آخر 10 مشاركات
أنا وشهريار -ج4من سلسلة زهور الحب الزرقاء- للمبدعة: نرمين نحمدالله [زائرة] *كاملة* (الكاتـب : نرمين نحمدالله - )           »          26-المسافرة -راكيل ليندسي -ق.ع.قديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          كنزي أنا (53) -ج3 من سلسلة زهور الحب الزرقاء- للمبدعة: نرمين نحمدالله *كاملة&الروابط* (الكاتـب : نرمين نحمدالله - )           »          لست لي -ج1 من سلسلة زهور الحب الزرقاء- للمبدعة: نرمين نحمدالله [زائرة] *كاملة* (الكاتـب : نرمين نحمدالله - )           »          همسات حروف من ينبوع القلب الرقراق..(سجال أدبي)... (الكاتـب : فاطمة الزهراء أوقيتي - )           »          نجم محترق -ج2 من سلسلة زهور الحب الزرقاء- للمبدعة: نرمين نحمدالله [زائرة] *كاملة* (الكاتـب : نرمين نحمدالله - )           »          انتقام النمر الأسود (13) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          جنون الرغبة (15) للكاتبة: Sarah Morgan *كاملة+روابط* (الكاتـب : مستكاوى - )           »          رواية / أُم عيسى *مكتملة* (الكاتـب : Cloud24 - )           »          خلف الظلال - للكاتبة المبدعة*emanaa * نوفيلا زائرة *مكتملة&الروابط* (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات العربية المنقولة المكتملة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-06-15, 11:31 AM   #21

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الثامن عشر

*************

بعد خروج الرجلين من الفيلا انطلقت (فريدة) تصرخ وتصيح في زوجها بغضب وهو مكتفي بالصمت، تطلع إليها كثيرا وبدا أنه لا يسمع حرفا مما تقول، هاهو يخذل ابنه للمرة الثانية ويكمل مسلسل خذلانه بمحاولة حرمان ابنه الآخر من المرأة التي أحب، تركها تفرغ شحنات تكبرها وغرورها ووقف، نظرت إليه في دهشة لكنه اتجه نحوها ثم تخطاها خارجا من المكتب، وصعد لغرفته مغلقا بابها عليه بإحكام، كان يود تفريغ ذهنه من كل المنغصات والأحداث، أراد التفكير بصفاء في كثير من الأمور التي تحتاج لحسم، راجع حديث ابنه (آدم) هل يقسو بالفعل على (أدهم) وستكون نتيجة ذلك هي ابتعاده بلا عودة ؟ لمَ صمت بالأسفل عندما صرخت زوجته في وجه ابنه وآذته واتهمته بالغيرة والكره والسرقة للمرة الثانية ؟ لمَ يخذله دوما ويكسر شيئا بداخله في كل مرة، ابنه الذي سامحه في المرة السابقة لمجرد أن نظر في عينيه وهمس باسمه، يا إلهي لما يشعر بالضعف ؟ شعر بنبضات قلبه تتعالى وتكاد تخترق أذنيه لم يتمالك نفسه فاستند لأحد المقاعد بالغرفة ومنه للحائط متجها للباب وما إن فتحه حتى وجد (فريدة) خلفه تهم بطرقه رفع عينيه إليها في ألم بادلته هي بالقسوة ، ثم هوى فاقدا للوعي عند قدميها تصاحبه صرختها الملتاعة باسمه.
********
لحق (أدهم) بأخيه في سيارته واستقلها بجواره، جلس داخلها (آدم) صامتا يعتصر عجلة القيادة بكفيه، مشاعره كانت مزيجا من الألم والحزن والغضب مع شعور طاغ بالانكسار واليتم، ربت أخوه على يده برفق فالتفت ينظر إليه، كانت عينيه لوحة مجسدة لعذاباته التي قرأها (أدهم) في لحظة، حاول قول شيء فخرجت حروفه متحشرجة خافتة ليس بينها رباط، قاطع حشرجاته رنين هاتف (أدهم) بشكل مفاجئ جعله ينتفض هو وأخيه في عنف، التقط (أدهم) هاتفه ليرى رقم هاتف الفيلا الأرضي، رفع عينيه نحوها في قلق متسائلا عن السبب الذي يدعوهم للاتصال به من هذا الهاتف، فتح الخط ليجد صوت والدته صارخا :
- الحقني يا أدهم باباك وقع في الأرض ومغمى عليه.
كان صوتها عاليا وصل للجالس إلى جواره فالتقت أعينهما في نظرة جزعة فتح بعدها كلاهما الباب المجاور له وقفز خارج السيارة متجها نحو الفيلا، دخلا إليها وصعدا السلم قفزا حتى غرفة والدهما، رأت (فريدة) (آدم) يعدو بجوار ابنها فشعرت بالضيق لكنها صمتت، كانت خائفة على زوجها ربما كانت قاسية همها نفسها أولا لكنها تحب زوجها حتى وإن عاملته بخلاف ذلك، حمل الرجلان الأب ووضعاه في سريره ثم اتصل (آدم) بأحد أصدقائه الأطباء الذي جاء على الفور، طمأنهم الطبيب أن الأمر لا يعدو عن كونه نوعا من الضغط العصبي تعرض له مؤخرا فنظرت الأم لابنها في عتاب جعله يخفض عينيه أرضا في ألم، طلب منهم الطبيب أن يعتنوا به وبراحته وألا يبلغوه أية أخبار سيئة يمكن أن تضايقه، كتب له بعض الأدوية وانصرف، ومعه انصرف (آدم) بعد أن إطمأن على والده، بقي (أدهم) بجواره وهو يمسك كفه وينحني مقبلا جبهته قائلا في حزن وبصوت متألم :
- سامحني يا بابا، أرجوك ماتزعلش خليك معايا.
هتفت فيه أمه بعصبية :
- عاجبك كده يا أدهم، هي دي آخرتها ؟ هتموت أبوك من القهر ؟
رفع عينيه إليها وقال في حزن يحمل لمحة غضب :
- أنا برده يا أمي اللي قهرته وأهنت ابنه قدام عينيه واتهمته بالسرقة، أنا اللي وقفت في طريق سعادة ابنه التاني ومش عاوزه يتجوز اللي اختارها ؟ راجعي الموقف كويس يا فريدة هانم .
صاحت فيه بغضب :
- انت اتجننت يا أدهم ؟ إزاي تكلمني بالطريقة دي ؟
زفر في حنق و رد :
- تقريبا اتجننت، ماهو لما تبقى دي طريقتك في تربية ولادك ومعاملة ابن جوزك اللي هو أخوهم الكبير أبقى اتجنن، ارحميني يا أمي وارحمي بابا، من فضلك بابا محتاج يرتاح يلا نخرج ونسيبه بلاش نتعبه أكتر.
تطلعت إليه في غضب لكنها صمتت لخاطر زوجها المريض فاتجهت لباب الغرفة يتبعها (أدهم) والذي التفت كالصاروخ عندما سمع همسا باسمه، كان والده قد أفاق من إغماءته وناداه، حدق في والده في فرح واقترب منه وكذلك والدته التي هتفت :
- حمدالله على سلامتك يا جلال، كده ترعبني عليك ؟
تطلع إليها في صمت ثم قال بصوت خافت لا يكاد يسمع :
- سيبينا لوحدنا يا فريدة.
نظرت إليه في دهشة ثم قالت في عصبية :
- ليه ياجلال ؟ بعد خوفي عليك ده كله تقولي سيبينا لوحدنا ؟
نظر إليها نظرة جمع فيها كل مااستطاع من الصرامة الموجودة بداخله فبادلتها بنظرة عصبية ثم التفتت مغادرة الغرفة في غضب، حاول هو النهوض فأسرع إليه ابنه هاتفا :
- لا يا بابا خليك مستريح.
قال والده :
- لا يا أدهم ارفعني بس شوية عاوز أقعد.
ساعده على الجلوس في وضع مريح ثم جلس في مواجهته على الفراش والتقط يده يقبلها قائلا :
- كده يا بابا؟ كنا هنموت من القلق .
لم يهتم الرجل بما يقوله ابنه لكنه سأله :
- أخوك فين يا أدهم ؟ مشي وسابني ؟
رد (أدهم) مدافعا :
- لا يا بابا، آدم كان معايا برا لما أمي اتصلت ورجع معايا فورا وهو اللي جاب الدكتور وفضل معانا لحد من 10 دقايق بس اضطر يمشي عشان يوسف.
ابتسم والده ابتسامة حنان خافتة ثم قال له :
- أدهم، هأسألك سؤال وترد علي بصراحة ووضوح اتفقنا ؟
أومأ (أدهم) برأسه وهو يرد :
- طبعا يا بابا !
صمت الرجل لحظة ثم سأل :
- إنت بتحب جمانة بجد ولا مجرد نزوة أو حاجة غريبة مش متعود تشوفها فشدتك ليها، حاجة جديدة عليك وعاوز تجربها زي وانت صغير لما صممت نجيب لك كمبيوتر عشان تفككه وتعرف هو عبارة عن ايه ؟
نظر إليه ابنه بجمود ثم قال بهدوء يحمل الكثير من الغضب الذي حاول كتمانه :
- إنت شايفني طفل يا بابا ؟ المهم إني لقيت لعبة جديدة وشبطت فيها وعاوزها ؟ هي دي فكرتك عني بعد السنين دي كلها ؟
رد والده بلهجة دفاعية :
- لا طبعا يا أدهم مش دي فكرتي والمسألة مالهاش علاقة بالسن قد حبك للتجديد والحاجات الغريبة اللي مش متعود عليها، يا أدهم لو ده فعلا اللي حاصل هنا يبقى بتظلم نفسك وتظلمها قبلك، الست مش بتستحمل إنها تكون مجرد تجربة في حياة الراجل، بتحب تكون هي حياته ، لو حست إنك اتجوزتها لمجرد الاختلاف بينكم هتتعذب معاك وتكسر قلبها لو هي فعلا بتحبك.
قال في نفسه ساخرا : هذا إن كانت تحبني؟ أنا بالنسبة لها مجرد وسيلة دفاعية تحتمي بها، لكنه علق ردا على كلام والده :
- يا بابا أنا قلت لك إني لقيت معاها مشاعر عمري ماكنت اتخيل إني اعيشها، مشاعر مجنونة بتتحول من الحاجة لنقيضها في ثواني، بأحس في وجودها إني طفل مشاغب، أبقى عاوز أقولها بحبك وفي نفس الوقت استفزها وأغيظها وأضحك من جوايا زي الأطفال، حاجات جميلة أوي عاوزين تحرموني منها لمجرد فوارق مادية سهل أوي أستغنى عنها.
كان يتطلع إليه في حنان وهو يتحدث عنها لم يلبث أن تحول إلى ذهول عندما نطق جملته الأخيرة فسأله في قلق :
- تقصد إيه بتستغنى عنها يا أدهم ؟
تنهد مفكرا ثم رفع عينيه لأبيه وهو يجيب :
- أقصد إني هاسيب البيت واعيش في شقة عادية واسيب إدارة الشركة لآدم وأشتغل موظف فيها وكده ميزانكم هيتظبط، أنا مرتبي الفترة اللي فاتت كان شبه غير مستخدم وبيتراكم في حسابي وخلاص وأعتقد إني أقدر أبتدي حياتي بيه معاها.
شعر والده بقبضة باردة تعتصر قلبه فقال في حزن :
- هتسيبنا عشانها يا أدهم ؟ هو ده قرارك ! هو ده الحل اللي هداك له عقلك، تبيع أهلك ؟
لم يجد ردا فصمت، لمَ قال ما قاله لوالده خاصة وهو في هذه الحالة، هل كان فقط يبثه أوجاع قلبه عله يشعر به ؟ هل يمكنه بالفعل تنفيذ ما قاله للتو ؟ سمع والده يقول له :
- أدهم، أنا مش هأقدر اوافق على جوازة زي دي وأقولك أنا راضي عنها، لا هي تنفع لك من الناحية الاجتماعية ولا المستوى المادي ده غير جوازها السابق وبنتها ولا حتى إنت تنفعها بعصبيتك وشدتك واندفاعك، ومصيره ييجي يوم تحسوا بالفوارق دي لأن التوافق على كل المستويات حاجة ضرورية في أي جواز.
شعر (أدهم) بالألم هاهو والده يصر على رأيه ويحاول منعه من الاختيار الوحيد الذي أراده، لقد ترك المجال الذي أحبه من أجله، ليقف بجانبه ويعمل في الشركة ويديرها، العمل الذي يعتبر الأول في حياة أي رجل، قاطع تفكيره والده بعدما لاحظ صمته وعلامات الألم المرتسمة على وجهه وهو يستطرد :
- أدهم، أنا قلت لك إن التوافق مهم، لكن أنا هأسيبك تخوض التجربة بنفسك.
رفع (أدهم) عينيه إليه في أمل فأكمل بابتسامة حانية :
- أيوة يا أدهم، إنت اخترت وهاسيبك تتحمل نتيجة اختيارك، لو التجربة نجحت يبقى خير، ده شيء يسعدني إنك تكون مبسوط في حياتك، ولو فـ ......
قاطعه (أدهم) بلهفة :
- مستحيل يا بابا، أنا واثق في اختياري وعارف أنا باعمل وهاعمل إيه.
تطلع إليه والده في حنان وهو ينحني مقبلا يده ثم يرمي بنفسه بين ذراعيه فربت على كتفه، ثم سأله :
- إنت عرضت عليها الجواز ؟
ابتعد عنه ثم أومأ برأسه إيجابا في خجل فابتسم الأب واستطرد :
- وهي رأيها ايه ؟
أجاب في خجل أكبر وتردد :
- لسه مش عارف، اديتها مهلة تفكر.
رفع والده حاجبيه في دهشة ثم سأله :
- يعني إنت مش عارف قرارها وعامل الفيلم ده كله ؟
ارتبك (أدهم) وقال مدافعا :
- ماهي لو ماوافقتش هاتجوزها غصب عنها، يعني في جميع الأحوال في جواز.
ازدادت دهشة الأب وهو يتطلع إليه ثم ضحك بصعوبة رسمت ابتسامة على شفتي ابنه وقال :
- مجنون يا أدهم، للدرجة دي بتحبها ؟
شعر (أدهم) بنوع من الخجل مجددا وهو يجيب :
- وأكتر يا بابا.
ابتسم الأب في حنان وهو ينظر لابنه كأنه يراه لأول مرة، هاهو مندفع مجنون مثابر، عاد يسأله :
- آدم عامل إيه بعد اللي حصل ؟
عاد الارتباك لـ (أدهم) وهو يجيب :
- مش عارف يا بابا، كان شكله متضايق جدا وحزين ولما أمي كلمتني عشانك جري معايا وجاب الدكتور وفضل جنبك شوية ومشي، مش عارف هو عامل ايه دلوقتي.
أومأ والده برأسه ثم قال :
- طيب يا أدهم روح له اطمن عليه وقول له ما يزعلش مني، سكوتي كان مراجعة حسابات ماكانش قصدي أخذله.
رد (أدهم) وهو لا يفهم :
- حاضر يا بابا، المهم تقوم لنا بالسلامة.
تنهد الرجل بعمق وهو يستعيد ذكرياته مع والدة (آدم) تلك المرأة الحنون التي لم تعش طويلا لترى ابنها الرجل الناجح الحنون الذي يهتم بالجميع ويحتويهم على الرغم من فقدانه هو نفسه للدعم والحنان.

********
اتصلت (دينا) بـ (هشام) وطلبت مقابلته فدعاها لمنزله لكنها رفضت واتفقا على اللقاء في النادي الذي تذهب إليه، كان اللقاء ليلا وحرصت أن تتأنق أكثر من المعتاد، هي تريد ولاؤه الكامل ليس فقط من الناحية المادية فهي ستدفع له مهما طلب لكنها تريد إبهاره كأنثى، تريده ذليلا لجمالها وأنوثتها متضرعا من أجل رضاها، وقد كان فما إن وقع بصره عليها من بعيد حتى تدلى فكه في بلاهة شديدة، رأته هي فتعمدت تجاهله وظلت ترقص مع أحد أصدقائها أمامه متمايلة في إغراء خلب لبه، اتجه إليها فتظاهرت أنها رأته للتو وتركت صديقها متجهة إليه مادة يدها فتلقفها في لهفة وهو يهتف في تملق :
- إيه الجمال ده، كتير كده أوي، إنت متأكدة إنك من الأرض مش من الجنة ؟
ضحكت بميوعة تاركة له يدها يلهث عندها وقالت :
- أكيد من الجنة بس اتكرمت عليكم ونزلت الأرض.
ضحك بفظاظة لفتت الانتباه إليهما فأمسكت بيده وجذبته مقربة إياه منها هاتفة :
- تعالى نرقص.
ارتبك وقال في خجل :
- بس أنا مابعرفش أرقص.
ظلت تضحك وهي ترد :
- مش مهم تعرف اعمل أي حركات هتلاقيك بترقص يلا.
وظلت تتمايل أمامه وتجذبه من يده وهو يتحرك معها كالمتخشب، أما هي فكانت ترقص بحرفية عالية وحركات مغرية للغاية أدارت الرؤوس من حولها، و هو كان يتحرك أمامها كالأبله وعينيه لا تنفكان عن متابعة جسدها بتفاصيله المكشوفة وتخيل المغطى منه، كاد لعابه يسيل عليها بالفعل وكم أسعدها ذلك وهي تلاحظ تعبيرات وجهه وهو ينظر لجسدها في اشتهاء مقزز لكنها لم تهتم، بعد انتهاء الرقصة جذبته من يده متجهة إلى إحدى الطاولات في ركن هادئ وجلسا سويا ، سألته في دلال :
- ها ايه رأيك في رقصي ؟
أجاب في شغف :
- يجنن، كلك على بعضك تجنني، أنا مش فاهم إنت بتشتغلي في الشركة دي ليه ؟
تجاهلت سؤاله وقالت :
- ثانكيو بيبي، المهم أنا لقيت فكرة هايلة عشان نعاقب جمانة ع اللي عملته فيك.
انتبه لها وسأله بلهفة :
- بجد ؟ فكرة ايه ؟
ابتسمت في انتصار واقتربت منه وهي تحكي له تفاصيل فكرتها الخبيثة وهو يستمع إليها وعيناه تلمعان في جشع، جشع لأنوثتها ولما سيعود عليه من فكرتها.

********
في مساء اليوم التالي كانت (دينا) جالسة مع والدتها في حديقتهم تثرثر معها بخصوص فكرتها للتفريق بين (أدهم) و (جمانة)، سألتها والدتها باهتمام :
- إنت متأكدة يا دونا إنه هيساعدك ؟ آخر مرة كان زعلان منك جدا.
ابتسمت في غرور وردت :
- مام، هو مايقدرش يزعل مني لأنه بيموت فيا، هو بس غضبان زي الأطفال وحابب يتدلع شوية، وأنا عارفة مفتاحه فين.
قالتها وأطلقت ضحكة ماجنة عالية شاركتها إياها والدتها ثم قالت بعدها :
- خلاص كلميه دلوقتي أما نشوف.
قالت (دينا) وهي تهز كتفيها بلا اهتمام :
- أوك مام.
ثم تناولت هاتفها واتصلت بأحد الأسماء المخزنة عليه، انتظرت الرنين بصبر وهي تنقر بأظافرها على الطاولة بجوارها، أتاها صوت ذو نبرة حازمة :
- دونا، أخيرا افتكرتيني؟
ردت بدلال :
- هو أنا أقدر أنساك يا بيبي، ظروف كده على حاجات كانت شاغلاني وباظبطها.
شعرت بابتسامة على شفتيه وصوته يقول في شغف :
- وحشتيني أوي، عاوز أشوفك.
ابتسمت في ظفر وأجابت :
- شور يابيبي، وقت ماتحب هاجيلك، بس عاوزة منك خدمة الأول.
قال بسرعة :
- أؤمريني.
جاءه ردها سريعا :
- انتو لسه بتسجلوا مش كده
جاوبها صمته فأسرعت تبرر :
- عاوزة عينة من صوت اتنين كده هتقدر تجيبهالي ؟
لم تجد سوى الصمت مرة أخرى فعقدت حاجبيها في قلق وكادت تقول شيئا لولا أن أتاها صوته يقول في صرامة ولهجة من اعتاد أن يأمر فيطاع :
- تعالي يا دونا ولما تيجي هنتكلم في الموضوع ده وتشرحي لي التفاصيل.
قفز شعور مبهم بالخوف إلى قلبها لكنها ضحكت بدلال وردت :
- طيب يا بيبي، ويت فور مي Wait for me في مكاننا المعتاد.
وافقها ثم أغلقت الخط لتلمح علامات التساؤل على وجه والدتها فقالت :
- عاوز يقابلني ويعرف التفاصيل.
سألتها أمها :
- اممممم وهتقولي له ؟.
ردت بسرعة :
- لا طبعا مش كلها، هاديله فكرة سريعة كده وأألف الباقي، مش من مصلحتي يعرف إني بأعمل حاجة عشان أتجوز واحد تاني دلوقتي، خليها بعدين .
هزت الأم كتفيها بلا اهتمام وتابعتها بنظرها وهي تنهض متجهة للفيلا قائلة :
- هاطلع اغير وانزل اروح له، مام بليز دونت تيل داد Don't tell dad يمكن أتأخر النهاردة.
قالت أمها :
- شور يادونا.
قابلت والدها عند مدخل الفيلا فابتسم لها قائلا :
- دينا حبيبتي، أنا رايح أزور عمك جلال تعبان شوية، تيجي معايا ؟
عقدت حاجبيها وهي تسأل :
- تعبان ماله داد ؟
رد في قلق :
- مش عارف اللي عرفته إنه أغمى عليه النهاردة وجاله الدكتور، هو الحمد لله أحسن بس لازم أزوره واطمن عليه.
شعرت أن ذهابها معه سيزيد من قيمتها لدى (فريدة) ووالد (أدهم) لكنها لم تكن تملك من الأمر شيئا الآن فلديها موعد أهم، فما كان منها إلا أن أجابته :
- أوك داد، معلش مش هاقدر آجي تعبانة شوية وهاطلع آخد شاور وانام، ابقي سلم لي عليهم كلهم.
سألها والدها في قلق عليها هذه المرة :
- مالك يادينا ؟ تعبانة من ايه ؟
ردت في ملل :
- مفيش داد مرهقة بس شوية وحاسة عاوزة أنام، سي يو.
تركته ثم دخلت إلى الفيلا لتستعد لموعدها الهام.

********
أوقفت (دينا) سيارتها أسفل تلك البناية الفاخرة في أحد أرقى أحياء العاصمة، ثم ترجلت منها واتجهت للمصعد، ضغطت زر الطابق السابع عشر وهي تعدل من هندامها في مرآته وتخلع سترتها لتبدو من أسفلها ملابسها الشفافة الضيقة، أخرجت أحمر شفاة من حقيبتها وطلت شفتيها الممتلئتين سريعا مما زادها جاذبية ثم نثرت رذاذا آخر من عطرها المفضل، وصل المصعد للطابق المنشود فغادرته متجهة لإحدى الشقق في نهاية الممر، أخرجت مفتاحا من حقيبتها وفتحت الباب ودلفت للداخل، وجدت الشقة مضاءة بأضواء خافتة وتفوح منها رائحة عطرية محببة، تلفتت حولها في اهتمام فلم تلمح أحدا، أغلقت الباب خلفها واتجهت للداخل ملقية سترتها وحقيبتها على إحدى الأرائك في إهمال ثم نادت بصوت ناعم :
- طارق، طروقة إنت هنا ؟
سمعت صوتا من ناحية الشرفة فالتفتت إليها لتجده يدخل منها مرتديا روبا منزليا أنيقا وهو ينفث دخان سيجارته وينظر لها بشغف، يبدو في العقد الرابع من عمره طويلا عريض المنكبين وبدا على جسده أنه يمارس إحدى الرياضات العنيفة، عيناه سوداوين صارمتين تحملان نظرة تشي بالقسوة خاصة مع أنفه الحاد وشفتيه الرفيعتين التهمها بعينيه في ثوان ثم قال :
- دونا، وحشاني يا مزة، تعالي.
مد يده إليها فاتجهت إليه ووضعت كفها في يده فضغط عليها ثم جذبها نحوه وهو يتأملها بجرأة جعلتها تبتسم، ثم قالت في دلال :
- إنت أكتر يا طروقة، من زمان ماكلمتنيش ولا لازم أكلمك أنا ؟
انطلقت من حلقه ضحكة مجلجلة ساخرة وهو يرد :
- إيه يادونا احنا هنضحك على بعض ؟ ماانت عارفة إننا مش بنتقابل إلا لو في مصلحة مش بس للمزاج.
مطت شفتيها في دلال أكبر وردت متظاهرة بالغضب :
- يعني مااعرفش اتدلع عليك شوية يا طاطا ؟
استمر في الضحك وضمها إليه هامسا :
- اتدلعي براحتك ياقمر، هو أنا أقدر.
ابتعدت عنه وسارت تتهادى في خطواتها مثيرة إياه أكثر ثم جلست على أريكة كبيرة والتفت تناديه :
- تعالى اقعد بقى عشان نشوف المصلحة.
رفع حاجبيه في دهشة مفتعلة وقال :
- ياااه مستعجلة أوي ع المصلحة المرة دي يعني !!
تظاهرت بعدم الاهتمام وهي ترد :
- مش أوي تقدر تقول انتقام، تعالى وأنا أحكيلك.
ثم جلست تقص عليه قصة ملفقة عن (جمانة) و (أدهم) وعن رغبتها في الانتقام منهما بعد إهانتها وطردها من الشركة، ثم صمتت في انتظار رده، قال بعد فترة قصيرة من الصمت :
- اممممم يعني الموضوع مزعلك وعاوزة تنتقمي وخلاص ؟ مفيش حاجة تانية ؟
نفت قائلة :
- نو، حاجة تانية زي ايه ؟
رد بذكاء وهو ينظر إليها :
- عاوزاه لنفسك مثلا.
شعرت بالارتباك ولم تجد ردا فضحك مرة أخرى وقال :
- يابنتي عادي، حتى لو عاوزاه لنفسك، أهو زيادة الخير خيرين والمليون يبقى ملايين، مادام أنا وانت زي مااحنا.
قال جملته الأخيرة بلهجة خاصة أصابتها بالرعب لكنها على الرغم من ذلك ابتسمت و ردت :
- أكيد مع بعض يا طروقة.
سألها مدعيا النسيان :
- ها قلتي لي بقى عاوزة ايه ؟
أجابته بسرعة :
- تسجيلات، هاديك الرقمين وعاوزة بس عينة، وأظن الموضوع ده سهل أوي بالنسبة لظابط في مركزك.
فكر لثانية ثم تساءل في خبث :
- اممممم والتمن ؟
ابتسمت في إغراء وردت :
- زي ماتحب.
اقترب منها وقال في شغف :
- أنا بحبك إنتِ.

ولم يمهلها فرصة للرد.

*********************************





التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 11:17 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 11:32 AM   #22

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل التاسع عشر

*************

في مساء اليوم التالي كانت (دينا) تقود سيارتها وإلى جوارها (هشام) يتأملها في اشتهاء كما اعتاد واعتادت هي، كان ذلك يصيبها بالغرور أكثر ويشبع رغبتها في لفت الأنظار، قال لها بطريقة مقززة :
- بس إيه رأيك فيا أنفع ممثل مش كده ؟
ضحكت وردت في سخرية :
- ممثل بس، ده إنت ممثل كبير كمان.
ثم رمته بنظرة جانبية وسألته :
- وأنا ايه رأيك في تمثيلي؟
شعر بأنفاسه تتلاحق فجأة وهتف :
- تمثيل إيه ده أنا كان ممكن أموت في إيدك.
ضحكت بمجون فاستطرد بطريقة مقززة :
- بس ايه ؟، مانفسكيش نعمل كده بجد.
التفت تتطلع إليه في دهشة ممتزجة بالسخرية ثم عادت تتابع الطريق وهي تقول بنفس السخرية :
- ايه يا إتش، إنت صدقت نفسك ولا ايه ؟ ماتنساش إن دي مجرد لعبة عشان نوصل لهدفنا.
شعر بالحرج يكسوه والغضب يتمكن منه فهتف ساخطا :
- ليه يعني ؟ مش قد المقام مثلا ؟
قالت مهادنة :
- مش قصدي كده يابيبي، احنا بينا بيزنس وبس، بعدين أنا عاوزة أدهم مش حد تاني.
ضيق عينيه وهو ينظر إليها ثم سألها في سخرية :
- بجد ؟ أدهم بس ؟ ولا أي راجل عاوزاه ياكلك بعنيه في كل خطوة.
أوقفت السيارة بحركة مفاجئة دفعته للأمام وكاد رأسه يرتطم بزجاجها الأمامي ثم التفتت إليه هاتفة بغضب وتعالٍ:
- لا إنت أكيد نسيت نفسك، ازاي تكلمني كده يا هشام ؟
ثم زفرت في حنق واستطردت :
- أدهم بس هو اللي شاغلني، ومش هاسكت إلا لما أشوفه مذلول قدامي وبيتمنى رضايا .
عقد حاجبيه في غضب وقال :
- واحد زيه صعب يعمل كده يا دينا.
ابتسمت وقالت :
- لا مش صعب، لو خطتنا مشيت مظبوط هالاقيه قدامي في غمضة عين.

تطلع إليها مرة أخرى في حنق في حين عادت هي تقود السيارة وعم الصمت المكان.
********
في اليوم التالي كانت (دينا) تجلس مع والدتها في حديقة فيلتهم عندما رن هاتفها فالتقطته سريعا لتجد الاتصال الذي كانت تنتظره، فتحت الخط بسرعة وقالت :
- ها يا صوفي، وصلت له الميموري ؟
جاءها رد (صفاء) بسرعة :
- أيوة وشافها، كنت قريبة من مكتبه زي ماقلتي لي وفجأة لقيته خارج منه زي القطر ودخل مكتب آدم يدور عليها، مالقهاش زي مااتفقنا دور على أخوه برده مالقاهوش شعلل أكتر وكان هاين عليه يموت أي حد في سكته، طلع برا لقى موظف ماشي بيراجع أوراق في ايده خبط فيه وكان هيضربه لولا الراجل جري من قدامه، بعدها ساب الشركة ونزل وشفته من الشباك طالع بالعربية زي الصاروخ.
تنهدت (دينا) في ارتياح وقالت :
- هايل ياصوفي، زي ماخططنا بالظبط، ابقي تعالي لي عشان باقي المبلغ اللي اتفقنا عليه وهدية زيادة مني كمان.
ظهر الطمع في لهجة الفتاة وهي ترد :
- كفاية رضاكي علي يا دينا هانم، هاجيلك النهاردة يا قمر وماتنسيش لما يتحقق المراد وتتجوزي الباشمهندس أدهم لي حلاوة أكبر.
قالت (دينا) بسرعة :
- أكيد ياصوفي وماتنسيش الملف اللي اتفقنا تجيبيهولي، يلا سلام بقى.
أنهت المكالمة ورفعت إصبعها الإبهام مشيرة به لأعلى تجاه والدتها علامة نجاح خطتها، ابتسمت الأم في ارتياح وبادلتها ابنتها البسمة شاعرة بالنصر، الآن كل ما عليها فعله هو الانتظار حتى تحين اللحظة المناسبة ثم تبدأ في رمي شباكها حول (أدهم) المكسور مرة أخرى وسيكون كعجينة لينة بين يديها تشكلها كيفما تشاء، أفاقت من أحلامها على صوت والدتها تسألها :
- دونا، رحتي فين ؟ بأقولك عمل ايه ؟
أفاقت من شرودها وتطلعت لوالدتها لحظة في صمت ثم أجابت :
- زي ما توقعنا بالظبط يا ماما، وصلت له الميموري وطلع بعدها زي الصاروخ من مكتبه يدور عليهم ، طبعا مش كانوا موجودين فخرج من الشركة بعربيته زي المجنون.
تساءلت الأم :
- وانت خرجتيهم مع بعض إزاي من الشركة ؟
أجابت في خبث :
- زي الأفلام مام، فون كول Phone callبتقولها إن بنتها عملت حادثة وطبعا آدم مش هيسبها تخرج لوحدها وانتهى الموضوع.
ابتسمت الم وقالت :
- هايل يا دونا، والولد تيام ده بجد تحفة، عرف يظبط الأصوات تمام مادام أدهم انخدع فيها للدرجة دي.
اومأت برأسها موافقة وهي ترد :
- يس مام، باقي بس ملف المناقصة الجديد يطير منه ومن مكتب آدم شخصيا، ويبقوا يقابلوني بقى، صفاء هتجيبهولي دلوقتي لأن آدم وجمانة مش هناك.

ابتسمت الأم في إعجاب بذكاء ابنتها وبادلتها ابنتها الابتسامة، هكذا هي الذئاب تجتمع وتتوحد عندما تهجم على فريستها، بينما تتفرق الحملان في مواجهة ذئب واحد.
********
نعود للخلف قليلا لننظر للموضوع من زاوية أخرى في مكان آخر، حيث جلس (أدهم) في مكتبه شاردا يحدق في الفراغ، يفكر فيما آلت إليه الأمور، هاهو الآن على شفا الزواج من المرأة التي اختارها قلبه، مع موافقة والده على مضض ورفض والدته التام، لم يكن يريد ذلك أبدا لكنهم راهنوا على قلبه وحكم القلب حكما نهائيا لصالحها، (جمانة) تلك الزهرة الرقيقة التي نبتت فجأة في صحراء قلبه القاحلة والتي لم ترتوي بالماء منذ خلق هو، التي أشعرته فجأة أن في صدره قلبا ينبض، من جعلته طفلا كبيرا مجنونا بالقرب منها صارما مخيفا فيما يتعلق بها أو بما يمكن أن يؤذيها، قطع تفكيره الحالم طرقات على باب مكتبه فرفع عينيه إليه وهو يقول بهدوء :
- ادخل.
دخلت (سهام) وهي تحمل في يدها مظروفا متوسطا وضعته أمامه قائلة :
- اتفضل يافندم، الظرف ده جه لحضرتك ومكتوب عليه خاص وهام، مافتحتوش مع باقي البريد.
تناوله وتطلع إليه في قلق ثم رد :
- طيب يا آنسة سهام اتفضلي إنت.
خرجت (سهام) وظل هو يتطلع للمظروف ثم فتحه برفق ليجد بداخله ورقة مطوية وذاكرة هاتف صغيرة الحجم، تطلع إليها في تساؤل ثم فض الورقة ليقرأ بداخلها جملة مختصرة " هي دي اللي عاوز تتجوزها ؟ اسمع بتعمل إيه مع أخوك المحترم اللي عاوز يلبسهالك "، عقد حاجبيه بشدة وبدأ قلبه ينبض بعنف، ما هذا الهراء ؟ ثم نظر للذاكرة الموضوعة أمامه كمن ينظر إلى أفعى تهم باقتناص عنقه، مد كفا مترددة ليلتقطها ثم وضعها في قارئ ذاكرة صغير أدخلها بعد ذلك في حاسبه المحمول ثم فتحها، لم يجد عليها سوى ملف صوتي صغير مدته حوالي 20 دقيقة، نظر إليه في قلق ثم تغلب فضوله على قلقه فنقل زر الفأرة إليه وفتحه، ظل الصمت يخيم على الجهاز لثوان ثم بدأ بعده ظهور الصوت، دقق فيما يسمع فكان صوت (جمانة) هو ما قابله وهي تقول بدلال ونبرة لم تعجبه مطلقا :
- آدومي وحشتني أوي.
سمع بعدها صوت أخيه يجيبها بنبرة مشابهة وإن شعر فيها بشهوانية أثارت تقززه :
- إنت أكتر ياجمانة، هاتجنن وأشوفك.
ردت (جمانة) بنفس النبرة :
- طيب أجيلك ؟
قال بعد ضحكة ماجنة :
- هو أنا أقدر أقول لا بس مش هينفع نتقابل اليومين دول زي زمان، أدهم دلوقتي هيبقى معاكي أكتر ومش عاوزينه ياخد باله.
تنهدت بتأفف وهي ترد :
- وليه السيرة الزفت دي دلوقتي وأنا معاك، انا مش فاهمة ازاي اقنعتني اتجوزه، ده واحد جلف ومش يناسبني خالص.
سمع صوت أخيه يقول في طمع :
- عشان فلوسه تبقى لينا يا حلوة ماتركزي معايا شوية.
تنهدت مرة أخرى ولكن في دلال هذا المرة وعادت لنفس النبرة السابقة :
- طيب المهم إنك وحشتني وعاوزاك حالا.
أجابها بنفس طريقتها :
- مش أكتر مني، بس مش لازم نتقابل عشان نبقى مع بعض، أمال التليفون اخترعوه ليه.
سمع ضحكة تشبه ضحكات العاهرات تصدر منها تبعها حديث لم يستطع أن يكمل ربعه حتى لمدى ما فيه من انحطاط وقذارة لم يتصورها فيهما، لم يدر بنفسه إلا وهو ينتزع الذاكرة من الجهاز مع الورقة والمظروف وينطلق كالصاروخ تجاه مكتب أخيه ثم فتح بابه بعنف ليجد مكتبها فارغا منها، تطلع إليه في غضب شديد فلو كانت أمامه لقتلها، نظر باتجاه مكتب أخيه واتجه إليه بسرعة وفتحه ليجد الهواء في مقابله هناك أيضا، ازداد غضبه وتأججت نيرانه أكثر، فرفع سماعة الهاتف واتصل باستقبال الشركة سائلا عن (آدم) ليرد عليه الموظف :
- خرج يافندم من حوالي ربع ساعة مع مدام جمانة أبو الفتوح.
حدق في سماعة الهاتف في صدمة، أهذا ممكن ؟ هل يستغفلانه فعلا ؟ ألقى السماعة على المكتب بعنف وانطلق مغادرا المكتب بسرعة حتى أنه اصطدم خارجه بأحد موظفيه فأوقع منه بعض الأوراق وكاد يوقعه هو شخصيا فهتف مفرغا غضبه فيه :
- إنت مش شايفني ماشي قدامك ؟.
ارتبك الرجل وانحنى يجمع أوراقه بسرعة وهو يعتذر قائلا :
- أنا آسف يافندم بس حضرتك كنت ماشي بسرعة و ...
قاطعه في عصبية شديدة :
- حضرتي ايه ؟ أنا اللي خبطت فيك مثلا ؟
شعر الرجل بمزيد من الارتباك وبعض الخوف فجمع أوراقه ثم قال وهو يبتعد في سرعة :
- آسف يا فندم معلش ماخدتش بالي.
تطلع إليه (أدهم) وهو يزفر في حنق وغضب شديدين ثم انطلق خارجا من الشركة بسيارته يقودها بسرعة كالمجنون، وصل بها إلى وسط المدينة وحنقه يزداد بسبب الزحام، فترك السيارة جانبا وترجل منها ليسير على قدميه محاولا تبديد غضبه وألمه والتفكير بمنطقية، تساءل كثيرا هل يمكن أن يحدث هذا ؟ أتكون (جمانة) التي اختارها قلبه بعد كل تلك السنون من الوحدة بهذه الأخلاق، أتكون أفعى في ثياب يمامة رقيقة ؟ وماذا عن مثله الأعلى في الحياة ؟ (آدم) رفيق قلبه والناصح الأمين ؟ هل هو بهذه الخسة ؟ بهذا الانحطاط وهذه السفالة ؟ .. هز رأسه في عنف محاولا طرد تلك الأفكار الغائمة كسحب تحجب ضوء الشمس في سمائه ، وجد أن قدميه قادته لمكانه المفضل على نيل القاهرة وعلى الرغم من حرارة الجو اتجه ليجلس بداخل المقهى ليرحب به أحد العاملين هناك بحرارة شديدة ويطلب هو مشروبا باردا يطفئ به لهيب صدره، جلس يتطلع إلى مياه النيل وتركها تنساب داخل عقله ماحية كم القذارة التي انتقلت إليه عبر أذنيه، فكر لدقائق ثم هب واقفا قبل أن يصل مشروبه وألقى ببعض النقود على الطاولة أمامه وانطلق كالصاروخ عائدا لسيارته في خطوات أقرب للعدو، ثم قادها متجها لصديق يعلم جيدا أنه سيفيده، فوجيء صديقه هذا بجرس بابه يرن ففتح ليجد (أدهم) في حالة سيئة والغضب والحزن يمتزجان سويا في لوحة سيريالية على ملامحه، هتف في ترحاب به لمحة من قلق :
- أدهم الحسيني، عاش من شافك ياراجل، وأخيرا افتكرتنا !
ابتسم (أدهم) في نوع من الخجل ورد وهو يدلف إلى المكان :
- إزيك يا حاتم عامل ايه ؟
رد (حاتم) بمرح وهو يقوده لأريكة كبيرة في استقبال منزله :
- زي الفل ياكبير، ولما شفتك بقيت زي الفل والياسمين مع بعض.
اتسعت ابتسامة (أدهم) ورمي بجسده على الأريكة في تهالك وهو يقول :
- واحشني والله يا حتوم ، الظروف بتاخد الواحد من أقرب الناس ليه.
ابتسم (حاتم) وقال بعفوية :
- أكيد يا أدهم معلش ربنا يعينك، عامل ايه في التجارة بعد ما سبت الهندسة ؟
(أدهم) وهو يمط شفتيه :
- عادي ماشي الحال، كل يوم بنتعلم جديد.
سأله مرة أخرى :
- وإزي أخوك آدم، رجع من السفر ولا لسه ؟
ظهر الضيق فور نطق (حاتم) لاسم (آدم) على ملامحه، ثم قال :
- لا رجع يا حاتم، وجاي لك بخصوص حاجة متعلقة بيه.
ابتسم (حاتم) ثم قام من مكانه قائلا :
- طيب هاجيب حاجة ساقعة نشربها ونتكلم براحتنا.
أومأ (أدهم) برأسه ثم انتظره حتى عاد بعد دقائق قليلة وجلس بجوراه يناوله علبة العصير ثم تساءل :
- ها خير يا كبير ؟
ناوله (أدهم) الذاكرة الصغيرة وقال :
- في ملف صوتي هنا عاوزك تتأكد لي إذا كان صح فعلا ولا متفبرك.
التقطها منه (حاتم) في دهشة ثم سأله بطريقة عملية :
- طيب عندك أي ملف صوت تاني للي هنتأكد من صوته هنا ؟
عقد (أدهم) حاجبيه في محاولة للتذكر ثم التقط هاتفه من جيبه وبحث فيه سريعا حتى وصل لفيديو قصير لأخيه فبرقت عيناه في ظفر وهو يناوله لصديقه هاتفا :
- أيوة ده فيديو بس الصوت واضح فيه.
تناوله منه وهو يشغل الفيديو ويستمع للصوت ثم قال :
- الصوت كويس، مش ده آدم ؟
أومأ (أدهم) برأسه إيجابا فعاد (حاتم) يسأل :
- هو في ايه يا أدهم خير ؟
لم يكن (أدهم) يرغب في شرح الأمر بكامله لصديقه فقال في عجالة :
- أبدا ده ملف ابتعت لي وبيخوفوني من آدم فعاوز أطمن انه صح ولا لأ لأني متأكد إن اخويا ما يعملش كده ولا الانسانة اللي اخترتها.
عقد (حاتم) حاجبيه في دهشة، ثم تردد قليلا قبل أن يسأله في خفوت :
- ولما إنت متأكد، بتعمل كده ليه وجاي تقولي شوف لي صح ولا متفبرك ؟
طعنه سؤال صديقه البسيط، لم يجد إجابة فاكتفى بالصمت، أما صديقه فربت على كتفه برفق وقال في تفهم :
- خلاص يا أدهم معلش، انا هاقوم ألبس وننزل الاستوديو سوا لأن الجهاز والبرنامج اللي هيبين لنا الفرق هناك.
قال (أدهم) :
- أوك ياحتوم، هاستناك تحت في العربية.
رد (حاتم) :
- خلاص ماشي خمس دقايق بالكتير وهانزلك.
وبعد نصف ساعة كانا يدلفان سويا للاستوديو الخاص بعمل (حاتم) الذي اتجه من فوره لأحد أجهزة الكمبيوتر وأوصله بجهاز آخر ثم أوصله بهاتف (أدهم) وأيضا وضع الذاكرة الصغيرة بداخله، نقل الملفات المطلوبة للجهاز وقال وهو يشرح لـ (أدهم) مايقوم به :
- شوف انا نقلت الملفين هنا، هاسحب الصوت الاول من الفيديو واحطه مع الملف التاني واعمل مقارنة بينهم ببرنامج audacity ، يمكن الموضوع ما يبقاش واضح أوي بس لو في فرق غالبا هيبان وهاعمل مقارنة كمان بالجهاز ده، ده بيقيس الذبذبات برده زي جاهز كشف الكذب كده.
أومأ (أدهم) برأسه في صمت وهو يتابعه باهتمام حتى التقط صورتين لسطح المكتب لكلا الملفين على البرنامج، فتح الصورتين متجاورتين وتمعن فيهما بدقة ثم قال بثقة :
- لا يا أدهم مش نفس الصوت، في اختلاف في ذبذبات معينة بس اللي عمل التعديل على الصوت التاني ممتاز بجد، الفرق ماتلاحظوش إلا عين خبيرة وصعب جدا تلاحظه بالودن.
ثم التفت إليه فرآه يتنهد في ارتياح فابتسم وقال :
- تعالى كده نسمع الاتنين بتركيز ونشوف، ولو إن محتوى الملف ده مستحيل أصدق إنه يطلع من أخوك اللي كلنا بنحترمه يا أدهوم.
أجابه (أدهم) :
- أنا عارف بس وقت الغضب ما بتحسش إنت بتعمل ايه، ده كمان اللي عاوز يعمل المشكلة دي اتسبب في حاجة عشان يثبت الموضوع عليهم أكتر بس مش عارف إزاي ؟ لكن سهل اتأكد منها.
ثم صمت مفكرا لثوان احترمها (حاتم) ثم قال بعدها :
- أنا تقريبا عرفت مين عمل كده، وحسابه معايا هيكون عسير بجد لو ثبت الموضوع عليه.
سأله (حاتم) :
- بجد ؟ طيب كويس، ربنا يوفقك يا أدهم، إنت تستاهل كل خير.
ثم ضحك واستطرد مداعبا :
- وأخيرا طبيت يا كبير.
ابتسم (أدهم) ابتسامة واسعة ثم قال :
- أنا مش عارف أشكرك إزاي يا حاتم، بجد ساعدتني جامد.
ربت (حاتم) على كتفه في مودة وهو يرد :
- شكر ايه بس يا بني إحنا إخوات حتى لو انشغلنا عن بعض، إنت ناسي أيام الجامعة ولا ايه ؟
رد (أدهم) بابتسامة واسعة أخرى :
- لا طبعا ودي أيام تتنسي.

قضيا بعض الوقت سويا يسترجعان ذكرياتهما، كان (أدهم) خلاله عقله يسبح في عالم آخر .
********
عاد (آدم) مع (جمانة) للشركة وهي تزفر في غضب هاتفة في حنق :
- حسبي الله ونعم الوكيل، الناس دي بتستهبل، هو الهزار بقى في كده كمان ؟
التفت إليها (آدم) وهما يسيران متجهين إلى مكتبه قائلا :
- انا مش عارف الموضوع ده قالقني وحاسس إنه مش مجرد هزار او سخافة من حد غلس.
كان يلف في الممر الموجود به مكتبه عندما لمح إحدى موظفات الشركة تخرج من مكتبه بسرعة وتتلفت حولها في ارتباك فعقد حاجبيه في تساؤل قلق وهتف مناديا :
- إنت يا آنسة كنت بتعملي ايه عندك ؟
التفتت إليه في رعب وجرت في الجهة المعاكسة لكنها اصطدمت بموظف آخر يسير في الاتجاه المقابل فسقطت أرضا وتناثرت منها بعض الأوراق، اتجه إليها (آدم) في خطوات سريعة تصحبه (جمانة) ثم انحنى يحمل الأوراق ويتطلع إلى محتواها بسرعة جعلت عيناه تتسعان في صدمة وهو يرفع عينيه إليه بعدما وقفت منكسة رأسها أرضا وهتف فيها بصرامة شديدة :
- ايه ده ؟ كنت واخدة الورق ده ورايحة فين ؟
لم ترد، فاتجه لمكتبه واتصل بأمن الشركة وهي تكاد تسقط من الرعب.

********
كانت (فريدة) تتناول إفطار متأخرا في حديقة الفيلا وترشف كوبا من الشاي الأخضر كما اعتادت كل صباح عندما فزعت فجأة على طرقة قوية ويد توضع أمامها على الطاولة، رفعت رأسها لصاحب اليد لتجده (أدهم) فشعرت بالدهشة وسألته :
- أدهم !! إنت ليه مش في الشركة ؟ وايه اللي عملته ده خضتني؟
رفع (أدهم) كفه عن الطاولة فظهر تحتها مظروف ورقي صغير مكتوب عليه اسمه وكلمتي خاص وهام فتطلعت إليه في تساؤل، جعله ينحنى لمستواها وهي جالسة وينظر في عينيها بغضب قائلا :
- خطتك فشلت يافريدة هانم.
شعرت بالتوتر يغزو قلبها لكنها تماسكت قدر الإمكان وهي تسأله في دهشة :
- خطة ايه يا أدهم إنت بتتكلم عن ايه ؟
نظر إليها محاولا سبر أغوارها ثم جلس أمامها وهو يرد :
- مش عارفة خطة ايه يا أمي ؟ ماحاولتيش تشوهي صورة جمانة وآدم قدامي، كل ده عشان الفلوس، تكرهيني في أخويا ؟ حتى لو إنت مش عاوزاها حصلت آدم كمان ؟ وبالطريقة القذرة دي ؟ مين ساعدك في كده ؟ دينا ؟ ومين المنحط اللي عمل معاها التمثيلية دي ؟ هي دي اللي راضية عنها تبقى مراتي يا .. يا أمي ؟
ازداد توترها لكنها حاولت التماسك وهتفت مدعية عدم الفهم :
- أدهم أنا مش فاهمة إنت بتتكلم عن ايه، موضوعك اتقفل بالنسبة لي خلاص، مش جلال وافق ! خلاص روح اتجوزها زي ماانت عاوز بس خليك فاكر إني مش راضية عن الجوازة دي وماليش دعوة بيكم ولما تفشل ما تبقاش تيجي تعتذر وتقول أنا غلطت لأني مش هاسامحك.
ظل ينظر إليها في صمت، كان شبه متأكد من علاقتها بهذه الخطة القذرة لكنه لا يستطيع إثبات ذلك، فقال غاضبا وهو يقف مرة أخرى :
- يعني مصممة تنكري إنك ماتعرفيش حاجة عن الموضوع ده ؟ أنا متأكد إنك عندك علم وبالشكل ده مايشرفنيش اعيش في البيت ده بعد كده وأمي بتتعامل مع واحدة **** عشان تجوزها ابنها وشايفاها مناسبة له على الرغم من ****.
صرخت في وجهه بغضب :
- أدهم إنت بتقول ايه وايه الالفاظ القذرة دي ؟ إنت لحقت تنزل بمستواك ليها ؟
صاح في صرامة :
- أمي، من فضلك ماتغلطيش فيها، مستوايا اللي بتتكلمي عليه نزل بسبب القذارة اللي حواليا أنا واللي خلاص ماعدتش قادر أتنفس وانا عايش فيها.
ثم أدار وجهه متجها للفيلا فنادته في توتر :
- هتعمل ايه يا أدهم ؟
استدار إليها في صمت ثم قال في حزم :
- هامشي واسيب البيت، هاقعد مع آدم لحد ماربنا يسهل والاقي مكان مناسب ليا أنا وجمانة.
انتفضت واقفة وهتفت :
- لا يا أدهم تسيب البيت إزاي انا مش فاهمة انت بتتكلم عن ايه ولا الظرف ده فيه وانت مصمم تتهمني، أنا هاسألك سؤال واحد؛ الحاجة اللي في الظرف فعلا ممكن أنا اعملها وتتوقع إنها تصدر مني ؟ إنت بتتكلم عن حاجة قذرة إنت شايف إن انا ممكن اعمل حاجة زي كده ؟
تطلع إليها مفكراً، هل هي صادقة أم تدعي أمامه حتى لا تخسره ؟ اقتربت هي منه في هدوء وأمسكت بكفه وقالت في حنان :
- أدهم أنا مامتك تفتكر ممكن أأذيك ؟ إنت أغلى حاجة عندي يا أدهم.

ظل يتطلع إليها في حذر غير قادر على ابتلاع ذلك الحنان الذي ظهر فجأة.


********************************



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 11:30 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 11:33 AM   #23

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل العشرون

***********

كانت (دينا) تتمايل على أنغام إحدى الأغنيات لأحد الفرق الأمريكية الشهيرة وهي جالسة على إحدى الطاولات في النادي بصحبة (هشام) الذي يتطلع إليها كما هي العادة بطريقة مقززة لم تأبه لها، عندما قال لها :
- تيجي نرقص ؟
نظرت إليه ساخرة وردت :
- هو انت اتعلمت الرقص ولا ايه ؟ فاكر آخر مرة ؟
شعر بالحنق فهتف :
- يعني اهو نتعلم منك يا أستاذة.
رفعت حاجبيها في سخرية أكبر كأنها تغيظه ثم قالت :
- اوك، ليتس جو Let's go .
وقاما يرقصان سويا، كانت تتمايل بطريقة مثيرة أثارت غيرة البعض ممن يتابعونها ويحسدون (هشام) لأنه يراقصها، في حين شعر هو بإثارة أكبر وهو يحاول متابعة حركاتها وتلمسها كلما سنحت له الفرصة محاولا عدم إشعارها بذلك، شعر أيضا بالغرور عندما رأى نظرات الحسد في عيون المحيطين بهم فها هي أجمل فتاة في المكان وأكثرهن إثارة معه هو، انتهت الرقصة فتنهدت وناولته يدها ليعودا لطاولتهما، سألها بعد جلوسهما :
- إنما إنت مصممة على أدهم ده ليه ؟ إنت غنية اهو ومش محتاجاه.
عادت لها نظرتها الساخرة وردت :
- عشان مااتخلقش اللي يقولي لا، وبعدين فيها إيه لما أكون أغنى ؟
سألها بسرعة :
- بس كده ؟ متأكدة.
تحولت نظرتها الساخرة لدهشة بعد سؤاله وقابلته بسؤال :
- ليه بتقول كده ؟
كانت السخرية تملأ ملامحه هو هذه المرة وهو يجيب :
- يعني عاوزة تفهميني إنه مش عاجبك ؟ أنا أينعم ماشفتوش غير دقيقتين تلاتة بس باين عليه جامد أوي وده رأيي كراجل فما بالك برأي الستات بقى.
ضحكت في دلال وهزت كتفيها وهي تجيب :
- طبعا عاجبني، وهو مايعجبش مين، كفاية عينيه ولا طوله ولا دقنه اللي مصمم يحلقها أي كلام دي، أدهم ده فارس أحلام من الدرجة الأولى، وسيم سكسي غني مركز اجتماعي مرموق ومهندس ورجل أعمال ناجح، بيتهيألي كفاية أوي كده عشان أبقى عاوزاه.
شعر بالغيظ لكنه حبسه في صدره وقال :
- طيب لو رفضك برده بعد كده ؟
صاحت فيه بغضب :
- ايه رفضك دي ؟ هشام إلزم حدودك معايا.
قال مهادنا :
- أنا قصدي لو خطتنا فشلت ؟
كان الحنق لا يزال مرتسما على وجهها مما زادها جمالا، وجعلها الغضب تبدو كأنثى نمر تكاد تنقض على فريستها وهي ترد :
- مش هتفشل طبعا.
ثم صمتت لحظة قالت بعدها :
- وهشام مش معنى إننا عملنا التمثيلية دي مع بعض إنك تصدق فعلا إن في حاجة بينا، ده مجرد فيلم عشان هدف.
شعر بالغضب يجتاحه، هاهي للمرة المائة تقلل من شأنه وتخبره صراحة أنه ليس من مقامها أو مناسبا لها، أقسم بداخله أن يجعلها تندم على طريقتها في التعامل معه وأن يجعلها جاريته للأبد، إنها لا تعلم من هو ولا ما يمكنه فعله عندما يتعلق الأمر بشيء يرغبه بشدة، والآن هو يرغبها بشدة وهي من فعلت به ذلك، رن هاتفها مقاطعا أفكاره فنظر إليها وهي تلتقطه لتتطلع لاسم المتصل والذي ما إن رأته حتى عقدت حاجبيها في تساؤل ثم ردت عليه :
- أيوة يا أنتي فيري، خير ؟ أدهم رجع البيت ؟
جاءها صوت (فريدة) غاضبا حانقا :
- أيوة رجع وخرج تاني، عاجبك كده يا دينا ؟ ابني كان هيسيب لي البيت ويمشي بسبب فكرتك الغبية دي.
شعرت بقلق شديد وهي تسألها :
- حصل ايه ؟
ردت (فريدة) بنفس الحنق :
- أدهم ماصدقش الموضوع ومااعرفش اكتشف إزاي إنه متفبرك وجه البيت اتهمني بصراحة إني وراه وطبعا إني عملت كده معاكي وهددني إنه هيسيب البيت على طول، أقنعته بصعوبة إني مااعرفش ايه اللي حصل ولا هو بيتكلم عن ايه، أعمل فيكي ايه دلوقتي ؟
شعرت (دينا) بالانهيار وهي تهتف :
- معقولة ؟ إزاي طيب ؟ الملف كان بيرفيكت Perfect جدا إزاي عرف ؟
صاحت (فريدة) :
- معرفش ومش عاوزة أعرف، خلاص يا دينا سيبي الموضوع ده دلوقتي ونشوف له حل بعدين، أدهم صعب ولو عرف إن لي علاقة بالموضوع ده هيقاطعني فعلا.
قالتها وأغلقت الخط فظلت (دينا) تتطلع للهاتف في يدها في دهشة ممتزجة بالحسرة والغيظ، كان غضبها شديداً للغاية في هذه اللحظة كبالون امتلأ بالهواء ويوشك على الانفجار، وينتظر فقط سببا مناسبا، شعر (هشام) بالقلق وهو يتطلع إليها فسألها في خفوت :
- حصل ايه يا دينا ؟
وقفت بعنف وصاحت فيه بغضب ولم تهتم بلفت الانتباه إليها :
- إنت السبب يا هشام، وعامل لي فيها أستاذ، بلا قرف.
عقد حاجبيه في غضب شديد خاصة عندما لمح البعض يتابع ما يحدث بينهما وينصت باهتمام وسخرية، فقام واقفا أمامها وهتف في غضب :
- في ايه يادينا ؟ ايه الطريقة اللي بتكلميني بيها دي ؟
ضحكت بسخرية مفرغة غضبها في وجهه وقالت :
- طريقة ايه يا إتش، إنت فاكر نفسك حاجة بجد وعاوزني أختار الطريقة اللي باكلمك بيها، يابني إنت مجرد سلمة دست عليها عشان أطلع على اللي فوقها.
ثم نظرت إليه بحقد وهو يتطلع إليها في مزيج من الدهشة من جرأتها والغضب مما قالته عنه للتو وأكملت :
- مش معنى إني رقصت معاك ولا كلمتك كلمتين تفتكر خلاص إنك بقيت زيي، فوق شوية وشوف إنت واقف مع مين ؟
ازداد غضبه اشتعالا وتطلع إليها بنظرة نارية قابلتها في سخرية وهي تستطرد مرة أخرى :
- الخطة فشلت يا أستاذ ؟ وأكيد أدهم اتأكد بسبب صوتك إنت لأن أكيد مش معاه صوت جمانة عشان يقارن بيني وبينها، إنت فاشل بجد وتستحق الطرد زي ماهي عملت.
كان غضبه قد تأججت نيرانه أكثر وسارت في عقله تلتهم كل خلاياه فصاح غاضبا :
- الزمي بقى أنت حدودك يا دينا هانم، الخطة كانت خطتك وفشلها بسببك مش بسببي وكل كلمة قلتيها دلوقتي هتندمي عليها وهتشوفي.
ثم تركها وخرج غاضبا من المكان وهي تتابعه في حنق شديد .

********
جلست (صفاء) وهي ترتجف رعبا على مقعد في غرفة مكتب (أدهم) الذي كان جالسا خلف مكتبه يتطلع إليها في صرامة وغضب شديدين، وجلس أمامه (آدم) والذي لم تكن نظرته بأقل صرامة من مثيلتها في عيني أخيه، سألها (أدهم) في حزم غاضب :
- كنت واخدة ورق المناقصة على فين يا صفاء ؟
ارتبكت أكثر وبدأت في البكاء وهي ترد :
- والله يافندم مااعرفش إنه ورق مهم للدرجة دي، أنا كنت هاعمل منه نسخة عشان باذاكر اليومين دول للدراسات وبيهمني أوراق المناقصات عشان أتعلم منها.
قال (آدم) في غضب :
- وهو اللي عاوز ياخد ورق من مكتب حد يستنى عدم وجوده ويروح يسرقه؟
دافعت عن نفسها وبكاؤها يشتد :
- ماكنتش باسرقه أنا بس كنت هاصوره ولما رحت مالقيتش حد فاضطريت آخده وكنت هارجعه.
دوت ضحكة (أدهم) الساخرة المجلجلة في المكان فتطلعت إليه في خوف شديد ومثله دهشة على وجه أخيه، قال بعدها :
- انا مش عارف أقولك ايه بصراحة ؟ إنت شايفة نفسك قاعدة مع أطفال وهأقولهم أي حاجة غير منطقية وهيصدقوها وخلاص هاخرج من هنا ولا كأن حاجة حصلت.
ثم هب واقفا خلف مكتبه فجأة مما جعلها تتراجع في ذعر خاصة بعدما صاح فيها بغضب :
- مادام مش عاوزة تتكلمي بالذوق يبقى البوليس يشوف شغله معاكي، اتصل لنا بيهم يا آدم وبلغ عن حالة سرقة وحرامي لقيناه متلبس.
شعرت بالرعب فصرخت :
- لا لا أرجوك يا باشمهندس بلاش بوليس، أنا ماعملتش حاجة.
لم يهتم لها وهتف في اخيه :
- يلا يا آدم.
جاراه (آدم) وبالفعل أمسك الهاتف وبدأ بالاتصال عندما انهارت (صفاء) وازداد نحيبها وهتفت :
- خلاص هأقولك ع اللي حصل يا باشمهندس، بس أرجوك بلاش البوليس.
توقف (آدم) عن إكمال الاتصال في حين تطلع إليها (أدهم) في صمت صارم جعلها تخفض عينيها و بدأت تقص عليهما ما تعلمه عن الأمر برمته، قصت عليهما ما تعرفه عن الذاكرة التي وضعتها في بريده وطلب (دينا) منها إحضار نسخة من ملف المناقصة الجديدة التي تهتم بها الشركة بشدة ثم اوضحت لهما المقصود من وراء ذلك، سواء الإيقاع بينه وبين أخيه أو التفريق بينه وبين (جمانة)، عاد (أدهم) للجلوس خلف مكتبه وهو يستمع للخطة التي وضعتها الأفعى (دينا) ومع كل جملة تنطقها الفتاة كان غضبه يتضاعف حتى شعرت (صفاء) بلهيبه يكاد يحرقها وهو لم يتحدث بعد، عقد حاجبيه في صرامة شديدة لم تكن بأقل من المرسومة على وجه أخيه وهما يتطلعان إليها في صمت زاد ارتباكها فجلست ترتجف أمامهما، تراجع في مقعده وظل يفكر لدقيقة ثم قال بعدها في حزم :
- يعني كنت بتسرقي الورق عشان دينا، ماراعتيش المكان اللي فيه شغلك وأكل عيشك واللي المفروض ولائك له قبل أي حد تاني، ليه عشان فلوس، مجرد مبلغ تافه بالنسبة لها حسيتي إنك هتمتعي نفسك بيه شوية وخلاص، طب وبعد مايخلص ؟ كنت متوقعة إن ماحدش هيكشفك في الشركة مادام التهمة هتلبس في الأستاذة جمانة ودكتور آدم ؟ إيه التفكير الحقير ده ؟ طيب هي وعارف أخلاقها، ليه إنت تعملي كده، عشان فلوس حرام ؟
صمت ثوان و هو يلتقط أنفاسه في حين ظل (آدم) صامتا وملامحه تعلوها الدهشة شاعرا بصدمة مما سمعه للتو، أي حقارة تلك التي تدفع امرأة للتفكير بخطة كهذه فقط لتنال رجلا ما أو حتى ماله، سمع (أدهم) يكمل في صرامة شديدة بها لمحة غضب :
- شوفي يا صفاء، عاوزة تخرجي من المشكلة وبدل ما نسلمك للبوليس تروحي بيتك، هتعملي اللي هأقولك عليه.
أومأت برأسها إيجابا وهي تقول بسرعة :
- أنا تحت أمرك يا باشمهندس.
رد بنفس الصرامة :
- هتكلمي دينا وتعيطي لها وتعرفيها إن الخطة فشلت وكنا هنسلمك للبوليس وتروحي في ستين مصيبة، شوفي هتتعامل معاكي إزاي ؟ هتواسيكي وتقولك معلش وتدفع لك لو حتى جزء من اللي اتفقتوا عليه ولا هتقلب عليكي وتتنكر لك، وساعتها هتعرفي إنك اخترتي الجانب الغلط عشان تساعديه.
تطلعت إليه من وسط دموعها، هل يريد فقط أن يلقنها درسا، وماذا بعد، وكأنه سمع تساؤلها الذي لم تنطقه فقال بلهجة آمرة :
- هتكلميها دلوقتي بعدها هتروحي تسلمي أي عهدة او ملفات كانت معاكي وتنزلي الحسابات تاخدي مستحقاتك وتكوني برا الشركة في خلال ساعة بالكتير.
انهارت تبكي مرة أخرى ولم تستطع النطق بحرف فهي تعلم أنها مخطئة ويكفي أنه لم يسلمها للشرطة، سمعته يقول مرة أخرى :
- يلا كلميها وعرفيها اللي حصل وعرفيها كمان إنك حكيتي على كل حاجة وعرفنا مين ورا الموضوع.
ارتسمت الدهشة على وجهها ووجه (آدم) لكنهما لم يعلقا وقامت هي بالاتصال بها أمامهما، انتظرت الرنين لثوان قبل أن تسمع صوت (دينا) فقالت في توتر :
- دينا هانم أنا رحت في داهية ... أيوة مالحقتش آخد الورق وأمشي فجأة لقيتهم قدامي وعرفوا اللي عملته كانوا هيسلموني للبوليس بس الباشمهندس أدهم قالي لو قلت مين وراكي هنسيبك ...
كان صوت صراخ (دينا) واضحا في هذه اللحظة عبر الهاتف لكنها أكملت في خوف :
- يعني أعمل إيه أسيبهم يسجنوني؟ .. قلت لهم على كل حاجة واديني اترفدت من الشركة وكويس اني هاروح بيتي مش هابيت في التخشيبة ... يعني هو ده بس اللي يهمك وأنا اللي كنت باخدمك ؟ ... بتمنه فعلا معاكي حق حتى لو رحت في داهية ماهو تمن الداهية مدفوع ..
فجأة أبعدت الهاتف عن أذنيها ودموعها تنهمر في صمت جعل (أدهم) يقول :
- عرفتي إني معايا حق، أهي باعتك وماكانش عندها مشكلة تتسجني مادام مش هتعترفي عليها.
نظرت إليه في صمت شاعرة بالذل والمهانة فأكمل في حزم :
- اتفضلي زي ماقلتلك، سلمي عهدتك وخدي مستحقاتك و امشي.
قامت في استسلام منكسر وغادرت المكان في صمت، بعد خروجها التفت (آدم) لأخيه متسائلا بدهشة :
- هو في ناس كده فعلا ؟ كل ده عشان توصلك، تشوه سمعة واحدة شريفة وتوقع بينك وبين أخوك ؟
تنهد (أدهم) في غضب، كان يريد أن يكسر أي شيء أمامه لكنه لم يجد فاكتفى بضم قبضتيه بشدة وقال وهو يضغط على أسنانه :
- لو شفتها قدامي دلوقتي هاكسر لها دماغها القذرة دي، لا وأمي عاوزاني أتجوزها وبتقولي طايشة بس وربيها إنت زي ماتحب، أربي مين إذا كان أهلها ماعرفوش يربوها ؟
هز (آدم) رأسه في حزن وقال :
- معلش يا أدهم اهدى، الحمد لله إن الموضوع انكشف في أوله وماحصلش مشاكل بسببه خصوصا مع جمانة، تخيل لو كنت رحت قلت لها قبل ماتعرف الحقيقة كان رد فعلها هيبقى إيه وهتبص لك إزاي ؟
شعر (أدهم) بالرهبة من مجرد تخيل الأمر وحمد الله أن أنار بصيرته في اللحظة المناسبة، تراجع في كرسيه وهو يتنفس الصعداء في حين رغب (آدم) في تخفيف جو الصدمة فداعبه قائلا :
- أمال فين الميموري اللي بتقول عليها صفاء دي ؟
عقد حاجبيه وهو يعتدل في كرسيه مرة أخرى وهتف في استنكار :
- نعم ؟ بتسأل عليها ليه ؟
هز كتفيه وهو يجيب بلامبالاة :
- أبدا عاوز أعرف فيها إيه وإزاي عرفوا يخلوا الاصوات زي صوتي أنا وجمانة ؟
زفر (أدهم) في غضب وقال حانقا :
- لا والله ؟ باقولك إيه ! يلا روح مكتبك .
قهقه (آدم) في مرح ولاحظ الغيظ على وجه أخيه فقال وهو ينهض من مقعده :
- عموما أهي جمانة في المكتب هاروح أحكيلها الاخبار .
لاحقه صوت (أدهم) بسرعة هاتفا :
- آدم إوعى تحكي لها حكاية الميموري دي، قول لها بس ع الملف .
أراد (آدم) برغبة طفولية إغاظته أكثر فتساءل متصنعا عدم الفهم :
- ليه يعني مش لازم تعرف كانت عاوزة تعمل فيها إيه ؟
غضب (أدهم) وهب واقفا وصاح :
- انت بتستهبل يعني عاوز تقولها لفقوا لي علاقة معاكي ومكالمة زبالة ؟
ثم تراجع للخلف في صدمة فحتى هذه اللحظة لم يكن (آدم) يعلم محتوى الذاكرة بالضبط لكنه علم أنه شيء يتعلق به و (جمانة) أما أن يكن هذا الشيء علاقة قذرة عبر الهاتف فلم يكن هذا في حسبانه حتى أنه فهم الآن سر رفض (أدهم) إعطائه الذاكرة ليسمع محتواها، تساءل باندهاش :
- إنت بتقول ايه ؟ الميموري عليها كده فعلا ؟
زفر (أدهم) في حنق شديد وأجاب في استياء لاعنا هفوته :
- أيوة.
ظهر الضيق على وجه أخيه، وشعر بحجم المعاناة التي وضع فيها (أدهم) بسبب حبه لها، أراد أن يمر الأمر بسلام وأن ينسياه فأضفى على صوته أكبر قدر استطاع استحضاره من المرح وهو يقول :
- طيب هاروح اصلح غلطتي بقى واستر ع البنت اللي سمعتها باظت بسببي.
قالها ثم تحرك في سرعة متجها نحو باب المكتب عندما قذفه (أدهم) بملف ورقي كان أمامه وهو يشعر بالغضب منه ويضحك في نفس الوقت، ثم هتف قبل أن يخرج :
- آدم ! إنت رحت فين مع جمانة من شوية ؟
التفت إليه (آدم) وقال يغيظه :
- وإنت مالك يعني ؟
هتف به في غيظ :
- آدم !!
ضحك (آدم) بشدة ثم قال في هدوء :
- أبدا يابني حاجة كده هبلة زي الأفلام القديمة، اتصلوا بيها وقالوا لها إنهم مستشفى وإن ملك بنتها هناك وكده، طبعا طلعت تجري وأنا وراها لأنها كانت معايا وقتها بنشتغل على ملف المناقصة، ولما مشينا بالعربية شوية قلت لها تتصل بمامتها أو أختها تتأكد منها وطلع مقلب زي ما شفت.
بدا الغضب على وجه (أدهم) وهو يقول :
- الناس دي بتفكر إزاي ؟ بأقولك ايه ؟ بعد كده أي تليفون أي حاجة تقولي وأنا أوصلها اطلع منها إنت ماشي ؟
ضحك (آدم) و رد :
- من أولها، يابني استنى لما توافق عليك طيب .

هتف فيه في غيظ :
- امشي يا آدم، روح مكتبك يلا .
ضحك مرة أخرى ثم استدار خارجا من الغرفة، بعدما خرج (آدم) جلس في صمت يفكر : لما يشعر بالضيق من (آدم) ؟ هل يغار من أخيه بالفعل أم بسبب مزاحه ؟ ثم اتخذ قرارا انتوى تنفيذه بعد زواجه منها في الحال .

********
عاد (آدم) لمكتبه ليجد (جمانة) في انتظاره والقلق يبدو على ملامحها، عندما رأته سألته في لهفة :
- خير يا دكتور ؟ كانت عاوزة إيه ؟
هز كتفيه في بساطة و رد :
- أبدا كانت عاوزة تعمل مشكلة بيننا وبين أدهم، هتسرق ورق المناقصة وتبيعه ونلبسها إحنا لما تضيع المناقصة مننا .
عقدت حاجبيها وبدا عليها الضيق ثم تساءلت مرة أخرى :
- طيب وليه كده ؟
أجابها باقتضاب :
- دينا
فهمت على الفور ما يقصده وتساءلت بداخلها : أكل هذا من أجله ؟ شعرت بالحزن يكتنفها، تساءلت عن سره فلم تدري له سببا فاستكانت لأمرها الواقع وضاعت في متاهة حيرتها مكتفية بالصمت، استغرب هو صمتها وشعر بحيرتها و لمحة الحزن التي ظهرت في عينيها، أراد أن يواسيها لكنه بهذا كان سيفشي شيئا حبسه أخاه بداخله فغير الموضوع تماما قائلا :
- بس الحمد لله إننا رجعنا في الوقت المناسب، كويس إني قلت لك كلمي مامتك او اختك واطمني.
رفعت عينيها إليه ووافقته في خفوت :
- معاك حق يادكتور، ساعتها مافهمتش قصدهم إيه من مقلب زي ده بس دلوقتي عرفت السبب، الحمد لله على إنه سترها.
رد بهدوء :
- الحمد لله.
ثم نهض متجها إلى مكتبه وهو يسألها :
- مركزة نشتغل ع المناقصة دي النهاردة ولا نأجلها لبكرة ؟
تطلعت إلى ساعتها لحظة ثم قالت :
- لا للأسف لو ممكن امشي بدري شوية، تركيزي ضايع خالص.
أومأ برأسه موافقا ثم سألها :
- هتمشي إمتى ؟
أجابت :
- يعني كمان نص ساعة كده هاخلص الورق اللي معايا ده وامشي.
قال :
- أوك.
ثم اتجه لمكتبه وبعد دخوله اتصل بأخيه قائلا بسرعة وصوت خافت :
- أيوة يا أدهم ... جمانة هتروح كمان شوية متضايقة ومش مركزة ... إنت اديت لها مهلة قد ايه تفكر ؟ طيب كويس بقى لها كم يوم أهي تعالى اعرف رأيها وحسسها باهتمامك ... إيه ؟ أبدا حسيت إنها اتضايقت لما عرفت إن دينا كانت عاوزة تلبسنا موضوع المناقصة، كأنها سألت نفسها كل ده عشانك وحسيت إنها قلقانة ... ايه ياعبيط إنت هتغير مني ؟ يووووه باقولك إيه إنت حر .
ثم أغلق الهاتف وضحك وهو يقول :
- بيغير مني، مجنون.
ثم بدأ في العمل على الأوراق التي أمامه وهو يضحك كلما تذكر جملة أخيه :
- حسيت إنها قلقانة ؟ وانت مركز معاها أوي كده ليه يعني ؟
وعاد يضحك في مرح .

********
كان الحاج (عبد الرحمن) جالسا في بهو منزله الكبير عندما دخل عليه شقيقه (كمال) مندفعا بغضب :
- إيه ياحاج ؟ هنفضل ساكتين كده كتير ؟ يعني رفضتني ورفضت تدينا الأرض هنعمل إيه ونتصرف إزاي معاها عشان أني مش ناوي أسيبها تتهنى باللي عملته .
عقد الحاج حاجبيه في غضب وهتف فيه بصرامة :
- في إيه يا كمال مالك عامل زي القطر كده ليه، إهمد بقى وبطل فكرك الأهبل دِه عشان مش عارف أفكر منك.
نظر إليه في أمل وسأله :
- يعني في حاجة في بالك يا حاج ؟
رمقه بنظرة استخفاف و رد :
- أمال فاكر هسيبها تهينك وترفضك وتاخد أرضنا والموضوع يعدي بالساهل، أني بأفكر لها في حاجة نكسر عينها بيها ونلوع كبدها على بنتها، عشان تبقى تتعلم تتعامل مع ولاد زيدان إزاي .
علت ابتسامة شيطانية شفتي (كمال) وهو ينظر إليه وتساءل :
- يعني وصلت لحاجة يا حاج ؟
رد عليه بنفاد صبر :
- يعني يا كمال أديني بأفكر، وأوعدك خطتي هتكون فيها نهايتها هي واللي يتشدد لها وتبقى تخلي القانون ينفعها .
سأله مرة أخرى :
- طيب احكيلي ياحاج يمكن أفكر معاك ونوصل لحاجة نذلها بيها .
تطلع إليه الرجل في صمت لثوان ثم قص عليه ما يفكر وهو ينظر إليه في تبجيل مستمعا لخطته .


**********************************



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 11:32 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 11:36 AM   #24

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الحادي والعشرون

****************

لملمت (جمانة) أوراقها التي كانت تراجعها وجمعتها في أحد الملفات ثم فركت عينيها في إرهاق وهي تأخذ نفسا عميقا بعدها وضعتها في أحد أدراج مكتبها و أغلقته في إحكام ثم التقطت حقيبتها وقامت لترحل، كانت تبحث في حقيبتها عن مفاتيحها كالمعتاد وهي تسير باتجاه الباب عندما لمحت شخصا يقف أمامه ويسده بجسده، رفعت عينيها لترى الواقف فكان (أدهم) يتطلع لها بطريقة غريبة أشعرتها بالخجل، خفضت عينيها أرضا وهي تتساءل :
- انا استأذنت من دكتور آدم عشان أمشي بدري شوية.
تجاهل ماقالته تماما ودلف للمكان وهو يسألها :
- رأيك إيه ؟
رفعت عينيها إليه في دهشة واستغراب ثم تذكرت عرضه للزاوج منها فغزت الحمرة وجنتيها بشدة وخفضت عينيها مجددا، بدا وكأنها تنظر لحذائه، شعر هو بالسعادة وهو يتطلع إلى وجنتيها الحمراوين و أحس بالنشوة أن يكون هو السبب، سألها مرة أخرى ممازحا :
- إيه ؟ عاجبك ؟
نظرت إليه بدهشة مرة أخرى وتساءلت :
- هو ايه ؟
حرك قدمه مشيرا لحذائه وقال في مرح :
- الشوز ؟ ملاحظ إنك بتبصي له كتير ؟
شعرت بالحرج مرة أخرى واستغربت مرحه وكأنما يسعده أن يسبب لها كل هذا الارتباك فابتسمت ولم ترد، عقد ذراعيه أمام صدره وتنحنح ثم سألها مرة أخرى :
- هافضل مستني كتير؟ رأيك ايه ؟ هتتجوزيني ولا هتتجوزيني ؟
ابتسمت في خجل لدعابته فتطلع إليها بحنان، استطرد مستفزا إياها :
- ماعنديش وقت المأذون مشغل العداد .
تطلعت إليه في دهشة هذه المرة وكتمت ضحكتها بصعوبة فوجدته ينظر إليها باحتواء أشعرها بالدفء، عادت تطرق برأسها أرضا وهي لا تجد ما تقوله، فسكت تماما، كانت في هذه اللحظة تراوده أفكار عدة، هل ترفضه لكنها تستحي من إخباره ؟ هل يمكنه بالفعل إن هي رفضت أن يجبرها على الزواج منه ؟ وإن أجبرها هل بإمكانه جعلها تحبه يوما ؟ يا إلهي لما هي صامتة هكذا ؟ رفعت رأسها أخيرا وقالت في تردد :
- باشمهندس أدهم، أنا مش عارفة أقول لحضرتك إيه ؟ يمكن حضرتك ماتعرفش علاقتي بحسام الله يرحمه كانت عاملة ازاي ؟ وإزاي صعب بالنسبة لي إني أضطر أرتبط بحد بعده حتى لو بشكل صوري أو مؤقت ؟ لما الظروف تضطرك تعمل حاجة كنت رافضها بيبقى صعب عليك أوي تاخد قرارك فيها وتوافق الظروف أو تتحداها، ومش الكل عنده القدرة ع التحدي ده أو إنه يقف في وش الظروف ويرفض إنها تجبره على حاجة ضد رغبته، أنا مش باقول لحضرتك الكلام ده عشان قصدي أزعلك او أرفضك، أنا بس باوضح لحضرتك إني فعلا مش هاقدر استمر في الجوازة دي للأبد، حضرتك لما عرضت علي الجواز قلت لي صوري أوك لكن ينتهي بعد مدة دي معترض عليها، مش عارفة إيه سبب اعتراضك إذا كنت وافقت على أول شرط ؟ فأنا باعيد عليك طلبي تاني، حضرتك وافقت تقف جنبي وتساعدني وأنا مش لاقية كلام يكفي إني أشكر حضرتك بيه على موقفك ده فأرجوك كمل جميلك للنهاية واوعدني وقت مااطلب منك حريتي تديهالي.

كانت كلماتها كالسياط، حدث نفسه : ألا تعلم تلك المرأة ماتعنيه له ؟ لكنني لن أتركك مهما فعلت وطالما حييت أنت امرأتي أنا وستكونين لي أنا فقط، تخطى كل كلامها وحاول أن يضفي بعض المرح على لهجته وهو يسألها :
- يعني موافقة ؟
نظرت إليه في دهشة مرة أخرى وهي لا تدري ما به ولمَ يبدو كطفل يلهو هكذا ذلك الذي كان يرعبها، وجدت نفسها تبتسم في خجل لم تدري لمَ شعرت به وهي تومئ برأسها إيجابا في صمت وتعود للنظر لحذائه مرة أخرى، أما هو فكاد يطير فرحا أو يضمها ويحملها ثم يدور بها في المكان لولا بقايا عقل منعته، توقفت الكلمات في حلقه وشعر بها تسده فتنحنح بقوة جعلتها تنظر إليه في قلق لكنه ابتسم وقال :
- لا لا ماتقلقيش ده حاجة كده وقفت هنا.
قالها وهو يشير لحلقه عبر عنقه ثم قهقه بلا داعي وهي تقول في سرها : إنه مجنون بالفعل، عاد يسألها في هدوء مفتعل :
- طيب آجي البيت إمتى ؟
ردت في خفوت وهي تشعر بخجل شديد :
- هاكلم ماما وأرد على حضرتك.
حضرتك ؟ فكر فيها، ثم ضحك بداخله وقال لنفسه : سأريك، فقط انتظري، سأل بنفس الهدوء :
- أوك، تاخدي تليفوني عشان تبلغيني ولا ايه ؟
ردت بسرعة :
- لا لا هابقى اقول لحضرتك بكرة بإذن الله.
رفع أحد حاجبيه في سخرية وشعر بالغيظ فأراد إحراجها أكثر، تقدم منها خطوة فتراجعت للخلف بسرعة وهي تنظر إليه في توتر فقال في دهشة مصطنعة :
- إيه ؟
ردت في حياء :
- إيه إيه ؟
عاد يقهقه مرة أخرى وهي تشتعل غيظا أمامه ثم قال :
- رايح لأخويا فيها حاجة ؟

أفسحت الطريق أمامه ومر بجوارها ببطء سعيداً بالخجل المرتسم على وجهها ثم ابتسم في ارتياح .
********
حُدد الموعد وذهب مع أخيه وابنه، والده كان مريضا ووالدته لازالت مصرة على رفضها، لم يهمه الأمر فحبيبته كفيلة بأن تجعل تراب الأرض يعشقها فكيف بأمه، سألته والدتها عن أبويه فتعلل بمرض والده وبقاء والدته إلى جواره، دعت له بالشفاء وإن لم تقتنع بما قاله، اتفقوا على موعد عقد القران وصممت (جمانة) ألا يشتري لها ذهبا أو ماشابه فهي تعلم جيدا أنه ليس زواجا حقيقيا لكنه أصر فصممت على رفضها، جاراها وقتها وهو ينوي أن يعلمها درسا لاحقا، أخبرهم بصداقها فصعقت، ظلت تتطلع إليه في دهشة ممتزجة بالصدمة التي تعلو ملامحها، ما الذي يفعله حاولت الاعتراض فمنعتها نظرته الصارمة كأنه يقول : " هذا أمر بيننا "، كانت شاردة خائفة قلقة مترددة أما والدتها وشقيقتها فكانت سعادتهما جمة به وبحبه الواضح على ملامحه والذي كانت هي الوحيدة التي لا تراه، أخبرهم أنه بدأ في تجهيز شقة مناسبة لهما قريبة من منزلهم هذا، هي ترغب في البقاء هنا فوالدتها لديها منزل بالفعل لكنه رفض هذا الأمر تماما وأصر على رأيه ولم تفهم السبب في ذلك فقبلت على مضض، ثم أنهوا اتفاقاتهم .
جاء يوم عقد القران وأصر والده على حضوره وبصحبته (سارة) ، وكم كانت سعادة (أدهم) كبيرة بوجود أبيه، تساءلت (جمانة) كثيرا عن سبب غياب والدته، وخمنت السبب، لم تكن ترغب في مشاكل كثيرة فاكتفت بالتأكيد في نفسها على قرار الزواج المؤقت حتى يعود هو لبيته مع أبويه، وبعد انتهاء اليوم وعقد قرانهما والذي تلاه حفل عشاء عائلي هادئ عاد كل منهم إلى منزله وذهبت الصغيرة مع خالتها وجدتها، حمدت الجدة الله أن كانت نائمة حتى لا تتسبب في مشكلة وتجعل زوج ابنتها يأخذها معهما .
عاد والده لبيته بصحبة (آدم) الذي أوصله بسيارته للفيلا فالتفت يتطلع بحنان للصغير (يوسف) النائم على الكرسي الخلفي بجوار (سارة)، ثم عاد يلتفت لابنه الصامت، نعم يعلم أنه غاضب منه، لم يأت وقت تطييب الجراح لكنه اكتفى بأن جذبه إليه وقبل رأسه في حنان جعل الدهشة تكتنفه وهو يتطلع إليه في صمت، دار بين أعينهما حديث مطول خفض بعدها (آدم) عينيه وهو ينتظر هبوط والده وأخته ليبتعد مرة أخرى، ترجل الأب من سيارة ابنه ومعه ابنته تتابعهما عيني (فريدة) من شرفة غرفتها في حنق شديد، رحل (آدم) ودخلت (سارة ) ووالدها إلى الفيلا بهدوء، تلفت حوله فلم يجد زوجته، ابتسم وقال لابنته :
- اطلعي إنت نامي ياسارة، يلا تصبحي على خير.
أومأت برأسها وردت :
- وإنت من أهله يا بابا.
ثم اتجه كل منهما لحجرته، ما إن فتح (جلال) باب غرفته حتى طالعه وجه زوجته المحتقن بشدة وملامحها التي خطها الغضب بحِرَفية، دلف للداخل وأغلق الباب خلفه ثم اتجه للفراش ليجلس عليه بهدوء وهو يشعر بإرهاق شديد. سألته في عصبية :
- الهانم خدت ابنك خلاص يا جلال؟ ابني الوحيد يتجوز بالشكل ده ؟ من غير فرح من غير ما نعزم أصحابنا من غير مانفرح ؟
رد عليها بملل، كان لا يريد الحديث بل فقط يطلب الراحة :
- مش مهم فرح يا فريدة المهم هو يكون مبسوط.
ازداد غضبها فهزت رأسها في عنف وهي تهتف :
- كده يا جلال ؟ مش مهم ؟ أمال ايه المهم ؟ نفرح بولادنا إزاي لما جوازهم يبقى في الضل كده ولا فرح ولا ناس تعرف، لما هو بيحبها مكسوف يعملها فرح ليه.
أجابها في عصبية :
- يوووه يافريدة دي رغبتها هي، سيبيه يعيش حياته بقى ولو مالقاش سعادته معاها ابقي اشمتى فيه.
تطلعت إليه بصدمة من كلماته الصريحة، وقالت في حزن :
- أشمت فيه يا جلال ؟ هو ده اللي قدرت تواسيني بيه عشان ماعرفتش أفرح بابني الوحيد ؟
رد في عصبية أكبر :
- وانا مافرحتش بولادي الاتنين، سيبيني في حالي بقى يا فريدة انا تعبان.
نزلت من عينيها دمعة لم يلحظها ثم التفتت مغادرة الغرفة في صمت، تنهد هو في غضب، كان بداخله بركان لو تركه لأحرقها بحممه وهو يحاول كبحه لكنها تفتأ تثيره وتغضبه أكثر ولا تدري أنها بذلك تقضي على الخيوط التي تربط بينهما خيطا تلو الآخر .
********

أضاء (أدهم) النور وهو يدخل خلف (جمانة) إلى منزلهما، كانت تشعر بتوتر لا حد له أما هو فكانت سعادته لا توصف، أغلق الباب خلفهما في هدوء وتطلعت هي إلى الشقة التي أثثها على ذوقه، بدت راقية أنيقة بسيطة، أعجبتها للغاية، وقف خلفها صامتا يتطلع إليها بِوَله، بدت جميلة ورقيقة للغاية في ثوبها الناعم وحجابها الأنيق، ود لو أمكنه أن يأخذها بين ذراعيه ويذيقها خمر عشقه المختزن بداخله لسنوات طوال من أجلها هي فقط، لكنه يعود فيتذكر وعده لها فيكتفي بالصمت، شعرت بالهدوء يعم المكان فالتفتت إليه في خجل جعله يبتسم قائلا :
- أنا هنا مامشيتش.
ابتسمت في حياء ولم تعلق، فاقترب منها لكنها تراجعت للخلف بسرعة جعلته يضحك فتطلعت إليه في غيظ، قال لها :
- في إيه ؟ تعالي بس ماتقلقيش هاوريك أوضتنا .
سألته في صدمة :
- أوضتنا ؟
أومأ برأسه إيجابا في صمت فعادت تهتف :
- لا طبعا، أنا هانام مع ملك في أوضتها وحضرتك خليك في الأوضة التانية.
رد ببرود :
- جملتك دي فيها حاجتين غلط، حضرتك والأوضة التانية .. مفيش حاجة اسمها حضرتك، إنت دلوقتي مراتي مفيش واحدة بتقول لجوزها حضرتك ولا إيه ؟ عندك أدهم ، أدهوم، أبو الأداهيم، أي حاجة تطلع منك، خلي بالك من الموضوع ده كويس عشان مالاقكيش فجأة قدام الناس بتقولي لي حضرتك ويا باشمهندس، ده أولا، ثانيا بقى دي أوضتنا ...
وأشار لغرفة مقابلة وهو يكمل :
- أوضتنا، سوا، ماحدش هينام في أوضة لوحده.
ثم اقترب منها وهي تتراجع للخلف حتى اصطدم ظهرها بالجدار، فقال في حزم واضعا ذراعيه حولها مستندا بهما عليه خلفها :
- أوووووضتناااااااا... سهلة مش كدة ؟
شعرت بارتباك شديد أصابه بالسعادة، لم يرد أن يربكها أكثر فابتعد عنها وسألها :
- هتغيري الأول ولا أنا ؟ المفروض هنصلي مع بعض ولا إيه ؟
تطلعت إليه في دهشة وتساءلت :
- نصلي !!
رفع حاجبيه في استهجان و رد :
- آه طبعا نصلي، مش ده الطبيعي في يوم زي ده ؟
وعاد يقترب منها مثيرا توترها مرة أخرى :
- يوم جوازنا، ليلة دخلتنا، بنصلي الأول صح ؟
اتسعت عيناها في ذعر كاد يفقد أعصابه معه وتدوي ضحكته في المكان، أما هي فتمتمت في خوف :
- دخلتنا ؟
لم يتمالك نفسه أكثر فضحك بشدة، أدار لها ظهره متوجها للغرفة وفتحها ثم دخل إليها ليتجه إلى دولاب كبير في مواجهة الباب، التقط منه شيئا ما ثم استدار بوجهه لها وهي تنظر إليه في وجل، وجدته يخلع سترته ويلقيها على الفراش و يبدأ في فك أزرار قميصه فأدارت وجهها في خجل جعله يضحك مرة أخرى وهو يخاطب نفسه : " سأريكِ جمانة، فقط انتظري "، حمل ملابسه واتجه للحمام الملحق بالغرفة وهتف فيها :
- انا هاغير جوا وآخد شاور، لو اتأخرت روحي الحمام التاني بقى .
أومأت برأسها دون أن تلتفت إليه، ما إن أغلق باب الحمام خلفه حتى تنفست الصعداء ورفعت كفيها لوجنتيها تدلكهما في توتر وهي تهتف بخفوت :
- إنت عاوز ايه يا باشمهندس ؟ مااتفقناش على كده ؟ المصيبة إني باحس قدامك إني متخدرة، أعمل إيه بس ؟.
تنهدت مرة أخرى واتجهت للغرفة، تطلعت إليها بإعجاب فهي كبقية الشقة تتمتع بذوق راق أنيق، توجهت لدولاب الملابس وفتحته، وجدت ملابس (أدهم) فاتجهت للجزء الآخر وفتحته لتفاجأ بالعديد من قمصان النوم وبعض الفساتين الأنيقة جعلتها تتراجع للخلف في صدمة وتغلقه بسرعة لاهثة في عنف، خاطبت نفسها : " يا إلهي ماذا ينوي هذا الرجل ؟ " ، اتجهت لباب الدولاب الثالث وفتحته ثم تنهدت في ارتياح فهاهي ملابسها التي أوصت شقيقتها بترتيبها في غرفتها، التقطت عباءة منزلية أنيقة وحجابا ملائما لها والتفتت لتخرج من الغرفة عندما فوجئت به أمامها، كان يبدو وسيما للغاية في منامته الزرقاء الداكنة، بدت كأنما تراه للمرة الأولى، بعض البلل أصاب قميصه فالتصق بصدره وكتفيه مظهرا ذراعيه القويتين، ذقنه خشنة وشعره مبتل وملتصق بجبينه، ودت لو تمد يدها وتعيده للوراء لكنها تنحنحت في ارتباك وقالت :
- كنت هاروح برا لما اتأخرت.
لاحظ نظراتها إليه فابتسم وتطلع لما تمسكه في يديها، احتار أيستمر في إثارة توترها أم يتركها ويكتفي بحصاد اليوم، تنحى من أمام باب الحمام وأشار لها بالدخول، اتجهت للحمام وهو واقف أمامه، ترك لها مساحة كافية فقط لتمر منها بجواره، انكمشت على نفسها وهي تمر من أمامه بسرعة، تطلع هو إليها في صمت، تسلل عطر جسده لأنفها وهي تتخطاه فخفق قلبها، أغلقت الباب خلفها لتتنهد وهي تستند إليه أما هو فابتسم في ظفر واتجه ليتمدد على الفراش في انتظارها .
خرجت من الحمام وهي ترتدي عباءتها وتلف حجابها على شعرها لتجده ممددا أمامها، أدارت وجهها عنه في خجل في حين تطلع هو لما ترتديه ولم يقل شيئا بل نهض واقفا وقال :
- يلا نصلي .
وقفت خلفه في توتر وبدأا الصلاة، سمعته يقرأ القرآن بصوته العميق فشردت بعيدا إلى يوم زفافها إلى (حسام)، فقدت تركيزها وخشوعها وتركت دمعة تسيل من عينيها لم تستطع منعها، أنهيا صلاتهما فالتفت إليها ليجد دمعة تسيل على وجنتها، شعر بالألم يمزقه، هل تذكرت زوجها ؟ حبيبها الأول ؟ أول من أحبت وعشقت ولمست ؟ لم يدر ماذا يفعل فتصرف وكأنه لم ير شيئا، بل وضع كفه على جبينها فانتفضت في عنف من لمسته وكادت تبتعد لولا أن أوقفتها نظرة عينيه الصارمة، فصمتت في وجل وتوجس، وجدته يأخذ نفسا عميقا ثم يقول : " اللهم إني اسألك من خيرها وخير ما جبلت عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه "، وجدت ذاكرتها تعود بها للخلف مرة أخرى، ثم تنبهت له يمسح دمعتها الساقطة بأصابعه في حنان، نظرت إليه في توتر وابتعدت عنه بسرعة فابتسم لها مطمئنا، استقبلت هي ابتسامته في صمت، لم تعلم لمَ شعرت بالأمان والهدوء فجأة لكنها استمرت على صمتها، نهض ثم مد يده يساعدها على النهوض عنوة فشعرت بالخوف مرة أخرى، لكنه أدار ظهره لها واتجه ليتمدد على أحد طرفي الفراش مبتعدا قدر الإمكان عن منتصفه وقال في نبرة شعرت بالحزن يتخللها :
- تصبحي على خير.
لم تدر لمَ بدا صوته حزينا في أذنيها هل يحبها بالفعل كما اعتقدت شقيقتها ؟ هل تؤلمه ؟ ردت بخفوت :
- وإنت من أهله.
عاد لها توترها مرة أخرى واستمر هو يتطلع إلى الجدار أمامه في صمت، لم يشعر بها تدخل إلى جواره فانتظر لحظات حتى سمع حركتها تتجه مبتعدة عنه، التفت إليها ليجدها تجلس على مقعد كبير في الغرفة وتريح رأسها للوراء في إرهاق، شعر بالغضب هذه المرة ورغب في استفزازها مجددا فناداها في حزم :
- جمانة.
فتحت عينيها بسرعة وتطلعت إليه في قلق، فأشار إلى الفراش جواره وقال بنفس النبرة :
- مكانك هنا.
هزت رأسها نافية وهتفت في توتر :
- لا طبعا، إنت قلت أوضتنا وسكت، مش هانام كمان ع ....
صمتت في خجل فناداها مرة أخرى :
- جمانة.
رفعت عينيها إليه لتجده يشير إلى جواره قائلا في صرامة :
- مكانك هنا، تعالي نامي فيه حالا.
ردت في ارتباك :
- بس أنا مش .....
وجدته يعتدل في مكانه وبدا كأنه سينهض ليجبرها على النوم إلى جواره، فنهضت بسرعة واتجهت إلى الفراش، عاد يسألها بنفس الحزم :
- هتنامي كده ؟
هتفت بداخلها " الآن ماذا تريد بالضبط ؟ " لكنها سألته :
- كده إزاي ؟
أشار إلى حجابها في صمت فتوترت وأجابت :
- أيوة أنا كده كويسة.
سألها بسرعة :
- ليه مفيش شعر ولا وحش للدرجة دي ؟
وجدت نفسها تتطلع إليه بدهشة لتقابلها عينيه الصارمتين المخيفتين، كانت تود قول الكثير لكن لسانها لم يطِعها فاكتفت بأن همست :
- ماتضغطش عليا.
ظل على نظرته الصارمة فكادت تبكي متوسلة وقبل أن تقول شيئا مد يده إليها ونزعه عنها دفعة واحدة لتتناثر خصلات شعرها الكستنائي على وجهها في نعومة، وجد قلبه يخفق في عنف أما هي فانتفضت شاعرة بالصدمة من تصرفه، من يظن نفسه ؟ إن زواجنا صوريا وسيبقى هكذا،" يا إلهي أَعِنّي لما أشعر بالضعف أمامه "، أفاقت على لمسته وهو يرفع خصلة من شعرها ويعيدها للخلف، فنظرت إليه وابتعدت عن يده بسرعة، كانت نظرته إليها تأسر عينيها وتتركها حبيسة عينيه وكأنه يقتحم أسوار حصونها ويكبلها بسلاسله ويغلق عليها أقفاله، لم تستطع الحركة، وجدته يقترب منها فتجمدت كتمثال، اقترب أكثر وتسارعت مع اقترابه دقات قلبها حتى باتت تسمعها في أذنيها ثم وجدته يمد يده إليها ويتخطاها ليلتقط هاتفه من فوق الطاولة خلفها ثم يعود لمكانه قائلا بصوت متحشرج :
- بكرة الجمعة لازم أظبط المنبه، هتصحي للفجر ولا أصحيكي ؟
انتفض قلبها بداخلها مرة أخرى ولم تدر لمَ فعل ذلك ؟ هل تماسك بالفعل أم أنه لم يكن ينوي شيئا منذ البداية وكان يستفزها فقط ؟ شعرت بالحنق الشديد فالتفتت تسحب غطاءا فوق رأسها وتنام قائلة :
- لا هاصحى طبعا لو تحب أصحيك قولي .
نظر إليها في دهشة، ماذا أصابها ؟ ألا تدري ما فعلته بي للتو حتى تغضب أيضا، لقد تماسكت ومنعت نفسي عنها لأجلها بشق الأنفس وهي تغضب، ماذا تريد هذه المرأة ؟ أدار وجهه هو الآخر وأجاب في برود :
- لا أنا باصحى لوحدي.
أغمضت عينيها في ألم ولم ترد، حاولت النوم لكن أنى له أن يزور أجفانها، ظلت مستيقظة وهي تشعر بأنفاسه المنتظمة إلى جوارها، لقد نام كطفل وهي يكاد رأسها ينفجر من قلة النوم والإرهاق والتفكير، نهضت بعد ساعتين من المحاولات الفاشلة للنوم وخرجت من الغرفة بهدوء، بعد خروجها التفت يتطلع للباب في صمت، ثم عاد يلف وجهه للجدار ويحاول النوم دون جدوى، عادت هي بعد قليل وشعر بدفء جسدها يقترب منه، نامت إلى جواره في هدوء دون أن تنام حقيقة، ومر الليل دون أن يغمض لأيهما جفن .
قامت في الصباح مبكرا، كان هو قد نام بعد شروق الشمس أما هي فبعدما غلبها الإرهاق استيقظت فزعة على صوت (حسام) يناديها في أحلامها قائلا في حزن حطم قلبها " أنت لي جمانة، لا تمنحيه ما امتلكتُه يوما، ستبقين لي حتى آخر نفس يتردد في صدرك، أنتِ ملكي .. ملكي .. ملكي " وظل صدى صوته يتردد في عقلها حتى فتحت عينيها في فزع لتجد نفسها إلى جوار رجل آخر، اعتدلت في إرهاق وهي تتثاءب ثم قامت من مكانها، شعر هو بحركتها فتجاهلها وحاول النوم مجددا، خرجت من الغرفة بهدوء وتطلعت للساعة لتجدها التاسعة صباحا، قررت أن أمامها وقت كافي حتى يستيقظ ليتناول فطوره ويذهب للصلاة، اتجهت للحمام الخارجي وملأت حوض استحمامه بالماء الدافئ وفقاعات الصابون العطرة ثم استلقت فيه لساعة كاملة، شعرت بإرهاقها يتلاشى وبأعصابها تسترخي فأغمضت عينيها في راحة، عندما تأخرت قام هو من فراشه واتجه خارج الغرفة ليبحث عنها فلم يجدها، وعندما التفت ليعود للغرفة لاحظ باب الحمام المغلق فعلم أنها بالداخل، شعر بالقلق يكتنفه ماذا لو حدث لها شيء، لمَ هي بالداخل كل هذا الوقت ؟ اتجه إليه وطرق الباب برفق ففزعت هي وهتفت :
- أيوة.
سألها باهتمام :
- إنت كويسة ؟
تنهدت وردت :
- أيوة، كنت مرهقة بس فمليت البانيو عشان استرخي شوية.
تنهد هو الآخر في ارتياح ثم تنبه لما قالته : بانيو ؟ إذن فهي .... ، شعر بدقات قلبه تتسارع مرة أخرى فابتعد عن الباب بسرعة، لاعنا إياها ولاعنا قلبه ولاعنا وعده لها، جلس في الغرفة لثوان ثم عادت إليه رغبته الطفولية في إثارتها واستفزازها فعاد إليها وهتف من خلف الباب :
- جمانة لما تخلصي ماتفضيش البانيو .
شعرت بالدهشة فسألته :
- ليه ؟
ابتسم في خبث وأجاب :
- هأخد شاور بعدك.
توترت بشدة لكنها ردت :
- طيب ما تروح الحمام التاني.
قال في عناد :
- لا أنا عاوز ده ونفس البانيو ونفس الماية والصابون، ماتفضيهوش لو سمحتي وخلصي بقى عشان مااتأخرش ع الصلاة، فين الفطار يا هانم ؟
كاد يصلها صوت ضحكاته من خلف الباب وهي تعقد حاجبيها في خجل كعادتها وترد :
- حاضر دقيقة وأخرج أحضر لك الفطار.
أجاب :
- يلا بسرعة.
ثم عاد لغرفته بسرعة وتمدد على الفراش في انتظار خروجها، كان يشعر بسعادة لا مثيل لها كلما أشعرها بالخجل أو استفزها، سمع باب الحمام يفتح فتطلع إلى خارج الغرفة منتظرا إياها، وجدها ترتدي عباءة أخرى رقيقة وقد صففت شعرها المبتل وتركته منسدلا على كتفيها وخصلة منه نافرة على جبهتها قام من أمامها مسرعا واتجه للحمام وأغلق بابه خلفه في شيء من العنف لم تفهمه، فتجاهلته واتجهت لتعقص شعرها بشريطة ملونة رقيقة ثم عادت للمطبخ لتحضر له الفطور، بعد ما يقرب من نصف ساعة سمعته يخرج من الحمام فحاولت أن تناديه ليتناول فطوره لكن لسانها لم يطِعها لتنطق باسمه، شعرت بالخجل وصمتت منتظرة حضوره، أما هو فبدا وكأنه ينتظرها أن تناديه، اتجه للغرفة في صمت، فوجدت نفسها مضطرة للذهاب خلفه لكنها انتظرت قليلا عله يعود، لما تأخر اتجهت إليه لتجده مستقبلا القبلة ويصلي في خشوع، تراجعت للخلف مستندة للجدار المجاور لها وقلبها ينبض بقوة، عادت للمطبخ لتجده يدلف إليه بعد دقائق هاتفا :
- إيه اللي أنا شامه ده ؟؟ امممممم ده بيض ده ولا ايه ؟
ابتسمت وهي ترد :
- أيوة بيض ماله ريحته فيها حاجة ؟
أجابها بمرح :
- أيوة فيها حاجة حلوة.
اتسعت ابتسامتها وقالت :
- طيب افطر يلا عشان ماتتأخرش ع الصلاة، تحب إيه مع الفطار ؟
جلس على مائدة صغيرة تتوسط المطبخ وهو يتساءل :
- إيه مع الفطار ازاي ؟
بنفس الابتسامة أجابت :
- قصدي بتشرب إيه مع الفطار ؟ عصير قهوة شاي نسكافيه لبن ؟
ضحك ورد مداعبا :
- أي حاجة ساقعة بيبس.
بادلته ضحكته بضحكة رقيقة خجول أذابت قلبه وهو ينظر إليها فهز رأسه ورد متصنعا الجدية :
- هاتي نسكافيه .
أومأت برأسها إيجابا وقامت بتحضير كوبين من النسكافيه، حملتهما واتجهت للمائدة، جلست أمامه تتأمله وهو يلتهم طعامه في نهم، أما هو فشعر أنه يأكله بهذا الشكل لأنها فقط من صنعته له، ابتسمت في حنان انقلب لخجل شديد عندما رفع عينيه ووجدها تتأمله ونظرة الحنان تملأ عينيها، فكر: لقد أزال حجرا من السور المحيط بها، ابتسم لها وسألها :
- إيه ؟
ردت بخجل :
- إيه إيه ؟
اتسعت ابتسامته وعادت إليه رغبته الطفولية في استفزازها وهو يتساءل ثانية :
- بتبصي لي كده ليه ؟
ثم تطلع إليها واستطرد بنبرة مغايرة ولهجة ملتفة :
- جعان فيها حاجة ؟
ازداد خجلها وهتفت مدافعة :
- لا لا مش قصدي، بالهنا والشفا.
عاد يأكل من جديد وغمغم :
- آه انا قلت بآكل أكلك ولا حاجة.
ضحكت مرة أخرى برقة فرفع عينيه إليها بنظرة أخجلتها فأطرقت برأسها تتطلع إلى كوب النسكافيه الساخن وتديره بين كفيها على المائدة، نظر إلى الكوب وشعر بالحسرة، تحتضنه بكفيها وتأخذ منه دفئه وهو لا يستطيع حتى لمسها، أنهى طعامه والتقط كوبه ثم قام واقفا قائلا باستياء :
- إنت يا إما مش عاوزة تاكلي معايا يا إما محرجة، وفي الحالتين أنا هاروح اشرب النسكافيه برا وخدي راحتك.
قالها والتفت مغادرا المطبخ بخطوات واسعة وهي تحدق فيه بدهشة، إنه حقا مجنون فهي لا تتناول فطورا في الغالب، لملمت الأطباق ووضعتها في حوض المطبخ ثم حملت كوبها وذهبت خلفه، عندما دخلت لغرفة المعيشة وجدته جالسا يمسك مصحفا ويقرأ في خفوت، جلست في ركن الغرفة تتطلع إليه في إعجاب، لكنه فجأة أقفل مصحفه ورفع عينيه إليها في تساؤل صامت أجابته :
- أنا غالبا مش بافطر باشرب بس قهوة الصبح أو نسكافيه وخلاص.
تطلع إليها في صمت فأطرقت أرضا وهي لا تجد ما تقوله فسألها :
- في حاجة تاني ؟
هزت رأسها نفيا فقال بنبرة تحمل بعض الفظاظة :
- طيب ممكن تسيبيني لوحدي ؟
شعرت بالحرج فقامت خارجة من الغرفة بسرعة، زفر هو في حنق، هاهو يغضبها لكن ما بيده حيلة كيف يخشع ويتدبر في كتاب الله وهي حوله بهذا الشكل ؟ تنهد مرة أخرى ثم عاد للقراءة، خرجت هي من الغرفة شاعرة بالغضب، ما الذي فعلته ليحدثها بهذه الطريقة ؟، توضأت ووقفت على سجادتها لتصلي ركعتي الضحى، دعت الله أن ينير بصيرتها ويفرج همها ويساعدها في حل مشكلتها وأن يحفظ لها صغيرتها، رآها هو تصلي بخشوع وتدعو سمعها تنتحب في سجودها فرَّق قلبه لها، وغضب من نفسه لطريقة حديثه معها، سمع مكبر الصوت في المسجد القريب يبدأ في العمل فعاد للحمام توضأ واتجه للغرفة ليرتدي ملابسه فلم يجدها تلفت حوله بحثا عنها ثم خرج من الغرفة وناداها :
- جمانة ؟
جاءه صوتها من غرفة المعيشة :
- أنا في الليفينج.
اتجه إليها ليجدها تجلس كما كان هو منذ قليل وتحمل مصحفه في يدها وتنظر إليه في تساؤل فقال في حنان :
- أنا نازل، محتاجة حاجة ؟
هزت رأسها نفيا وهي تغمغم :
- لا شكرا.

ابتسم لها ثم غادر المنزل لأداء صلاة الجمعة.

************************************




التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 11:33 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 11:37 AM   #25

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الثاني والعشرون

***************

بعد خروجه أنهت قراءة الكهف ثم توضأت وجلست تردد بعض الأدعية والأذكار حتى أذن الظهر، قامت لتصلي ثم ختمت صلاتها، وبعدها أخذت تدور في الشقة فهي المرة الأولى التي تراها فيها، كان كل شيء حولها يدل على ذوق رفيع يتميز بالبساطة والرقي في نفس الوقت، ابتسمت ثم عادت لغرفتها، اتجهت للدولاب ثم فتحت الباب الأوسط تتطلع لمحتواه في دهشة، كيف يفكر في شراء أشياء كهذه وهو يعلم أن زواجهما ليس حقيقيا، ثم فكرت لحظة أمن الممكن أن ... ؟ أغلقت الدولاب ثم التقطت هاتفها واتصلت بشقيقتها التي ردت عليها بسرعة وكأن الهاتف كان في يديها هاتفة :
- جوجوووو، وحشتيني، عاملة ايه ؟
ابتسمت وردت عليها :
- وعليكم السلام ورحمة الله ، برده ؟ برده ؟
سمعت ضحكة (لمياء) الصافية فأسعدها ذلك، شعرت وكأن زواجها كان مبعث سعادة أختها خاصة عندما قالت :
- يا باردة، طمنيني عليكي مع البيج بوص.
ضحكت (جمانة) وردت :
- بيج بوص ؟ تمام الحمد لله .
حاولت (لمياء) أن تعرف أكثر فعادت تقول :
- اعترفي يا بنت، ايه الاخبار ؟
شعرت بالخجل يكتنفها، ليس لعدم وجود شيء لتقوله ولكن لمجرد تفكيرها أن هناك شيء ما مشابه لاعتقاد أختها قد يحدث بينهما فصمتت، فسرت شقيقتها صمتها بطريقة خاطئة فداعبتها قائلة :
- بتنكسفي يابيضة !! خلاص ماشي عفونا عنك، المهم وحشتيني وملوكة هتتجنن عليكي، بنحاول نشغلها على قد مانقدر.
شعرت (جمانة) بالحزن فهي تريد صغيرتها وتعتقد أن (أدهم) لن يمانع لكن وجودها معها في هذه الأيام سيثير الشكوك حول علاقتهما فقالت في حنان :
- يعني مش هاعرف اكلمها، ممكن تعيط ؟
ردت (لمياء) :
- ده أكيد، معلش بقى خليكي في اللي إنت فيه، بس ايه رأيك في ذوقي ؟
شعرت (جمانة) بالدهشة، إذن فما اتصلت من أجله بشقيقتها هي من قامت به بالفعل، سألتها لتتأكد :
- ذوقك في ايه ؟
ضحكت (لمياء) وردت :
- في اللي بالي بالك ، كله ذوقي حتى الفساتين، عارفة الستايل اللي بيبقى تحفة عليكي وجبت منه الألوان اللي بتحبيها .
تداركت الأمر وقالت :
- بجد ؟ كنت فاكرة أدهم هو اللي جابهم .
ردت ضاحكة :
- أدهم مين يابنتي ده باين عليه مالوش في الكلام ده خالص وكسوف وكده ياتي.
ضحكت بشدة وقالت :
- كسوف وياتي، ماشي .
أرادت إغاظتها فهتفت بعبث :
- ايه ده ايه ده ؟ من أولها كده بنغير أمال كمان يومين تلاتة هتعملي ايه ؟ هتحبسيه في البيت.
ردت (جمانة) بمرح :
- لا ماتقلقيش أنا ديموقراطية جدا جدا، اديني ماما بقى.
داعبتها :
- أيوة اهربي اهربي.
ضحكت في سعادة وهي ترى شقيقتها تمرح وتعود البسمة لوجهها مرة أخرى بهذا الشكل، تناولت والدتها الهاتف وتحادثتا قليلا كانت توصيها بزوجها والاهتمام به، وهي تستمع في صبر، أنهت المكالمة ثم تنهدت في قليل من الضيق، قامت للدولاب وفتحته تتطلع للقمصان والفساتين بداخله، التقطت فستانا رقيقا بلون وردي فاتح طويلا ناعما للغاية، اتجهت به للمرآة ووضعته على جسدها وهي تتطلع لنفسها، كان لون الفستان مناسب لبشرتها جدا ويبدو رائعا على وجهها، أرادت تجربته فتطلعت للساعة خلفها وجدت أن أمامها مايقرب من أربعين دقيقة حتى يعود من الصلاة، قررت أن تجازف وتجربه خلعت عباءتها وارتدت الفستان كان أحد كتفيه عاريا والأخر يستكين على كتفها برقة، بدت فيه ذات طلة ملائكية، تركت شعرها ينسدل على كتفيها بنعومة ثم نقلته تجاه كتفها العاري وتركت الناحية الأخرى مواجهة لرقبتها، بدت جميلة للغاية ورقيقة، تنهدت في حزن ثم تذكرت الكابوس الذي استيقظت عليه اليوم، نظرات الحزن في عينيه ونبراته في صوته، يا إلهي ماذا تفعل ؟ خلعت الفستان سريعا وارتدت عباءتها ثم أعادته لمكانه وأغلقت الدولاب، جلست على الفراش وهي تمسك بحقيبة يدها، فتحتها وأخرجت منها كتيب مذكراتها الصغير، فتحته وأمسكت بصورة (حسام) ووجهه الباش تتطلع إليها في حزن، انحدرت من عينها دمعة، أمسكت القلم وفتحت صفحة فارغة كتبت فيها " أمس عُقِد قراني على رجل آخر حبيبي، لكنني سأبقى مُلكا لك للأبد " .. أغلقت الكتيب ثم تمددت على الفراش وهي تستند بظهرها على إحدى الوسائد وتتأمل الصورة في شجن وحزن عميق، ضمتها لصدرها كأنها تستشعر ذراعيه حولها، ولم تشعر بنفسها إلا وهي في عالم الأحلام معه، كان يبدو وسيما كما اعتادت ان تراه، يبتسم لها في حب ويمد يديه إليها، اتجهت نحوه فاقترب أكثر حتى وقف أمامها، قال لها " عيشي حياتك يا لؤلؤتي، احمي بنتنا ودافعي عن حقها، اوعي تستسلمي، وخليكي في اللي جاي مش اللي راح" ابتسمت في هدوء وهي تحتضن كفيه، واكتفت بأن تتطلع إليه في حب، ثم شعرت بالسكينة بين ذراعيه فراحت في سبات عميق وهي تحتضن صورته.

بعد دقائق عاد (أدهم) إلى المنزل، فتح الباب برفق ودلف إليه وأغلقه خلفه بهدوء ثم تلفت حوله بحثا عنها، اتجه لغرفة النوم ليجدها مستلقية على الفراش وهي ترفع جسدها قليلا على إحدى الوسائد ومستغرقة تماما في النوم، اقترب منها وهو يتطلع إليها بحنان دافق، مال يتأملها بحب حينما وقعت عيناه على الصورة في يدها، كانت الصورة مقلوبة وظهرها لأعلى لكنه عقد حاجبيه وخمن من فيها، كاد يجن إقترب أكثر وأمال طرف الصورة البارز من أسفل يدها ليجد صورة رجل يحمل طفلة صغيرة لا يتعدى عمرها بضعة أشهر، تطلع لوجه الرجل وابتسامته التي يطل منها الحنان بوضوح وخمن، بالتأكيد هو زوجها الراحل، إن الصغيرة نسخة منه، عينيه ونظرتهما الرءوم، شعره الداكن وبشرته الخمرية، اعتدل وأخذ نفسا عميقا، شعر بمزيج من الغضب والحزن ينتقل لقلبه رويدا رويدا عبر شرايينه، " يا إلهي جمانة ! أتحبينه لهذه الدرجة ؟ وأنا الذي اعتقدت أنه يمكنني نيل قلبك وحبك بسهولة ؟ في بيتنا معا تحتضنين صورته في نومك ؟ هل تحلمين به ؟ وكيف ؟ كما أحلم أنا بك ؟ " عند هذه النقطة من تفكيره تصاعد غضبه أكثر وكاد ينتزع الصورة من يدها ويمزقها إربا لكنه تماسك بأقصى قدر يملكه من الصبر والتعقل، ليست هذه هي الطريقة المثلى لمعالجة الأمور واقتحام أسوارها العالية، أبدا ليست هي، عاد يفكر " كنت أتمنى أن أكون الأول في حياتك، أول حب، أول نظرة و أول لمسة، لم أكن لأترك مكانا لآخر في قلبك، أنا طماع وأريده كله لي، بل أنت كلكِ لي " وجدها تتحرك في كسل فابتعد عنها والتفت ليخرج من الغرفة بسرعة لكنه لمح إلى جوارها الكتيب الصغير، لم يكن يرغب في أن تعرف أنه رأى الصورة، لكنه لم يستطع مقاومة فضوله، كان يرى أنه من غير اللائق أن يفتش في خصوصياتها لكن غلبه الفضول فالتقطه برفق وفتحه على الصفحة التي كان عندها القلم، قرأ آخر جملة كتبتها، "سأبقى ملكا لك للأبد"، تفجر غضبه أكثر وكاد يفتك بها، نظر إليها في حنق شديد، "ملك من يا امرأة تملكني ؟ أنت ملكي أنا " كاد يوقظها وينهال على شفتيها تقبيلا مثبتا ملكيته، أغرته الفكرة للغاية لكنه تطلع إليها مرة أخرى في غضب امتزج بالحزن والقلق، رآها تتحرك مرة أخرى فالتفت مغادرا الغرفة بسرعة، اتجه لغرفة المعيشة وفتح التلفاز، قلب فيه قليلا حتى وجد أحد أفلام الكرتون فجلس يتابعه بصمت وهو يفكر في كيفية التصرف معها ونيل قلبها، لقد شعر بالأمس وصباح اليوم ببعض التجاوب منها، فهل يستمر هكذا ؟ أم أنه كان مخطئا في ظنه ؟ هل يذيبها بحبه ويشعلها بمشاغبته ويحرق أعصابها بطرق ملتوية كما فعل !، إنه يسعد برؤيتها كذلك ولكن إلى متى تستمر لعبة القط والفأر هذه ؟ ظلت لفترة طويلة نائمة فقد استنتج خطأً أنها استيقظت عندما تحركت، مر ما يقرب من ثلاث ساعات وهي غارقة في سباتها، كان يطل عليها كل بضع دقائق ليطمئن عليها وفي مرة طبع قبلة حانية سريعة على جبينها فابتسمت، شعر بقلبه يخفق في حب فطبع قبلة أخرى نال بها ابتسامة أخرى، تساءل أهذه الابتسامة لقبلته أم لحلم ما ؟ وقتها شعر بالغيرة تجتاحه مرة أخرى، كاد يوقظها لكنه لم يستطع فاستدار خارجا من الغرفة بهدوء وبركان الغيرة يعصف بقلبه ويثير جنونه، كيف يغار من رجل ميت ؟ وكلما فكر في الأمر تشتعل غيرته وتتأجج في قلبه أكثر صابة حممها على عقله المنهك، لقد لمسها، استنشق عبيرها، حبس في صدره أنفاسها، والأدهى أنها استجابت له، تلك التي تتمنع عليه، أنثاه ضاعت منه قبل أن يلتقيها وهو يستعر في نيران الغيرة من الماضي، كان هذا جنون لكن قلبه هو معقل الخبال، وهي السبب.
أما هي فغرقت في سباتها ورأت في أحلامها كأن (حسام) يأخذ بيدها ثم يسلمها لرجل آخر، تطلعت إليه في دهشة وغضب فوجدت ابتسامته تمحي غضبها، لم ترى ملامح الرجل الآخر جيدا، كان يوليها ظهره متظاهرا أنها غير موجودة فشعرت بالغضب لذلك، استدارت تتحدث مع زوجها الراحل فلم تجده ووجدت نفسها وحيدة مع هذا الرجل الذي لا تعرفه، فجأة استدار لها وابتسم، كان هناك ضباب حول وجهه كأنه خاص به لكنها تبينت ابتسامته بوضوح وشعرت معها بالسكينة والأمان فابتسمت هي الأخرى، اقترب منها وطبع قبلة حانية على جبهتها فعادت تبتسم، ثم ظلت معه حتى استيقظت فجأة، تطلعت حولها بقلق واعتدلت لتجد صورة (حسام) و (ملك) بين أصابعها، نظرت إليها في ذعر، يا إلهي، كم الساعة الآن ؟ بنظرة سريعة علمت أن الساعة تخطت الرابعة عصرا وقد اقترب وقت صلاة العصر، إذن لقد عاد (أدهم) بالتأكيد ولكن أين هو ؟ قامت من الفراش ووضعت الصورة في الكتيب وأعادته لحقيبتها ثم تركتها جانبا، لم تفكر إن كان قد رآها أم لا، فبالتأكيد لم يفعل، عدلت هندامها وغسلت وجهها سريعا ببعض الماء البارد وهي تصفف شعرها بأصابعها ثم خرجت من الغرفة لتبحث عنه، وجدته في غرفة المعيشة، كان مستلقيا على الأريكة ويبدو على ملامحه إرهاق شديد لكنه مغمض العينين كأنه نائم بعمق، اقتربت منه تتأمله، دوما كانت تشعر بالخجل كلما رفعت عينيها إليه ولم تستطع ولو لمرة أن تدقق في ملامحه جيدا، اقتربت أكثر وجلست على الأرض أمام وجهه الذي يستند مع رأسه إلى ذراع الأريكة وبجواره أحد ذراعيه والآخر يثنيه فوق جبهته، مالت برأسها تنظر إليه، وابتسمت، لم يكن بهذه الصرامة و ذاك الحزم أثناء نومه، إنه يبدو كطفل صغير جميل ذو ذقن خشنة أرهقه التعب فنام في سكينة وهدوء، نعم هو وسيم للغاية، كيف لم تلحظ ذلك من قبل ؟، كادت تمد يدها تتحسس لحيته النامية لكنها تراجعت في خجل، التفتت تنظر للتلفاز لتجد قناة أطفال فضحكت في خفوت ثم حاولت التماسك قدر استطاعتها، قامت من مكانها متجهة إلى المطبخ لتحضر طعام الغذاء فقد تأخر الوقت جدا لكنها فوجئت به يمسك كفها ويثبتها في مكانها قائلا دون أن يفتح عينيه :
- خليكي هنا .
شهقت في رعب وكاد قلبها يتوقف ففتح عينيه وتطلع إليها بسخرية هاتفا :
- في إيه ؟
تنهدت بعمق وردت في خجل :
- خضتني ! كنت فاكراك نايم.
ابتسم وهو يقول :
- لا ماكنتش نايم خالص.
تعمد أن يخبرها أنه يعلم بوجودها وبتطلعها إليه منذ أول لحظة ليغيظها فقط ونجح بالفعل لأنها هتفت :
- ماكنتش نايم ؟
واعتراها الخجل مرة أخرى لكنها انتبهت إلى أنه لايزال يمسك كفها فسحبتها منه بسرعة، تركها هو تنساب من بين أصابعه وهو يبتسم، فسألته :
- تحب تتغدى ايه ؟ معلش نمت غصب عني ومالحقتش أعمل غدا.
تطلع إليها في صمت ثم قال :
- أنا أول مرة أشوف عروسة بتقف في المطبخ.
اعتراها الخجل من جديد ثم ردت :
- مش عروسة بالظبط يعني.
وقف أمامها بسرعة ورفع رأسها إليه متطلعا إلى عينيها، وكعادته كلما اقترب منها خفق قلبه ورمي نفسه بين أصابعها، لكنه قال وهو ينظر إلى عينيها في تحد :
- لا عروسة بالظبط ، وسهل أوي نثبت كده.
تراجعت بسرعة مبتعدة عنه وأدارت وجهها تجاه المطبخ، تجاهلت ما قاله وهي تقول في ارتباك :
- ماقلتش تحب تتغدى ايه ؟
نظر إليها في صمت، كان يرغب في استفزازها أكثر لكنه أجل الأمر قليلا مجيبا :
- مفيش مطبخ هنطلب دليفري أي حاجة، شوفي تحبي تاكلي ايه ؟
هزت رأسها نفيا وقالت :
- لا لا دليفري ايه ؟ بجد هاطبخ بسرعة مش هتحس بالوقت.
أنهى النقاش في حزم وهو ينظر إليها :
- قلت مفيش مطبخ، هتاكلي ايه ؟
ثم التفت يلتقط هاتفه وعاد ينظر إليها منتظرا جوابها، شعرت بالارتباك مرة أخرى فأجابت :
- أي حاجة، شوف هتجيب إيه وأنا زيك.
مط شفتيه وتساءل :
- طيب افرضي مش هتحبي اللي هاجيبه ؟
سألته :
- إنت هتاكل ايه ؟
رد :
- مش عارف، إيه رأيك نجيب بيتزا ؟
ابتسمت وقالت :
- اوك، مفيش حد مش بيحب البيتزا.
بادلها ابتسامتها ثم قال في خبث :
- سي فوود ؟
تطلعت إليه في استغراب ثم هزت كتفيها مجيبة :
- أوك .
سألها بخبث أكبر :
- طيب افرضي الفرامل باظت ؟
لم تفهم فسألته بدهشة :
- فرامل إيه ؟
قهقه بشدة وهي تتطلع إليه في غباء ثم توقف وهو ينظر إليها بنظرة خاصة فهمتها وفهمت مقصده فتراجعت في ارتباك قائلة :
- طيب خلاص خليها فراخ .
سألها بنفس اللهجة :
- وأنا برده فراخ ؟
هزت كتفيها وكادت تقول " كما تريد " لكنها عدلت عنها وقالت :
- أيوة.
عاد يقهقه وهي تنظر إليه بابتسامة وبدا نوع من السعادة على وجهها وهي ترى فيه نزعة طفولية راقت لها، انتبهت له يبادلها نظراتها في صمت فأدارت وجهها لتقع عيناها على التلفاز، تصنعت الاهتمام وهي تسأله :
- إنت بتحب الكرتون ؟
نظر إليه هو الآخر وأجاب :
- آها، جدا، عارف إن أنا وملوكة هنتفاهم ونعمل فريق ضدك.
ابتسمت ثم التفت إليه وهي تغمغم :
- الظاهر كده.
سألها باهتمام جاد هذه المرة :
- كلمتيها ؟
أجابت :
- لا، كلمت ماما ولميا، قالولي بلاش عشان هما بيحاولوا يشغلوها على قد مايقدروا ولو كلمتني ممكن تعمل مشكلة.
شعر بالقلق فقال :
- طيب هي دلوقتي مش زعلانة ؟ ماتخليها تيجي بقى .
نظرت إليه في دهشة فسألها :
- في ايه ؟
شعرت بالحرج وهي تجيب :
- أبدا أصل غريب تطلب طلب زي ده، ع الاقل مش بسرعة كده مش طبيعي يعني قدام الناس.
عقد حاجبيه في تفكير ثم تساءل:
- طيب وإمتى يبقى طبيعي قدام الناس ؟
شعرت به مغتاظا لكنها أجابت :
- ع الأقل كمان أسبوع، عشان ماما ولميا.
تنهد في غيظ ثم طلب الغذاء حين أذن العصر، فقال :
- لسه شوية على ماالأوردر ييجي، هانزل أصلي وآجي.
أومات برأسها وهي تجيب :
- أوك
توضأ وخرج ثم أغلق الباب خلفه في عنف أفزعها وهي لا تفهم كعادتها، ذهبت لتصلي هي الأخرى وانتظرت حتى عاد ثم تناولا الغذاء سويا، جلست تشاهد معه فيلم كرتوني آخر، هي تضحك كالأطفال وهو فقط ينظر إليها والعشق مرتسم على ملامحه، بعد انتهاء الفيلم التفتت إليه ضاحكة وهي تهتف :
- بأموت في الفيلم ده و ملوكة كمان عشان كده حفظته بسببها، كرتي البعبع .

لاحظ أن تحفظها معه قد زال قليلا فشعر بالسعادة لذلك أما هي فصمتت عندما رأت نظرته إليها، ظلت أسيرة عينيه وعلى الرغم من لونهما البني إلا أنها شعرت وكأنها تغوص في بحر عميق لا قرار له، ظللهما الصمت وكلاهما ينظر في عيني الآخر، فكر هو " ماذا أفعل الآن ؟ ماذا تريدين مني ؟ هل أقترب أم أبتعد ؟ وهل ستقبلين اقترابي ؟ ماذا لو اقتربت وفعلت ما يمليه علي قلبي مهما كانت العواقب ؟ حتى لو غضبتِ ؟ ولكن ماذا لو تسبب ذلك في حزنِك ؟ يمكنني إغضابِك والاستمتاع بذلك لكن ذرة حزن صغيرة في قلبك بسببي لا يمكنني احتمالها أبدا " تنهد بعمق ثم أشاح بوجهه في صمت جعلها تخفض عينيها هي الأخرى، لقد تحررت من أسره، هب واقفا فجأة وقال وصوته لا يكاد يخرج من بين شفتيه :
- أنا هانام، مانمتش كويس امبارح، تصبحي على خير.
ثم اتجه للغرفة في خطوات سريعة بدون أن يعطيها فرصة للرد، نظرت إليه وهو يغادر في صمت ثم قالت في خفوت :
- وإنت من أهله.
جلست مكانها قليلا ثم أسندت رأسها للخلف تفكر فيه، لمَ هو هكذا ؟ هل يحبها بالفعل ؟ أحياناً يبدو عليه كما لو كان غارقا في بحر العشق معها حتى النخاع وأحيانٌ أخرى يبدو ساخرا مستفزا لا مباليا كما حدث الآن، لم تدري لمَ توقعت منه شيئا ؟ ولم تسترح لفكرة أنها تفكر فيه بهذه الطريقة ؟ هل كانت ستستسلم له ؟ نفضت الفكرة عن رأسها وهزتها بعنف ثم أغمضت عينيها في سكون.
أما هو فقد نام كطفل صغير، كان إرهاق اليوم كله إرهاقا نفسيا أضناه حتى أنهكه فلم يشعر بنفسه إلا عند الفجر، فتح عينيه بهدوء فلم يجدها بجواره، استغرب وتساءل هل مازالت ساهرة للآن ؟ اعتدل في مكانه وفرك عينيه للحظات ثم قام خارجا من الغرفة، عاد لغرفة المعيشة ليجدها نائمة كملاك صغير وهي في وضع الجلوس، تستند برأسها على ذراعيها المعقودين فوق مسند الأريكة، تطلع إليها في حنان ثم إقترب منها ونادها برفق وخفوت :
- جمانة ؟ .. جمانة اصحي ادخلي نامي جوا .
لم تستجب مطلقا فشعر بالقلق، كاد يمد يده نحوها ليحركها لكنه تراجع وناداها بصوت أعلى هذه المرة :
- جمانة طيب اصحي صلي الفجر !
ظلت على وضعها فشعر بالشفقة تجاهها، مال نحوها ومد يديه يحملها برفق شديد محاولا عدم إيقاظها، وما إن استقرت بين ذراعيه حتى تطلع إليها بوَلَه، ها أنتِ حبيبتي بالقرب من قلبي ولكن هل تشعرين بدقاته تصرخ باسمك ؟ سار بهدوء عائدا للغرفة ثم وضعها على الفراش برقة، قبل جبهتها فعادت تبتسم، عقد حاجبيه في تساؤل، هل تبتسم بسبب قبلتي ؟ لا يعقل أن تكون في المرات الثلاث مجرد مصادفة ! .. ابتسم هو أيضا ثم انطلق للصلاة .

********
مرت ثلاثة أيام على زواجهما وهما بين مد وجزر، يضحكها، يغيظها، يثير مشاعرها وأحيانا يخيفها ويربكها، عندما استيقظت في اليوم التالي بعد نومها على الأريكة ووجدت نفسها في الفراش شعرت بخجل شديد يكتنفها، لابد أنه حملها ليضعها هناك، تخيلت نفسها بين ذراعيه فازداد خجلها ولم تستطع مواجهته في اليوم التالي دون أن يحمر وجهها مما أسعده للغاية، في اليوم الثالث كان (كمال) يندفع كالصاروخ إلى بهو منزلهم ليجد أخيه (عبد الرحمن) وزوجته جالسين يتحادثان في خفوت فهتف في غضب شديد :
- شفت اللي حصل يا حاج ؟ أهي بتاعة مصر اتجوزت.
رفع الحاج رأسه إليه وعقد حاجبيه وهو يسأله :
- مين اللي اتجوزت يا كمال ؟
رد وغضبه يزداد :
- مرات سي حسام، راحت اتجوزت اللي رفضتني عشانه أكيد.
هب الحاج واقفا في ذهول ثم انتقلت عدوى الغضب إليه هو الآخر وهو يصيح :
- إيه ؟ اتجوزت ؟ أمال كانت عاملة فيها شريفة وهاعيش على ذكراه وانت بتهينني، يابنت **** إن ما كنت أوريكي ما أبقاش أني عبد الرحمن كبير عيلة زيدان.
قال (كمال) بعصبية شديدة :
- شوف لك حل يا حاج بدل مااروح أخلص عليها الفاجرة دي، بقى أني ترفضني عشان واحد مصرواي زيها هُزُء ولا يسوى .
تطلع إليه الحاج في غضب هو الآخر وهتف فيه :
- ياكمال اتهد بقى أما نشوف حل للمصيبة دي ؟ إنت عرفت منين وعرفت اتجوزت مين ولا لا ؟
شعر بالغيظ، نعم كان يعلم ومعرفته تلك كانت تثير قلقه لكنه أجاب :
- ياحاج أني ليا عنين هناك ومش سايبها، واتجوزت ابن جلال الحسيني.
اتسعت عينا الرجل وهتف مرة أخرى :
- جلال الحسيني صاحب شركات ....
قاطعه (كمال) في عصبية بلا أدنى قدر من اللياقة :
- أيوة هو، هو في كم جلال الحسيني يعني ياحاج، المهم هنعمل ايه ؟
هنا أتى صوت زوجة الحاج (عبد الرحمن) وهي تقول صرامة :
- ماتتبط يا كمال، عاجباك على ايه المسلوعة دي ؟ اصبر وشوف أخوك هيعمل ايه ؟
أجابها :
- يا أم أشرف مش حكاية عاجباني، بس مش أني اللي اترفض عشان واحد تاني حتى لو كان ابن مين.
مصمصت السيدة شفتيها في استهجان وتساءلت بفضول :
- ودِه وقعته إزاي دي ؟
رد (كمال) :
- كانت بتشتغل عنده في الشركة، والظاهر لفت عليه بنت ***** وخلته يتجوزها، هي فاكرة إنها كده بتقف قصادنا.
ثم قال (عبد الرحمن) :
- خلاص يا كمال روح إنت دلوقتي وأني هاعرف شغلي معاها هي واللي اتجوزته دِه، لو فاكرة إنه هيحميها مننا، تبقى ماتعرفش أحنا ممكن نعمل ايه !
صمت (كمال) على مضض وإن كان غضبه يتأجج بداخله ويسري كما تسري النار في الهشيم.

********
أنهت (لمياء) العمل على الأوراق الخاصة بعملية شراء (أدهم) أرض شقيقتها وابنتها، استخرجت الإذن اللازم من المحكمة ثم اتفقت معها على مقابلتها في منزلها، كان قد مر على زواجهما خمسة أيام ولم يعد (أدهم) لعمله بعد، فقط يتابعه أحيانا مع أخيه الذي يمازحه دوما بخصوص (جمانة) لدرجة تثير غيرته في كل مرة، كانا يجلسان في انتظار قدوم (لمياء) فنظر إليها وسألها بجدية :
- هو اللبس اللي إنت لابساه ده طبيعي واحدة تلبسه مع جوزها في وجود أختها ؟ مش شايفة إنه غريب شوية ؟ يعني أختك تقول ايه ؟
تطلعت لما ترتديه في دهشة، كانت ترتدي عباءة أنيقة للغاية ذات لون كريمي بدا رائعا عليها، فسألته :
- ماله ؟
هز رأسه وهو يجيب :
- مش حشمة زيادة شوية ؟
ارتبكت ثم دارت ارتباكها بضحكة مفتعلة وردت :
- حشمة، لا طبعا دي عباية استقبال عادية جدا والناس كلها بتلبسها في حاجات زي كده ؟
رد مدافعا :
- حاجات مع ناس غريبة لكن مش مع أختك.
هزت رأسها نفيا وقالت :
- لا طبعا عادي مع أي حد.
تنهد ثم قال في حزم :
- جمانة قومي البسي أي حاجة زي الناس العادية مفيش داعي تلفتي انتباهها، أختك ذكية ولماحة وممكن تستنتج حاجة، وأنا ماحبش إن حد يعرفها لمجرد إني عملتها عشان خاطرك.
ارتبكت، نعم لقد صدق، ماذا لو فهمت (لمياء) الأمر ؟ لم تدري ماذا تفعل فحثها :
- قومي يلا.
تطلعت إليه في توتر، علم أنها تخجل من ارتداء شيء ولو كان كاشفا قليلا أمامه على الرغم من أنه زوجها، أراد مداعبتها كما اعتاد فقال وهو يرفع أحد حاجبيه :
- إيه محتارة ؟ في الدولاب كده في النص فتحته بابص لقيت حاجات تنفع قومي جربي حاجة منها.
اتسعت عيناها في صدمة وهي تنظر إليه كاد يضحك لكنه اصطنع الجدية واستطرد :
- إيه أنا شفت حاجات ظريفة أوي، هتبقى تحفة عليكي، تحبي أساعدك تختاري ؟
عقدت حاجبيها هي الأخرى وهتفت :
- إنت بتهرج مش كده ؟ يعني عاوز تفهمني إنك مش عارف دول إيه وبتغلس علي وخلاص صح ؟
تعجب، هذه أول مرة تواجه مشاكسته بجرأة، أراد أن يخجلها مرة أخرى فقال :
- لا عارف دول إيه ؟ المهم إنت تكوني عارفة، وبعدين يعني هو أنا اللي جبتهم ؟ إنت اللي نيتك وحشة أهو.
صُدِمت من جرأته الزائدة، هل يتحداها لأنها جابهته، إذن هي الحرب، ردت بعناد :
- مش أنا اللي جبتهم طبعا، هو أنا هاتفق معاك على حاجة وأرجع فيها مثلا، دول هدية.
أعجبته اللعبة فاستمر فيها، رفع حاجبيه في سخرية وهتف :
- كل دول هدية ؟ قولي لي ع اللي جابهم عشان اتعرف عليه مادام هداياه بتبقى ضخمة كده.
تحدته قائلة :
- أيوة هدية ومااعرفش عنها حاجة إلا يوم ماجيت هنا، من ماما و أختي، ده طبيعي لأنه فاكرين إن ده جواز عادي.
شعر بالغيظ فاستفزها أكثر :
- طب ماهو جواز عادي، هو في عادي واكسترا لارج مثلا، وبعدين ممكن حالا نخليه فوق العادي كمان.
صمتت فجأة شاعرة بالخجل مانحة إياه الشعور بالانتصار، فقال في عجالة :
- قومي بقى غيري قبل لميا ماتيجي .

قامت من مكانها في صمت متجهة لغرفتها وهو يتابعها بعينيه في ظفر ممتزج ببعض الفضول ولمحة من الشغف، توقفت أمام دولابها في حيرة ما الذي يمكن أن ترتديه أمامه بدون أن تشعر بخجل زائد كما أنه لا ينبغي أن يثير فضول شقيقتها .


**********************************



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 11:41 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 11:38 AM   #26

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الثالث والعشرون

****************

تعمدت (جمانة) أن تتأخر أثناء تغيير ملابسها فلم تكن تريد أن تخرج إليه وحده هكذا وتتلقى نظراته أو تعليقاته اللاذعة، انتظرت حتى سمعت جرس الباب معلنا قدوم شقيقتها، سمعت (أدهم) يفتح الباب ويرحب بـ (لمياء) فخرجت إليهم، التفتا سويا إليها، وظهرت السعادة على وجه شقيقتها وهي تحتضنها وتقبلها، أما هو فحمد الله أنها لم تخرج من الغرفة إلا بعد وصول أختها، كانت ترتدي بنطالا قصيرا للركبة و ضيقا من الجينز وفوقه بلوزة رقيقة ذات أكمام قصيرة واسعة وقد عقصت شعرها على شكل ذيل حصان قصير وتركت بعض خصلاته حرة تداعب وجنتيها مع حمرة لامعة خفيفة على شفتيها ومثلها على وجنتيها، كانت رائعة كما اعتاد أن يراها والآن زادت روعتها، ابتسم في حب في حين التفتت إليه المرأتان ولمحت (لمياء) نظراته وابتسامته فشعرت بالسعادة من أجل شقيقتها، أما (جمانة) فلم تنتبه لأي منها و هي تقود أختها لغرفة المعيشة وهو يلحق بهما، جلسوا جميعا وأخذوا يتحادثون في سلامات وسؤال عن الحال حتى قام واقفا فجأة وقال :
- طيب خليكم بقى اتكلموا براحتكم وانا هاجيب حاجة نشربها.
ثم التفت لـ (لمياء) متسائلا بابتسامة :
- نسكافيه يا لميا ؟ عشان نصحصح .
أومأت برأسها أن نعم وابتسمت وهي ترد :
- أوك، بس مش هنتعبك كده ؟
كانت ضحكته لطيفة وهو يجيب :
- عشان نسكافيه ؟ لا طبعا.
ثم التفت تجاه (جمانة) التي تنظر في الأرض وقال في حنان :
- تعبكم راحة.
رفعت (جمانة) رأسها تنظر إليه في امتنان وابتسمت (لمياء) التي قالت لأختها بعدما خرج :
- يا بنت المحظوظة يا جوجو .
ضحكت (جمانة) وسألتها :
- ليه يا لومي ؟
أشارت للباب الذي خرج منه (أدهم) إشارة ذات مغزى ثم قالت في هيام :
- يازيدي يازيدي ع الحب، خصوصا لما يبقى الحبيب من نوعية ... ولا بلاش لاحسن تكوني بتغيري ولا حاجة.
ضحكت بعدها في مرح، تطلعت إليها (جمانة) باستغراب مختلط بسعادة، لقد تغيرت (لمياء) كثيرا، صارت أكثر مرحا وانطلاقا بل وجرأة، هل كانت حياتها من قبل تعيسة إلى هذه الدرجة ؟ وما هو هذا الحب الذي تتحدث عنه ؟ لقد فقدت قدرتها في الحكم على الأمور، انتبهت من أفكارها على شقيقتها تجذب يدها وتقربها منها أكثر هامسة في فضول :
- ها احكي لي بقى، بالتفصيل الممل .
اشتعلت وجنتاها وهي تهمس في خجل :
- أحكي لك ايه يامجنونة إنت، خلينا في الورق.
ضحكت شقيقتها لحمرة وجنتيها وتنهدت وهي تقول :
- هييييييييييييييح.
داعبتها (جمانة) قائلة :
- إيه يابنتي انت لسعتي ولا ايه ؟
استمرت (لمياء) في الضحك وهتفت :
- لا طبعا، أنا لاسعة من زمان بس إنت اللي ماكنتيش مركزة معايا، وبعدين إيه الحلاوة دي ياقمر إنتِ ؟ أتاريه مارفعش عينيه من عليكِ من ساعة ما دخلتِ .
وكزتها (جمانة) في كتفها وهي تتساءل عن مدى صدق ماقالته أختها للتو ثم سمعت صوته آتيا من المطبخ مناديا :
- جمانة لحظة من فضلك .
قامت لتتجه إليه عندما لمحت أختها تنظر إليها في خبث فعقدت حاجبيها في تساؤل قابلته (لمياء) بابتسامة مرحة وكأنها تعلم سبب مناداته لها، هزت رأسها واتجهت إليه، كان واقفا قرب أحد الكبائن ويبحث بداخلها عن شيء ما ولما سمع صوت خطواتها سألها :
- فين السكر ؟ بقى لي ساعة بأدور مش لاقيه .
اتجهت للجهة المقابلة وهي تجيب :
- السكر هنا.
ثم مدت يدها تفتح الباب عندما شعرت به خلفها فجأة وقريب منها للغاية خاصة عندما وجدت ذراعيه حولها على سطح المطبخ، شعرت به يتشممها وإن لم يلمسها فارتبكت للغاية وانكمشت على نفسها وسألته في توتر :
- في إيه ؟
أجاب بلهجة أقلقتها :
- أنا عارف السكر فين بس مش عارف أطوله أصلي وعدت .
عقدت حاجبيها في عدم فهم، وعد ؟ تنبهت فجأة لمغزى كلامه فشعرت بسخونة في وجنتيها خاصة عندما أكمل بنفس اللهجة :
- إنت مش عارفة في إيه بجد ؟ ولا بتستعبطي ؟
أجابت بنفس التوتر :
- لا مش عارفة.
شعرت به ينحني ليهمس في أذنها :
- بصي لنفسك في المراية وإنت تعرفي، وايه البرفيوم ده ؟ اممممم .
هتفت :
- ما أنا قلت لك خليني بالعباية.
ابتعد فجأة وقال في حزم :
- إنت عارفة لو جبتي سيرة العبايات دي تاني ؟ ولا فكرتي حتى تلبسيهم؛ المقصات هنا كتير هأقوم معاهم بالواجب وأخليهم غير صالحين للاستهلاك الآدمي .
التفتت بسرعة وهي تبتعد عنه خارجة من المطبخ ووجهها يكاد يشتعل، عندما لمحتها (لمياء) هكذا ضحكت في مرح مما زاد من خجلها فهتفت :
- بس لاحسن هاعضك.
قالت :
- الله وأنا مالي، هو انت اللي خليت وشك احمر كده ولا وتّرتِك كدهون بقى يعني ؟
قرصتها في ذراعها فتأوهت متظاهرة بالألم وصرخت في خفوت :
- آه يامفترية.
ردت بابتسامة :
- عشان تحرمي .
عاد حاملا صينية عليها الأكواب وهو يقول في مرح :
- نسكافيه بقى يا لميا هيعمل لك إدمان وهتطلبيه مني .. بس أنا مش هاعملهولك.
ضحكت بخفوت ثم شعرت بالحرج فها هي عيناه تستقران مرة أخرى على شقيقتها وكأنها لم تكن موجودة فقررت أن تنهي الأمر سريعا حتى تتركهما وحدهما، نغز قلبها شعور بالألم عندما تذكرت نظرات (أحمد) لها في بداية زواجهما وكلماته المعسولة التي إعتاد أن يسكرها بها، نفضت الذكريات المرة عن عقلها بسرعة وقالت :
- طيب نشوف الورق بقى .
أصغيا إليها باهتمام وهي تشرح لهما ماهيته وتوضح لهما أماكن إمضاءاتهما ثم أخرجت ورقة أخيرة وهي تقول :
- ده بقى عقد عشان ضمان الحقوق يا باشمهندس وطبعا دي حاجة ماتزعلكش.
هز رأسه نفيا في حزم و رد :
- لا طبعا، ده حاجة أساسية، ولو ماكنتيش عملتيها كنت هاطلبها منك.
ابتسمت في احترام في حين أخرج هو ورقة صغيرة من جيبه، قال وهو يناولها لـ (جمانة) :
- ده بقى زيادة ضمان حقوق.
تناولتها منه وهي تتطلع إليه في تساؤل في حين عرفت (لمياء) ماهيتها على الفور، فضتها (جمانة) لتجده شيكا ممهورا بتوقيعه بثمن الأرض، لم تدري ما تقول فأعادته إليه وهي تقول في حزم قاطع :
- لا طبعا، كفاية أوي الورق اللي لميا عملته كده يبقى كتير، وبعدين مش خايف انا أنصب عليك.
شعر بالغضب منها فأراد أن يخجلها عقابا لها وأمام شقيقتها فابتسم وقال بلهجة خبيثة ذات معني ملتو :
- يعني هتاخدي ايه اكتر من اللي أخدتيه ؟
ثم تنهد في حب جعل (لمياء) تبتسم وهي تطرق برأسها أرضا في خجل، في حين اتسعت عيناها هي وهتفت بداخلها : إنه مجنون بالفعل، لم ترد على كلامه واكتفت بإعادة الشيك إليه والحزم يرسم ملامحها قائلة :
- بجد ...
كادت تنطق باسمه لكنها شعرت بالخجل فجأة فتراجعت وفهم هو تراجعها فرمقها بنظرة صارمة أخافتها فقالت مرة أخرى لكن خرج صوتها مرتبكا خجولا هذه المرة :
- بجد يا .. أدهم مش هينفع .
ود لو يطلب منها إعادة اسمه بعدما سمعها تنطق به أخيرا لكن الوقت غير مناسب على الإطلاق، فاكتفى بأن قال :
- الموضوع منتهي يا جمانة، ده حقك خليه معاكي احتفظي بيه او اصرفيه المهم إنه ضمان أنا مصمم عليه، وماتقلقيش ده من حسابي الشخصي مالوش علاقة بحد تاني، يعني تمن أرضك من فلوس جوزك.
ضغط على حروف كلمة "جوزك" ليخجلها أكثر لكنها شعرت بالغضب فقامت بتمزيقه أمامه وهو ينظر إليها في غيظ هو الآخر وقلبه يشتعل بحبها أكثر، تلك المرأة ستدفعه فوق حافة هاوية الجنون في أقرب وقت، كيف تثق به هكذا ؟ سمعها تقول :
- هو فعلا منتهي وكفاية أوي العقد ده.
لم يقل شيئا فقط نظر إليها، وخلايا مخه وأعصابه تتشاجر فيما بينها أيغضب أم يأخذها بين ذراعيه في الحال !

شعرت (لمياء) بنظراته فازداد حرجها وتساءلت كيف ستأتي (ملك) للعيش مع والدتها وهو على هذه الحالة ؟ قامت تلملم أوراقها فسألتها (جمانة) :
- ايه يالومي ؟ هتمشي ولا ايه ؟
أومأت برأسها وهي تجيب :
- أيوة يا جوجو هاروح بقى المكتب عشان أخلص الورق وأسجله وكده تبقى رسمي وماحدش يقدر يعمل معانا حاجة إلا بالقانون.
هب واقفا وقال :
- طيب هآجي اوصلك .
شعرت بالارتباك و ردت :
- لا لا طبعا، أنا معايا عربيتي .
عاد يقول مجددا في حزم هذه المرة :
- طيب خلاص أوصلك تحت .
نظرت إليه باستغراب ثم هزت كتفيها في استسلام في حين تطلعت إليه (جمانة) في تقدير وشقيقتها تودعها وتغادر معه، اتجهت تلملم الأكواب وتعيدها للمطبخ، ثم تذكرت ما ترتديه فأسرعت لغرفتها لتغيره بشيء أكثر احتشاما، لقد فعلت ذلك فقط أمام شقيقتها والحمد لله لم تشعر بشيء بل على العكس، وهو بدا وكأنه لا يدخر وسعا في إثبات الأمر أمامها، وقفت أمام الدولاب لتنتقي شيئا لا يغضبه لكنه لا يشعرها بالحرج في نفس الوقت، مدت يدها تلتقط رداءا منزليا قطنيا رقيقا ثم أغلقت الدولاب وقبل أن تلتفت سمعته يقول في سخرية :
- بلاش استفزاز عشان قلت لك هاخليهم غير صالحين للاستهلاك الآدمي ويمكن الدولاب كله وفي الآخر ماتلاقيش حاجة تلبسيها.
التفتت إليه بسرعة وهي تهتف :
- إنت جيت إمتى ماحسيتش بيك.
أجاب :
- دلوقتي بس، طلعت بسرعة عشان مش واثق فيكِ .
ضحكت ضحكة بلا معنى وعادت تقول في خجل :
- أنا مش هالبس عباية بس مش هاقدر اقعد كده، وبعدين الجينز عموما مش مريح .
دنا منها في بطء وهو ينظر في عينيها، كانت نظرتها هي أيضا ملتصقة بعينيه حتى اقترب منها والتصقت هي بالدولاب خلفها فخفضت عينيها لتقعا على شفتيه اللتين تحركتا ببطء وهو يقول :
- قلت خليكي كده، بطلي مقاوحة وجدال بقى.
قالت في استسلام وكأنها فقط تريده أن يبتعد:
- أوك .
لمحت ابتسامته ثم ابتعد عنها في حركة واحدة وجلس على الفراش يتأملها مما أشعرها بالخجل الشديد والذي انعكس بالتالي عليه سعادة غامرة، اتجهت تجلس على مقعد مواجه له، شعرت بحاجة لبعض الحديث الجدي معه، هل يحبها فعلا ؟ وإن كان يحبها ؟ فما الحل إن كان قلبها ملكا لغيره ؟ نعم هو يستفزها ويخجلها ويربكها ويجعل نبضات قلبها في سباق لكنها أقرت أنه فقط بسبب الخجل، قالت في هدوء :
- عاوزة أسألك على حاجة ؟ لو ممكن نتكلم جد شوية ؟
عقد حاجبيه وقال :
- هو الجد مالوش لازمة بس تحت أمرك .
ارتبكت لكنها استجمعت شجاعتها وسألته في صوت جمعت فيه أكبر قدر من الحزم :
- إن شاء الله بعد ما موضوع الأرض ينتهي والمشكلة تتحل ...
قاطعها :
- إنت عرفتي منين إنها هتتحل ؟ لسه مانعرفش هيتصرفوا إزاي ؟
أجابت بتلقائية جعلت قلبه يحلق في سمائها :
- عشان واثقة فيك .
قالتها وشعرت بالخجل الشديد فابتسم لخجلها لكنه لم يستفزها أكثر وصمت في انتظار سؤالها، تنحنحت ثم عادت تكمل :
- المهم بعد الموضوع ما ينتهي، أنا كلمتك أكتر من مرة قبل جوازنا بخصوص انفصالنا وإن الجواز بالنسبة لي كان حل مؤقت، وموافقتك عليه دي حاجة أنا باقدرها لك جدا، لكن إنت دايما يا إما بترفض يا إما بتطنش كلامي .
كان يتطلع إليها في ألم، لكنها لم تلحظه، رفعت عينيها إليه واستطردت :
- لو بعد المشكلة ما تنتهي طلبت منك ننفصل، هتديني حريتي ؟
أخذ نفسا عميقا وظل يتطلع إليها في صمت لكنها قالت بلهجة دفاعية :
- شوف انا مش غبية ومتأكدة إن مامتك مش موافقة عليا بدليل انها لحد دلوقتي حتى مااتصلتش بيا على الرغم من إن سارة كلمتني من يومين، أنا مش عاوزاها تقاطعك عشاني خصوصا إن جوازنا كان لهدف معين، مفيش داعي تزعل منك وإنت مصمم على حاجة لا هتقدم ولا هتأخر .

كان الصمت هو رده حتى هذه اللحظة، شعر بغضب يصليه ناره، ويحرقه في سعيره، ماذا إن تمّلَكْتُكِ الآن وفورا ومنعتكِ كلمة أخرى في هذا الأمر ؟ هل ستصمتين أم تعاودين الحديث فيه مجددا ؟ كاد يقولها لكنه تماسك وقرر أن يخوض النقاش معها تاركا عاطفته المشبوبة جانبا بشكل مؤقت، رد بعقلانية :
- أمي مصيرها ترضى، أنا مش هانكر إنها زعلانة لكن لأنها كانت عاوزاني اتجوز دينا ودي حاجة عمرها ما هتحصل، وأنا واثق إنها لو اتعرفت عليكي هتحبك زي بابا وسارة، يعني ده مش دافع يخليني أوافق ع اللي بتقولي عليه، وبعدين مين قالك لا هتقدم ولا هتأخر ؟ إنت عرفتي منين، أنا عارف أنا باعمل ايه كويس وهاوصل لفين حتى لو صبرت كتير.

تطلعت إليه لحظة في خجل، هذا اعتراف ضمني بحبه، وبرغبته أن تبقى جواره للأبد، شعرت بسعادة أثارت دهشتها، هل قلبها يتجاوب معه بالفعل أم أنها تخدع نفسها ؟ عاد يقول في حزم :
- السؤال بقى وخليني صريح، إنت ليه مصممة ع الانفصال، عشان الذكريات، هتفضلي عايشة في الماضي للأبد ؟ .
نظرت إليه ولم تدري ما تقول، فأكمل :
- اديني فرصة أثبت لك إن الحاضر أفضل ولازم تعيشيه صح عشان يبقى عندك ذكريات أجمل لبكرة .
صمتت تماما، هاهو يهدهد مشاعرها برقة ، ويداعب خيالها بحبه، نعم هو يعترف، يا إلهي لمَ يدق قلبها بهذه السرعة وتتصاعد الدماء لمخها بعنف أشعرها بالدوار ؟ أما هو فقد تأملها، ترك لقلبه العنان ليخرج من بين ضلوعه ويرفرف حولها، أن يضمها بحنو، ويربت على كتفيها برفق، أن يمسح دمعة ألم تساقطت هناك، أن يلثم تلك العيون ويمسح دمعاتها بشفتيه، أن يقسم على حمايتها، وإتاوته هي حبها، أن يقتلها عشقا، ويسرق من بين دموعها ابتسامة هوى، أن يدمر تلك الأسوار المحيطة بقلبها الصغير، ولو بمعول في يده حجرا حجرا، أن يزلزل دفاعاتها ويقتحم حصونها، يمحو ذكرى آلام مضت وذكرى أي رجل سواه، أن يكون هو رجلها الأوحد ونهر عشقها الذي تنهل منه نبضاتها .. لذلك قال لها بكل هدوء لا يعبر عما بداخله :
- أنا مش هأقولك لازم تحبيني، لكن عاوز أقولك إن السور اللي بنيتيه وحبستي نفسك وقلبك وراه مش هيحميكي مني، أنا هأهدمه بإيدي ولو فضلت فيه سنين.
تطلعت إليه في صمت تشوبه بعض الشفقة، يا مسكين أنت لا تعلم مقدار متانة أسواري ولا ارتفاعها لكنها كانت هادئة مثله تماما وهي ترد :
- السور اللي بتتكلم عليه مش أنا اللي بنيته، اللي بناه كان شاطر أوي وأسسه كويس جدا ورفعه عالي عشان يحجب عن قلبي أي حد غيره، السور ده من زمان مش هتيجي في يومين تقولي هأهدمه بإيدي، الأسوار دي لها بوابة واحدة مصفحة ومؤمنة، وكان لها مفتاح واحد راح مع اللي راح.
نظر لها نظرة كادت تذيب دفاعاتها في لحظة لكنها تماسكت، وهتفت في قلبها لا تضعف الآن أما هو فرد بنوع من الحزم :
- سيبك من السور، السور أنا كفيل به، المهم إنت مش عاوز كل ما أهد حجر ألاقيكي بنيتيه تاني بإيدك، عاوز وعد منك إن تسيبي المكان اللي أهده مفتوح، يمكن أقدر أفتح مساحة تسمح بمروري لجوا الأسوار ، مش عاوز مفتاح البوابة لأني ناوي أشيل السور من أساسه والبوابة مش هي هدفي، هتوعديني تسيبيني احاول ؟
طأطأت رأسها، فكرت هل يمكن أن أتركه وأنا أعلم أن حصوني ليست بالقوة التي تخيلتها، أن أسواري تنتظر دقة واحدة من معوله لتنهال فوق رأسي ترابا ؟ ، هل يمكنني أن أعده بالاستسلام بدون قيد أو شرط ؟ رفعت عينيها إليه وجدته ينظر إليها بأمل، بحب، يضمها بعينيه، تشعر بدفء صدره دون أن تلمسه، كادت تصرح بأن دفاعاتها بدأت في التهاوي بالفعل لكن دوما يبقي هناك حاجزا يمنعها، أخيرا أجابت :
- أوعدك، بس اللي ما أقدرش أوعدك بيه هو نجاحك.
بلهفة ظهرت واضحة في عينيه وإن لم تلتقطها كلماته قرر :
- نجاحي مفروغ منه، سيبيه علي وبس .
صمت لحظة ثم أكمل في حزم صارم هذه المرة وكأنما تعمد إخافتها :
- وموضوع الانفصال ده مااسمعكيش بتتكلمي فيه تاني، حتى مع نفسك.

ثم قام من مكانه وطبع قبلة حنونة على رأسها استسلمت لها، خرج بعدها من المكان تاركا إياها في دوامات الحيرة والقلق والحب .
********
مرت عدة أيام عاد فيها (أدهم) لعمله ومنعها من الذهاب بحجة أنها عروس وأن هذا ليس وقته، أتت (ملك) لتعيش مع أمها وزوجها، وفي يوم عودته للشركة ذهب إليه (آدم) في مكتبه ودلف إليه ثم أغلقه خلفه وهو يهتف في مرح شديد :
- عريسنا وصل، إيه ياعم إنت لزقت في البيت وماكنتش عاوز تنزل ولا إيه ؟
ضحك (أدهم) وأجابه وكأنه يغيظه :
- الحقيقة آه لزقت، أنزل بس ليه وأسيب القمر اللي معايا.
ظل (آدم) يضحك وقال محاولا تصنع الغيرة :
- آه ياعم، الله يسهل له بقى.
ظلا يتضاحكان سويا عندما رسم (آدم) على وجهه جدية مصطنعة وقال :
- أمال هي هترجع الشغل إمتى ؟ مكتبي ملخبط من غيرها .
كان يعلم أن هذا سيثير غيظ أخيه وكان هو يتعمده وبالفعل حدث ما توقعه لأن (أدهم) قال في حزم به لمحة غضب :
- لا ريح نفسك مش هترجع.
كما توقع، لن يتركها تعمل، تظاهر بالدهشة وسأله :
- إيه ؟ ليه يابني إنت بتستهبل ؟ دي خسارة كبيرة للمكتب وليا.
تطلع إليه بغضب وهتف :
- نعم ؟ ليك ليه بقى يعني ؟
انطلقت فجأة ضحكة أخيه ساخرة مجلجلة فعلم أنه كان يستفزه فاغتاظ أكثر، هتف فيه :
- بأقولك إيه هو إنت فاضي ؟ روح على مكتبك وسيبني اشوف الشغل المتكوم ده.
رد يغيظه أكثر :
- ماهو إنت السبب سايب الشغل بقى لك قد إيه ؟ بس قولي بجد إنت فعلا مش هتخليها تشتغل ؟
رد بسرعة وحزم :
- أيوة، ماعنديش ستات تشتغل أنا .
اصطبغت لهجة (آدم) بالجدية وسأله مرة أخرى :
- بس يا أدهم وشغلها هنا ؟ كانت هايلة بجد ماينفعش ، وبعدين إنت قلت لها ولا لأ ؟
عقد حاجبيه في غيظ و ردد :
- هايلة ؟ إنت يابني مش خايف على نفسك ؟ روح شوف وراك ايه .
هتف فيه :
- يابني باتكلم جد ورد ع السؤال قلت لها ولا لأ ؟
أجابه بغيظ أكبر :
- لا لسه وبعدين حد قالك إنها هتناقشني ؟ الموضوع مقفول من قبل ما يتفتح أصلا .
سأله مرة أخرى :
- طب ليه كده بس ؟ ماتعملش كده يا أدهم عشان ماتزعلهاش .
كان حانقا عندما قال :
- لا ماتخافش مش هتزعل، وبعدين يا أخي باغير فيها حاجة ؟
ضحك (آدم) وقال :
- بتغير ؟ ليه ومن مين إن شاء الله ؟ دي حتى هتبقى جنبك على طول كده.
ابتسم هذه المرة لكنه أصر على قراره وهو يقول :
- باغير منك يا سيدي وإنت حلو و أمور كده ، وكمان كنت أستاذها ، باغير من الهوا ، من مكتبها ، من باب الشركة وهي بتعدي منه ومن موظف الاستقبال والقلم وهي بتمضي حضور وانصراف، خلاص ! روح مكتبك بقى .
تطلع إليه في دهشة، يا إلهي ألهذه الدرجة ؟ ابتسم هو الآخر وأراد أن يغيظه أكثر :
- لا ده إنت حالتك صعبة، طب دول تغير منهم براحتك إنما أنا تغير مني ليه بس ؟ ما أنا كان ممكن أوصلها قبلك بس أنا مارضيتش وأنا شايفك مِدّهوِل ياعيني .
هتف في صدمة :
- مِدّهوِل، في دكتور جامعي كان في كندا عشر سنين يقول مِدّهوِل ؟ ماشي ماشي امشي بقى عشان هتلاقي المكتب طار في وشك، قال أوصلها قبلك قال، كان زماني باقرا على روحكم الفاتحة إنتو الاتنين في زنزانتي وانا مستني حكم الاعدام .
قهقه (آدم) وقال :
- ومن الحب ما قتل .
قام (أدهم) من خلف مكتبه ثم شد أخيه من ذراعه وهتف وهو يدفعه تجاه الباب :
- يلا بقى من هنا عشان هاقتلك بجد .
استجاب (آدم) لدفعته وهو يضحك بشدة ثم فتح الباب وهو يلقيه خارجه أمام عيني (سهام) المذهولتين والتي نظرت إليهما في صمت جعلهما يستعيدان وقارهما المهدر في لحظة، قال (آدم) وهو يتنحنح :
- طيب يا أدهم هأبقى اجيلك بعدين .
ثم انطلق خارجا بسرعة وهي تكاد تضحك، فرمقها (أدهم) بنظرة صارمة جعلتها تضع عينيها في الأوراق أمامها وتعود لعملها بصمت .
في نهاية اليوم اتجه (أدهم) لمكتب أخيه فوجده منكبا على العمل وبدا الإرهاق واضحا على ملامحه فسأله :
- ايه يا آدم مش هتروح ؟
رفع رأسع إليه ثم فرك عينيه ورد :
- هأروح طبعا، زمان يوسف روح البيت والبيبي سيتر مش بتفضل لمتأخر زي ما إنت عارف .
أومأ برأسه وقال :
- طيب تمام، تعالى بقى أوصلك واتكلم معاك في موضوع كده يهمني رأيك فيه .
تساءل (آدم) :
- طيب وعربيتي، هآجي بكرة إزاي ؟
اغتاظ (أدهم) وقال :
- يعني ماهي التاكسيات مالية البلد وبعدين خلاص يا سيدي ماتزعلش هابقى اعدي عليك الصبح ونيجي سوا، مبسوط كدة ؟ .
رد (آدم) وهو ينهض من خلف مكتبه :
- اوك، إذا كان كده ماشي .
أنهى عمله ورتب أوراقه وغادرا سويا لسيارته، وبعدما انطلق (أدهم) بها سأله أخيه :
- ها كنت عاوزني في إيه ؟
أجاب (أدهم) بجدية :
- موضوع أرض جمانة، محتار فيه، عاوز أنهيه إنت عارف اني مش باحب الأمور المتعلقة، مش عارف خطتي تبقى هجوم ولا دفاع ؟
عاد يسأله باهتمام :
- طيب إيه الهجوم وايه الدفاع عشان نختار من بينهم ؟
أجابه بسرعة :
- الهجوم ياسيدي هأعلن ملكيتي للأرض لعيلة بنتها ...
قاطعه (آدم) بسرعة فقط ليغيظه وكأنما لم يقاوم أن تأتي له فرصة ولا يستغلها :
- قصدك عيلة جوزها ؟
التفت إليه في غضب شديد فهتف :
- إيه يامجنون بص قدامك .
عاد ينظر أمامه وصاح فيه :
- أنا اللي مجنون ؟ يعني باتكلم معاك في موضوع مهم تقوم تقولي جوزها، ما جوزها قاعد جنبك أهو وواحد رزل من عيلته قاعد جنبه .
ضحك (آدم) ضحكة مجلجلة فمال (أدهم) بالسيارة لليمين ثم توقف بجانب الطريق وهو يقول لأخيه بغيظ :
- أنا هاتبنى يوسف وهاقولك الوداع تحب تموت إزاي ؟
ظل (آدم) يضحك وهو يقاوم بصعوبة حتى دمعت عيناه و(أدهم) يكاد يخنقه بالفعل، ثم صمت متطلعا إليه وقال :
- خلاص خلاص ماتزعلش، عيلة بنتها، المهم اشرح لي بقى قصدك ايه ؟
زفر (أدهم) في حنق ثم عاد يقود السيارة وهو ينظر أمامه وأكمل كأن شيئا لم يكن :
- الهجوم إني هاعلن ملكيتي للارض وهاجيب مهندس صاحبي يشرف عليها ويتابعها وإيرداها وشغلها مسئول منه مش منهم، وبالتالي استفزهم عشان يعملوا حاجة من اتنين، يايسيبوا الارض زي ماهي وتفضل ملك (جمانة) و (ملك) وبالتالي صاحبي يستمر في إشرافه عليها يا إما يطالبوا بالأرض وفي الحالة دي نبيعها بشكل مظبوط وبتمنها الفعلي.
سأل (آدم) بجدية :
- طيب والدفاع ؟
أجابه بسرعة :
- مفيش هما أكيد هيعرفوا إن الأرض اتباعت بس أنا مش هاعمل حاجة هاسيب الموضوع كده وخلاص وانتظر رد فعلهم هما وعلى حسب رد الفعل أشوف أنا هاعمل إيه يا نبيعها لهم برده يا إما أخلي صاحبي يشتغل عليها .
فكر (آدم) لدقيقة ثم قال :
- غالبا مش هتلحق تنفذ خطة الهجوم دي يا أدهم ، تلاقيهم عرفوا دلوقتي أو في طريقهم إنهم يعرفوا وهما أكيد هيبادروا بحاجة، أحسن نستنى ونشوف .
سأله (أدهم) باهتمام :
- تفتكر كده ؟ يعني بلاش أعمل حاجة ؟
أجابه بنفس الاهتمام :
- أيوة، وبعدين بلاش نستفزهم، خلينا نشوف هيعملوا إيه ونتصرف على أساسه بلاش نبادر بالهجوم فنوتر الموقف أكتر .

أومأ (أدهم) برأسه موافقا ثم عاد يدرس الأمر في رأسه وهو يقود السيارة إلى منزل أخيه في صمت .

*************************************



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 11:43 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 11:39 AM   #27

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الرابع والعشرون

****************

جلس (كمال) يتطلع إلى أخيه (عبد الرحمن ) وهو يتحدث في الهاتف باهتمام وتابعه يقول :
- أيوة يا فهمي عملت ايه ؟ ... آه ... وابنه ده هو اللي ماسك الشركات دلوقتي ؟ يعني هو ماعادش بينزل شغله خلاص ؟ ... آه آه ..معاه أخوه الكبير اللي كان برا البلد ؟ .. آه ... ايه ؟ إنت بتقول ايه ؟؟ وعرفت الكلام ده إزاي ؟ ... كمان شهر xxxxي ؟ .. يعني رسمي ؟ ... نهارها زي وشها بنت ***** دي .. اقفل يافهمي اقفل .
ثم وضع سماعة الهاتف في عنف وهو يصرخ :
- يابنت الـ ***** يا ***** .
هب (كمال) واقفا في عصبية وهو يسأله :
- خير ياحاج ؟ عملت ايه تاني الفاجرة دي ؟
رد الحاج وهو يشعر بالذهول :
- باعت الأرض لجوزها .
انتفض (كمال) في عنف وهي يصرخ :
- إيه ؟ باعتها لجوزها ؟ دي مقصودة بقى !
نظر إليه الرجل في تساؤل فأكمل في غضب :
- يعني تتجوز فجأة وتبيع له الأرض في أسبوع ؟ أكيد قاصداها عشان تخلص من المشاكل وتحطه هو في وش المدفع .
عقد أخيه حاجبيه في غضب رهيب وهو يقول :
- تفتكر كدِه ؟
عاد (كمال) يصيح في عصبية :
- أمال إيه يا حاج، لكن وعزة جلال الله لأعرفها إنها حطته في وش مدفع ما بيرحمش بنت الـ ***** دي .
انتبه الرجل لكلمات شقيقه فهتف فيه بصرامة :
- كمال إنت ما تعملش حاجة نهائي فاهم ولا لا ؟ أني اللي هاتصرف، ولاد الحسيني ما ينفعش نلعب معاهم خصوصا اللي هي اتجوزته دِه، هو اللي ماسك السوق دلوقتي وتلت تربع شغلنا غير الزراعة في إيده، أني هاحل المشكلة من غير ما تدخل فاهم ولا لأ ؟
عقد (كمال) حاجبيه في غضب شديد وبدا للحظة أنه سينفجر في وجه أخيه لكنه تراجع وزم شفتيه مجبرا لسانه على الصمت وأطلق العنان لعقله في خطة شيطانية صفق الشيطان له فيها .
********

في اليوم التالي تلقى (أدهم) اتصال من الحاج (عبد الرحمن) استغربه في البداية لكن الرجل أبلغه أن والدة (جمانة) هي من أعطته الرقم بديلا عن رقم زوجته، وعندما سمع هذه الجملة استشاط غضبا، هل كنت تريد محادثتها هي ؟ لكنه كتم انفعاله مخاطبا الرجل بهدوء ومرحبا به ليقابله هو و(جمانة) للحديث بشكل ودي بخصوص الأرض، عاد يومها (أدهم) من عمله متأخرا ليجد (ملك) في انتظاره مع زوجته وما إن رآها حتى ابتسم لها بحنان وهتف مادا ذراعيه إليها :
- ملوكة حبيبتي تعالي.
بادلته ابتسامته واتجهت إليه بخجل فاتكأ على ركبتيه على الأرض ليصل لمستواها ثم طبع قبلة حانية على رأسها وهو ينظر لوالدتها قائلا في لهجة ملتوية :
- وحشتيني أوي .
كانت نبرة صوته عميقة ونظرته لها صريحة فشعرت بالخجل وأطرقت برأسها أرضا، هو يلعب بأوراق مكشوفة منذ حديثهما الأخير ولعبة القط والفأر بينهما اتخذت منحىً آخر، أما هو فابتسم في مرح وقال مخاطبا الصغيرة :
- تعالي، النهاردة جبت لك حاجة جديدة اول ما شفتها افتكرتك إنت و ماما على طول .
بادلته ابتسامته وهي تهتف في براءة :
- لعبة جديدة ؟
أومأ برأسه إيجابا في حنان وأجاب :
- أيوووة، بس مش عاوزك تتخانقي مع ماما عليها ماشي، العبوا مع بعض .
عقدت (جمانة) حاجبيها في تساؤل في حين أخرج هو من كيس هدايا كبير كان يحمله علبة كبيرة نوعا وجلس أمام (ملك) على الأرض يفضانها سويا في مرح، أخرجت (ملك) من العلبة دمية محشوة كبيرة الحجم تكاد تماثلها هي حجما لأحد الشخصيات الكرتونية الشهيرة، وعندما رأتها هتفت في سعادة :
- كرتي البعبع .
في حين ابتسمت (جمانة) في سعادة وعندما رفع عينيه إليها تحولت ابتسامتها للخجل فقال لها :
- تلعبوا مع بعض من غير خناق ماشي، كنت هاجيب لكل واحدة واحدة بس للأسف مالقيتش غيرها .
ضحكت في رقة أذابته فقام واقفا واتجه إليها وهي تنظر إليه مكبلة بأصفاد عينيه، وقف أمامها تماما ثم تلفت حوله كأن هناك مايريبه مما أضحكها مرة أخرى فعاد ينظر إليها وهتف فيها همسا :
- إنت مش خايفة على نفسك ؟
تلاشت ابتسامتها وتساءلت في عدم فهم :
- خايفة ؟ من إيه ؟
عاد يتلفت حوله ثم انحنى نحوها غامزا بعينه وأجاب في مرح :
- مني طبعا.
زمت شفتيها في غيظ ثم جابهته قائلة :
- لا هاخاف منك ليه ؟
نظر إليها بسخرية وهو يرفع حاجبه، ألقى نظرة على الصغيرة المشغولة بدميتها، ثم عاد يلتفت إليها ورد وهو يعض شفته السفلى ناظرا إليها بشغف مما أثار خجلها :
- عشان ضحكتك دي بتخليني مجنون .
نظرت لأسفل ووضعت كفها على شفتيها وقالت من خلفه :
- خلاص مش هاضحك .
سخر منها قائلا :
- أحسن، ليا وليكي .
ثم عاد يلاعب الصغيرة عندما تذكر اتصال الحاج (عبد الرحمن) به فعاد ينظر إليها قائلا بجدية :
- عم ملك اتصل بيا النهاردة ؟
شعرت بالدهشة وتساءلت :
- الحاج عبد الرحمن ؟
أجاب :
- أيوة، عاوز يجي يقابلنا، حاولت أقنعه أقابله أنا بس هو مصمم يتكلم معاكي، بصراحة الفكرة مش عاجباني ولا مريحاني بس اضطريت أوافق عشان ننهي الموضوع ده بقى .
نظرت إليه في صمت فشعر بقلق من مجرد سوء فهم لكلامه، أكمل بلهجة ذات مغزى :
- ورانا حاجات أهم .
ها هي تخجل، إذن فلم تفهمني خطأً، هكذا حدث نفسه ثم عاد يقول لها :
- حددت له ميعاد كمان يومين نكون قررنا هنتصرف إزاي وتشوفي هتعملي ايه ؟ هتبيعيها ولا تحتفظي بيها وكده، ابقي اقعدي مع لميا واتفقوا وبلغوني رأيكم النهائي.
أومأت برأسها إيجابا في صمت حينما علا رنين هاتفها فالتقطته لتلقي نظرة على اسم المتصل وقالت :
- ده دكتور حسام، إنت فاكره ؟ اللي بيدير الصيدلية .
شعر بالغيظ وقال في نفسه، وكيف يمكنني نسيانه أو نسيان نظراته إليكِ ؟ لكنه سألها بسرعة :
- وجاب نمرتك إزاي وعاوز إيه ؟
هزت كتفيها وأجابت :
- هي معاه من زمان من ساعة ما مسك الصيدلية، وأكيد بيكلمني عشان ميعاد الحساب الشهري والمتابعة وكده .
مد يده إليها وقال في حزم :
- طيب هاتي الموبايل .
تطلعت إليه بدهشة وإلى يده الممدودة ورنين الهاتف يتصاعد، عقد حاجبيه ونظر إليها في صرامة فألقته في يده، التقطته وهو يهز رأسه ويجيب :
- السلام عليكم !
أتاه صوت (حسام) يقول في ارتباك :
- وعليكم السلام ، ممكن أكلم مدام جمانة ؟ ده تليفونها مش كده ؟
رد بهدوء :
- أيوة، وأنا جوزها يادكتور حسام .
شعر بصوته يتوتر وهو يقول :
- هي مدام جمانة اتجوزت ؟ أأأأ .. ألف مبروك يافندم .
رد بنوع من الشماتة :
- الله يبارك فيك يا دكتور، خير محتاج حاجة ؟
جاءه الرد بنفس الارتباك :
- لا لا أبدا، بس ميعاد المتابعة الشهري وكده فكنت باتصل بمدام جمانة أتفق معاها ع الميعاد اللي يناسبها.
رد (أدهم) بحزم :
- لا خلاص يا دكتور بعد كده أنا هاتابع الصيدلية واي تعاملات تخصها هتكون عن طريقي شوف الميعاد اللي يناسبك وأنا هاجيلك .
شعر بارتباك (حسام) يزداد لكنه تجاهله بل وأسعده ذلك، اتفق معه على موعد مناسب لكليهما ثم أنهى المكالمة، التفت إليها وقال بلهجة قاطعة :
- الشريحة دي هنغيرها بقى ونمرتك الجديدة ماتديهاش لأي حد اتفقنا ؟
نظرت إليه بطريقة غريبة لكنها خضعت لرغبته في صمت، عاد يقول :
- وحاجة تانية، بالنسبة لموضوع الشغل، اعملي حسابك خلاص، هتقعدي في البيت .
هتفت بدهشة واستنكار :
- إيه ؟ لا لا طبعا ، إحنا مااتفقناش على كده، لازم أشتغل.
نظر إليها في ثبات و رد :
- جمانة مفيش نقاش في الموضوع، ماحبش مراتي تشتغل وتحتك بأي حد، أنا واحد باغير جدا.
شعرت بالغضب فزمت شفتيها وأدارت وجهها بعيدا عنه وإن أسعدتها عبارته للغاية، اتجه إليها وأمسك بذقنها ثم أدار وجهها نحوه فأسبلت جفنيها لا تريد النظر إليه، تحداها قائلا :
- بصي لي أحسن لك .
سحبت وجهها من يده وتراجعت وهي تهتف في عناد :
- هتعمل إيه يعني ؟
رد بلهجة خاصة :
- من ناحية هاعمل فاللي يتعمل كتير، بلاش بس تستفزيني.
أصرت على عنادها وقالت :
- أنا مش باستفزك إنت بتستفزني أكتر .
عقد حاجبيه وتساءل بمكر :
- بقى كدة ؟
ردت :
- آها .
عاد يلتفت للصغيرة ليجدها مشغولة بالتلفاز وهي تحتضن دميتها فاستدار إليها مرة أخرى وهي جالسة أمامه وبسرعة طبع قبلة صغيرة على شفتيها جعلتها تشهق في صدمة ثم قال بابتسامة منتصرة :
- دي عينة بس، وكل ما استفزيتيني أكتر العقاب هيبقى أكبر ، ها تحبي تكملي استفزاز ؟
عقدت حاجبيها في غضب رفع له هو حاجبه في سخرية، قامت من أمامه بسرعة متجهة لغرفتها وأغلقت بابها خلفها بعنف، ظل يتطلع إلى الباب لثوان وقلبه يخفق في جنون لتلك القبلة الخاطفة ثم شعر بالحنق وقال لنفسه " هل غضبت أم ماذا ؟ هل أخطأت ؟ ماذا أفعل ؟ أنا من فعلت ذلك بنفسي، أي وعد هذا الذي قطعته، ألم أكن واعيا وقتها ؟ " .
لم يدري ماذا يفعل هل يتبعها أم يبقى في مكانه حتى تهدأ ! لم يستطع أن يبقى ساكنا فقام واتجه للصغيرة ابتسم لها ثم ربت على رأسها وتركها متجها للغرفة، كاد يطرق الباب لكنه تراجع، "لا لن أتركها تعتقد أنني أشعر بالذنب، فما فعلته هو نداء قلبي ونتيجة لعنادها "، فتح الباب بهدوء ثم دخل وأغلقه خلفه، وجدها جالسة على الفراش والغضب يطل من ملامحها فبدت أكثر جمالا، قال يغيظها :
- إنت قاعدة كده ليه ؟
أدارت وجهها للجهة المقابلة ولم ترد فعاد يقول في مرح :
- إنت اللي استفزيتيني الله وأنا مالي !.
ردت في استياء وهي تلتفت إليه :
- أدهم هو ده اتفاقنا ؟
أمال أذنه تجاهها وتساءل في خبث :
- إيه ؟ مش سامع، سمعيني تاني كده ؟
ازداد حنقها وصمتت فعاد يقول :
- سمعيني تاني، أول كلمة نطقتيها كانت إيه ؟
كانت غاضبة فلم تشعر بالخجل أو تهمها دعابته فهتفت :
- قلت أدهم، إيه غريبة يعني ؟
ضحك ثم قال بلهجة حالمة مفتعلة :
- لا مفيش بس مبسوط إني باسمعك بتناديني كده ببساطة، لو ده هيخليكي تبقي كده هاعمله كل يوم، أو يمكن بعد الوجبات.
زمت شفتيها في غضب وصمتت تماما، إقترب منها وحاول أن يجلس إلى جوارها فهبت واقفة لتبتعد عنه لكنه أمسك يدها ووقف قُبالتها وابتسم هامسا :
- شكلك إنت نسيتي اتفاقنا .
لم ترد مرة أخرى فمد يده يرفع وجهها لتنظر إليه لكنها دفعت يده في غضب وهي تهتف :
- برده تاني ؟
اتسعت ابتسامته وقال :
- خلاص بصي لي وأنا مش هاعمل حاجة.
ابتعدت عنه ونظرت إليه والغضب مرسوم على محياها فزادها بهاءا خفق له قلبه، تطلع إليها بحب أخجلها فخفضت عينيها مرة أخرى، قال :
- المهم إحنا مش عملنا اتفاق جديد ؟
رفعت عينيها إليه في تساؤل فأكمل :
- هتسيبيني أهدم السور ؟ لحد ما أوصل جواه وأشيل البوابة اللي قفلها مصدي دي.
فهمت ما يقصده فابتسمت، ثم ردت وهي حانقة :
- إحنا قلنا هتهدمه مش تنط من فوقه، دي حمرأة .
ضحك بمرح وعاد يسلط عينيه عليها حتى كاد يذيبها أمامه لكنه قال في تخابث :
- هي دي نطة ؟ إنت اللي بتحمرأي، ده مشروع فاشل.
ثم اتجه نحوها فتطلعت إليه في قلق وفي عينيها نظرة منذرة بالويل لكنه لم يهتم وهو يهمس :
- أنا ممكن أوريكي يعني إيه نطة من فوق السور، زي أيام المدرسة زمان .
تراجعت للخلف لكنه اقترب أكثر وهي لا تدري لمَ تشعر بخدر في جسدها متمكنا حتى من قلبها وعقلها، اصطدمت بالدولاب فكادت تغوص فيه وهو مازال على عناده حتى وقف أمامها تماما، رفع وجهها إليه بأصابعه فكادت تحترق من لمسته، لكنه تراجع فجأة عندما سمع الصغيرة (ملك) تنادي والدتها وهي تبكي، اتجه مسرعا نحو باب الغرفة وفتحه ليجدها واقفة أمامه تبكي والنعاس يداعب عينيها، ابتسم في حنان ثم حملها برفق وسألها :
- إيه يا ملوكة عاوزة تنامي ؟
أومأت برأسها إيجابا فاتجه بها لغرفتها تتبعه (جمانة)، قلبها ينبض بقوة وعيناها تتابعانه وتختلجان لرؤية حنانه مع طفلتها، نعم كادت تستسلم ولو تأخرت (ملك) لدقائق لكانت الآن .... شعرت بالخجل يكسوها عندما وصلت بتفكيرها لهذه النقطة ونفضت رأسها بعنف، وصلت لغرفة (ملك) فوجدته قد وضعها في الفراش ووضع فوقها غطاءها المفضل، جلس بجانبها يربت على شعرها وهو يمسك بقصة مصورة صغيرة ليحكي لها منها، رآها فأشار لها بالصمت، ابتسمت ثم انسحبت بهدوء، بعدها بدقائق خرج من الغرفة وأغلق بابها بهدوء شديد، اتجه لغرفة المعيشة ليجد (جمانة) تحتضن الدمية وتتابع التلفاز بلا اهتمام، اقترب منها وجلس إلى جوارها، فشعرت بالارتباك، سألها في خبث :
- هو إحنا كنا بنقول ايه ؟
ردت بسرعة :
- ماكناش بنقول حاجة، يلا ادخل نام عندك شغل بدري.
رفع حاجبيه وعلت شفتيه ابتسامة سخرية ثم تساءل :
- طيب وإنت مش هتنامي ؟
ردت وصوتها به لمحة غضب :
- لا كمان شوية ماأنا مش باشتغل بقى أسهر براحتي.
علم أنها غاضبة بسبب قراره لكنه أبدا لن يتراجع فيه وإن اضطر لسلسلتها في المنزل، قال بعد فترة صمت :
- طيب على رأيك، أنام أحسن وخليكي براحتك.
ازداد غضبها لكنها لم تعلق فدغدغ عنقها مما جعلها تنتفض من مكانها بسرعة أضحكته وهتف :
- إيه ياجميل إنت بتغير ولا إيه ؟
قذفته بوسادة صغيرة هاتفة :
- روح نام يلا .
ضحك مرة أخرى ثم أرسل لها قبلة على أصابعه في الهواء أشعلت وجنتيها خجلا خاصة عندما قال بعدها :
- ماتمسكيهاش، هي عارفة طريقها .
أدارت وجهها بعيدا فعاد يقول :
- ماتحاوليش، تلفي يمين تلفي شمال هتروح بيتها يعني هتروح .
شعرت به يقترب فهبت واقفة ليضحك مرة أخرى وهو يهمس مقتربا منها :
- تصبحي على خير .
ردت بسرعة كأنها تدفعه دفعا للذهاب :
- وإنت من أهله.

غمزها بعينه ثم اتجه لغرفتهما ببطء، كأنه يتعمد إثارة أعصابها أكثر ثم دخل وأغلق الباب خلفه في هدوء، وتركها لخيالها بعدما طبع بصمته هناك .
********
كانت (دينا) جالسة مع والدتها وهي تكاد تجن، تقضم أظافرها، تنقر بأصابعها وتهز قدميها، مثالا مجسدا للعصبية في أقوى صورها، قالت لها والدتها وهي تشعر بالخيبة :
- وبعدين يا دينا ؟ هتفضلي كده كتير ؟ اتجوز خلاص وماعملناش حاجة، بقى عرفت تاخده منك وأنا باقول عليكي هتجيبيه لحد هنا.
هتفت في عصبية زائدة :
- يووووووه يا مام، خلاص بقى يعني أعمل ايه أكتر من اللي عملته، أقتلها مثلا، الموضوع خلاص انتهى .
اندهشت والدتها وصاحت فيها :
- إنت أكيد مش في وعيك، يعني إيه انتهى ؟
صاحت (دينا) هي الأخرى :
- مام كفاية بقى، أنا زهقت .
ثم فكرت لثانية أكملت بعدها :
- أنا هاكلم طارق أخليه يتصرف لو حتى هيلبسها مصيبة وتغور من وشي .
ضحكت والدتها في سخرية وقالت :
- طارق عمره ما هيتدخل بشكل واضح يا دينا، دايما بيساعدك في الضل مادام مش محروم من حاجة معاكي .
كادت تصيح في عصبية مرة أخرى عندما قاطعها رنين هاتفها، التقطته لتجد (هشام) عند اسم المتصل، عقدت حاجبيها وألقته ثانية وهي تهتف بقرف :
- وده عاوز إيه هو كمان، مش ناقصة قرف بقى .
سألتها والدتها :
- مين بيتصل ؟
أجابت :
- اللي اسمه هشام ده، خلاص الموضوع باظ عاوز إيه تاني.
شجعتها والدتها :
- طيب ماتردي يمكن عنده فكرة ولا خطة جديدة تنفع .
عاد رنين الهاتف يتصاعد من جديد فأمسكت به وفتحت الخط وهي تضفي على صوتها أكبر قدر من النعومة وترد :
- إتش إزيك ؟ فينك من زمان ؟ آسفة جدا على آخر موقف كان بيننا فعلا كنت هاتجنن يومها وماعرفتش باعمل ايه ... إيه بتتكلم جد ؟ .. احكي لي ... امممممم مش هينفع متأكد ؟ ... طيب لمحة سريعة .... إزاي ؟ أوك هاقابلك في النادي ... ليه لا ؟ ياسلام ؟ ... طيب أوك اديني العنوان ... أيوة تمام كتبته خلاص ... آجيلك إمتى ؟ ... اوك سي يو ذين See you then يابيبي .
وأغلقت الخط فسألتها والدته في لهفة :
- ها قالك ايه ؟
عادت لها حيويتها وهي تقفز من مكانها متجهة لدولابها لتنتقي منه شيئا مناسبا وهتفت :
- بيقول عنده خطة جديد هتمحي جمانة من حياة أدهم بأستيكة وتدمر حياتها نفسها .
ابتسمت الأم وبرقت عينيها في جذل وسألت مجددا :
- ماقالكيش إيه هي ؟
ردت :
- لا بيقول مش هتنفع في التليفون، عاوزني أروح له البيت .
قلقت الأم وقالت في تردد :
- البيت ؟ اشمعنى ؟ ليه مش أي مكان تاني ؟
هزت كتفيها وهي تجيب :
- بيقول اللي هتساعدنا في الخطة هتيجي على بيته وما ينفعش يقابلها في مكان عام .
ازداد قلق والدتها وهي تغمغم :
- طيب خلي بالك على نفسك، الولد ده مش مطمنة له، ماتنسيش إنه خاين .
ابتسمت (دينا) في غرور قائلة :
- ماتقلقيش مام، ده هيتجنن عليا ومايقدرش يعمل حاجة .

صمتت الأم على مضض، وتركت ابنتها تنتقي ملابسها وهي تتطلع إليها في قلق لم تدري له سببا .
********
أتى موعد زيارة الحاج (عبد الرحمن) عم (ملك)، كان موعده بعد صلاة المغرب، قبله بما يقرب من نصف ساعة وجد (أدهم) هاتفه يرن، أخيه (آدم) يتصل به فأجاب بمرح :
- آدوم .
جاءه صوت أخيه :
- أيوة يا أدهم، عم ملك جه ولا لسه ؟ .
(أدهم) في عدم فهم :
- لا لسه ماجاش، ليه ؟
(آدم) في هدوء :
- امسك نفسك معاه يا أدهم، أنا عارفك عصبي وإحنا عاوزين نحل الموضوع بسرعة وهدوء .
ابتسم (أدهم) و رد :
- يابني ماتقلقش، يعني هاتعصب وجمانة وملك معايا ؟
(آدم) بسرعة :
- بمناسبة ملك، هاتها تقعد مع يوسف شوية على ماتخلصوا موضوعكم، عشان البنت ماتخافش من أي حاجة تحصل .
(أدهم) بتعجب :
- يا سيدي ماتقلقش ، إن شاء الموضوع هيتحل بسرعة وبهدوء.
(آدم) بإصرار :
- يابني ابعتها وخلاص، ولو حصل أي حاجة تبقى رحمت البنت من الخناق والخوف، مش هتخسر حاجة .
(أدهم) بعد تفكير :
- خلاص هاجيبهالك وأرجع بسرعة عشان ميعاده قرب .
قال (آدم) بسرعة :
- لا ماتتعبش نفسك، أنا تحت البيت هاتها وانزل .
بدهشة تساءل (أدهم) :
- تحت البيت !! تحت البيت بتعمل ايه ؟
أجاب :
- مفيش كنت معدي قريب منكم وافتكرت الموضوع ركنت تحت وكلمتك .
وافق (أدهم) سريعا وقال :
- خلاص ماشي، طيب ماتطلع تاخدها بقى .
رفض (آدم) فاستسلم لرغبته قائلا :
- هاشوف جمانة وملك وانزلك .
طرح الفكرة على (جمانة) فوافقته، كانت تتذكر نظرات صغيرتها لعمها في المرة الماضية وكلامه الجارح وهي تعلم جيدا أن كلمة منه بهذه الطريقة ستشعل أعصاب (أدهم) وقد يحدث مالا تحمد عقباه فالأفضل أن تذهب بعيدا قليلا حتى ينتهي الأمر، جهزت بعض الأشياء للصغيرة وقبلتها ثم تركتها تذهب معه، سلمها هو لأخيه وقال :
- آدم خلي بالك عليها، ملوكة رقيقة وجبانة شوية .
ضحك (آدم) وهتف :
- إيه ياعم هو أنا هاعمل إيه وبعدين يوسف هيخلي باله عليها .
تطلع (أدهم) للصغير الجالس خلف والده ولعينيه الزرقاوين، ابتسم له (يوسف) فبادله ابتسامته، عاد يلتفت لوالده قائلا :
- بأقولك إيه، أنا رجعت في كلامي هات ملك .
ضحك (آدم) وسأله بدهشة :
- في إيه يامجنون إنت .
رد يداعبه :
- ما إنت بتقولي يوسف هيخلي باله عليها وماأعرفش ايه، ياعم أنا باغير وابنك زي العسل كده وملون، ماينفعش، هات البنت .
دفعه (آدم) من أمام نافذة السيارة وهو يضحك قائلا :
- روح يابني شوف اللي وراك ربنا يهديك، وبعدين المفروض تدعيلي هو الحاج ده هييجي إمتى، مش المغرب تقريبا، يلا عندك نص ساعة انفراد .
تنبه (أدهم) لكلامه ثم هتف :
- ايه ده تصدق، نبيه يابني والله.
ثم التفت للصغيرة في المقعد الخلفي وهي تجلس بجوار (يوسف) في خجل وعندما رآها خجلى هكذا و(يوسف) ينظر إليها بابتسامة عاد يهتف بـ (آدم) :
- يابني ماتشوف ابنك، بيعاكس من دلوقتي وأبوها واقف .
ضحك (آدم) بشدة وداعبه :
- ياسيدي روح بقى .
عاد يبتسم ويخاطب الصغيرة قائلا :
- باي يا ملك .
ابتسمت له وأشارت مودعة ثم انطلق (آدم) بسيارته، تطلع هو لأعلى حيث منزله وارتسمت في عينيه نظرة خبيثة وهتف بداخله " بعض المشاكسة لن تضر " ، صعد إليها، وعندما رأته ابتسمت وسألته :
- عملت إيه ؟ ماكانتش زعلانة ولا حاجة ؟
هز كتفيه ونفى :
- لا تزعل ليه، هتلعب مع جو الحسيني، واد كده قمر إيه اللي يزعلها .
ضحكت في حنان وغمغمت :
- ماشاء الله ربنا يخليه لباباه.
اقترب منها قليلا وجلس إلى جوارها وقال متصنعا الجدية :
- بس أقولك الحق، أنا كنت غيران وأنا سايبها معاهم .
ضحكت مرة أخرى وسألته :
- ليه ؟
اجاب بنفس الجدية :
- يعني ينفع كده اتنين شبان وواد زي القمر عيونه زرقا وباين عليه معجب كمان .
لم تستطع كبح ضحكتها فانطلقت عبر شفتيها، في ثانية كان قد اقترب أكثر فارتبكت وصمتت، وجدته يقول في هيام أضحكها ثانية :
- أخيرا بقينا لوحدنا.
لما وجدها تضحك أراد استفزازها فاستطرد بلهجة ملتوية :
- هو احنا كنا بنقول ايه مبارح لما ملك عيطت وكانت عاوزة تنام ؟
علت الحمرة وجنتيها فابتسم وأمسك بيدها وهو يكمل في همس :
- أيوة افتكرت، احم احم كنت باقول ....
قاطعه رنين هاتفه الجوال فعقد حاجبيه في ضيق وحمدت هي الله فقلبها كان قد بدأ يخرق أذنيها بدقاته، التقط الهاتف ليجد رقما غريبا، تذكره إنه عم (ملك)، مط شفتيه في غيظ ثم أجاب :
- السلام عليكم، أيوة ياحاج ... حمدالله على السلامة ... أيوة هو ده العنوان أول برج ع اليمين .. تمام ياحاج في انتظارك .
أنهى المكالمة ثم التفت إليها قائلا :
- ده عم ملك، وصل ، قومي البسي بقى وادعي ربنا يسهل الموضوع.
شعرت بالقلق وبدا ذلك واضحا على ملامحها، فشد على يدها وابتسم ابتسامة مطمئنة مستطردا :
- قلقانة ليه ؟ مش أنا معاكي ؟ خلاص مفيش قلق ولا خوف.
نظرت إليه بامتنان شديد فهمس :
- لا كده غلط، النظرة دي صعبة والراجل طالع .
ضحكت مرة أخرى في خفوت فعاد يقول :
- لا إنت مش ناوية تجيبيها لبر بقى، انا هاكلمه اقوله تعالى كمان شوية .
تراجعت بعيدا عنه وقالت في خجل :
- لا لا خلاص، انا هاروح ألبس .
رد وهو ينظر إليها بخبث :
- أوك يلا بسرعة .
ثم ابتسم وتابعها وهي تتجه للغرفة في صمت وقلباهما يتشاركان النبض، في قوته و تسارعه و في شوقه للآخر، قال في نفسه وهو يأخذ نفسا عميقا " الآن حان وقت المواجهة، وسنرى من سيفوز فيها " .


**********************************



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 11:46 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 11:40 AM   #28

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الخامس والعشرون

*****************

في الموعد المحدد ارتدت (دينا) ملابسها وكما هي عادتها حرصت أن تكون جميلة، ودعت والدتها وقادت سيارتها للعنوان المنشود، لم ترق لها المنطقة كثيرا فهبطت من سيارتها وهي تتطلع إليها بنوع من الاشمئزاز، تطلعت للxxxx الذي يفترض بها الصعود إليه ولم تلحظ نظرات البعض من حولها لها ولسيارتها الفارهة، صعدت للطابق الثاني واتجهت للشقة الوحيدة به ثم ضغطت زر الجرس لثانية، بعد لحظات فتح الباب ليظهر على عتبته (هشام) مبتسما ابتسامة واسعة مرحبة هاتفا:
- دينا هانم، أهلا أهلا، نورتي المنطقة ولو إنها مش قد المقام.
أفسح لها الطريق فدخلت وقالت وهو يغلق الباب خلفها :
- كويس إنك عارف إنها مش قد المقام ياهشام، ليه جبتني هنا كان ممكن نتقابل في أي مكان تاني ؟
ابتسم في دهاء وهو يقودها لأريكة في منتصف الردهة ويشير لها بالجلوس مجيبا :
- ما أنا قلت لك في التليفون، مش هينفع نتقابل برا، اللي هتساعدنا ماتحبش حد يشوفها مع الزباين بتوعها.
تأففت لحظة ثم عادت تهادنه وتسأل :
- ها ماقلتليش خطتك ؟ ناوي على إيه ؟ لاحظ إنهم اتجوزا خلاص فالخطة لازم تكون أقوى من أي حاجة فكرت فيها قبل كده .
احتفظ بابتسامته الخبيثة ورد :
- طبعا فاهم، إنت فاكراني بالعب، تشربي حاجة الأول.
كانت ابتسامتها ساخرة وهي تتطلع إليه متسائلة :
- حاجة زي ايه ؟
هز كتفيه وأجاب :
- معلش بقى إنت عارفة إني عازب يعني مفيش حاجة فريش، ياشاي يا عصير في العلبة .
ردت بقرف :
- أوك هاخد عصير، أي فلافر Flavor ماتفرقش.
ابتسم وغمغم :
- تمام .
ثم اتجه لمطبخ منزله وعاد بعلبتي عصير باردتين ناولها إحداهما وجلس أمامها على أحد الكراسي، قال باهتمام :
- نتكلم بقى في الجد .
بدأت ترشف من علبتها بأناقة وهي تتطلع إليه قائلة :
- أوك، قولي ناوي على ايه ؟
ابتسم في خبث وهو يرد :
- خطة ماتخرش الماية، هتخليه يديها بالجزمة ويطردها زي الكلاب وكمان هي نفسها يمكن تنتحر بعدها وتدفن عارها معاها.
برقت عيناها في جشع وهتفت في لهفة :
- خطة ايه ؟ قول بسرعة .
نظر لعلبة العصير في يدها ثم قال :
- هاصورها معايا ع الهوا وابعت له الفيديو .
تراجعت في مقعدها في صدمة، لم تفهم شيئا فسألته :
- إزاي ده بقى ؟ إنت فاكر إنك ممكن تعمل معاها حاجة من دي ؟.
رد بدهاء :
- من ناحية ممكن فهو ممكن وجدا كمان، استدرجيها بس هنا وسيبي الباقي عليا ،
ظهرت عصبيتها وهتفت فيه في حنق :
- هشام هات اللي عندك مرة واحدة .
قهقه وعاد ينظر إليها ويقول في خبث شديد :
- عادي، هاجيبها هنا بأي سبب حتى لو كذب، علبة عصير زي اللي في ايدك دي، تتخدر وتبقى تحت أمري .
نظرت لعلبة العصير في يدها بقلق ثم تركتها على المائدة فضحك بسخرية أثارت استياءها فعادت تهتف :
- وهو إنت لما تصورها معاك متخدرة تبقى كده شوهت صورتها ؟
هز كتفيه وهو يشرح لها كمعلم يهدي تلاميذه درسا في الحياة :
- ومين قال إني هاصورها وهي متخدرة ؟ دي هتبقى معايا بمزاجها ومزاج عالي كمان.
ظل التساؤل يغيم على ملامحها فاستطرد بنفس الخبث :
- بسيطة أوي إنت ناسية اني صيدلي ولا ايه ؟
عادت تسأله وهي تشعر بالنعاس :
- طيب وهتجيبها هنا إزاي ؟
لاحظ ما يحدث لها فأجاب في سخرية :
- هاقولها إن عندي خطة ادمر عدوتها بيها، هتيجي زي القطة تتمسح فيا وهي مش عارفة ايه اللي هيجرى لها .
غلبها النعاس أكثر لكنها شعرت بالرعب وهي تهتف بصوت لا يكاد يسمع :
- إنت عملت ايه ؟
وقف أمامها فجأة وقال في سخرية :
- ما انا شرحت لك الخطة بالتفصيل، ايه عاوزاني اعيدها تاني ؟
بدأ جفنيها ينغلقان وهي تتنفس في صعوبة، في حين أكمل هو :
- الفرق بس إن البطلة مختلفة، هي هاسيبها لأهل جوزها اللي مات يقوموا معاها بالواجب، أما إنت فواجبك معايا أنا .
ظل صدى كلمته الأخيرة يتردد في أذنيها وهي تغيب عن الوعي، في حين يبدو هو أمامها كأنما يغلفه الضباب حتى لم تعد تشعر بشيء، حينها ابتسم كنمر جائع أمام فريسته التي انتقاها بعناية.

********
وصل الحاج (عبد الرحمن ) لمنزل (أدهم)، رحب به واتخذ كل منهم مجلسه، كانت (جمانة) تشعر بقلق وخوف لا حد لهما فجلست بجوار (أدهم) الذي لاحظ اضطرابها فربت على كفها برفق ليشعرها بالأمان، الغضب يبدو على الرجل وهي تعلم ما يمكن أن يفعلوه، أول من تكلم هو (أدهم) عندما قال في حزم :
- منورنا ياحاج، ياريت نتكلم في موضوعنا مباشرة من غير لف ودوران .
تطلع إليه الرجل بنوع من الغضب المكبوت، لكنه ابتسم في تزلف :
- ده نورك يا أدهم بيه، أني مبسوط إن اتعرفت عليك وبقيت من العيلة، صيتك وشغلك مسمع في السوق كله .
ابتسم (أدهم) في مجاملة واحتفظت (جمانة) بصمتها و هو يرد :
- ربنا يخليك ياحاج، إن شاء الله يكون وجودي في العيلة خير للكل.
تملقه الرجل :
- أكيد يا أدهم بيه، إنت وجودك في أي عيلة يشرفها .
احتفظ (أدهم) بابتسامته وهو يقول :
- شكرا يا حاج .
أخذ الرجل نفسا عميقا ثم قال بلهجة حازمة هذه المرة :
- نتكلم بقى في الجد ، ينفع يا أدهم بيه اللي حصل دِه ؟ هي دي الأصول بردك ؟ .
عقد (أدهم) حاجبيه في غضب من حديث الرجل لكنه تماسك و رد في هدوء :
- وهي الأصول برده يا حاج إني اهدد واحدة إني هاخد منها أرضها وأرض بنتها اليتيمة بالغصب عشان مفيش حد يقف جنبها ويدافع عن حقوقها ؟
فوجئ الرجل من كلام (أدهم) فقد كان يتوقع منه بعض المداهنة لكنه صدمه بوضوحه وصراحته، قال بطريقة هجومية :
- يعني إنت عارف من الأول وموافقها على عمايلها ؟.
ازداد غضب (أدهم) ولم يتمالك نفسه فانفعل هاتفا :
- ياحاج لاحظ إن اللي بتتكلم عليها دي مراتي ومااسمحش لحد يتكلم عنها بطريقة زي دي .
تراجع الرجل لوهلة لكنه عاد يصيح بعصبية :
- يا أدهم بيه اللي حصل دِه ما يرضيش حد، إحنا كان ممكن نتفاهم مش تروح تبيع أرضنا لحد غريب يشاركنا فيها عشان خايفة ناخدها، إحنا كان ممكن نشتريها وأني عرضت عليها تتجوز أخويا وكانت هتبقى في عينينا، إنما هي عايزة تقلبها خراب وتحطك إنت في وش المدفع .
شعر (أدهم) بغضبه يتأجج أكثر، تتزوج من أخيك ؟ هل جننت لتنطقها أمامي هكذا ؟ إنها امرأتي يارجل ! كان يتماسك بصعوبة، لقد كان (آدم) على حق، هذا الرجل يثير حنقه وغضبه لأقصى حد غير آبه بما قد يعود عليه من جراء ذلك، كانت لهجته صارمة وباردة للغاية عندما قال :
- أولا ياحاج أنا مش غريب، أنا جوزها، وهي حرة تبيع أرضها ماتبيعهاش دي حاجة ترجع لها، وأظن يا حاج مايصحش تروح لواحد تقوله أنا كنت هاجوز مراتك لأخويا عيب أوي، والمدفع اللي بتتكلم عليه أنا واقف قصاده أهو وريني هيعمل ايه ؟
لهجته أصابت الرجل بغضب شديد، هو أكبر منه سنا وعلى الرغم من ذلك يكاد يُجمِّد الدم في عروقه، هب واقفا وصاح :
- إنت الظاهر مش عارف بتتكلم مع مين ؟ خلي بالك يا أدهم بيه إحنا آه من الريف بس اللي ياخد مننا حاجة مش بتاعته ما بيلحقش يتهنى بيها .
تصاعد غضب (أدهم) وتفجرت به خلاياه فوقف في وجه الرجل غاضبا وقال بحدة :
- ده تهديد ده ياحاج ؟ بتهددني في بيتي ؟
شعرت (جمانة) بخوف شديد، بدا (أدهم) شديد الغضب والرجل عصبي للغاية وقدرت أن الأمر لن يمر بسلام، ارتعبت فجأة فقامت بسرعة تقف خلف زوجها وتمسك بذراعه كطفلة صغيرة تائهة، شعر بها وبقلقها فمد يده الأخرى يربت على كفها الممسكة بذراعه والحاج يعود ليهادنه :
- أني مش باهددك يا أدهم بيه حاشا لله، بس اللي إنت بتقوله دِه يِجِن .
تطلعت هي للرجل في دهشة، لقد تراجع في ثوان، أدارت وجهها تنظر لزوجها، هي متعلقة بذراعه وهو يمسك كفها بحنان على الرغم من غضبه المرتسم على وجهه، سرحت في خيالها فجأة معه، كيف لم تلحظ أنه بهذا الطول من قبل ؟، على الرغم من أنها ليست قصيرة فإن رأسها لا تكاد تتخطى كتفه بمسافة قليلة، وذراعه التي تمسك بها قوية وصلبة، نعم يمكنه أن يحميها، يمكنها أن تشعر بالأمان معه وأن يظللها بحبه، شعرت بقلبها ينبض له في صدرها، غضب عقلها ووضع حاجز ذكرياتها أمام عينيها لكن قلبها رفرف حوله وألقى نفسه بين كفيه، أفاقت على صوت الرجل يخاطبها بلهجة متخاذلة :
- هي دي آخرتها يا أم ملك ؟ ينفع اللي حاصل دِه ؟
قبل أن تنطق كان (أدهم) يقول بصرامته :
- أظن يا حاج أنا موجود وباتكلم معاك، يبقى أم ملك برا الموضوع ومادام لها راجل يبقى هو اللي توجه له كلامك .
تنهد الرجل ورد في استكانة :
- ماشي يا أدهم بيه، خلاص مادام ده اللي إنتم عايزينه إحنا هناخد أرضنا، أكيد ماتلزمكوش في حاجة .
التفت (أدهم) لـ (جمانة) وقال بنفس الحزم :
- ده قرار أم ملك يا حاج، يا تبيعها يا تحتفظ بيها .
نظرت إليه وتفاهم معها بعينيه، خفضت رأسها أرضا وظلت صامتة وهو يخاطب الرجل :
- خلاص ياحاج هنبيع، بس بشرط ، هنجيب خبير محايد يتمن الأرض وتتباع بتمن السوق، والحق ماحدش بيزعل منه، ولا إيه ياحاج ؟
تنهد الرجل في استسلام وقال :
- ماشي يا أدهم بيه اللي تقول عليه .
انتهى الأمر، واتفقوا على موعد مناسب لتقدير ثمن الأرض وإمضاء العقود، رحل الرجل محملا بخزي لا مثيل له، وهزيمة شعر بها ماحقة فوق رأسه، لكن لا يمكنه المخاطرة بأعماله مع رجل مثل (أدهم) له ثقله في السوق.
أغلق (أدهم) الباب وراء الحاج (عبد الرحمن) ثم التفت عائدا إليها، تطلعت إليه في صمت ، لم تجد كلمة تعبر عن مدى امتنانها له فاكتفت بأن تعبر نظراتها عنه، ابتسم لها وسألها بمرح :
- ها إيه رأيك ؟ مرعب مش كده ؟
ضحكت وتنهدت في ارتياح ثم ردت :
- جدا .
اقترب منها وهمس :
- بس إنت ماخفتيش مني ؟ إوعي ؟ إلا إنتِ .
خفضت عينيها في خجل وقالت بخفوت :
- بالعكس، كنت حاسة بالأمان أوي .
أطارت عبارتها صوابه، إنها تمدحني صراحةً، اقترب أكثر فلم تتحرك مبتعدة مما أثار دهشته، فزاد في اقترابه حتى أصبح أمامها مباشرة، لم يلمسها إنما أمرها :
- بصي لي .
كان خجلها يتضاعف لكن رغما عنها ومع لهجته الآمرة رفعت عينيها إليه ولمع فيهما شيء لم يفهمه، ابتسم لها فشعرت بقلبها يصرخ باسمه، "رباه ما الذي يحدث لي، وما تلك الابتسامة الآسرة ؟" اتسعت ابتسامته وهو يراها تتخبط في حيرتها، كل ما أراده في هذه اللحظة أن يفتك بها ويذيقها جحيم الأسابيع الثلاثة الماضية وكم الحرمان الذي شعر به خلالها، مد يديه إليها فلم تتحرك، كانت دهشته أكبر، تساءل : هل ستستسلم له ؟ أمسك كتفيها برفق وتطلع إلى عينيها لثوان، قرأت في عينيه الكثير، انحنى نحوها ببطء فأغمضت عينيها في انتظاره ...........

توقف فجأة ولم يقترب أكثر، ثم تراجع للخلف وظل ينظر إليها في تساؤل، فتحت عينيها لتجده يتطلع إليها في صمت، شعرت بالخجل وعنفت نفسها : ماذا فعلت ؟ كان هو غاضبا، نعم بل ويشتعل غضبا، "لقد تركت نفسها له تعبيرا عن امتنانها، كيف تجرؤ ؟" تركها بحركة مفاجئة أصابتها بالدوار ونوع من الشلل، كان قلبه ينتفض بعنف بين ضلوعه، كاد يعود إليها لكن كرامته أبت، حاول الكلام فلم يخرج منه صوت وقطع خباله الذي أوشك على الصراخ به رنين هاتفه، أفزعها الصوت فانتفضت، أما هو فتطلع إليه لحظة لم يرد فيها الرد، سيشعر أخيه بغضبه، نعم سيفعل، لكنه يريد أن يطفئ النيران المستعرة بداخله ويخفف لهيبها الذي يكاد يقتله، أجابه بمرح مفتعل :
- آدوم، في وقتك المناسب يا كبير .... ههههههه لا ماتفهنيش صح أرجوك ..... يابني خليك في حالك ... ملوكة بتعمل ايه ؟ ... يادي المصيبة يا دي العار جبت لي العار يا جو ؟ .... احنا ماعِنديناش بنتة تتصرمح مع الشباب اللي بعيون زُرج يا وِلد .... آدم احترم نفسك إنت عارف إني بأغير... أيوة الحريم بتوعي مالكش دعوة بيهم .... انجز يابني أنا جاي آخد بنتي من عندكم شباب ضايع صحيح وابنك الأمور ده قول له مالوش دعوة بيها البنت هتكمل تعليمها الأول وبعدين نفكر .... ههههههه طيب يا سيدي مسافة السكة .

أغلق الخط، ثم التفت إليها ليخبرها أنه سيذهب لإحضار (ملك) فوجدها تتطلع إليه بابتسامة، ذاب غضبه فجأة مع ابتسامتها فبادلها إياها، داعبته محاولة التخلص مما يعتريها من مشاعر متضاربة :
- الحريم بتوعك !!
ضحك ورد بلهجة صعيدية طريفة :
- إيوة، حريمنا ماتنكشفش على ردالة أبدا .
ضحكت هي الأخرى فأعادت له عذابات قلبه ثانيةً كأنها تأبى إلا أن تشعلها على الدوام، خفض عينيه أرضا في صمت، رؤيتها تلهب أعصابه وتطلق في جسده شرارات تصليه بنارها، قال بسرعة :
- هاروح أجيبها بقى أنا باغير زي ماقلت لك .
ثم انطلق هاربا من سجن هالتها التي تطوقه كلما كان في حضرتها، ابتسمت بعد خروجه وبدت منتشية، هل انقلبت الأدوار وبات هو المسكين ؟ نعم لقد شعرت بالنصر على الرغم من ابتعاده عنها وقتما كانت طوع بنانه، تنهدت وجلست في انتظار عودته لتمارس دور القط هذه المرة .

********
بدأت (دينا) تشعر بوعيها وإن كان ضبابيا بعض الشيء، حاولت فتح عينيها ببطء فأحست كأن ثقل يربط جفنيها سويا، قاومت أكثر وفتحتهما ببطء أكبر حتى استطاعت أن تنظر حولها، كانت في غرفة نوم غير مرتبة أشعرتها بالقرف، استجمعت ذكرياتها وركزت وعيها أكثر وهي تدير رأسها للجهة الأخرى فوجدته بجوارها ينظر إليها نظرة باردة جمدت الدماء في عروقها، حاولت الصراخ أو الكلام لكنها فوجئت بنفسها مكممة وبقوة، اتسعت عيناها في ذعر وحاولت الهرب لتكون المفاجأة الأكبر، أنها مقيدة إلى فراش وأطرافها متناثرة على أركانه الأربعة مانعة إياها من الحركة تماما، عادت ترجوه بعينيها لكن برودة نظرته قابلتها مرة أخرى، التقط من جواره ثمرة تفاح وسكين صغيرة وبدأ يأكلها أمامها في بطء وتلذذ ثم سألها :
- مش جعانة ؟ أنا باحب أحلي الأول.
بدأت دموعها في الانهمار بصمت وصوتها محبوس خلف كمامتها، فقام من جوارها ووقف أمامها قائلا في نشوة :
- شفتي ؟ قلت لك لما أحب آخد حاجة بآخدها، كان لازم تصدقي كده من الأول وتعملي لي ألف حساب.
ظلت تنهنه في صمت منكسر وهو يتطلع إليها في شماتة ويدور حول الفراش المقيدة إليه، من منضدة أمامها التقط حقيبة صغيرة فتحها وتطلع لمحتواها بعين خبيرة ثم انتقى منها شيئا ما يشبه الأمبول ومحقنا صغيرا، وقف أمامها وهي تتطلع إليه في رعب، بدأ يملأ المحقن بمحتوى الأمبول ثم التفت إليها وعلى شفتيه ابتسامة شيطانية قائلا :
- ده حاجة هتخليكي ريلاكس خالص، حاجة بتتاخد في جلسات العلاج النفسي، اسمه العلمي مايهمكيش المهم إنه هيعجبك أوي .

اتجه نحوها وهي لا زالت تتوسل إليه بدموعها وعينيها ثم حقنها بها وهي تحرك جسدها بعنف محاولة إبعاده عنها لكنه ثبتها بقوة، عاد لحقيبته مرة أخرى وأخرج منها قرصا أمسكه بين إصبعيه ورفعه أمام عينيه وهو يريها إياه قائلا :
- ده بقى أكيد إنت عارفاه، ماتقوليش ماجربتيهوش ؟ LSD ، آخر روقان بس أنا عاوزك مركزة معايا فمش هاديكي إلا النص بس، كفاية عليكي أوي نصها .
وعاد يتجه إليها ومن أسفل الكمامة الموضوعة بين أسنانها أفلت القرص ورفع ذقنها مجبرا إياها على بلعه، انتظر بجوارها قليلا، ثم وقف أمامها يتطلع إليها في صمت وتوحش ودموعها تنهمر حتى توقفت تماما، فجأة نظرت إليه واتسعت عيناها في صمت فابتسم في ظفر وقال :
- أيووووة كده، أهو ده الروقان، كده أفكك وأنا مطمن .
بدأت نبضات قلبها تزداد وحلقها يجف تلاها ارتفاع درجة حرارتها، انتظر لدقائق أخرى ثم شرع يفك قيودها ثم كمامتها وهي مستسلمة له تماما بل وتضحك في نوع من الهيستيريا، ابتسم لدى سماعه ضحكتها اللعوب واتجه صوب كاميرا فيديو صغيرة موضوعة فوق حامل ثلاثي إلى جانب الفراش، كانت الكاميرا تقوم بتصوير ماقام به فقام بنزع الذاكرة ووضعها جانبا ثم وضع ذاكرة أخرى بداخلها قائلا لها وهي لا تعي ما يفعله :
- تسجيل اللحظات اللي من النوع ده بينفع أوي، سلاح في إيدي أستخدمه وقت ما أحب ياقمر إنتِ وذكريات حلوة كمان.
أعاد تشغيل الكاميرا وبدء التسجيل ثم اتجه نحوها وهي تنظر إليه ولعينيه القاسيتين المتوحشتين بدون فهم .

********
عاد (أدهم) يحمل (ملك) نائمة على كتفه، فاستقبلته (جمانة) بتساؤل أجابه في خفوت :
- نامت وأنا جاي في الطريق.
أومأت برأسها في صمت في حين اتجه هو لغرفة الصغيرة ووضعها في فراشها برفق وأسدل الغطاء فوق جسدها الصغير ثم خرج من الغرفة وأغلق بابها خلفه بهدوء، عاد إليها في غرفة المعيشة فوجدها تتصفح إحدى الروايات بملل، جلس إلى جوارها فرفعت عينيها إليه وابتسمت متسائلة :
- عملت إيه هناك ؟
هز كتفيه وأجاب متصنعا الغضب :
- الهانم رحت لقيتها بتلعب مع جو ورايقة ع الآخر، الصنارة غمزت باين وشكلها هتتحبس في البيت مش هتخرج تاني، الواد ده أنا مش واثق فيه حاسس إنه بيضحك عليها وهو البنات بتجري وراه كده .
ضحكت (جمانة) فخلبت لبه، ثم تطلعت إليه بنظرة لم يفهمها و قالت :
- لا يا بابا ماتقولش كده، بنتك عاقلة وعارفة مصلحتها .
ابتسم فهاهي تجاريه، أسعدته كلمة "بابا" للغاية، استمر في تأدية الدور :
- لا مراية الحب عامية يا أم ملك، والواد مز تلاقيه غمز لها بعيونه الزرق دول البت اتعلقت في رقبته على طول .
قررت أن تهاجم فقالت بجرأة :
- مش فاهمة حاجة بنتك دي ياسي أدهم، هو في أحلى من العيون البني ؟
اختلطت في نظراته الدهشة بالاستغراب لكنه استمر للنهاية قائلا :
- مش كده يا عيون سي أدهم يا حلو إنت يا طعم، قال أزرق قال، مفيش أحلى من البني .
ثم حرك حاجبيه بطريقة أضحكتها، فقالت :
- ربنا مايحرمنا منهم يا أخويا، بني بني وماله .
صمت متطلعا إليها والحب يملأ ملامحه فبادلته نظراته بجرأة لم يعهدها فيها، تساءل " ما الذي جرى لها ؟ لقد جنت حتما "، فجأة وقفت وسألته :
- ها يا سي أدهم تحب تتعشى إيه، عملالك شاورما إنما إيه لا تقولي مطاعم ولا جاهز بعد كده .
لم يقاوم أكثر فضحك بشدة وهي تتطلع إليه بابتسامة، قرر أن يكون أكثر جرأة فلن يملكها زمام الأمور أبدا، وقف أمامها فلم تتحرك من مكانها، اقترب أكثر وانحنى يهمس في أذنها بخفوت شديد :
- أنا مش عاوز شاورما، أنا هاتعشى حاجة تانية أحلى وألذ، ومش عشا بس، ده عشا وفطار وغدا كمان.
عاد الخجل يكتنفها من جديد وأنبت نفسها " لست أهلا لمجاراتك سيدي "، أسرعت هاربة من أمامه وهو يقهقه بشدة شاعرا بالانتصار والظفر، قرر أنه لن يتركها فيكفي مافعلته به اليوم، ذهب خلفها للمطبخ ووقف خلفها أمام أحد الأركان فلم تستطع الحركة، لمسها برفق فشعرت بالتوتر يغزوها، وجدته يتشممها مرة أخرى فاستغربت تلك العادة منه، قال فجأة وأنفاسه تلفح عنقها :
- امممم ريحة العشا حلوة أوي، شكلها ليلة إنما إيه !.
ابتسمت في خفر ولم تقل شيئا اقترب منها أكثر وكاد يضمها لولا أن سمعا بكاء الصغيرة، عقد حاجبيه هذه المرة في حنق " هذه الفتاة تقصده هو بالذات وتريد أن ترهق قلبه أكثر من أمها " أطلق سراحها لتنطلق عائدة لصغيرتها، عادت بعد دقائق للمطبخ فلم تجده فاتجهت لغرفة نومها، وجدته هناك خارجا من الحمام للتو يجفف شعره المبتل بفوطة صغيرة وعندما نزعها من فوق رأسه تساقطت بعض الخصلات على جبهته، راودتها تلك الرغبة مجددا في أن تعيدها للخلف لكنها كعادتها لم تمتلك الجرأة لتقوم بها فظلت تتطلع إليه في صمت، التفت إليها وسألها :
- إيه العشا جاهز ؟
أفاقت من شرودها على صوته ثم تنحنحت في حرج و ردت :
- لا أنا لسه خارجة من عند ملك وجيت أشوفك نمت ولا إيه، هاروح أجهزه حالا.
وقبل أن تلتفت كان إلى جوارها يمسك بيدها ويهمس :
- بس أنا شايف إنه جاهز .
أطرقت برأسها عائدة لخِدْر خجلها مجددا، لم يهتم بل جذبها إليه فاستسلمت، ضمها إلى صدره برقة فاستكانت على دقات قلبه، لم يدري لما اجتاحه الغضب من جديد، توتر فجأة وارتبك، " أأتراجع أم أتقدم ؟ أنا أريدك يا امرأتي عاشقة، لا أريد امتنانك ولا حتى بعض الشكر لي، أريد تملك ذلك القلب الصغير بين جنبيك، قبل أن أتملك جزءا آخر منك "، شعرت بتوتره لكنها لم تبالي، فهي ستهديه نفسها اليوم والآن لو أراد، فوجئت به يتراجع للخلف دفعة واحدة مما أشعرها بخواء بعد دفء جسده، ظل يتطلع إليها في صمت، ثم همس بسؤال :
- ليه ؟
لم تفهم فزوت ما بين حاجبيها في تساؤل أجابه بسرعة :
- ليه بتديني اللي منعتيه عني طول الفترة اللي فاتت فجأة كده ؟
ارتبكت ولم تجد ردا، لمَ يسأل ولمَ حقا يرفض؟ لم تفهم فعاد يقول :
- لو تعبير عن شكرك عشان موقف النهاردة مع عم ملك يبقى أكبر غلط بتعمليه .
نظرت إليه في دهشة، أهكذا يفكر ؟ كادت تصفه بالغباء لكنها أمسكت لسانها، أدارت وجهها للجهة المقابلة قائلة في حنق :
- إنت شايف إنه مكافأة وخلاص ؟ لو شايف كده ؟ تبقى ماتستحقوش .

ثم التفتت مغادرة الغرفة تاركة إياه يتخبط في جدران حيرته وقلقه، لاعنا تسرعه ورعونته، كان يمكنها الآن أن تكون بين ذراعيه، لكنه فقط أحمق غبي يعاني فوبيا حبها .

*************************************



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 11:49 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 11:44 AM   #29

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السادس والعشرون

****************

أنهى (هشام) مهمته القذرة وتركها ضعيفة ساكنة لا تعي ما حولها جيدا، تتطلع إليه فتارة تراه بطلا أسطوريا وتارة تراه حيوانا بريا متوحشا، فقدت قدرتها على النطق وهو ينظر إليها ومازال لعابه يسيل على فاكهتها التي تذوقها لمرة فأسكرته، سخر منها قائلا :
- كنتي بتقولي عاوزة أدهم وبس.
ثم علت ضحكته الساخرة وهو يكمل :
- طلعتي يوزد أهو مستعملة سكند هاند واللي عندك ده طمع وخلاص يا ست ياشريفة يابنت العائلات وولاد الذوات .
قام ليخرج من الغرفة ثم عاد بعد دقائق وهي لا تزال فاقدة القدرة على التحكم بنفسها جيدا، عاد يقترب منها مجددا وهي لا تفهم، كان وعيها يعود إليها ببطء وقدرتها على سلاسة الحركة تزيد، لاحظت اقترابه لمعاودة الكرة وهو ينظر إلى جسدها بطريقة آلمتها وهي التي كانت تثير غرورها فيما سبق، لم تتحرك فمازالت ضعيفة، بدأ مرة أخرى وهي تبكي في صمت، لفت وجهها بعيدا عنه فوقعت عيناها على أمل، استجمعت كل طاقتها والباقي من وعيها والتقطت السكين الصغير الذي كان يقطع به ثمرة التفاح قبل أن يذهب بوعيها وهو لا يدرك ماتفعله فقد كان وعيه غائب من خمرها هو الآخر، أولجته في عنقه من اليمين بكل ما أوتيت من قوة فإذا به يتطلع إليها في بلاهة ونافورة من الدماء تتفجر من أسفل السكين لتغرقه وتغرق الفراش أسفلها مارة بجسدها في طريقها، سقطت رأسه فوقها معلنة انسحاب الروح منه مع سائل الحياة ونظرة البلاهة لاتزال مرتسمة على ملامحه، فجأة انطلقت منها صرخة وهي ترى الدماء في كل مكان وثقله يمنعها مع ضعفها من الحركة، استمرت في الصراخ حتى وصل صوتها للحي بأكمله وانتهى الأمر .

********
وقف الحاج (عبد الرحمن ) منكس الرأس أمام شقيقه (كمال) والذي بدا كالثور الهائج وهو يصيح في غضب شديد :
- إيه اللي بتقوله ده ياحاج ؟ للدرجة دي خايف منه ؟ خلاص اشتريت منه أرضنا بفلوسنا، إزاي ؟
رفع (عبد الرحمن ) رأسه ونظر لأخيه في حنق واستياء من طريقته ومن حديثه ثم هتف فيه :
- لم نفسك يا كمال وراعي إني اخوك الكبير، إحنا مش قد ولاد الحسيني وأدهم ده بالذات، واحد زيه من كبارات البلد وواصل وعنده علاقات تودينا ورا الشمس، تنخ قدامه احسن ماتتحداه وتلاقي نفسك بتخسر بردك.
اشتعل غضب (كمال) أكثر وتفجرت شراراته من عينيه الحمراوين وهو يصرخ :
- وعزة جلال الله ما هيتهنوا بالقرشين الي خدوهم، على جثتي يا حاج .
أمسك الرجل بذراعه في عنف وصاح في وجهه :
- الموضوع خلص ياكمال يا ابن زيدان، خدنا أرضنا وخلصنا وكل واحد راح لحاله.
ثم تركه في عنف وغادر المنزل برمته تاركا (كمال) يحدق في الباب الذي خرج منه بنظرات شيطانية لاهبة، هتف :
- بقى كده ياحاج ؟ وربنا المعبود ماهاسيبهم يتهنوا بفلوسنا بنت الـ **** دي .
ثم خرج من المكان هو الآخر تتابعه زوجته في رعب، فهي تعلم أنه لا يتورع عن القيام بأي شيء للوصول لغايته أو الانتقام، دعت الله أن يمر الأمر بسلام .
أما هو فقد اندفع كالصاروخ من المنزل واتجه إلى سيارته، فتح بابها ودلف إليها ثم أغلقه خلفه في عنف، تناول هاتفه الجوال وقام بالاتصال برقم يحفظه عن ظهر قلب، وما إن سمع صوت يرد عليه حتى هتف :
- إنت فين يا فتحي أني كمال زيدان عايزك ضروري .
جاءه الصوت الأجش يقول في ترحاب :
- أبو كمال، فينك من زمان يامعلم ؟
رد بسرعة :
- موجود أهو يافتحي، عايزك في حاجة مهمة هتاخد فيها قرشين حلوين، قلت إيه ؟
شعر بلهفته وهو يجيبه :
- تحت أمرك يا باشا ياكبير، تعالي لي في مكاننا بتاع زمان، نعلي المزاج ونتفق .
قال وهو يدير محرك سيارته :
- طيب أني جايلك اهو .

أغلق هاتفه وقاد سيارته مندفعا بها عبر بوابة السور المحيط بالمنزل بسرعة وجنون .
********
دخل (أدهم) لمنزله بهدوء كعادته، الأيام الماضية أرهقته للغاية، عقله كان متعبا وقلبه مستكين بين ضلوعه في صمت، فمنذ أغضبها آخر مرة وهي ليست على مايرام معه، خاصة أنه لا يستطيع الانفراد بها مؤخرا بسبب انشغاله بعمله وأيضا بتسوية مشكلة أرضها، وعندما انتهى الأمر كان عمله يستحوذ على جزء كبير من وقته وهذا كان يثير استياءها أكثر، بعدما دلف للداخل تطلع حوله في إرهاق باحثا عن الصغيرة التي تأتي دوما لتتعلق بعنقه وتقبله على وجنته ماحية بقبلتها كل تعبه، لكنه لم يجدها، استغرب الأمر فاتجه للمطبخ ليبحث عن (جمانة)، وجدها تقف هناك تقلب بعض الطعام على الموقد في هدوء وشرود، ناداها بهدوء فالتفتت إليه فزعة ثم تنهدت في ارتياح، سألها :
- أمال ملك فين ؟
عادت لمتابعة عملها وهي ترد ببرود :
- لميا كانت هنا وملك شبطت فيها، أخدتها معاها تقضي اليوم هناك وهترجعها بالليل .
شعر أن إرهاقه قد زال فجأة فهتف في مرح :
- طيب دي فرصة هايلة لازم أستغلها أسوأ استغلال.
لم تعر ماقاله انتباها، فاقترب منها يتطلع إليها في صمت، وجدها رقيقة جميلة مرتبة كما هي عادتها، ترتدي فستانا قطنيا ناعما يليق بها للغاية، تلك المرأة تجيد انتقاء ماترتديه، شعرها عقصته أعلى رأسها وانسدل بطوله على أحد كتفيها، تجاهلته تماما فشعر بالغيظ، سأنهي الأمر اليوم يازوجتي العزيزة فقد سئمت تلك اللعبة التي تثير جنوني، اتجهت لمكان آخر في المطبخ تعمل على شيء ما أمامها متناسية وجوده، تبعها وفجأة طوقها من الخلف فسرت قشعريرة في جسدها ولم تتحرك، اقترب من أذنها هامسا :
- وحشتيني أوي .
فكت ذراعيه من حولها بيديها ولم ترد، خرجت من المطبخ واتجهت للحمام ثم أغلقت بابه عليها في عنف، تطلع إليها في حزن وهي تغادره حانقة، زاد الإصرار بداخله أن تنتهي اللعبة اليوم والآن، اتجه لغرفته وقام بتغيير ملابسه ثم تمدد على الفراش في إرهاق دخل بعده في سبات عميق، خرجت هي من الحمام بعدما شعرت أنه قد ذهب، عادت للمطبخ تتابع طعامها حتى انتهت، كانت غاضبة منه، ففي الوقت التي شعرت فيه بقلبها ينبض من أجله يتنكر هو له ويعتبره امتنانا منها، كيف يفكر هذا الرجل ؟ هل ستعطيه قلبها وروحها وجسدها تعبيرا عن امتنانها ؟ كبرياؤه يحنقها على الرغم من محاولاته استرضائها، دخلت غرفة النوم فوجدته نائما كطفل صغير أنهكه التعب، شعرت بالشفقة تجاهه فاقتربت منه وجلست بجواره على الفراش بهدوء تتطلع إليه وهو يستلقي على ظهره ووجهه يقابلها، نبض قلبها وهتف باسمه، لم تدري بنفسها سوى وهي تتحسس شعره وتبعده عن جبهته وتربت عليه بحنان، لم يتحرك مطلقا فزاد إحساسها بالشفقة والذنب، على الرغم من تعبه كان هناك يحاول التقرب منها، لقد نال منه التعب مبلغه في الفترة الماضية وهي تعلم، سافر لأكثر من مرة لبلد أعمام ابنتها لينهي مشكلة الأرض، حلها لها وحصل على مالها كاملا غير منقوص، رست مناقصة هامة وكبيرة على شركته وسحبت مجهودا أكبر منه لكنه لايزال يحاول إرضائها، تركت يدها تتحسس وجهه في بطء ثم لسعتها خشونة ذقنه النامية، فابتسمت في حب، كان مافعلته تاليا هو ضرب من الجنون، لقد اقتربت من شفتيه وطبعت عليهما قبلة ناعمة لكنها فوجئت به يبادلها قبلتها بشغف فاتسعت عيناها وابتعدت عنه بذعر لتجده ينظر إليها وفي عينيه قصة عشق لا تنتهي، هبت واقفة في ارتباك فهتف بها وهو يتحرك ممسكا بكفها :
- استني ما تهربيش .
توقفت ووجهها يشتعل من الخجل،" رباه لقد كان مستيقظا طوال الوقت "، وقف أمامها وهمس :
- بحبك .
لم تشعر بقلبها، انتفض فقط ثم خرج من صدرها فجأة محلقا في سمائه، لقد نطقها ولأول مرة، أما هو فرفع وجهها نحوه لتظل عيناها رهينة محبس عينيه وعاد يقول :
- أيوة بحبك، نفسي أصرخ بيها للكون كله ويسمعوها مني، نفسي أمشي في الشارع وأي حد أقابله أقوله بحبها، مجنون بيها، بعشق كل حاجة فيها، وهي زعلانة، أو وهي فرحانة، لما تغضب وأنا باستفزها أو تحمر من الخجل لما أقول لها حاجة تكسفها، لما بتكون صاحية وكمان وهي مغمضة عينيها، في كل حالاتها بأموت فيها.
لم تستطع الرد فصمتت، اقترب أكثر فتجمدت، فجأة تذكرت موقفه السابق، فغضبت ثم دفعته بعيدا عنها وحاولت الخروج من الغرفة لكنه عاد يمسك كفها وهتف :
- جمانة، أنا عارف إني كنت رخم، بس اعذريني، كنت قلقان، أنا عاوز حبك، قلبك، عقلك، عاوز اسمي بدل كل نبضة بيجري مع دمك، مش سهل لما في نفس اليوم ألاقيكي بتسلمي لي اللي باتمناه، طبيعي أقلق، لأن مش عاوزه كده .
ردت في خفوت :
- خلاص، أنا فهمت .
جذبها نحوه فلم تقاومه، دفن وجهه في شعرها وألصق أذنها بصدره، تركت نفسها بين ذراعيه لثوان ثم عادت تبتعد، نظر إليها فرآها خجلى، عاد يبتسم، لقد عادت معشوقته التي افتقدها خلال الأيام الماضية، شاكسها مرة أخرى :
- إيه ؟ بعدتي ليه ؟
توترت، عادت تقول في خجل :
- مش عاوزة .
رفع حاجبيه في سخرية، هاهي تكذب، تساءل بمكر :
- بجد ؟ أمال اللي عملتيه من شوية ده اسمه إيه ؟
كادت تدعو أن تنشق الأرض وتبتلعها، ازداد خجلها فعاد يقترب منها ويقول بحنان :
- أنا عارف إنك بتحبيني، اعترفي.
ابتعدت مرة أخرى وظهرت روحها العنيدة مرة أخرى فشاكسها :
- وبتغيري عليا كمان.
نظرت إليه في دهشة فشرح :
- أيوة بتغيري، فاكرة يوم لما دينا خليتك تشوفي الصور اللي فبركتها ليَّ معاها، يومها آدم قالي إنك اديتيله الملف وطلعتي تجري كأنك بتهربي من حاجة ، غير شكك وقلقك وسؤالك لما طلبتك للجواز ، بتغيري اعترفي .
دبت بقدمها في الأرض كطفلة عنيدة مدللة وهتفت :
- لا مش باغير .
ثم انطلقت هاربة من أمامه بسرعة تصاحبها ضحكته المرحة، همس لنفسه :
- لعبتنا هتنتهي النهاردة يا جوجو.
ثم خطرت بباله فكرة ابتسم لها وعاد يخاطب نفسه :
- والله لأوريكي .
تركها لانفعالها وخجلها ثم اتجه للحمام ليمحي إرهاق اليوم، عادت تبحث عنه ليتناول طعام الغذاء فوجدته يستحم، التفتت لتغادر الغرفة عندما فُتِح باب الحمام وخرج منه زوجها، كان يلف خصره بمنشفة كبيرة ولايزال الماء يلمع على جسده وهو يجفف وجهه وشعره بأخرى، اتسعت عيناها فيما يشبه الرعب الممتزج بالخجل الشديد فمنذ زواجهما لم تره هكذا أبدا، بدا قويا، صلبا ووسيما، جفف وجهه ثم فوجئ بها أمامه تتطلع إليه في ذهول، ابتسم لها بعدها عقد حاجبيه وسأل متخابثا :
- في إيه ؟ مالك ؟
أفاقت من شرودها فخفضت عينيها خجلا وهمست :
- أبدا، مفيش، الغدا جهز لو حابب تتغدى .
شعرت به يقترب منها ولازالت قدميه المبللتين تتركان أثارهما على أرضية الغرفة، وقف أمامها تماما وهي تنظر أرضا وتكاذ تذوب خجلا، كان سعيدا للغاية بالحالة التي هي عليها، نعم هي تحبه وسيجبرها على الصراخ بها، أمسك بها من مرفقيها وقربها إليه فانكمشت على نفسها، قربها أكثر حتى التصق بها ولمس كفاها صدره مما جعلها تنتفض فجأة، حاولت التراجع لكنه لم يتركها تتحرك قيد أنملة، همس لها :
- بصي لي .
أغمضت عينيها وهي تطرق أرضا وهزت رأسها نافية هامسة هي الأخرى :
- لا.
ترك أحد مرفقيها وأمسك بيده ذقنها ليرفع وجهها نحوه و جفنيها مسبلين في خجل، تطلع إليها وقلبه يهتف " أحبك يا حمقاء "، عاد يهمس بلهجة خشنة دلت على ما يعتمل بداخله :
- بصي لي أحسن لك .
فتحت عينيها برفق وظلت تتحرك ببؤبؤيها في كل الاتجاهات حتى لا تستقر في عينيه، هتف بها :
- جمانة !!
كان اسمها من بين شفتيه غريبا فاتنا كأنها تسمعه لأول مرة، انصاعت لأمره ونظرت إليه، ابتسم لها، كانت ابتسامته مطمئنة حنون، أما عينيه فكانتا تقولان عكس ماتقوله ابتسامته، قرأت فيهما الكثير مما أثار خجلها أكثر وكادت تذوب بين يديه، سألها :
- عينيا بتقولك إيه ؟
ازداد اضطرابها، علت الحمرة وجنتيها أكثر وشعر بها ترتعش ، ابتسم وداعبها :
- أيوووة بالظبط زي مافهمتِ كده، قلتِ إيه ؟
أغمضت عينيها مرة أخرى وهمست بدلال :
- هو اللي في عينيك ينفع تاخد فيه رأي ؟
أراد استفزازها أكثر ونبض قلبه يشتد، همس مشاغبا :
- يعني جرين لايت ؟.
لم تقل شيئا بل استكانت على صدره فقط، لينهل منها ماشاء، تذكر أمرا فعاد يهمس آمرا :
- كلمي لميا قولي لها تخلي ملك هناك النهاردة .
أومأت برأسها إيجابا في صمت وهي تنكمش أكثر بين ذراعيه كطفلة صغيرة حتى شعر بها تكاد تخترق جلده وتسكن بين خلاياه ملكة على شرايينه وأوردته .

********
في صباح اليوم التالي شعرت بشفتيه تلثم جبينها في قبلة حانية وبلمسة يده أشد حنوا وهي تزيح خصلة من شعرها عن وجنتها وتربت عليها برفق، كانت كسولة فتقلبت في الفراش وأعطته ظهرها وهي تكمل نومها، ابتسم بعطف وحب وهو يتطلع إليها ثم طبع قبلة أخرى على شعرها وهو يتساءل في نفسه، كيف لرجل مثلي لم يفكر في امرأة من قبل أو حتى يرى أيهن كأنثى تحركه أن يُدّله بالحب هكذا! هل احتفظ بذلك الجنون العاصف بداخله الآن من أجلها فقط ؟ ولم يتردد في الإجابة عن ذلك السؤال، نعم كانت مشاعره تنتظرها، في شوق للقائها، وحدها تستحق، فلم يهمها إلى متى قد يطول الانتظار، مادام في النهاية ستكون الثمرة هي قربها، هي قلبها، هي نفسها، ذلك الجنون أحاط نفسه بأسلاك شائكة وأسوار عالية مكهربة وبوابات صلبة مغلقة بأقفال محكمة عليها حراسة مشددة من أجلها فقط، ولكم كانت تستحق، كم هي رقيقة، حنون، ضعيفة وقوية، مستكينة خاضعة وشرسة، تلك التي تجمع متناقضات الجنون تستحق جنونه، تستحق عشقه ومفتاح قلبه الذي استقر بين يديها من أول لحظة وإن لم يعترف بذلك خوفا أو قلقا أو حتى هربا ومكابرة .
تقلبت مرة أخرى ثم فتحت عينيها بكسل لتجده يتطلع إليها وكل خلية فيه تصرخ عشقا، فكرت أمن الممكن أن يظهر العشق على أحدهم بهذا الشكل! شعرت بالخجل يغزوها وبسخونة حمرته تعلو وجنتيها فأغمضت عينيها لثوان أخرى، قبل جفنيها المغلقين وهو يهمس :
- هتنامي تاني ؟
فتحت عينيها مرة أخرى وردت بخجل :
- لا
قال بحب يغمر حروفه :
- صباح الخير يا أحلى عروسة في الدنيا.
ضحكت بخفوت ممتزج بالخجل وداعبته :
- عروسة ؟ متجوزين من أكتر من شهر وعروسة ؟
مال برأسه جانبا وهو يتطلع إليها ومازال العشق يملأ كل خلجة من ملامحه وهمس مرة أخرى :
- أيوة عروسة، عن نفسي لسه متجوز إمبارح بس
ردت مشاغبة :
- والشهر والكم يوم اللي فاتوا كانو ايه ؟
هز كتفيه وهو يقترب منها :
- اممممم ، خطوبة.
ثم ابتسم وفي عينيه نظرة خبيثة، فهمتها على الفور لكنها إدعت العكس وأدارت وجهها بعيدا وهي تغمغم في خجل :
- طيب.
ازداد صوته عمقا وظهرت به نبرة خشنة محببة وهو لازال يهمس :
- طيب إيه ؟ بصي لي وإنت بتكلميني .
التفتت بوجهها ناحيته ورأت في عينيه الكثير، شعرت بقلبها ينبض بقوة وبدقاته تتسارع، استغربت ذلك من نفسها وسألت قلبها : لما تنبض هكذا؟ أهذا حب ؟ فرد بشكل قاطع : تخطيت مرحلة الحب بكثير، لا توجد كلمة في أبجديات العالم تصف ما أشعر بها تجاه هذا الرجل، تساءلت مرة أخرى : وماذا عن ... لكن القلب الصغير قاطعها بحزم : لا تذكريه أمام رجلك الآن، شعرت بالغيظ من نفسها وقلبها، كيف لا تذكره؟ همس القلب : ليس من حقك أن تذكريه وأنا الآن ملك لغيره حتى وإن سكن في بقعة مني وفي ذاكرتك، أنا الآن لست لك.
كان يتطلع إليها بصمت وتلك الحيرة المرتسمة على ملامحها، فهم على الفور ما تعانيه فأمسك كفيها ورفعهما لشفتيه مقبلا واحدا تلو الآخر وقال :
- تعرفي ! كنت لسه باسأل نفسي أنا إزاي بحبك كده ؟ وإيه كلمة حب دي قدام اللي جوايا دلوقتي، وسألتها من امتى حسيت الاحساس ده ؟ ماكنتش عاوز أعترف إن من أول لحظة، حسيت فيكي بحاجة مختلفة، حاجة شدتني ولأول مرة تلفت انتباهي لأي بنت، طنشت كتير وكابرت وجادلت نفسي، لحد مافي لحظة ماكانش قدامي غير الاعتراف، خلاص كل الطرق اتقفلت في وشي وباقي بس طريقي اللي لازم أحفره لقلبك وأكسر كل الموانع والعقبات وأهد السور اللي حابسة نفسك جواه، وحابساني أنا برا منه، وماتعرفيش احساسي كان عامل إزاي لما لقيت نقطة ممكن أعبر منها السور الخارجي وأدخل بيها حياتك، ماترددتش دخلت منها فورا وكان باقي لي السور الداخلي وبوابته الضخمة، كان حاجز صعب لكن كنت واثق إن اللي جوايا لازم هيوصلك في وقت من الأوقات، اللي جوايا مش سهل ولا بسيط ولاعادي، اللي جوايا كتير أوي وكبير أوي ولازم هتحسيه وده اللي حصل.
ثم ضمها لصدره ووضع رأسها على قلبه وهو يكمل :
- سامعاه بيقولك إيه ؟ بحبك ؟؟ مااعتقدش مش كفاية، أعشقك ! لا برده مش كفاية .

أبعدها عنه مرة أخرى وهو يمسك وجهها بين كفيه ويتطلع لعينيها بنظرة عجيبة مستطردا :
- نفسي أحبسك جوايا، أقفل ضلوعي عليكي ماحدش يشوفك أو يسمعك أو يلمسك غيري.

ابتسمت بخجل أسعده، كم هي رقيقة وحيية، كم هي رائعة تلك الأنثى، أنثاه هو، أكمل :
- غيران حتى من الهوا اللي حواليكي وبيلمسك ويلمس شعرك .
ثم ابتسم مداعبا :
- بأفكر أحبسك في كبسولة مفرغة من الهوا وأجيبلك أنبوبة أكسجين للتنفس تلمس بس جزء بسيط منك بدل ما الأخ هوا رايح جاي كده.
اتسعت ابتسامتها وتساءلت :
- ياسلام للدرجة دي؟ وملوكة بقى هتعمل فيها إيه ؟ .
أجابها وهو يخشى من مضمون سؤالها :
- لا ملوكة هاحبسها في كبسولة تانية أنا باغير قلت لك، لا هوا يلمسك ولا يلمسها، إنتم بتوعي أنا وبس.
ظلت تبتسم بسعادة ظنت أنها لن تشعر بها يوما ثانية، كم يمكن للحب أن يكون صانع معجزات ومحيي قلوب، وكم يمكن للرجل أن يسعد امرأته ببضعة أحرف يلقيها على قلبها ليهيم به أكثر وأكثر، ثم غابا بعدها في عالم العشق .
********

وقف والدا (دينا) أمام أحد الأطباء ينتظران ما سيقوله في لهفة والجزع مرتسم على ملامحهما، قال الطبيب :
- هي الحمد لله دلوقتي أحسن، فقدان الوعي اللي هي فيه غالبا نفسي أكتر منه عضوي، واضح إنها اتعرضت لصدمة شديدة أثرت عليها بالشكل ده، لكن متوقع ترجع لوعيها خلال يومين بإذن الله .
علا الارتياح وجه الأم وهتف والدها :
- الحمد لله، طيب يا دكتور هي ...
ثم تردد، كيف يكمل سؤاله بعدما علمه عما يمكن أن يكون قد حدث لها، كان الطبيب ينظر إليه في انتظار ما سيقوله، عاد يتساءل في خفوت :
- هو حد اغتصبها ؟
صمت الطبيب لثوان، ثم رد بلهجة متعاطفة :
- هو جسديا مفيش دليل على حدوث اغتصاب او مقاومة من مدام دينا، فعلا حصلت علاقة قبل وصولها لكن اغتصاب وأثاره مفيش، إحنا لقينا آثار xxxx هلوسة وممكن يكون فعلا حصل اغتصاب لكن الxxxx لغى وعيها وبالتالي ماكانش في منها أي مقاومة .
صُدم الأب " مدام دينا "، ما الذي يعنيه ؟ طفلته، يا إلهي، كيف يقول عنها ذلك ؟ صمت لحظة ثم عاد يقول :
- حضرة المقدم حازم برا وهيتكلم معاكم بخصوص الموضوع ده أكتر .
تطلعا لبعضهما البعض في صمت، ثم تبعاه للخروج من الغرفة بعد أن ألقيا نظرة على ابنتهما الغائبة عن الوعي، كان المقدم واقفا في الممر المقابل للغرفة، عندما رأياه شعرا بالرهبة، تقدم منهما وحياهما بهدوء ثم أشار إليهما أن يتبعاه إلى غرفة الطبيب الذي تركهم يتحدثون على راحتهم، سأله الأب في لهفة :
- خير ياحضرة الظابط، لقيتوا حاجة ؟ عرفتوا هي اللي قتلته ولا لا ؟ ولا قتلته ليه ؟
كان الحرج باديا على وجه الرجل لكنه حسم أمره وجلس أمامهم، بعد ثوان من الصمت قال بحزم :
- بنت حضراتكم فعلا اتعرضت للاغتصاب تحت تأثير xxxx هلوسة وحاجة تانية الطب هو اللي هيحددها، وغير كده هي فعلا اللي قتلت الدكتور هشام عبدالله بس تعتبر حالة دفاع عن النفس بعد ماقدرت تستعيد جزء من وعيها أثناء محاولته اغتصابها مرة تانية .
كاد قلب الأب يتوقف والأم تحدق فيه بصدمة، صرخت بانهيار :
- إزاي قتلته ؟ اغتصبها مرتين ؟ عرفتوا إزاي ؟ عرفتوا منين إنها قتلته ؟
خفض الضابط عينيه أرضا ثم قال في ضيق وهو يقدر حالتهم :
- القتيل كان مصور كل اللي حصل بكاميرا فيديو ولقينا ذاكرة كمان عليها الجزء اللي كان بيفقدها وعيها فيه، بنتكم قتلته بسكينة فاكهة صغيرة في العنق مباشرة دخلت بعدها في حالة من الهياج والانهيار العصبي لحد ما أهل الشارع سمعوا صريخها وطلعوا يشوفوا في ايه !!
صمت لحظة وهو لا يدري كيف ينقل لهم المشهد ، أكمل بخفوت :
- الناس لما اقتحموا الشقة كانوا موجودين في أوضة نوم وكانوا .... بدون ملابس تماما، كان هو ميت ودمه مغرقها ومغرق المكان وهي بتصرخ ومش قادرة تتحرك، ولما حاولوا يساعدوها كانت بتتعامل معاهم بعنف وعصبية ورعب وفقدت الوعي فورا، نقلوها مستشفى ومن شنطتها وصلوا لكم لحد ماجبتوها هنا .
كان الرجل يحاول انتقاء كلماته قدر الإمكان وعلى الرغم من ذلك اتسعت أعينهما في ذعر ثم سقط الأب فاقد الوعي .

********
وقفت (جمانة) في المطبخ لتطهو طعام الغذاء والصغيرة تلعب ببعض اللعب أمامها، لم يكن عقلها معها بل يحلق في سماء حبيبها، تذكرت منذ يومين عندما قررت أن تعترف أمام نفسها وأمامه بحبها، كان حنونا للغاية ورقيقا، أسعدها أنه اعتبر ذلك اليوم كأنه يوم زواجهما الأول، وجدته فجأة يخبرها بأن تستعد للصلاة خلفه مجددا، وبالفعل صليا سويا، بعدها أعطاها علبة من المخمل، خمنت محتواها لكنها فوجئت أكثر عندما فتحتها ووجدت بداخلها طاقما ماسيا أنيقا للغاية أصر أن يلبسها إياه، حلق خيالها أكثر لتشعر بالخجل فجأة وتشتعل وجنتاها عندما وصلت بتفكيرها لما حدث بعد أن وضع خاتمه في إصبعها، تنهدت في حب ثم التفتت تتطلع لـ (ملك) في صمت، سمعت صوت هاتفها فابتسمت، لابد أنه هو، اتجهت بسرعة لتلتقطه فوجدت أنه (أدهم) بالفعل، اتسعت ابتسامتها وفتحت الخط، قبل أن تنطق كان يقول في همس :
- وحشتيني أوي أوي أوي .
شعرت بالخجل، حافظت على ابتسامتها لتجده يهمس مجددا :
- بأموت في ابتسامتك دي ووشك لما يحمر .
لم تشعر بالدهشة فهو يشعر بخلجاتها دوما وإن لم يرها، همست له هي الأخرى :
- إنت كمان وحشتني .
صمت لحظة، عاد يهمس بحشرجة :
- عاوز آجي بس مش عارف، عندي اجتماع .
ضحكت برقة وتساءلت :
- إنت في اجتماع دلوقتي ؟
رد بسرعة وبنفس الصوت الهامس :
- أيوة، بس قلت أخطف دقيقتين أسمع صوتك فيهم .
ابتسمت " سيظل دوما مستقر الجنون " سألها :
- بتبتسمي ليه ؟
أجابت :
- عشان إنت مجنون .
همس في شوق :
- إنتِ السبب .
ردت :
- لا إنت مجنون من زمان .
قبل أن يرد سمعت صوت (آدم) يهتف في مرح كمن قبض على مجرم متلبس بجريمته :
- يا حضرة المدير بتعمل إيه عاوزينك ؟
رد هو على أخيه :
- إنت مالك باعمل إيه ؟ روح وأنا جاي .
سمعت ضحكته تلتها ضحكة زوجها الذي عاد يهمس :
- بارد بارد يعني .
ضحكت فكان رده :
- لا اجتماع إيه، أنا جاي استنيني مسافة السكة، إنت مش عارفة ضحكتك بتعمل فيا ايه !.
ردت تشاغبه :
- بتخليك مجنون، قلت لي قبل كده .
شعرت به يبتسم وهو يقول :
- كويس إنك عارفة، وبمناسبة الجنون مسافة السكة وأكون عندك .
ضحكت مرة أخرى ثم ردت :
- لا خلاص اعقل المرة دي عندك شغل واجتماع هتقول للناس إيه ؟ وبعدين ملك صاحية .
رد بسرعة :
- هأقول أي حاجة، العمارة بتقع ولازم أروح أسندها، أو الكهربا قطعت وهاروح أولع في نفسي شمعة ،، أنا كده كده هاتحرق يعني .
ضحكت حتى دمعت عيناها وعندما صمتت وجدته يكمل في غيظ :
- بتضحكي ماشي استني بس لما آجي، أحسن لك تبقى ملك نايمة ساعتها، ولا أقولك هآجي أوديها عند جو .
هتفت في مرح :
- هتبيع البنت يا سي أدهم ! كله إلا كده .
رد بنفس اللهجة المرحة :
- هنستر عليها بقى ونستر على نفسنا إحنا كمان .
سمعت نداء أخيه مرة أخرى فعاد يقول لها :
- مضطر أقفل أعمل إيه، هاتي تصبيرة بقى .
ردت بعناد :
- لا.
هتف :
- شريرة .
ضحكت وأجابت :
- أيوة عارفة .
سمعت صوت قبلته عبر الأثير فشعرت بالخجل سألها بعدها :
- وصلت الأمانات ؟
ضحكت في خجل وهي ترد بخفوت :
- أيوة .
تنهد في ارتياح وهمس بشغف :
- طيب خلي بالك عليها بقى لحد ما آجي أخاويها .
ضحكت مرة أخرى فقال برقة :
- بحبك .
ردت في حياء :
- وأنا كمان .
كانت آخر كلماته :
- ماشي هاعديها بس لما آجي ليا تصرف تاني .
أغلقت الخط وطارت تحلق في سماء حبه وقبلته تداعب خيالها وتشعرها بالدفء على الرغم من كونها عبر أثير شبكات المحمول .


**********************************



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 11:52 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 11:45 AM   #30

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل السابع والعشرون

****************

جلس (كمال) مع رجل خشن الشعر مجعده، أسمر البشرة تبدو على ملامحه الشراسة خاصة مع شاربه الضخم، كان يلف بيده سيجارة ناولها إياه ثم سأله :
- ها يا أبو كمال، إيه المصلحة اللي عايزني فيها ؟
دخن (كمال) السيجارة ثم نفث دخانها في الهواء بتفكير أجاب بعده :
- مرات أخويا حسام وبنته .
لم يفهم الرجل شيئا فعاد يسأل :
- إيه مالهم ؟
رد :
- هأقولك عشان تفهم أني عايز إيه .
وقص عليه جانبه من الرواية حتى وصل لنهايتها وزواجها وإجبارهم على شراء الأرض بأسعار السوق، كان الرجل يستمع إليه في دهشة ثم هتف بعد أن أنهى كلامه :
- كل ده حصل، وإزاي ترفضك وترفص النعيم ؟ الولية دي ما بتقدرش النعمة ؟
ظهرت العصبية على وجه (كمال) وهو يرد :
- ماهو ده اللي مجنني يافتحي، وكل ماافتكر أتجنن أكتر، لولاها كان زمان حسام اتجوز صفية وخلصت أني منها بدل ما أني مدبس فيها بقى لي 6 سنين مش عارف أفلفص، إنما البيه عجبته بتاعة مصر وصمم يتجوزها، وأبويا اللي كان مدلعه ما بيرفضلوش طلب أبدا، وفي الآخر تيجي فوق دماغي وأتحرم من الذرية.
سحب نفسا آخر من سيجارته ثم أردف بعصبية :
- بس واللي خلقهم وخلقني ما هيتهنوا، هاحرمها بنت الـ ***** من كل حاجة عشان تحرم وتعرف مقامها.
نظر إليه (فتحي) في صمت ثم سأله :
- وعايز تعمل إيه ؟ أني تحت أمرك يا أبو كمال وإنت عارف .
فكر لثوان ثم أجاب بلهجة مخيفة :
- هتخطف وتقتل .
عقد الرجل حاجبيه في تفكير وقال باهتمام :
- لا اشرح لي بقى بالظبط هتعمل إيه ؟
شرح له فكرته سريعا وهو يستمع إليه باهتمام حتى انتهى، بعدها قال :
- يعني هتخطف البت وتقتلها ؟
نهره في غيظ :
- هاقتل بنت أخويا يا فتحي ماتصحصح معايا .
قال بسرعة :
- مش بتقول هتجيب البت وتدفعهم تمن الارض اللي خدوه وبعدين نموتها .
ازدادت عصبيه وهو يهتف :
- ماقلتش نموتها، قلت نموته .
سأله في حيرة :
- تموت مين ؟
كاد يشد شعره من غياب عقله لكنه أجابه وهو يضغط على كلماته في صبر :
- افهمني يافتحي، هنخطف البت، ناخد فلوسنا، نقتل جوزها فهمت ؟
هز (فتحي) رأسه في فهم وسأل :
- آآآآه فهمت، طيب هتقتله ليه مادام هتاخد فلوسك ؟
رد في حقد :
- عشان بنت ال ***** تترمل تاني وتعرف إن الله حق، بنتها هتروح منها وجوزها يموت بسببها وتعيش أرملة لحد ماتموت .
برقت عينا (فتحي) في جشع وقال :
- يادماغك العالية با أبو كمال، وليا كام في العملية دي ؟
أجابه (كمال) بسرعة :
- ميتين ألف جنيه، قلت ايه ؟
قهقه الرجل بفظاظة وهتف :
- يادين النبي ! هأقول ايه دايس معاك يا معلم .
برقت عيناه هو الآخر وقال :
- حلو أوي، ارسم خطتك بقى ونورني لما تيجي تنفذ .
سأله :
- عايز التنفيذ إمتى ؟
فكر قليلا ثم أجاب :
- الحكاية مابقلهاش يومين، هنستنى لما الموضوع يهدى والعين تبقى بعيد عننا ونهجم، يعني خدلك أسبوعين كمان كده تكون ظبطت أمورك .
ابتسم الرجل في وحشية و رد :
- ماتقلقش خالص، حقك هيرجعلك يا أبو كمال، تالت ومتلت .
بادله ابتسامته وهو يشعر بالظفر .

********
جلس (جلال) والد (أدهم) في حديقة منزله يقرأ جريدة ما، وعلى مسافة منه جلست زوجته والحزن بادٍ على وجهها، اتجهت إليهما (سارة) وقالت في تردد :
- بابا، ماما، عاوزة أروح أزور أدهم وجمانة، أدهم وحشني أوي .
ابتسم الأب في حنان وقبل أن يجيب جاء رد زوجته غاضبا :
- سارة اطلعي أوضتك مفيش خروج وانسي إنك تدخلي بيته أبدا .
عقد (جلال) حاجبيه في غضب والتفت إليها بنظرة أرهبتها، هتف بها في صرامة :
- ايه يافريدة ؟ عاوزة بنتك تقاطع أخوها ؟ زي ما إنت مقاطعاه ؟ طيب هو هان عليكي، إنما أخته بتحبه هي حرة .
ضايقها كلامه، فمنذ زواج (أدهم) وهو جاف قاس لا يدخر كلماته الجارحة أو يراعي خاطرها كما كان يفعل، أتراها أخطأت ؟ هي تحب ابنها وحيدها، أول من رأت عيناها وأول من كان قلبه بجوار قلبها، كانت تريد فرحة أكبر له، لكن من أدراها أنه غير سعيد، لمَ تفكر أن اختيارها هو الأصوب ؟ ازدادت حيرتها وابنتها تتطلع إليها في صمت، هي تشعر بمعاناة والدتها وقسوة والدها مؤخرا لكنها لم تكن تملك من الأمر شيء، كان فضولها يقتلها لمعرفة موضوع السرقة التي تتهم أمها أخيها بها، والوحيد الذي ستجرؤ على سؤاله ويجيبها هو (أدهم)، خاطبت والدتها برفق :
- ماما، أدهم بجد وحشني، طيب مش وحشك إنت كمان ؟
تطلعت إليها والدتها وتلألأت دمعة في عينيها منعها كبرياؤها من السماح لها بالمرور عبر جفنيها، عادت تخفض رأسها وتقول في استسلام :
- بعدين أنا يا سارة، روحي زي ما إنت عاوزة .
شعر الأب بالدهشة، فالتفت يتطلع إليها بذهول، أما (سارة) فقد ابتسمت في حنان ثم طبعت قبلة على رأس والدتها وانطلقت خارجة من البيت، ظل (جلال) يتطلع إلى زوجته في دهشة لم تلحظها، فقط وقفت وهمست :
- أنا تعبانة، هاطلع استريح شوية .
تابعها بعينيه وهي تدخل إلى الفيلا والتساؤل والدهشة يمنعانه من النطق .

********
وصلت (سارة) لبيت شقيقها، هي تعلم أنه في عمله لكنه سيعود قبل رحيلها، تريد الانفراد بـ (جمانة) قليلا والتعرف عليها، اكتشاف ماجذب أبا الهول أخيها لها، صعدت للمنزل ورحبت بها (جمانة) للغاية، كانت سعيدة بزيارتها والود الواضح على ملامحها، جلستا تتسامران سويا و(سارة) تلاعب (ملك) وتقبلها، قالت لوالدتها :
- ملوكة عسولة أوي، ربنا يخليهالك .
ابتسمت (جمانة) وردت :
- ربنا يخليكي ياسارة .
ترددت (سارة) قليلا ثم حسمت ترددها وقالت في خجل :
- تعرفي ! كنت دايما نفسي أعرف اللي أدهم هيختارها هتكون عاملة إزاي ؟
صمتت (جمانة) وهي تتطلع إليها في فضول ولهفة، فهي تريد أن تعرف عن ماضيه أكثر، تابعت (سارة) :
- أدهم طول عمره ما فكرش يحب، يمكن حتى كانت البنات بتخاف منه، ولما يكون في بارتي ولا حاجة عندنا كان دايما تلاقيه مع أصحابه الشباب ومفيش في وسطهم ولا بنت، مفيش غير دينا هي اللي كانت بتتجرأ عليه على الرغم من إنه كان دايما بيعاملها بطريقة مش ظريفة بس هي كانت باردة جدا، أنا كمان ماكنتش باستظرفها .
صمتت لحظة ثم ابتسمت وهي تتأمل (جمانة) ثم اكملت :
- إنت مختلفة تماما عن أي صورة جت في بالي، بس الحقيقة له حق أدهم يحبك، إنت رقيقة أوي وطيوبة وروحك حلوة.
ابتسمت (جمانة) وعلا وجهها بعض الخجل جعل ابتسامة (سارة) تتسع فقد شعرت أنها تغازلها، قالت (جمانة) بهدوء :
- ربنا يخليكي ياسارة، بجد إنت كمان زي العسل وحبوبة، إنت عارفة ! خلاص إنت بقيتي أختي، قلتِ ايه ؟
احتفظت (سارة) بابتسامتها وقالت :
- ياريت والله يا جوجو، لو ممكن أقولك جوجو، إنت عارفة ماليش إخوات بنات كله من الصنف الخشن .
ضحكت (جمانة) ثم ردت :
- قولي جوجو قولي جومي قولي جمان، أي حاجة، وبعدين ماله الصنف الخشن بقى ؟
ضحكت هي الأخرى وفهمت ماتقصده فداعبتها :
- زي العسل طبعا هو أنا أقدر أقول حاجة .
كانت (جمانة) سعيدة للغاية ، ترددت قليلا ولاحظت (سارة) ترددها فصمتت حتى تحسم أمرها، بعد تفكير قالت (جمانة) :
- سارو بصي عاوزة أقولك على حاجة، بس مش عاوزاكي تفهميني غلط، إنت دلوقتي زي مااتفقنا أختي وكمان أخت أدهم وتهميني أوي .
صمتت لترى رد فعل (سارة) فوجدت منها الإنصات والابتسامة المشجعة، استطردت :
- ممكن أسألك سؤال ؟
أومأت (سارة) برأسها ووجهها يبعث على الراحة والود فعادت (جمانة) تكمل :
- إنت ماشاء الله عسولة وزي القمر، واضح إن ده عندكم في جينات العيلة .
ضحكت (سارة) فبادلتها ضحكتها بابتسامة وتابعت :
- مش بتفكري تلبسي حجاب ؟
اندهشت (سارة) من سؤالها وشعرت بالخجل فجأة، لكن (جمانة) عاجلتها قائلة :
- بصي أنا مش عاوزة اتدخل في خصوصياتك بس إنت أخت أدهم ومصلحتك تهمني طبعا، أنا شايفة إن إنت لبسك بشكل عام مش زي مابنشوف اليومين دول، اللي لاحظته موضوع الحجاب، طبعا لو اتحجبتي هتغيري ستايلك شوية، بس حاسة هتبقي أحلى وكفاية إنه طاعة لربنا .
ابتسمت (سارة) ثم فكرت قليلا وأجابت :
- عارفة يا جوجو ! أول مرة حد يقوللي الكلام ده، على الرغم من إن صاحباتي كلهم محجبات تقريبا، وعلى الرغم من إن أدهم نوعا ما ملتزم بفروضه وبحاجات تانية كتير بس عمره ما قال لي اتحجبي، كمان بابا عمره ما قال حاجة عن الموضوع ده وطبعا ماما مستحيل تفكر فيه، يمكن بابا وأدهم مش بيقولوا حاجة لأن الوسط اللي احنا فيه عادي الكلام ده على الرغم من إن أدهم كتير كان بيتخانق معايا لو لبست حاجة ماعجبتوش .
ردت (جمانة) بتفهم :
- أيوة أنا فاهمة، بس يا سارو ربنا سبحانه وهبنا نعم كتير منها عقلنا، اللي بيخلينا نميز إيه صح وفطري وإيه بيخالف فطرتنا، ليه تستني حد يدفعك ويقولك اعملي ؟ ليه مش من نفسك تفكري وتبحثي وتعرفي الصح إيه والغلط فين ؟
كان ردها :
- أحيانا الواحد بيكون محتاج حاجة تشده للطريق الصح على الرغم من إنه بيكون شايفه وعارفه، بس يمكن بيكون في حاجة تخليه مش قادر يمشي فيه لحد ماييجي الوقت المناسب .
ابتسمت (جمانة) وقالت :
- ده نوع من التواكل يا سارة، العبادة مش لازم حد يقولك اعمليها، وقت ماعرفتي إنها مفروضة عليكي بتعملي من نفسك، أنا مش هانكر إن الدنيا الفتن فيها كتير، وأحيانا بنكون محتاجين حد ياخد بإيدنا بس الأهم يكون عندنا إحنا كمان استعداد نمسك في إيده كويس ونمشي معاه .
شعرت (سارة) براحة غريبة وهي تتحدث معها فردت بابتسامة :
- وأهو ربنا بعتك ليا عشان تشديني أهو، بأقولك أوقات بتبقي محتاجة حاجة تتعلقي بيها وتطلعي معاها لفوق .
قامت (جمانة) من مكانها وجلست بجوراها ثم قبلت رأسها قائلة :
- وأنا مبسوطة اوي إنك اعتبرتيني كده يا سارو .
ثم وقفت فجأة وهتفت في مرح :
- تعالي بقى نروح المطبخ أعلمك حاجة لدنيتك عشان أدهم زمانه جاي وعاوزين نعمل أكل جديد النهاردة بمناسبة تشريف معاليكي يا أميرة لينا .
ضحكت (سارة) ثم وقفت بجوراها و هي ترد :
- احم احم، أخجلتم تواضعنا، سيري وأنا خلفك .
اتجهتا سويا للمطبخ تتبعهما (ملك) والتي جلست تلعب كما اعتادت أثناء انشغال والدتها، ساعدتها (سارة) في القليل من الأشياء والتي خربت معظمها بالفعل مما جعل (جمانة) تبعدها عن العمل تماما وهما تتضاحكان في مرح، بعد مدة قصيرة عاد (أدهم) للمنزل، دخل بهدوء كأنه يتسلل محاولا عدم إحداث جلبة ثم توجه للمطبخ على أطراف أصابعه، رأته (ملك) فابتسم لها ثم وضع إصبعه على شفتيه مشيرا لها بالصمت، بادلته ابتسامته وصمتت كما طلب منها، رأي (جمانة) واقفة تقطع بعض الخضروات فتوجه إليها بهدوء، ثم فجأة طوقها من الخلف بقوة جعلتها تصرخ رعبا، أما هو فضحك بشدة، خرجت على صوت صراخها (سارة) التي كانت في حجرة المعيشة، وجدت شقيقها هناك يحتضن زوجته بين ذراعيه وهي تهتف في حنق :
- أدهم بجد إنت بتستهبل، ينفع كده يعني ؟
رد بمرح وهو يداعب ذقنها بأصابعه :
- عسل وإنت خايف وزعلان كده، سي أدهم النهاردة عاوز بيتزا سي فوود، إنت عاملة ايه ع الغدا ؟.
شعرت بالحرج فشقيقته هنا وهو لا يعلم وربما يصلها صوته، دفعته برفق وهي تقول بخفوت :
- أدهم بس، سارة هنا .
ابتعد عنها في دهشة وتساءل :
- إيه سارة مين ؟
سمعا حركة عند باب المطبخ فالتفتا سويا ليجدا الهواء في مقابلهما، عقدت (جمانة) حاجبيها وهتفت في استياء :
- عاجبك كده أهي شافتنا، زمانها انكسفت يارخم .
عاد يسأل في عدم فهم :
- سارة مين ؟
تطلعت إليه في دهشة وأجابت :
- هو إيه اللي سارة مين ؟ سارة أختك .
انتقلت دهشتها إليه وهتف :
- بجد ؟ سارة هنا ؟
شعرت بالغيظ ولم تجب، أما هو فشعر ببعض الحرج وقال :
- طيب مش تديني كلاكس طيب ؟
ردت وهي مغتاظة :
- كلاكس إيه في وش القطر اللي كان داخل عليا .
عقد حاجبيه ونظر إليها نظرة فهمتها جيدا وهو يرد بلؤم :
- قطر ؟ ماشي استني بس لما سارة تمشي وأنا هاوريلك يعني إيه قطر بجد .
ابتسمت في خجل وعادت تلتفت لما كانت تقوم به وهي تقول :
- روح شوفها بقى، شكلنا بقى وحش أوي .
دغدغها أسفل ذراعها فانتفضت بقوة فهتف :
- اجمد يا حلو .
ضحكت والتفتت تتابعه بعينين ملؤهما الحب وهو يغادر متجها لغرفة المعيشة، ثم قالت لـ (ملك) وهي تهز رأسها :
- ملوكة مش تقولي لي أي حاجة !.
ابتسمت الصغيرة في عدم فهم وعادت تنشغل بلعبها، أما (أدهم) فقد اتجه لغرفة المعيشة وهو يشعر بالحرج، مهما كان يمازح شقيقته أو يداعبها فلازالت هناك درجة معينة يتوقف عندها الأمر، أما أن تراه مع زوجته فذلك أثار خجله وبشدة، تنحنح ثم دخل الغرفة، وجدها جالسة تتابع التلفاز باهتمام كأنه يشغلها بالفعل، لاحظ حمرة وجنتيها فعلم أنها رأتهما، قال في مرح :
- سارو عندنا ! يامرحبا يامرحبا .
ابتسمت ووقفت متجهة إليه، احتضنها وقبل رأسها في حنان قائلا :
- منورانا والله يا سارة، بس ماقلتليش إنك جاية يعني ؟
ردت في خجل :
- أنا كلمت جمانة وقلت لها إني جاية، قلت أعمل لك مفاجأة .
شعر بخجلها فداعبها :
- وأحلى مفاجأة والله ياقمر، وحشاني، إزي بابا و .. ماما ؟
تطلعت إليه، بدا على وجهه مسحة من الحزن عند ذكر والدته، لكنها ردت بعفوية وبساطة حتى لا تشعره بشيء :
- كويسين الحمد لله، بيسلموا عليك وماما قلت لها تيجي معايا قالت لي المرة الجاية .
ابتسم في حزن، لكنها أكدت :
- بجد يا أدهم، إنت عارف إن ماما بتحبك ويهمها سعادتك، وحتى لو دلوقتي رافضة وزعلانة مصيرها تسامحك لأن مالهاش غيرك .
ابتسم في حنان وقال :
- طيب ابقي سلمي لي عليها هي و بابا كتير أوي، وأنا هاحاول آجي زيارة في أقرب وقت بإذن الله .
شعرت بالسعادة فهتفت :
- أوك هاقولهم ونستناك .
أومأ برأسه إيجابا ثم جلس وجذبها لتجلس بجوراه متسائلا :
- طمنيني بقى عاملة إيه في الكلية ؟
أجابت :
- الحمد لله كله تمام لسه في أول الدراسة وبنستكشف السنة الجديدة .
قال :
- كويس عاوزك بقى التزام من أول السنة عشان التقدير يفضل زي ماهو .
ابتسمت و ردت :
- ده أكيد مش محتاجة وصاية .
ترددت لحظة فلاحظ ترددها، سألها :
- خير يا سارو ؟ عاوزة تقولي حاجة ؟
ترددت لثوان أخرى ثم قالت بسرعة :
- عاوزة أعرف ايه موضوع السرقة اللي ماما دايما بتتكلم عليه مع آدم ده ؟
ظهرت الدهشة على وجهه، نعم كانت صغيرة وقتها لكنها الآن تعلم، ماذا لو ظنت بأخيها سوءا ؟ قرر أن يحكي لها باختصار فقال :
- شوفي يا سارة انا مش عاوزك تفتكري إن آدم ممكن يعمل حاجة زي دي، ماما أوك ضاع منها حاجة بس اتهامها لآدم طبعا مش في محله، مش عارف أقول إيه، أنا مش باقولك إن ماما بتكدب بس هي لقت شماعة تعلق عليها الموضوع وتضايق آدم في نفس الوقت، أيامها ماما ضاع منها كوليه ماس كان بابا لسه جايبه لها هدية، دورنا كتير وحتى الشغالين اللي في الفيلا وكله ملقيناش حاجة، ماما فجأة قررت إن آدم أخده وباعه عشان ياخد فلوسه وخلاص، أيامها آدم انفعل وهدد إنه يسيب البيت لكن ماما مارجعتش عن كلامها وللأسف بابا كمان ماوقفش جنبه وفعلا ساب البيت، بعدها عرفنا إنه سافر كندا وفقدنا اتصالنا بيه لحد مارجع الفترة اللي فاتت .
صمتت تفكر لدقيقة كاملة ثم هتفت فجأة :
- تفتكر شكله إيه الكوليه ده ؟
اندهش من تفكيرها، هل هذا هو السؤال او الرد المناسب على ما حكاه لها ؟، رد في دهشة :
- مش فاكر بالظبط، بس كان أعتقد فيه ياقوتة وعريض شوية .
انتفضت في مكانها فجأة وهتفت :
- مش ممكن الكوليه ده كان معايا .
اتسعت عيناه في ذهول وتساءل مستنكرا :
- معاكي ؟ إنت بتهرجي ؟ معاكي إزاي ؟
أجابت بسرعة وهي تنتفض واقفة لتلتقط حقيبتها :
- انا لازم امشي، الكوليه ده أكيد في وسط لعبي القديمة في الصندوق، أيامها أخدته ألعب بيه والبسه للعروسة بتاعتي من علبة المجوهرات بتاعة ماما وأنا مش فاهمة طبعا، ياخبر أبيض ، سلام بقى .
وقف وجرى خلفها وهو يهتف :
- يامجنونة استني عاوز أفهم .
صاحت وهي تفتح الباب :
- هابقى اكلمك أفهمك المهم أروح أدور عليه و أديه لماما .
أغلقت الباب خلفها وظل هو يتطلع إليه في ذهول في حين أتت (جمانة) مسرعة على صوت رحيل (سارة) وهتفت :
- إيه ده ؟ هي مشيت ؟ ليه ؟ مش معقول تكون انكسفت للدرجة دي ؟
التفت إليها في عدم فهم، ثم رد :
- لا دي افتكرت حاجة وضروري تمشي تعملها .
ثم مط شفتيه وهو يشعر بالغباء، هزت كتفيها في استسلام وصمتت، نظر لزوجته مرة أخرى فوجدها تحمل (ملك) على كتفها نائمة، ثم اتجهت لغرفة الصغيرة لتضعها في الفراش، خرجت من الغرفة فلم تجده، توجهت نحو غرفة النوم، وجدته هناك مستلقيا على الفراش ويتنفس بعمق، شعرت بالشفقة فقد بدا متعبا للغاية حتى أنه نام بقميصه وبنطاله، ابتسمت في حنان، وذهبت إليه، دثرته بغطاء رقيق وربتت على شعره بحنو ثم انحنت تطبع قبلة على جبينه، لكنه جذبها بقوة فسقطت فوق الفراش وهي تشهق في فزع ، هتف هو بلهجة بدت جنونية مرحة :
- مش بتقولي قطر ؟ طيب هاوريكي القطر بيعمل إيه ؟
لم تدر ما تفعل سوى الاستسلام لحبه الذي يذيب خلاياها ويقتلها عشقا .

********
يومها ليلا صنعت حلواه المفضلة، وعلى صينية كبيرة حملتها مع أكواب الشيكولاتة الساخنة التي يعشقها ثم توجهت لغرفة المعيشة حيث يجلس إلى جوار الصغيرة يشاهدان فيلما كرتونيا من جديد، عندما رآها ابتسم لها وقام يحمل عنها الصينية الثقيلة، بادلته ابتسامته وشكرته بنعومة :
- ميرسي ياحبيبي .
نظر إليها بخبث وهمس في أذنها :
- الكلام ده ماينفعش دلوقتي خالص .
ضحكت في خفوت وهي تلكزه في كتفه بخفة، رفع حاجبا واحدا ينظر إليها كأنه يتوعدها، فأعطته ابتسامة رقيقة تطلب مسامحته ليضحك هو في مرح، جلست إلى جواره ثم ناولته طبق الحلوى وهي تقول :
- أدهم عاوزة منك طلب .
نظر إليها بتساؤل وهو يهتف مشاغبا :
- قلتِ لي بقى، يعني سوفليه وهوت شوكليت، مش لله في لله كده !.
ضحكت في سعادة وهي تداعبه :
- يعني، كله بتمنه .
اقترب منها هامسا في مكر :
- على فكرة المثل بتاع أقرب طريق لقلب جوزك معدته ده مش بينطبق عليا أبدا، أنا أقرب طريق ليا حاجة تانية خالص .
اشتعلت وجنتيها خجلا وعادت تلكزه في كتفه فهتف ضاحكا :
- الخبطة التالتة هيتجبس فورا .
ضحكت هي الأخرى ثم تماسكت وحاولت الحديث بجدية قائلة :
- بجد بقى عاوزة منك طلب .
ابتسم لها وهو يتذوق الحلوى بتلذذ ثم رد :
- أؤمريني .
ابتسمت في حب وترددت قليلا، تطلع هو إليها في تساؤل مستغربا ترددها، حسمت أمرها وقالت ببطء وصوت خافت :
- عاوزة أزور جدة ملك .
عقد حاجبيه في عدم فهم، ثم هتف فجأة :
- تقصدي مامة باباها ؟
أومأت برأسها إيجابا فتطلع إليها في صمت للحظات، ضغط شفتيه كأنما يمنع نفسه من الحديث، شعرت هي بإشارات جسده الرافضة، أتاها صوته أخيرا :
- ليه ؟
أجابته بهدوء :
- دي جدة ملك يا أدهم، هي مالهاش غيري أنا وملك بعد حسام الله يرحمه وباعتبرها زي ماما .
عقد حاجبيه بشدة عندما خرج اسم زوجها المتوفى من بين شفتيها، كاد يصرخ غاضبا لكنه تماسك بصعوبة، وضع الطبق على الطاولة أمامه ثم عاد يلتفت إليها ولمس شفتيها بسبابته في ضغطة خفيفة متملكة قائلا في حزم :
- الشفايف دي ماتنطقش غير اسمي وبس، مفهوم !.
كانت تريد استرضاؤه فأمسكت بكفه وقبلت باطنها هامسة :
- هي فعلا مش بتنطق غيره .
نبض قلبه لكنه أشاح بوجهه وهو يجيبها على طلبها :
- خلاص ياجمانة، مش هأقدر أمنعك عنها، زي ما بتقولي هي في مقام مامتك ومالهاش غيرك .
ابتسمت وأدارت وجهه إليها ثانية لتحوطه بنظرة تمتلئ بالحب والدفء، بادلها ابتسامتها في صمت فأمالت رأسها كأنها تخبره " أفصح عما بداخلك " ، تنهد بعمق ثم هتف فجأة :
- أيوة غيران خلاص ! أعمل إيه يعني غصب عني ؟ .
احتفظت بابتسامتها وهي تربت على كفه، همست في دلال :
- ومين قال إني مش عاوزاك تغير ! بس دي واحدة ست مش راجل يعني مفيش سبب يستدعي الغيرة .
زم شفتيه بطريقة طفولية وهو يرد :
- بس مامته .
ضحكت بخفوت فنظر إليها في غيظ، كتمت ضحكتها ثم قالت :
- جدة ملك يا أدهم، وبس .
هز رأسه في استسلام صامت فتناولت طبق الحلوى وبدأت تطعمه بيدها قائلة بحنان :
- المفروض تاكله سخن على فكرة .
أكله من يدها متلذذا من جديد، وقلبه ينبض بغيرة تكاد تخنقه رغما عنه .


************************************



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 11:55 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:34 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.