آخر 10 مشاركات
62 - قل كلمة واحدة - آن ميثر - ع.ق ( مكتبة زهران ) (الكاتـب : pink moon - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          متزوجات و لكن ...(مميزة و مكتمله) (الكاتـب : سحابه نقيه 1 - )           »          [تحميل] لمحت سهيل في عرض الجنوب للكاتبه : ؛¤ّ,¸مــشـآعلـ¸,ّ¤؛ (جميع الصيغ ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          411 - سارقة القلوب - جاكلين بيرد (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          8 - نداء الدم - آن ميثر (تم تجديد الرابط ) (الكاتـب : pink moon - )           »          رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )           »          75 - كن صديقي (الكاتـب : فرح - )           »          مستأجرة لمتعته (159) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          4- عمري بين يديك -كاي ثورب - (كتابة /كاملة) (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree60Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-01-17, 06:46 PM   #2021

Alaaawawda

? العضوٌ??? » 360687
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 192
?  نُقآطِيْ » Alaaawawda is on a distinguished road
افتراضي


تسجيل حضور .............

Alaaawawda غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-01-17, 06:52 PM   #2022

Hager Haleem

كاتبة قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Hager Haleem

? العضوٌ??? » 359482
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,301
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Hager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

هييييييييييييه انا اخدت وسام تفاعل مميز ميرسي جدااااااااااااااااا ياكاري انتى وليلا

Hager Haleem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-01-17, 06:53 PM   #2023

ميريزااد

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية ميريزااد

? العضوٌ??? » 341336
?  التسِجيلٌ » Apr 2015
? مشَارَ?اتْي » 2,005
?  نُقآطِيْ » ميريزااد has a reputation beyond reputeميريزااد has a reputation beyond reputeميريزااد has a reputation beyond reputeميريزااد has a reputation beyond reputeميريزااد has a reputation beyond reputeميريزااد has a reputation beyond reputeميريزااد has a reputation beyond reputeميريزااد has a reputation beyond reputeميريزااد has a reputation beyond reputeميريزااد has a reputation beyond reputeميريزااد has a reputation beyond repute
افتراضي

ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸﺎﻫﺪﻭﻥ ﻣﺤﺘﻮﻯ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺍﻵﻥ 29 : ‏( ﺍﻷﻋﻀﺎﺀ 24 ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﺭ 5 ‏)
ﻣﻴﺮﻳﺰﺍﺍﺩ ,* ﺯﻫﺮﻩ ﻣﺤﺮﻭﺱ , sayowa , Sibar Abd allah , ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺸﺎﻡ 2 ,
ohusen , ﺩﺭﺓ ﺍﻟﺒﺤﺮ 2 , english , ﺿﺎﻳﻔﺔ , forbescaroline , ﻫّـﻤًﺴِـﺂﺗٌـ ,
sara osama , bochraa , nanash , asmaa ayman , moshtaqa ,
Amoolh_1411 , soosbat , omom , ghdzo , ﺯﻫﺮﺓ ﺍﻟﺤﻨﻰ , ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﻪ 2 ,
zjasmine , sosobarra


ميريزااد غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 27-01-17, 06:54 PM   #2024

rihab91

? العضوٌ??? » 331046
?  التسِجيلٌ » Nov 2014
? مشَارَ?اتْي » 2,250
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي tunis
?  نُقآطِيْ » rihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond reputerihab91 has a reputation beyond repute
افتراضي

تسجيل حضور

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 35 ( الأعضاء 28 والزوار 7)
‏rihab91, ‏زهره محروس, ‏moshtaqa, ‏fatma ahmad, ‏Esraa Saef, ‏rosetears, ‏sayowa, ‏Sibar Abd allah, ‏ابن الشام2, ‏ohusen, ‏درة البحر2, ‏english, ‏ضايفة, ‏forbescaroline, ‏هّـمًسِـآتٌـ, ‏sara osama, ‏bochraa, ‏nanash, ‏asmaa ayman, ‏Amoolh_1411, ‏soosbat, ‏omom, ‏ghdzo, ‏زهرة الحنى, ‏الجميله2, ‏zjasmine, ‏sosobarra


rihab91 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-01-17, 07:05 PM   #2025

Hager Haleem

كاتبة قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Hager Haleem

? العضوٌ??? » 359482
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,301
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Hager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond reputeHager Haleem has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الصفحات الجديده مش بتفتح معايا ليييييييه

Hager Haleem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-01-17, 07:08 PM   #2026

moshtaqa

نجم روايتي وكاتبة وقاصة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية moshtaqa

? العضوٌ??? » 105077
?  التسِجيلٌ » Dec 2009
? مشَارَ?اتْي » 2,935
?  نُقآطِيْ » moshtaqa has a reputation beyond reputemoshtaqa has a reputation beyond reputemoshtaqa has a reputation beyond reputemoshtaqa has a reputation beyond reputemoshtaqa has a reputation beyond reputemoshtaqa has a reputation beyond reputemoshtaqa has a reputation beyond reputemoshtaqa has a reputation beyond reputemoshtaqa has a reputation beyond reputemoshtaqa has a reputation beyond reputemoshtaqa has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء الخير حبيباتي
اعتذر بشدة عن غيابي لإسبوع.... انشغلت بامور الدراسة كما انني عانيت من بعض التورم في اصابعي بسبب الطباعة ... سأعود بكل تأكيد للرد على تعليقاتكم.... كل الشكر لتفاعلكم الرائع..
..
اليوم فصل "زنبقي" بإمتياز ... أعتذر لأنني لم اتطرق لبقية الأبطال.. ذلك ان قصة زنبق أوبعادها احتاجت لفصل كامل لتصل الى القارئ بشكل سليم..
..
اليوم فصل كشف الحقائق... فصل البحث عن الحرية... فصل التحول من البياض الى السواد...
...
لا تحرموني من رأيكم بالفصل....
كل الحب لتفاعلكم ..
..
يلا نبدأ
...
رابط الفصل كملف الكتروني
https://www.mediafire.com/?nn8x08dwl82qcfx
...
...
الرقصة السادسة عشر
رقصة الماريمبا*

*رقصة التعبير عن الحرية


لا تحزن فأي شئ تفقده، يعود اليك في هيئة أخرى –مولانا جلال الدين الرومي


هناك لحظات فاصلة في عمر الانسان... لحظات تشبه بالضبط القابض الحديدي المستخدم لتغيير مسار السكك الحديد... في لحظة قد يدير احدهم هذا القابض فتتغير السكة فيسير القطار في مجرى آخر... وكان زواج صخر ذلك القابض الذي غير مسار سكة حياتها....
لم تعلم حتى وهي تقف على عتبة الصالة تشهد عرسه بأم عينيها انها توجعت الى هذا الحد... أحيانا حين يأتي وجع لا قدرة على المرء على احتماله فإن عقله يدخل في حالة جمود... يراقب فقط... ويعيش كأنه خارج الحدث مع انه في قلبه.... ثم يزول الخدر شيئاً فشيئاً.. ويتسلل الادراك عميقاً.. جارحاً... مدمراً... فيتحطم المرء لقطع صغيرة لا تكفي كل ايدي سكان هذا العالم لجمعها من أرضية الألم ...
هذا ما حصل لها بالضبط... كانت تراقب صخر يتزوج ببلادة عقلٍ ووجع قلب... أجل لقد بكت كثيراً... وتمزق قلبها حتى صار رتقه مستحيلاً... ونزفت روحها حتى صار شفائها مستحيلاً... لكن عقلها كان في حالة بلادة... توقفت عن التفكير... عاشت الوجع بلحظته دون ان تفكر ماذا سيحدث بعده ولا أي وجع أكبر حجماً يجر خلفه....
استفاقت من بلادة عقلها حين وقف أمامها صخر... يخبرها بإبتسامة نصر انه سيعيش مع عروسه في البيت المجاور لها... عندها ادركت ان صخر لن يتوقف... وأن كل ما عانته حتى الآن هو نقطة صغيرة في بحر القادم ... ورأت بعين خيالها نفسها تراقبهما من شباك شقتها يدخلان ويخرجان من باب البناية... سمعت صوت ضحكهما... وهمسهما... وطقوس عاطفتهما في الليل... رأته ينسل من فراش صوفيا ليأتي الى فراشها.. يأخذ حقه كاملاً... ثم يرميها كخردة....
لمدى ثلاث سنوات... حملت نفسها وزر كل ما حصل لهما... نافية عنه كل ذنب... وحين عاد... منحته كل عذر وحجة لأنتقامه منها... لتعذيبه إياها.... لقد آمنت ان هذا عقابها وان عليها ان تتلقاه كاملاً ليتصافيا....
لامت نفسها لتقليله من احترامها... لامت نفسها على عصبيته... لامت نفسها على خسارته مهنته ... لامت نفسها على حبه وعلى كرهه.... لامت نفسها على كل شئ... ولم تلمه هو..... حتى تلك اللحظة المفصلية في حياتها... حين مد يده (تلك اليد التي لامست غيرها) وادار مقبض السكة... وسمح لقطار عمرها ان يسير في مجرى اخر تماماً.....
تدفق الألم موجات عاتية الى قلبها.... لكنه لم يكن ألماً محملاً بعذاب الضمير او لوم النفس.... كان ألماً محملاً بالحقد والغضب..... يشبه ألمه بالضبط
لقد حطم صخر كل ما بنته في نفسها من قناعات حول المسامحة... ولوم الذات على ما يحصل لها بدل لوم الاخرين.... وألقمها المرارة في ملعقة مصنوعة من معدن القسوة....
ها قد أصبحت تشبهه... تُحَمِلّه ذنب ما حصل لها... مثلما يُحَمِلُها ذنب ما حصل له...... تحقد عليه مثلما هو حاقد عليها.... تغضب منه مثلما هو غاضب منها...... لم يعد هناك مجال للمسامحة ولا للوم الذات .... منذ هذه اللحظة ستحكم عليه بالحق... والحق يقول انه لم يسمعها وانه ظلمها... وانه لو لم يتجرأ على جسدها لما دفعته وسط الشارع فيتعرض للحادث... الحق يقول انه عذبها دون سبب ... وكذب على وليد وقال بأنه قضى ليلته معها... وتزوجها بالتهديد... ولم يتوانى في اهانتها وتقليل شأنها
ومع كل هذا الحق الذي عليه.... كانت ترى ان الحق معه.... حتى تلك اللحظة.....
الحب هو أقل المعارك عدالة.... تدخله شجاعاً... نقياً.. طيباً... وغبياً ، إذ تمنح خصمك حياتك... تأتمنه على قلبك ... وتحوله الى درع تحمي به نفسك من كل العالم متناسياً ان هذا الدرع هو الخصم... وفجأة ... حين تكون في اللحظة الأكثر أماناً معه والأكثر ثقة به ... يستل الدرع-الخصم سيفه ويغرسه من الخلف في موضع قلبك تماماً.... فتنزف وتنزف وتنزف... ولا تجد من يطيب جراح الروح سوى ذات الخصم... فتلتجأ اليه ضعيفاً .. مهزوماً..... فيمعن في طعنك ... حتى يصم صوت أنينك كل ساحات المعارك... ثم تموت بين ذراعيه... راضياً بخسارة المعركة... مقتنعاً ان الموت على صدر من تحب ... انتصار !
وها قد دخلت هي المعركة... ملتجئة الى خصمها.... وحين ظنت أنها ظفرت بحبه... طعنها... ولم يتركها لتموت وحيدة... ولكنه لم يحتضنها كذلك.... بل وقف فوق جثة قلبها... يدعس بكعب قسوته مشاعرها... يجردها من كل أسباب الحياة.. ويهديها للموت... كقربان لحقده... ومع كل هذا ... كانت تظن دوماً أنها غنمت وجوده وان كان محفوفاً بالألم....... غير أنه لم يكن موجوداً ولن يكون..... لقد كان دوماً ملك حقده وصار اليوم ملك حقده وإمرأة اخرى !
"صخر"... همست بإسمه بمرارة... وهي تتطلع الى الأرض تبتعد... بينما تأخذها الطائرة بعيداً عنه .... يوماً ما ستعود... لكنها لن تعود لتعتذر... ولا لتتقبل عقابه بقلب مسامح.... ستعود لتأخذ كل لحظة فرح سرقها... ولتسقيه كل كلمة قذرة وجهها لها ظلماً.... يوماً ما ستعود لتصفعه بالحقيقة .... لكن عليها أولاً أن تبني نفسها بعيداً عنه... ان تخرجه من قلبها... ان تنظف دمها من وجوده... ان تستفرغ كل ذرة حب حملتها في روحها اليه.... عندها ستعود.... وتنتقم .... مثلما وعدته بالضبط !
قبل ان تختفي معالم الأرض تماما خلف الغيوم سمحت لقلبها للمرة الأخيرة ان يتذكره بحنين العشاق.... سارت عين ذاكرتها فوق المئة واربع وثمانين سنتمتراً من قامته الصلبة المديدة.... ونظرت الى عينيه الزرقاوين التي لطالما افجعتا قلبها بجمالهما... وقبّلت شفتيه المغويتين كمعصية... ولامست أصابعه الكاملة الشكل ... وهمست بإسمه ساكبة كل عشقها في احرفه الثلاثة............ اختفت الأرض تماماً.... حلقت الطائرة بين الغيوم.... واستيقظت من حنين عواطفها.... وتمتمت: وداعاً صخر... وداعاً زنبق.... !
*****
رفضت زنبق بلطف وجبة الطعام التي قدمتها المضيفة... وحاولت ان تنهي الحديث مع السيدة الثرثارة التي جلست بجانبها دون ان تحرجها فإدعت انه ستغفو.... اسندت رأسها قرب نافذة الطائرة واضعه الوسادة الصغيرة تحته ... واغمضت عينيها مدعية النوم.... لكن النوم بالتأكيد لم يزرها.... بل زارتها ذكرياتها.... تلك الذكريات البعيدة عن بيتها وحياتها ......
كانت الطفلة الوحيدة لأب وأم رائعين... عائلة صغيرة اذا ما قورنت بالعدد الطبيعي لأفراد العائلة العراقية... والدها كان استاذ احصاء في كلية الادارة والاقتصاد بجامعة بغداد... رجل له مكانته الاجتماعية والعلمية... اما والدتها فكانت مدرسة لغة انجليزية في احدى المدارس الثانوية للبنات..... ولدت في الأعظمية... من أقدم مناطق بغداد وأكثرها عراقة .. يشق نهر دجلة طريقه قرب منطقتها... وذكرياتها ممتلئة بتلك الفسح السريعة التي يأخذها اليها والداها على الكورنيش ليلاً والتي كان أكثر ما يدهشها فيها هي شكل الأضواء الملونة منعكسة على صفحة النهر الذي تعلقت به بشدة وكانت تقول له وحده امنتياتها... تذكر يوماً انها قالت له: "يا دجلة أريد ان احب رجلاً بعيون زرقاء مثل الروايات"... ولم تكن تعلم ان دجلة سيستمع اليها وسيمنحها الرجل ازرق العينين مع قصة رواية مأساوية!....
طفولتها مضت بسلام على مستوى العائلة... لكن الوطن كله لم يكن في حالة سلام حقاً... لقد شهدت في عمرها الصغير عملية "ثعلب الصحراء" .. كانت تلك المرة الأولى التي تسمع فيها صوت القنابل والقصف .. والمرة الأولى التي تدرك فيها ان للموت صوت يصم الروح وجعاً.... فقدت في تلك الأيام عمها الذي قتل في القصف.. وحضرت عزائه... هذه أول ذكرى سيئة في طفولتها... النساء حولها التففن بالأسود.. حتى والدتها .. بينما جلست هي في حضن امها تراقب بالكثير من الضيق كمية السواد التي تحطيها وتستمع لصوت البكاء وترى بعض النساء يضربن ايديهن على صدورهن ... كانت صورة بائسة لوداع عمها الذي لم يكمل لها بعد قصة المرأة العجوز التي تحمل سلة صغيرة ولا تسير الا للأمام وبطريق مستقيم ...
لم يكن لديها اخوة او اخوات.. وأطفال الحي كانوا اكبر منها سناً... وجعلوها هدفاً لمزاحهم الثقيل.. كلما خرجت الى الشارع لتلعب ضربها احدهم وعادت الى بيتها باكية.. لتحتضنها والدتها وتسترضيها بطبق من الحلوى المصنوعة من الدقيق والتي تعد من ارخص أنواع الحلوى واكثرها بساطة.... عائلتها لم تكن ميسورة الحال والحصار الاقتصادي لم يساعد في تحسين الوضع.. لذا كانت حلوى الدقيق هي الخيار الأمثل بما ان دخلهم لا يسمح بشراء الحلوى الجاهزة..... وهي كانت تحب جداً حلوى الدقيق ولطالما كانت خطة والدتها في استرضائها بها تنجح وتأتي بمفعول كمفعول السحر... لكن السحر يزول في اليوم التالي لتخرج من جديد للعب فتضرب مرة اخرى وتعود باكية... وهكذا استمر الحال ... ومع هذا فحين تتذكر الان تلك الحوادث فإنها تضحك بحنين ... لقد عاشت طفولتها على الأقل....
والديها كانا صديقيها، لم تتعرض لأي توبيخ منهما لا لفظياً ولا فعلياً.... بالعكس فقد كان والدها يناديها بالأميرة المدللة... ويصنع لها تيجاناً من الورق ويلونها بنفسه.... فرحتها في وضع التاج الورقي على رأسها كانت لا تقارن حتى بفرحة ملكة جمال العالم اثناء تتويجها........
والدها كان يحب الشاي بشكل خاص.. اما والدتها فلا تحبه... وكثيراً ما مازح والدها والدتها قائلاً بأنها ليست عراقية لأنها لا تحب الشاي.... بينما هي حرصت على ان تشرب الشاي بحبتي هال كي تكون عراقية في عين والدها.... إذ كانت له عادة ان يضع حبتي هال في كوب شايه.. وهذه العادة اورثتها لاحقاً لصخر ...
والدتها كانت تحب سرد القصص.. لم تمضي ليلة من ليالي طفولتها دون قصة قبل النوم... صوت والدتها الرقيق الذي تجيد التحكم بنبرته حسب سير الاحداث كان يمنح سردها للقصة بعداً لذيذاً لا يستطيع والدها حتى حين يحاول ان يقلده...... وقد أورثت هذه العادة لصخر كذلك حين كانت تطلب منه دوماً حكاية قبل النوم.....
كانت طفلة ذكية في المدرسة.. علاماتها كاملة دائماً... لكنها تكره الرياضيات... واكتشفت باكراً انها في الحقيقة لا تحب اي شئ يتعلق بمنطق الأرقام ... وكان والدها دوماً يقول "انا استاذ احصاء وكل حياتي تدور حول الأرقام وابنتي تنام على الورقة اذا ما شرحت لها 1+1=2" وبالطبع والدها محق فهي كلما حاول شرح مسألة رياضية انتابها النعاس والملل لكنه لم يكن محقاً فيما يتعلق بمجموع (1+1)..... فقد اكتشفت انه في الحياة احيانا الواحد زائد واحد يساوي واحد !.... هذا ما يحصل لروحين حين يمتزجان... هذا ما حصل لها مع صخر ... كانا واحد زائد واحد ونتيجتهما واحد !
تنهدت زنبق مغمضة العينين... وتهيأ لها انها تطوف في بيتها القديم... تستنشق رائحة بعد المطر في الحديقة ... تجلس على الأرجوحة صباحاً تسمع صوت العصافير ... تذكرت حين كانت والدتها تعطيها حفنة رز غير مطبوخ وتطلب منها ان تنثرها في احد زوايا الحديقة لتنزل العصافير وتلتقطها بينما تراقبها هي بإنبهار .. وكلما اراد الاقتراب واللعب طارت العصافير حتى تعلمت ان تجلس هادئة دون حراك تراقب بصمت ...
في حديقة بيتها توجد اهم ثلاث اشياء افتقدتها بشدة في غربتها: النخلة القريبة من سياج البيت والتي تعودت ان تتسلقها دون علم والديها لتطل على الشارع والمارة، والزيتونة التي تتوسط احد جوانب الحديقة والتي كانت ترشها بالماء وتقف تحتها وتهز جذعها فتتساقط قطرات الماء عليها وتضحك هي بإنطلاق فخورة بنفسها لأنها صنعت مطرها الشخصي... وقطط الحي التي كانت تقيم في حديقتهم والتي تحرص والدتها على اطعامهم رافضة اي محاولة منها لإدخالهم البيت .......... هذه الشؤون الصغيرة هي اكثر ما تفتقد حقاً.....
كل شئ كان يسير على ما يرام حتى جاءت حرب 2003.... عادت تسمع صوت القصف القابض للقلب... ومن جديد تجسد الموت في صورة صواريخ ومدافع وقنابل... انقضت ايام السعادة... ما عادت تسمع صوت فيروز صباحاً في البيت ... ولا صوت مسرحيات تلفزيونية... بات صوت مذيع الاخبار الرتيب هو الشئ الوحيد المسموع بجانب اصوات الحرب... وفجأة تحولت المدينة الجميلة التي تعرفها الى حطام.... طارت العصافير ولم تعد الى حديقتهم من جديد.... هربت قطط الشارع الى مخابئ لا تعرف اين هي.... اما اطفال الحي فقد رحل الكثير منهم مع والديه بعيداً عن بغداد... وانطفأت الأضواء التي لطالما احبت انعكاسها على صفحة دجلة.......... وارتدى كل شئ السواد، والدتها كانت تخرج كثيراً لأداء واجب العزاء وتعود مثقلة بالصمت وبالحزن ثم تلمحها تتحدث الى والدها بصوت خافت عن تفاصيل موت الفقيد الذي ذهبت تحضر مراسم وداعه الحزين.... امتلأت الشوارع بلافتات الموت السوداء.. كان والدها قد طلب منها ان تقرأ اي لوحة معلقة في الشارع لتقوية القراءة لديها وهكذا فقد مارست هذه العادة مع قطع القماش السوداء تلك وقرأت اسم كل الشهداء الذين مروا أمام عينيها... حتى صاروا جزءاً منها ..... في تلك اللحظة سكنها الموت والموتى وصاروا جزءاً من تكوينها وتاريخها!
مضت الايام كئيبة حتى ذلك اليوم الذي تأخرت فيه والدتها في العودة الى البيت.... هي ووالدها اصابهما القلق الشديد... والدها كان يدور في البيت بعصبية وهو يدعو الله ان تكون زوجته بخير.. كل دقيقتين يتصل بها ليواجه نفس الجواب بأن الهاتف مغلق... على العصر جائهم الخبر الصاعقة,, السيارة التي كانت والدتها تستقلها كل يوم مع ثلاثة من زميلاتها للذهاب الى المدرسة تم مداهمتها وقتل السائق واختطاف الراكبات........ سقط والدها من فوره مغشياً عليه... نقله الجيران الى المستشفى بينما بقيت هي في حالة صدمة غير قادرة على فهم ما يحدث تماماً.... اصيب والدها بجلطة ومنذ ذلك الحين وهو يعاني من ضعف في القلب... لم يترك والدها طريقاً الا وسلكه لإيجاد والدتها... بينما دخلت هي في دور كآبة.. كانت تشتاق الى والدتها كثيراً ولم تكف عن البكاء في حضن والدها تطالبه ان يعيدها ولاحقاً حين كبرت علمت كم كان يمزقه طلبها هذا... وكم كان على والدها ان يتحمل...
ان تختطف امرأة في ظروف كهذه فهذا يعني بالتأكيد انه سوف يتم الاعتداء الجسدي عليها ... لم تفهم حتى الان كيف استطاع والدها العيش مع تلك الفكرة ولربما كان يموت قهراً وببطئ دون ان تدرك لصغر سنها.... بعد شهر وجدوا جثة والدتها مع زميلاتها مرمية في خرابة تستخدم لكب النفايات...
اظلمت الحياة في وجهها... بينما وقع والدها صريع حزنه... لثلاثة اشهر لازم الفراش.. رفض ان يقيم عزاءاً... تم دفن والدتها بهدوء ولم تحضر هي الدفن حسب اوامر والدها... لاحقاً حين كبرت شكرته على ذلك في قلبها.... لم تكن تريد ان تشوه صورة والدتها المليئة بالحياة بصورتها جثة ذاهبة الى القبر.....
الحزن لون ايامهما التالية هي ووالدها... صمت عميق حل في البيت... وحالما نهض والدها من فراشه اقدم على ترتيب اوراقه للهجرة الى أمريكا... كان قد ضاق ذرعاً بالمدينة التي صفعت قلبه ورجولته في آن واحد وسرقت منه شريكة العمر، الحبيبة والزوجة والام........
هكذا وبمعجزة وجدت نفسها في امريكا بعد ان باع والدها كل ممتلكاته ومن ضمنه بيتها.... بلد جديد..... عالم لم تعرفه من قبل .. ولغة لم تسمعها من قبل بدت مختلفة تماماً عن الانجليزية التي تتحدث بها والدتها احيانا.... وجوه شقراء واخرى شديدة السمرة ... ملابس لم ترها في حياتها... اصوات اغاني بدت صاخبة ومزعجة... والكثير الكثير من الألوان
استقرت شيئاً فشيئاً في محيطها الجديد... والدها بدأ يعمل كمحاضر في الجامعة بينما ارتادت هي المدرسة... كان الأمر صعباً جدا في البداية... لكنها تعلمت اللغة بسرعة.. واندمجت مع اصدقائها الجدد... الكل كانوا يقعون في حبها ... فقد بدت بالنسبة اليهم مثل الدمية.. قصيرة القامة وصغيرة الحجم وتتكلم بتردد بين كلماتها وتتحرك ببطئ... كانت اللعبة الجديدة للمدرسة... بالطبع هناك البعض من حاربها لأنها عربية ومسلمة وهذا ما كان يصيبها بالخوف.. فهي لم تفهم حينها ما الخطأ في قوميتها او ديانتها..... شيئاً فشيئاً تقبلها الجميع البعض بحب والاخر عاملها كأمر واقع....
ومرت بضع سنوات... كان كل شئ يسير على ما يرام غير ان قلب والدها كان يمر بين حين واخر بأزمة... مما جعلها ترتعب خوفاً عليه لكنه كان دوماً يطمئنها بأنه سيعيش طويلاً حتى يرى احفاده..... في داخلها كانت تعرف انه ما زال يعاني من الطريقة المفجعة التي فقد بها والدتها رغم انهما لم يتحدثا ابداً عن موتها.. كانا يتحدثان عنها كانها ذهبت في سفر طويل ولم تعد بعد... فقد انتابها احساس ان والدها لا يريد ان يفكر بالطريقة البشعة التي انتهت بها حياة والدتها وهي لم تكن تريد ايضاً ان تفتح جراحهما.... وتشوه الصورة الملونة الجميلة لوالدتها في خيالها بألوان سواد الموت ومصائبه....
تعرف بعدها والدها الى السيدة "لين" وكانت استاذة زائرة في جامعته... حصل قبول بينهما ... ثم تطور الى اعجاب فزواج... داخلياً كانت معترضة على هذا الزواج فهي لم ترد ان تصدق ان والدها تجاوز والدتها وبدأ بعيش حياته .. لكنها تفهمت حاجته لرفيقة تخفف عنه وحدته..... مع دخول "لين" الى حياتهم دخلت اختها "اليشا" ايضاً.... انسجمت هي مع اليشا بقوة .. واحبتها جداً.. لين كان لطيفة غير انها متحفظة قليلاً.... اما اليشا فكانت قريبة منها مثل اخت كبيرة ... ولطالما قضت الكثير من اجازات العطل الاسبوعية في بيت اليشا مع اولادها الثلاثة وزوجها المحب.... لكن بعد فترة انتقلت اليشا بحكم عمل زوجها الى المكسيك ... ولم يتبقى بينهما سوى اتصالات هاتفية وزيارات متقطعة كلما سنحت الفرصة.....
ما ان انهت دراستها الثانوية حتى قدمت على جامعة في ولاية اخرى.... ارادت ان تمنح والدها وزوجته المساحة... لم يشتكي احدهما من وجودها لكنها لم تكن تشعر بالراحة تماماً... وهكذا انتقلت لتكمل دراستها في ميامي.. استأجرت بيتاً صغيراً يشبه الكوخ احبته من اول نظرة لأن باحته الخارجية كانت تحتوي على ارجوحة ذكرتها بتلك التي كانت موجودة في حديقة بيتها... كما انها عملت بدوام جزئي في احدى المقاهي القريبة من الساحل... ومضت أيامها... رتيبة... هادئة... مسالمة .... حتى تلك اللحظة التي قابلت فيها امنية حياتها .... الرجل الأزرق العينين الخارج من كتب الروايات !
..............
كانت في سنتها الرابعة والأخيرة... والحياة ما تزال تمر بهدوء... رغم عدد معجبيها الذي لا بأس به... لكنها كانت تؤمن بالحب ... وارادت ان تعيشه من كل قلبها.... لم تعلم يومها انها حين اختارت الحب فقد اختارت معه الموت لا العيش......
الصباح كان كأي صباح شتوي مشمس .. لفحات الشتاء لم تكن باردة جدا ولم تزعجها حتى وهي ترتدي ثوباً اصفر قصير تحته جوارب شفافة من نوع خاص تبقي ساقيها دافئة ... بينما نزعت عنها السترة السميكة التي كانت ترتديها بعدما اصابها الحر من جراء تحركها هنا وهناك تحت اشعة الشمس... كانت ترتب احدى الطاولات بعدما غادر الزبون واخذت تدندن مطلع اغنية تحبها جداً "قلبي يحدثني بأنك متلفي.. روحي فداك عرفت ام لم تعرفِ" ثم فجأة جائها صوت من خلفها يلقي عليها تكملة الأغنية لكن بصيغة شعر خالي من لحن الغناء "لم أقضِ حق هواك ان كنت الذي.. لم أقضِ فيه أسى ومثلي من يفي"... استدارت مبهوتة لتنبهر عينيها بالرجل الواقف خلفها.... كان مثل صوته تماماً... قوياً واثقاً وجذاباً.....
وجدت نفسها تهمس "ما أجمل القائك"
كانت تلك اللحظة تاريخية في حياتها.... وعلمت دون ان ترى عينيه المختبئتين خلف نظارة سوداء ان لونهما أزرق.. وأن دجلة حقق لها امنيتها....
جائها صوته العميق: شكرا.... ارى من لهجتكِ انكِ عراقية
هزت رأسها وهي تسمح لسحر صوته ان يتسلل الى داخلها... وتسمح لهيئته الطويلة العابقة بالوسامة والقوة ان تنطبع في مخيلتها
-أجل انا عراقية
ابتسم قليلاً... فهبط قلبها...
-وانا عراقي كذلك
هذا كثير!..... لكنه كثير جميل ورائع !
قالت ببلاهة: يا لهذه الصدفة الجميلة
ابتسم اكثر: جميلة جدا في الحقيقة
ثم تقدم ليجلس مختاراً الطاولة التي كانت تنظفها...
-هل يمكنني ان احتسي كوباً من الشاي؟
-بالتأكيد... شاي أنجليزي ام اخضر؟
-انجليزي لو سمحتِ يا .....
همست له: زنبق...
-زنبق... أتعرفين ان زهرة الزنبق تشير الى الكمال في الحب
احمرت وجنتاها خجلاً... لا لم تكن تعرف في الحقيقة ... لكنها بدت مثل إشارة سماوية لها !
اكمل: الزنبق الأبيض تحديداً هو رمز الطهارة والبراءة... ربما هو اكثر ألوان الزنبق مناسبةً لكِ إذ تبدين كطفلة
كان حواراً غريباً بالنسبة لرجل تلتقيه للمرة الأولى... لكنها مع هذا لم تشعر بالغرابة... لقد وقع عليها كلامه كأنه يأتي في وقته المناسب تماماً مع الشخص المناسب تماماً في المكان المناسب تماماَ....
نظرت الى الأرض لا تعلم بماذا ترد
فاستطرد: اسمي صخر
رفعت عينيها تنظر الى عينيه المحجوبتين بالنظارة ... وقالت اول ما فكرت به
-اسم قاسي
ضحك.... وكانت ضحكته باعثة للبهجة.. مزيج من المرح والثقة ولمحة غرور
-اجل انه قاسي...
ومرة أخرى لم تعرف بماذا تجيب ...
فوجدت نفسها ترد: تشرفنا سيد صخر... ساحضر لك شايك فوراً
هز رأسه: حسناً زنبق
قال اسمها بطريقة ارجفت قلبها... وكانت تلك بداية التسلق نحو الهاوية !......
عجباً كيف نكتشف ان القمم التي نتسلق اليها احياناً بكامل قلبنا ما هي الا هاوية متنكرة !
في الأيام التالية زار صخر المقهى عدة مرات ... في كل مرة يجلس على نفس تلك الطاولة البعيدة ... مرتدياً نظارته السوداء التي تخفي لون عينيه... في المرة التالية التي جاء فيها قدمت له الشاي بحبتي هال... فكل عراقي يفضل الشاي المُهيّل... كما انها لسبب غير واضح ارادت ان تورثه عادة والدها وعادتها ..... يومها رفع وجهه متفاجئاً مع اول رشفة...
فبادرته مبتسمة: أردت ان تتذوق شيئاً يشبه شاينا في العراق... هل اعجبك؟
ابتسم لها بإمتنان... ابتسامته لم تكن مميزة... تشبه الكثير من الابتسامات الأخرى... لكنها فقط تحمل روحاً اكثر دفئاً وتأثيراً اكبر وقعاً على قلبها....
-جداً زنبق.. جداً.... هل بأمكاني أن أحصل على فنجان شاي كهذا كل يوم
وجدت نفسها تقول له بلهفة حاولت ان تخفيها: اذا جئت كل يوم
-سأفعل
دق قلبها بجنون... احساس غريب انتابها... مثل شخص يترك نفسه للماء فيرفعه الى الأعلى ليشعر بأنه خفيف وسعيد....
اخفضت عينيها: انت مرحب بكَ دائماً .. سيد صخر
صحح لها –صخر,, فقط صخر
شعرت بالخجل يزحف الى وجنتيها وهي تنطق الأسم الذي يردده عقلها منذ ايام: صخر
وهكذا صار صخر... صخرها هي....
بعد يومين طلب منها ان ترافقه في نزهة مسائية على ساحل البحر... فوافقت دون تردد.... كان قلبها يدفعها نحوه دفعاً.... وهي التي بحثت دوماً عن الحب... سمعت صوت قلبها وأطاعته... وانجرفت خلف مشاعرها الوليدة نحو صخر ...
جلسا أمام البحر... وللمرة الأولى يتخلى صخر عن نظارته.... وقد عيناه كما طلبتها من دجلة .. زرقاوين مثل ابطال الروايات.... دون وعي وجدت نفسها تحدق فيهما وبادلها التحديق... في تلك اللحظة علمت انه سيكون حبيبها وانها ستكون حبيبته... !
ان يحمل رجل كل هذا الغموض وكل هذه الصراحة فهذا شئ نادر... صخر كان مزيجاً من كليهما... كان يتحدث بكل شئ غير انه احتفظ دوماً بجزء من ذاته لذاته... لم يكن يحب ان يتحدث عن عائلته وحياته وعمله ... لكنه كان يحب ان يتحدث عن نفسه كشخص.. وهي لم تكن لتهتم بشئ سوى بشخصه.... وهكذا سارت الأيام بينهما... شئ ما ليس له اسم محدد ربط بين قلبيهما... شئ يشبه الحب لكنه ليس الحب تماماً... فقد كان مختلطاً بإحساس الإنتماء... كأنها اضاعت العراق لتجده فيه.... كلما مشيا مساءا وانعكست اضواء الشارع في حدقة عينيه الزرقاء تذكرت دجلة ... كلما قال كلمة عراقية سمعت صوت طفولتها وجيرانها... كلما احتسى الشاي بحبتي الهال رأت فيه والدها... وكلما قصّ عليها حكاية رأت فيه والدتها.... هكذا صار صخر في ظرف شهر اكثر من مجرد حبيب ... صار العراق والعائلة ايضاً....
تطورت مشاعرهما بشكل سريع... اذهل كليهما لكنه لم يثر قلقهما... كانا ينجرفان مع التيار دون زورق او ستر انقاذ.... مستمتعين بالاحساس السحري الذي حولهما لكتلتين من السعادة....
لم يقل لها يوماً "أحبكِ" رغم انها قالتها بعد شهر من تعارفهما في تلك الليلة الثلجية... لكنها كانت تقرأها في عينيه اللتين تختبئان في معظم الأوقات خلف نظارته السوداء... قرأتها في صوته الذي ينطق اسمها بتملك مضيفاَ "ياء" الملكية الى اخر اسمها..... كان دوماً يناديها "زنبقتي".... وكانت فعلا ملكيته... قلبا وروحاً...
في رأس السنة احتفلا معاً... كانت تلك المرة الأولى التي تسمح له بدخول بيتها... ليس لأنها لا تثق به ... بل لأنه لم يطلب منها يوماً ولم تدعوه هي.... زينا شجرة عيد الميلاد معاً ووضعا في قمتها النجمة الذهبية التي اختارتها.... اشعلا المدفئة الصغيرة وحرك صخر الحطب داخلها بالعصا المعدنية ... ثم رقصا معاً على أنغام أغنية"سواي (تمايل)" بصوت "ميشيل بابل" مغنيها المفضل.... كانت كلمات الأغنية تقول
"عندما تُعزف ألحان (الماريمبا)
راقصيني.. واجعليني اتمايل
مثل محيط بطئ يحتضن الشاطئ
ضميني اقرب... اجعليني اتمايل اكثر"
همس لها وهو يقربها اليه اكثر: اجعليني أتمايل
رفعت وجهها اليه.... تتشرب ملامحه القريبة... تشعر بقلبه يهدر قريباً من قلبها.... اصابعه تتشبث بأصابعها...
-أظن ان قلبي هو الذي يتمايل...
ابتسم لها ابتسامة فاضت حباً: أفدي قلبكِ زنبقتي
قطبت: لا تقل هذا ابداً... لتكن الزنبقة فدائاً للصخرة التي نبتت على صدرها
وضع يدها المتعلقة بيده على قلبه وقال: هنا نبتت الزنبقة... وستعيش هنا للابد.. دون ان تذبل ... اعدكِ..
تمايلا معاً على انغام الموسيقى ... والصمت المريح يلفهما... صمت افسح المجال لصوت القلب ان يطغى...
قال اخيراً: أتعرفين رقصة الماريمبا؟
-سمعت بها فقط
-انها رقصة الافارقة الاكوادور ... كانت العرقية والتفرقة تسود المجتمع .. فاخترعوا رقصة لها طابعهم ... تعبر عن الحرية .... انتِ رقصة الماريمبا خاصتي... انتِ تعبيري عن الحرية ... أطلق معكِ قلبي مجرداً من كل المخاوف.. كل الهواجس... واصدق تماماً بحبكِ... اثق بكِ... اتحرر من قيود حذري... واصير بكِ حراً...
لم تحتمل لحظتها كل هذا الكم من الحب الذي في داخلها.. فرفعت نفسها اليه تعانقه بقوة ... فأحاط بخصرها معانقاً اياها بلطف...
ابتعدت عنه بعدما ارهقها فارق الطول بينهما ..
اعترضت: انت طويل جداً... لا اقدر على عناقك حتى الصباح كما اريد اذ اقف على رؤوس اصابعي
ضحك من اعتراضها المدلل: كم طولك يا صغيرة الحجم انتِ
فردت كفها بأشارة خمسة امام عينيه وقالت بفخر: مئة وخمس وستون
-وما هذا الفخر بقصر قامتك ما شاء الله.... بيني وبينك تسعة عشر سنتمترا
اتسعت عيناها ... تسعة عشر سنتمتراً؟ هذا كثير....
-مئة واربع وثمانون سنتمتراً
انحني نحوها يختصر المسافة بين طوليهما وعانقها دون ان تضطر للوقوف على رؤوس اصابعها وهمس في اذنها: كل سنتمتر منها ملكك انتِ
تمتمت : احبك صخر
بعد دقائق رفع وجهه واستقام ووضع يده خلف ظهره وقال بحركة درامية: لو عانقتك لدقيقة اخرى لكنت اصبت بتشنج ... ربما عليكِ البدأ بإرتداء احذية الكعب العالي
نظرت الى قدميها بالجوارب الزهرية ..
ثم احتجت: لا احب الكعب... وهذا الموجود يا "وليدي"
قالت كلمة "ابني" باللهجة العراقية البحتة حيث تستخدم هذه المفردة لمصغر كلمة "ولد" وهي كلمة لها طابع امومي بعض الشئ...
ضحك بصوت عالي: حتى امي لا تقول لي "وليدي"
رفعت حاجبها: لأنها اسبانية ...
-تتحدث العراقية احسن منكِ يا "شَكَر لَمَة"....
ضحكت وهو يلقبها بإسم نوعية من الكعك المشهور في العراق والذي يكون حلو الطعم وقد أخبرته عرضاً انا تحبه
قالت بمرح: حان وقت الهدايا
رفع كلتا حاجبيه: ما الذي احضرته لي؟
-أنت اولاً
اخرج علبة بنفسجية صغيرة وقدمها لها ... فتحتها بإثارة لتشهق امام منظر السلسال الفضي المستقر داخل العلبة .. تدلت من السلسال زهرة زنبق فضية يتوسط قلبها لؤلؤة بيضاء....
قال لها: زنبقتي البيضاء... رمز الحب الكامل والبراءة
ادمعت عيناها وهي تنقل نظرها من الهدية الى وجهه وهمست بسعادة: شكراً صخر.. انها اجمل هدية حظيت بها...
اخرج السلسال من العلبة .. وثبته حول رقبتها ... كانت تلك اللحظة التي شعرت بها بالمعدن البارد يستقر على بشرتها احد اسعد لحظات حياتها على الأطلاق..
ادارها اليه وقال مبتسماً: حسناً دوري
قدمت له صندوق هدايا ملون وقالت بمرح: هاك انظر..
فتح الصندوق لتظهر الصدمة على وجهه .. استل الدفتر المغلف بفرو وردي فاتح اللون ورفعه ينظر اليه بغرابة
-قولي لي يا زنبق ان هدية رأس السنة ليست دفتراً بناتياً بفرو وردي.. وان ما اراه مجرد خيالات
ضحكت: انه الواقع صخري
لوح بالدفتر امامها: مع هذا الدفتر انا لست صخر يا حبيبتي، انا صوصة
قهقهت وقالت بدلال: صوصتي الجميلة
قال مهددا: لا تناديني هكذا ..
رفعت كتفيها: انت من قلت
-حسناً حسناً...
-افتحه...
فتح الدفتر وقلب صفحاته لتتسع عيناه بدهشة..
-هل هذا؟.....
ترك جملته معلقة
هزت رأسها: نعم انه دفتري وانا صغيرة... حين توفيت والدتي خفت ان انسى الحكايات التي كانت تقصها علي ليلاً... فسجلتها كلها في هذا الدفتر... فكرت انك ربما تحب ان تحتفظ به... فقد صرت انت من يسرد لي قصص قبل النوم...
اغلق الدفتر واندفع نحوها محيطاً ذراعيه خصرها رافعاً أياها... تشبثت برقبته...
قال لها بعاطفة: سأحفظها واقصها عليكِ زنبقتي...
ثم اردف: شكراً لأنكِ منحتني شيئاً من طفولتكِ
-منحتك كل عمري... الماضي والقادم
.....................
مرت ايامها مع صخر كالحلم ... لم يكن يعكره سوى صحة والدها التي بدأت تتدهور.... ارادت ان تسافر له لكنه وعدها ان يزورها في عطلة الاسبوع القادمة..... قبل ذلك بأيام سافر صخر الى ايطاليا في رحلة عمل... حين ذهب شعرت بأن أحدهم ينتزع منها قلبها... لكنه وعدها انه سيكون فراقهما الأول والأخير....
لكن القدر كان له رأي آخر.... جاءت عطلة الأسبوع ولم يأتي والدها لزيارتها... اتصلت بهاتفه فلم تتلقى اي رد .. كانت على وشك ان تتصل لحجز تذكرة والعودة الى والدها حين اتصل بها رقم غريب... رفعته لتتلقى صدمة حياتها... والدها في المستشفى وقد اصيب بجلطة قلبية ... ويحتاج لإجراء عملية قلب مفتوح .... انهارت زنبق على الأرض وهي تستمع لصوت الممرضة العملي...
اتصلت من فورها بـ"لين" زوجته السابقة... صحيح انهما انفصلا لكن علاقتهما انتهت بطريقة حضارية ابقت على صداقة بينهما... لين اكدت انها ستذهب الى المستشفى في الحال لتعرف بالتفاصيل وضع والدها.... في هذه الاثناء حجزت اقرب موعد رحلة للعودة وكانت في العاشرة ليلاً... بعد ساعة ونص جائها اتصال من لين..... اوضحت فيه ان والدها يحتاج الى العملية بسرعة قصوى ... وان مبلغ العملية مبلغ كبير جدا... حين نطقت لين بالملبغ توقف قلب زنبق.... من اين لها بهذا المبلغ؟
قالت لين: لا املك من المال الكثير كما تعلمين لكنني سأسدد اول دفعة.... ليحددوا موعد العملية غداً... عليكِ ان تجدي مخرجاً زنبق وسأتصل بأليشا
قالت زنبق وهي ترتجف خوفاً: سأتدبر المبلغ... سيكون غداً معنا
اتصلت زنبق بكل معارفها... لكن كل من تعرفهم كانوا بمستواها المعيشي... لا يملكون هذا المبلغ الكبير من المال... انتهى بها الحال ذاهبة الى صاحب المقهى الذي تعمل فيه .. لكنه كذلك لم يكن لديه هذا المبلغ.... جلست على احدى الطاولات تبكي ... ثم اخيراً لم تجد امامها الا صخر... عليه ان يساعدها.. هي لا تعرف شيئاً عن وضعه المادي لكن بما ان عائلته تملك شركة استيراد وتصدير فهذا يعني انه ميسور الحال.... اتصلت على هاتفه فوجدته مغلقاَ .. بالطبع سيكون كذلك .. فكرت بيأس... كما انه لم يخبرها بإسم الفندق الذي ينزل فيه لتتصل بالفندق... ولا تعرف احدا من اصدقائه ليوصلها اليه.... القت رأسها على ذراعها المستند الى الطاولة واخذت تبكي.... لن تستطيع ان تحتمل خسارة والدها... لا يمكن ان يحصل هذا.... انه كل ما تبقى لها في هذا العالم...
سمعت صوت جودي .. العاملة معها في المقهى والتي تحب دوما ان تضع زينة مبالغ بها...
-زانباك.. لماذا تبكين؟
رفعت وجهها الى جودي وقالت بلوعة: احتاج الى المال... والدي بحاجة لاجراء عملية... والجميع رفض مساعدتي
بدا التعاطف جلياً على وجه جودي... وتوقفت عن مضغ العلكة التي تتلوى في فمها... وجلست بجانبها وهي تقول: ماذا عن ساكر؟
-مسافر خارج امريكا... لا استطيع الوصول اليه... هاتفه مغلق
ربتت جودي على ظهر زنبق: انا اسفة حقاً... كم المبلغ؟
حين اخبرتها بالملبغ.. اتسعت عينا جودي ... وهتفت: هذا مبلغ ضخم
هزت رأسها وهي تجهش بالبكاء.... نظرت اليها جودي وبعد تفكير قالت: لا استطيع مساعدتكِ لكنني اعرف من بإمكانه ان يفعل.... غير انني لست واثقة ان كان سيقبل ام لا...
رفعت زنبق وجهها بامل: حقاً؟ يمكننا ان نحاول
-لا اظنكِ ستحبين الذهاب اليه
-سأذهب الى الجحيم ان تطلب لأنقذ ابي
-انه صاحب النادي الليلي الذي اعمل فيه نادلة ليلاً
قالت بدهشة: ماذا؟
-انه رجل مزعج لكنه معروف بإقراض الاخرين المال .. بالطبع ستكتبين وصل امانة وربما يطالب بمبلغ اكبر للتسديد
-تقصدين انه مرابي
-شئ من هذا القبيل
-لكن لا يمكنني ان افعل هذا....
-كما توقعت
صمتت زنبق لدقيقة...وتخيلت والدها ينام على سرير المرض... لا لن تفقده ... لن تفعل
-سأذهب اليه... هل ستساعدينني؟
هزت جودي رأسها ... نهضت زنبق وهي تقول بعزيمة استمدتها من خوفها على حياة والدها: لنذهب الان
هكذا دخلت زنبق عالم "باشن از ريد" ..... دخلته بقدميها مجبرة..... لقد فقدت يوماً والدتها... فبقي لها والدها... وهي كانت مستعدة لتضحي بكل شئ واي شئ لتنقذ حياته !
....................
حاولت ان تتجاوز غثيانها من المكان العابق برائحة الكحول والموسيقى الصاخبة.... بعد دقائق وجدت نفسها في مواجهة رجل له كرش كبير ويرتدي سلاسل ذهبية وفي اذنه اليمنى قرط صغير والسيجار في يده...
نظر اليها نظرة تقييمية وبدا على وجهه ملامح غريبة ... وسأل جودي بصوت ازعجها: من هذه الجميلة
قالت جودي: انها صديقتي وهي بحاجة للمال لأجل عملية جراحية طارئة لوالدها
-كم المبلغ
ذكرت له جودي المبلغ بينما احساس الضيق والاختناق يتزايد داخلها
-مبلغ كبير... لكن بإمكاني ان اساعدها
الفرحة التي شعرت بها في تلك اللحظة لم تكن لتوصف بكل لغات العالم
هتفت: حقاً؟ شكرا شكرا لك .. ساعيدها لك كاملة
ابتسم الرجل ابتسامة خبيثة اثارت الرعب في نفسها: لا اريد ان استردها... اريد مقابلها خدمة
تراجعت زنبق متسعة العينين برعب وهي تعي ما تعنيه كلماته وصاحت بحدة: لا
رفع يده مهدئاً: مهلك يا فتاة.. ليس الذي تظنين.... اجلسي سأشرح لكِ
نظرت الى جودي بتردد فهزت جودي رأسها مشجعة ....
جلست بتململ...
قال الرجل: كل ما هنالك ان لكِ هيئة تشبه هيئة فتاة كانت تعمل لدي.. لا تشبهينها كثيراً... فهي حمراء الشعر وزرقاء العينين كما ان ملامحها تحمل اغواءاً.. لكن لنقل لكِ هيئتها ومع بعض التعديلات والزينة من الممكن ان نخرج بصورة مقاربة لها... صلب الموضوع ان هذه لها سمعتها الشهيرة.. بعض الاشخاص يأتونها من ولايات اخرى..... لكنني طردت هذه الفتاة بعد ان اكتشفت انها تسرق مني المال.... وما حصل انه قبل قليل اتصل بي شخص يطلب هذه الفتاة...
صاحت زنبق وقد انتفضت واقفة: لا.... قبل ان تعرض شيئاً قذرا... اجابتي هي لا
-لا تتسرعي ودعيني اكمل... لن تقومي بشئ سوى الجلوس مع رجل كهل على طاولة واحدة.... لكنها ستحقق لي مكسباً كبيراً... وتمنحك حياة والدكِ
ما ان ذكر والدها حتى ارتعشت ...وتخيلته في المستشفى يعاني الالم.... ذكرت نفسها انها هنا من اجله... ابتلعت ريقها وعادت تجلس
-لست افهم
-الرجل كبير في السن لكنه عابث يحب ان يخرج مع الفتيات ليظهر بأنها ما زال ... كما تعلمين.....
ورفع الرجل ذراعه نافخاً اياها بإشارة القوة
احمرت زنبق خجلاً من الايحاء المشين.... لكنها قالت بتردد: ولن افعل اي شئ؟ لن يلمسني
اكد لها: ابداً... ستجلسين معه ساعة او اثنين وتنصرفين.... لقد جاء الى ميامي في زيارة وهو يحب فقط ان يؤكد وجوده في هذه الاماكن فهذا يحافظ على سمعته العابثة حتى مع كبر سنه وقد اختار تلك الفتاة وطلبها بالاسم لذياع صيتها فهي لا ترافق الا المشاهير..... مقابل هذه اللعبة سأعطيك المبلغ دون مقابل... ولا حتى وصل امانة.... كل ما عليك فعله هو البقاء هذا المساء
اغمضت عينيها... وشعرت بأنها تريد ان تتقيأ وفكرت بأنها لا تستطيع الاقدام على مثل هذا الامر.... لا يمكنها ان تفعل هذا... لكنها مجبرة... ليس لديها حل اخر... امسكت هاتفها واتصلت بصخر مرة اخرى مع علمها ان هاتفه مغلق لكنها في تلك اللحظة احتاجته جداً لينقذها...
ولأنها كانت دون خيارات... ما كان امامها سوى الموافقة... اختنق صوتها بالبكاء
-لكنني احتاج ان احول المبلغ الان...
-اعطني حساب المستشفى وسأحوله حالاً...
اتصلت بلين واخذت حساب البنك وحول الرجل المال بالفعل.... شعرت بالراحة ... لقد انقذت والدها على الأقل.. وكل شئ بعد ذلك لا اهمية له... حتى ان ماتت....
اجرى الرجل مكالمة لتأكيد الموعد مع ذلك الكهل المتصابي... بينما اجلت هي موعد طائرتها حتى الفجر.....
مر بعد ذلك كل شئ مثل حلم مزعج... جلست في غرفة مليئة بالاضواء المختلفة ... بعدها جاء فريق من ثلاثة اشخاص اهتموا بمظهرها... وضعوا لها كميات كبيرة من المكياج حتى ما عادت تعرف نفسها .... والبسوها شعراً احمر مزيف وثوباً لم تكن لترتديه حتى في بيتها مع حذاء بكعب عالي مستندين الى صورة فتاة بدت فيها لمحة شبه قوية من هيئتها.. لكن اذا ما رآها احد عن قرب وقد عرف تلك الفتاة لكان اكتشف فوراً اختلاف لون العينين وقسمات الوجه..
وقفت تنظر الى نفسها في المرآة.... لم تكن زنبق... كانت واحدةً اخرى بشعة ومقيتة.... ادمعت عيناها .... انها تمر بأصعب لحظات حياتها..... همست بعذاب: أين أنت يا صخر؟
اطل صاحب النادي من الباب ونظر اليها راضياً
-اصبحتي تشبهينها تقريباً... من الجيد انه لم يرها وجها لوجه من قبل حتى لا يكتشف الفرق.. لماذا لم تضعي العدسات؟
شهقت: لم استطع ان افتح عيني وانا اضعها..
-توقفي عن البكاء... يجب ان تضحكي له على الدوام ... ولا تتحدثي كثيراً... دعيه هو من يتحدث.... مجرد ساعة او اثنين وينتهي كل شئ ... وتعودين الى حياتك الطبيعية
نظرت الى نفسها في المرآة وتمتمت: لا أظنني سأعود ابداً
جاء الرجل اخيراً... نظرت اليه بقرف... رجل في سبعيناته ... متصابي ... يضحك بقبح ... جلست امامه غير قادرة على النظر اليه.... رأت صاحب النادي من بعيد يشير اليها ان تضحك... ففعلت.... اسدلت الستار عن عقلها وقلبها معاً.... عليها ان تتحمل.... لأجل والدها... لأجله فقط... كررت هذا في نفسها كثيراً... وهذا الشئ الوحيد الذي ساعدها في تخطي الدقائق التي بدت بطئية ومثيرة للإشمئزاز.... رائحة المكان كانت تخنقها... واصوات الموسيقى العالية كادت تصم اذنها.... حرص هذا الرجل المتصابي ان يجلسا في اكثر الامكان زحاماً ليراه اكبر عدد من الناس معها....
مد الرجل يده ليلمس يدها فابعدتها بنفور... غير ان عينها تلقائياً اتجهت نحو صاحب النادي الذي قطب واشار اليها محذرا.... فحبست انفاسها وابتسمت وتركته يمسك يدها.... يا الله ... كان شعوراً فوق طاقتها على الاحتمال.... ما كان عليها ان تقبل بكل هذا... انها تشعر بالقذارة ... مجبرة ان تبتسم لرجل ينظر اليها وكأنها سلعة ويكاد يلتهمها بعينيه التي ودت كثيراً ان تفقئهما له ...
كانت تصارع لتثبت الابتسامة على وجهها ولتبقي يدها مكانها تحت يده حين لمحته عرضاً... وفكرت اتراها تحلم؟ هل تجسد لها صخر من شدة ما تمنته الان معها ليحميها ويأخذها من هذا المكان؟
النظرة المصدومة على وجهه اجلت رأسها... انه هنا فعلاً... صخر لا ينظر اليها في خيالها بهذا الشكل وكأنه رأى شبحاً....
سحبت يدها وهبت واقفة تهمس بصدمة بإسمه ... لا لا لا .... لا يمكن .... لا يا الهي لاتعاقبني هكذا.... ليس بصخر... ليس بالرجل الذي يبقيني على قيد الحياة... لا لا لا .... ضج عقلها صارخاً.... فعلت الشئ الوحيد الذي فكرت فيه.... ركضت هاربة... تختفي بين الجموع... تساقطت دموعها ثقيلة تحفر طريقها على وجنتيها .... لا يمكن ان يكون هذا حقيقاً... انه مجرد كابوس... كابوس بشع... استندت الى احدى الطاولات الفارغة حين ارتجفت قدماها وما عادتا تحملانها... يد من خلفها امسكت بها... التفت منتفضة وهي تصيح بذعر فطالعها وجه صاحب النادي....
قالت باكية: لا يمكنني ان اعود الى هناك...
-لن تعودي الى ذلك الكهل.... اعذريني عزيزتي لما سأفعله الان... لكن الرجل يظنكِ تلك الفتاة وقد دفع ثمناً لا يمكن رفضه مقابلكِ
ارتعبت .... اي رجل؟..... هل هو......؟ ..... لا يمكن .... لا يمكن .....
ارتدت الى الخلف وهي تصيح: لا ... لا ..... لقد اتفقنا
ابتسم ابتسامة خبيثة: وقد تغير الاتفاق
سحبها من يدها ليجرها خلفه.... قاومته بإستماتة وهي تصرخ باكية: اتركني .. اتركني ...
لكنه لم يتركها... يده التي تشبه القيد الصدأ احاطت بيدها بقوة لم تتخيلها في رجل مثل هذا.... في غضون لحظات كانت امام صخر الذي اندفع يأخذها من يد الرجل صائحاً: لا تلمسها...
يده امسكت بها بقوة كادت تفتت عظامها.... انغلق عقلها... هذا مجرد كابوس... ان هذا لا يحصل حقاً... صخر في ايطاليا وهي في بيتها تحتسي الشاي بحبتي هال وتفكر به ووالدها في بيته كذلك يحضر محاضرات الاسبوع القادم لطلابه.... ان كل هذا مجرد خيال مخيف.... ستصحو قريباً منه لتجد كل شئ على ما يرام
لكن يد صخر التي جرتها الى الخارج اكدت لها خطأها.... لقد كانت تعيش الواقع... انها ها هنا في هذا المكان القذر ترتدي ملابس فاضحة وشعراً مزيفاً وحذاء بكعب عالي.... كانت لتوها تجالس رجلاً بعمر والدها مدعية انها عاهرة متمرسة... وحبيبها شهد هذا المنظر.... وها هو يسوقها الى الخارج دون اي رحمة
توسلته: صخر ارجوك ... صخر توقف
لكنه لم يفعل...... شعرت باصابعه تنحفر في جلدها... اخذها الى الخارج ساحباً اياها بكل قسوة .. لم تتحمل اكثر فسقطت على ركبتيها مرتجفة .... قلبها يخفق بقوة لم تعتدها ... ورأسها يدور ونفسها تمتلئ رعباً... استوقفته حين حاول جرها .. شعرت بجروح في ركبتها وساقها اثر ملامسة بشرتها لخشونة الاسفلت....
وقف اخيراً... نظرت اليه من بين دموعها فوجدت وجهه وقد تحول الى حجر... عيناه ترميها برصاص الغضب فتحفر صدرها... رئته تنفث ناراً بدل النفس.....
امسكت بيده بكلتا يديها وتوسلته مستعطفة: أرجوك استمع الي.. ارجوك..
في تلك اللحظة انغلقت ملامحه فصارت اكثر اسوداداً وظلمة وبدا مثل الوحش وهو ينحني نحوها .. عيناه الزرقاوان الخارجتان من الروايات .. كانتا مظلمتين بالغضب والقسوة ... مد يده مشيراً الى مخرج النادي وهدر بصوت ارجفها: لقد اخذتكِ من الداخل ايتها العاهرة... لقد دفعت ثمنك... أستطيع أن ارى انني كنت سأدفع ثمناً عالياً لشرفك المستباح... لو كنت اعلم انني استطيع ان احصل عليكِ ببضعة الاف .. كنت اختصرت الطريق الطويل
كلماته كانت عبارة عن سكاكين صغيرة لكنها حادة تخترق قلبها.... لقد دعاها لتوه بالعاهرة ..... شعرت بأن روحها تتكسر على اعتاب ثورته
لكنها عادت تتوسله وهي تتنفس بصعوبة: أرجوك استمع الي.. ليس الامر كما يبدو
بيده التي لطالما داعبتها برقة .. ازاح بقسوة شعرها المستعار وصاح: ماذا يا حبيبتي؟ هل دخلتي النادي بالخطأ؟ هل ظننته جامع؟
اغمضت عينيها بعذاب... لا يمكن ان يكون هذا حقيقاً... لا يمكن ان يكون هذا هو صخر.. لا يمكن ان تكون هنا راكعة عند قدمه تتوسله بينما ينعتها بأسوأ الكلمات ويصب عليها حمم غضبه
لم ينتظر جوابها... جرها خلفه من جديد... شعرت بالاسفلت يجرح ساقها وهي تحاول النهوض بصعوبة..... نهضت اخيراً لتسير بترنح وبكائها يشق سكون الليل .... فجأة استدار صخر ليصفعها صائحاً بغضب: : ايتها العاهرة.. سوف اجعلكِ تندمين على كل لحظة ضيعتها معكِ....
مع تلك الصفعة دخل عقلها حالة من الغيبوبة.... الرجل الذي احبته اكثر من اي شئ... صفعها لتوه... اصابعه لم تنطبع على خدها... بل على قلبها..... وستبقى طوال حياتها تحمل اثر هذه الصفة في روحها مثل اثر حرق على البشرة ....
امسك وجهها بيدين ككلابتين قاسيتين... بدا وكأن اصابعه تحولت الى قطع من الفولاذ وهي تضغط عظام وجهها.... ثم همس بخفوت بطريقة ارعبتها اكثر من صراخه
- حين أنتهي منكِ لن تصلحي بعدها لبيع جسدكِ... لأنني سأشوهه شبراً شبراً...
ثم سحبها خلفه ليرميها على باب السيارة المغلق... اصطدم جسدها بالمعدن... انغرست قبضة باب السيارة في خاصرتها محدثة وجعاً لا يقل عن وجع قلبها فصاحت متألمة غير انه لم يرحمها... جرها من شعرها ليفتح الباب ويرميها في الداخل....
الرعب والالم احساسان كانا يتصارعان داخلها.... بينما كان يقود بسرعة جنونية غير مهتم بتوسلاتها التي ما لامست قلبه ....
كادا ان يتعرضا لحادث لمرتين ... اخيراً اوقف السيارة على طريق جانبي
نظرت اليه وقالت متوسلة مرة اخرى: أرجوك دعني أشرح لك.. كانت هذه المرة الأولى.. لقد اجبرت..
لم يمهلها ... التفت اليها اخذاً وجهها بيديه اللتين فقدتا كل رقة... نظر اليها بعينيه الحبيبتين وقد تحولتا الى حجرين ازرقين معتمين
صاح : الان سددي ما دفعت ثمنه..
اتسعت عيناها برعب وتسلل الادراك الى عقلها مخيفاً فإستجلب دموعاً اكثر .... توسلته: لا تفعل.. لا تفعل
لكنه لم يستمع اليها... وراقبته بقلب مفجوع بالجرح والخوف ينحني فوق وجهها ...
التقط شفتيها بحركة عنيفة... وقبلها...... دموعها سالت انهاراً على وجهها .... كانت هذه قبلتهما الأولى.... لم تتخيلها هكذا ابداً... لقد تخيلتها في ليلة عرسهما ربما... وهي ترتدي له الابيض ... وترقص معه على انغام "سواي".... لقد تخيلتها رقيقة... مليئة بالحب ... مليئة بالامان
لكن قبلته جائت مثل كابوس مخيف... خشنة، غاضبة، تهدد شرفها الذي يستبيحه دون رادع
حين تركها اخيراً.. كان قد سرق شيئاً منها... سرق ايمانها به... امانها معه .... سرق ثقتها بأنه ملجئها.... حينها بدا لها صخر اكبر خطر في هذا العالم بعد ان كان ملاذها الآمن.... نظرت اليه وقد اودعت في نظرتها تلك.... حبها المجروح... ثقتها المنكسرة... روحها النازفة... وخيبتها
لم تستطع ان تتحمل لحظة اخرى ... فتحت باب السيارة مثل شخص اصابه مس .. وهربت ... لكنها لم تبتعد اكثر من خطوتين اذ امسك بها صخر مديراً اياها نحوه ليرعد صوته بقوة : الى اين؟ لم أدفع كل هذا المال لأجل قبلة فقط...
الجرح في قلبها تمدد حتى شمله باجمعه وايقنت ان علاجات العالم كله لن تشفي هذا الوجع الذي تشعره الان...
حاولت ان تفلت من بين يديه التي تتمسك بها بقوة متوسلة اياه
- لا تفعل .. اتركني.. أتوسل اليك
لكنه لم يستمع بل ازدادت يده جرأة وهي تتسلل داخل ثوبها.... ارتعبت وصرخت بقوة ... كانت صرخة تشبه صرخة من اخذوا روحه... وقد اخذ روحها بالفعل.... فما كان منها الا ان تصرفت بردة فعل آنية... ودفعته بيديها الى الامام بعيداً عنها ....
ثم حدث كل شئ بلمح البصر... مرت سيارة مسرعة لتختطف جسد صخر من امامها..... صرخت صرخة شقت صدرها وكانت كفيلة بأن تخرج الموتى من قبورهم....
امام عينيها سقط صخر مضرجاً بدمائه بينما اكملت السيارة طريقها.... تحرك جسدها برد فعل سريع.... انطلقت ساقاها راكضة خلف السيارة وهي تبكي... صاحت "توقف.. توقف... ساعدني"
لكن السيارة اختفت... التفتت الى صخر الذي كان يستلقي على بعد امتار منها دون حركة.... وعادت اليه راكضة
ركعت الى جانبة وقد ارعبها منظر الدماء وشكله الفاقد للحياة... صاحت وهي تنحني فوقه ...
-حبيبي .. صخر.. صخر ... أرجوك لا تمت ارجوك تحمل
لكن صخر لم يتحرك... وقد غاب عن العالم.... اجبرت عقلها على التفكير... مدت يدها تبحث في جيوبه فوجدت هاتفه وقد انفطرت شاشته الى النصف... ضغطت عليه فأضاء... حمدت الله انه لا زال يعمل.. اتصلت بالاسعاف واعطتهم العنوان....
جلست الى جانبه تمسك بيده وهي تبكي...
توسلته: استيقظ صخر... لا تمت ... اعدك انني سأختفي من حياتك... فقط عد الى الحياة يا حبيبي... لا تتركني الان... لا تتركني... لن استطيع ان اسامح نفسي ان خسرتك... ساموت بعدك
انحنت تقبل كفه : تحمل حبيبي... تحمل قليلاً.... ستأتي الاسعاف...
عادت تقبل كفه: انا احبك صخر... لا ترحل...
رفعت وجهها الى السماء وصاحت متوسلة: يارب خذ من عمري وامنحه اياه.... يارب .. يارب ساعدني..
بعد لحظات وصلت سيارة الاسعاف... استقلتها معه ويدها لم تفارق يده.... كانت تلك اللحظات موتاً حقيقياً بالنسبة اليها...... لقد ماتت حين سقط صخر بسببها جثة هامدة على الارض
شدت على يده ونظرت الى وجهه الموصول بأجهزة التنفس والدماء تغطي جسده: سامحني حبيبي... سامحني
على باب المستشفى تركته.... عليها ان تلحق بطائرتها لحضور عملية والدها.... توسلت الممرضة التي رافقت سيارة الاسعاف: ارجوكِ اعتني به.... سيعيش اليس كذلك
ابتسمت لها الممرضة مشجعة: سيعيش ..
ولم تعلم ان كانت قد قالتها لتشجعها ام لأنه سيعيش فعلاً لكنها رحبت بهذه الكلمة صدقاً كانت ام كذباً...
عادت الى بيتها مستعجلة... غيرت ملابسها واخذت اوراق سفرها واتجهت للمطار... كادت الطائرة ان تفوتها... لكنها لحقتها في اللحظة الاخيرة
كان عقلها ضاجاً بالأفكار... وهي تدخل المستشفى لتسأل عن غرفة العمليات..... امام باب الغرفة وجدت لين تنتظر بتوتر.... هرولت اليها وهي تسأل: هل من اخبار
هزت رأسها: ما زال في العمليات
في تلك الاثناء خرج الطبيب وعلى وجهه امارات الاسف، انقبض قلب زنبق
سألته بلهفة قلقة: كيف حاله دكتور؟
قال بتعاطف: اسف .. لم نستطع انقاذه ....
بعد ذلك عم الظلام كل شئ..........
......................................
وقفت امام شاهد قبر والدها... وما زال الظلام الذي غابت فيه قبل يومين يعم داخلها.... كأن الشمس ما عادت تشرق... كأن الصباحات ما عادت تأتي.... كأن هناك شخص ما مد يده وانزل قابس النور الذي يضئ العالم فغرق كل شئ في العتمة.....
احساس بالذنب كان يجرفها بقوة.... هذا عقاب الله لها... لقد اخذت المال بأكثر الطرق حقارة... فحرمها الله من والدها.... سالت دموعها من جديد.... لامست الشاهد برقة وقالت بصوت مخنوق: سامحني والدي... لقد اردت فقط ان امنحك عمراً أطول.... لكن الله عاقبني بك... سامحني
اهتز جسدها بكاءا... جلست قرب قبر والدها... تبكي كل شئ..... تبكي والدتها التي رحلت مبكراً... تبكي حياتها الجميلة التي أسستها هنا.... تبكي خسارتها لوالدها.... تبكي فعلتها المشينة.... وتبكي صخر....
رفعت وجهها حين خطر اسم صخر على بالها... أستلت هاتفها واتصلت بالمستشفى لتسأل عن حاله.. فأخبرتها الموظفة انه تم نقله الى مستشفى خاص لا تعرف اسمه...
سألتها: هل هو بخير؟ هل سيعيش؟
-نعم انستي هو بخير... وقد نجا وسيعيش عمراً طويلاً كذلك
تنهدت براحة.... ليعيش ... هذا كل ما تريده... ليتنفس... وهذا اخر واكبر احلامها....
شكرت الموظفة واغلقت الخط.....
حدثت والدها: علي ان اذهب ابي.... ساعود لزيارتك ... لكن ليس قريباً.... علي ان اذهب الى اماكن بلا ذكريات ... لن استطيع ان اواصل هنا ... ولا هناك.... سأبدأ من جديد.... غير انك ستكون دوماً معي... وسأشتاقك جدا
اجهشت بالبكاء.... ها هي تودع اخر فرد في عائلتها... ها هي وحيدة.... يائسة وخائفة ومحملة بالذنوب .....
......................
قررت ان تبدأ حياة جديدة.... خالية من كل الماضي بعد ان باءت محاولتها لقتل نفسها بالفشل.... يومها دخلت عليها لين لتجد شريانها ينزف... كانت بين الصحو واللاوعي... صاحت لين بلوعة .. وهي تبكي... واتصلت فوراً بالاسعاف... لاحقاً ندمت زنبق كثيراً على فعلتها.... يمكنها ان تحتمل جحيم ذنوبها وتكفرها في هذه الحياة لكنها لن تحتمل ان تدخل النار لقتلها نفسها بسبب قلة ايمانها ويأسها... وهكذا جاء قرارها للبدأ من جديد.... تركت ميامي... وقدمت طلب نقل الى جامعة اخرى لتنهي سنتها الاخيرة ... كما انها قدمت معاملة لتغيير اسمها.... وعرضت بيت والدها للبيع.... متخلصة من كل الذكريات... كانت هذه الطريقة الوحيدة التي تتجنب بها قتل نفسها قهراً....
لا تريد ان تكون زنبق بعد الان.... تريد ان تكون شخصاً أخر... امرأة لم تدخل نادياً ليلاً... لم تتسبب في حادث لحبيبها ولا موت والدها.... امرأة بيضاء الماضي والذاكرة......
اثناء رحلتها الانتقالية وبينما كانت في الطائرة قابلت سيدة تركية لطيفة جدا... تقرأ كتاباً يدعى "قواعد العشق الأربعون" .... خاضت معها حواراً بسيطاً.... وقبل ان تهبط الطائرة قالت لها السيدة: أرى الحزن يسكن عميقاً داخلكِ.... كأن هناك أمرأة تقيم الحداد في روحك
دون ارادة ادمعت عينا زنبق.... كان جرحها حديثاً.... وما زالت تحاول ان تقف صامدة ...
اعطتها السيدة الكتاب الذي في يدها ... وقالت لها : هذا هديتي لكِ.... لربما تجدين فيه ما يطيب خاطركِ....
بعد ان استقرت في بيت صغير وانتقلت الى جامعة جديدة واتمت معاملة تغيير اسمها من زنبق الى "نور" وذلك لحاجتها الى النور في ظلام روحها واوجاعها.. ووجدت عملاً بسيطاً في مكتبة لبيع الكتب المستعملة ... خصصت وقتاً لقراءة الكتاب الذي اعطته لها السيدة....
الكتاب اثر كثيراً فيها ... لقد جاء مثل بلسم يداوي جراحها.... تقول كاتبته في احدى الصفحات
" ماذا يعني الصبر؟ إنه يعني أن تنظر إلى الشوكة وترى الوردة، أن تنظر إلى الليل وترى الفجر. أما نفاد الصبر فيعني أن تكون قصير النظر ولا تتمكن من رؤية النتيجة. إن عشاق الله لا ينفد صبرهم مطلقاً، لأنهم يعرفون أنه لكي يصبح الهلال بدراً، فهو يحتاج إلى وقت"
فكرت بأنها محقة... الله وضعها في اختبار صعب .. وعليها ان تصبر وكلها ايمان بأن نهاية هذا الصبر ستكون مكافئتها.... لربما فقدت كل شئ في لحظة واحدة ... فقدت صخر ووالدها .. ولا تعلم ايهما فقده اجزع قلبها اكثر.... لكنها ما زالت هنا على قيد الحياة... ولا بد من حكمة ما لكل ما حصل... ربما هي ليست ناضجة كفاية لتعرفها لكن عليها الايمان بها.... فالله يختار لنا طريقاً قد لا نعرف لماذا نسلكه لكننا حين نصل الى نهايته نشكر الله لأنه رسمه لنا.....
شعرت بروحها تستكين وهي تقرأ هذا الكتاب.... وان هناك من يشعر بها ويطبطب عليها دون يعرفها... في شخصيات الرواية كانت هناك فتاة تدعى "وردة الصحراء" وكانت تعمل عاهرة بإجبار الظروف... لكن داخلها نقي وتريد التوبة من كل قلبها..... وفي اخر المطاف تابت وردة الصحراء واصبحت امرأة صالحة نافية عن نفسها ماضيها ..... احبت هذه الشخصية جداً.. ربما هي لم تمنح جسدها كوردة الصحراء لكنها لعبت هذا الدور وان كان تمثيلاً... وشعرت بأنها تلوثت منذ ذلك الحين.. وان كل ما حدث بعدها هو عقاب الله لها على فعلتها وقبولها بالعرض الرخيص الذي قدمه صاحب النادي... لكن التوبة موجودة.... وكما نفت وردة الصحراء نفسها عن حياتها السابقة ستنفي هي نفسها كذلك.. وستبدأ من جديد.... وستطلب من الله في كل يوم ان يسامحها... وستتقبل عقابه لها على ما فعلته بصبر لأنها تعرف انه في نهاية المطاف سيكون عطف الله عليها اكبر.....
شعرت بنفسها تتغير يوماً بعد يوم .... في الليل كانت الكوابيس تفترسها... لكنها ما ان تستيقظ حتى تكون اكثر عزيمة على ان تنقي نفسها من كل الماضي..... بدأت تميل شيئاً فشيئاً الى اللون الأبيض... لون الفراغ والنقاء .... نزعت للمرة عن رقبتها السلسال الذي اهداه لها صخر ووضعته في علبته.. مودعة بذلك اخر ذكرياتها معه.....
اخترعت لنفسها علاجاً جيداً.... كلما تذكرت شيئاً أغمضت عينيها وهمست "أبيض، أبيض، أبيض" وتجبر نفسها على استحضار اللون الأبيض ودفع كل ذكرياتها الى عمق عقلها .... حتى انها ما عادت ترتدي غير الابيض لتحيط نفسها به دائما .....
اعادت قراءة "قواعد العشق الأربعون" لعشرات المرات ولم تتعب... في كل مرة تكتشف شيئاً جديداً... ومن هذا الكتاب بدأ شغفها بـ"رقصة سما"، رقصة الدراويش التي قال عنها احد شخصيات الرواية واسمه جلال الدين الرومي وهو شيخ متصوف "أصدقائي، تدعى هذه الرقصة سما، رقصة الدراويش، ومن الان فصاعداً سيرقصها الدراويش في جميع الأزمنة، يد متجهة الى السما واليد الاخرى الى الأسفل نحو الأرض، فكل نقطة حب ننالها من الله نتعهد بتوزيعها الى الناس جميعاً"....
كانت هذه الرقصة للفناء عن كل شئ.... حركات دائرية روحانية.... تفصل المرء عن كل شئ حوله .. فتمنحه فرصة اكتشاف ذاته الحقيقية واذابتها في ذات الكون وصولاً الى الفناء في حب الخالق...
بدأت تمارس هذه الرقصة كتجربة... لكنها مع كل مرة كانت تدور فيها حول نفسها... رافعة ذراعيها الى الاعلى ... يد نحو السماء والاخرى نحو الأرض... كانت تشعر بالكثير من الطمأنينة... تنسى كل اوجاعها كأنها لم تكن ... تذوب كل احزان روحها في غمرة انغماسها بروح هذا الكون... مذ ذاك الحين... ورقصة سما باتت جزء من علاجها الروحي.... جزء من حياتها الجديدة وسلامها الجديد
......
حالما تخرجت انتقلت الى نيويورك.... المال الذي استحصلته من بيع بيت والدها مع عملها البسيط ساعدها في دفع اخر اقساط دراستها ... حين انتقلت الى نيويورك استأجرت شقة صغيرة وحميمة ... اثثتها بنفسها باللون الأبيض ....فقد صار الابيض جزئاً من شخصيتها... وبدأت شيئاً فشيئاُ تنسلخ عن اوجاعها... وحاولت ان تهتم باوجاع الاخرين... فعملت متطوعة في ملجأ للأيتام ثم في دار مسنين واعمال لخدمة المجتمع .... قدمت طلب عمل في كثير من الشركات ولم تتلقى اي رد لأن كل الشركات تطلب خبرة على الاقل ثلاث سنوات... هكذا وجدت نفسها تعمل موظفة استقبال في فندق يملكه رجل عربي..... امضت فيه سنة مسالمة ... حتى اصطدمت حياتها بوليد....
وليد مثل لها الأمان والحماية...وقد أحبته مثل أي طفلة تحب بطلها ... وارادت كثيراً ان تكمل حياتها معه... فحياتهما كانت ستكون هادئة ولطيفة ويسودها التفاهم..... غير ان ماضيها لم يسمح لها بهذا السلام....
ثلاث سنوات هدمت نفسها واعادت بنائها من جديد... وحين كادت ان تنجح... خرج صخر من قبر الذكريات ... باعثاً الروح في كل ماضيها.. معيداً الى حياتها كل ما ارادت ان تنساه... جالباً معه احساسها بالذنب لما فعلته به ... وما فعلته بوالدها....
لكن صخر لم يرحمها... ولم يمنحها الفرصة لتشرح له.... دخل حياتها مثل عاصفة سوداء.... اكلت كل البياض الذي جاهدت لتغرسه في نفسها..... حول وليد الى وحش عذبها دون ان يستمع هو الاخر.... اخذ منها مصدر امانها الاخير واعاده اليها زوجاً يرى زوجته عاهرة قضت ليلتها مع صديقه..... وقد تلقت عقابها من وليد دون حقد منها عليه..... فقد كانت تشعر دوماً بالذنب لأنها لم تخبره بهذا الجزء من ماضيها.... لكنها ارتعبت من فكرة ان يتخلى عنها ويظلمها كما فعل صخر......
وحين غادر وليد حياتها تاركاً ما يكفي من الأضرار على جسدها وروحها... لم يغادر صخر.... ولم تمانع هي في بقائه... لربما هذا نوع من المازوشية وحب تعذيب الذات لكنها كانت قد اشتاقت اليه جداً..... لم تعرف كم احبته حتى رأته من جديد... ولم تعرف كم افتقدته حتى نظرت الى عمق عينيه الزرقاوين...
بقلبِ راضي بما قسمه الله.... متقبل للعقاب الأخير.... سمحت لصخر ان يعذبها.. ان يهينها ... ان يتزوجها... وحين اكتشفت مهنته التي خسرها بسببها زادها هذا احساس بالذنب... وارادت من كل قلبها ان تعترف بكل شئ وان تطلب غفرانه... لكنه لم يسمح لها... بل امعن في احتقارها واذلالها... ولم يكتفي بكل هذا... لا لم يكتفي....
أريز .... أله الحرب الروماني الذي يشبهه في دمويته وعنفه .... كان لا بد يستمر في الانتقام حتى اخر لحظة ... لدرجة ان يتزوج امرأة غيرها.. وان يجبرها على حضور حفل زفافه ... لا بل ويأتيها اخر الليل وقد نال حقه من زوجته تلك ليأخذ حقه منها ايضا...... ثم ليصدمها بأنه سيعيش معها الى جوارها.....
فاق هذا الوجع قدرتها على الصبر... فاق هذا السواد بياضها.... فاق هذا الاذلال امكانيتها على المسامحة....... وما عادت "أبيض، أبيض، أبيض" تجدي نفعاً..... ما عادت رقصة سما تشفي روحها.........
تملكها الغضب .... وأخذت ترى الأمور على حقيقتها....... لقد فعلت كل ما فعلته لأجل والدها.... لقد ارادت ان تنقذ حياته.... هل هذا مطلب غير شرعي؟ وقد نالت عقابها كاملاً حين لم يكتب الله له عمراً.....
هي لم تدفع صخر الى السيارة عمدا او عبثاً.... لقد كانت تحاول ان تدافع عن شرفها الذي يحاول تدنيسه بعد ان تملكه الغضب الاعمى ولم يستمع اليها.....
لقد ظنت انها ان تحملت كل ما يفعله بها ناظرة الى الأمر كعقاب اخير.. فأن الله سيكافئها بصخر... وبحب صخر وبمسامحة صخر
لكن مع زواجه وما حدث بعده.... علمت انه مع هذا الكم من الوجع الذي يسببه هذا الرجل لها فإنه من المستحيل ان يكون هو مكافئتها على صبرها.....
ادركت متأخرة ان صخر ليس مكافئتها بل عقابها... وان الله ارسله لها لتكفر به عن كل ذنوبها ... اكبرها واصغرها... منذ ولدت وحتى الان...... وان مكافئتها الحقيقية هي خلاصها منه .......
وستفعل.... ستتخلص منه ..... ستذهب بعيداً عنه... تداوي نفسها.... تبنيها من جديد.... تنزف حبه حتى اخر قطرة... ثم تعود لتكون عقابه....
هي..... نور علي...... دفنت منذ ركبت الطائرة زنبق وصخر معاً....... وقررت ان لا تنسى.... لأنها ستعود يوماً لتنتقم.... ولتعاقب.... فصبراً يا صخر.....
ها قد تحررت اخيراً..... ها قد تحررت !
.............................................
استنشقت زنبق هواء العراق...... وعادت ذاكرتها الى ايام طفولتها.....
اهلا بك ايها الوطن....... ها قد عدتُ اليك محملة بالجراح... فداويني..... ها قد عدت اليك غريبة فأويني..... ها قد عدت اليك مكسورة فأجبر كسرتي........ وامنحني بكل حروبك ، شيئاً من السلام !
في ساحة عباس بن فرناس كانت حوراء تنتظرها برفقة رجل يبدو انه زوجها امير..... انجل ارسلت لها صورة حوراء لتتعرف عليها كما انها قامت بمكالمة فيديو مع حوراء وتعرفتا... وقد بدت حوراء لطيفة ومرحبة ....
تقدمت نحوهم بابتسامة.... هتفت حوراء بسرور: زنبق اليس كذلك؟
ابتسمت اكثر: اجل... لكن ناديني بإسمي الحقيقي... اسمي نور.... نور علي
بانت الحيرة قليلاً على وجه حوراء وزوجها لكنها ابتسمت وقالت: ليكن كذلك.... حمداً لله على السلامة يا نور... كيف كانت رحلتكِ
-سلمكِ الله... لم اشعر بها في الحقيقة
تناول منها امير حقيبتها الوحيدة مرحباً بها......
جالت عين زنبق في انحاء المكان........وفكرت : ها قد بدأنا !.......
..............................
مضى عليها يومان في ضيافة بيت الخالة عالية التي رحبت بها بشدة ... ولم تشعرها بأي غربة.... لم تخرج زنبق خلال اليومين لتفقد بغداد... فقد كان فارق التوقيت واختلاف الجو له اثره في ذلك.... تحدثت مع انجل هاتفياً واخبرتها ان صخر جن جنونه وجاء الى البيت وتشاجر معها ومع جو وطالب بمعرفة مكانها لكنها بالتأكيد لم تخبره ..... كما انها اخبرتها انه سأل مكتب الخطوط الجوية عن اسمها ولم يمنحوه اي جواب.....
حين انهت المكالمة كان قلبها يخفق بقوة... لكنها رفضت بحزم ان تفكر فيه.... لا مزيد من صخر... لا مزيد..... نظرت الى بلوزتها الكحلية وهمست: ولا مزيد من الابيض !
......................
كان قد مر عليها شهر في بغداد... وقفت ذات مساء امام نهر دجلة ... في ذات المكان الذي كانت تقف فيه وهي طفلة وتراقب الأضواء تنعكس على صفحته ..... نظرت اليه بأسى وهمست: ما كان علي ان اطلب منكَ رجلاً ازرق العينين.....
شعرت بالجو يتوتر... احساس غريب بأن الهواء قد تبدل... وصل اليها عطره قبل صوته .... ضرب قلبها بقوة ... لا ... لا
رفضت ان تستدير... اغمضت عينيها بشدة.... لا يمكن ...
لكن صوته جاء واضحاً رغم خفوته وهو يهمس: زنبق
استدارت اليه ببطئ.... ها قد وجدها ولم يمضي شهر واحد على فراقهما.... لم تكن مستعدة لرؤيته رغم انها توقعت ان يبحث عنها في بغداد.... لكنه جاء اسرع مما كانت تتخيل
طاف بصرها على قامته المديدة....على المئة واربع وثمانون سنتمتراً التي اخبرها ان كل سنتمتر منها ملكها هي..... ثم حدقت في عينيه الزرقاوين... تلك التي تمنتهما في طفولتها.... كانتا مجروحتين وعاتبتين.... موجوعتين وعاشقتين......
همس من جديد: زنبق
هزت رأسها رافضة: لا...اذهب اذهب... انت مجرد خيال
لكنه لم يكن كذلك.... كان حقيقياً بقدر وجعها.... موجوداً بقدر تواجدها..... كان صخر يقف امامها فعلاً !....




السكر likes this.

moshtaqa غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 27-01-17, 07:18 PM   #2027

د.بيسو

? العضوٌ??? » 359825
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 149
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » د.بيسو has a reputation beyond reputeد.بيسو has a reputation beyond reputeد.بيسو has a reputation beyond reputeد.بيسو has a reputation beyond reputeد.بيسو has a reputation beyond reputeد.بيسو has a reputation beyond reputeد.بيسو has a reputation beyond reputeد.بيسو has a reputation beyond reputeد.بيسو has a reputation beyond reputeد.بيسو has a reputation beyond reputeد.بيسو has a reputation beyond repute
افتراضي

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

د.بيسو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-01-17, 07:23 PM   #2028

MaNiiLa

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية MaNiiLa

? العضوٌ??? » 285059
?  التسِجيلٌ » Jan 2013
? مشَارَ?اتْي » 384
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » MaNiiLa has a reputation beyond reputeMaNiiLa has a reputation beyond reputeMaNiiLa has a reputation beyond reputeMaNiiLa has a reputation beyond reputeMaNiiLa has a reputation beyond reputeMaNiiLa has a reputation beyond reputeMaNiiLa has a reputation beyond reputeMaNiiLa has a reputation beyond reputeMaNiiLa has a reputation beyond reputeMaNiiLa has a reputation beyond reputeMaNiiLa has a reputation beyond repute
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 43 ( الأعضاء 31 والزوار 12)
‏MaNiiLa, ‏ghdzo, ‏ابن الشام2, ‏Just give me a reason, ‏moshtaqa, ‏زهره محروس, ‏rihab91, ‏Sibar Abd allah, ‏forbescaroline, ‏sayowa, ‏Jooodah, ‏د.بيسو, ‏shorouk ibrahim, ‏bochraa, ‏rose.rose, ‏prue, ‏يوما ما, ‏سمر عثمان سمر, ‏ohusen, ‏soosbat, ‏Esraa Saef, ‏bella snow, ‏fatma ahmad, ‏درة البحر2, ‏english, ‏ضايفة, ‏sara osama, ‏nanash, ‏asmaa ayman, ‏Amoolh_1411


MaNiiLa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-01-17, 08:27 PM   #2029

Nor sy

? العضوٌ??? » 309675
?  التسِجيلٌ » Dec 2013
? مشَارَ?اتْي » 923
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Syria
?  نُقآطِيْ » Nor sy has a reputation beyond reputeNor sy has a reputation beyond reputeNor sy has a reputation beyond reputeNor sy has a reputation beyond reputeNor sy has a reputation beyond reputeNor sy has a reputation beyond reputeNor sy has a reputation beyond reputeNor sy has a reputation beyond reputeNor sy has a reputation beyond reputeNor sy has a reputation beyond reputeNor sy has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
افتراضي

اخر صفحة ما عم تفتح معي؟ خير ان شاءالله

Nor sy غير متواجد حالياً  
التوقيع
لو فينــــــا نهرب ونطيـــــر مع هالورق الطــاير، ت نكبــــر بعد بكيــر شو صاير شو صــاير.....
رد مع اقتباس
قديم 27-01-17, 08:38 PM   #2030

الاميرة السندريلا

? العضوٌ??? » 355268
?  التسِجيلٌ » Oct 2015
? مشَارَ?اتْي » 165
?  نُقآطِيْ » الاميرة السندريلا is on a distinguished road
افتراضي

جمييييييييييييييييييييييي ييييييييييييييييل

الاميرة السندريلا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:10 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.