادي لتصبح حياتها بعيدة عن الموت ولكنها أقرب إلى كلمة الموت وهي تعيش حياتها بلا أمل .. حين فقدت " زينة " بصرها وهي في ريعان شبابها..
كان خبر حادث الباص قد انتشر في القرية الصغيرة وهرع الناس إلى موقع الحادث ونقلت الفتاة إلى مستشفى " زحلة العام " القريب من القرية الصغيرة ..
كان الطبيب قد أخبر والدها بأن ابنته قد تعرضت إلى الاعتداء العنيف من سائق الباص وكان ذلك واضحاً على ملابسها الممزقة وبكاءها المستمر وهي تتمتم بكلمات غير واضحة قبل أن تدخل في غيبوبة .. لم يصدق والدها ما سمعه من الطبيب وانتظر حتى تستيقظ ابنته ويسألها بنفسه ..
كانت النار تتأجج في جوفه .. ولهيبها واضحٌ في عينيه حين أخبرته " زينة " أن كلام الطبيب صحيح وأنها قد تعرض للاعتداء من سائق الباص وسلب منها شرفها وما كان منه سوى أن ينقض عليها ليضربها وهي تستنجد عفوه وغفرانه فهي لا ذنب لها ولم يكن لها حيلة أمام وحشيته وقسوة قلبه وهي تحاول أن تحمي رأسها المغطى بالشاش الأبيض بيدها .. ولكنه لم يكن يسمع صوتها ولا يدرك شيء سوى الفضيحة التي أردت برجلٍ لا يملك في هذه الحياة غير شرفه وسمعته في الحضيض .. واستمر في ضربها بكل قسوة حتى تتدخل الطبيب وبعض الممرضات لإبعاده وتهدئته واستطاعوا إخراجه من الغرفة التي ترقد بها ابنته ..
أما ابنته المسكينة فقد فقدت وعيها من شدة الألم الذي أحدثه ضرب والدها حين حطم بيده قلبها قبل جسدها المنهار .. وتمنت لو أنها فقدت حياتها بدلاً من بصرها ..
أدركت " زينة " أن حياتها قد انهارت وشارفت على النهاية في تلك اللحظة حين سمعت والدها يقول :
- ليس لي بنت .. ابنتي ماتت في الحادث .. ماتت .. ولن ترى وجهي بعد اليوم..
ورحل والدها وكانت المرة الأخيرة التي تسمع فيها صوته وتشعر بوجوده وبقيت في المستشفى مدة طويلة حتى تماثلت إلى الشفاء وأصبحت قادرة على المشي والخروج من المستشفى ولكنها ضريرة .. فاقدة البصر ولا تدري إلى أين تذهب بعد أن تخلى والدها عنها كما منع والدتها من زيارتها وحرمها من الارتماء في حضنها ..
انتابها شعور بعدم الرغبة في الحياة حين جاءها الطبيب قبل رحيلها ليهنئها بالشفاء .. وسألته عن والدها ظناً منها أنه سيأتي إليها ليطلب منها السماح على سوء تصرفه معها وظلمه لها حين حكم عليها بالموت وهي لا تزال على قيد الحياة ولكن الطبيب كان يلتزم الصمت .. وهي تبحث بيديها في الفضاء عن والدها البعيد ..
أحست بصوته المتردد .. وبكلماته المختنقة .. وأدركت بعمق بصيرتها أن هناك شيءٌ ما يخفيه عنها لذا أسرعت لتسأله وألحت عليه السؤال وقالت :
- أرجوك أن تخبرني يا دكتور ما الذي تخفيه عني ..؟ لا تخف .. سأكون شجاعة أكثر مما تتصور .. رد عليها بصوتٍ خافت وقال :
- نعم .. لقد رحل والدك من القرية وليس له أي أثر .. لا أدري ماذا أقول ولكنه ترك لك ورقة يقول فيها أنه لن يعود إلى قريته وسيرحل إلى مكانٍ بعيد لا يعرف فيها أحد قصته وبالعار الذي ألحقته به .. اعذريني يا بنيتي فأنا أنقل لك ما قاله في رسالته وليس بيدي شيء سوى أن أقول كان الله في عونك .. صرخت بأعلى صوتها تنادي والديها ولكن لا مجيب .. وليس أمامها سوى البكاء على حالها بدموع حارقة تزيد من لهيب فؤادها .. وحرارة أوجاعها .. وطلب منها الطبيب أن تمكث يومين آخرين حتى تتمكن من إيجاد مكان تعيش فيه بأمان .. وهذا ما ترى أنه المستحيل بعينه .. فهي فتاة صغيرة وليس بيدها عمل أو وظيفة تكسب منها المال لقوتها اليومي فكيف تستطيع أن تجد بيتاً بلا مال خاصةً أن البيت الذي كانت تعيش فيه مع أسرته ليس ملكاً لوالدها بل هو ملكاً لصاحب المزرعة وحتماً سيكون لشخصٍ آخر بعد رحيل والدها ..
أصبح أملها في الحياة ضئيلاً .. ورغبتها في الموت أصبحت تزداد يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة ..
كانت دائمة البكاء وهي تناجي ربها بصوتٍ مبحوح وتطلب منه أن ينير بصيرتها إلى الطريق الصحيح ويصرف عنها اليأس كي تعيش باقي حياتها بسلام .. كما كانت تناجي والديها بصوتٍ خافت وتبكي على فراقهما بحرقةٍ شديدة ..
" أبي .. كيف تركتني وحيدة ..؟ في ظلمة لا أبصر فيها سوى الظلام والخوف .. لماذا تركتني وأنا أحبك وأشعر بوجودي بقربك ..؟ لا تظلمني يا أبي .. فأنا لا أعرف منك سوى الحب والحنان .. خذ بيدي يا أبي كي أرى طريقي بعينيك .. بعد أن فقدت بصر عيناي وفقدت معه كل معاني الحياة وأروعها .. وهي النظر إلى عينيك يا أبي .. "
" وأنت يا أمي .. جعلتني أتخبط في دماء حسرتي وبكائي .. لماذا لم تمد لي يدك الحنونة وتنشليني من غياهب خيبتي ..؟ لماذا جعلتني سجينة العذاب والحيرة حين حرمتني من عطفك وحنانك ..؟ أين صدرك الذي طالما ضمني وأنساني خوفي ووحدتي ..؟ أين صوتك حين يناديني ليشعرني بالحياة والأمان ..؟ لا أصدق أنك تركتني يا أمي .. أمي إني أحبك ولا أظن أن عيناي التي لم تعد تراك ستنساك يوماً .. أحبك يا أمي فلماذا تركتني ..؟ لم لا تعودين لترين حال ابنتك فأنا أحتاج إلى حضنك الدافئ كي أقول للأحزان وداعاً .. وداعاً فهذه أمي ستقف في وجهك وتصدك عني .. عودي إليّ يا أمي .. عد إليّ يا أبي .. أرجوكما .. عودا فأنا ضعيفةً بدونكما .. عودا إليّ .. أرجوكما ..

** ** ** ** ** **




التعديل الأخير تم بواسطة فيتامين سي ; 23-04-15 الساعة 06:51 AM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-01-15, 05:34 PM   #4

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

سيرحل آخر أمل لها في الحياة .. سيرحل ويتركها وحيدة مرة أخرى ..
تصارع قدرها بمفردها بعد أن أحست بالثقة والأمان بجانبه ..

استطاع الطبيب الذهاب بـ " زينة " إلى دار لرعاية الأيتام والذي يمتلكه أحد أصدقاءه الأثرياء في لبنان .. بعد أن أقنع صاحب الدار كي تعيش فيها وتحضا برعاية كباقي الفتيات الموجودات في تلك الدار ..
كانت " زينة " تمضي في سيرها في حديقة الدار حتى وصلت إلى داخله وهي تطلق لأذنيها العنان كي تسمع كل ما يدور حولها فيه الحاسة الوحيدة التي تجعلها تدرك الأشياء بعد أن فقدت بصرها واصبح كل شيء حولها ظلامٌ في ظلام ..
كانت الغرفة التي ستعيش فيها واسعة وجميلة ومرتبة .. ويوجد بها ثلاث أسرة بيضاء نظيفة وبها خزانة كبيرة مقسمة إلى ثلاث أقسام وهي تطل على الحديقة الواسعة الخاصة بالدار .. والتي تراها من خلال نافذة واسعة ..
أحست بهواءٍ لطيف يأتي من تلك النافذة أنطلق نحوها كالنسيم الشافي الذي أيقض في داخلها الشعور بالراحة والأمان .. وحرك وجدانها بشيء من العاطفة نحو هذه الدار كما حرك شعرها الأحمر ليغطي جزءاً من وجهها الجميل .. كان الطبيب يقف بجانبها وينتظر سماع رأيها حتى يطمئن عليها .. ويتأكد أنه تركها في مكانٍ ترتاح فيه وتحبه كحبها لبيتها الذي عاشت فيه سنين عمرها ..
الجميع يلتزم الصمت .. يراقب .. ويتأمل تحركات " زينة " المليئة بالجاذبية وهي تتقدم نحو النافذة بخطىً كلها ثقة ورزانة .. وكأنها تعرف المكان جيداً من قبل حتى وصلت إلى النافذة وأمسكت بحافتها وأغمضت عينيها لتلتقط نفساً عميقاً جعلها تبتسم وأطلقت ضحكةً عميقة جعلت كل من حولها يشاركها سعادتها .. بعد أن أدرك الجميع أنها سعيدة بهذا المكان .. ورحل الطبيب وهو مطمئن البال عليها ..
كانت " زينة " كثيرة الصمت وتفضل الوحدة في جميع الأحوال رغم المحاولات اليائسة من رفيقتيها في الغرفة " غادة " و " سهام " .. حتى جاءت إحدى العاملات في الدار لتنظيف الغرفة وترتيبها وطلبت منهن النزول إلى باحة الدار للاجتماع مع باقي نزلاء الدار كالعادة ..
وفي اليوم التالي .. حضر الطبيب لزيارة " زينة " ليخبرها أنه سيسافر إلى فرنسا لرؤية ابنه الذي يعيش هناك مع والدته الفرنسية .. وربما يمكث فترة طويلة تمتد إلى أكثر من شهرين .. كانت " زينة " تستمع إليه وعيناها تغطيهما الدموع ..
سيرحل آخر أملٍ لها في الحياة .. سيرحل ويتركها وحيدة مرةً أخرى تصارع قدرها بمفردها بعد أن أحست بالثقة والأمان بجانبه ولكنه وعدها بالسؤال عنها بين فترةٍ وأخرى .. ولن يقطع عنها رسائله فهو يحبها ويشعر بعاطفته نحوها تزداد يوماً بعد يوم فهو لم ينجب البنت التي تمناها منذ سنين وها هي تقف أمامه الآن ..
إنه أبٌ حنون وصاحب قلبٍ كبير .. احتواها بحنانه وأغدق عليها بإبوته التي حرمت منها رغم وجود والدها على قيد الحياة ..
وعادت " زينة " إلى وحـدتها تلتزم الصمت وترفض التحـدث مع صاحب الـــدار
" العم هاشم " فهو الوحيد الذي استطاع أن ينشلها من وحدتها ويجعلها تترك الوحدة للحظات حتى لو كانت قليلة ..
إنه رجلٌ كبير في السن ولكنه مثقف ويفهم ما يجول في خاطرها قبل أن تتحدث به .. شعر بمأساتها وتفهم موقفها ممن حولها .. لم يغضب منها حين قالت " أكره وجودي في هذه الدار فهي ليست بيتي ولن تكون !! " .. كان يفهمها جيداً ويقدر الحالة النفسية التي تعيشها لذا حاول الجلوس معها لكي يخفف عنها بعضاَ من آلامها وأحزانها.. كان يحاول أن يجعلها تبتسم وتعود لحياتها الطبيعية فهي ما زالت في ريعان شبابها ومن الظلم أن تفني شبابها وجمالها في كدرٍ وحزن ..
بدأ حديثه عن رفيقتيها " غادة وسهام " وطلب منها أن تصادقهما لأنهما فتاتان تحبان المرح واللعب وتعيشان حياتهما بكل سعادة .. رغم المتاعب والآلام التي واجهتهما في الماضي ..
كان يحكي لها قصة الفتاتين ليهون عليها مصابها .. أو لكي تعرف أنها ليست الوحيدة في هذا العالم التي تعاني من قسوة الأقدار.. بل أن هناك الآلاف من البشر لا نعرفهم ولا ندرك شقاؤهم إلا بعد مصاحبتهم والتقرب منهم حتى نقوم بالتخفيف من حدة الألم لبعضنا البعض ونعيش الأمل بكل معنى الأمل .. بدأ " العم هاشم " بسرد قصة رفيقتها غادة حيث قال :
" ولدت غادة بدون أب يعرف ولا تعرف عنه سوى أسمه فقط .. حين اعترفت لها والدتها باسمه وكيف أنها كذبت عليها وأوهمتها أنها تعيش مع والدها .. وكيف تحملت منه العذاب والقسوة ظناً منها أنها تؤدي حق والدها في الطاعة .. ولم تكن تعلم أنه ليس سوى زوج أمها الذي علم بعلاقتها مع صديقه وهو الذي كان يحبها من كل قلبه .. حينها ملأ قلبه الغيرة والحقد كلما رأى صديقه يلهو مع المرأة التي يحبها وتمنى الزواج منها رغم معاملتها الجافة وكيف أنها كانت تسخر منه وتتأفف عندما يتحدث إليها وبعد وقوعها في الخطيئة معه وكاد أمرها يفتضح حين رحل الرجل وتركها تبكي خيانته لها .. أصبحت تلك المرأة ضعيفة .. ذليلة .. ونسيت غرورها وكبريائها المزيفة حين وقعت أمام قدميه ترجوه أن يتزوج منها قبل أن يكبر بطنها ويعلم الناس أنها تحمل ثمرة خطيئتها مع ذلك الرجل الخائن الكاذب ..
كان يضحك ويسخر منها وكأنه ينتقم لنفسه .. وصرف وجهه عنها وهي تبكي وترجوه ولكنها لحقت به وقبلت يداه ترجوه مرةً أخرى .. وحاول تركها مرةً أخرى بلا أمل .. ولكنه تذكر حبه لها .. نعم أنه يحبها بإخلاص ولا يريد لها التعاسة فقرر أن يتزوجها لفترةٍ من الزمن ثم يطلقها بعد أن تضع حملها وتذهب بسلام .. ووعدها بأن لا يعلم بسرها أحد .. ولكنه شرط عليها أن تبقى في بيته كالخادمة وأن تطيع أوامره دون جدال مقابل ذلك المعروف وإلا سيكون مصيرها إلى الشارع ..
ما كان أمامها سوى أن ترضى بمثل هذه الحياة معه وما غير ذلك سوى الموت .. الموت فقط .. وتزوجها وعاشت معه كالخادمة الذليلة .. وعاش معها كالسيد المتسلط المطاع في كل الأحوال .. وبعد بضعة أشهر وضعت المرأة بنتاً أسمتها " غادة " .. وهي لا تزال تعيش معه وحياتها مستمرة ولكن ليس حياة زوجٍ مع زوجته بل جعلها تحت طاعته وأمره حتى يشب نفسه الحاقدة ويتمتع بإذلالها وقهرها حتى أنه أصبح يجلب إليها بعض أصدقاءه ليبيع إليهم جسدها ببضعة نقود .. كانت تتحمل الظلم والقهر من أجل ابنتها كي تعيش بسلام تحت رعاية رجل حتى لو كان ظالماً .. وفي بعض الأحيان كانت تتلذذ بالعذاب حتى تعاقب نفسها وتشعرها بالذنب دائماً .. بسبب وقوعها في الذنب والخطيئة ..
حتى جاء ذلك اليوم .. حين قدم أحد أصدقاءه وطلب منها أن تسلمه نفسها ولكنها رفضت وصرخت وهو لا يبالي ولا يهتم فهو يرى أن له الحق في التمتع بجسدها بعد أن أغدق على زوجها المال .. حاولت إبعاده عنها بكل لطفٍ ولين ولكنه رفض توسلاتها فما كان أمامها سوى ضربه على رأسه حتى الموت .. وأصبحت مجرمة يجب أن يعاقبها القانون .. وانتهت حكايتها حين حكم عليها السجن المؤبد .. وكان هذا العقاب بالنسبة لها أرحم بكثير من الحياة التي كانت تعيشها .. ورأت أنها نالت العقاب الذي تستحق .. وكانت توبتها داخل تلك السجون المظلمة وخلف القضبان الحديدية ..
أما الفتاة فقد عاشت مع زوج أمها حياة لا تقل قسوةً عن حياة أمها السجينة فقد أخذت نصيبها من العذاب والذل والهوان .. فقد كان يضربها ليل نهار حتى أنه منعها من إكمال دراستها وجعلها حبيسة الألم والحزن والخوف من أن يكون مصيرها مثل مصير والدتها .. حينها قررت الهروب من بيته .. إلى أين ..؟ لا تدري !!
وهربت في ساعة متأخرة من الليل لا تعرف أين وجهتها وتجهل طريقها حتى قطعت مسافة كبيرة واطمأنت أنه لن يصل إليها بسهولة .. وانتهت رحلة عذابها حين التقت برجلٍ طيب يعمل في مطعمٍ كبير حيث أطعمها وجعلها تنام ليلتها تلك في غرفة صغيرة داخل المطعم بعد أن وعدها أن يجد لها حلاً يريحها ويرضيها ..
وفي صباح اليوم التالي .. أيقظها الرجل وطلب منها أن تذهب معه حيث تجد سعادتها وراحتها .. وكانت هذه الدار هي المكان الوحيد الذي وجدت فيه " غادة " راحتها وسعادتها وشعرت فيه بالأمان وقررت أن تعيش هنا بلا تردد ..
ومضت الأيام .. والشهور .. وطلبت مني زيارة والدتها في السجن فهي لم تراها منذ فترة طويلة .. فذهبت معها وكانت المفاجأة حين رأت والدتها مريضة تكاد تحتضر فأخبرتها والدتها بقصتها مع زوجها وكيف أنها كانت تعيش مع رجل غريب وليس والدها .. وأنها احتفظت بهذا السر طوال تلك السنوات على أمل أن يعود والدها الحقيقي وتخبره أنها أنجبت منه بنتاً .. ولكنه لم يظهر ولا تعرف عنه سوى أنه هاجر إلى استراليا ولن يعود إلى الوطن أبداً .. وبعد أن أخبرتها باسم والدها الحقيقي طلبت منها أن لا تعود إلى ذلك الرجل الظالم لأن الحياة معه كلها خوف ومصير مظلم .. حينها فارقت الحياة وماتت بعد أن تركت فتاةً صغيرة لا حول لها ولا قوة تصارع أمواج التعاسة بمفردها وأملها الوحيد في هذه الدار ..
تابع " العم هاشم " حديثه بعد أن أنهى قصة " غادة " وقال وهو يلتقط نفساً عميقاً :
- أما سهام فهي صاحبة القصة العجيبة الغريبة التي لا يصدقها أي عقل ولا حتى في الخيال ..
قالت " زينة " بصوت هامس بعد أن جذبها حديث صاحب الدار :
- وما هي هذه القصة ..؟ أريد أن أسمعها من فضلك ..
- سأحكيها لك ولكن ليس هنا ..
أمسك بيدها ليسير بها نحو حديقة الدار الواسعة .. وأجلسها على كرسي وضع تحت شجرة كبيرة .. وجلس بجانبها على كرسي آخر وطلب منها أن تستنشق الهواء النقي وتستمع إلى أصوات العصافير المغردة والتي تلتف حول بركة ماءٍ صغيرة يتوسطها نافورة رائعة الجمال ..
بدأ يسرد لها حكاية " سهام " وقال :
- " عندما حكت لي سهام قصتها ضحكت .. وبكيت في آنٍ واحد .. هل تؤمنين بالحكمة التي تقول " شر البلية ما يضحك " ..؟ حتماً ستؤمنين بها عندما تسمعين الحكاية .. فقد تفعلين مثلي وتضحكين وأنت تبكين .. كانت " سهام " فتاة راشدة وبارعة الجمال والذوق والمرح وكان كل من ينظر إليها يعجب بها لا محالة وحب أن يجالسها وتقترب منها ليشعر أنه في عالمٍ آخر .. عالم كله ضحك ومرح وخالي من الأحزان ..
كانت يتيمة الأب وتولى تربيتها بعد وفاة أبيها والدتها " بارعة " الراقصة المشهورة حيث كانت تمتلك مرقص كبير ومعروف يأتي غليه أجناس مختلفة من رجال أعمال ومن فنانين وأصحاب مراكز عالية من جميع أنحاء العالم العربي كي يتمتعوا بالرقص الشرقي الأصيل
لم تتزوج والدتها ووهبت نفسها كي تسعد أبنتها الوحيدة وتهيئ لها الحياة الرغدة والمرفهة .. فأصبحت تعمل وتعمل بجد واجتهاد حتى تمكنت أن تجعلها تعيش حياة الأثرياء والباشاوات .. فقد كانت تجد كل ما تتمناه أمامها قبل حتى أن تطلبه ولكنها لم تكن سعيدة بهذه الحياة ولم تشعر بالسعادة والمرح إلا حين تخرج من ذلك القصر وتنزل من عرشها المرتفع إلى ساحة صغيرة يعيش فيها بعض الفتيات والفتيان والغريب أنهم من الطبقة المتواضعة ولكنهم يملكون السعادة التي فقدتها في حياة العز والثراء .. لم ترغب في مصاحبتهم من أجل أن يرتفع شأنها بينهم وترضي غرورها وكبريائها .. لا .. بل من أجل أن تجد نفسها بينهم لتصبح هي الفقيرة وهم الأثرياء اللذين يملكون سعادتها وراحة بالها ..
المال ليس كل شيء .. وهذا ما تؤمن به " سهام " وترى انه من الكماليات التي يمكن أن يستغني عنه المرء ويعيش خالي من الهموم و الأنكاد .. أما الحب والسعادة فهما الكنز الحقيقي وأساس الحياة مثل الهواء الذي نستنشقه ولا يمكن أن نعيش بدونه أبداً ..
أحبت شاب وسيم رقيق المشاعر اسمه " حاتم " وتعلق قلبها به حتى أصبحت ترفض الحياة بدونه .. لم تفكر بوضعه المادي .. ولم تضع في الحسبان مواجهة والدتها بذلك الأمر فهي حتماً سترفض حين تعلم أنه فقير ولا يناسبها مادياً واجتماعياً .. فكل تفكيرها يصب نحو سعادة قلبها فقط .. ما في جوفها من عطش وحنين ..
هو أيضاً كان يحبها بإخلاص ولكنه لم يملك الشجاعة الكافية كي يعترف لها بحبه كما أن حياة حبيبته المرفهة كانت عائقاً تحول بينه وبين حبه لها .. فهو يخاف أن تبادله بالصد وتذبح قلبه حين ترفضه وتحتقر مشاعره ويخسر صداقته بها قبل حبه ..
أما هي فقد كانت تسمعه الكلام الحنون وتغدق عليه بنظرات الحب والشغف لعله يشعر بها ويلتفت إليها ويقول ما يجول في خاطره بلا تردد .. كانت تنتظر منه كلمة حب واحدة لتجعلها تندفع إليه بكل ما تملكه من شوق وحنين .. ولكنه ضل صامتاً لا يجرأ بالبوح أمامها عن حبه لها .. حتى جاءت والدتها ذات يوم لتخبرها أن ابن رجلٍ ثري ومستشاراً له مركز عظيم في البلد قد خطبها لأبنه وهي موافقة وسوف تحدد معه موعد الزفاف في الزيارة المقبلة ..
غضبت " سهام " ورفضت بشدة فكيف لها أن تتزوج من رجلٍ لا تحبه وقلبها مرتبط بحب رجل آخر .. ومضت الأيام وجاء موعد زفافها على ابن المستشار ولكنها استطاعت أن تدبر خطة غريبة واتفق معها عريسها على تنفيذ الخطة حين تحدثت معه على انفراد وطلبت منه أن ينسى أمر زواجه منها ولم يكن غاضباً من كلامها فهو أيضاً لا يريد الزواج منها لأنه يحب فتاةً أخرى وقلبه متعلق بهواها ..
إذنٍ .. هما متفقان على تنفيذ الخطة ولم يبقى سوى حبيبها " حاتم " لتخبره بالأمر بعد أن تأكدت من حبه لها ورأت ذلك في عينيه الدامعتان حين علم بأمر زواجها من غيره ..
لقد اتفقت مع العريس أن يقدم الأوراق الخاصة بـ " حاتم " كي يكتب المأذون اسمه وباقي بياناته بدلاً من اسم العريس وبياناته وبهذا يكون عقد الزواج بين " سهام " و " حاتم " والغريب في ذلك أن الخدعة مضت بسلام على الجميع وكان والده ووالدتهما هما الشاهدان على عقد الزواج .. وسافرا العريسان وهما سعيدان بهذا الزواج .. أما العريس الوهمي فقد تزوج من الفتاة التي يحبها دون علم والده وسافرا معاً ليقضيان شهر العسل خارج لبنان .. وهكذا نجح كلاً منهما للوصول إلى مراده بلا مشاكل أو خلافات ..
كان لسهام الجرأة في المكر والدهاء وصنع المقالب وأظن أن صدق حبها لذلك الرجل جعلها تفعل المستحيل من أجله حتى تفوز بحبه وتحافظ عليه كما يجب ..
وبعد شهرين عادت " سهام " إلى لبنان وقامت بزيارة والدتها في البيت بمفردها بعد أن خلقت أمامها الأعذار والوهمية لعدم حضور زوجها معها .. وأن كثرة أعماله جعلتها لا تراه إلا قليلاً ..
حتى الآن حكاية " سهام " مضحكة ولطيفة ومسلية وتأتي بعد ذلك الأحزان .. حين أقامت والدتها علاقة غرامية مع شاب يصغرها بسنوات وتعلق قلبها به حتى أصبحت تنفق عليه الكثير من أموالها بلا حساب .. لأنه فقير ومن عائلة بسيطة .. وحين أخبرتها والدتها بتلك العلاقة بدأت سهام تلومها وتحاسبها لأنها في يوم من الأيام وقفت أمام زواجها من رجلٍ بسيط وفقير رغم حبها له .. وها هي الآن تفعل مثلها وربما أكثر منها وأسوأ .. ومع ذلك فقد كانت " سهام " سعيدة لأجلها ولكنها أحبت أن تذكرها بذلك حتى يصبح أمر إخبارها أمراً سهلاً وغير شاق ..
طلبت أم سهام من ابنتها الحضور غداً حفلها الراقص كي ترى حبيبها قبل أن يحددا موعد الزواج .. وافقت " سهام " على الفور وقالت أنها ستكون سعيدة بهذا الزواج خاصةً أن والدتها تعيش وحيدة في قصر كبير وتخاف عليها من متاعب الوحدة .. وذهبت " سهام " إلى الحفل ورأت والدتها وهي في أجمل عروضها الراقصة وهي ترتدي ثياب الرقص الشرقي لتزيد من جمال وجهها وتظهر محاسن جسمها الغض والرشيق .. وبعد انتهاء العرض قام شاب ثملاً ليقف بجانب والدتها وقبلها وكانت المفاجأة الكبرى حين قدمته والدتها للحضور وقالت أنه خطيبها وسيتزوجان قريباً ..
وقفت " سهام " وصرخت بأعلى صوتها .. ثم ركضت نحوهما لتدفع الرجل وتسقطه أرضاً .. ثم انهالت عليه ضرباً وهي تبكي وتنعته بالخائن .. نعم أنه خائن ويستحق الموت .. إن ذلك الشاب هو زوجها .. نعم زوجها الفقير الذي فعلت المستحيل من أجله .. يخونها ويقيم علاقة مع والدتها ..
كانت والدة سهام تنظر إليها بدهشة وهي تكاد تسقط من هول ما سمعت .. حين أخبرتها ابنتها أن هذا الشاب هو زوجها وقد أخفت عنها أمر زواجها منه حتى لا تعارضها وتمنعها .. وخرجت " سهام " مسرعةً نحو سيارتها ولحقت بها والدتها كي تعتذر منها وتخبرها أنه خدعها وأخبرها أنه لم يتزوج من قبل ولكنها كانت تسير بسرعة هائلة دون تفكير والدموع تغطي عينيها .. وتوقفت حين رأت سيارة والدتها تنحرف عن مسارها وتصطدم بسيارة أخرى وتنقلب رأساً على عقب وتسقط منها والدتها والدم يغطي المكان ..
هرعت " سهام " لإنقاذ والدتها ولكن القدر قد سبقها إليها وأخذتها على ذراعيها بعد أن فارقت الحياة وضلت تبكي بكاءاً شديداً على فراق والدتها وتمنت لو أنها لم تتعرف على ذلك الشاب ولم تفعل ما فعلته لترتبط به ويكون سبباً في موت والدتها ..
وعندما أتت إلى هنا كانت تظن أنها ستنتقم لوالدتها من نفسها وذلك بحرمانها من الثروة الضخمة التي تركتها لها ومن القصور ومن حياة الأثرياء وسيكون السكن هنا في هذه الدار المتواضعة أكبر انتقام تستحقه .. وبعد مرور الوقت اكتشفت " سهام " أنها حولت حياتها من تعاسة وشقاء إلى سعادة وهناء .. ومن كره وحقد إلى حبٍ وسلام .. وتمسكت بهذه الدار وانفقت عليها جزءاً كبيراً من ثروتها حتى يشعر بالراحة كل من يلجأ إليها.. وها هي الآن تعيش حياتها مثل أي فتاة أخرى مليئة بالتفاؤل والأمل ولو سألتها عن قصتها لقالتها لكي ألف مرة ومرة وهي تضحك وتبتسم أما البكاء فهي تعتبره غسيل للقلب وللنفس لا يمكن أن يكون هو المسار الوحيد الذي نسيره في حياتها ..
وقفت " زينة " بعد أن سمعت قصة " سهام " و " غادة " وأمسكت بجذع الشجرة الكبيرة وهي تقول :
- نحن نحتاج إلى قلب صلب مثل هذه الشجرة كي نواجه مشاكلنا بكل رحب وسعة حتى نستطيع أن نداوي جروحنا النازفة وجروح من حولنا حينها سنبحث عن الأمل لنجده بين طيات المستحيل ..
اقترب منها صاحب الدار ومسح بيده على شعرها وقال :
- أنتِ مازلت صغيرة والحياة تفتح ذراعيها أمامك لتستقبلي شبابك وتحيي معك الأمل .. فدعك من الأحزان يا بنتي .. وعيشي الأمل يوماً ليصبح أمامك كل يوم ..


** ** ** ** ** **




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-01-15, 05:36 PM   #5

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

كانت " زينة " شاردة الذهن تفكر بالأب الذي عاش محروماً من
ولده طوال تلك السنين وعاش وحيداً وربما حزيناً ولم يشعر بحزنه أحد ..

مضت السنين حتى أصبحت "زينة " شابة في العشرين من عمرها .. وزاد جمالها ليضيء وجهها نوراً .. كزهرةٍ بيضاء تميل كلما رأت نور الشمس لتستمر في الحياة ..ولن تنسى الفضل الأول في سعادتها وحبها في الحياة رغم الأحزان التي أحاطت بقلبها ..
إنها هذه الدار التي ضمتها بكل حب وجعلتها جزءاً منه .. ليصبح كل من يعيش هنا أهلها وعائلتها لتنسى بينهم الحرمان وقسوة الحياة .. ولكنها تعود لحزنها وتفكيرها عندما تصبح وحدها تعزف على " البيانو " الذي قدمه لها صاحب الدار حين علم أنها تهوى العزف عليه .. وطلب منها أن تعزف كلما شعرت بالحزن والتفكير في أي شيء حتى لا تصبح أسيرةً لأحزانها وتفكيرها ..
أما " غادة " و " سهام " فقد احترمتا رغبتها في الجلوس بمفردها خاصةً في ساعات الليل الأولى كي تعزف وتذرف دموعها الساخنة .. لتبكي سنين عمرها التي قضتها بعيداً عن والديها .. إنها تشتاق إليهما كثيراً وتتمنى لو أنها تراهما وترتمي في أحضانهما ولو للحظات.. كي تشعر بهما قدر حرمانها منهما ..
ثماني سنوات مضت وهي تعيش في هذه الدار ولا تعرف عن مصير والديها ورغم تلك السنين لم يحاول أحدهما البحث عنها ليعيدها إلى بيتها الحقيقي وقريتها التي أصبحت عالمها الغريب .. أيضاً لم يأتي أحدٌ يحمل إليها أخباراً عنهما لتعرف إن كانا أحياء أم أموات .. وإذا كانا على قيد الحياة فأين يعيشان .. وكيف يعيشان ..؟؟ دائماً تتساءل " هل مازال والدي يعمل في الحقل يزرع ويحصد ليجني القليل في آخر كل يوم ..؟؟ أم أن الفقر والحاجة قد أطرحته ليرقد على فراش اليأس والخيبة بعد الألم الذي كانت سبباً فيه ..؟؟
هل مازالت أمي تعمل في بيت تلك الغانية أم أنها كرهت العمل وبقيت في البيت ترتدي الحجاب وتنتظر والدي في آخر النهار ليرمي عليها قوت يومه ..؟
أسئلةٌ كثيرة تدور في رأسها وتبحث لها عن إجابة تريح قلبها المسكين كي تنام بسلام فقد كرهت الحرب الدائم بين سؤالها وبين دموعها ..
كانت " زينة " تعزف عزفاً حزيناً يملئه الشجن بينما يقف صاحب الدار ورفيقتيها خلف الباب يستمعون إلى عزفها الحزين وتدفعهم المشاعر نحوها بشيءٍ من العطف والمواساة لحالها البائس .. وبعد انتهائها من العزف سمعت تصفيقاً ينبعث إليها من الخلف فالتفتت نحو الصوت ليأتيها بسحره وحنانه الذي تعودت عليه من صاحب الدار ليقول :
- أنتِ أروع عازفة رأيتها في حياتي يابنتي .. إن عزفك يريح النفس ويبهج القلب ..
ضحكت " زينة " عندما سمعت صوت " العم هاشم " وابتسمت وكانت ابتسامتها قد اختلطت بدموعها وقالت وهي تمسك بيده وتقبلها :
- وأنت صاحب أكبر قلب وأعظم حب .. ويكفي أن الله عوضني حرماني من حنان أبي وعطف أمي بحنانك وعطفك .. وسخاؤك الذي لم أرى له حدود معك .. فليبقك الله من أجلي يا عم هاشم ..
أرادت " سهام " أن تبدل جو الحزن حين قالت :
- ونحن أليس لنا نصيب من هذا الحب يا زينة ..؟؟
قالت وهي تمسح بيدها دمعةً سقطت على خدها :
- أنتما تعلمان مدى حبي لكما .. ولولا وجودكما بجانبي لكنت بلا أمل وبلا وجود ..
وفي الصباح .. استيقظ الجميع واتجه كل منهم إلى المكان الذي يناسبه لتناول طعام الإفطار.. فبعضهم يجلس في باحة الدار والبعض الآخر يجلس في الحديقة الواسعة .. أما " زينة " فهي تحب الجلوس في غرفتها أمام النافذة لتشرب فنجان القهوة وتشاركها صديقتها " غادة " أما "سهام " فكانت تحب شرب القهوة مع المرأة الوحيدة التي تعمل في الدار .. وهذه المرأة ماهرة في سرد القصص والحكايات وصنع القهوة أيضاً ..
وضعت " زينة " فنجان القهوة على الطاولة وقامت لتقف أمام النافذة عندما شعرت بحاجتها للهواء النقي الذي اعتادت على استنشاقه كل يوم حتى أصبح جزءاً من حياتها .. بينما تجلس " غادة " على سريرها وتقرأ بعض المجلات المفضلة لديها ..
كانت " زينة " تحدث نفسها وهي تقول :
- " ليتني أرى الشمس كما أشعر بها وبدفئها .. ليتني أرى الشجر والأزهار وهي تقبل الهواء حين يعانقها بلهفة الولهان .. ليتني أرى هذه العصافير المغردة حولي لأشاركها الغناء كل صباح .. يا إلهي لقد فقدت بصري وأكاد أفقد لذتي للأشياء من حولي .. لقد أصبحت كالخيال في عقلي بلا ملامح ولا روح .. أخاف أن أفقد التمييز بين الأشكال والألوان .. أحببت الطبيعة الخلابة في قريتي وها أنا الآن أفتقدها كما أفقد بصري .. آه يا أمي !! ليتك لم تنجبيني ولم أعرف الحياة .. ليتك يا أمي منعتني الذهاب إلى المدرسة وتركتني أعمل مع والدي في المزرعة مثل باقي بنات القرية .. ولكنها الأقدار .. الأقدار تفعل بنا ما تشاء وترغمنا على مالا نشاء ..
وقطع حديثها مع نفسها صوت لم تسمعه من قبل .. والتفتت إلى صديقتها غادة وسألتها قائلةً :
- ما هذا الصوت يا غادة إنه غريب ولم أسمعه من قبل ..؟
اقتربت منها غادة ثم ألقت نظرة خاطفة عبر النافذة وقالت :
- إنه صوت حصان .. ألم تسمعي صوت الحصان من قبل يا زينة ..؟
- حصان !! ولكن من أين أتى هذا الحصان ..؟ وأين صاحب هذا الحصان ..؟
قالت " غادة " وهي تضع يداها على كتفي زينة :
- إنه حصان الدكتور " زهير " ابن العم هاشم فهو يحب ركوب الخيل كثيراً ..
كانت الدهشة تملئ وجهها وهي تقول :
- ماذا ..؟ إبن العم هاشم ودكتور ..؟!! كيف ..؟ ولماذا لم يخبرني أحد أن العم هاشم لديه ولد ..؟
قالت " غادة " :
- لم تأتي مناسبة لذلك .. على أية حال .. سافر الدكتور زهير إلى أمريكا بعد قدومك إلى الدار بسنة واحدة فقط وقد قضى سبع سنوات وهو بعيد عن الوطن لإكمال دراسته الجامعية وهو الآن دكتور في علم النفس .. وهو يملك اسطبل كبير للخيول .. أما هذه الفرس التي سمعتها قبل قليل فهي المفضلة لديه وقد أسماها والده " عجيبة " لأنها الوحيدة التي استطاعت أن تملك كل اهتمام الدكتور " زهير " ..
قالت " زينة " وهي تحاول الجلوس :
- ومتى عاد من سفره ..؟
- منذ يومين فقط .. ومن الآن وصاعداً ستسمعين صوت فرسه كل يوم ..
- ولكن لماذا لم تخبريني عنه من قبل ..؟ ولم أسمع أحداً في هذه الدار يذكره في حديثه ما السبب ..؟؟
بقيت " زينة " تسأل وتسأل حتى أخبرتها " غادة " عن قصته كاملة منذ حصوله على الشهادة الجامعية وحتى سفره لإتمام دراسته ..
" أحب الحياة كثيراً حتى أصبح كل من يجلس معه يرى للحياة طعماً آخر في عينيه وكان حبه لفتاة تدرس معه في نفس الجامعة سبباً في ذلك .. واستمرت علاقته بها حتى تخرج من الجامعة وقرر الارتباط بها والزواج منها .. لذا أخبر والده عن حبه لتلك الفتاة ورغبته الزواج منها .. كان والده سعيداً بهذا الخبر ووعده أن يخطب له الفتاة فور تسلمه الشهادة الجامعية .. وسارت الأمور على ما يرام .. وكانا يلتقيان ليبنيان معاً عش أحلامهما .. حتى أصبحت علاقتهما ببعض أكثر بكثير من السابق .. واقترب اليوم الموعود وذهب والده لخطبتها وهناك تفاجأ الأب أن والد تلك الفتاة كان يعمل لديه في الشركة وهذا الأمر لا غبار عليه .. لكن العم هاشم رفض زواج ابنه من تلك الفتاة لأن والدها كان مختلساً وقد قضى ثلاث سنوات في السجن بسبب التزوير والغش وسرقة مبلغ كبير من صندوق الشركة .. حاول " زهير " أن يقنع والده أن الماضي قد انتهى وليس لحبيبته ذنب فيما اقترفه والدها .. ولكنه أصر على رأيه وخرج من بيت والد الفتاة وهو غاضب وأمره أن يقطع علاقته بالفتاة ويبحث عن فتاة أخرى تناسبه ومن عائلة أفضل ..
بقي " زهير " حزيناً على حبه الذي مات قبل أن يرى النور .. وبات جرحه ينزف ألماً عندما علم بزواج فتاة أحلامه من رجلٍ آخر .. فقرر أن يسافر بحجه الدراسة حتى يشغل نفسه بشيء يساعده على النسيان .. ولم يعارضه والده بل رحب بالفكرة حتى يخرج ولده من الحزن والكآبة المحيطة به .. وها هو الآن يعود من سفره ليكمل مشواره مع تلك الخيول التي أصبح يتحدث إليها أكثر مما يتحدث إلى البشر .. هل من سؤال آخر يا آنستي الجميلة ..؟
كانت " زينة " شاردة الذهن تفكر بالأب الذي عاش محروماً من ولده طوال تلك السنين وعاش وحيداً وربما حزيناً ولم يشعر بحزنه أحد .. ووقفت مرة أخرى أمام النافذة وأغلقت عيناها وهي تغني بصوتٍ منخفض وشعرها الأحمر يطيره الهواء ويعود ليحط على أكتافها بعد أن يهدأ الهواء للحظة ثم يعود ليحمله برقة المشتاق ..
كان " زهير " يقف بجانب " عجيبة " الفرس المفضلة لديه وبينما هو يشعل سيجارته رفع نظره نحو النافذة ليراها وهي تقف أمام النافذة .. وتوقف للحظة يراقب ذلك الجمال الساحر .. ويسمع صوتها الهامس يغني فالقترب من النافذة أكثر تاركاً فرسه خلفه .. ورآها عن قرب وجذبه جمال وجهها وأشعة الشمس تسطع عليه لتزيد من نوره .. وتعكس ذلك على بريق عينيها .. كان ينتظر منها أن تلتفت إليه ولم يكن يعلم أنها لا تراه ولا تستطيع أن تراه .. زاد فضوله ليعرف من تكون حين لم تعيره أي اهتمام كما يظن .. فنادى حارس الحديقة وسأله :
- من تكون تلك الفتاة ..؟؟ لم أراها من قبل ..!!
رد عليه الحارس وقال :
- إنها " زينة " أمل تعرفها لقد أتت إلى الدار قبل سفرك بحوالي سنة يا سيدي ..؟
قال " زهير " وهو يتمتم :
- زينة !! ياله من اسم جميل والأجمل منه صاحبته .. إنها رائعة الجمال ..
رد عليه الحارس بلهجته اللبنانية وقال :
- شو .. عم تحكي معي سيدي ..؟؟
- لا .. شكراً .. اذهب أنت إلى عملك ..
وانصرف الحارس وهو ما زال يقف يراقب الفتاة وبدأ يفكر بها وصار يحدث نفسه قائلاً :
- حسناً يا زينة .. سأصعد إلى فوق واتحدث إليك عن قرب وسأجعلك تلتفتين إليّ بطريقتي الخاصة ..
واتجه " زهير " إلى داخل الدار وصعد إلى الطابق الثاني ليصبح أمام باب غرفتها وتردد كثيراً قبل أن يطرق الباب .. ثم سمع صوت من الداخل يسمح له بالدخول ..
قامت " غادة " فزعة عندما شاهدت الدكتور " زهير " وتلعثمت وهي تقول :
- يا إلهي .. لقد أتى .. إنها المرة الأولى .. التي .. يا إلهي .. تفضل يا سيدي ..
وقبل أن تتكلم " زينة " جاءها صوت قوي أخترق أذنيها عندما قال :
- يبدو أن الآنسة لم تسر لرؤيتي .. وعدم وقوفها أمامي خير برهان .. أليس كذلك.؟؟
شعرت " زينة " بغيض وهي تسمع تلك الكلمات المليئة بالغرور والكبرياء .. حينها لفت وجهها إلى الجهة الأخرى حيث مصدر الصوت وقالت له بهدوء اللامبالاة :
- عفواً .. !! ومن تكون أنت لأقف من أجلك ..؟؟
واقترب منها حتى شعرت بأنفاسه تلفح وجهها وهمس ليقول :
- أنا لا أطلب منك الوقوف بل آمرك على ذلك ..
ثم رجع مكانه وأكمل وهو يوجه حديثه إلى غادة حين قال :
- أخبريها يا آنسة غادة من أكون .. وقولي لها إن كانت تريد البقاء في هذا المكان فعليها احترام أسيادها وإلا سيكون مصيرها .. ..
قاطعته بغضب قبل أن يكمل عبارته وقالت :
- أرجوك يا سيد .. لقد تجاوزت حدودك معي .. وإن لم تخرج من هنا فوراً سأشكوك للعم هاشم .. هل تفهم .. أخرج فوراً ..
ضحك " زهير " من عبارتها الأخيرة .. فهي لا تعلم أنها ستشكوه إلى والده .. بينما تجلس غادة خائفة على صديقتها " زينة " من غضبه وربما حماقته وغروره ..
وعاد ليقترب منها مرة أخرى ويهمس في أذنها قائلاً :
- أفعلي ما شئتِ .. سنرى من سيعتذر للآخر ..!!
وقبل أن يخرج وقف أمام الباب ونظر إليها مرةً أخرى بدهشة ثم قال :
- يبدو أن النظر إلى من يحادثها .. أو قد تكون خجولة أكثر من اللازم .. !!
ردت عليه " غادة "بسرعة وقالت له بعد أن أمسكت بكتفي زينة :
- لا .. لا يا سيدي .. إنها عمياء ولا يمكنها رؤية ما حولها .. هذا كل ما في الأمر ..
أتته الكلمة كالصاعقة .. وتمتم بصوتٍ منخفض وقال :
- عمياء ..!! ( يمسح على شعره بخجل واضح ) يا إلهي كيف لم انتبه .. أعتذر منك يا آنسة ..
- لا داعي لهذه الشفقة المزيفة فأنا أعلم أنك لا تنتبه لأمور عديدة .. ( أحست بالانتصار وهي تقول له ) يكفي أنك اعتذرت .. وهذا دليل على أنك معترفٌ بخطئك ..
وقف صامتاً .. وشعر بأن الكلمات تهرب منه ليبقى أمامها ضعيفاً لا يقوى على الكلام وسارع بالخروج من الغرفة ليسير بخطىً واسعة حتى وصل إلى الحديقة .. وامتطى فرسه البيضاء( عجيبة ) لينطلق بها ولا يدري إلى أين .. أما هي فقد راحت تصب غضبها في العزف على البيانو وكلمات تلك الشاب تتردد في مسمعها حينها لم تستطيع أن تمنع دموعها من السقوط وهي تشعر بها كالرعد على رأسها ..
كانت " زينة " تعلم أنها قست عليه وهو أبن الرجل الوحيد الذي وقف بجانبها ولكنها وجدت نفسها أمام رجلٍ مغرور يكاد غروره يحطم كل من يقف أمامه .. وهي تكره الضعف والانحناء لأحد ..
اقتربت منها " غادة " لتضمها إلى صدرها بعد أن شاهدت دموعها تسقط بغزارة وقالت لها بصوتٍ حنون وهي تشاركها البكاء :
- لا تبكي يا صديقتي فأنا أكره الدموع في عينيك .. لا تجعلي من كلمات رجلٍ مغرور مثل زهير سبباً في بكاءك .. أرجوك .. اعتدت أن أراك قوية دوماً يا عزيزتي ..
وتوقفت " زينة " عن العزف كما توقف " زهير " عن الركض بفرسه العجيبة .. حين بدأت السماء تمطر وتتحدث بدلاً عنهما ليكون ما لديها أجمل بكثير مما يحملانه على بعضهما البعض ..
كان الليل طويلاً قضته " زينة " في التفكير بذلك الرجل الذي سلب عقلها رغم أسلوبه الجاف معها .. ولكنها أحست بأن وراء تلك القسوة قلب حنون .. لا يعرف سوى الحب ولا يقبل بشيء غيره ليحتله ..
لم تخطأ في إحساسها فهو لم يقسو عليها إلا كي يتحدث إليها ويقترب منها أكثر .. ويشعر باللذة وهو يثير غضبها فهي تزداد جمالاً حين تغضب .. هكذا كان " زهير " يراها .. وهكذا كان يحب أن تكون الفتاة التي شغلت باله وأصبحت تحتل عقله وتفكيره ..


** ** ** ** ** **




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-01-15, 05:39 PM   #6

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

هذه المرة لن يكون قاسياً معها.. هذه المرة سيظهر الوجه اللطيف لها وسيجعلها ترتاح إليه
وتبادله مشاعره المدفونة .. لذا لابد من بداية جيدة يبدأ منها .. ولكن كيف ..؟
وماذا كون قاسياً معها يفعل وكيف يرضيها ..؟؟


بالأمس كانت السماء تمطر بغزارة وكأنها تبكي .. وتشارك قلباً قضى ليله حزيناً موجوعاً وجفت دموعه حتى أصبح لا يقوى على البكاء ..
دائماً تشعر " زينة " بأنها الوحيدة في حزنها ولا يمكن لأحد أن يشاركها الحزن ويشعر به كما تشعر هي به .. ولكن في ذلك الليل لأول مرة تجد من يشاطرها الحزن وتشعر بمن يمسح دموعها وهو بعيد عنها .. نعم إنه الوحيد الذي أحست بصوته قريباً منها ليخفف عنها الألم .. وتشعر بأنفاسه الساخنة على وجهها لتجف به دموعها وتبتسم لحديثٌ غريب دار بينهما ..
" زهير " .. لماذا أحببتك ..؟؟ وكيف وصلت إلى قلبي بهذه السهولة ..؟؟ ليتني أجد من يصفعني بقوة ويوقظني من أوهامي وأحلامي الغريبة .. فكيف لي أن أحلم برجلٍ مثل الدكتور " زهير " ..؟؟ وأنا أعلم أنه المستحيل بكل معنى الكلمة .. إنه يسخر مني و يعاملني بقسوة .. إنه يراني فتاة بلا معنى ولا يشعر بوجودي فكيف لو علم بحبي له .. حتماً سيحتقرني ويضحك على سخافة تفكيري وحماقة قلبي ..
كانت " زينة " تعاتب نفسها كثيراً على وقوعها في حب " زهير" لأنها فتاة عمياء لا فائدة من وجودها على قيد الحياة .. وهو رجلٍ صاحب المركز المرموق والفارس الذي يعيش حياته في النور ولا يسمح لنفسه النزول إلى أقل من مستواه المادي والاجتماعي والعائلي أيضاً .. وهي التي تفتقد لكل ذلك وترى أنها بعيداً جداً حتى لمجرد التفكير والحلم به ..
إنها لا تعلم أن ذلك الرجل الذي أوهمت نفسها بخلق حواجز عديدة بينه وبينها هو أيضاً قضى ليله بلا نوم .. وبات يفكر بها ويحلم بجوارها مثلما تحلم به .. لقد جذبته إليها رغم حياتها المحيطة بالأحزان والآلام .. شعر بحبها منذ الوهلة الأولى التي رآها فيها وسمح لعينيه التعلق بوجهها والنظر إليها بكل حاسة من حواسه .. وتأكد أن الحب من أول نظرة ليس مثالاً يقال .. وإنما حقيقة يعيشها الآن بكل صدق وبكل مشاعر الحب الحقيقية ..
وتشرف الشمس لتنشر نورها على قمم الجبال .. وتعكس نورها على مياه الأمطار الراكدة لتلمع مثل الألماس ويزيد جمال الصبح أكثر وأكثر ..
حين استيقظت " غادة " و " سهام " وجدتا زينة تجلس على سريرها مستيقظة واقتربت منها سهام لتمسك بيدها وتسألها بعد أن ألق عليها تحية الصباح :
- ما بك يا زينة ..؟ تبدين شاحبة الوجه هذا الصباح .. هل أنت مريضة ؟؟
ردت عليها بهدوء وقالت :
- لا .. لست مريضة .. ولكني لم أنام جيداً ليلة البارحة ..
قالت " غادة " وهي تجلس بجوارها :
- ولماذا لم تنامي يا عزيزتي ..؟ هل هناك ما يزعجك ..؟ آه .. فهمت .. لابد أنكِ تفكرين بذلك الرجل المغرور عديم الرحمة وبكلامه الجاف معك بالأمس .. أليس كذلك ..؟؟
- لماذا تصفينه دائماً بالمغرور .؟إنه رجلٌ عادي ويتصرف أي رجلٍ يملك المكان وينتظر
منا الاحترام والتقدير ..
قالت " غادة " بدهشة :
- ماذا ..؟ بل هو كذلك .. ولم يكن رأيك بال أمس يخالف رأي .. ماذا جرى لك يا عزيزتي ..؟؟
ردت عليها " سهام " وهي تبتسم بمكر :
- يبدو أن الأميرة الصغيرة قد تعلق قلبها بالفارس الهمام وباتت ليلها كله تحلم به.. يا للأميرة المسكينة لقد وقعت ف شراك رجل لا يعرف الحب وله قلب لا يرحم ..
كانت كلمات " سهام " كالصفعة القوية التي أيقظتها من حلمها الجميل وصارت تبكي بحرقة ثم أخذتها " سهام " لتضمها إلى حضنها وتعتذر منها على قسوتها عليها فهي لا تدرك مدى تعلقها به ..
ومضى أسبوع و زينة تقف كل يوم أمام النافذة وكلها أمل أن تسمع فرس " زهير " وهي تعدو في أرجاء الحديقة .. ولكنه لم يأتي ولم يمتطي فرسه ولم يراها وهي تنتظره بفارغ الصبر حتى بدأ اليأس يتسرب إلى نفسها شيئاً فشيء .. وأدركت أنه لن يعود .. وزادت حسرتها ألماً حين قال لها صاحب الدار وهو سعيد أنه اشترى إسطبلاً كبير وواسع لأبنه " زهير" وقد نقل جميع خيوله إليه .. كان يتحدث معها وكأنه ينتظر أن تكون سعيدة بهذا الخبر وتوقع أن تهنئة وتبارك له شراء الإسطبل ولكنها كانت حزينة حين قالت له :
- هذا يعني أنه لن يأتي إلى هنا .. أليس كذلك يا سيدي ..؟؟
قال متعجباً لعبارتها الأخيرة :
- يا سيدي !! هذه الكلمة غير لائقة .. العم هاشم أفضل بكثير عندما تنطلق من شفتيك الجميلتان .. ( يرفع رأسها بيده الحنونة ويقول ) لماذا أنتِ حزينة يا بنتي ..؟ لا أحب أن أراك هكذا .. هل هناك ما يزعجك وتريدين إخباري عنه ..؟
اكتفت بهز رأسها وطلبت منه أن يبلغ ابنه الدكتور "زهير " تحياتها وأن يبارك لـه
بدلاً عنها .. ثم ذهب العم هاشم بعد أن طبع قبلة حنونة على جبينها .. ووعدها أنه سيأخذها يوماً إلى الإسطبل لتهنئ ابنه بنفسها .. حينها أحست بشيء من الراحة بهذا الوعد وتجدد الأمل من جديد في لقاء الحبيب .. سوف تخبره حين تراه بكل ما فعله من ارتباك في نفسها .. وستعد الكلمات التي ستقولها له حين تسمع صوته .. حتماً ستخبره أنها أحبت صوته وعشقت نبرته الحادة .. ولكن ماذا لو خيب ظنها ورفض حبها وعاد لأسلوبه الجاف معها ..؟؟ ماذا لو كان قلبه بلا رحمة كما وصفته صديقتها " سهام " ..؟ كيف ستكون حياتها حين يطعنها الحبيب في قلبها ويتركها تنزف حتى الموت ..؟ لا .. لا .. لن تفعل شيئاً تندم عليه لاحقاً .. لن تدعه ينتصر على فتاة ضعيفة مثل " زينة " ويرضي غروره على حساب مشاعرها وأنوثتها .. لن تعترف له بحبها وستبقى صامتة حتى لو كان ذلك على حساب راحة بالها وهناء قلبها ..
الدكتور " زهير " مشغول بخيوله ولا يجد لنفسه وقت كي يختلي بقلبه ويناجي حبيبته البعيدة عنه .. وحين يتذكر عيناها الجميلتان تترك يداه العمل وينطلق بخياله ليغرق بهما ويسبح في أمواج عينيها الهادئة .. ويقول لنفسه كم أنا مشتاق لعينيك يا زينة .. ليتك تنامين وتحلمين كما أحلم .. حينها حتماً سأكون سعيداً ومحظوظاً بهما لذلك أقسم لك حبيبتي أنني سأفعل المستحيل من أجلهما وستشاركينني السعادة ..
سمع " زهير " صوت والده يناديه من بعيد فترك جردل الماء الذي كان يحمله في يده ليغسل فرسه المفضلة " عجيبة " وراح يركض حتى وصل إلى والده وقال :
- لقد تأخرت في الدار يا أبي .. هل كل شيء على ما يرام ..؟
- نعم .. ولكن كيف تغسل الخيول بنفسك ..؟ أين العامل الذي أحضرته لخدمتك ..؟ وبينما والده يتلفت يميناً ويساراً بحثاً عن العامل شاهد سيارة ضخمة قادمة نحوهما وسأله زهير عن تلك السيارة ولمن تكون وما لبث أن سمع والده يرحب بالرجل والمرأة التي معه .. واقترب من ولده ليعرفه عليهما وقال :
- أقدم لك المهندس "روؤف صادق" عضو مجلس الشعب وواحد من أهم رجال الأعمال
في لبنان .. ولكن من هذه الفتاة الجميلة .. لم أرها من قبل ..؟
- إنها ابنتي راجية .. لقد أصرت أن تأتي معي لتبارك لك رجوع ابنك من السفر ورأيتها مناسبة أن يكون هنا في هذا المكان كي نشاهد الخيول الأصيلة ونتمتع بجمالها .. أليس كذلك يا راجية ..؟؟
ردت " راجية " على والدها بشيء من الغنج والدلال وقالت :
- أجل يا أبي .. فهذا المكان يشعرني بالراحة أكثر من أي مكانٍ آخر ..
وتجول الجميع في أنحاء الإسطبل وكان "زهير " يتحاشى النظر إلى الفتاة التي لم تخفض ناظرها عنه مما شعر بالملل وطلب من والده أن يسمح له بالذهاب إلى السوق لشراء بعض مستلزمات الإسطبل ..
وذهب " زهير " وهو يسير بخطىً واسعة على قدميه ليستقل بعدها سيارته وينطلق بأقصى سرعة نحو الدار .. كانت مشاعره هي التي تسيره وتوجهه نحو الدار خاصة أنه لم يكن ينوي الذهاب ولكنه الشوق لرؤية الحبيبة التي طال غيابه عنها وأنشغل عن زيارتها بعد تلك المرة التي دار بينهما الحديث الساخن ..
لن ينسى حديثه معها .. ولن ينسى كلماتها وماذا قال لها وبماذا ردت عليه .. لن ينسى غضبها منه حين أمرها بالوقوف أمامه .. ولن ينسى صلابتها وقوة شخصيتها التي بهرته بإصرارها على رأيها واقتناعها بأن لا تقوم بعمل دون إرادتها حتى لو كان ذلك لأبن صاحب الدار .. وهذا ما جذبها إليه فهو يعلم أنه صاحب مركز مرموق وأن الفتاة حين تحبه لا تحبه إلا من أجل مركزه وماله .. لذا أراد أن يتقرب منها ويلمس الحب الحقيقي من قلبها بعد أن تأكد أنها فتاة رغم بساطتها وحياتها المعذبة لا تسلم قلبها لرجل من أجل ماله ومركزه بل من أجل حبها واختياره ليكون فارس أحلامها .. هذه المرة لن يكون قاسياً معها .. هذه المرة سيظهر الوجه اللطيف لها وسيجعلها ترتاح إليه وتبادله مشاعره المدفونة .. ولكن لابد من بداية جيدة يبدأ منها .. ولكن كيف ..؟؟ ماذا يفعل وكيف يرضيها ..؟؟ وبرقت في رأسه فكرة جيدة وهي أن يشتري لها ثوب ويدعوها إلى حضور مسابقة الخيول التي ستقوم تحت رعايته في الأسبوع القادم .. سيطلب منها أن تحضر لتشجع معه فرسه " عجيبة " فهي الفرس العربية الوحيدة التي ستشارك في هذا السباق ..
ظهرت سعادته بهذه الفكرة فهو يعلم أن وجودها معه سيترك أثراً طيباً في نفسه ونفسها وستصبح القلوب أكثر قرباً مما سبق .. وهذا ما يرجوه .. ويبحث عنه ..
لم يستغرق وقتاً طويلاً في اختيار ثوب يليق بحبيبته .. ولم ينسى أن يشتري كل مستلزماته من حقيبة وحذاء وقبعة جميلة حمراء .. وحين وصل إلى الدار طلب من الحارس أن يحضر الهدايا من حقيبة السيارة .. وأثناء سيره رآها تقف أمام النافذة ورأى الغروب في عينيها العسليتان وشعرها الأحمر ليصبح كالجمر الملتهب حين يشتد توهجاً .. وشعر بالارتياح لرؤيتها وتمنى لو أنها تراه وترد تحيته من بعيد ..
وصعد " زهير " إلى غرفتها وسبقه الحارس إلى الدخول .. وكانت المفاجأة حين رأته " غادة " يدخل من الباب بقامته الطويلة وجسمه العريض .. وحين ألقى التحية سمعت " زينة " صوته فالتفتت وهي لا تكاد تصدق أذنيها وتمنت لو أنها تراه وترتمي في حضنه لتبث له شوقها وحنينها إلى صدره .. تمنت لو أنها ترى عيناه و تغوص بهما لتقرأ ما تخفيه من أسرار وخفايا وتقترب من أذنه وتهمس بها " أحبك " .. كانت السعادة تشرق في وجهها حين قال لها :
- أتيت لأعتذر منك يا زينة .. وأرجو أن تقبلي مني هذه الهدية المتواضعة ..
كان صوتها ينخفض رغماً عنها حين أحست برعشة تسبق كلماتها وهي تقول :
- حضورك إلى هنا أكبر هدية يا سيدي ..
ضحك " زهير " بصوت مرتفع وقال :
- يا سيدي ..!! إنها أجمل يا سيدي سمعتها في حياتي ..
واحمرت وجنتاها وهي تسمع منه كلاماً يختلف تماماً عن كلامه في المرة الماضية .. فخضت رأسها وهي تقول :
- أنت تعتذر على حماقتي معك ..؟ كان عليك أن تعاتبين وتقتص مني إن شئت ..
أمسك بيدها ليجذبها نحوه ويجلسان معاً على مقعد عريض وراح يحلق النظر إلى شعرها ووجهها بينما تحاول صديقتها " غادة " أن تخرج من الغرفة بكل هدوء ويدها على فمها لتحبس ضحكتها حتى لا تنطلق وتفسد الجو الشاعري الهادئ للحبيبين .. ثم جاءها سؤاله المفاجأ وقال :
- هل تجيدين العزف على البيانو ..؟ لقد أخبرني أبي بذلك ولم أصدق ..؟؟
شعرت بصعوبة شديدة وهي تبتلع ريقها قبل أن تجيبه وتقول :
- نعم .. أقصد أنها مجرد تسلية فأنا أقضي وقت فراغي في العزف ..
- إذن .. أنتِ عازفة بيانو ..؟ وعازفة جميلة أيضاً ..
- لم أصل بعد إلى درجة عازفة ولكني أحاول أن أكون ..
- لماذا لا تسمعيني مقطوعة صغيرة لأكون أنا الحكم ..؟
قامت لتنفذ رغبته ولكنه مازال يمسك بيدها حينها توقفت قليلاً حتى حررت يدها من قبضته وسارت نحو البيانو وبدأت تعزف عزفاً رائعاً وهادئاً وهو يستمع إليها بكل إنصات .. ثم قام ليخبرها أنه سيرحل الآن .. ثم وضع يده على كتفها ليقول :
- لا تنسي موعد السباق يوم الخميس القادم .. سآتي لأخذك بنفسي .. كوني جاهزة..
لم ترد عليه واكتفت بهز رأسها .. وتمتمت بصوتٍ منخفض حين سمعت رقع أقدامه تتلاشى شيئاً فشيء وقالت :
- إلى اللقاء .. سأنتظر قدوم يوم الخميس بفارغ الصبر ..
ثم دخلت عليها صديقتها غادة ولحقت بها سهام ليعرفوا سبب قدوم " زهير " خاصةً أنه يخص بتلك الزيارة رؤية " زينة " بالذات دوناً غير غيرها .. وأخبرتهما بالحديث الذي دار بينها وبين الدكتور زهير .. كانت تصفه بأكثر من الخيال .. و أنه تتحدث عن رقته وسحر حديثه .. وكيف أنه يملك قلباً أرق من الزهر .. وأحن من النسيم حين يداعب أوراق الشجر .. كانتا تستمعان إليها وهما في حالة من الدهشة والاستغراب .. فكيف لرجلٍ مثل " زهير " رغم غروره ورفعة نفسه أن يكون كالنسيم أو كالزهر .. كيف استطاعت فتاةٍ مثل " زينة " لا تبصر أن تجذبه إليها وتنقله من قسوة القلب إلى رقة الإحساس .. ومن جفاف الكلمات وأغلظها إلى سحر الحديث وعذوبته ..؟؟
وتحقق حلم " زينة " في لحظة غير متوقعة .. تحقق حلمها وهي لا تكاد تصدق أنه يجلس بجوارها .. ويلمس شعرها .. ويقبل يدها .. هكذا دون سابق إنذار يأتي ليقربها منه .. ويشعرها بوجوده ويخاطب إحساسها ليقول " هاأنذا أتيت إليك راكضاً .. فارساً كما أحببتني .. أتيت إليك لأقبَّل يدك وأطلب منك أن تقبليني حبيباً لك ..
لازال قلبها ينبض بسرعة وكأنه طائراً يرفرف بين أضلعها .. ولم يهدأ ..لازال صوته يغرد في أذنيها بأجمل الألحان .. وسيضل يغرد إلى أن يحين اللقاء الآخر وتنعم بقربه ويهدأ قلبها بين يديه .. ولكن هذه المرة لن تضيع منها الفرصة وستخبره بما يجول في داخلها ..
ستخبره أنها أحبته منذ أول لقاء .. وأصبح قلبها هائماً بحبه حتى يوم لقاءه بها مرة ثانية ليؤكد شعورها نحوه ويتوج حبها بواقع حسبته يوماً من الأيام حلماً مستحيلاً ..
وبقيت " زينة " تنتظر يوم الخميس بفارغ الصبر .. ليس من أجل السباق أو من أجل فوز فرسه " عجيبة " وإنما من أجله هو .. من أجل فرحتها بلقائه ونعيم قربه ..

** ** ** ** ** **



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-01-15, 05:41 PM   #7

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

يريد أن يصارحها بحبه .. كما يريد أن يمسك بيدها ويقبلها ويقول لها


" اقبليني زوجاً لكِ " .. ولكن كيف ..؟؟




تمضي الأيام بتثاقل مميت .. وببطءٍ شديد وكأن اليوم يمضي شهراً والساعة تصبح يوماً بأكمله .. وجاء اليوم الموعد بعد طول انتظار .. وطلبت " زينة " من صديقتها " غادة " أن تساعدها على لبس ثوبها الأحمر الذي كان قد أهداه إليها " زهير " .. وقامت بتسريح شعرها لترفعه فوق رأسها ثم وضع فوقه القبعة ليظهر جمال وجهها جلياً ويزيد بريق عينيها لتصبح أجمل فتاةٍ في عيني " زهير " حين رآها تقف في حديقة الدار تنتظر قدومه وتستعد لدخول مكان يحتشد فيه الناس وكانت هذه هي المرة الأولى التي تخرج فيها من الدار إلى مكان كبير كهذا ..
مد " زهير " يده ليمسك بيدها ويساعدها على ركوب السيارة وابتسامة الحب والإعجاب تملئ وجهه الأسمر .. ولم ينسى أن يلوح بيده إلى صديقتيها " غادة " و " سهام " ليودعهما .. وبقيتا واقفتان لمتابعتهما بنظرات كلها إعجاب لهذين الثنائي الجميل حتى غاب بسيارته عن الأنظار .. حينها قالت " سهام " وهي مازالت تنظر تجاه السيارة :
- لم أرى في حياتي حباً يشبه حب زهير لزينة ..إنه ينظر إليها بإعجابٍ شديد وكأنه

لم يرى فتاةٍ من قبل .. أكاد لا أصدق أن هناك رجلٍ مثل زهير يعشق فتاةٍ عمياء مثل زينة ..
كان جواب " غادة " مقنعاً بعض الشيء حين قالت :
- إن زينة فتاة ٍ طيبة وجميلة أيضاً .. وقد أراد الله أن يعوضها بحب زهير لها لترى معه السعادة والهناء بعد طول عذاب وشقاء .. فلندعو الله أن يديم عليها تلك السعادة ..
قالت " سهام " وهي تداعبها حين شعرت برغبتها في البكاء :
- لندعو الله أن يبعث إلينا مثل زهير لنعيش الحب ونجد من يهتم بنا مثل زينة ..
وتعالت ضحكاتهما .. وحين نظرت " سهام " إلى السماء ورأتها قد ملئت بالسحب وكأنها تعلن عن هطول أمطاراً غزيرة أمسكت بيد " غادة " لتنطلق معها إلى داخل الدار .. وقالت :
- يبدو أن سباق الخيول سينتهي إلى سباق السباحة للخيول يا سهام .. سيصاب زهير بخيبة أمل لا مثيل لها ..
وحين وصول " زهير " إلى الإسطبل كان والده " العم هاشم " يقف في استقباله ومع صديقه "روؤف صادق " وابنته المدللة الآنسة " راجية " .. وحين رأته يمسك بيد " زينة " ويهتم بأمرها أكثر من اهتمامه بإلقاء التحية عليهم .. شعرت بغيض منها وصارت تبادلها نظرات السخرية والاستهزاء وهي لا تعلم أنها لا يمكن رؤيتها ولن يؤثر فيه تلك النظرات أبداً ..
وزاد غضبها حين رأت والده يقبلها ويحضنها بسعادة حين رآها .. وبكل هدوء يخبرها أنها ستكون أجمل فتاةٍ في هذا السباق وكأنه لا يرى سواها .. أما " زهير " فقد أخذ بيد " زينة " غير مبالٍ بنظرات " راجية " التي كانت تعكس ما بداخلها وهي تحدق بهما وتتابع تحركاتهما معاً .. ثم أجلسها على كرسي وفير في أول صف بجانب كرسي والده ثم قال لها هامساً :
- لن أنسى حضورك معي .. وسأهدي الفوز لك .. أعدك بذلك ..
بحثت عن يده لتمسك بها وهي تقول :
- سأكون معك بقلبي يا زهير .. أتمنى لك التوفيق ..
ثم همس بصوت خافت وهو يطبع قبلة حنونة على يدها وقال :
- أحبك ..
وانطلق مسرعاً نحو فرسه " عجيبة " ليقفز على ظهرها ويلقي نظرة خاطفة نحو " زينة " وأقسم في نفسه أنه لن يخذل قلبها .. وسيحقق السعادة له مدى حياته ..
كان والد " زهير " يبدو عليه الحماس الشديد وهو يشجع ابنه بصوتٍ مرتفع .. ويصفق له كلما تخطى بفرسه منافسه في السباق .. وبدأ صوته يرتفع أكثر فأكثر حين أقترب من خط النهاية ليجتازه بكل ثقة ويقف ليحيي الحضور بيده .. وحين سمعت " زينة " صراخ والده بجانبها سألته بلهفة وقالت :
- ماذا جرى يا عم هاشم ..؟ أخبرني أرجوك ..
- لقد فاز زهير بالسباق يا بنتي .. لقد فعلتها عجيبة .. يا للروعة !!
- حقاً .. يا إلهي كم أنا سعيدة من أجله .. وأين هو الآن يا عمو ..؟؟
- إنه يقف هناك ليستلم الجائزة .. ها هو الآن يرفع يده لتحية جمهوره .. إنه ينظر تجاهنا .. ارفعي يدك بابنتي لتحيته .. هيا ..
ورفعت " زينة " يدها ودموع الفرحة تملئ عينيها .. ثم طلبت من " العم هاشم " أن يذهب بها إلى " زهير " كي تبارك له وتهنئه بالفوز .. وحين وصلت إليه كادت أن تقع فأمسك بها "زهير" لتلتصق به وتحس بأنفاسه قريبة منها جداً .. وتذكرت أنها تقف أمام حشدٍ كبير من الناس فابتعدت عن وقالت :
- أتيت لأهنئك يا زهير .. ولم أصبر حتى تأتي أنت .. إني سعيدة من أجلك ..
- سعادتي بهذا الكأس لا تعادل سعادتي بوجودك معي .. لذا أقدمه لك أنتِ لأنك صاحبة الفضل في حصولي عليه ..
وأخذت الكأس لتضمه إلى صدرها وفجأة وقعت القبعة من فوق رأسها بعد أن داهمتها ريحٍ قوية معلنة عن هطول المطر .. فتفرق الجميع ليذهب بعضهم ليختبئ تحت مضلات واسعة .. والبعض الآخر اتجه نحو سيارتهم للعودة إلى منازلهم قبل أن تمتلئ الأرض بالمياه .. أما " زهير " ومعه " زينة " فقد بقيا واقفين حتى بعد هطول المطر وكأنهما لا يشعران بشيء غير وجودهما معاً .. فسمع صوت والده وهو ينادي عليه ويطلب منهما أن يدخلا إلى غرفة الاستقبال حتى لا يصابا بالبرد .. حينها التقط " زهير " القبعة من الأرض ووضعها فوق رأسها وعندما تبلل شعرها تعالت الضحكات بينهما وسارا معاً يداً بيد ..
وحين دخلا كان والده يجلس مع صديقه " رؤوف صادق " ويتبادلان أطراف الحديث ويسترجعا ذكرياتهما معاً قبل أن يفترقا ويتجه كلاً منهما إلى حياته الخاصة .. أما الآنسة "راجية" فقد كانت تقف أمام النافذة الكبيرة لتشاهد نزول المطر وقد كان القلق يبدو جلياً على وجهها .. واقترب منها " زهير " وسألها قائلاً :
- هل ترغبين بشرب الشاي معنا يا آنسة راجية ..؟؟
ونظرت خلفه لترى " زينة " تجلس خلف طاولة صغيرة وأدركت أن يقصدها حين قال "معنا" فأسرعت بالإجابة عليه وقالت :
- بكل سرور .. فأنا بحاجة شديدة لكوبٍ من الشاي ..
وجلست " راجية " بالقرب من " زينة " وبدأت بالحديث معها حين قالت :
- إن الدكتور زهير لطيف جداً .. وهو رجل ذكي ويعرف كيف يختار أصدقائه ..
ألتفتت " زينة " نحو الصوت وقالت بهدوء :
- عفواً يا سيدتي .. هل تخاطبينني ..؟؟
- وهل يجلس هنا أحد سواك يا آنسة ..؟
أثناء ذلك حضر " زهير " وهو يحمل صينية بها ثلاث أكواب من الشاي ووضعها على الطاولة ثم أخذ كوباً ليقدمه إلى " زينة " وطلب منها أن تكون حذرة لأنه ساخن جداً ..
ثم أخذت "راجية " الكوب الخاص بها وقالت وهي لا تزال تنظر إليهما بتعجب :
- يبدو أنك تهتم لأمرها كثيراً .. هل هي قريبتك ..؟؟
شرب قليلاً من الشاي ثم قال:
- إنها أكثر من ذلك ..
- أكثر من ذلك .. كيف ..؟ أنا لا أفهم ..
- ستعرفين فيما بعد .. والآن لننتهي من شرب الشاي فقد توقف المطر وأصبح بإمكاننا الذهاب ..
وحين انتهى " زهير " من شرب الشاي وقف ومد يده ليمسك بيد " زينة " وطلب منها أن تسير معه إلى سيارته قبل أن يسقط المطر مرة ثانية .. وقامت معه وتبعته إلى حيث يذهب والابتسامة لا تفارق ثغرها الصغير ..
كانت " راجية " لا تزال تحدق بهما وأطلقت شهقة قوية حين اكتشفت أنها كانت تغر من فتاةٍ عمياء .. وضحكت بصوت مرتفع وهي تقول لنفسها :
- كم أنتِ حمقاء يا راجية .. تشتعل النار في داخلك من أجل فتاة لا تستطيع أن ترى أمامها .. يا لها من فتاة غريبة .. إنها تمشي بكل ثقة وكأنها ترى كل شيء حولها .. حسناً .. لا أعتقد أن هذه الفتاة قد تمكنت من حبه .. ويبدو أن مشاعر الدكتور زهير تجاه هذه الفتاة ليس سوى شفقة عليها فقط وليس حباً كما ظننت ..!!( تضم يديها بسعادة ) يا إلهي أشعر أن الأمور ستسير كما أريد ..
وحين انتهت من التحدث مع نفسها وجدت أن الجميع أصبحوا في الخارج ولم يبقى في ذلك المكان الفسيح سواها .. فنهضت مسرعةً لتلحق بوالدها وهي تلوح بحقيبتها اليدوية بفرح وغرور حتى وصلت إلى والدها ..
كان " زهير " يقود سيارته بكل هدوء فقد أصبحت الشوارع مليئة بالمياه حتى تكونت بحيرات صغيرة انعكس عليها لون الغروب لتتحد مع الأشجار المنسدلة على حافتي الشارع وتصبح أكثر جمالاً مع الطبيعة الخلابة في أرض لا تعرف سوى الجمال الذي يسلب العقل ويبهج القلب ..
كان " زهير " يفكر كثيراً وهو يلتزم الصمت الطويل .. وكلما نظر إليها تتبعثر الكلمات وتتناثر أمامه حتى يعجز عن تجميعها والتحدث معها بما يجول في خاطره .. إنه يخاف على مشاعرها ويكره أن يجرح قلبها بكلمة قد تألمها وتتعسها .. يريد أن يصارحها بحبه .. كما يريد أن يمسك بيدها ويقبلها ويقول لها " اقبليني زوجاً لكِ " .. ولكن كيف ..؟؟ كيف وهو لم يخبر والده بالأمر بعد ..؟ فمن حق والده أن يوجهه ويدله على الطريق الصواب .. وإن كان يوافقه رأيه فهو بحاجة إلى أن يبارك له زواجه من حبيبته " زينة " ويقف بجانبه حتى يفعل المستحيل من أجل علاجها ليعود إليها نظرها ويخرجها من الظلام الدامس الذي تعيش فيه ..
وفجأة توقفت السيارة وهو سارحٌ بفكره .. واهتز حين سمع صوت " زينة " تقول :
- لماذا توقفت يا زهير .. هل وصلنا ..؟
رد عليها بصوتٍ مختنق وهو ينظر إلى مكان عجلات السيارة وقال :
- لا.. يبدو أننا وقعنا في مأزق كبير .. وسنظل هنا حتى الصباح إن لم يأتي من يقدم لنا المساعدة .. ( أكمل وهو يهمس في نفسه ) ليته لا يأتي أبداً ..
بدأ عليها الخوف والقلق وطلبت منه أن يطلب النجدة بهاتف السيارة وعندما أخبرها أنه معطل ولا يمكنه فعل شيء بسبب الظلام الدامس زاد خوفها وبدأت تبكي وهي تقول :
- ماذا سنفعل الآن يا زهير ..؟؟ أشعر بخوفٍ شديد من هذا المكان .. إنني أشعر بوحشة هنا ..
قال وهو يداعبها ليخفف من حدة خوفها :
- لا موحش ولا شيء .. وحياتك ما في أحلى من هيك مكان ..
وحين سمعها تضحك شعر بكثيرٍ من الارتيـاح وأحس أنه يعيش أجمل اللحظــات مع من أحبها
قلبه .. ويتمنى لو أنها لا تنتهي تلك اللحظات الجميلة .. ويبقيان معاً حتى الموت ..
وينهمر المطر من جديد .. ويزداد صوت الريح ويشتد الرعد والبرق .. وبدأ القلق على حياة " زينة" يدب في جوف " زهير " والخوف بأن يكون سبباً لهلاكها وهذا ما يخشى حدوثه وأصبح يدعو من قلبه أن يجد سيارة عابرة لتنقلهما إلى الدار قبل منتصف الليل .. ولكن القرية في هذا الوقت هادئة جداً .. لا يخرج أحداً من بيته بسبب الأمطار الغزيرة .. فما كان عليه سوى المكوث في مكانه ينتظر بزوغ الشمس حتى يتمكن من السير على قدمه إلى أقرب متجر أو محطة وحين أخبر " زينة " بأنهما سينتظران في السيارة حتى طلوع الشمس قالت له :
- وإذا لم يتوقف المطر ماذا سنفعل ..؟ إني أشعر بإرهاقٍ شديد ..
قال لها وهو ينظر إلى السماء وقطرات المطر تنهمر فوق زجاج السيارة :
- هل ترغبين في النوم ..؟؟
ردت عليه وهي تتثاءب :
- أجل .. ولكن أين وكيف ..؟؟
- لا عليك .. سأتصرف فوراًً ..
ونزل من السيارة ليسير تحت المطر حتى وصل إلى الجهة الأخرى من السيارة وفتح الباب ليرخي المقعد الذي تجلس عليه زينة .. وطلب منها أن تنام حتى الصباح .. ثم عاد إلى مكانه بعد أن تبللت ملابسه وجلس بجانبها وقال :
- هل تشعرين بالراحة الآن ..؟ يجب أن تنامي قليلاً فالليل طويل .. طويلٌ جداً ..
وضعت يدها على كتفه لتشكره وحين أحست بملابسه المبللة قالت :
- إن ملابسك مبللة .. لماذا فعلت ذلك ..؟ إنك تعرض نفسك للبرد من أجلي يا زهير..
- من أجلك أفعل أي شيء .. حتى الموت ..
- أنت إنسانٌ رائع يا زهير .. ليتني أستطيع فعل شيء من أجلك لنكون متشابهين في
العطاء .. ولكن ..!! لقد فقدت بصري .. وفقدت معه قدرتي على العطاء .. إنني فتاةٌ يائسة ..
لا تستحق كل هذا الحب من رجلٍ مثلك .. أنت تستحق كل الحب وكل العطاء ..
وحين بدأت في البكاء أمسك " زهير " بيدها ووضعها على صدره المبلل وقال :
- أريدك أن تشعري بي .. أريدك أن تسمعي نبض قلبي .. ضعي يدك على صدري وستسمعين نبض قلبي يقول لك أحبك .. لم أطلب منك رؤية صورتك في عيني ولن أجعلك تقفين عاجزة أمام عطاءك .. أحبك يا زينة ولا أريد منك سوى إحساسك بي وبمشاعري ..
كان يتحدث إليها بانفعالٍ لم يشعر به من قبل .. ولكنه توقف عن الكلام ليمسح على شعرها وهو يقول :
- لا تغضبي مني يا زينة .. فأنا حين رأيتك أحسست بقلبي يندفع إليك بكل قوة ولم أفكر يوماً أنك فتاةٍ ينقصها شيء حين شعرت بقلبك الصادق ينبض من أجلي .. لم أجد الفتاة التي تشعر بي وبكياني إلا حين وجدتك وبادلتني الحب قبل أن تعرفي من أكون .. كنت بالنسبة لك عيناك التي ترين بهما .. كما أصبحتِ أنتِ حياتي التي أعيش من أجلها .. وأرفض الموت إلا من أجلك .. من أجلك وحدك يا زينة .. أرجوك لا تجعلي أمام حبنا أي عائق فأنا أرفض أن أقف معك إلى حدٍ مجهول لا أعرف له نهاية بعد أن أسعدتني البداية .. أرجوك ..
وقبَّل يدها ثم اقتربت منه لتضع رأسها المثقل بالأفكار على كتفه وأغمضت عيناها وهي تقول :
- أحبك يا زهير .. أحبك وأشعر بك .. وصلني نبضك منذ المرة الأولى التي سمعت فيها صوتك ولكني كنت أكذب نفسي وأوهمها أن ما أحلم به هو المستحيل .. وإني فتاة غير قادرة على أن تحب أو تعيش مثل باقي الفتيات .. وحين قلت لي " أحبك " لأول مرة شعرت أن الحياة خلقت من أجلي رغم عجزي وما أشعر به من نقص وأنا أقف أمامك ولكن قلبي رفض تفكيري اليائس وركض إليك بكــل ما يحمل من حب وشعور لينبض بين يديك وتعود الحيـــاة
تجري في عروقه بعد أن أنقذه حبك من الموت ..
وأطلق " زهير " أنامله لتعبث بشعرها بحنان وطبع قبلةً على رأسها وقال :
- الآن أستطيع أن أقول أنني أسعد رجلٍ في العالم .. كنت أخاف من رفضك لحبي لأسباب لا وجود لها في نفسي .. ولكنك الآن تزرعين زهور الأمل في قلبي بكلماتك الحنونة .. (يأخذ نفساً عميقاً ثم يقول ) ياه .. أشعر وكأنني أعيش حلماً جميلاً لا أريد أن أصحو منه أبداً ليتك تبقين معي يا زينة .. ليتك تبقين يا حبيبتي ..
وساد الصمت بنيهما لبرهة من الزمن قطعه صوت الرعد حين سمعته " زينة " والتصقت به أكثر وكأنها تبحث في أرجاء صدره عن الحماية والأمان .. وترجوه أن لا يبتعد عنها فهي تشعر بالخوف المرير بدونه ..
مضت ساعات الليل وزينة تنام نوماً عميقاً بعد أن أحست بالأمان وهي بجانب حبيبها "زهير " الذي بقي مستيقظاً ينتظر توقف المطر حتى يجد من يخرجهما من هذا المأزق .. حتى طال انتظاره وغلبه النعاس وأسند رأسه على مقعد السيارة وغط في نومٍ عميق والابتسامة تملأ وجهه بعد أن ألقى نظرة على " زينة " وهي نائمة .. وكان ليلاً طويلاً ..


** ** ** ** ** ** **



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-01-15, 05:44 PM   #8

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

حين يشاهد بريق عينيها الضريرة يؤمن أن هناك صفاء لا يمتلكه سوى من يحمل الصفاء
في نفسه وأعماقه حتى لو كانت تلك العينين لا تبصران ....

كان والد " زهير " قلق جداً لتأخره وزاد قلقه وجود " زينة " معه .. فقد كان يخشى أنه قد أصابهما مكروه خاصةً أن المطر لم يتوقف طوال ساعات الليل .. حاول الاتصال به ولكنه عجز عن ذلك فقد كانت جميع خطوط الهاتف معطلة بسبب الظروف الجوية السيئة ..
لم تهدأ " غادة " و " سهام " حين شعرتا بالخوف على صديقتيهما " زينة " وبدأت كل واحدة منهما تلوم الأخرى لترك " زينة " بمفردها وعدم الذهاب معها إلى سباق الخيل .. فهي فتاة بحاجة دائمة لوجودهما معها .. ولكن العم " هاشم " لم يتركهما في جدالهما طويلاً بل توقفتا حين قال لهما بصوت حازم :
- أتركا هذا الجدال العقيم ولنفكر سوياً بحل لهذه المشكلة الكبيرة .. لابد أن نجد حلاً وإلا فقدت أعصابي وعقلي ..
رد عليه حارس الدار الذي كان يقف في مدخل الباب ينتظر قدومهما قائلاً :
- لا تخف يا سيدي .. الدكتور زهير رجلٍ حكيم ويعرف كيف يتصرف .. صدقني!!
- ولكنه لايعرف مدى وعورة الطرق والشوارع فبعضها تدمر تماماً حين تهطل الأمطار
لقد قضى زهير سنوات طويلة بعيداً عن لبنان وعن شوارعها .. وأظن أنه في ورطةٍ الآن وينتظر من يساعده ..
قالت " سهام " هي تحاول أن تهدأ من التوتر السائد بينهم :
- أهدأ يا سيدي ستسير الأمور على ما يرام إن شاء الله .. قلقك هذا لا يغير من الأمر شيئاً .. أجلس وسوف أصنع لك كوباً من الشاي الساخن أم تريد فنجاناً من القهوة اللذيذة ..؟؟ أضحك يا عم هاشم وسنسمع أخباراً تسرك كثيراً .. فقط أضحك وسترى ..
لم يمانع العم هاشم من رسم ابتسامةً عريضة على وجهه ولكن القلق والتوتر مازالا يفترشان وجهه بكل معنىً للكلمة .. وجلس يفكر بعمق في حال الفتاة المسكينة .. وكيف أنها تعاني الآن من الخوف والفزع من أصوات الرعد والمخيفة .. فهذه هي المرة الأولى التي تخرج فيها " زينة " خارج الدار منذ قدومها إليه منذ أكثر من عشر سنوات ..
استيقظ " زهير " وفتح عيناه على أشعة الشمس الدافئة وابتسم حين رأى السماء الصافية والسحب البيضاء المتناثرة التي توحي بتوقف الأمطار وتعلن بداية يومٍ جميل وهادئ.. وحين رأى حبيبته " زينة " ترقد بسلام على المقعد المجاور نظر إليها بإعجاب وحب وهو يحدق في وجهها الجميل وعيناها مغمضتين وشعرها الأحمر ينسدل فوق كتفيها لتصبح مثل حورية البحر وهي ترقد على شاطئ لا يسكن فيه سوى الحوريات مثلها وحين تخشى قدوم الغرباء تصحو لتهرب كالغزال لتعود في أعماق البحر وتختفي هناك بعد أن طبعت جسدها النحيل فوق الرمال البيضاء الناعمة ..
هكذا تكون " زينة " بكل ما تحمل في وجهها من براءة الطفولة التي لم يرى مثلها في أي فتاةٍ أخرى .. وحين يشاهد بريق عينيها الضريرة يؤمن أن هناك صفاء لا يمتلكه سوى من يحمل الصفاء في نفسه وأعماقه حتى لو كانت تلك العينين لا تبصران .. فهما لا تعرفان الخبث والدهاء ولم تمارس في حياتها سوى النقاء .. وهذا ما كان يبحث عنه " زهير " ووجده وفيراً بعد طول عناء في فتاةٍ عاشت حياتها في قرية صغيرة وبقيت تحمل كل معالم تلك القرية في جوفها ولم تغيرها طقوس الزمن ولا عوامله الرخيصة .. لتصبح أجمل فتاة ريفٍ تشاهدها مدينة تقدس الجمال وتحتوي بين ذراعيها كل من يحمل معاني الجمال .. وخاصةً جمال الروح والنفس ..
استيقظت " زينة " حين أحست بأنامل " زهير " تلامس خصلة من شعرها زحفت لتستقر على وجهها وتغطي جزءاً من شفتيها .. وجلست بفزعٍ حين تذكرت أنها قضت ليلة الأمس خارج الدار وعاشت الخوف والفزع تحت الأمطار الغزيرة لا يفصلها عن تلك الأمطار سوى سيارة صغيرة التي لولا مشيئة الله لكانت أول شيءٍ تجرفه المياه القوية لتلقي بها على سفوح الجبال كباقي الأحجار والأشجار ..
قالت وهي تستوي في جلستها :
- أين نحن الآن ..؟ هل أتى شخصٌ ما لإنقاذنا ..؟؟
رد عليها وهو يفتح باب السيارة وقال :
- صباحك جميل يا أميرتي الصغيرة .. لقد توقف المطر ولسنا بحاجة إلى المساعدة بعد أن أصبحت السماء صافية والشمس قد نشرت دفئها في كل مكان .. سوف أنزل الآن لأرى بنفسي كيف تسير الأمور ..
أمسكت بذراعه وهي تقول :
- سأنزل معك .. لا تتركني هنا وحدي .. أرجوك يا زهير .. أرجوك ..
- حسناً .. ولكن انتظري بضع دقائق فقد تكون الأرض مليئة بالمياه وربما تتعرضين للأذى .. سأتأكد بنفسي .. لا تقلقي ..
وانتظرت " زينة " داخل السيارة حتى يسمح لها " زهير " بالنزول من السيارة .. وقد كانت سعيدة جداً لحرصه على سلامتها واهتمامه بها يجعلها تشعر بالأمان معه أكثر وأكثر ..
كان " زهير " ينظر إلى حال سيارته بأسفٍ شديد حين رأى العجلة الأمامية قد اختفى جزءٌ كبير منها تحت الطين .. وأصبح غير قادر على تحريكها بمفرده وكانت عناية الله به أن جاء رجلٌ كبيرٌ في السن ولكن القوة والنشاط تبدوان على جسده النحيل .. ثم طلب " زهير " منه المساعدة بعد ترددٍ منه قبل عرض طلبه ولكن حين علم أنه مزارع أصبح واثقاً أنه لن يعجز عن فعل شيء لإيمانه التام بقوة وشجاعة المزارع في جميع الأحوال .. وحين اقترب منه الرجل سأله بصوتٍ هادئ قائلاً :
- هل أساعدك يا ولدي ..؟ يبدو أنك عالق في هذا المكان منذ وقتٍ طويل ..!!
- نعم .. ولكني أخشى أن أرهقك معي فأنت رجلٍ مسن ومن اللائق أن لا أطلب منك مثل هذا الطلب المتعب والصعب ..
ربت الشيخ على كتف زهير وقال له وهو يبتسم :
- نحن يا ولدي مزارعون ولا نقف أمام الصعب لنتراجع وإنما لنقدم عليه بكل شجاعة وقوة .. فنحن مؤمنون أن يد ألله فوق أيدينا .. هيا .. أنها مشكلة سهلة جداً .. أنظر ..
ونظر " زهير " وهو لا يفهم ما يقصد وهز رأسه وقال :
- ماذا تقصد يا سيد .. إلى ماذا أنظر ..؟؟
- أنظر إلى الطين العالق حول العجلة أنه مازال رطباً لذا يمكننا أن نزيحه عن العجلة بسهولة .. هكذا !!
وأخذ الرجل فأسه الصغير الذي كان يحمله على كتفه وبدأ يحفر في الطين العالق حول العجلة حتى أبعده تماماً عن العجلة وأصبح بإمكان " زهير " تحريك السيارة بكل سهولة ..
كان " زهير " يضحك بسعادة بعد أن خرج من ذلك المأزق وقال وهو يطبع قبلة على جبين الرجل المسن :
- لقد أنقذتني يا عم ولن أنسى لك هذا الجميل .. ولكن كيف لم يخطر في بالي هذا الأمر ..؟!!
- أي أمر يا ولدي ..؟
- أن الطين مازال مبللاً .. ورطباً أيضاً ..
وضحك الرجل ولكن ضحكته كانت قصيرة وتوقف عن الضحك وأطلق نفساً عميقاً أحس " زهير " أن هوائه ملتهباً وكأن النار تشتعل بداخله .. فسأله " زهير " وقال :
- أرى الحزن في عينيك يا عم .. لماذا ..؟؟ هل أضعت شيء قبل قدومك إلى هنا ..؟؟
- نعم ولكن ليس قبل قدومي إلى هنا .. بل أضعته منذ عشر سنوات ولم أجده حتى الآن رغم بحثي المتواصل عنه حتى بدأت أفقد الأمل في عودته ..؟!!
أراد "زهير " أن يسمع قصة الرجل المسن ولكنه تذكر وجود " زينة " معه في السيارة فطلب من الرجل أن يسمح له بالذهاب إليها ليطمئنها .. فذهب " زهير " وفتح باب السيارة ورآها قلقة وقد أتعبها الانتظار فطلب منها أن تنتظر قليلاً ريثما يجد للرجل الطيب حلاً لمشكلته هو أيضاً.. لم تكن راضية على الانتظار أكثر فهي تريد العودة إلى الدار في أسرع وقت ممكن فقالت وهي تتمتم لنفسها بتأفف :
- من أين خرج لنا هذا الرجل الثرثار .. ليته يذهب في حال سبيله قبل أن نقع في مشكلةٍ أخرى .. ( ثم أغلقت زجاج السيارة ) ..
سمع " زهير " ما قالته ولكنه فضل أن يتركها وكأنه لم يسمع شيئاً .. وحين اقترب من الرجل قال له بهدوء :
- يمكنك التحدث الآن بمشكلتك ربما أجد لها حلاً أنهي به رحلة عذابك ..
بدأ الرجل يحكي قصته والدموع تملأ عينيه حين قال :
- " فقدت أغلى ما أملكه في هذه الدنيا بسبب عقلي المتحجر .. فقدتها قبل أن أفكر بمصيرها وما قد يحدث لها من بعدي .. لا أدري كيف ذهبت عنها وتركتها وحيدة وهي تبكي وتصرخ وترجوني أن لا أذهب فهي ستموت حزناً حين تفقدني وتفقد والدتها .. إنها وحيدة يا ولدي وليس لها في هذه الدنيا سوى أنا وأمها المسكينة التي داهمها المرض منذ ذلك اليوم المشئوم الذي تركت فيه ابنتي ..
وسأله " زهير " بتعجب ودهشة :
- ابنتك ..؟؟!! هل فقدت ابنتك ؟..
- نعم .. إنها ابنتي الوحيدة فقدتها وهي لا تزال في الثانية عشر من عمرها .. لقد كان صغيرة جداً حين تعرضت للاعتداء من رجل عديم الرحمة وتركتها في المستشفى بعد أن فقدت عقلي وماتت مشاعري من هول ما سمعت ومن خوفي على سمعتي في القرية .. خشيت من كثرة الأقاويل والقصص عن ابنتي فتركت القرية ورحلت إلى " جبيل " وعملت بها وعشت مع أناسٍ لا أعرفهم ولا يعرفونني لأبقى مستوراً حتى موتي .. ولكن الندم بدأ يأكل من جسدي ومن صحتي وقررت البحث عنها لأعيدها إلى بيت أبيها وإلى حضن والدتها المريضة ا لتي لا تكف عن البكاء على ابنتها الوحيدة .. ولكني لم أجدها حتى اليوم .. لم أجدها .. ليتني أعرف مكانها قبل أن أموت ..
وبدأ الرجل في بكاءٍ سحيق مميت .. وبدأت الدموع تنزل من عينيه كحبات المطر لتغسل وجهه الذي رسمت عليه معالم الحزن والألم ..
كان " زهير " شديد التأثر لحكاية الرجل وشعر أنه سيبكي معه ويشاركه دموعه .. ولكنه أمسك بيده وقال له وهو يمسح دموعه الغزيرة :
- سأبحث عن ابنتك حتى أجدها .. وسأجدها أن شاء الله .. لن يضيع الأمل يا عم ..؟
وتوقف للحظة ثم سأله عن اسمه ورد عليه الرجل ليقول :
- اسمي عاطف .. عاطف غندور ..
- وأين تسكن يا عم عاطف ..
وبعد أن أخبره الرجل عن مكانه سكنه وعرف موقع بيته ذهب كلاً منهما في طريقه .. ولم يكن " زهير " يعلم أن ذلك الرجل هو والد " زينة " وأن ابنته التي يبحث عنها هي نفسها الفتاة التي تجلس بجانبه في السيارة .. ولكن القدر لم يئن بعد ليجمع بين الأب وابنته .. ولم تأتي ساعة الحزن الأخيرة كي توقف سيل الدموع وتحد من الآهات والأحزان ..
وصل " زهير " و " زينة " إلى الدار وهما في حالة شديدة من الإرهاق والتعب وكان والد
زهير يقف أمام البوابة الداخلية حين سمع بقدوم ولده من حارس الدار .. ويقف بجواره صديقتي " زينة " بلهفة واضحة لرؤيتها والاطمئنان عليها بعد أن عاشتا ليلاً طويلاً كله قلقٍ وخوف على حياتها .. ولكن اللقاء بعد طول انتظار وبعد رؤيتهما على أتم صحة وعافية جعلت الجميع يضحك ويغني ويرقص بفرحٍ ومرح وسط زغاريد " أم باسل " المرأة العجوز التي تعمل بالدار منذ أكثر من عشرين سنة ..
وضم " العم هاشم " ولده بحبٍ وحنان وقال بصوتٍ غائر :
- كنت أخشى أن لا أراك ثانيةً .. ولكن الله سلم .. نعم .. عناية الله فوق كل شيء يا ولدي الحبيب ..
رد عليه ولده وهو يقبَّل جبينه بنفس الحب وعمق المشاعر وقال :
- هذا بفضل دعائك يا والدي الحبيب .. لقد قضيت ليلة كنت أحسبها آخر ليلة في عمري .. وقد زاد خوفي وقلقي وجود زينة معي فقد خشيت أن يلحقها أذىً خاصة أن الأمطار كانت غزيرة ولم تتوقف طوال الليل وهذا ما زاد يأسي في العودة بها إلى الدار .. ولكن .. الله سلم
وكانت كلمة " غادة " قد ملئت المكان جواً من الضحك والمرح حين قالت :
- هون عليك يا دكتور زهير .. فالمطر أحياناً يكون سبباً لأشياء أخرى تجلب السعادة للمرء .. أليس كذلك يا زينة ..؟؟ ( ثم قالت بعد أن طبعت قبلة على خد زينة والجميع يحدق بها ) حسناً .. لماذا تحدقون بي هكذا ..؟ يبدو أنه من الأفضل لي أن أذهب لصنع القهوة قبل أن يتم التهامي وذهابي إلى العالم الآخر بلا تذكرة سفر ..
كان صباحاً جميلاً .. اجتمع فيه الجميع بسعادة عارمة استطاعت أن تمحو خوف وقلق ليلة كاملة .. وحلق الجميع بأجنحة الحب ليطير كلاً منهم على طريقته الخاصة نحو نورٍ وضياء لا يراه سوى من عاش الحب ودرس قواعده بصدق ليصبحوا معاً على طريق العطاء بلا حدود .. وحب لا يعرف القيود .





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-01-15, 05:47 PM   #9

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

والتقى الحبيبان .. وذاب الثلج المحيط بالنافذة حين اصطدمت به أنفاسهما
الحارة والمتلهفة للقاء ..


يبدو أن شتاء هذا العام سيكون بارد جداً ويختلف عن شتاء السنوات الماضية .. فقد أصبحت الثلوج تغطي الجبال والأشجار والبيوت والسيارات .. حتى أصبحت مدينة " زحلة " كعروس رائعة الجمال ترتدي فستان عرسها الأبيض وتغطي بطرحتها البيضاء أرجاء وجهها الهادئ الخجول ..
مضى أربعة أيام بعد تلك الليلة الممطرة التي جمعت بين " زهير " و " زينة " ليقضيان معاً أجمل اللحظات وأسعدها .. ويقترب كلاً منهما من الآخر ليصبح للحب بينهما حديث .. وللشوق في قلبيهما مرسى ..
في هذا الصباح تستعد " زينة " لمقابلة الدكتور " زهير " فهو سيزورها بعد غياب أربعة أيام بأكملها وستسمع صوته الحنون حين يلقي عليها أجمل الكلمات وأعذبها ..
والتقى الحبيبان .. وذاب الثلج المحيط بالنافذة حين اصطدمت به أنفاسهما الحارة والمتلهفة للقاء .. ووقف " زهير " بجانبها خلف النافذة ليضع يداه على وجهها البارد ليصل إليها دفء حنانه من خلال القفازات التي تغطي يداه من شدة البرد .. وقال لها بهمس الحبيب
وهو في قمة حنانه وعطاءه:
- كيف تقفين أمام النافذة في هذا البرد القارص .. ألا تخشين أن تصابين بالزكام يا حبيبتي ..؟
أمسكت " زينة " بيده لتقبلها بشوق وحنين وهي تقول :
- كان عليك أن تخشى علي من حرارة الشوق وليس من برودة الثلج من حولي .. إني أتلهف شوقاً إليك يا حبيبي فلماذا تأخرت في قدومك إلي وأنت تعلم أنني لا أطيق العيش بدونك..؟
- إذن .. أنتِ تعاتبيني ..!! أليس كذلك ..؟
- وهل هناك أجمل من العتاب بين الأحباب ..؟؟
أمسك " زهير " بيديها وأجلسها على الكرسي القريبة من النافذة بعد أن أغلقها بإحكام وجلس بجوارها .. ولفهما الصمت للحظات وهو ينظر إليها ويتأمل جمال وجهها .. وقال بعد طول صمت :
- حسناً .. لكِ أن تعاتبيني كما تشائين ولكن ليس قبل أن أخبرك سبب غيابي عنك.. ( ثم نظر إلى وجهها بحنان واضح وقال ) إن وجهك يزداد جمالاً حين يأتي الشتاء ..
شعرت " زينة " بالخجل يملأ وجهها وهي تسمع منه تلك الكلمات الرائعة وقالت وهي تضع نظارتها الشمسية فوق رأسها لتظهر عيناها وكأنها تذكره بالشيء الذي يحاول تجاهله في كل مرة .. وهي أنها فتاةٍ ضريرة .. فاقدة البصر لا يكتمل جمالها أبداً مع تلك العينين :
- لا تغير الموضوع واخبرني عن سبب غيابك في الأيام الماضية ..؟؟
- لقد كنت مريض .. ولزمت الفراش حتى صباح هذا اليوم ..
قالت له وهي تمسح على شعره بلهفة :
- لماذا لم تخبرني بأنك مريض ..؟ لماذا تخفي عني أمراً كهذا يا زهير ..؟ كان علي أن أفهم .. أنا السبب في مرضك فلولا خروجك في تلك الليلة تحت المطر من أجلي لما تعرضت لسـوء
لسوءٍ أبداً ..
ابتسم " زهير " وهو يحاول أن يغير الموضوع بشيءٍ آخر حين قال :
- لدي خبرٌ سار من أجلك ومن أجلي أيضاً ..
- خبر سار .. ومن أجلي أنا ..!!
- نعم من أجلك ومن أجلي قبلك .. سأتحدث اليوم مع والدي بخصوص زواجي منك .. لا أظنه سيرفض فهو يكن لك الكثير من الحب وحين يعلم بأني أحبك أنا أيضاً مؤكد أنه سيبارك لي زواجي منك خاصةً أنه دائماً يلح علي أن أتزوج ليرى أحفاده من ولده الوحيد ..
وقفت " زينة " وسارت بخطوات قليلة حتى وصلت إلى " البيانو " وجلست على المقعد الموضوع أمامه وتركت يداها تلامس مفاتيح البيانو بهدوء وكأنها تفكر بصمت ثم قالت :
- أرجوك أن تفكر بالأمر بحكمة وروية أكثر يا زهير .. زواجك مني سيسبب لك الكثير من المشاكل فأنت شاب طموح وصاحب مركزٍ مرموق في المجتمع وأي فتاة تملك المالك والجمال تتمنى الارتباط بك والزواج منك .. أما أنا فزواجك مني سيجعلك في إحراجٍ دائم أمام الناس وهذا مالا أرضاه لك ..
تقدم نحوها ليقترب منها ويضع يداه على كتفيها وهمس في أذنها قائلاً :
- كل هذه الأمور لا تهمني ولن تبعدك عني .. أنا أحبك يا زينة .. أحبك ولن أرضى بفتاةٍ غيرك تحتل قلبي حتى لو بقيت العمر كله بلا حب وبلا زواج .. لن تكوني أنت سبب تعاستي .. ولن أسمح لك بتعذيب قلبي وهو يرقد بسلامٍ بين يديك ..
ثم أخذ " زهير " كرسي وقربه منه ليجلس بقربها وهي ماتزال تلتزم الصمت وعيناها تذرفان الدموع الحارقة والموجوعة كلما مرت عليها ذكرى حياتها السابقة وكيف تستطيع أن ترتبط برجلٍ لا يعرف عنها سوى أنها فتاةٍ يتيمة وفقيرة تعيش بلا ذكرى مؤلمة وبلا حكاية مخيفة وكانت دموعها هي السلاح الوحيد الذي تتسلح به أمامه كي يصرف فكرة الزواج منها للأبد وحين رأى دموعها تتساقط فوق خدها أدار وجهها إليه ليرى عينيها المليئة بالأحزان والدموع
وقال لها وهو يمسح بإصبعه ما تبقى من دموع فوق خدها :
- أنتِ تبكين لأنك تبادليني الشعور وتخافين من مواجهة قلبك .. نعم .. أنتِ تحبينني كما أحبك وتتمنين قربي كما أتمنى قربك ولكنك تخشين كلام الناس .. أليس كذلك..؟ إذن أنتِ لا تصدقينني .. لا تثقين بي وبوعودي .. أنتِ تحاولين الابتعاد عني لأني رجلٌ ضعيف ولا أستطيع مواجهة الناس وأنتِ تقفين بجانبي .. هذا هو رأيك في الرجل الذي أحبك من كل قلبه وسيضل يحبك للأبد ..
أمسكت بيده وراحت تقبلها بحرارة وشوق وألقت برأسها على كتفه وقالت :
- لا أرجوك .. أنت لست كذلك .. أنت فارس وشجاع وأكثر ما يجذبني إليك هو ثقتك بنفسك .. أرجوك أن تتحمل كل هفواتي وجنوني .. أنا بدونك لا أملك سوى الدموع والأوجاع صدقني أنا لم أشعر بالأمل والسعادة إلا حين أكون معك ويدك تحتويني وتقربني إليك ..
أصبح الدكتور " زهير " في حيرةٍ من أمره فهو لا يستطيع فهم حقيقة مشاعر " زينة " ولا يعرف كيف يصل إلى مراده دون أن يعكر صفوهما أي أمرٍ آخر ..
إنه لا يقدر أن يخرجها من صومعة أحزانها وأفكارها الواهية التي تعيش داخلها منذ سنينٍ مضت .. بل إنه لا يعرف ما تخفيه عنه كي يتمكن من تخطي أي عائق يحول بينه وبين الوصول إليها .. وأحس بشيءٍ ما يدور في رأسها وتغيب عنه للحظات كي تفكر به .. وأهاله منظر وجهها وهي تهتز بعنفٍ مع ما تفكر به .. وأيقن أنها تعيش الماضي المؤلم .. ولكن أي ماضي ..؟؟ أهو الماضي الذي يعرفه وهو أنها فقدت والدها ووالدتها منذ الصغر وعاشت هنا بعد أن قدم لها والده المساعدة لإنقاذها من الموت ..؟؟ أ/ أنه ماضٍ مجهول لم تبوح به لأحد .. ولم يقرأ أسراره شخص آخر كما يقرأه هو الآن في عينيها الدامعتين .. ولكن لابد من مواجهته والوقوف أمامه بكل صمود كي تغتسل منه وتستطيع أن تكمل مشوار حياتها بلا أحزان وبلا هموم ..
وضع وجهها بين راحة يديه ثم سألها وقال :
- لماذا أنتِ حزينة ..؟ أراك وحيدة دائماً تفكرين بشيءٍ يزيد من حزنك وألمك .. أنتِ
تخفين أمراً في نفسك ولا تريدين أن يتطلع عليه أحد .. هذا ما أخبرتني به صديقتك غادة فهي تقول أنك دائمة الحزن والتفكير والصمت أيضاً .. ألن تخبريني بما يكدر صفو حياتك ويجعلك تلتزمين الصمت حتى في أوقات الفرح ..؟؟
وقفت " زينة " وأسندت يدها على البيانو تفكر مرةً أخرى بمفردها .. تخاف أن يعجز لسانها عن الكلام وتخاف أكثر من ردة فعل " زهير " حين تخبره بحقيقة رفضها الارتباط به .. ولكنها قررت أن تتحدث ولو بجزءٍ من معاناتها ومن مشاعرها المخيفة في جوفها وقالت بعد لحظاتٍ من الصمت المميت وهي مازالت تتكئ على البيانو :
- منذ أن قدمت إلى هذا المكان وأنا أشعر بأنني أعيش في كوكبٍ آخر غير كوكبي وغير عالمي .. لذا أقسمت على نفسي أن ألتزم الصمت وأمتنع عن الكلام في أي أمرٍ يخصني .. حتى ظن الجميع ممن حولي أني أكره التحدث إليهم وأتهرب منهم .. والحقيقة أنني أعجز عن مواجهة نفسي أمامهم .. وأخاف أن يعلم بسري كل من حولي واصبح تسليةً لهم في أوقات فراغهم ..
عادت " زينة " للصمت قليلاً وكأنها تبتلع ريقها الجاف وهي تتحدث لأول مرة عن ماضيها وحين سمعت صوت " زهير " يطلبها أن تكمل حديثها قالت :
- فقدت بصري وهو أهون علي حين فقدت أهلي وعشيرتي .. تركتني والدتي وصرف أبي وجهه عني لذنبٍ يم يكن من صنع يداي ولم يحدث لي ما حدث رغبةً مني .. عشر سنوات مضت وأنا أعيش في هذه الدار يتيمة .. جعلوني يتيمة رغم أن والداي على قيد الحياة .. وكل يوم يمضي أمني نفسي وأقول لها غداً .. غداً سأعود إلى عائلتي وقريتي الجميلة .. غداً سيغفر لي أبي وتضمني أمي إلى صدرها .. ولكن الغد يأتي ويأتي بعده غدٍ جديد ولا شيء يؤكد ظني وأملي فقدت كل شيء .. لم يعد لي رغبة في الحياة .. لا أريد أن أعيش يتيمة فالموت أرحم لقلبي المعذب ولنفسي التائهة .. وتسألني لمَ أنا حزينة ..؟؟ كيف تريدني أن أضحك وأفرح والغربة تزلزل كياني كل يوم وكل لحظة ..؟؟ كيف تريدني أن أمارس الحياة مثل أي فتاة لا تملك سوى
القهر والحزن والألم ..؟؟ كيف ..؟!!
وبدأت في بكاءٍ مريرٍ سحيق وكأنها تغتسل من أحزانها وتتطهر من آلامها .. وقام " زهير " وأمسك بيدها وقال وهو ينظر إليها بكل ما لديه من حنان وكأنه يدرك أنها تشعر به قبل أن تراه .. وقال :
- لا تيئسي يا حبيبتي .. فأنتِ مازلت صغيرة والحياة أمامك تفتح لك ذراعيها عليك أن تودعي أحزانك وتبحثين عن حياةٍ أفضل .. وأظنك تملكين السلاح الأفضل لذلك ( يشد على يديها ويقول ) أنت تملكين أنامل ذهبية تجعل منك شخصيةً مهمة ومشهورة ..
تحرر يدها من قبضته برفق وتقول :
- أنا ..!! وأي شيءٍ تملكه هذه الأنامل حتى تجعل مني شخصية هامة ومشهورة كما تقول ..؟؟
أمسك بيدها ثانيةً وطلب منها أن تجلس على المقعد أمام البيانو وقال بعد أن وضع يداها على لوحة المفاتيح :
- هذا هو المستقبل الذي أقصده .. ستصبحين أجمل عازفة بيانو في الشرق الأوسط بل في العالم كله ..
- ولكن .. أنا لا أتقن العزف تماماً .. إنني فقط أحاول تقليد بعض المقطوعات الموسيقية وقد لا تكتمل معي في بعض الأحيان .. هذا صعب .. صعبٌ جداً ..
أطلق "زهير " ضحكةً هزت قلبها الصغير وجعلته يرقص فرحاً وأحست بأنفاسه تلفح خدها وهو يهمس في أذنها ويقول :
- لا تقلقي .. سأتولى هذا الأمر بنفسي .. ثقي بي يا عزيزتي ..
- ولكن .. كيف ..؟؟
- سأجعل منك عازفة بيانو رائعة .. وسأعلمك العزف بنفسي ..
ردت عليه بدهشة وقالت :
- أنت ..!! وهل تعزف على البيانو يا زهير ..؟؟
- نعم .. لقد تعلمت العزف منذ صغري .. بعد موت والدتي أصبحت وحيداً وكثير البكاء والحزن لفقدي أقرب إنسانٍ إلى قلبي وهي أمي .. فقرر أبي الذهاب بي إلى معهد الموسيقى وهناك تعلمت العزف على البيانو مع بعض الآلات الموسيقية البسيطة الأخرى .. ولكني كنت أميل كثيراً للعزف على البيانو لذا حفظت كل دروسه وباستطاعتي تدريسها في أي وقت ..
كانت " زنية " تستمع إليه بدهشة وسعادة واضحة وهي لا تكاد تصدق ما تسمع .. أيكون ..؟ الرجل الذي أحبه يصبح فارساً وعازفاً أيضاً ..؟؟ والأهم من ذلك أنه يحبها وكل يوم يمر يبرهن حبه لها حتى أصبح جزءاً منها ومن كيانها .. تتنفس من أجله .. وتعيش كي يحي بداخلها وتغمره بالسعادة مدى الحياة ..
وبدأ " زهير " يخصص من وقته ساعات عديدة يقضيها مع " زينة " لتتعلم على يده أصول العزف على البيانو والحماس والرغبة ترافقهما في كل حين .. حتى أصبحت بالفعل عازفة ماهرة كما كان يراها بعينيه .. ويزداد جمالها ويبتهج قلبها فرحاً وهي بقربه يشعر بها كما تشعر به ..
لم تحتاج " زينة " سوى لأيامٍ معدودة لتعلم العزف وبمهارة واضحة .. وقد أدهش "زهير " ذكائها ورغبتها في التعلم كما أبهرت جميع سكان الدار بعزفها الرائع الهادئ الذي يبعث في النفس الراحة والانسجام وأصبحت معروفة لدى الكثير من وجهاء البلد ومن أصحاب شركات الإنتاج والمؤسسات الخاصة والجمعيات الخيرية بعد أن أقام " زهير " حفلاً بمناسبة عيد ميلاده وكانت هي العازفة الوحيدة في الحفل فأدخلت في قلوب الحاضرين الأنس والسعادة والبهجة ..
وبعد يومين من الحفل .. وصلت إلى " زهير " رسالة من أحد الجمعيات الخيرية تطلب فيها مشاركة الآنسة " زينة " ضيفة الجمعية المميزة لهذا العام .. كانت فرحته لا توصف وهو يقرأ الرسالة وانطلق فوراً إلى الدار كي يخبر فتاة أحلامه أنه أوفى بوعده وتحقق حلمه وهاهي تخطو خطوتها الأولى نحو الشهرة .. لم تكن أقل منه سعادة بهذا الخبر ولكنها شعرت بشيءٍ ما يمنعها من استمرار الفرح في داخلها وقالت له وهي تضم الرسالة إلى صدرها بأسى :
- أخشى الظهور أمام الناس وأنا .. لا أدري ماذا أقول يا زهير .. فقد مضت سنين طويلة عشت فيها بعيداً عن الناس ولم يخطر في بالي أنه سيمر علىَّ يوم كهذا .. لا أدري ماذا أفعل ..؟ من الأفضل لي ولك رفض هذه الدعوة وتجاهلها .. لا تغضب مني يا حبيبي .. إني أشعر بالخوف وربما بالفشل ..
وجلست " زينة " على الكرسي أمام البيانو وهي يائسة ومحطمة القلب .. وفاقدة الأمل في إثبات نجاحها ونجاح " زهير " معها .. مما جعلها تشعر بالإحباط الشديد ورفضها التام لفكرة الخروج أمام الناس .. ولكنه أستطاع أن يقنعها ويجعلها تأخذ قرارها بما يرضيه ويرفع من روحها المعنوية .. وكانت سعادة بموافقتها على رأيه تفوق كل وصف .. وكان رده للجمعية الخيرية رداً سريعاً ..
وجاء يوم الحفل وكانت " زينة " بكامل أناقتها وجمالها حين رآها " زهير " تقف في انتظاره أمام بوابة الدار مما أثارت في نفسه الدهشة والإعجاب لذلك الجمال المكنون مثل جوهرةٍ تحتفظ ببريقها لحين اكتمال القمر كي ينعكس نوره عليها وتشع ضيائها الذي يخطف البصر ويبهر العقل كما فعل مع الدكتور " زهير " ..
كان الحضور أكثر مما توقعه " زهير " فالعدد أكثر بكثير من العدد الذي كان في مخيلته وتمنى أن يبقى هذا العدد عالقاً في مخيلة " زينة " وتمنى أن لا تشعر بذلك الازدحام وذلك الحشد حتى لا يؤثر ذلك على ثباتها وقوة سيطرتها على نفسها أمامهم وتفشل كل آمالها وأحلامها وتعود لليأس مرةً أخرى ..
وبدأ الحفل والكل ينتظر قدوم الضيفة المميزة كما تعود الناس كل عام من تلك الجمعية فقد كانت تستضيف في كل عام أحد الشخصيات المعروفة والمحبوبة من ممثلين ومطربين وشعراء من لبنان ومن بعض الدول العربية المجاورة .. وبدأت مقدمة فقرات الحفل بتقديم ضيفة هذا العام بأسلوبٍ شيق وجذاب وكان خروجها على المسرح وهي تمسك بيد " زهير " وتسير بخطواتٍ واثقة وكأنها اعتادت على مثل تلك الحفلات والابتسامة الساحرة تجذب كل من يراها وكان وقوف الحضور وتصفيقهم الحار أكبر دليل على أنها بالفعل ضيفة مميزة ..
وجلست " زينة " على المقعد أمام البيانو وبدأت في عزف معزوفةٍ طويلة ألفت من أجلها بعد اتفاق " زهير " مع أحد الملحنين وقد أسمى المقطوعة " شمس الربيع " .. وقد جعلت الحضور يصغون إليها بكل إحساس وشعور .. أما والد " زهير " فقد كان يفتخر بها وكأنها ابنته التي لم ينجبها وزادت سعادته وهو يسمع من رئيسة الجمعية كلمات الشكر والتقدير تخص ابنه الوحيد وهو يقف بجانب " زينة " يمسك بيدها ويسيران بسعادةٍ ونشوة لتحية الحضور الذي زاد تصفيقهم وفرحتهم بالضيفة المميزة ..

** ** ** ** ** ** **


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-01-15, 05:51 PM   #10

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

ولكن لا بد أن يعرف قصتها .. وكيف وصلت إلى تلك الدار ..؟ وما سر تخلي والدها عنها
ربما تتغير مشاعره وأحلامه بالارتباط بفتاةٍ ضريرة فقدت بصرها بعد أن فقدت
أغلى ما تملكه الفتاة في زمنٍ لا يعرف غفران الخطيئة ..

بعد عودة " زينة " ودعها " زهير " بكلماتٍ كلها حب وشوق ثم عاد إلى بيته هو ووالده .. لذا قرر أن يتحدث مع والده بموضوع زواجه من حبيبته " زينة " ..
كان يجلس هو ووالده في الشرفة الخاصة بغرفته يتناولان معاً أطراف الحديث .. وقد كان حديثهما كله عن الحفل وكيف أن " زينة " كانت من أجمل الحضور .. وأنها قد أبدعت في أدائها معزوفة " شمس الربيع " التي نالت إعجاب كل الحضور .. وبدأ " زهير " يتنحنح قليلاً ولا يعرف كيف يبدأ الكلام .. وأنقذه والده عندما ألقى عليه سؤاله وقال :
- هناك شيء تريد التحدث به يا زهير .. أليس كذلك ..؟؟
وقال"زهير " بعد أن جمع قواه وبدأ في الكلام :
- ما رأيك بزينة يا والدي ..؟
- إنها فتاة رائعة وطيبة وتستحق كل خير .. ولكن لماذا تسأل يا ولدي ..؟؟
اقترب منه أكثر ووضع يده على كتف والده وقال :
- هذا هو رأي أيضاَ .. إنها فتاة رائعة وجميلة يا والدي لذا ..لذا أردت أن .. لا أدري
ماذا أقول لك .. إن لساني يتلعثم ويعجز عن الكلام ..
ثم وقف ليقترب من حاجز الشرفة ليستند عليه وكأنه يهرب من مواجهة نظرات والده التي كانت تراقبه وتنتظر منه أمراً رأته في ملامحه قبل أن يعبر عنه ثم أكمل كلامه وقال :
- أعلم أن ما سأقوله لك سيكون مفاجئة بالنسبة لك .. ولكنه الواقع يا والدي .. لقد أحببته من كل قلبي وأريد الزواج منها .. من زينة يا أبي ..
وقف والده ليقترب منه والدهشة تملأ عيناه وهو مازال ينظر إليه غير مصدق ما سمعه من ولده الذي طالما حلم بزواجه من فتاة أحلامه .. ولكنه لم يكن يتوقع أن تكون الفتاة التي سيأتي ويطلب الزواج منها هي " زينة " الفتاة الضريرة التي لا تملك في حياتها سوى الدموع والآلام .. وقال وهو يضع كفه على ذراعيه :
- هناك فرق بين الحب والعطف يا ولدي .. يجب أن تحدد مشاعرك تجاه زينة بدون تسرع أو اندفاع ..
- تقصد أن حبي لزينة مجرد عطفٍ يا أبي ..؟؟! لا .. هذا مستحيل .. إني أحبها وأريدها أن تكون بجواري العمر بأكمله .. لقد أصبحت جزءاً مني ومن كياني وأشعر أني بدونها بلا حياة وبلا وجود .. كل هذه المشاعر التي في داخلها لا يمكن أن تكون عطف أو شفقة .. إني أحبها .. أحبها وأريدها زوجةً لي رغم كل الظروف التي تحيط بها حتى لو كانت تلك الظروف يرفضها كل من حولي .. سأعمل على تغييرها وسأبذل كل جهد ومال ووقت كي تصبح " زينة " مثل أي فتاة .. حين يعود إليها بصرها .. أعدك يا أبي .. أعدك ..
أصبح والد " زهير " مؤمن أن الحب الحقيقي ليست تلك العاطفة النابعة من القلب حين نقف بجانب صديق .. أوحين نؤازر من يعاني ألماً ولا نملك له سوى العطف والشفقة والكلمات المعسولة .. وإنما ذلك الحب الذي يعيش في قلب الدكتور " زهير " ويتغنى به أمام نفسه قبل الآخرين .. إنه عشقٌ وفيٌ قابعٌ في الذات ويسِّير المشاعر بما تهوى النفس وترتضي ولا يعرف المستحيل أو الخوف من المجهول ..
لم يكن والد " زهير " يرفض حب ولده لزينة لأنها ضريرة أو لأنها لا يمكن أن تعيش في عالم لا يعترف بالحب سوى من أجل المصالح والمظاهر .. ولكنه كان يخشى الحقيقة المخفية خلف ستار ذلك الحب .. وكيف يمكنه أن يكشف تلك الحقيقة دون جرح مشاعر الفتاة التي أحبها أبنه بكل معنى الحب ..؟؟
ولكن لا بد أن يعرف قصتها .. وكيف وصلت إلى تلك الدار ..؟؟ وما سر تخلي والدها عنها .. ربما تتغير مشاعره وأحلامه بالارتباط بفتاةٍ ضريرة فقدت بصرها بعد أن فقدت أغلى ما تملكه الفتاة في زمنٍ لا يعرف غفران الخطيئة ولا يلتمس الأعذار لمن يقع فيها حتى لو كانت طفلة ً صغيرة لا ذنب لها ولا حيلة ..
وقرر والد " زهير " أن يحكي له قصة " زينة " بكل ما فيها من ألم وحسرة وبكل ما فيها من أحداث موجعة ومؤسفة ومفجعة أيضاً .. سيحكي له قصتها كي يصبح حبه لتلك الفتاة حباً واضحاً ناصعاً كالشمس لا يشوبه أي شائبة ولا يعكره شيء ليكون حباً حقيقياً كما يريد أن يكون .. وثم يسلك طريقه بلا تردد وبلا خوف لينال مراده وتصبح فتاة أحلامه ناصعة البياض أمام عينيه ..
قال له والده بعد صمتٍ طويل وتفكير ٍ مرير :
- لن أقف في وجهك وأعترض طريق أحلامك يا ولدي .. فأنت رجلٌ عاقل وتفهم الأمور وتستطيع أن تسير عقلك قبل عاطفتك .. لذا سأحكي لك قصتها من البداية وستكون أنت الحكم وليس أنا .. سآخذ رأيك قبل أن تطلب رأي لأنك صاحب الشأن، وأنت من سيتحمل مشقة الطريق الذي ستسلكه بمفردك .. اسمع يا ولدي ..
وبدأ " العم هاشم " بسرد حكاية " زينة " منذ ذهابها في ذلك اليوم إلى المدرسة إلى أن أصبحت أحد المقيمات في تلك الدار .. وعندما وصل إلى الجزء الذي تركها والدها وحيدة في المستشفى دون ذنبٍ اقترفته وقف " زهير " وهو لا يكاد يصدق ما يسمع وتذكر كلام ذلك الرجل العجوز عن ابنته التي يبحث عنها وكيف أنه نادمٌ على تركها وحيدة ويتمنى لو أنه يجدها كي تعود إلى حضنه وحضن والدتها قبل أن يموت .. ثم اتجه نحو خزانة صغيرة داخل الغرفة وبدأ يبحث بين الأوراق المتناثرة فوق الخزانة .. ولكنه لم يجد الورقة التي يريد .. فوقف للحظة يحاول فيها استعادة الذاكرة ليعرف أين وضع تلك الورقة الصغيرة التي كتب فيها عنوان الرجل العجوز .. عندها سأله والده وهو يراقبه بدهشة وقال :
- عن ماذا تبحث يا ولدي ..؟؟ لم أكمل لك الحكاية .. ما بك ..؟.؟
اقترب " زهير " من والده ووضع يداه على كتفيه بفرح وقال :
- لست بحاجة لسماع المزيد يا أبي .. إني أفكر بأمرٍ آخر يتعلق بحياة زينة .. هذا الأمر سيجعلها سعيدة وهانئة البال .. هلا ساعدتني في البحث يا أبي ..
- ولكنك لم تخبرني عن ماذا تبحث حتى أساعدك ..
- حسناً .. إنها ورقة صغيرة أظن أن لونها اصغر يوجد بها عنوان الشخص الذي سيسعد زينة ويغير مجرى حياتها ..
- ومن هو هذا الرجل ..؟؟ وكيف يمكنه إسعادها ..؟؟
جلس " زهير " على حافة السرير وأجلس والده بجانبه وقصَّ عليه حكاية الرجل العجوز حين ساعده على العودة إلى الدار بعد تلك الليلة الممطرة .. وكيف أنه كان يبكي من شدة حزنه على ابنته الوحيدة التي تركها دون شفقة ولم يجدها حتى تلك اللحظة .. ( وابتسم زهير ابتسامة باردة وهو يقول ) يا للمسكين لقد طلب مني أن أساعده في البحث عن ابنته ولم يكن يعلم أنها تجلس في السيارة ولا تبعد عنه سوى خطوات ..
وقف والد " زهير " وهو يعاتبه على سوء تصرفه وكيف أنه لم يخبره بالأمر حينها ولكن " زهير " أجابه قائلاً :
- لم يكن يخطر ببالي أن الفتاة التي يبحث عنها ذلك الرجل هي زينة .. فقد كنت أظن أنها فقدت والدها بعد موته وليس بعد تخليه عنها .. هذا ما جعلني استبعد تماماً أنها الفتاة المقصودة ..!!
- هيا .. لا تضيع الوقت .. قمت لنبحث سوياً عن الورقة ونصل إلى الرجل المسكين لنطمئنه على ابنته ..
وبدئا في البحث الجاد والمضني عن الورقة المكتوب عليها عنوان والد " زينة " .. واستغرق ذلك وقتاً طويلاً قبل أن يتذكر " زهير " أنه قد وضع الورقة في جيب معطفه الأسود الذي كان يرتديه في تلك الليلة الممطرة ..
وأحس براحة عميقة حين وجدها بالفعل في معطفه وتناولها والده من يده وتأكد أن الاسم المدون بها هو نفسه اسم والد " زينة " مما جعله يشعر بالارتياح أكثر وأخذ يشد على يده بقوة وكأنه يعبر عن شكره لأعظم عمل قد يقوم به حين يجمع " زينة " بوالدها بعد حرمان سنين طويلة عانت فيها كثرة البكاء والدموع على فراق كان لابد له من نهاية سعيدة تملأ قلبها بالفرح والسرور ..
كانت " زينة " تجلس بمفردها في حديقة الدار تنتظر قدوم " زهير " كما وعدها قبل يومين .. كانت تنتظره بلهفةٍ عارمة .. وشوقٍ مضني تحت شجرة السنديان الكبيرة تنتظره لا لتقول له اشتقت إليك ولا لتتعلم منه مقطوعة موسيقية جديدة .. بل لتسمع منه رأي والده بعد أخباره بأمر زواجه منها ..
ترى هل سيرفض " العم هاشم " زواج ابنه الوحيد مني ..؟ ولم لا ..!! فأنا لست سوى فتاةٍ فقيرة وضريرة وليس لي في هذه الحياة سوى الحلم .. الحلم فقط .. ولا يحق لي أن أتجاوز حلمي لأصل إلى المستحيل .. فزواج رجلٍ مثل " زهير " من فتاة مثلي يعد من المستحيلات .. كان علي أن أرفض عرضه مهما كلفني الأمر .. ما كان يجب أن أساير مشاعري نحوه وأطلق لها العنان حتى لا تتمادى في تعلقها به .. إنني فتاةٌ يائسة .. لا .. فالحب واليأس لا يجتمعان أبداً ولا يمكن لقلبٍ أن يحب ويتنازل عن حقه في إثبات حبه .. ولابد أن يواجه الصعاب كي يظهر تحت الشمس ويعلن أبديته ..
بدأت دموع " زينة " تتساقط كحبات المطر فوق خدها وهي في صراع ٍ مميت مع رغبتها
الملحة ومع الواقع المرير .. لم تجد حلاً لذلك الصراع ولن تجد .. فالحل في يد " زهير " وحده .. هو الذي يستطيع أن يعلن حبه للجميع دون خوف أو تراجع ..ولكن ما ذنب والده المسكين فهو من حقه أن يختار الفتاة المناسبة لأبنه الوحيد ويفتخر بها أمام الناس ولا يشعر بالخجل حين يقول " هذه زوجة ابني وأم أحفادي "..؟
" لطالما كان يحدثني عن حلمه في رؤية ولده وهو يعيش حياةً مستقرة وهانئة مع زوجته وأولاده كي يموت وهو هانئ البال قرير العين .. نعم .. لن أخيب أملك يا عم هاشم .. ولن أكون سبباً في تعاستك وتحطيم أحلامك .. فأنت فعلت من أجلي الكثير وحان وقت رد الجميل .."
وقامت " زينة " لتعود إلى غرفتها وكلها إصرار على أن تواجه حبها العظيم لزهير بحب أعظم منه .. وهو حب الأب لأبنه الوحيد .. وستخبر " زهير " برفضه الزواج منه حين يأتي لزيارتها .. كان ذلك قرارها الأخير ولن تتراجع عنه مهما كلفها الأمر .. ومسحت " زينة " دموعها الملتهبة وهي تردد " أحبك " .. " أحبك " ..
لم يأتي " زهير " ولن يأتي هذا اليوم .. فهو منشغل جداً في البحث عن والد " زينة " فقد مضت ثلاث أيام والبحث لم يأتي بنتيجة ايجابية .. حتى بدأ اليأس يتسرب إلى جوفه .. وأصبح أمله ضعيف في إحضاره لرؤية ابنته التي تتضرع شوقاً لعودته إليها ..
وفي اليوم الرابع جاء " زهير " مع والده لزيارة " زينة " ودهشت عندما سمعت صوت العم هاشم يقترب منها فشعرت برعشة قوية تنفض جسدها النحيل .. وأحست بأنه سيتقدم نحوها ليوبخها ويعاتبها لموافقة ابنه على جنونه حين طلب يدها الزواج .. ولكنها تفاجئ به يأخذها في حضنه ويقبلها بشوق والأكثر من ذلك أنه يقدم عذره على تأخره عن زيارتها وأنه مقصرٌ في حقها وحق صديقاتها ..
كانت كلماته كالبلسم الشافي على قلبها .. وأحست بعدها بالهدوء والراحة جعلتها تتنفس الصعداء وتضحك ملئ قلبها وهي تضم يد " زهير " إلى يدها بقوة وبشدة وكأنها تنقل إليه إحساسها وسعادتها بهذا اللقاء وبتلك الكلمات .. ثم جاءها صوت " زهير " وهو يقول:
- سنذهب معاً في رحلة قصيرة إلى " جبيل " .. ما رأيكم ..؟؟
ردت عليه " سهام " بفرحةٍ عارمة وقالت :
- رحلة ..!! وإلى جبيل .. يا للروعة .. إني أتشوق لرؤية تلك المدينة الرائعة الجمال بشاطئها المثير وبيوتها المختبئة خلف الأشجار الكثيفة .. رائع .. رائع ..
قالت " زينة " بصوتٍ رزين حين أحست بيد " العم هاشم " تربت على كتفها :
- وما مناسبة هذه الرحلة يا عم هاشم .. هذه المرة الأولى التي تسمح فيها برحلة لسكان الدار خارج مدينة زحلة ..؟؟
أجابها " زهير " بدلاً عن والده حين لم يجد جواب ورداً مناسباً لسؤال " زينة " وقال :
- حسناً .. سيكون هناك مهرجاناً كبيراً لسباق الخيل وسأكون أنا أحد المشاركين في هذا السباق ورأيتها فرصة لا تعوض للقيام برحلة تضمنا جميعاً في " جبيل " فأنا أعرف أن الجو هناك سيروق لكنَّ وستسعدنَّ كثيراً بهذه الرحلة خاصةً أن والدي يرفض الذهاب بحجة أنه لا يستطيع ترك الدار هذه الأيام .. والآن أظن أنه ليس لديه أي عذر في الذهاب معي وحضور السباق .. أليس كذلك يا والدي الحبيب ..؟؟
كان والده ينظر إليه بدهشة وهو يتحدث عن الرحلة وكأنه ينوي الحديث عنها من قبل .. وكيف أنه ابتدع هذا الأمر ليخرجه من المأزق الذي وقع فيه حين سألته " زينة " عن سبب تلك الرحلة الغريبة والغير متوقعة ..
لم يكن " زهير " ووالده يرغبون في إطلاع " زينة " على أمر والدها الذي يبحث عنها وأنهما كانا يبحثان عنه طوال فترة غيابهما عن الدار .. وأنهما يرغبان في الذهاب إلى " جبيل " ليس للتنزه أو الفسحة بل لمواصلة البحث عن والدها وكلهما أمل أن والدها سيتذكر وجهها حين يراها ولو بالصدفة وبذلك ينزاح عنهما الهم والتفكير في كيفية الوصول إليه ..
كان هناك إحساس غريب يعتلي قلب " زينة " فقد شعرت أن هناك أمراً آخر يخبأه عنها " زهير " ولكن ما هو ذلك الأمر ..؟؟ ربما أراد أن يشغلها عن موضوع زواجه منها برحلة كهذه ..!! أو ربما أراد أن يتحدث معها بمفردها .. وكان وجود والده معها سبباً لإحراجه وكتمانه ما دار بينه وبين والده فكانت فكرة الرحلة فكرة غير واردة في باله ولم يفكر بها سوى في تلك اللحظة التي كان يقف معها حائراً .. لا يعرف ماذا يقول ..!! ولكن لماذا لا يعترف برفض والده فكرة زواجه من " زينة " ..؟ ولماذا لا يواجه تلك المشكلة العضال بصراحةٍ أكثر قد تكون أفضل بكثير من الهروب منها ..؟ هذا ما كان يدور في رأس " زينة " وكم كانت تشعر بالحزن والأسى وهي تفكر بهروب " زهير " من المواجهة ..
كانت " زينة " تتحدث مع صديقتها " غادة " و " سهام " بكل ما يجول في خاطرها من أفكار واهية وكيف أنها وقعت في حب ذلك الشاب بلا رحمة لقلبها مما قد يعانيه من عذاب وألم حين يتركها ويعيش حياةً أخرى بعيداً عنها ..
إنها تحبه .. وتراه بقلبها .. وتشعر به بكل وجدانها وعواطفها .. ولكن السد العالي المنيع الذي يقف بينهما يجعلها دائماً تشعر باليأس وتشعر أنها تحلم حلماً أكبر من الواقع الذي تعيش فيه .. وأنها تيسير طريقاً شائكاً ولا تجد سبيلاً في تغييره أو الحياد عنه ..
كانت كلمات غادة ونصائح سهام كالماء البارد على قلبها المحترق مما جعلها تنام وتقر عينيها بعد سهر أيامٍ طويلة .. وتبقى الأحلام تطاردها في منامها لتقلق نومها وتزعج راحتها لتبقى ساهرة بقية ليلها والكل نائم ولا يشعر بها سوى دموعها الملتهبة وآهاتها المختنقة ..
وفي اليوم التالي .. بدأ الجميع يستعد للسفر .. أما " زينة " فقد كانت تشعر بالتعب والإرهاق من السهر وقلة النوم ليلة البارحة .. ولكنها كانت سعيدة بوجود حبيب قلبها وأمل حياتها " زهير" بجانبها وهي تلمس منه الحب والحنان والاهتمام لكل أمورها وكأنه يخبرها بأنه يعيش من أجلها ولن يتخلى عنها مهما طرأ في الأمر طارئ ..
وفجأة .. بينما كان " زهير" يقف أمام البوابة الكبيرة ينتظر قدوم الباص الخاص بالدار كان هناك من يقف أمامه ويحيه بيده ويبتسم له من بعيد .. نظر من خلال نظارته الشمسية نحو القادم ليرى فتاةً في كامل أناقتها وجمالها وهي تقترب منه شيئاً فشيء .. وحين اقتربت منه عرفها ومد إليها يد المصافحة وطلب منها الدخول إلى داخل الدار ليعرفها على باقي أفراده .. ولكنها فضلت أن تبقى لتتحدث معه تحت شجرة السنديان وكأنها اعتادت على مثل تلك الجلسة واعتادت على الحديث معه في أي زمانٍ وفي أي مكان ..
كانت " زينة " تقف عند مدخل الدار تنتظر قدوم " زهير " وحين أحست بتأخيره سألت عنه صديقتها غادة .. لم تكن تعلم أن يجلس مع امرأةٍ أخرى يتبادل معها الحديث والضحكات .. ولم تكن ترغب صديقتها بأخبارها عن سبب تأخره فهي تخاف على مشاعرها ولا تحب أن ترى صديقتها المقربة إليها في عذابٍ مستمر .. ولكنه السؤال يعود ليفرض نفسه بينهما ويبقى الصمت دائماً هو الجواب ..
أحست " سهام " بالغضب والغيظ من تصرف " زهير " الغير معقول مع الفتاة التي أحبته بكل جوارحها وبكل مشاعرها .. كيف يتجرأ على فعل ذلك بقلبها الصغير ..؟؟ كيف يتركها تنتظر وتقلق لتأخره بينما هو يجلس مع فتاةٍ أخرى دون حساب لمشاعرها ..؟؟ هل لأنها لا تستطيع رؤيتهما ..؟؟ أم أنه يتلاعب بعواطفها ليلهو معها ساعات قليلة ويقضي بقية ساعاته مع غيرها ليستمر في الخداع والكذب على قلبٍ لا يعرف سوى الحب الصادق واللهفة الصادقة ..
كانت تراقبهما بغضب وقررت أن تخبر صديقتها " زينة " بكل ما يجري من حولها فهي ترى بعيني صديقتيها ولا يجوز منهما خداعها والكذب عليها .. حتى لا تستمر هذه اللعبة .. وحين شعرت " زينة " بصمت صديقتيها الغير عادي بدأ الشك والقلق يدخل في قلبها وألقت سؤالها قائلة :
- ما بكما ..؟؟ لماذا لا تجيبان عن سؤالي .؟ أين زهير يا غادة ..؟ أين هو يا سهام ..؟
وكادت أن تخبرها " سهام " ولكنها صمتت حين رأت زهير والفتاة يخطوان نحوهم .. وقالت وهي تتمتم بصوتٍ واضح :
- يا إلهي .. إنهما يقتربان منا ..
حينها سمعت " زينة " صوت " زهير " وهو يقول :
- هذه راجية يا زينة .. لقد أتت للسلام عليك .. هل تذكرينها ..؟؟
قالت وهي تصافحها والابتسامة تملأ وجهها :
- بالتأكيد .. مرحباً بك يا راجية ..
ثم جاءها صوت صديقتيها في آنٍ واحد بدهشة وهما تقولان :
- هل تعرفين هذه الفتاة يا زينة ..؟؟
- نعم .. إنها الفتاة التي حدثتكما عنها .. ألا تتذكران ..؟؟ لقد تقابلنا في يوم السباق حين ذهبت مع زهير وفاجئنا المطر الغزير في تلك الليلة ..
شعرت " غادة " و " سهام " بالخجل وبدأتا في ضحكٍ مصطنع وهما تصافحان الفتاة التي شغلت تفكيرهما وغابت عنهما حقيقتها ..
كانت " راجية " تجلس معهن وتبادلهن الحديث بكل هدوء وثقةٍ بالنفس .. بينما زهير يعمل على تجهيز الباص الذي سيذهب بهم إلى مدينة " جبيل " .. بدأت " راجية " تلتزم الصمت وعيناها لا تكاد تفارق زهير وكأنها تنطق بالشيء الذي تكنه في نفسها وتحاول إخفاءه ولكنه رغماً عنها يظهر ويعلن للجميع بما تكنه من حب لذلك الشاب الوسيم الذي يقف بعيداً عنها .. ثم عادت " سهام " تراقب نظرات تلك الفتاة بشيءٍ من الغيرة والغضب ولكن " زهير " لم يكن يبادلها تلك النظرات ولو بنظرةٍ واحدة فقد كان مشغولاً بتجهيز السيارة ..
وقفت " راجية " وحملت حقيبة يدها دون أن تنطق بكلمةٍ واحدة واكتفت بإلقاء ابتسامة واهية عليهما ثم اتجهت نحو " زهير " ووقفت معه لتتحدث إليه ويدها تمسك بيده مما زاد من غضب سهام وقالت وهي تتمتم بحنقٍ شديد حين سألتها " زينة " عن الفتاة :
- إنها تقف هناك حيث يقف الدكتور زهير .. يا لها من فتاة ..!!
وحين طال الحديث بينهما قالت " غادة " بصوتٍ مرتفع وهي تنادي على الدكتور زهير :
- ألم تنتهي بعد يا دكتور زهير ..؟؟ الوقت يمضي ونحن ننتظر بفارغ الصبر ..
رد عليها " زهير " بصوتٍ مرتفع وهو يقول :
- حالاً .. لم يتبقى سوى القليل وينتهي العمل .. لا تقلقي يا عزيزتي ..
وأردفت تهمس لصديقتها " سهام " وهي تقول :
- أموت بس أعرف شو عم تحكي كل ها الوقت .. شو غليضة هالبنت ..؟؟!!
ضحكت " زينة " حين وصلها الهمس وقالت :
- لمَ كل هذا القلق يا غادة ..؟؟ إن ما يدور بين راجية وزهير حديثٌ عادي وليس منه خوف .. أنتِ غيورة جداً يا غادة .. هل أنت معي سهام ..؟؟
كان سؤال " زينة " لسهام سؤالاً مفاجئاً حتى أنها كادت أن تنطق بكلامٍ قد لا يعجب أحد .. وعيناها معلقتان بالفتاة الغريبة وبالدكتور زهير .. ولكنها استطاعت أن تغير مجرى الحديث حين قالت :
- إنها جميلة ..!! ولديها القدرة على إثارة غيرة الفتيات من حولها ..
قالت " زينة " حين أحست بوخز كلمة " سهام " :
- هل هي حقاً جميلة وتستحق كل هذا الانتباه ..؟؟
أكملت " سهام " كلامها لتأكد ما سمعته " زينة " وقالت :
- هي ليست جميلة فقط .. بل أنيقة .. وجذابة .. ويبدو أنها من عائلة ثرية جداً ..
قالت " غادة " وهي تمسك بيد " زينة " لتساعدها على الوقوف بعد أن وخزت سهام :
- لنذهب إليهم يا زينة وسنناقش هذا الحديث فيما بعد .. هيا يا عزيزتي .. هيا ..
حاولت " غادة " تغيير الموضوع حين رأت " زينة " منشغلة البال تفكر بكلمات " سهام " وخافت عليها من التفكير الجاد بتلك الآراء التي قد توقعها في متاهةٍ لا نهاية لها ..


** ** ** ** ** ** **





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:59 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.