آخر 10 مشاركات
بريئة بين يديه (94) للكاتبة: لين غراهام *كاملة* الجزء الثاني من سلسلة العرائس الحوامل (الكاتـب : Gege86 - )           »          80 - العذراء والمجهول - جيسيكا ستيل (الكاتـب : فرح - )           »          تشعلين نارى (160) للكاتبة : Lynne Graham .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          الهاجس الخفى (4) للكاتبة: Charlotte Lamb *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )           »          ثارت على قوانينه (153) للكاتبة: Diana Palmer...كاملة+روابط (الكاتـب : silvertulip21 - )           »          معذبتي الحمراء (151) للكاتبة: Kim Lawrence *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          7- جنة الحب - مارى فيراريللا .. روايات غادة (الكاتـب : سنو وايت - )           »          وخُلقتِ مِن ضِلعي الأعوجُا=خذني بقايا جروح ارجوك داويني * مميزة * (الكاتـب : قال الزهر آآآه - )           »          ثلاثية دايف بيلزر (الكاتـب : بندر - )           »          طوق نجاة (4) .. سلسلة حكايا القلوب (الكاتـب : سلافه الشرقاوي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-01-15, 07:33 PM   #1

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25 عروس النيل / للكاتبة غيداء الجنوب ، فصحى مكتملة




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نقدم لكم رواية
رواية عروس النيل
للكاتبة / غيداء الجنوب



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 14-01-15 الساعة 10:02 AM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-01-15, 07:34 PM   #2

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25




إهداء

إلى كل من حمل في قلبه حب ..
ووقف معه أمام لهيب الشمس وأحتمل
عذاب نارها من أجل أن يعيش هذا الحب ..
إلى كل القلوب المتناثرة على قارعة
الطريق .. تنتظر يداً تنشلها من وطئ
الأقدام .. إلى كل من ذاق مرارة الانتظار ..
وعاش أملاً ظن أنه سيتحقق يوماً ما ..
إليكم قصة روحٍ تشبثت بالأمل حين
داهمتها الخيبة .. ونالت من الحب
مرادها .. ليعلم كل قلب أنه ما دام
الأمل دامت الحياة .. وما دامت الحياة
وجدنا الأمل ..


غيداء الجنوب



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 14-01-15 الساعة 10:04 AM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-01-15, 07:36 PM   #3

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



رابط لتحميل الرواية

https://www.rewity.com/forum/t320847.html#post10220375


يعجز الإنسان في كثيرٍ من الأحيان عن وصف ما يراه بعينيه ..
إذا لم يكن له وقعه في داخله ..
ولا يقوى فعل شيء تجاهه سوى طرح السؤال ..؟؟

كان يوماً طويلاً.. وثقيلاً.. لم تشعر فيه بالوقت رغم ضجرها ومللها من الجلوس على ذلك الكرسي المتأرجح.. وهي تراقب حطب المدفئة وهو يحترق شيئاً فشيء.. وكأنه يشعل في جوفها نار لا تنطفئ أبداً..
إنها لا تذكر كم مضى عليها من الوقت وهي تبكي .. لا تذكر تلك الصور التي كانت تشاهدها في مخيلتها آنذاك .. كل ما تذكره وتشعر به هو أنها غاضبة .. وفي نفسها شيء قد تحطم وتكسر..
لقد انطفأت النار في المدفئة ولكنها أدركت أن ضوء الشمس قد انتشر في أرجاء البيت ولم تعد بحاجة إلى تلك النار التي لا تزيدها سوى اشتعالاً واحتراقاً ..
وقفت " ليلى علوان " لتتجه نحو النافذة .. ثم نظرت إلى السماء وهي تحتضن الشمس بعد طول غياب وكأنها تطلب منها الدفء بعد عناء ليلٍ طويل مع البرد والمطر ..
ياله من صباح .. كل شيءٍ فيه جميل .. الهواء .. الشمس .. والطيور .. حتى ذلك الثلج الذي
غطى جزءاً كبيراً من الأشجار .. كل شيءٍ حول " ليلى " كان جميلاً ولكنها تشعر بجماله ولم تتذوق فيه روعته ، أغلقت " ليلى " النافذة ثم الستار وأيقنت أن ذلك الجمال الرباني ليس له مكان في داخلها .. ولا يحق لها التمتع به حتى ولو مجرد النظر إليه..
كانت تسير في البيت تائهة كمن فقد الطريق إلى مناله .. ويدا تقع على كل شيء تمر عليه .. وتوقفت للحظة عندما وقعت يدها على صورة معلقة على الحائط .. كانت صورة لزوجها وهي تقف بجانبه في ليلة عرسيهما .. كانت الدهشة تحاصرها وهي تنظر إليها بكل تمعن حينها أحست بأحداث كثيرة تصب في ذاكرتها وصور مبهمة تتلاطم أمام عينيها .. أمسكت برأسها كأنها تخاف عليه من الانفجار .. حتى كادت أن تصرخ لتنقذ نفسها من ذلك الشعور المخيف .. وأغمضت عيناها عن تلك الصور البغيضة وقد حدث ما تريد .. حين جاءها صوت رنين الهاتف ونظرت إليه بتعجب ثم سألت نفسها " ترى من يكون المتصل " ..؟
اقتربت منه .. وحاولت رفع السماعة للإجابة عليه ولكنها لم تستطيع.. لقد كانت خائفة .. نعم خائفة.. ولكنها لا تدري لماذا ..؟ وممن تخاف ..؟
يا له من إحساس بغيضٍ ومخيف .. كيف تخاف من شيء لا تعرفه ..؟ ولا تدري ما أسبابه ..؟ ربما يأتي يوم تعرف فيه سبباً لمخاوفها .. كانت تحدث نفسها وهي تقول :
- ياه .. ماذا جرى لعقلي ..؟ هل أنا مجنونة ..؟ أم أني فاقدة الوعي ..؟ لا .. غير صحيح .. فلو كنت مجنونة لفقدت معرفتي بالأشياء .. ولو كنت فاقدة الوعي لما كنت الآن أقف على قدماي ولكنني شاردة .. نعم فأنا حتى الآن لم أحدد شيء في ذهني .. كل شيءٍ في داخلي مشوش وليس له ملامح واضحة ، وما قد يكون واضحاً أمامي هو أنني حزينة وبائسة ..
يا إلهي .. إنه جرس الباب ترى من الطارق .. في هذا الصباح الباكر ..؟ شرعت لتفتح الباب وإذا برجلٍ طويل القامة .. يلبس قميصاً بالياً وسروالاً يبدو عليه أنه لا يعرف المكواة .. نظرت إليه بحيرة وقبل أن تسأله من يكون قال وهو ينحني نحو إناء قد وضع في صندوق من الخشب :
- اللبن يا ست ليلى .. أنا آسف فقد تأخرت عليك قليلاً .. ولكنك كنت أنت أول
من أحضر إليه اللبن هذا الصباح ..
لم تنطق بحرفٍ واحد .. واكتفت بالنظر إليه .. ومتابعة حديثه والاستماع إليه .. ثم قدم إليها إناء صغير مليء باللبن وقال لها :
- تفضلي .. ودعي الحساب على العبد لله ..
ثم رفع يده محيياً ولكنها أمسكت بكتفه قبل أن يذهب .. ثم سألته قائلة :
- هل تعرفني ..؟ أقصد هل رأيتني من قبل ..؟
كانت نظراته إليها كلها تعجب وخوف .. فهو لا يعرف حقيقة ما حدث لها .. وكيف أنها لا تذكر أحداً ولا يمكنها التعرف على أحد ..
قال بعد أن رسم على وجهه ابتسامةٍ باهتة :
- وهل هناك من لا يعرف الست ليلى ..؟ نوارة الحارة وست الستات كلهم ..؟
ثم أشارت إليه برأسها لتسمح له بالذهاب .. وأغلقت الباب بهدوء .. ثم ألقت نظرة شاملة على البيت ..
كان بيتاً جميلاً .. وواسعاً .. يتوسطه الدرج .. ويملئه الأثاث الأنيق والتحف الثمينة .. يبدو أن كل شيء في هذا البيت مختاراً بعناية شديدة ..
عادت لتجلس على نفس الكرسي المتأرجح .. وأسندت رأسها المثقل بتلك الصور المبهمة .. ثم رفعت يدها إلى جبينها لتتحسس شيئاً ما عالقاً به ..
اعتلت الدهشة وجهها وقامت مسرعةً لتتجه نحو المرآة المعلقة على الحائط .. لتنظر إلى هذا الشيء فإذا به جرحٌ عميق قد تجمد الدم عليه حتى كون منه طبقةً سميكة .. يبدو أنه جرحٌ قديم .. سألت نفسها قائلة :
- كيف حدث هذا ..؟ ومتى ..؟ يا إلهي إنني لا أذكر حتى ألم هذا الجرح .. ترى من كان سبباً في ذلك .. من ..؟
يعجز الإنسان في كثيرٍ من الأحيان عن وصف ما يراه بعينيه .. إذا لم يكن له وقعه في داخله ولا
يقوى فعل شيءٍ تجاهه سوى طرح السؤال .. والاستفهام .. حوله حتى لو كان يرغب في التعبير
عنه وملامسته بيديه ..
إذن .. جرح عميق يتسبب في فقدانها الذاكرة بعد حادثٍ ألـمَّ بها بسبب سرعتها الجنونية وهي تكاد تفقد رغبتها في العيش والحياة .. بعد رؤيتها خيانة زوجها ..
رأته وهو يخونها مع امرأةٍ أخرى .. وأي امرأة ..؟ إنها صديقتها الحميمة " منى " التي استأمنتها على نفسها وبيتها وأسرارها ..
لم تحتمل ما رأته وراحت تركض بلا وعي .. حتى أنها استقلت سيارتها وسارت بها بسرعة فائقة .. والدموع تكاد تفقدها رؤيتها الطريق ..
حاولت تفادي ارتطامها بعمود النور لتصطدم بجدارٍ صلب لأحد المحلات التجارية وبعد بقيت فترة طويلة فاقدة الوعي لا تذكر شيء من حياتها سوى الآتي .. أما ما مضى فقد ذهب وتحطم وتناثرت حطامه كما فعلت هي مع ذلك الجدار ..

** ** ** ** ** **





التعديل الأخير تم بواسطة فيتامين سي ; 23-04-15 الساعة 07:45 AM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-01-15, 07:38 PM   #4

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

لم تكن ليلى قادرة على تذكر ما مضى من أحداث ..
حتى ملامح زوجها لم تعد تذكرها ..

لم تكن " ليلى " قادرة على تذكر ما مضى من أحداث .. حتى ملامح وجه زوجها لم تعد تذكرها .. كما لم تعد تذكر منه خيانته لها .. ولا حياتها معه ..
هل كانت تحبه ..؟ وهل كان يبادلها الحب في حال وجوده ؟ هل كانت سعيدة ..؟ وهل كان زوجها مخلصاً لها ..؟ كم مضى على زواجهما .. سنة .. سنتين .. خمس سنوات لا تدري ..؟
أسئلة كثيرة تطرح نفسها .. ولا تجد لها مجيب ..
عندما رأته لأول مرة بعد فقدانها للذاكرة أحست بذعرٍ خفي لا تعرف له سبب .. رجعت إلى الوراء قليلاً وهي تحدق في وجهه بعينين تملئهما الخوف والاستنكار .. كان يمد إليها يده وهي تقترب منه شيئاً فشيء .. بخطواتٍ بطيئة وهو يقول :
- لا تخافي يا حبيبتي .. لا تخافي فأنا زوجك .. ألا تذكرينني ..؟ اجلسي هنا وسأحكي لكي كل ما تريدين .. اجلسي ..
طاوعته بعد أن أحست بشيءٍ من الارتيـاح .. وجلست بجواره على الكنب .. ثم قالت له
بصوتٍ كأنه خارجٌ من جوف بئرٍ عميق :
- أعذرني أرجوك .. فأنا لا أذكر شيء أبداً .. أنا لا أعرفك ولا أذكر أنني رأيتك
من قبل ..
قال وهو يضع يده على كتفها :
- لا تقلقي يا عزيزتي .. فقد أخبرني الطبيب أنها فترة قصيرة وتعود المياه إلى مجاريها فقط دعي الأمور تسير كما هي .. المهم أنك بصحةٍ جيدة ولست بحاجة إلى العلاج والحمد لله المسألة مسألة وقت .. وقت فقط ..
ثم أخرج علبة سجائره من جيبه وتناول واحدة منها ليضعها بين شفتيه .. وأشعلها وهي تختلس النظر إليه من بين دخان سيجارته ..
كان يشعر بشيءٍ من القلق وهو يلاحظ مراقبتها له وشرودها منه أحياناً .. ولكنه حاول التماسك ومعالجة الأمور كما يريد هو ويحب ..
أطلق ضحكةً مفاجئة وهو يحدثها عن الأيام الماضية .. عندما كانت تمنعه من التدخين خوفاً على صحته .. وحفاظاً على حياته .. ولكنها لم تعيره أي اهتمام لكلامه .. فأسرع ليغير حديثه ويتناول موضوعاً آخر .. فقال :
- لا عليك .. سنخرج هذا المساء للتنزه .. وسأذهب بك إلى تلك الأماكن التي اعتدنا الذهاب إليها من قبل .. ربما تكون .. ..
وتوقف عن الكلام فجأة عندما رآها تقترب من الصورة المعلقة على الحائط .. والتي تضمهما معاً وهما في أجمل ما يكون ..
اقترب منها بعد أن أطفأ سيجارته في المطفأة .. ثم تقدم ليقترب منها واضعاً يده اليمنى على كتفها من الخلف ويده الأخرى يستند بها على الجدار بالقرب من الصورة ثم قال هامساً :
- ياه .. كانت أياماً جميلة .. ورائعة .. إنها أيام زواجنا وأروع ما فيها يوم عرسنا .. لم
يكن عرساً عادياً .. بل كان أشبه بالمهرجان وكانت ليلةً من ألف ليلة وليلة .. ألكل كان سعيداً
يومها .. يأكل ويمرح في فرحٍ ونشوة .. ألا تذكرين ..؟
اكتفت بهز رأسها وعيناها لا تزالان تحملقان بالصورة ثم تابع حديثه قائلاً :
- إذن .. سأحكي لك كل شيء وبالتفصيل .. اسمعي ..
"كان والدي يعمل جاهداً على تزويجي من الفتاة التي تملأ له البيت أطفالاً كما كان يقول .. خاصةً بعد تعييني معيداً في جامعة القاهرة في قسم العلوم السياسية .. وأصبح لي مكاناً مرموقاً ورفيعاً في المجتمع ..
لم أعارضه يوماً .. ولم أوافقه يوماً .. كنت أسايره في الحديث فقط حتى لا يغضب مني .. لأنه لم يكن يشغل تفكيري سوى عملي .. ودراسة الدكتوراه .. حتى جاء ذلك اليوم الذي لا أنساه أبداً ..
كنت جالساً في مكتبي أتصفح بعض الكتب عندها سمعت طرقات خفيفة على الباب وظننت أنه الساعي " أبو إسماعيل " فسمحت له بالدخول :
- ادخل يا أبو إسماعيل ..
لم أرفع عيناي لأرى القادم .. ولكنني اكتفيت بالتحدث إليه وأمرته أن يضع القهوة التي طلبتها سابقاً ويخرج .. ولكن .. لم أسمع صوته ولم أرى القهوة على مكتبي .. فرفعت عيناي فإذا بفتاةٍ تقف أمامي والخجل يصبغ وجهها .. وهي تحاول أن تمسح قطرات العرق من فوق جبينها .. نظرت إليها بدهشة وكأني أراها لأول مرة .. بالرغم من أنها إحدى الطالبات عندي وقد أراها كل يوم .. طلبت منها الاقتراب والتحدث عما تريد ..
تنحنحت قليلاً .. ثم بدأت تتحدث بصوتٍ غائر وقالت :
- جئت لأشتكي يا أستاذ .. وأريد منك إيجاد حلاً لمشكلتي ..
- وما هي مشكلتك بالتحديد ..؟
- منذ ثلاث أسابيع وأنا ألاحظ أن دفتر محاضراتي ينقص منه بعض الأوراق واليوم لم أجده في حقيبتي .. أنا أشك أنه سرق مني .. ولا أدري ماذا أفعل ..؟
أغلقت الكتاب الذي أمامي وتابعت النظر إليها بشيءٍ من الفضول .. ثم قلت لها حازماً :
- وهل تشكين بأحد من زملائك في القاعة ..؟
- لا .. لأنني لا أختلط بأحدٍ أبداً .. ولا أعرف سوى قاعتي والكرسي الذي أجلس عليه
- آه .. وما تريدينه هو أن أقوم بالبحث عن دفترك بين ما يقارب التسعين طالب وطالبة .. أليس كذلك ..؟؟
أخفضت رأسها بخجل وقالت :
- نعم يا أستاذ ..
وقفت وخرجت من وراء مكتبي لأقترب منها .. عندها أحسست بشيء غريب يدفعني للمس شعرها الناعم والمصفف بشكلٍ يليق بفتاةٍ جامعية ثم سألتها :
- ما اسمك يا آنسة ..؟
- ليلى يا أستاذ ..
نعم اسمها ليلى .. أنها أنت .. الفتاة الناعمة .. الهادئة .. المليئة بالحياة والحيوية .. والمفعمة بالذكاء والنشاط .. كان لقائي بك في ذلك اليوم لفت انتباهٍ بالنسبة لي .. وقد كنت أتعمد رؤيتك في كل حين داخل القاعة وخارجها .. لا أدري ماذا فعلت بكياني ..؟ حتى عيناي لم تعد ترى سواك في القاعة .. وقد لاحظ الكثير ممن حولنا ذلك ..
كان والدي لا يزال يلحُّ علي بالزواج .. ولأول مرة يتحدث والدي في الموضوع نفسه وأنا أبتسم .. وقررت أن أفاتحه بما يجول في خاطري .. ولكني آثرت أن أنتظر جوابك على طلبي الزواج منك .. لكنك لم تحضري اليوم التالي .. فاجتهدت في البحث عن عنوانك من سجل الطالبات وتمكنت من الوصول إليه بسرعة ..
ذهبت إلى العنوان .. وصعدت الدرج وكلما اقتربت من شقتك يزداد قلبي خفقاناً ولهفةً لرؤيتك .. طرقت الباب .. وإذا بوجهك يطل علي من خلف الباب .. رأيت يومها الفرحة تتراقص بين عينيك .. وأيقنت حينها أنك تحملين لي شعوراً يوافق شعوري نحوك .. استقبلني والدك .. ورحبت بي والدتك أحسن ترحيب ..
وقمت أنت بإحضار القهوة ولم تجلسي معنا .. وفضلت الوقوف بعيداً كأنك تنتظرين سمـاع
حديثاً يدعوك إلى الخجل .. فآثرت الابتعاد .. كنت استرق النظر إليك .. وكلما وقعت عيناي على عينيك أخفيت وجهك بأناملك الصغيرة .. تحدثت إلى والدك وكان سعيداً لطلبي الزواج منك أما والدتك فقد أطلقت " زغروطة " لتعبر بها عن فرحها بدلاً عن الكلام ..
لم يمضي سوى شهرٌ واحد حتى أتممت كل شيء استعداداً ليوم الزفاف الموعود .. لقد جعلت الدعوة مفتوحة لكل من أراد الحضور .. غنياً كان أو فقيراً .. كبيراً أو صغيراً قريباً أو بعيداً . جعلت الزينة معلقة في صباح ذلك اليوم من بداية كورنيش النيل حتى منزلنا الكائن هناك .. وكان هناك على كورنيش النيل من يوزع الحلوى و "الشربات " ابتهاجاً لذلك اليوم ..
واعتلت أصوات الغناء والزغاريد وتناثرت الورود حين قدومك وسرت بخطىً رزينة وبهاء وجهك يصل إليه قبل وصولك إلى الكرسي المعدَّ لك بقربي .. كان قلبي كعصفورٍ يرفرف بجناحيه فرحاً .. وشوقاً للمس يداك .. والإحساس بدفء قربك ..
ألكل كان ينظر إليك بإعجاب شديد .. وهم يتمتمون بعبارة واحدة اتفقوا عليها جميعهم وهي " عروس النيل " ..
كانت عبارة " عروس النيل " عبارةٌ شافية وكلماتٌ وافية تناسب ما أشعر به نحوك.. واستمر الرقص والغناء حتى مطلع الفجر .. ثم استقلت سيارتي المشرعة بأجمل الزهور وأنت بجانبي مودعة الحضور للذهاب إلى بيتنا .. عش الزوجية الجميل ..
بيت " عروس النيل " .. أجمل عروس ( وأكمل عبارته الأخيرة وهو يدحرج عيناه في زوايا البيت وأسقفه ثم قال بحسرةٍ واضحة :
- آهٍ ما أجمل ماضينا يا حبيبتي .. ليته يعود بكل ما فيه من ذكريات وصور جميلة..
ثم أخذ يمسح على شعرها المنسدل على كتفها وهو يقول هامساً :
- ليتك تذكرين الماضي مثلي .. وتعودين لي بقلبك وصفاء ذهنك لتملئي هذا البيت سعادةً وهناء .. ليتك تذكرين حبنا وأيامنا الجميلة التي صنعتها يداك الناعمتان ..
وتناول يدها ليقبلها .. وعيناه تراقبان عيناها ليعرف ردة فعلها نحوه ولكن " ليلى " تسحب يدها
بكل رقةٍ وهدوء وهي تنظر إليه بحسرةٍ وألم .. فهي لا تستطيع أن تشاركه حلاوة ذكرياته .. ولا تستطيع متابعة الحديث معه فهي تجهل كل ما يقول ولا تشعر به ولا يمكنها التذكر .. فكيف لها أن تسعده وتخفف عنه وطأة الألم ..
كانت تحدث نفسها وتناجيها وهي تقول :
- ترى ما مدى حبي له ..؟ وما مدى حبه لي ..؟ يا إلهي ما أصعب هذه اللحظات فالزمن يمضي بي إلى هاويةٍ ساحقة لا أستطيع العيش فيها كما لا أقدر على الهروب منها .. وانقطع حديثها مع نفسها عندما أمسك " أحمد " بيدها وهو يقترب منها حتى أصبحت أنفاسه تخالط أنفاسها ويحرقها لهيب أنفاسه وهو يقول :
- ما بك يا حبيبتي ..؟ أراك ساهمة .. سارحة .. هل مرّ على ذاكرتك شيءٌ ما..؟
- لا .. أنا آسفة يا أحمد .. آسفةٌ جداً .. لا أستطيع أن أذكر شيء .. كل ما أذكره هو أنني استيقظت في هذا البيت الفسيح ووجدت نفسي أجلس بين جدرانه .. حتى اسمي لا أذكره .. فذاك بائع اللبن يناديني بـ " ليلى " ..
وأنت وأولئك الذين قلت عنهم أنهم أهلي ينادوني " ليلى " .. ألكل يدعوني بهذا الاسم حتى أنني صدقت بالفعل أنني " ليلى " .. وأنت تقول بأنك زوجي .. وكل شيء حولي يثبت أننا زوجان هذه الصورة .. وتلك التحفة المنقوش عليها أول حرف من اسمي واسمك ..
يا إلهي .. يكاد الصداع يفتك برأسي .. ويدمرني ..
ثم قالت وهي تمسك بيديه وتشد عليهما بقوة :
- أرجوك ساعدني .. ساعدني أن أكون " ليلى " بالفعل .. ساعدني أن أتخلص من هذا الصداع المميت .. لم أعد احتمل .. لم أعد احتمل .. ثم راحت في بكاءٍ سحيق ودموعٍ غزيرة لا تنتهي .. وضمها إلى صدره بحنان وهو يعلم أنه لا يمكنه فعل شيءٍ غير ذلك ..

** ** ** ** ** **





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-01-15, 07:40 PM   #5

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

رغم عتابها المتكرر ..
ورغم إنتظارها المرير إلا أنه لم يجعل لإحساسها ومشاعرها أي حساب ..

لم تكن " ليلى " تبادله الحب في كلامه .. ولا في تصرفاته فهي لا تزال تشعر بالغربة خاصةً منه .. أما هو فقد ازداد حبه لها .. وعاد إلى طهارته وعنفوانه بعد أن فقدها أياماً من عمريهما .. كان الندم قد أخذ منه كل مأخذ .. وكلما تذكر ما فعله بها وكيف أنه أقام علاقةً لا قيمة لها مع صديقتها "منى " .. شعر بنار الندم تشعل ضميره ولهيب الحسرة تصهر فؤاده ..
كان " أحمد " يجلس وحيداً في غرفته .. بعد أن أوصد الباب عليه حتى لا يقطع أحداً خلوته مع نفسه .. كان الظلام يملأ الغرفة وصوت الموسيقى الهادئة تنفض ما على قلبه من غبار .. وذكريات مؤسفة بالنسبة له ..
مرت على ذاكرته صورة تلك الفتاة اللعوب عندما رآها لأول مرة في بيته وهي تتجاذب الحديث مع زوجته الحميمة التي تبث إليها شكواها وهمومها بلا تردد..كان ترددها على البيت يزداد يوماً بعد يوم..وفي كل مرة تزداد نظراتهـا إليه
بخبثٍ ودهاء .. إنه يذكر ذلك اليوم حين سمع صوت جرس الباب يرن .. وذهب ليفتحه ويرى من الطارق .. كان الوقت قبل الغروب بقليل .. في الوقت الذي كانت زوجته تتسوق فيه مع والدتها وأختها ..
كان حضوراً مفاجأً بالنسبة له فهو يدرك أن حضور صديقة زوجته في الوقت الذي تعرف أنها غير موجودة حضوراً مريباً وغير عادي .. وله مآرب خفية يخافها ويتحاشى حدوثها ..
كانت تقف وجسمها يميل قليلاً .. وهي تتوكأ بكوعها في عرض الباب ثم قالت بغنج ودلال :
- هل تسمح لي بالدخول ..؟
- نعم .. ولكن .. أقصد أن ليلى ليست هنا .. ستعود بعد ساعة ..
كان الارتباك ظاهراً عليه وواضحاً في كلامه .. وسمح لها مضطراً بالدخول بعد أن عجز في صدها وإبعادها .. ودلفت إلى داخل البيت بكل جرأة رغم علمها بعدم وجود صديقتها ..
وتبادلا الحوار .. وطال الحديث بينهما .. حتى استطاعت أن تستميل قلبه وعقله مع مرور الوقت وهو ينساب إليها في خضوعٍ وعدم تفكير ..
ومضت الأيام على علاقتهما معاً وهما يلتقيان سراً ويتبادلان حباً وهمياً لا أساس له ولا جذور .. وغرق معها في يمٍ من الوحل والدنس .. حتى حدث بينهما ما كان يخافه ويتهرب منه .. ووضعته بمكرها أمام الأمر الواقع الذي جعله يقع فريسة سهلة بين يديها وتزوج " أحمد " من صديقة زوجته الحميمة حتى لا تفضح أمره أمام حبيبته وزوجته " ليلى " ..
لم يكن " أحمد " يحب " منى " الحب الصادق ولم تكن هي أيضاَ تحبه كما تدعي ولكنها الغيرة ا لعمياء من صديقتها التي تفوقها جمالاً .. ووقاراً وجاذبية..
وفعلت ما فعلته انتقاماً من الحظ الذي يساير صديقتها ويعطيها ما تريد وتحب بينما يقف الحظ بالمرصاد أمامها وأمام رغباتها الجنونية ..
مضت على خيانة الأستاذ لزوجته سنة ونصف السنة والأحلام والكوابيس تتردد عليه كلما نام بقربها .. فهو يعلم أنه خائن أمام نفسه ..
كان الخوف حاجزاً بينهما .. أما " ليلى " فقد كانت حزينة لقلقه وعدم راحته . وهي التي لا تعلم سر ذلك .. فالخيانة لا تورث صاحبها سوى الشقاء والعذاب .. وعدم الراحة خاصةً لإنسان مثل " أحمد " الذي يحب زوجته كل الحب ويملك لها في قلبه المكان الكبير .. أما هي .. فهي ترى زوجها من زاوية واحدة .. الزاوية الناصعة البياض .. المليئة بالثقة .. والحب وتبادل الأشواق .. لم يمر عليها يوماً واحداً أحست فيه بالشك في أقرب الناس إليها ولو للحظة واحدة أبداً .. حتى وهي ترى تلهفه الدائم لحضور صديقتها إلى البيت .. حتى وهو يغيب عنها لساعات طويلة دون اتصال منه .. كانت تخلق له الأعذار في وقت غيابه بلا تردد .. فحبها له وثقتها به لا تدع مجالاً للشك والريبة في قلبها ..
كيف تشك فيه وهو الذي اختارها من بين مئات الفتيات ..؟ كيف تشك فيه وهو يقدم لها حباً لا مثيل له ..؟
لا .. وألف لا .. فالقلب الذي يحب لا يخون .. ولا ينسى من أحب .. إذن هي غيمة سوداء لابد لها أن تنجلي وينقشع سوادها بالأمل .. رغم عتابها المتكرر .. ورغم انتظارها المرير إلا أنه لم يجعل لإحساسها ومشاعرها أي حساب.. أصبح " أحمد " غارقاً بلا أمل في النجاة .. وهو يعلم أي امرأةٍ تكون هي " منى " ومن أي طينة تنتمي إليها تلك الفتاة التي لا تعرف طريقاً للصلاح ..
إنه يريد أن يعود إلى زوجته " ليلى" بسلام .. ويتمنى لو أنه يرتمي في حضنها
الدافئ ويلتمس منها الحنان الصادق ويرتجي من قلبها العفو والسماح والصفح .. ولكن كيف ..؟ كيف ..؟
هل يعترف لها بكل ما فعله .. ويخسر من تمتلك قلبه وفؤاده إلى الأبد ..؟ أم يصمت ويزداد غرقاً في الوحل يوماً بعد يوم ..؟ ويدع لمثل هذه المرأة الطائشة أن تدمر حياته وبيته وترميه بين براثين الندم والحسرة ..
إنه بين نارين .. كلما هدأت واحدة ازدادت الأخرى توهجاً وسعيراً .. نار زوجته الوفية وهو يراها تتعذب من أجله .. وتنتظره كل يوم حتى يغلبها النعاس على الكرسي الرجراج .. وهي لا تمل من انتظارها له حتى يعود إليها وتضمه بين ذراعيها .. وتسمعه أحلى ما لديها من همس وحديث ..
ونار امرأة وقع في شباكها رغماً عنه وبدون سابق إنذار .. ليصبح مقيداً أمامها كمجرم ذليل لا يقوى على الاعتراف ولا الهروب من العقاب .. وأي عقاب.. لكنه لن يبقى صامتاً هكذا أمام تيارٍ جارف لا يعرف الرحمة ..
لابد أن يبحث عن طوق نجاة ليمكنه من الوصول إلى بر الأمان .. وبسلام وشاطئٍ لا يجد فيه سوى حبيبته " ليلى " وقرة عينه حتى يلوذ بالسعادة التي كاد أن يفقدها .. وسيفقدها إلى الأبد ما لم يفعل ما يجب عليه فعله لاسترجاعها والمحافظة عليها
وهو أن يطلقها .. نعم يطلق " منى " ويغتسل من ذنبه وما لحق به من وحل لا يزال " أحمد " غاضباً من نفسه .. من أفعاله التي أوقعت به في الحضيض وكانت سبباً في فقدان زوجته الذاكرة .. ويزداد غضبه غضباً واشتعالاً كلما رأى زوجته تائهة لا تعرف من حياتها سوى الشيء اليسير .. فلو أنها لم تراه مع تلك المرأة لما حدث لها ما حدث ..
ويزداد غضبه غضباً على غضب بعد تأكده أنها هي التي أخبرت " ليلى " عن وجوده في شقتها في تلك الليلة .. حتى تجعل منه فريسةً سهلة لا حراك لها ولا حياة .. وتجعله أمام الأمر الواقع الذي طالما خاف من وقوعه في أي يوم ..

** ** ** ** ** **


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-01-15, 07:42 PM   #6

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

كانت تنتظره بقلق وبشيء من الخوف ..
فمنذ أن خرج حزيناً .. ودون أن يحدد وجهته لم يعد ولم يهاتفها كعادته ليطمئها عليه

يكاد الندم يفتك بـ " أحمد " .. وحبه لزوجته يتأجج ناره في صدره ويزيد سعيرها كلما رآها أمامه ..
إنه يحبها بجنون .. نعم يحبها أكثر بكثير من حبه لها يوم أن رآها لأول مرة .. فقد اكتشف أن بداخلها جوهرةً نقية ليس لها مثيل .. ولا يمكن لأي إنسان التخلي عنها واستبدالها بحجرٍ لا قيمة له .. ولا فائدة ..
كان صوتاً عذباً ينساب إلى مسمعه بكلماته الشجية .. كانت أغنية غير عادية بكلماتها التي تقول :
علمني حبك أن أحزن وأنا محتاج منذ عصور ..
لامرأة تجعلني أحزن .. لامرأة أبكي فوق ذراعيها مثل عصفور ..
لامرأة تجمع أجزائي كشظايا البلور المكسور ..
وسرح بذهنه لبرهة وهو يحدث نفسه قائلاً :
- كيف أترك ملاكاً لأركض وراء شيطانه لا يعرف قلبها طريقاً للرحمة ..؟ كيف استبدل زهرة ندية متأصلة الجذور .. بزهرة لا رائحة فيها ولا جذور .. كيف ..كيف ..؟ وعادت كلمات الأغنية الجميلة تعصف بكلماتها لتوقظ في نفسه أحساساً كان دفيناً في يوم من الأيام .. وصوت " الساهر " يدغدغ مسمعيه وهو يقول :
أدخلني حبك سيدتي مدن الأحزان ..
وأنا من قبلك لم أدخل مدن الأحزان ..
لم أعرف أبداً أن الدمع هو الإنسان ..
أن الإنسان بلا حزنٍ ذكرى إنسان ..
كانت هذه الكلمات قادرة على أن تجعله يبكي حتى الموت .. ويذرف من الدمع أنهاراً حتى يصبح أنساناً نقياً .. ويضل يبكي .. وقد كان بكاءه بلا توقف ..
كانت " ليلى " تراقبه وهو يجلس على الشرفة .. يبكي .. ويجهش بالبكاء وهو يرفع ناظره إلى السماء ويدعو بهمس :
- يا رب سامحني .. سامحني يا رب فقد أخطأت ..
واقتربت منه ليراها ويقطع مناجاته لربه .. ثم جلست على ركبتيها أمامه واضعةً يداها على فخذيه وقالت له هامسة :
- لماذا تبكي ..؟ هل بدر مني ما آلمك وأقلق راحتك ..؟
كان ينظر إليها بشوق وعيناه لا ترمشان خوفاً من أن تسقط منها دمعة متحجرة معلنة عصيانها وقال وهو يضع وجهها بين راحة يديه :
- لا .. وحياتك يا أعز الناس .. أنا من آلمك وتسبب في عذابك ودموعك .. سامحيني أرجوك .. وألقى برأسه على كتفها باكياً .. وقد غاب في حنانها وهي تضمه إليها .. وتشاركه دموعه وبكاءه ..
ولكنه ما كان ليسمح لنفسه أن يأخذ ما لا يستحق .. فانطلق مندفعاً نحو الباب وخرج بعد أن صفق الباب خلفه ..كانت تنظر إليه بدهشة وتعجب .. فهي لم تراه بهذه الحالة من قبل ..
إنها حزينة من أجله .. تعطف عليه .. وهذا لا يعني أنها تبادله الحب الذي يحمله لها
في صدره .. لا .. فهي لم تزل غريبة عنه أو غريب عنها .. سيان بين الأمرين ..
فالعاطفة نحوه عاطفة مبهمة .. لا قرار لها ولا هوية .. ولكنها بحكم أنها زوجته بشهادة منه ومن أهلها وشهادة تلك الصورة المعلقة على الحائط فسوف تقيم معه علاقة طيبة كعلاقة الصديق مع صديقه ..
كانت تنتظره بقلق .. وشيء من الخوف .. فمنذ أن خرج حزيناً ودون أن يحدد وجهته لم يعد ولم يهاتفها كعادته ليطمئنها عليه ..
أحست وهي تنتظره بشعور غريب يداهم فؤادها وعاطفتها .. كانت دائماً تنفي أي نداء في داخلها يدعوها إلى الاعتراف بأنها بدأت تميل إليه .. وبدأ قلبها يحمل له بعض من الحب الذي طالما حلم به .. وانتظره منها .. كانت كلما أحست بالشوق لرؤيته ولو صامتاً تعلل هذا الشوق بأنه أمر عادي وطبيعي .. فهما يعيشان سوياً في بيت واحد أكثر من ستة أشهر فلما لا تشتاق إليه ..؟
لم لا وهو الذي يعاني من أجلها .. وتراه يتعذب كل يوم لحالها ..؟ إنه قريبٌ منها جداً جداً .. أكثر من قرب والدتها وأختها " صفاء " .. فهي لا تراهما سوى في زيارات قصيرة وهي تسمعهم يتحدثون عن الماضي في محاولة يائسة لاسترجاع ذاكرتها .. وبعد ذلك تذهبان إلى بيتهما وتبقى هذه الفتاة المسكينة التي لا حول لها ولا قوة .. وحيدة .. ولكن برفقة إنسان آخر وحيد .. ليشترك معها في الهم ذاته .. والحزن والوحدة ..
كانت الساعة تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل حين عاد " أحمد " إلى البيت ولكنه يبدو غريباً هذه المرة .. فهو لم يحاول التحدث إليها كعادته .. إنه يتجه إلى غرفته دون أن يلتفت إليها ويلقي السلام عليها وهي تقف تنظر إليه بدهشة واستغراب ..
" ماذا حدث ..؟ لم كل هذا التغير ..؟ لم هذا الهروب ..؟ ماذا فعلت حتى يغضب مني كل هذا الغضب ..؟
كانت " ليلى " تحدث نفسها والدموع تغسل وجنتيها .. حاولت الذهاب إليه لتعرف
ما به .. ولكنها كانت مترددة وخائفة .. فقد يكون استقباله لها قاسياً عليها .. وفضلت أن تذهب إلى غـرفتها .. وتغلق على نفسها الباب .. وتخلد إلى النوم .. وتلقي بكل ما يقلـق
راحتها خلف ظهرها .. فهي لا تريد مزيداً من المتاعب والأحزان ..
وفي صباح اليوم التالي ..استيقظت " ليلى " من نومها لتجد " أحمد " واقفاً في الشرفة المطلة على الحديقة الواسعة المليئة بالأشجار الوارفة الظلال .. وصنعت على الفور فنجاني من القهوة وتقدمت نحوه وهي تصطنع الابتسامة على وجهها .. وحين شعر بوجودها التفت إليها فقالت على الفور :
- صباح الخير يا أحمد .. أحضرت لك فنجان القهوة .. أعلم أنك بحاجة إليها .. أليس كذلك ..؟
وجلس " أحمد " على الكرسي المعد أمام الطاولة .. وهو يقول :
- أجل .. شكراً لك ..
كانت " ليلى " تنظر إليه .. وتتابعه بعينيها وهو يرتشف قهوته متلهفة إلى سماع صوته كي يحكي لها ما يجول في خاطره ولكنه كان يلتزم الصمت .. وعيناه لا تمتنع النظر إلى تلك الأشجار والهواء يداعب أغصانها .. وبعد أن انتهى من شرب القهوة أمسكت " ليلى " بيده ثم قالت بصوتٍ غائر :
- أرجوك يا أحمد .. توقف عن التفكير وتحدث معي بما يجول في داخلك .. إني أسمعك وأعدك أن أسمعك حتى النهاية ..
كان ينظر إليها بحزنٍ شديد وطبقة رقيقة من الدموع تغطي عيناه الحزينتان .. اقتربت منه أكثر لتضع يدها على وجهه ثم قالت :
- لم كل هذا الحزن يا أحمد ..؟ لماذا هذه الدموع ..؟
لم يكن ينتظر منها كل هذا الحنان .. وكل هذا الاهتمام .. إنه لا يستحق كل هذا .. لا يستحق
وسقطت من عينيه دمعةٌ عاصية .. جعلته يلقي برأسه على صدرها ويرتمي في حضنها حتى يخفي هذه الدمعة الساقطة على خده ..
كانت تضم رأسه إلى صدرها بحب لم تشعر به من قبل .. ولكنها المشاعر الحقيقية في داخلها تظهر بلا زيف .. لم تمتنع عيناها عن الدموع والبكاء .. ولكن هذه المرة ليس لتشاركه دموعه .. وأحزانه فقط وإنما كانت دموعاً أثر أحساساً في داخلها لا تعرف سره .. ولا تدرك معناه ..
إنها اللحظة الساخنة بينهما .. اللحظة التي تحطم كل حواجز الخوف والغربة .. خاصة تلك الحواجز التي كانت تمنع " ليلى " من النظر إلى عيني " أحمد " لتبقى بعيداً عنه .. كانت لحظةً مليئة بالشجون والاندفاع العاطفي الذي كان له الأثر الكبير في نفسيهما .. وخاصةًَ في نفس الدكتور " أحمد " الذي شعر بكثيرٍ من الارتياح والذي سيتيح له إصلاح كل ما أفسده في لحظة ضعف وطيش وحماقة ..
ولكنه يبتعد عنها مندفعاً إلى الوراء ثم قال لها وهو مخفض الرأس :
- أنا آسف يا ليلى .. لا أدري كيف ألقيت برأسي على صدرك .. آسف .. آسف وخرج مسرعاً ليستقل سيارته .. وينطلق بها بسرعة فائقة تاركاً خلفه غباراً حجب الرؤية عن عينيها وهي تتابعه من خلال الشرفة حتى لم تعد ترى سيارته الحمراء المسرعة ..
لم يبقى سوى غبار حولها غطى كل شيء حتى على تفكيرها .. وغطش عن عيناها الوصول إلى النور والحقيقة الغائبة عنها ..
لم تعد تفكر " ليلى " في شيء غير هذا الرجل الذي بدأ غريباً عنها .. وها هو حبه بدأ يزحف إلى صدرها .. وبدأت شباكه تنقض على قلبها حيث لا مفر منها أبداً ..
كانت يداها لا تزالان مضمومتان إلى صدرها وكأنها تحلم بضمه مجدداً ..
أو أنها تخاف أن تستيقظ من تلك اللحظة المفاجئة .. الحالمة .. التي أيقظت في داخلها أحاسيس كانت تربت عليها زمناً طويلاً .. بيد الوهم والخيال ..

** ** ** ** ** ** **



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-01-15, 07:45 PM   #7

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

كم كنت أشعر بالحزن والأسى وأنا أراك تجلس وحيداً
تبكي وتناجي أسمي .. وأنت تنظر إلى السماء وتدعو من الله الشفاء العاجل لي ..


إن الشتاء قاس هذه المرة .. ولا تملك " ليلى " سوى دموعها الساخنة لتدفئ بها قلبها الموجوع .. وفؤادها المتكسر .. وصوت الرعد يهز في داخلها خوف دفين .. تلتف بوشاحها الشتوي الذي كان قد أهادها إياه " أحمد " في شتاء العام الماضي ..
إنها كلما شعرت بالخوف نظرت إلى خطوطه المستطيلة وأغمضت عيناها عن أشباح كانت تراها بين تلك الخطوط .. لتزيد من خوفها الذي لا ينتهي ..
مضى الليل طويلاً .. أطول من أي ليلٍ مضى .. وساعاته تمشي ببطء السلحفاة .. ماذا تنتظر " ليل " ..؟ ولماذا تحرص على النظر إلى الساعة بين الفينة والفينة ..؟
هل تنتظر انتهاء الليل وقدوم الشمس ..؟ أم تنتظر توقف الأمطار ..؟
ربما تنتظر الصباح لتجتهد في صنع ألذ قهوة يحبها قلب " أحمد " ..؟
ولكن .. أين أحمد ..؟ أحمد ليس هنا ..؟
إنه مسافر .. نعم مسافر وسفره قد يطول .. إذن .. هي تنتظر مضي الوقت لتقترب عودة
" أحمد " من سفره الذي ترك في نفسها الأثر الكبير .. يا للمسكينة .. بعد كل هذا الذي حدث لها والذي كان " أحمد " سبباً فيه تبقى " ليلى " شمعةً تذوب من أجله وتحترق كي تضيء له ليله
أحست " ليلى " بالملل .. والتعب وهي تدور في رجاء بينها الفسيح .. والوقت لا يزال بطيء وممل .. حتى الدموع لم يعد لها أثر في عينيها .. لقد جفت .. واضمحلت .. جلست على الكرسي الرجراج .. لتستعيد بعض ذكرياتها القليلة جداً عن هذا البيت .. وعن صاحبه الغائب ويرتعد جسمها وهي ترى تلك الصور في مخيلتها .. والبرد يزيدها ارتعاشاً ..
قامت " ليلى " متثاقلة من فوق الكرسي لتبحث عن شيء ما ينسيها رتابة الوقت وطول الليل .. اقتربت من خزانة ذات أدراج وضعت تحت النافذة المطلة على مدخل البيت .. وفتحت الدرج الأول لتجد فيه دفتر ازرق اللون .. وبجانبه قلم كان قد أعطاها أياه " احمد " منذ فترة طويلة .. وطلب منها أن تكتب كل مذكراتها اليومية ..
ومدت يداها المرتعشتان لتتناول الدفتر والقلم من الدرج .. وقالت محدثة نفسها وهي تضم الدفتر إلى صدرها :
- يجب أن أكتب .. يجب أن يعرف أحمد كل ما في نفسي .. حتى يعلم أنني أتعذب بدونه وأنا أعيش وحيدة في هذا البيت الواسع البراح ..
واتجهت نحو مكتب " أحمد " وجلست على كرسيه لأول مرة .. وقررت أن تكتب له ومن أجله بعض الكلمات .. كتبت تقول :
" ليتني أستطيع أن أناديك حبيبي .. ليتني أناديك باسمك دون خوف ودون أن يتلعثم به لساني .. ماذا فعلت بقلبي ..؟ ضللت غريبة عنك زمناً حتى ظننت أنني لن أحلم بالقرب منك وبعد أن ملكت قلبي وأسرت فؤادي .. بعد أن غرست حبك المجنون في جوفي تذهب بعيداً عني وتسافر .. وتتركني وحيدة همي وحزني ..
لماذا تهرب مني ..؟ لماذا تخاف قلبي ..؟ في الوقت الذي تحترق فيه من أجلي .. وأنا أعلم أن لي في قلبك الحب الوفير .. أتعجب لتصرفك الغريب .. فأنا حين أبتعد عنك أجدك تتوسل إلي .. وتناجيني لأقترب .. وحين أقترب منك أجدك تبكي والدموع لا تفارق عينيك وتفر مني دون
وداع .. لم أجد من أتحدث معه بما يجول في نفسي .. وعن ما أكنه لك في صدري سوى هذه الورقة .. وسأوهم قلبي أنه سيأتي يوم وتقرأ فيه كل ما كتبته لك ..كي تعلم حبيبي أنني بالرغم ما أعانيه من نسيان .. وعدم تذكر أيامي وسعادتي بقربك .. إلا أنني سعيدة بأيامي القليلة معك والتي أذكرها جيداً .. حيث لمست فيها حنانك .. وعطفك .. وخوفك الدائم عليّ.. لقد حاولت المستحيل من أجلي كي أستعيد ذاكرتي .. ولكنني أنا من فشل وأردى بأملك في ذلك قتيلاً بين يديك ..
أخبرتني الكثير عن ماضينا .. يبدو أنه ماضيٍ جميل كان يضمنا .. ويحتوينا .. أخبرتني عن " عروس النيل " وسعادتك بقربها .. وأن " ليلى " هي عروس النيل التي أضاءت بوجهها شوارع القاهرة الواسعة .. أخبرتني عن أيامنا الجميلة التي قضيناها سوياً هنا في القاهرة وفي بلاد أوروبا وصلني وصفك لها بأجمل ما يكون رغم أنني لا أذكر منها شيء ..
كم كنت أشعر بالحزن والأسى وأنا أراك تجلس وحيداً .. تبكي .. وتناجي أسمي وأنت تنظر إلى السماء وتدعو من الله الشفاء العاجل لي .. أكبرت فيك هذا الحب النادر لـ " ليلى" وأكبرت فيك هذا الوفاء الصادق لزوجتك الذي يعذبك تأخرها في الشفاء ..
كنت دائماً أتساءل .. هل كنتُ أبادلك الحب ذاته .. أو هل كانت " ليلى " تبادلك الحب ذاته ..؟ هل كانت تعطيك مثل ما تعطيها من صدق وإخلاص .. لابد أن يكون كذلك .. و إلا فإن رجلاً مثل " أحمد " لا تستحقه امرأة مثل " ليلى " ..
حبيبي .. أعذرني .. سأكثر من كلمة " حبيبي " أنا لا أستطيع أن أبدأ كلماتي بدونها فهي مزروعة بين شفتي .. وكلماتي تخرج من بين شفتي .. لا أدري إن كنت تريد سماعها أم لا..
حبيبي .. إن سفرك المفاجأ جعلني أقترب منك أكثر .. وجعلني أبكي على حالي بدونك أكثر .. فلم لا تعود ..؟ لم لا تستسلم للأمر الواقع ونعيش ماضينا المنسي في حاضرنا المرتجى ..؟
ليتك تعود .. إني أحتاجك .. أحتاج ليديك كي تعبر بي طريق الضياع نحو النور وعلى مرفأ الأمان .. أحتاج إليك " أحمد " .. وأعلم أنك لن تعود قبل مضي شهرٍ كامل .. وكأنه سنة وليس شهر .. أكرر لك إني أتعذب بدونك .. أتعذب .. أتعذب .."
توقفت " ليلى " عن الكتابة بعد أن غلبها النعاس .. ووضعت رأسها علـى الدفتر
وسقط القلم من بين أصابعها لتغرق في نوم عميق .. وبعد مضي ساعتين .. استيقظت "ليلى" متعبة .. ومرهقة .. وأحست بإعياءٍ شديد في جسمها يكاد يفتك بعظامها .. وكانت المفاجأة حين التفتت لتجد " أحمد " يقف بقربها ..
قامت على فزع .. لتمسك بذراعيه حتى تتأكد أن ذلك حقيقة وليس خيال وحلم.. وأحست بالدم يجري في عروقها حين شعرت بذراعيه القويتان .. وارتمت في حضنه تبكي وتردد اسمه بشوقٍ وهوىً سحيق ..
كان " احمد " يبادلها الشعور نفسه فهو لم يذق طعم النوم والراحة منذ أن تركها وسافر ولم يهنأ باله وقلبه مشغولٌ عليها .. وها هو يعود إليها بعد أن فشلت محاولته في النسيان ظناً منه أن السفر هو الحل الوحيد كي يرمي الماضي خلف ظهره ويعلن النسيان .. ولكن هيهات لقلبه أن ينسى لأن " ليلى " تتربع داخله .. وتجري في عروقه كجريان الدم فكيف له أن ينسى أو يهرب ..؟
كان يلفها بين ذراعيه بقوة .. ويضمها بشوق مضني ومميت .. كان يهمس في أذنيها بكلماتٍ سمعتها ليلى كالحلم الجميل .. يتسرب إلى مسمعها وهو يقول :
- حبيبتي .. اشتقت إليك .. الموت بين ذراعيك أرحم بكثير من العيش بعيداً عنك إني أحبك حتى الموت .. صدقيني يا ليلى لا أحد سيأخذك مني أبداً .. لا أحد ..
رفعت عيناها إليه لتسأله بعد أن مسحت بكفها على وجهها المليء بالدموع قائلة:
- ماذا تقصد يا أحمد ..؟ أنا أحبك ولا أحد يستطيع أن يأخذني منك .. أنا لك ولا أعرف أحداً سواك .. أرجوك يا أحمد أرجوك أن تطرد من رأسك تلك المخاوف ودعنا نعيش حياةً جديدة .. حياة كما نريدها نحن ونرضاها ..
كان ينظر إلى عينيها ويقرأ فيهما حديثاً طويلاً .. أطول من تلك الكلمات التي كتبتها في دفترها كان ينظر إليهما وكأنه يراهما لأول مرة .. بعد أن وجد صورته تتربع داخلهما .. قال لها وهو يضع وجهها بين يديه :
- لم أكن أحلم يوماً بأن لحظة كهذه ستتحقق .. كنت يائس من حبك لي حين رفض عقلك أن يتذكرني .. واليأس في ذلك كاد يقتلني ..
- لا أخفي عليك يا أحمد أنا أيضاً ما كنت أحلم أن أحبك يوماً كل هذا الحب .. كنت بالنسبة لي غريباً .. والخوف منك يزداد كلما اقتربت مني .. ولكنني أكتشف بعد سفرك أنك ساكن في قلبي وفي عقلي وإحساسي بك يؤكد لي أنك قريب مني أكثر من أي شخصٍ آخر..
وجلست " ليلى " على خجلٍ وحياء .. وقال أحمد :
- لابد أنك جائعة .. ما رأيك في تناول الطعام في أحد المطاعم ..؟ هذا أفضل أليس كذلك ..؟
اكتفت بهز رأسها موافقة دون أن تنطق بكلمةٍ واحدة ..
كانت سعادتهما بعضهم ببعض تفوق سعادة العالم كله .. وهما يطوفان ويتجولان في شوارع القاهرة وأسواقها وحواريها القديمة والجديدة .. ويداهما لا تنفك عن بعضها البعض .. كان الوقت يمضي بهما دون أن يشعران بساعاته وثوانيه .. حتى حان موعد الغداء وتناولا غدائهما في مطعم قريب من بيتهما ..
وعاد " أحمد " و " ليلى " إلى البيت بعد أن أنهكهما التعب والإرهاق ومضى كلاً
منهما إلى غرفته ليستسلما لنومٍ عميق مليء بالأحلام السعيدة ..
ولكن .. هل نام " أحمد " ..؟ وهل أغمضت " ليلى " عيناها ..؟ لا .. إن السعادة التي كانا يشعران بها سلبت من عيناهما الكرى .. وأصبح كلاً منهما يحلم بالآخر حلماً جميلاً مطرزاً بالآمال والأمنيات .. حتى غابا في نومٍ عميق ..
وفي الساعة السابعة مساءاً .. استيقظ " أحمد " وخرج من غرفته متجهاً نحو غرفة " ليلى " .. وطرق الباب .. ولكن لم يجب عليه أحد .. وسار مسرعاً نحو الدرج وهو ينادي عليها والخوف يتربع بين خطواته .. وتوقف في منتصف الدرج حين رآها تقف أمامه في أسفل الدرج وهي في قدومها إليه .. كانت في كامل زينتها وجمالها ..
كان " أحمد " يقف مشدوهاً وهو يرى حبيبته " ليلى " تستعيد حيويتها .. وأناقتها التي طالما افتخر بها أمام الناس .. واقترب منها وأمسك بيدها ثم قال :
- ما أروع أن أراك في هذه الصورة يا ليلى ..
قالت والبسمة تعتلي وجهها :
- صحيح يا أحمد ..؟ هل يروق لك مظهري ..؟ هل أعجبك ..؟
- وهل لديك شكٌ في ذلك ..؟ أنت أجمل وأرق فتاة رأتها عيني .. صدقيني ..
وخرجا معاً إلى الحديقة حيث كان هناك أبريقاً من الشاي فوق الطاولة .. تحت شجرة وارفة الظلال قد وضعته " ليلى " قبل أن يستيقظ " أحمد " ..
لم يطيلا الجلوس في الحديقة .. فقد كان الجو بارداً جداً .. لم يشعران ببرودته سوى بعد أن سقطت عليهما رذاذ من المطر .. واتجها إلى الداخل ليكملان حديثيهما أمام المدفئة ليأخذان منها حاجتهما من الدفء ..
ومضى بهما الوقت وهما يتسامران ويتجاذبان أحاديث الشوق والغرام على صوت الموسيقى الهادئة التي زادت مشاعرهما توهجاً .. وشجوناً .. وعذوبة ..
بعد مرور شهرين .. كان أحمد يذهب إلى الجامعة كل صباح لتأدية عمله بكل جدٍ واجتهاد .. ويعود بعد الظهر إلى البيت بعد أن التهم الطريق بسرعته الفائقة حتى يصل إلى حبيبته " ليلى " .. ليضمها إلى صدره ويبث إليها أشواقه الحارة لرؤيتها وسماع صوتها ..
أما ليلى فقد كانت تنتظره على شوقٍ مضني .. سحيق .. بعد أن هيأت له غدائه الذي كانت رائحته الشهية تملأ أرجاء البيت ..
ويلتقيان .. ويرتشفان من ينابيع الحب والغرام كؤوساً ملأت جوفيهما الفارغ .. وبعد انتهاءهما من تناول طعام الغداء .. جلسا قرب المدفئة ليحكي كلاُ منهما للآخر أحداث يومه منذ أن افترقا عن بعضيهما حتى ساعة لقاءهما معاً ..

** ** ** ** ** **




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-01-15, 07:47 PM   #8

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

حاولت أن تغمض عينيها كي لا ترى صورة زوجها المخلص


وهو يخلع عنه ثوب الإخلاص ليغرق في وحل الخديعة .. والخيانة ..


مضت الأيام على ما يرام .. والعلاقة بين " أحمد " و " ليلى " تزداد ترابطاً ويزداد وثاقها شدة وقوة .. لقد نال " أحمد " ما يتمناه .. ويرتجيه .. وتحققت أحلامه العذاب في عودة " ليلى " إلى حياته التي كانت باهتة الألوان بدونها .. وظفر بحبها الذي كاد يفقده يوماً ما ..


ها قد عادت " ليلى " إلى حضنه الولهان .. بعد أن فقدت قدرتها في التذكر وأصبحت ذاكرتها معدومة بعد هروبها منه وهي لا تقوى النسيان ..

نسيان تلك الليلة المشئومة حين رأت زوجها " أحمد " الذي كان قرة عينيها ومحل ثقتها يعيش مع امرأة غيرها في شقتها يسامرها ويبادلها الضحكات وحلو الغرام .. وصعقت أكثر حين عرفت أن هذه المرأة ليست سوى صديقتها المقربة إلى قلبها وإلى بيتها ..
حاولت الهروب منه .. والابتعاد عن تلك الصورة المؤلمة والموجعة .. حاولت أن تغمض عينيها كي لا ترى صورة زوجها المخلص يخلع عنه ثوب الإخلاص .. ليغرق في وحل الخديعة والخيانة ليصبح كل شيءٍ حولها وكل شيء أمامها أسود كالفحم .. أو كالليل بلا قمر .. لتصطدم بقسوة أيامها المجتمعة في جدار أحد المحلات التجارية لتفقد وعيها بل كل وعيها بالأشياء .. و بالأشخاص .. يبقى ما فعله زوجها في تلك الليلة سراً دفيناً لا يعلمه أحد سوى " أحمد " و " منى " التي كانت معه في تلك الليلة في الشقة ..
كان الدكتور احمد يجلس مع صديقه الحميم الدكتور " سامح " في أحد النوادي يتجاذبان الحديث عن مسار حياتهما ..
تحدث " أحمد " عن سعادته بعودة " ليلى " وقربها منه وكان حديثه لا يخلو من الزفرات والآهات .. فهو بالرغم من أنه سعيد بذلك إلا أنه يرجو لها الشفاء العاجل ولكن .. ماذا لو عادت إليها ذاكرتها وعادت إليها تلك الصور البغيضة ..؟؟
وهل ستبقى سعادته على حالها أم ستنقلب رأساً على عقب ..؟
وهل سترضى بالعيش معه وهي تعلم أنه خائن لا أمان له ..؟
وتوقف " أحمد " عن الكلام .. وصمت لوقتٍ قصير وهو ينظر ويحدق في الأفق البعيد .. وصديقه ينتظر منه أن يكمل حديثه دون أن يطلب منه ذلك ..
وأكمل " أحمد " حديثه قائلاً :
- ترى هل ستغفر لي خطيئتي ..؟ هل ستسامحني على خيانتي أم ستزيد في نفورها حين تعود إليها ذاكرتها ..؟
وبدأت نبضات قلبه ترتفع على سرعةٍ وخوف حين تذكر أنها ستعود لذاكرتها يوماً ما وسيعود للحرمان ثانية .. حينها لا يعلم أن كان يقدر على استرجاعها مرة أخرى أو أنها سترفض حبه واعتذاره .. وترفض حتى سماع صوته ..
كان خوفه من هذه اللحظة كخوفه من لحظة الاحتضار والموت .. فهو يـرى أن انصراف حبيبته " ليلى " عنه كانصراف روحه عن جسده .. هو لا يريد أن يعود إلى العذاب ثانيةً .. لا يريد أن يحترق بنار الندم ثانيةً .. يكفيه ندم .. يكفيه عذاب .. يكفيه حرمان .. ودموع .. من حقه أن يعيش حياته خالي البال .. مرتاح الضمير بعد أن عاش ليالي وأيام تعصره فيها الآلام والأحزان .. بعد أن كان الندم سياطاً تلسعه في ظهره لحظةً بلحظة وساعةً بساعة ..
إنه ليس أول رجلٍ يخطئ .. ولن يكون هو آخر رجلٍ يخطئ .. ولكنه هو أول رجل يعترف بخطيئته ويندم ويبكي لفعلته في حضن من أخطأ شفي حقها ..
إن الدكتور " أحمد " يحتاج إلى النسيان أكثر من حاجة ليلى له .. فهو يكره تلك الصورة البغيضة التي رأته " ليلى " عليها .. ولا يريد استرجاعها حتى لو كان بمفرده لا يراه أحد
طلب " أحمد " من صديقه الدكتور " سامح " أن يساعده ويمد له يد العون كي يتخلص من هذا العذاب .. كي يعود إلى زوجته نقياً .. خالي من أي شيء يعكر صفو حياته معها ..
كان الدكتور " سامح " صديق أحمد منذ زمنٍ بعيد .. فقد درسا معاً في الجامعة وتابعا الدراسة العليا معاً في بريطانيا .. وعاشا معاً أيام الغربة حتى نال كلاً منهما شهادة الدكتوراه وعادا معاً إلى بلاد الوطن بعد أن قطعا على نفسيهما وعداً وعهداً وثيقاً أن تستمر صداقتهما مدى العمر ..
إن الدكتور سامح رجل المواقف لا يرضى أن يرى صديقه الحميم وهو في هذه الحالة ويبقى مكتوف اليدين لا يفعل شيئاً من أجله .. ليخفف عنه بعض المصاب .. فأمسك سامح بيد صديقه أحمد الباردة ليشد عليها وهو يقول :
- اطمئن يا أحمد .. اطمئن يا صديقي لن أخلى عنك .. سأبذل قصارى جهدي كي تعود إليك " ليلى " صافية القلب والذهن .. وستعيش معها سعيداً .. هانئ البال والفؤاد
لا يعكر صفو حياتكما شيء .. لا تخف يا صديقي إن الله معك ..
أحس أحمد بالاطمئنان يدب إلى قلبه وهو يسمع كلام صديقه سامح .. وبدأت الآمال والأحلام تتراقص أمام عينيه في عودة ليلى إليه .. ولكن ليس وهي في هذه الحال من فقدان الذاكرة وإنما عودتها الحقيقية التي لا يعكرها خوف أو وجل حين تستعيد ذاكرتها ..
وعاد " أحمد " إلى البيت حيث وجد " ليلى " في انتظاره في ساحة البيت وأقبلت إليه مسرعة لترتمي في حضنه وتبث إليه شوقها .. وهو كذلك .. ضمها بين ذراعيه ليصب في أذنيها كلمات الشوق والحنين وهو يقول :
- أحبك يا ليلى .. يشهد الله أني في كل ساعة يزداد شوقي إليك أكثر وأكثر..
ردت عليه تداعبه وتمازحه وقالت :
- حسناً .. فلتبقى في البيت لأغلق عليك بابه وأحكم إغلاقه حتى تضل بجانبي دائماً.. ستكون الحياة أفضل .. أليس كذلك ..؟؟
ضحك أحمد ضحكاً متواصلاً وهو يرغب أن ينفض غبار الخوف من على قلبه .. أما ليلى فقد كانت تتابعه بحب وابتسامة عريضة وفي عينيها بريقٌ يراه أحمد لأول مرة ..
وتعانقت العينان .. وتشابكت اليدين لتتلاقى الأنفاس .. ويقتربان أكثر فأكثر حتى التقت شفتيه بشفتيها وغابا معاً في بحور الغرام العميقة .. الشديدة الغور ..
ولم يستفيقا من لحظتهما تلك إلا على صوت الهاتف يرن .. التفت إليه بغيضِ شديد ثم أشار إليها ليترك لها أمر الرد عليه ..
ولكن لم يكن هناك مجيب وأشار أحمد بيده على الفور قائلاً :
- لا عليك .. هذا حال الهواتف في كل بيت .. متصل ولا مجيب .. أنه الفراغ يا عزيزتي ( وخلع عنه معطفه وألقاه على طرف الكنب بجانبه ثم تابع قائلاً ) سأصعد لأغير ملابسي .. هل تصعدين معي ..؟
- نعم .. سألحق بك بعد قليل .. وسأصنع فنجانين من القهوة ريثما تنتهي من تغيير
ملابسك .. انتظرني في الشرفة ولن أتأخر ..
وصعد أحمد إلى الطابق العلوي وانتهى من تغيير ملابسه وخرج من غرفته ليتجه إلى الشرفة المطلة على الحديقة الواسعة .. المليئة بالأشجار .. ليجلس هناك ويبقى في انتظار قدوم " ليلى " إليه .
ولم يطول انتظاره فقد جاءت " ليلى " وهي تحمل في يدها صينية بها فنجانين من القهوة ووضعتها على الطاولة الصغيرة .. وقدمت إليه فنجانه والابتسامة تملئ وجهها وهي لا تنفك تنظر إليه بشوقٍ واضح .. وهو يبادلها الابتسام والنظرات ..
وفي المساء .. خرج " أحمد " من البيت مودعاً " ليلى " بكل حب بعد أن وعدها بأنه لن يعود إلى البيت إلا ومعه مفاجئة رائعة حتما أنها ستسعدها ..
كانت سعيدة جداً لاهتمامه بها .. وهي تلمس منه الحب الشديد .. والحنان في كل تصرفاته وكلماته .. ولكن ما هي يا ترى هذه المفاجئة ..؟
كانت " ليلى " تنتظر عودته على جمرٍ ولظى .. وهي تفكر في تلك المفاجأة التي وعد بها " أحمد " والتي حتماً ستكون رائعة .. وضلت تفكر في أشياء عديدة مرت على بالها وذاكرتها قد تكون احدها هي المفاجأة ولكنها لم تكن تلك الأشياء تروق لها خاصةً وأن خزانتها تمتلئ بها ويمكنها أن تتناولها لكل سهولة ويسر .. وراحت تعيد البحث والتفكير علها تصل إلى نوعية هذه المفاجأة ..
قد تكون فستان سهرة لأخر موضة وصلت !! ولكن لا فهو قد اشترى لي فساتين كثيرة وعديدة رائعة الألوان والتصميم دون أن يحتسبها يوماً أحد مفاجأته ..
ربما تكون خاتم من الألماس غالي الثمن .. أيضاً لا أظن .. فهو يعلم تماماً أني لا أحب لبس الخواتم أو أي نوع من الذهب في أصابعي .. إذن .. ما هي هذه المفاجأة ..؟؟
كانت تزداد تلهفاً لمعرفة المفاجأة التي وعدها بها " أحمد " .. ليس من أجل شيءٍ ثمين تريد أن تمتلكه .. وإنما لشيء .. مجرد شيء سيقدمه إليها " أحمد " بيديه لتزداد قرباً منه..
ترى بماذا سيفاجئها ..؟ وكيف ستكون هذه المفاجأة ..؟ وهل ستكتمل فرحتها بقرب أحمد بتلك المفاجأة ..؟ أسئلةٌ كثيرة تدور حول رأسها .. ولكنها لم تضع لها حداً بالإجابة على إحداها حتى عاد " أحمد " في الساعة التاسعة تقريباً ليقطع كل حبال أفكارها ويمسح عن رأسها كل علامات الاستفهام.. ولكنه لم يكن يحمل شيء في يديه يريح فضولها .. ويسكت أسئلتها .. ولم تكن ملامحه تدل على شيء يخفيه عنها كما تظن واقترب منها وعرض عليها ابتسامةً قصيرة .. ثم طلب منها أن تغمض عينيها وتفتح يدها لأنه سوف يضع المفاجأة في يدها .. وستعرفها بنفسها..
أغمضت " ليلى "عيناها .. ومدت يدها .. وفتحتها استعداداً لحمل المفاجأة بها .. وقلبها يزداد خفقانه تشوقاً لمعرفة ما جلب إليها أحمد ..
كانت سعادتها بتلك المفاجأة تفوق تصورها .. فهي لم تكن سعيدة كهذه اللحظة حين فتحت عينيها لترى تذكرة سفر إلى بلاد اليونان حيث الآثار التاريخية القديمة .. والتحف الخيالية الثمينة .. والبحر الرائع المنظر مع جوها البديع .. الدائم الربيع ..
ضمتها إلى صدرها بفرحةٍ غامرة .. ثم اقتربت منه لتضع يداها حول عنقـه .. واقتربت إلى خده لتطبع قبلةً ساخنة عليه ثم وضعت رأسها على كتفه الأيمن وأمسك يدها ليشدها في يده ثم وضع عليها قبلةً هادئة جداً .. وقال لها وهو يرفع رأسها ويضعه بين يديه :
- ستكون أيامنا القادمة أروع بكثير من أيامنا الماضية .. لن تشعري بالندم وأنت قربي لن تندمي على حبك الذي غمرتني به وأنا في أمس الحاجة إليه ..
وصمت قليلاً .. ثم عاد يقول وهو يمسح على شعرها برفقٍ وحنان :
- ما أروع الحياة معك يا حبيبتي .. سأجعل اهتمامي ووقتي كله لك .. لك أنت فقط سأهب لك السعادة على طبقٍ من ذهب .. أحبك .. أحبك كثيراً ..
- إنك تغدق عليَّ حباً لا مثيل له .. أنت تحرجني .. فأنا لا أستطيع أن أعطيك ولو
نصف هذا الحب .. أنا ..
وضع إصبعه على شفتيها قبل أن تكمل حديثها ثم قال :
- يكفيني هذا الحب الذي في قلبك لي .. يكفيني ما وهبتني من سعادة ببقائك قربي..
لم تحتمل " ليلى " سماع مثل هذا الكلام دون أن تسقط من عينيها دمعة أيقظت في نفسها المشاعر ومد " أحمد " يده ليمسح تلك الدمعة عن خدها بحنانٍ وهو يقول هامساً :
- لن أغفر لنفسي لو رأيت هذه الدمعة مرة أخرى في عينيك .. لا يجب أن تعرف الدموع طريقاً إلى عينيك يا حبيبتي ..
وضمها إلى صدرها .. واحتواها بقوة بين ذراعيه .. ثم ابتعد عنها وهو لا يزال يمسك بيدها وقال والحماس واضحٌ في كلامه :
- هيا .. سأساعدك في تجهيز حقائب السفر .. يجب أن تستعدي للسفر من الآن فالوقت ضيقٌ جداً .. هيا ..
ذهبا معاً .. وهما يركضان عبر الدرج .. وبعد أن انتهيا من تجهيز كل لوازم السفر.. ووضع الحقائب في الطابق الأرضي لجأ كلاً منهما إلى غرفته ليستسلما للنوم حتى يستفيقان مبكرين وهما مليئان بالنشاط والحيوية .. ولكن " ليلى " لم تنم ولم يكحل عينها النوم .. فقد شغل فكرها حبها لـ " أحمد " .. وأصبحت تلك العاطفة التي يغمرها بها أحمد شغلها الشاغل .. لقد أعطاها حباً لا مثيل له.. ووهبها قلباً مليئاً بالحب والحنان .. والعاطفة الصادقة التي ليس من السهل الحصول عليها ..
كانت تعاتب نفسها كثيراً .. فهي تعلم أنها لم تهبه شيء .. وترى أنها لم تعطيه حباً بقدر حبه العظيم .. ماذا عساها أن تفعل من أجله ..؟ وكيف تسعده وتضمن له راحة البال وهي لا حول لها ولا قوة أمام مرضها العضال ..؟
إنها في حالة حب عميق ورهيب معه .. ولكنه حب فتاة لرجل تعرفت عليه منذ شهور قليلة وليس حب امرأة لزوجها الذي عاشت معه ما يقارب الأربع سنوات .. لا يمكنها أن تسلمه أكثر من قلبها وتفكيرها .. لا يمكنها أن تهبه حق الزوج على زوجته حتى تستعيد في داخلها ليلى الغائبة.. " ليلى " ذاتها التي تزوجت من " أحمد " وعاشت له ومن أجله .. وليست " ليلى " التي فقدت ذاكرتها ولا تذكر من حياتها معه سوى أيامها وشهورها القليلة التي قضتها معه ..
إنها حائرة .. تائهة .. تبحث عن قبس نور تسير خلفه نحو الضياء .. وبعيداً عن الضلال كما تحب أن تعيش ..
تناولت " ليلى " دفترها والقلم من فوق المنضدة الموضوعة بجانبها .. وقررت أن تكتب كل ما تستطيع كتابته وتدون كل ما تستطيع تدوينه في دفترها حتى يمكنها أن تستعيد هذه الأيام الجميلة في أي لحظة من خلال كلماتها وعباراتها .. كتبت تقول :
- " غداً سنسافر أنا وزوجي أحمد .. سنسافر معاً .. وسنعيش أياماً حلوة تزيد حلاوة وسعادة عن أيامنا الماضية .. لقد غمرني أحمد سعادةً ونشوةً وحب يفوق حب العالم كله .. لقد أحببته حباً يفوق حب " ليلى علوان " .. وأشعر أنه يزداد كل يوم .. بل كل ساعة وكل لحظة.. حتى جعلني أغرق في بحور غرامه إلى أن وصل بي الأعماق حيث لا مفر ولا نجاة منه .. لا شك أن أيامي معه ستكون مختلفة تماماً عن الأيام التي تصورتها وتخيلت أنني سأعيشها معه حين رأيته لأول مرة .. فقد كان دائم العبوس والحزن مرسوم على وجهه كأنه جزءٌ منه .. وكنت دائماً أتسائل إن كنت أنا سبب ذلك العبوس ومصدر ذلك الحزن .. كانت نظراته تخيفني أحياناً.. وتدفع في قلبي الشفقة عليه أحياناً كثيرة .. عندما أراه ينظر إليَّ بأسىً وشجون وكأنه يخفي شيئاً في قلبه ويداريه عن ناظري .. ولكنني حين علمت الحقيقة غابت عن نفسي الشكوك .. وأيقنت أنه الحب .. نعم الحب .. إنه يستميت في حبي ويعشقني حتى الموت .. ولم يكن يحتمل رؤيتي وأنا أعامله كرجلٍ غريب دون أن يبكي .. ويتحسر على أيامه معي .. يا له من زوج ورجلٌ محب ومخلص .. أنني أحسد نفسي على حبه وألوم قلبي على تأخره في تبادل الحب معه .. لأنه يستحق الحب .. بل لأنه لا يمكن أن يعامل بغير الحب والعطف والحنان إنني أدعو الله من كل قلبي وأرجوه كثير الرجاء أن يعيد إليَّ ذاكرتي .. ليس من أجلي أنا .. وإنما من أجله هو حتى أستطيع أن أعطيه ما يستحق وما أكنه في صدري .. وكل ما أملك .. أرجو من الله الشفاء كي يعيد إلينا حياتنا وأيامنا وسعادتنا كي نكمل معاً مشوار الحب والعطاء .. لقد أحببته كثيراً .. وحتماً أنني كنت أحبه أكثر ولا أبخل عليه من الحب شيء عندما كنت " ليلى علوان " أنعم بين يديه وتحت ظله..
ياه .. إن الوقت يمضي بي سريعاً .. وأنا لا زلت مستيقظة ولم آخذ نصيبي الكافي من النوم هذه الليلة .. سيتمكن مني التعب والإرهاق غداً .. فالرحلة ستكون طويلة .. ولكنها حتماً ستكون ممتعة ورائعة .. لم لا ..؟ فأنا سأكون قرب حبيبي الذي أعشقه ملئ قلبي ..
" سنسافر معاً لنبقى معاً .. قالها وهو ينطلق بي في سماء الأحلام .. ويحملني فوق ذراعيه سعيداً يرفرف بجناحيه كفراشةٍ جميلة رزقت بأجمل الألوان .. وتطير مع باقي الفراشات بفخرٍ ودلال تمضي بي اللحظات وأنا بقربه كأنها البرق الخاطف الذي يأتي ويذهب قبل أن تتمتع العي بالنظر إليه .
أحياناً .. تدفعني مشاعري نحوه وتحثني على أن أرتمي في حضنه .. وأقبله ملأ شفتي وأهمس في أذنيه .. أنا لك .. ملكك .. أموت و أحيا بين يديك .. افعل بقلبي ما شئت .. ولكنني لا ألبث أن أصحو من غفوة أحلامي .. واندفاعية مشاعري ثم أتراجع إلى الوراء وأقول في قرار نفسي .. اصبري فأنت له .. وهو لك .. فلم لا تتريثين حتى يأتي الفرج ويطمئن قلبك لتبقي في أحضانه دون همٍ أو حزن أو وجل ..
إن ليلى في داخلي تطلب منى التعقل والتريث .. والتفكير ملياً قبل فعل أي شيء قد يندم عليه قلبي .. ولمَ الندم ..؟ فأنا أحبه .. أحبه أكثر من نفسي .. وهو أغلى شيء في الوجود وهل أمتلك في دنيتي شيء غير حبه وقلبه الكبير الذي احتواني وضمني إليه بكل حب .. حتى سرى في داخلي الدفء بعد ذلك البرد الشديد القاسي الذي ملئ جوفي .. "
وتوقفت " ليلى " عن الكتابة بعد أن رأت أشعة الشمس الذهبية تتسلل عبر النافذة
إلى غرفتها .. لتعلن عن طلوع الصبح واقتراب موعد السفر .. ثم ألقت بنظرة خاطفة على الساعة المشدودة في معصمها لتجدها قد تجاوزت السادسة صباحاً .. فأسندت رأسها على المخدة وأغمضت عينيها لتغرق في نومٍ عميق ..
وعند الساعة العاشرة استيقظ " أحمد " من نومه .. وقام مسرعاً ليغسل وجهه ويرتدي ملابسه .. ثم اتجه نحو غرفة " ليلى " وطرق الباب ليوقظها من نومها ولكنها كانت مستغرقة في النوم بعد سهر ليلة البارحة حتى أنها لم تسمعه .. وعاد يطرق الباب مرةً أخرى حتى سمع صوتها منخفضاً مجيباً عليه قائلةً :
- حاضر يا أحمد .. إني قادمة ..
ورد عليها وهو يلصق وجهه بالباب قائلاً :
- إيه النوم ده كله ..؟ لقد طال انتظاري لك خلف هذا الباب .. هيا و إلا تأخرنا على بيت حماتي العزيزة ..
نهضت " ليلى " مسرعة لتغسل وجهها .. وترتدي ملابسها .. ونزلت إلى ساحة البيت لتجد "أحمد " جالساً في انتظار قدومها إليه ..
واقتربت منه وهي تسرّح شعرها بيدها وترتب ملابسها وقالت :
- صباح الخير يا أحمد .. سأصنع لك القهوة حالاً ..
وقف مسرعاً وهو يشير بيده قائلاً :
- لا .. لا .. ليس لدينا وقت سنشربها هناك عند حماتي " أم ليلى " الحبيبة ..
قال ذلك وهو يقرب شفتيه من خدها ليطبع عليه قبلة سريعة .. وخفضت رأسها باستحياء وهي تسترق النظر إليه من حين إلى آخر .. وتتابعه وهو ينقل الحقائب إلى سيارته ..
ثم عاد إليها ليمسك بيدها وهو يقول :
- هيا .. لماذا تحدقين بي هكذا ..؟ أسرعي فإن حماتي ستغضب مني بلا شك وهذا
مالا أرضاه أبداً .. هيا ..
وقالت وهي تبادله المداعبة والمزاح :
- لا تخف .. سأكون واسطة خير وسأصلح بينكما .. وربي يكون في عوني ..
وخرجا معاً بعد أن أغلق " أحمد " الباب .. واستقلا السيارة وانطلق أحمد بها إلى بيت والدة ليلى لتناول طعام الغداء معاً قبل السفر .. وبعد تناول الغداء جلست عائلة ليلى في الصالون المخصص للضيوف وضيفيهما العزيزان " ليلى " و " أحمد " يجلسان معهم ويتبادلان الحديث ويشربان الشاي حتى حان موعد الرحيل ..
لم يتبقى سوى ساعتين فقط على موعد إقلاع الطائرة التي ستحمل " ليلى علوان " والدكتور " أحمد توفيق " إلى أثينا " اليونان " بلاد السحر والمتعة والجمال ..



** ** ** ** ** **




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-01-15, 07:55 PM   #9

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

كان الجو رائعاً هناك في اليونان .. والبحر سحر كل من يقف على شاطئه .. فقد كان الهواء عليل ..
وصوت طيور النورس تزيد البحر نشوة وجمالاً ..



كان الجو رائعاً هناك في اليونان " أثينا " والبحر يسحر كل من يقف على شاطئه فقد كان الهواء عليل .. وصوت طيور النورس تزيد البحر نشوة .. وجمالاً يبهر الأبصار .. و يثلج الصدور
كان " أحمد " و " ليلى " يجلسان في أحد الشاليهات التي تطل على البحر والذي استأجره أحمد لقضاء بضعة أيام فيه .. للتمتع بمنظر البحر الأزرق الهادئ .. والرمال البيضاء التي تناسب لون الشاليه الأبيض التي زادت النهار نوراً والليل زاده ضياءاً مع ضوء القمر المنير ..
كان البيت " الشاليه " يحتوي على نوافذ كثيرة وكبيرة وبه العديد من الشرفات منها ما يطل على البحر ومنها الآخر يطل على باقي البيوت المصفوفة بجانب بعض بشكلٍ جميل..ويوجد به أربع غرف واسعة .. وبه صالتان مربعة الشكل أحداهما مفروشة على الطراز الأسباني القديم والأخرى على الطراز الأمريكي الحديث التي يجمل زاويتها مدفئة كبيرة خالية من الحطب فالجو دافئ نهاراً ولا يحتاج إلى إشعال الحطب فيها ..
كان " أحمد " يهوى السباحة كثيراً ويقضي أكثر وقته في البحر .. و" ليلـى" تقف متفرجة .. فهي لا تحب السباحة ولا تعرف أساليب التعامل مع البحر .. وحين يشعر أحمد بالتعب والإرهاق من كثرة السباحة يخرج ليرتدي ملابسه بعد أن خلع ملابسه بعد أن خلع ملابسه المبللة ليجد " ليلى " تنتظره على كرسي من القش الأبيض تحت مضلة ملونة بأجمل الألوان .. بعد أن صنعت فنجانين من القهوة .. وجلسا معاً يرتشفان القهوة ويتبادلان الحديث المشوق عن بلاد اليونان الجميلة .. والتي تجذب إليها السياح في كل سنة .. خاصةً مع قبول موسم الصيف .. ويتسامران إلى آخر النهار حتى يحين موعد الغداء ..
وبعد ألانتهاء من تناول طعام الغداء يتجه كلاً منهما إلى غرفته الخاصة بنومه بعد أن ودع كلاً منهما الآخر بشوقٍ وحنين للقاءٍ آخر .. ويسبحان في نومٍ عميق بعد قضاء نهارٍ ممتع مليء بالفرح.. والمرح .. والإثارة ..
وفي المساء يحلو السهر .. ويأتي وقت الاستمتاع باللحظات الهادئة .. والاستماع للصوت الشجي الذي سحر القلوب بحنجرته الخيالية .. وأثلج الصدور بكلماته العذبة .. الندية إنه صوت كوكب الشرق .. السيدة " أم كلثوم " في أجمل ما تغنت به .. وغردت له في أغنيتها " أنت عمري " .. تحت ضوء القمر .. وفي هجعة الليل .. حيث السكينة والهدوء ..
" أحمد " يجلس على كرسي رجراج .. وقدماه ممددتان ويغمرهما الرمل الأبيض البارد ويده اليسرى تسند رأسه والأخرى تمسك بيد حبيبته " ليلى " .. التي تجلس بقربه على الرمل .. تطالعه تارةً وتنظر إلى القمر تارةً أخرى .. وهما يسرحان .. ويهيمان مع كلمات الأغنية .. والصوت الحنون.. العذب .. جعل قلبيهما يسبحان في بحور شوقٍ وغرام والتياع .. وشفتاهما ترددان كلماتها التي تقول :
يا أغلى من أيامي .. يا أحلى من أحلامي .. خذني لحنانك خذني ..
عن الوجود وأبعدني .. بعيد .. بعيد .. أنا وأنت .. بعيد وحدينا ..
عا الحب تصحا أيامنا .. عا الشوق تنام ليالينا ..
وعند منتصف الليل يلجأ كلاً منهما إلى فراشه ليريح جسده المتعب بعد عناء يومٍ كامل قضياه في
لعبٍ وسباحة .. وركضٍ ومرح لا ينقطع ..
وفي اليوم التالي .. استيقظت " ليلى " بينما " أحمد " لا يزال مستغرقاً في نومٍ عميق وأعدت طعام الإفطار مع كوبين من الشاي .. وبعد انتهائها من إعداد الطعام دخلت إلى غرفتها لترتدي قميصاً أبيضاً وبنطلوناً من الجينز الأزرق .. وأطلقت شعرها ليتدلى على كتفيها بشيءٍ من السحر والدلال ..
ووثبت إلى غرفة " أحمد " لتوقظه من نومه .. واقتربت من سريرة وجلست على حافته .. وراحت تمسح براحة يدها على وجهه .. واستيقظ " أحمد " وفتح عينيه ليرى حبيبته " ليلى " تجلس بقربه .. فأمسك بيدها ليطبع عليها قبلةً حانية .. ثم جلس واعتدل في جلسته على السرير وقال لها وفي كلامه بعض الدلال والليونة :
- سأتناول إفطاري على سريري هذا الصباح .. وأنتِ أيضاً .. أرجوك ..
- هنا ..!! على السرير .. لا يمكن .. غير معقول .. أنت ....
وقاطعها بحزم قائلاً :
- مش عايز كلام كثير .. هيا احضري الطعام فوراً .. هيا ..
لم ترد عليه " ليلى " وإنما أكتفت بضحكة اختلطت بشيءٍ من الحياء والخجل منه .. وخرجت بسرعة لإحضار الطعام ..
إنه يطلب منها أن تتناول معه الطعام .. وأين ..؟؟ على سريره ..؟؟ سرير غرفة النوم الخاصة به التي لا تدخلها سوى للحظات أثناء تنظيفها فقط .. ولا تجرأ على الدخول خاصةً أثناء وجوده فيها .. إنها ترتعش لمجرد التخيل أنها ستجلس وتأكل معه على ذلك السرير .. وتجلس بمحاذاته لا يفصل بينهما لا هواء .. ولا شمس ولا حتى طاولة مستديرة تلزم كلاً منهما الجلوس على كرسيه مقابلاً للآخر ..
الآن يأمرها " أحمد " أن تأكل معه وتجلس بقربه .. وتسمع أنفاسه ودقات قلبه .. لا .. بل هو من سيسمع دقات قلبها .. لأنها خائفة .. خائفة .. ولكن لماذا تخاف منه ..؟؟ بعد مرور كل هذه الأيام .. وهي تعيش معه .. وتلازمه في كل مكانٍ يكون فيه .. ويدها تحتضن يده ..!!
لماذا تخاف منه وهي تحبه ..؟؟ والأهم من ذلك كله أنه زوجها وحلالٌ عليها أن تجلس بقربه بدون حسيبٍ أو رقيب .. وبدون خوفٍ ولا حتى خجل .. إذن .. هي لا تخافه .. وإنما تخاف أن تفضحها عيناها المكتوب فيها كلمة " أحبك " .. " أريدك " .. تخاف أن تنطق شفتيها بما يكنه قلبها وتخفيه عنه من كلمات الشوق والحنين والغرام .. هي تخاف أن تنتفض يداها وهي تلامس يداه .. وتبث إليه من خلالها مشاعر تصر على كبت جماحها وترويضها لبرهةٍ من الزمن .. إلى أن تعود إلى ذاكرتها وتهنأ بالقرب منه بلا خوفٍ أو وجل ..
إنه لا يخاف مثلها .. ولم يشعر يوماً أنه يرغب في ترويض مشاعـره تجاهها .. فهو لم يتغير عليه شيء لأنه يؤمن أن التي تقف بين يديه .. وأمام عينيه هي زوجته وحبيبته منذ أن رآها لأول مرة .. وإنما يحاول فقط أن يهدأ أمامها ويقلل من اندفاعه نحوها احتراماً لرأيها وراحتها بقربه ..
دخلت " ليلى " إلى الغرفة وهي تحمل الصينية المليئة بالطعام .. وحاولت وضعها على الطاولة الصغيرة الموضوعة قرب السرير .. لكنه أشار إليها بإصبعه على السرير ليؤكد لها أن تضع الصينية فوق السرير دون تردد .. وأطاعته بصمت .. ووضعتها " ليلى " بهدوء .. وهي تحاول أن لا تقع عيناها في عينيه .. وتحاول قدر الإمكان أن تكون بعيدةً عنه حتى لا يلمس فيها ارتعاشها وخوفها..
كان " أحمد " يتابعها بعينه .. وهو يلاحظ عليها الارتباك والقلق والوجوم .. فحاول أن يخفف عنها ولا يزيد من خوفها .. وأن تمضي هذه اللحظات كما تريد هي .. وكان لها ذلك فقد انتهيا من تناول طعام الإفطار دون أن يلفظ أي أحدٍ منهما كلمةً واحدة .. وقامت " ليلى " وهي تحمل الصينية لتخرج بها من غرفة أحمد وذهبت إلى المطبخ حيث تنفست الصعداء هناك ..
وكان حملاً ثقيلاً أزيح عن عاتقها .. ثم وضعت يدها على قلبها لتطلب منه أن يهدأ ويقلل من نبضاته فقد زال الخوف وانتهت لحظات كانت شديدة الصعوبة عليها .. وأطلقت ضحكة حاولت كتمانها بكفها وخرجت إلى الشرفة المطلة على البحر لتأخذ نصيبها من الهواء النقي البارد .. لترى الشمس في حضن السماء تمكث بأمان .. والنسيم الهادئ يدغدغ أمواج
البحر وكأنه يرفق بها ..
إن هذا الصباح أجمل من أي صباحٍ مضى .. وكل شيء فيه يبدو رائعاً وساحراً .. وكأنها ترى هذه الأشياء لأول مرة منذ أن أتت إلى هنا .. إلى أثينا .. البلاد الرائعة الجمال ..
مضت الأيام بسرعة .. لتطوي معها أجمل اللحظات والذكريات السعيدة .. لتنتهي بسرعة كعادتها دائماً .. ومضى الشهر كاليوم .. ساعاته دقائق معدودة ليقرر " أحمد " العودة إلى الوطن .. إلى القاهرة .. إلى بيته الذي يشتاق إليه كثيراً .. إلى عمله وأصدقاءه .. إلى الناس أجمع ليرو مدى سعادته وهناءه وحبيبته تعيش معه وبقربه ويهنأ بحبها .. بعد أن كاد أن يفقدها ويفقد روحه بعدها ..
كانت رحلة جميلة .. ورائعة .. قضياها معاً ليعودا معاً إلى الأرض التي احتوت حبهما منذ زمنٍ بعيد.. كان يقف في استقبالهما في ميناء القاهرة الجوي صديقه " سامح " الذي كان سعيداً جداً لرؤيته وتبادلا العناق الحار .. وبينما هما يتبادلان القبلات والتحية كان هناك من يراقبه .. حيث شعر " أحمد " بقلقٍ شديد عندما رأي امرأة تخفي عينيها وراء نظارة شمسية سوداء قد اختفى جزءٌ كبير من وجهها خلفها..
وتوقف للحظة حتى يرى هذه المرأة ليجدها هي .. إنها " منى " لقد عرفها .. وقد رمقته بنظرةٍ لا تخلو من الخبث والدهاء .. فدب الخوف في جسمه وانطلق بسرعة واضعاً يده على كتف زوجته " ليلى " طالباً منها أن تسرع في خطواتها حتى يلحق بصديقه " سامح " ..
واستقل سيارة صديقه وبجانبه زوجته " ليلى " .. طالباً منه أن ينطلق بسرعـة حتى يتوارى عن نظر " منى " التي لا تزال تتابعه بسيارتها حتى فصلت بينهما إشارة المرور .. حينها شعر " أحمد " بقليلٍ من الارتياح .. عندها حاول التخفيف من حدة قلقه وخوفه بحديثه مع صديقه " سامح " عن رحلته السعيدة مع زوجته التي لا تقل سعادتها عنه بتلك الرحلة ..

** ** ** ** ** ** **


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-01-15, 08:01 PM   #10

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

وازداد خوفه سعيراً .. وقلقه اتقاداً عندما رآها عبر النافذة وهي تقف أمام بيته
تنتظر خروجه إليها حتى يمكنها التحدث إليه ..

كان القلق والخوف واضحاً على وجه " أحمد " الذي لم يهدأ .. ولم يتوقف عن التفكير منذ أن رأى " منى " تتابعه في المطار بعد وصوله من أثينا .. وازداد خوفه سعيراً .. وقلقه اتقاداً عندما رآها عبر النافذة وهي تقف أمام بيته تنتظر خروجه إليها حتى تتمكن من التحدث معه ..
حاول " أحمد " الخروج والالتقاء بها حتى ينهي معها كل شيء .. ويقطع الخوف بالمواجهة .. ومنعها من أي تصرف أهوج قد ينتج منها .. ويسيء إليه .. فهو يخاف أن يخسر زوجته " ليلى " للمرة الثانية .. ولا يرضى لأحد أياً كان أن يفرق بينه وبينها .. فالموت أهون عليه من أن شيئاً مثل هذا يحدث ..
حاول " أحمد " أن يبحث عن عذراً يقنع به زوجته ليخرج من البيت في هذه الساعة المتأخرة من الليل .. وخاصةً أنه لم يريح جسده من عناء السفر وطول الطريق .. ولكنه لم يجد عذراً مناسباً يقدمه أمام زوجته حتى يخرج دون أن يداخلها الشك والخوف والقلق عليه .. ففضل أن يطلب منها الذهاب إلى غرفتها للنوم بعد أن أوهمها أنه سيذهب هو أيضاً إلى غرفته لينام ..
وبعد ساعة .. وبعد أن أطمأن أن كل شيء على ما يرام .. فزوجته نائمة ولا يمكن أن تشعر بخطواته أثناء خروجه .. ولا أن تحس بغيابه عن البيت .. تقدم نحو النافذة ليرى " منى" مرة أخرى تقف في مكانها بلا حراك .. ودون ملل .. وهي تصر على النظر إليه وكأنها تطلب منه الخروج فوراً لمقابلتها والتحدث إليها ..
كان الغضب يملأ قلبه .. والنار تتقد في جوفه وهو في سيره إليها حتى وقف أمامها دون أن ينطق بكلمةٍ واحدة ..وما هي سوى لحظات حتى ارتمت "منى" في حضنه متظاهرةً بالبكاء .. وقالت :
- حبيبي أحمد .. اشتقت إليك يا نور عيني .. لماذا كل هذا الغياب ..؟؟ لماذا كل هذه القسوة يا حبيبي ..؟
ولكن " أحمد " لم يكن يتجاوب مع مشاعرها الكاذبة .. وكلماتها المزيفة .. فأمسكها من كتفيها وأبعدها بشدة .. وقسوة .. ثم قال لها بحزم يملئه الغضب :
- اسمعي يا منى .. أنا لا أريد أن أؤذيك .. كما أنني لا أريدك أن تؤذينني .. إن الذي بيننا قد انتهى ولن يعود .. وإن لم تغربي عن حياتي وتتركيني وشأني أعيش حياتي مع زوجتي أتي أحبها وتحبني فلن أغفر لك .. هل تسمعين ..؟؟ لن أدعك تدمرين حياتي مرةً أخرى .. يكفي ما عانيته بسببك .. والآن أذهبي من هنا .. ولا أريد أن أراك مرةً ثانية .. هيا ..
كان ينتظر منها أن تخاف وتهرب منه ولكنها وقفت أمامه وهي تبتسم في وجهه ابتسامةً هازئة وأخرجت علبة السجائر من حقيبتها اليدوية والتقطت واحدةً منها لتضعها بين شفتيها ثم أشعلتها وراحت تنفث دخانها في الهواء ..
كاد صبر "أحمد " أن ينفد وهو يتابع منها اللامبالاة حتى قالت له بنبرة التحدي والتهديد الواضح :
- هكذا إذن ..!! تريدني أن أتركك واختفي من حياتك لتعيش هانئاً معها وأبقى أنا تائهة بلا هدف ولا مصير معلوم .. لا .. لا يا أحمد لن أدعك .. لن أدعك .. لأنك ملكي أنا ولن أدعك تتلاعب بمشاعري أكثر من ذلك ..
وألقت ما تبقى من سيجارتها على الأرض وسحقتها بطرق حذائها وقالت وهي تنظـر
إليه بغضب :
- ستعود إليَّ .. وإن لم تفعل سأسحق قلبك مثل هذه السيجارة .. ولن أندم على ذلك يا دكتور أحمد .. لن أندم ..
واستدارت عنه لتتجه نحو سيارتها بخطىً واسعة .. لتقودها بسرعة فائقة مبتعدةً عنه .. أما " أحمد " فهو لا يزال في وقفته تلك .. تتصارع الأفكار في رأسه .. وتتضارب الكلمات في ذهنه .. لا يدري ماذا يفعل ..؟؟ وكيف يتصرف ..؟
إنه في موقفٍ لا يحسد عليه .. وضعته فيه تلك المرأة التي لا تعرف الرحمة طريقاً لقلبها ورمته في حفرةٍ من الضياع بلا شفقة أو رحمة ..
وعاد " أحمد " إلى البيت .. والهدوء والسكينة تعم أرجاءه .. ثم تنفس الصعداء وارتاح قلبه عندما رأى " ليلى " تغط في نومٍ عميق ..ونظر إليها بشوقٍ وحنين وهو يحدّث نفسه قائلاً:
- " إنها هادئة حتى في نومها .. طفلة لا يعرف قلبها معنى العناد والتهديد .. إنك رائعة يا ليلى .. رائعةٌ حقاً .."
وأغلق الباب بهدوء دون أن تشعر به .. ودخل إلى غرفته بعد أن أضاف إلى همومه هماً جديداً هو في غنىً عنه ..وحاول جاهداً في جلب الكرى إلى عينيه .. ولكن هيهات أن يدل النوم طريقاً إلى عينيه .
مضى الليل طويلاً .. مظلماً .. سحيقاً .. لا نوم فيه ولا راحة بال .. فكيف ينام وهو غارقٌ حتى أذنيه في بحر من التفكير العميق .. يبحث عن طوق نجاة .. ينجيه من جنون تلك المرأة الماجنة .. وما قد تحدثه من أضرار في نفسه .. يبحث عن حلاً عاجلاً لمشكلته العضال .. إنه كلما تخيل ابتعاد زوجته وحبيبته " ليلى " عن ترتفع حرارة جسمه .. ويعلو الدم في رأسه ليفتك الصداع به .. ويدعو على نفسه بالموت قبل أن يحدث أمراً مثل هذا .. فالموت أرحم بكثير من ابتعاده عن حبيبته .. والموت أرحم من أن تنطق شفتيها بكلمات الوداع والرحيل .. وضل "أحمد" على هذه الحال حتى طلوع الشمس..وأسند رأسه المثقل بالهموم والأفكار القـاتمة
على المخدة .. وأغمض عينيه بعد أن غالبه النعاس .. وغرق في نومٍ عميق ..
وعند الساعة العاشرة صباحاً .. استيقظت " ليلى " من نومها .. واتجهت نحو المطبخ لصنع فنجانين من القهوة ثم صعدت إلى الأعلى ووضعت الصينية التي تحمل فنجانين القهوة على الطاولة الموضوعة على الشرفة .. وذهبت لتوقظ " أحمد " بعد أن طال نومه على غير عادته ..
طرقت الباب طرقات خفيفة فتحت الباب لتجد " أحمد " لا يزال في نومه العميق .. واقتربت منه لتدعوه قائلة :
- أحمد .. أنهض يا أحمد فقد صنعت لك فنجان قهوة .. هيا ألا يكفيك نوم ..؟؟
وفتح عيناه ثم جلس نصف جلسة على السرير .. وقال بصوت غائر :
- صباح الخير يا ليلى .. كم الساعة الآن ..؟
- إنها العاشرة والنصف صباحاً .. وأنت لا تزال نائماً على سريرك أيها الكسول ..
ثم دعاها للجلوس بجانبه على حافة السرير وقال وهو يتحاشى النظر إلى عيناها :
- لم أنم طيلة ليل البارحة ..
وانتابها القلق والخوف وهي ترى عيناه يغطيها الاحمرار وقد أذابها الأرق .. وسألته وهي تشد على يده بحنانٍ ورفق :
- ما بك يا أحمد ؟؟ هل أنت مريض .. هل استدعي لك الطبيب ..؟؟ حالك هذا لا يعجبني .. إنني قلقةٌ عليك كثيراً ..
- لا .. لا داعي للقلق يا عزيزتي فأنا بخير.. وسأشعر بتحسنٍ فوراً بعد أن أشرب القهوة من يدك الحلوة ..
- حسناً .. هذه هي القهوة سأقدمها لك بنفسي ..
وبعد أن انتهى من احتساء القهوة طلب من "ليلى" أن تظل بجانبه ولا تتركه .. مما جعلها تعيد عليه السؤال بشيءٍ من القلق :
- هل أنت بخير بالفعل يا أحمد ..؟؟
وأمسك بيدها وشدها إلى صدره بشوقٍ وحنين ثم قال لها :
- إني أحبك كثيراً يا ليلى .. ولا أتصور أن أعيش لحظة واحدة بدونك .. أخاف أن
يأتي يوم وتتركينني فيه .. حينها ستحكمين على قلبي بالإعدام وعلى حياتي بالموت يا حبيبتي.. أرجوك أبقي بجانبي ولا تتركيني وحيداً .. أرجوك ..
واقتربت منه أكثر وهي تقول :
- لا تقل مثل هذا الكلام يا أحمد .. يعلم الله أنني أحبك وقلبي يتفانى بحبك .. ولن أتركك أبداً .. أبداً .. سأضل هنا على قلبك ..
- حقاً .. يا ليلى ..؟؟
- وهل لديك شكٌ فيما أقول ...؟ صدقني يا أحمد إن حبك أعظم من أن يعادله شيءٌ آخر في الوجود .. صدقني .. لأنك إنسانٌ رائع ولا أظن أن لك مثيل في رقة مشاعرك ..
وضمها إليه برفق وحنان بعد أن رمت رأسها على صدره ليغرقا معاً في بحورٍ من الحب والغرام الصادق ..
مضى أسبوعاً كاملاً منذ أن التقى الدكتور " أحمد " بزوجته السابقة " منى " وكل شيءٍ هادئ .. ويسير كما ينبغي .. وارتاح فؤاد " أحمد " وهو يرى حبيبته بقربه لا يعكر صفو حياتهما أحد .. ولا يرى أحداً يثير ضجره ويقلق منامه .. ويكون سبباً في غضبه .. حتى جاء ذلك اليوم ..
اليوم الأول من تشرين الثاني وهو يوم عيد ميلاد " أحمد " الذي اعتاد أن يحتفل به مع زوجته "ليلى" دون أن يشاطرهما الفرح والسعادة والتهاني والاحتفال أحد .. ولكن هذه المرة كان إصرار "ليلى" على أن تقيم حفلاً بهيجاً يلتف فيه جميع الأهل والأصدقاء وكل من يحب الدكتور أحمد .. وستكون فرصةً مناسبة لتتعرف على كل هؤلاء الأشخاص اللذين يحيطون به ومعرفتها بهم تكاد تكون معدومة .. وهي التي ستشرف على الحفل شخصياً لتعبر عن فرحتها الكبيرة بحبيبها الذي تطلب له العمر المديد .. والحياة السعيدة الهانئة بقربها ..
كان بيت " أحمد " في ذلك اليوم مشرعاً بالزينة والأضواء الملونة والبالونات التي كتب عليها " ميلادٌ سعيد وعمرٌ مديد " وعلقت في كل ركن وكل زاوية في البيت .. كما ازدهرت أشجار الحديقة بالشرائط الملونة لتظهر في أجمل صورة .. وليلى تتحرك كفراشة ما تلبث أن تحط في مكان لتضع عليه لمساتها الأخيرة حتى تنتقل إلى مكانٍ آخر لتضع عليه كل ما وهبها الله من ذوقٍ رفيع وأفكارٍ بهيجة .. أما أحمد فقد كان يقف قرب باب الاستقبال بعد أن ارتدى بزته السوداء التي كان قد ارتداها في يوم عرسه .. تعبيراً عن حبه العميق لعروسه الدائمة " ليلى " والأرض لا تكاد تحمله من الفرح والسعادة ..
وعندما أشارت الساعة إلى الثامنة مساءاً .. بدأ الأصحاب والأصدقاء في الحضور واحداً تلو الآخر حتى امتلأ صحن البيت واحتشد بالحضور .. وكان أول من حضر صديقه " سامح " وزوجته " سهير " .. وتلتهما أخت " ليلى " صفاء التي قامت بالاعتذار نيابةً عن والدتها التي لم تستطيع الحضور لأن صحتها لم تعد تساعدها على حضور مثل هذه الحفلات ..
كانت " ليلى " تبدو أجمل الحاضرات وأكثرهن أناقة .. وقد كان سحرها الأخاذ يلفت الأنظار .. وتصبح محور حديث الحاضرات .. خاصةً حين يبدو عليها حرصها الشديد على أن يسير الحفل بالوجه الذي يليق بمركز زوجها المرموق وبالشكل الذي تريد ..
وكان هناك من يقف أمام مدخل البيت تنظر يميناً ويساراً وهي تنتظر من يأتي لاستقبالها والسماح لها بالدخول ولم يطول انتظارها .. فقد هرعت إليها " ليلى " لاستقبالها ومصافحتها وطلبت منها الدخول بعد أخبرتها أن الدكتور " أحمد " سيأتي فوراً ليرحب بها ..
كانت الدهشة تملأ وجه " منى " فهي لم تتوقع أن تستقبلها " ليلى " بكل هذا الترحيب وكأنها لا تعرفها من قبل .. وكانت الصاعقة في وجه " أحمد " عندما جاء ليرحب بالضيفة الغير مرغوب فيها من قبله .. والغير متوقعة أيضاً .. وأحس بصداعٍ خفيف يغزو رأسه عندما رأى " منى " تقف أمامه تنتظر منه أن يقول لها تفضلي بالدخول مرحباً بها .. واقتربت منه لتهمس في أذنه لتقول :
- إن زوجتك المصون بارعةٌ في إخفاء المشاعر .. فقد تظاهرت بعدم معرفتها لي .. واستقبلتني وكأنها تراني لأول مرة ..!!
بدا على وجه " أحمد " القلق والوجوم وهو يكتشف أن " منى " ليس لديها علم بحال " ليلى " وما حصل لها بسببها مما جعله يتلعثم في كلامه معها .. والعرق يتفصد من جبينه وهو لا يدري بماذا يجيب عليها ..؟؟ أو كيف يهرب من نظراتها التي قد تكشف ما يخبأه في داخله .. هل يعترف لها بحقيقة الأمر ويقول أن زوجته لم تدعي عدم معرفتها لها بل هي لا تتذكرها أبداً .. لأنها فاقدةٌ للذاكرة ولا يمكنها أن تستعيد تلك الأحداث التي دارت بينهما ..
لا .. فهذا يجعلها تزداد حقداً وإصراراً على الانتقام منه ومن زوجته وربما تتسبب في أذيتها للمرة الثانية .. لن يجيب على سؤالها .. وسيتركها هكذا حتى ينتهي هذا الحفل على خير وتذهب وتتركه بسلام ..
ولكن ماذا لو سألته " ليلى " عنها ..؟ من تكون هذه المرأة وبماذا أجيب ..؟
لن يستطيع أن يكذب عليها ويقول أنها رفيقته في العمل فهو لم يحدثها عنها من قبل ضمن رفاقه الذين تحدث عنهم .. وتعرفت عليهم واحداً .. واحداً .. ولو كذب عليها فقد تفضحه " منى " أمامها .. وتعلن لها الحقيقة الناصعة البياض .. وتقول لها أنا زوجته التي طلقها من أجلك .. وتركها وحيدة بكل قسوة بعد أن استحلّ خيانته لك .. وأستغل ثقتك به ..
تقدمت " منى " من " ليلى " ونظرت إليها بتعجب .. وهي تعاملها كضيفة مكرمة .. والبسمة لا تكاد تفارق وجهها .. وهي تقول :
- عفواً سيدتي .. فقد انشغلت عنك قليلاً .. تفضلي كأساً من العصير حتى يحين موعد العشاء .. تفضلي ..
ودعتها إلى الجلوس ريثما تنتهي من توزيع باقي العصير على المدعون وتعود إليها لتتجاذب معها أطراف الحديث ويتم بينهما التعارف أكثر ..
كان الدكتور " سامح " وهو يعلم جيداً أي امرأةٍ تكون تلك المرأة التي تحاول القضاء على حياة صديقه " أحمد " وسعادته ..
وتضل تتابعها وكأنها أسدٌ كاسر يستعد للانقضاض على فريسته متى حان الوقت .. وسنحت له الفرصة لذلك ..
وأسرع الدكتور "سامح " إلى صديقه " أحمد " ليستوضح منه الأمر الذي بدا غريباً عليه .. ومريباً أيضاً .. فقال له بصوتٍ هامس :
- كيف أتت هذه المرأة الخبيثة إلى بيتك يا أحمد ومن دعاها ..؟؟
أجاب والوجوم يعلو وجهه :
- لا أدري ..!! لقد فوجئت مثلك ..
- إذن تصرف فوراً .. وأخرجها من هنا قبل أن تقلب هذا البيت رأساً على عقب ..
ولكن كيف ..؟ كيف يتخلص من هذا المأزق الذي وقع فيه حتى صار كعصفورٍ جريح كسير لا يمكنه الحراك .. ولا تساعده جناحيه على الطيران بعيداً عن هذا المأزق ..
وعاد ليلجأ إلى صديقه " سامح " وطلب منه أن يحاول معها ويسايرها إلى أن تخرج دون أن تسبب أي إزعاج له أو لزوجته ليلى .. ولكنه لم يفلح .. ولم تنجح خطته المرسومة لأبعادها وإخراجها من قعر بيته .. بل أصبحت تتنقل بين الحضور بكل ثقة حتى مرت بمجموعة من السيدات كن يجلسن في الزاوية المطلة على الحديقة .. وسمعت إحداهن وهي تأسف على حال المرأة التي فقدت ذاكرتها وتعيش مع زوجها وهي لا تعرف عنه سوى اليسير فقط ..وشدها الحديث فتقدمت لتجلس بينهن وتسأل تلك السيدة قائلةً :
- عن أي امرأة تتحدثين ..؟ هل أعرفها ..؟؟
- ألا تعرفين سيدة هذا البيت .. السيدة ليلى زوجة الدكتور أحمد ..؟؟
وقالت بصوتٍ خافت وكأنها تحدث به نفسها :
- ليلى ..!! ليلى فقدت ذاكرتها ..؟؟ ولكن كيف ..؟
وأسرعت بخطىً واسعة نحو " أحمد " وأمسكته من ذراعه لتشده إليها بقوة وهي تقول :
- الآن فهمت كل شيء .. وعرفت أن ليلى مل تكن لتعيش معك وأنت الزوج الخائن لولا فقدانها للذاكرة .. أصبحت الحقيقة أمامي واضحة وضوح الشمس ..
كاد " أحمد " أن يفقد صوابه .. ويصرخ في وجهها .. ويطردها من بيته شر طرد .. ولكنه احتمى بالصبر والحكمة فهو لا يريد أن يفضح نفسه أمام زوجته وأمام ضيوفه .. خاصةً أنهم لا يعرفون شيء عن الحقيقة سوى الظاهر منها فقط ..
وقال لها وهو يضغط على أسنانه من الغيظ :
- طلباتك ..؟ ماذا تريدين مني ..؟ أنا مستعد شرط أن تبتعدي عن حياتي وتتركيني
وشأني إلى الأبد .. إلى الأبد ..
ووقفت أمامه وقفة المنتصر .. والمغتر بنصره .. وهي تلفح شعرها وتهز خصرها بنشوةٍ وغرور .. وقالت بعد أن مالت بجسمها عليه قليلاً :
- مش هنا يا عينية .. سأنتظرك غداً في شقتي وأنت تعرف عنوانها جيداً .. ولا أظن أنك ستهرب مني هذه المرة .. غداً صباحاً ستعرف ما أريد .. إلى اللقاء يا عزيزي ..
واستدارت إليه مرةً أخرى لتمسكه من ربطة عنقه بخفة وقالت :
- كل سنة وأنت طيب يا .. جميل ..
وراح يتابعها بعينيه حتى غابت عنه بعد خروجها من الباب .. ثم شعر بالارتياح يسرى في جسده بعد أن كاد الدم يتجمد في عروقه من شدة خوفه وقلقه .. واطمئن أكثر عندما لم يرى ليلى قريبةً منه وتأكد أنها لم تشاهده وهو يتحدث معها ..
إذن .. ينتهي الحفل على خير .. وتسير الأمور على ما يرام .. ولكن .. هل يتوقف الأمر عند هذا الحد ..؟؟ وهل ينتهي كل شيء بهذه البساطة بعد أن يلبي أحمد كل ما تطلبه منه " منى " غداً في شقتها ..؟؟ وهل ينفذ وعده بالحضور ويصبح للمرة الثانية خاتماً في أصبعها تدحرجه كيفما تشاء..ً؟ من يدري ..؟؟ ربما !!

** ** ** ** ** ** ** **



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:59 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.