آخر 10 مشاركات
عاشق ليل لا ينتهى *مميزة*,*مكتملة* (الكاتـب : malksaif - )           »          حب في عتمة الأكــــــاذيب " مميزة و مكتملة " (الكاتـب : Jάωђάrά49 - )           »          وَجْدّ (1) *مميزة** مكتملة* ... سلسة رُوحْ البَتلَاتْ (الكاتـب : البَتلَاتْ الموءوُدة - )           »          485 - قلب يحتضن الجراح - كارا كولتر ( عدد جديد ) (الكاتـب : Breathless - )           »          تشعلين نارى (160) للكاتبة : Lynne Graham .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          5 - الرجل السراب - جانيت ديلي - أحلام القديمة ( كتابة / كاملة ) (الكاتـب : gasmin - )           »          إشاعة حب (122) للكاتبة: Michelle Reid (كاملة) (الكاتـب : بحر الندى - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          الوصــــــيِّــــــة * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : البارونة - )           »          جنون الرغبة (15) للكاتبة: Sarah Morgan *كاملة+روابط* (الكاتـب : مستكاوى - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة

Like Tree38Likes
موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-06-14, 01:14 PM   #1

كَيــدْ !

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية كَيــدْ !

? العضوٌ??? » 320291
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 563
? الًجنِس »
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » كَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ياصغيّر مايكبّرني لقب ومايصغّرني إذا أنكرني صغير ماخذينا الصيت من جمع الذهب ولانَسابة شيخ أو قُربة وزير !
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر *مميزة*








سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكُم ()









تنتشر الزهور عن طريق حبوب اللقاح
تبدأ بُرعمًا ثم تكبر لتصير زهرًا فاتنًا
وأنا هنا سأنثر حروفًا تكونُ حبّاتَ اللقاح
ستكون الكلمات براعمَ في بدايتها ... لتنتهي بـ " رواية "
وكالماء ستكونونَ أنتم تروونها


براعمي ستكبُر ... لتُنشئ روايتي – الرابعة
والتي ستكون الأولى – نشرًا



.
.
.
.









تصميم اهداء للروايه




مُقدمة /






قلتُ له :


قُل لي! هل قيدٌ من الشمع ينير بصيرتي؟
هل قيد من الخمر ينسيني .. همًّا وظلامُ رؤى
كانت لي في منامي تُخاويني؟
قُل لي! هل قيدٌ من الأدمع بالفرح يرويني؟
فأجابني مستاءٌ يراددني : بل قيدٌ من - الفرو - يرديكَ قتيلًا
حيًا أمامي ببؤسٍ تُحادثني



" ‌أحببتها ... فكانت لي قيدًا دون أغلالٍ تُكبلني "



.

.

.



تتجانس الأصوات، لتُصدرَ محلولًا قلويًا من مجموعةِ أحماض صوتية! تُزعج السامع كأنما كانت أمواجًا فوق صوتية. ما بين بُكاءٍ وعويل، وحولقاتٍ تتبعها دموع. والأرض تتشارك مع الأصوات في تفاعلٍ كيميائي مع الدماء، لتكونَ دماءًا تخَشّن ملمسها إثر حباتِ الحصى والرمال، والجسد المُصدر لكل تلك التفاعلات مُلقًا على الأرض، دونَ حراك، دون حياة.
وطفلٌ هناك يقف، قُرب الجثة الهامدة، تُقربه من صاحب الجسد الملقى قوى روحية، هو " طفلٍ ووالده " !!

ماذا يجري؟ ما هذهِ الدماء؟ ما بهِ أبي لا يفيق؟ لمَ العويل والبكاء؟ ... تتردد مجموعة أسئلةٍ لا يجد عقله البريء لها حلًا، فما الذي يجري يا رباه!
يجتذبه جسدٌ آخر، ليزرعه في أحضانه، يُغطي عينيه عن هذا المنظر،كيف نسيه؟ كيف لم ينتبه لوجوده؟ كيف لم يمنع ناظريه من التحديق بكلّ تلك اللترات منالدماء؟

حاول الطفل الإبتعاد، وهو يهتف بتساؤل مرتبك : عمي ... وش يصير؟ ليه أبوي ما يقوم؟

يردد على مسامعه بصوتٍ مُجهد بأن كل شيءٍ سيكون بخير، والده بخير، وهو بخير، والجميع بخير.
أعاد سؤاله وعقله لا يريد تصديق كلماته المهوّنة، فهو قد توارث عن والده النباهة والذكاء، يعلم جيدًا أنّ ما يحدث أمامه يُحتم عليه الحرمان من والده للأبد : ليه أبوي ما يقوم؟

زمّ عمه شفتيه ثم نادى بصوتٍ عالي : عنــــــــــــاد

أقبل إليه المراهق ذو الست عشر من العمر ووجهه متجهمٌ تتصاعد أنفاسهُ من صدمةٍ لم تزل إلى الآن

أردف بصوتٍ مُختنق : خُذ أخوك ... طلعه من هنا

الطفل برفض : أبي أبوي يصحى بالأول


اجتذبه عناد ليغرس رأسه في صدره الصغير، هو أيضًا يدرك حجم المعاناة التي ستلحق بهذا الطفل في الأيام القادمة، يرى دماءَ والده تضُج بعنفٍ منحُفرٍ زرعت برصاصاتٍ على أنحاء جسده، مشهدٌ دموي يُجسد العنف واللا إنسانية، فكيف سيتحمل هذا المشهد عقلُ طفلٍ لم يتجاوز العاشرة بعد؟

عناد بشدةٍ عُرف بها رغم صغر سنه : تعال معاي

هو برفضٍ وملامح مشدودةٍ مُتشنجة : ما أبي

حملهُ بذراعيه وهو يقاوم ويركل بقدمه على أنحاءٍ مُتفرقة من جسد عناد، ليس بعد كل ذاك العُنف سيذهب، ليس بعد كل ذاك العويل سيرحل، يجب أن يعرف ما الذي يجري تحديدًا، هل سيخسر والده للأبد؟ سيخسر آخر من بقي له من رائحة الوالدين؟ سيخسر آخر من سيطبق عليه برّه؟
سقطت دموعه دون انتظار، وهو يهمس بصوتٍ مختنق يرجو من عناد تركه، لكن عناد تجاهل وهو يُخرجه من هذا الموقع الذي شهد إغتيال والده.
علت أصوات سيارات الشُرطة، وأنوارها تُعلن وجودها خارج المنزل، منزل الأديب المُغتال " فهد النامي ".


روابط الفصول

المقدمة .. اعلاه
الفصلان 1 و 2 .. في نفس الصفحة
الفصول 3 ، 4 ، 5
الفصل 6
الفصل 7
الفصل 8
الفصلان 9 ، 10
الفصل 11
الفصل 12
الفصل 13
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر ج1
الفصل السادس عشر ج2
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصلان العشرون (ج2) و الحادي والعشرون


الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون ج1
الفصل التاسع والعشرون ج2
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع و الثلاثون
الفصل الخامس و الثلاثون
الفصل السادس و الثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الاربعون
الفصل الواحد والاربعون
الفصل الثاني والاربعون
الفصل الثالث و الاربعون
الفصل الرابع و الاربعون
الفصل الخامس والاربعون
الفصل السادس و الاربعون
الفصل السابع و الاربعون
















الفصل السادس و الستون ج2

الفصل السابع و الستون ج1

الفصل السابع و الستون ج2

الفصل الثامن و الستون ج1

الفصل الثامن و الستون ج2

الفصل الثامن و الستون ج3

الفصل التاسع و الستون ج1

الفصل التاسع و الستون ج2

الفصل السبعون ج1

الفصل السبعون ج2

الفصل السبعون ج3

الفصل الواحد و السبعون

الفصل الثاني و السبعون ج1

الفصل الثاني و السبعون ج2

الفصل الثاني و السبعون ج3

الفصل الثالث و السبعون ج1

الفصل الثالث و السبعون ج2

الفصل الثالث و السبعون ج3

الفصل الرابع و السبعون ج1

الفصل الرابع و السبعون ج2

الفصل الرابع و السبعون ج3

الفصل الخامس و السبعون ج1

الفصل الخامس و السبعون ج2

الفصل الخامس و السبعون ج3

الفصل السادس والسبعون ج1

الفصل السادس والسبعون ج2

الفصل السادس والسبعون ج3

الفصل السابع والسبعون ج1

الفصل السابع والسبعون ج2

الفصل السابع والسبعون ج3

الفصل الثامن والسبعون ج1

الفصل الثامن و السبعون ج2

الفصل الثامن والسبعون ج3

الفصل التاسع والسبعون ج1


الفصل الثاني والثمانون ج1 و ج2

الفصل الثاني والثمانون ج3

الفصل الثالث والثمانون ج1

الفصل الثالث والثمانون ج2

الفصل الثالث والثمانون ج3
الفصل الرابع والثمانون ج1



زوايا أمل likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة rontii ; 28-11-16 الساعة 02:54 PM
كَيــدْ ! غير متواجد حالياً  
قديم 10-06-14, 01:39 PM   #2

ابتسام~

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية ابتسام~

? العضوٌ??? » 305423
?  التسِجيلٌ » Oct 2013
? مشَارَ?اتْي » 157
?  مُ?إني » في بقعة مزهرة ..
? الًجنِس »
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » ابتسام~ has a reputation beyond reputeابتسام~ has a reputation beyond reputeابتسام~ has a reputation beyond reputeابتسام~ has a reputation beyond reputeابتسام~ has a reputation beyond reputeابتسام~ has a reputation beyond reputeابتسام~ has a reputation beyond reputeابتسام~ has a reputation beyond reputeابتسام~ has a reputation beyond reputeابتسام~ has a reputation beyond reputeابتسام~ has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
¬» قناتك carton
?? ??? ~
سبّح يا قلب بحروف يحبها الرحمن ...سبّح فـالـرّوح تشـتاق إلى اطمئــنان ...سبّح بـذكــر الغفّــار التــوّاب المـنّان ...سبّح فـذنوبك قد طغت وأعمت منك العيـنان ...سبّح فـتقصيرك يزداد ويا ليتك تسارع قبل فوات الآوان ...(سبحــان الله وبحمده
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

¤





أهلا و مرحبا كيد مبارك لك افتتاح روايتك

مقدمتك أكثر من رائعة، فالمشهد قد أثر بي بشدة رغم قصره.

يالجمال ورشاقة حرفك، ويالسلاسة تعبيره الذي رسم المشاعر والوجوه صورة قوية حاضرة أمام عيني...


صغير فهد النامي ، عمه ، و اخوه عناد

أتشوق لمعرفتهم و الإحساس بهم عن قرب


أتمنى أن تقبليني متابعة لك في ضمن المقاعد الأولية ... كما أتمنى نزول الفصل الأول قريبا جدا


بالتوفيق لك... و ألف شكر





ابتسام~ غير متواجد حالياً  
قديم 10-06-14, 01:42 PM   #3

كَيــدْ !

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية كَيــدْ !

? العضوٌ??? » 320291
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 563
? الًجنِس »
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » كَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ياصغيّر مايكبّرني لقب ومايصغّرني إذا أنكرني صغير ماخذينا الصيت من جمع الذهب ولانَسابة شيخ أو قُربة وزير !
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




(1)





الرياض - العاشرة صباحًا

على تلك الأريكةِ الحمراء، والتي زُرعت في هذه الغرفة على يدي والده وبذوقه قبل أعوامٍ وأعوام. كان يتمدد بجسده الضخم وكتابٌ ذو غلافٍ أخضر استقر بين يديه، وفي وسطه كُتب بخطٍ عريض ( حياةٌ وممات ) .. كان يقرأه دون تركيز، لم يعد يستطيع التركيز في أيّ شيءٍ منذ تلك الصدمة التي حلت عليه قبل أسبوع.
وهذا الكتاب، ألم يكن من المُفترض عليه انهاءه قبل أسبوع، تمامًا في نفس التاريخ الذي توفي فيه كاتبه!
زفر بقوةٍ وهو يقلب آخر ورقة، ليقرأ بها كلماتٍ كتبها والده كختامٍ لهذا الكتاب
( حينَ تكونُ محاصرًا في غرفةٍ قديمة، حولكَ الجدران وفوقك السقف .... تذكر أنّ في الأسفل – أرضًا – ولا تيأس )
ثمّ في الزّاويةِ اليُسرى نقش بخطٍ رفيع وأنيق، يعكس شخصيةً واثقةً ثابتة، توقيع فهد النامي. ثم أسفله كتب تاريخ انتهاء هذا الكتاب / 29 - ديسمبر 1999
وللأسف .. مات بعد أن أنهى كتابه هذا بيومين، ليخلف وراءهُ مجموعة أوراقٍ سكنت بين غلافين عن أعين الناس وفكرهم، ليكون هو المحرر لها في كل عام، يبدأ في قراءته بداية اليوم الذي دون فيه اسم والده مع الأموات، وينتهي منه قبل نهاية اليوم، وكأن الكتاب لم يُكن متجاوزًا للمئتي صفحة! .. لكنه هذه المرة، قرأ الكتاب بعد مضي أسبوعٍ كاملٍ على الذكرى، وما منع ذلك هو ألمه الجديد الذي دوِّنَ مواربًا للألم القديم والذي لم يندمل بعد, فكيف يتحمل الثاني وهو يهوي في الأول؟ كيف له الآن أن يكور الذكرى ويعصرها وقد تضاعف الألم ليصبح ألمان؟ كيف يسحقها للحظاتٍ قبل أن تتكون من جديد؟ يسحقها سحقًا مؤقتًا وكأنه يشرب مضادًا لحين غرةٍ، كيف له كلّ ذلك وقد تضاعف الألم لإثنين؟ الأول كان لفراق والده ... والثاني .... آهٍ كيف طرأ على باله الآن؟ قلبه يتفتت لشظايا من ملحٍ ذُوّب في لترات من مستنقعٍ قذر! لا مجال الآن للألم، فكيف يسمح لنفسه بالتألم على من زرع الألم الأول قبل أن يكون السبب في الثاني! كيف يجرؤ من الأساس على التفكر فيهِ بعد كل ذاك! ليذهب للجحيم ... ليذهب.
وقف بعد أن وضع الكتاب على الأريكة، ليتأمل الغرفة التي كانت تأخذ طابع العصورِ الوسطى. كل شيء، كل جزء، كان بذوقه هو، ولازال كما أردا. خزانةُ الكُتب الخشبية تأخذ ثلاث حيطانٍ والأخير كان يقبع الباب الخشبي الكبير في وسطه، بينما حوله وزّعت صورٌ على الحائطِ الحجري كانت تحمله صورته مع والده، وفي كلّ صورة، كان يوجد هو! من زرع الألمين وأكمل حياته ضاحكًا مُستبشرًا عدم الإطاحةِ به، من زرع الألمين وتظاهر بالوجع في الأول، بينما تحلى بالسخريةِ والجمودِ في الثاني، من مزق قلبه قطعًا وأودى بعينيه مُحترقةً لمقاومة الدموع التي ترفعت عن السقوط لأجله، فليس هو، ليس هو من يستحق البُكاء لأجله، ليس هو!!!
خمسةَ عشر عامًا مضى، كان فيها أحمقًا، يعانق القاتل، يضحك له، يشكي له، يُحدثه عن شوقه الكبير لضحيته، وهو بكلّ خداعِ الثّعالب يواسيه وبكلّ خسةٍ يمطر عليه كلماتٍ للدعاء للمتوفى بالرّحمةِ والجنان.
أغمض عينيه وهو يتجه للباب الضخم، الذي يُغلق بعد دخوله، ويغلق بعد خروجه، ولا يدخله أحدٌ سواه، بعد أن كان القاتل يدخله معه، أصبح منفيًا من الدخول بل من المكوث في المنزل الخاص بوالده والذي ورثه عنه.
حركّ المفتاح الذي كان في الباب ليفتح القفل، ويصدح صوت احتكاكِ المفتاح الحديديّ بقفل الباب الصدئ، ثم دفع الباب ليخرج ويقفله خلفه. بملامحَ ماتت مرتين، ولازالت تُغتال.


*_-*_-*_-*_-*


الظلام يلفها، والوحدةٍ تخنقها دون أدنى رحمة، عيناها جاحظتان تنظر إلى الجسدِ المُبتعد كثيرًا، وفي غمضاتٍ كان ابتعاده يتضاعف.
صرخت بأعلى صوتٍ لها وهي ترى جسدها يبتعد أكثر وأكثر، تركض خلفها لكنها لا تلحق بها : يُمـــــــــه !
تركضُ في فراغ، في ظلام، المكان حولها فارغ، فقط محشوٌ بالظلام. ارتفعَ صوتها أكثرَ وأكثر، على أملِ أن تسمعها وتتوقف : يُمه وقفي تكفين ... يُمــــه
لكنها لم تتوقف، ولم تبطئ في هرولتها حتى! . . ثانيتان فقط، لتشعر هي بقبضةٍ انتشلت سكونَ شعر جسدها، ليقشعرّ جسدها وهي تشعر بأنها تغرق في هذه القبضة. تصرخ لكن بلا صوت! تتحركُ محاولة لتحرير جسدها ولا فائدة، بدأت بالأنين وهي تحاول مناداة أمها، لكنها اختفت من أمام عينيها! واختفت من حولها!
شهقت يقوةٍ كأنما انتُزعت روحها بقوة، وهي تستوي جالسةً على سريرها السكري، كالممسوسةِ التفتت هنا وهناك تبحث عن شيءٍ مجهول، وكل ما تشعر به هو ألمٌ حاد يسار صدرها وبرودةٌ في قدميها الممدودتان على السرير، ابتلعت ريقها وهي تشعر أنها وإلى الآن لازالت في ذاك العالم المظلم.
وأخيرًا استوعبت وهي تقبض على قلبها الذي يؤلمها، وبجنونٍ خرجت من غرفتها، غيرَ مُباليةٍ بالوقتِ أو مظهرها المُبعثر، لتجدَ والدها جالسًا على إحدى أرآئك الصالة العلوية التي يطغى عليها اللون الأبيض، يسند رأسه على كفيه بهمْ. لتقف أمامه منهارةً باكية : يُبه
أخافه مظهرُ ابنته، ما الذي أيقظها الآن وهذا ليس بوقت إفاقتها التي تطول لثقل نومها. خشيَ أنّ ضررًا أصابها، كاد يتكلم إلا أنها سبقتهُ ودمعاتها تشوه وجهها البريء، تحفرُ خدها بقسوة!
جيهان وهي تجلس على ركبتيها أمامه وعلى الأرض، تحفر ملامحها بين ركبتيه مُتوسلة وهو جالسٌ أمامها على الأريكة : تكفى يبه، تكفى طلبتك لا تردني، أبي أشوفها شوي، أبي أتطمن عليها، خايفة! خايفة وقلبي قابضني، تكفي يا نظر عيني لا تردني، أبي أشوف أمي
أغمض عينيهِ مُتنهدًا، والحديث عن زوجتهِ يُربكه، يُشعره بالضعف / العجز. أمسكَ كتفي ابنته ليوقفها، لكنها حفرت ملامحها أكثرَ بين رُكبتيه وهي تقبله : تكفى يبه طلبتك، تكفى
رطّب شفتيه بلسانه، ومنظرها هكذا لا يعجبه، يشطر قلبه، لا يُحب أن تتوسلَ لهُ احدى بناته، هو توجهنّ أميراتٍ لا أقل، فكيف يرضى أن تتوسلَ له إحداهنّ.
مسحَ على شعرها الحريري، وهو يهمس بابتسامةٍ أبويةٍ رقيقة : ما أرد أميرتي لو على موتي
وقفت بسرعةٍ كالملسوعةِ وهي تنظر له بامتنان، ثم قبلت رأسه بفرح : مشكور يبه مشكور
أخذت المفتاح من يدهِ التي مدّها لها، وقبل أن ينطق بالعفو، ركضت باتجاهِ غُرفةُ أمها التي أكملت الإسبوعَ وهي محرومةٌ من بناتها ... لمَ؟ لا أحدَ يعلم، علاقةُ والدِ جيهان يوسف بزوجته كانت نعم العلاقة، كانت مثالًا على الحُبّ والتفاهم، ولكن وقبل شهرٍ بالتحديد إنقلب الوضعُ رأسًا على عقب، أُفسدت العلاقة بعد مشاداةٍ عنيفة لا يعلم سببها إلا هُما، ومن ثم بدأ الكره، والتفكك!. تأزمت العلاقة إلى أن قام يوسف بفعلٍ جنوني، وهو حبسُ زوجته في غرفةٍ مُستقلة، وعزلها عن بناتها بل حرمانها من صوتهنّ حتى، وبما أنها قد حُرمت منهنّ، فهنّ أيضًا قد حُرمن منها!
بابتسامةٍ بهيةٍ وقفت أمام الباب وهي تضع المفتاح لتفتح القفل وتدخل، وتصطدمَ عينيها بظلام الغرفة. ارتعش جسدها من البرودة القاسية، وهي تدُور برأسها باحثةً عن طيفِ أمها، لكنها لم تجده!
جيهان بلهفةٍ يتخلخلها الإستغراب وهي تقترب من السرير : يمه .. وينك؟
اصطدم قدمها بجسدٍ مُلقى على الأرض بجانب السرير، وبسبب الظلام كانتْ رؤيتها مشوشة. بتعجبٍ أخفضت جسدها مُقطبة الحاجبين وأناملها تتلمسُ الجسد الملقى، وما أثار صدمتها هو السائل الدافئ الذي بلل يدها. وبرعبٍ ركضت نحو الجدار لتفتحَ إضاءة الغرفة، وتُصدم بما بلل يدها، بالسائل الأحمر، بالدمــاء!
نظرت إلى الجسد، إلى أمها، وجرحٌ قد شوه معصمها، لتصرخَ بجنونٌ وهي لا تستوعبُ ماتراه أمامها، لا تستوعب ماتشهده عيناها، لا تستوعب ما أثارَ قلبها رُعبًا / فقدًا / حُزنًا، وأقواها صدمة.
تهاوت على ركبتيها وصراخها ارتفع، عيناها اتسعتا بذعر، ليكمل مسيرةَ الصدمة جسدها الذي انتفض كقطةٍ مُبللة.
: يُمـــــــــــــه !!!


*_-*_-*_-*_-*


الساعةُ الثالثة عصرًا

الأجواء هُنا مرتبكة، تعكس غضب الإثنين الجالسين، الأصغر يهزّ قدمه بقوة، والآخر ذو الواحد والثلاثون من العمر يشد على ركبتيه بأناملهِ القاسية : سلطــــان
أطلقها بحدةٍ ليرفع الآخر رأسه بملامحَ حادة، وهذا الجدال العقيم هو ذاته الذي يتكرر كل يومٍ في هذا الأسبوع : خير!
هزّ رأسه بأسى فأردف سلطان بخشونةٍ وغضب : لا تقتنع وخلك وراه، صدقه بكل شيء وكذبني .. ما يهمني، ولا تهمني
رفع حاجبه بحدة : متأكد؟
تنهد سلطان بحنقٍ وغلّ : ليه منت راضي تقتنع؟
الآخر بجدية : حبكت القصة في راسك من مكالمة ورميت بعلاقتك مع عمك على هالأساس؟ * ثم أردف بتحذيرٍ مذكرًا له * سلطان .. تراه عمك
توقف سلطان بغضب، ويده ترتعش إثر انفعاله : اي صح عليك .. عمي، اللي لازم أرفعه على راسي وأقوله : كفو والله ياللي قتلت أبوي
صرخ الآخر بغضبٍ من سخريته : سلطاااان ... عدل طريقة كلامك معي ... ماني أصغر عيالك
حرك سلطان يده في الهواء بغير مبالاة : بتكون في جهته ... بكون في الجهة المعاكسة .. ولا بيهمني من تكون، أخوي الكبير، والا غريب من الشارع .... وهذا آخر كلمة عندي يا عناد
تحرك سلطان مبتعدًا من المجلس، فزفر عناد الهواء الملوث من رئتيه يرتجي غيره، من سيُصدق أنّ عم سلطان كان ليكون القاتل؟ ... نفض رأسه نافيًا، هناك خطأ، بالتأكيد هناك خطأ.
انتظره للحظات، لكنّ الوقت طال، فأدرك أنه عزل نفسه في تلك الغرفة مُجددًا، ككل مرةٍ يشعر فيها بالضياع ولا يعترف. لا أحد يعرفه جيدًا سواه، في كل حركاته وكل انفعالاته، حتى عمه الذي كان يدرس جميع تفاصيله لم يُدركه جيدًا. آه يا سلطان، لم تحيرني يومًا كما حيرتني اليوم!
وقف، واتجه لتلك الغرفة، ليقف أمام بابها الخشبي، وبصوتٍ عالٍ آمر : سلطان .. أنا راجع للبيت، فكر بالسالفة زين ... لا تتسرع وتنسى إنه أبوك الثاني
لم يرد عليه سلطان وتجاهله، لكن في داخله اشتعلت نيرانٌ لكلمةٍ قالها عناد " أبوك " .. فهمس لنفسه باشمئزاز : يخسى
انتظر عناد ردًا ولم يصله، فهدر : عالعموم أنا بعد بتأكد من هالسالفة وبشوف صحتها من عدمها .... لا تتسرع
قال جملته تلك وصمت، ليستدير خارجًا من البيت دون كلمةٍ أخرى، وهو لا ينوي الإتجاه لمنزله حقًا، بل يسعى للذهاب لسلمان، في منزله.


*_-*_-*_-*_-*


قبلَ ذلك بساعات

صرخت مُناديةً لها تهذي بها، لا تريد أن تخسر عبقها، لا تريد أن تصبحَ في هذا السنّ محرومةً من أمها. أمسك والدها بها وهو يضعها على السرير الأبيض ويصرخ بالممرضةِ لتأتي
حينها كانت لا تهذي إلا بجملةٍ واحدة : إذا .. صار لها شيء, إذا فقدتها .. بتفقد بنتك، بتفقد بنتك. والله والله والله ، وهذاني حلفت بالثلاث، منت أبوي إلا بالإسم، منت أبوي إلا بالإسم، منت أبوي إلا بالإسم " وبصراخٍ إرتفع أكثر " منت أبوي إلا بالإسم، نذرًا على ما أشوفك قدامي إلا أب بالإســــم
آلمته كلماتها، لكنه لم يُلقِ لها بالًا فما يهمه الآن سلماتها، بدأ جسدها بالسكون بعد أن غرست الممرضة إبرةً مُهدئةً في يدها. استكنت وهي تغلق عينيها وخدها مُبللٌ بالدمع، أغلقتها وهي تهمس بـ " يمة " وعيني والدها لم تفارق ملامحها.
مسحَ على شعرها بعد أن نامت، كل ما يحصل الآن بسببها، بسبب أمها، كل هذه التعقيدات ومايصيب ابنته وما سيحصل مستقبلًا هو بسببها. كان يمكنه أن يغفرَ لها لو أنها فعلت أمرًا آخر، لكنّ الخيانة قاتلة، مؤلمة، لا مكان للحب في حضرتها، مسح على وجهه بهم، وهو يتمتم : ليه سويتي كذا يا منى؟ ليه؟
إلتفت بعد أن قبل جبين ابنته ليجد فتاته الأخرى والتي تصغر جيهان بعامين، ذات العشرين ربيعًا تقف وعيناها المُبللة بالدموع تنظر إليه بشجون، مايتعجب منه هو سكون هذه الفتاة بين كل المصائب التي حصلت، ما يتعجب منه هو عدم معارضتها له أثناء حبسهِ لأمها، يعلم بأنها الأشد حكمةً بين فتياته، لكنه بدأ يشك أنها تعلم كل شيء، تعلم خيانةَ أمها له لذا لم تتدخل كجيهان ولم تفعل شيئًا، بل كانت تقف ساكنةً أمام كل مايحصل، عيناها ترسل شرر عتابٍ لأمها، وشفقةً بوالدها
همس بهدوءٍ وحنان وهو يتألم من دموع ابنتيه : تعالي حبيبتي، تعالي أرجوان
تقدمت منه وملامحها تنبؤ بالإنهيار، وبثانيةٍ صرخت باكية وهي تستوطن أحضانه المُقدسة، بانهيارٍ صرخت عاتبه : ليه؟ ليه سوت كذا ليه؟ هي لو تحبنا ماسوت اللي سوته
تأكد الآن بأنها تعلم كل شيء، أكملت باكية : كنت أدري بكل شيء، قبل لا تكشفها، أدري بس ماتكلمت، ما كنت أبي تصير بينكم مشاكل، سكت وليتني ماسكت، ليتني تكلمت معها، كان ممكن تسمع لي، ليتني ما سكت! ليتني ما سكت.
تنهد وهو يحتضنها ودمعةٌ قد تسللت إلى خده ألمًا رُغمًا عنه، من الصعب ما يواجهه، من الصعب عليه أن يتحمل كل هذا، الآن ابنته تعلم، وسقطت زوجته الغالية والخائنة من عينيها، لا يتحمل أن تشعر ابنته بالعار مثله، لا يحتمل أن تشعر ابنته بالكره لأمها، لا يحتمل أن تعيش ابنته وهذه الذكرى تعشعش ذاكرتها. هو كان بإمكانه تطليقها، لكنه لم يفعل لأنه فكر في أميراتهِ أولًا، لم يُرد أن يتشتتن. كان سيعيش معها مكرهًا، لكنه وبعد أن كشفها كانت تتمادى في الحديث معه، تذكره بخيانتها في كل مرة، وفي آخر مرةٍ سمعها تتكلم في الهاتف مع أحد كلابها - كما يطلق عليهم هو - ، فثار وقتها وحبسها. بالرغم من صمته عنها لم تتب، بالرغم من فضله بأنه لم يفضحها أمام أهلها ولن يفضحها، لم تجز عما تفعله. لا يعلم ما الذي حصل لتتغير، كانت تحبه، وهو يعشقها! فما الذي تغير؟ ما الذي تغير؟
همس بنهرٍ وهو يمسح على خصلات شعرها السوداء : لا .. لا تقولي كذا، أمكم تحبكم حتى لو غلطت، أمكم تحبكم بس الشيطان كان أقوى، حتى لو تكلمتي ما كنتِ بتستفيدي شيء، النفس أمارة بالسوء يابنتي، والشيطان شاطر
يدافع عنها بعد كل ماحصل! يدافع عنها أمام ابنتها، يخشى أن تكرهها! لكنها أمها، ومهما فعلت ستبقى أمها، مهما فعلت فلن تحقد عليها أو تكرهها. لكن لمَ فعلت كل ذلك؟ لمَ شوهت صورتها أمامها وأمام والدها؟
عضت شفتيها بألمٍ وهي تتمتم بوجع : جيهان تحبها كثير يبه، وتحبك إنت بعد، كل اللي قالته ماكان من قلبها صدقني، هي للحين ماتجاوزت الصدمة، وفكرت أن أمي تفارقنا تجننها ... لا تهتم لحلفها ونذرها، نذرها محرم ومستحيل توفي فيه
يوسف بهم : لا حول ولا قوة إلا بالله، لا تفكرين في شيء حبيبتي، وروحي شوفي ليان لا تتركيها بحالها. وأنا بروح للدكتور أسأله عن حالة أمك
هزت رأسها بالإيجاب ليخرج في نفس الوقت الذي خرج منه الطبيب من الغرفة المقابلة لغرفة جيهان، ليسأله بلهفةٍ على مسامع أرجوان : كيف حالها يادكتور؟ بشرني
نظر إليه الطبيب بوجهٍ لا يُفسر لثوانٍ قصيرة، ومن ثم حرك رأسه نافيًا! بمعنى أنه لا فائدةَ من شيء، لا أمل، لا حياة، لا وجود لها الآن، ماتت!
لحظاتٌ ويوسف جامدٌ مكانه، جسده تصلب وحواسه أُنتشلت، والطبيبُ مسترسلٌ في الكلام : فقدت دم كثير، ولا قدرنا نرجع نبضها، الله أخذ أمانته، إدعو لها بالرحمة
أردف بعد ثوانٍ حين رأى صمت يوسف : الشرطة جاية للتحقيق، هذا انتحار .....
قاطعهُ صوتُ سقطةٍ خلف يوسف، ليتيقظ يوسف كالملسوعِ مُستديرًا، ويرى أمامه جسد ابنته ملقًا على الأرض، غيرُ مدركةً لماحولها، فاقدةً للوعي!
يوسف برُعب : أرجوااااان


*_-*_-*_-*_-*


في منزلٍ آخر وفي الحاديةَ عشرَ والنصف صباحًا - سابقًا

جلست بجانبِ ابنتها وهي تمسح على شعرها بحنان، حالها لا يعجبها منذ أسابيع، سابقًا كانت لاتزورها بكثرة هكذا، بالطبعِ هي لا تقطعها، لكنها كانت تزورها يومينِ في الإسبُوع، والآن أصبحت تزورها كلّ يومين! وغالبًا ما تنام عندها
همست بحنان : ديما حبيبتي
ديمَا وقد علمت بما ستقُوله أمهَا : تكفِين يُمه لا تفتحِين معي نَفس الموضوع .. قلت لك مافيني شيء!
أمها بمُحاولةٍ لاستدراجها : عن أيْ موضوع تتكلمِين؟ أنا حتى ماقلت وش أبي
لم ترد لتهمس أمها بضيق : لا تضايقيني عليك
أدارت جسدها باتجاهِ أمها لتُمسك بكفّها اليُمنى وتُقبلها : الله لا يوفقني إذا حاولت أضايقك .. أنا نيتي العكس .. وماودي أضايقك بمشاكلي
أمها : قولي اللي عندك إذا ماتبين الضيقة تزورني، وش اللي صاير بينك وبين زُوجك؟
صمتت لثوانٍ طويلة ووالدتها تتنتظر حركةً من شفتيها، لتهتف بعد مدّة : أسيل وافقت؟
أم فواز أغمضت عينيها وهي تُحرك رأسها يمينًا وشمالًا، لكنها لم تُحاول الضغط عليها، ستتركها للوقت الذي تتكلم فيه بنفسها. ردّت عليها بهدوءٍ يتخلخله الضيق على ابنتها الأخرى : ما أدري عنها يمه، أحس في نظرتها رفض كبير، ماتبي تتزوج من بعده، وكل مافتحت معها السالفة قالت بعد متعب مافي ثاني، خصوصًا إنه أخوه. هالبنت ما عرفت لها شيء، أوقات أحسها بتوافق وأوقات العكس .. الله يصلحها بس
ديما بتنهيدة : لا حول ولا قوة إلا بالله، أنا بتكلم معها
أم فواز : ايه الله يرضى عليك تكلمي معها، وعسى ربي يلين قلبها على يدينك
وقفت : أجل أستأذن
حين همّت بالذهاب رنّ هاتف المنزل لتحول وجهتها إليه بدلًا من الدرج، رفعته ليصلها صوت رجلٍ اتضحَ منه الإختناق والوجع : السلام عليكم
ديما بابتسامةٍ وقد عرفت الصوت : هلا عمي يوسف وعليكم السلام .. شلونك؟
لم يرد عليها بالجواب الذي كانت تتوقعه، بل بجوابٍ آخر، بعيدًا جدًا، ليمسح ابتسامتها الناعمة بجوابهِ ذاك.


*_-*_-*_-*_-*


مُمددةً على سجادةِ الصّلاةِ بعد أن أنهت صلاة الضحى وللمرة العاشرةِ رُبما صلاةَ الإستخارة. تغمض عينيها ونغمُ صوتهِ يتردد في مسامعها، وللآنَ هي مُترددة، محتارة.
لا تريدُ أن تظلم أخَ عشيقها الذي تقدمَ إليها، ومن جهةٍ أخرى لا تريد خيانة الرّاحل. بدأت الأفكار السوداوية تداهم عقلها، لتستغفر ربها مُسرعةً بعد أن ترددت تلك الجملة في عقلها
" ليه مات؟ ليه أنا اللي يصير فيني كذا؟ " .. تمتمت بالإستغفار وهي تمسحُ دمعةً تسللت إلى خدها، لتقفَ مُلملمةً لسُجادتِها نازعةً لجلال الصلاة. استعاذت من الشيطان الذي كان يبث تساؤلاتٍ متجاوزةٍ في عقلها
لمَ ولمَ ولمَ ؟!
لا تريد أن تتكرر أدآة الإستفهامِ هذه في رأسها، هي مُؤمنةٌ بما كتبه الله لها، وتعلم بأن نصيبها أن تصبح - أرملة - حتى قبل أن تسكنَ بيته. ولأنها مؤمنةٌ بالله، مؤمنةٌ بالقدر، ستفكر مليًا قبل الرفض أو الموافقة، ستفكر فهذه حياةٌ فانية، ولن تظلمَ نفسها بها.
تنهدت قليلًا، لتندفع دموعها بعجز، للمرة اللا معدودة تسقط اليوم .. للمرة اللا محسوبة تسقط خلال هذه السنة والتسعة أشهر، وللمرة اللامعقولة تبكي دمًا داخلها.
كم هو قاسٍ هذا الفقد، كم هو قاسٍ أن تتعلقَ بشخصٍ في فترة قليلة، وتفقده في فترةٍ أقلّ وأسرع. زمت شفتيها وهي تمسح دمعاتها بعنف، لكن ما الفائدة؟ ... هاهي تسقطُ من جديد!
وقبلَ أن تمتدّ يدها لتمسح دمعةً قاسيةً تدحرجت على خدها، انتفض الباب بطرقةٍ قوية وصوتٍ أقوى ينادي بإسمها
: أسيل .. إفتحي الباب بسرعة ... عمتي منى توفت !


*_-*_-*_-*_-*


عندما أرى عينيه الحادة
يهتزّ الدمُ داخلي وترتفعُ درجة حرارته فوقَ درجةِ غليانِ الماء
لكنّ العجب، أنه لا يتبخر !
رُبما لأنه الأحمرُ وليسَ الشفاف !

كانت ستتهور وتكتبُ اسمه، لكنها تداركت عقلها وألغت ماكانت ستكتبه، وهو هوية عشيقها وحُبها العذري
تنهدت وهي تسجلُ خروجها من " الفيس بوك " متجاهلةً بعض التعليقات المُفصحةِ عن إعجاب أصحابها الشديد بكتاباتها، وكما يلقبونها هناك، هي ملكة الأبجدية والتلاعبُ بالكلمات
ابتسمت وهي تتذكره ليظهر وشمها مليًا بجانب الزاوية اليمنى لشفتيها، حُبها لهُ صعب، وصعبٌ للغاية. تعلمُ أنه لن يقبلها، ليس استصغارًا لها، لكنها في نظرهِ ليست إلا أُختًا. ومن جهةٍ أخرى، رُبما الرّفض القاطع لحُبها له سيكون من عائلتهِ هو.
بللت شفتيها وهي تقف لتنظرُ لملامحها في المرآة، وهاهي تبدأ طقسها الدائم في الوقوف أمام المرآة محدثةً انعكاسها، وملامحها القمحية تشع جمالًا ونعومة. مررت لسانها على شفتيها الصغيرتين والممتلئتين لتتجاوزهما وذلك بملامسة طرف لسانها للوشم الذي كان بحانب شفتيها مُباشرة، ذلك الوشم الذي زُرع عمدًا كعلامةِ قفلٍ على شفتيها، بالأحرى علامة تحريمٍ مقصودة!
همست وهي تميل برأسها الصغير بشكلٍ لم يُلحظ حتى شعرها الذي يصل إلى نصف عنقها الطويل تساقط مع جهة ميلانها : قالت عني حلوة * مسحت على شعرها الناعم لتكمل بخفوتٍ أكبر وقد ازداد ميلان رأسها بتفكير * لكن في النهاية .. جمالي أنقصه الكثير والكثير ... بس ، ممم .. معقولة كانت تقصد كل كلمة قالتها ... أنا حلوة؟
كانت تقصد فتاةً في جامعتها، إذا أنها مشت بجانبها مرةً لتبتسم لها بوداعةٍ وتثني على جمالها لتزيد ثقتها، وقد كانت تقصد كل كلمةٍ قالتها
ضمت شفتيها قليلًا للحظات وعينيها تتأملان انعكاسها بثقةٍ مزيفة، لكن مالبث أن تلاشت ثقتها المزعومة ليحل محلها الإحباط المشوب ببصيص أملٍ ضعيف : طيب كيف يشوفني هو؟ أخت .. والا حبيبة؟ ... نظرت العالم كلها لي تفنى قدام نظرته هو.
عضت شفتها بقوةٍ آلمتها لتمسح أفكار المُراهقة تلك : تعقلي يا إلين تعقلي ... لا تفكري بهالطريقة الساذجة واللي ما تدل على شيء سوى صغر عقلك
سحبت الأكسجين لرئتها بعمق، لتأخذ المنديل وتمسحَ بقايا الكُحل من عينيها، وتتبعه بمسح " قلوسها " الوردي، لأنه وبكل بساطة بالتأكيد سيكون بالأسفلِ مع عائلتِه.
ارتدت عباءتها على ملابسها التي كانت عبارةً عن تنورةٍ طويلة بلونٍ تركوازي وبلوزةٍ بيضاء منزوعةُ الأكمام، ثمّ لفّت حجابها ومن ثمّ خرجت من الغرفة متوجهةً للأسفل، للمكانِ الخاص بجمعةِ العائلة، ألقت السّلام بهدوءٍ ووقار، لتجلسَ بجانب هديل المبتسمةِ لها : يا هلا .. تو الناس كان نمتي أكثر
إلين بابتسامةٍ نقية : كنت فايقة من ساعة ونص، بس نفسيتي زفت عشان كذا ظليت مقابلة الفيس
هديل بصوتٍ رقيق لا يسمعه سواهما : طيب متى تتكرمين علي وتعطيني حسابك؟
إلين بشقاوة : خاص
هديل بتكشيرة : كيفك! ميتة عليه أنا
ضحكة إلين ضحكةً لفتت نظرَ الجميع : من قلة التدقيق يعني؟
أبو ياسر بابتسامة : دوم الضحكة ... ماتبون تشاركونا؟
نظرت إليه إلين بحب وبعض الخجل : سوري عمي كـ ...
أبو ياسر قاطعها بحده : يعني ضروري تنكدين علي من الصبح
إلين بصدمة : شقلت أنا؟
أبو ياسر بجدية : كم مرة قلت لك لا تناديني عمي !
ضحكت بخفوتٍ وراحة لتهمس : سوري يبة
ياسر كعادته يُحب أن يُعاندها : قلتلك من قبل بس ماصدقتني، هي مرة قالت لي إنها ماتعتبرك أبوها ....
قاطعته بشهقتها ومن ثمّ اندفعت مُدافعةً عن نفسها : يا الكذاب أنا متى قلت كِذا؟؟
ضحك ياسر وهو يلعبُ بحاجبيه ليُغيضها : من أسبوعين بالضبط
هو هكذا يُحب استفزازها، يعاملها تمامًا كما يعاملُ أخته هديل، يُحبها كأختهِ لا كيتيمةٍ قد كفلها والده!
أم ياسر بابتسامةِ حُبٍ لها : ماعليك منه يمة ... كذاب من يومه وأنا عارفة، ما كأنه كبر خلاص وصار دكتور بعد
ضحك هو بخفوتٍ بينما ابتسمت إلين بانتصار، ليقطعَ مجرى حديثهم فجأةً صوتُ رنين الهاتف لترفعه أم ياسر التي كانت الأقربَ له : السلامُ عليكم
الطرف الآخر : وعليكم السلام والرحمة
أم ياسر بابتسامة : هلا أختي أم فواز صباح الخير



*_-*_-*_-*_-*



ينظران لبعضهما طويلًا، دون كلمةٍ وكلًا منهما يفكر بماذا سيبدأ، لكن وكما هو معروفٌ على كليهما، انفعالاتهما الداخلية لا تظهر أبدًا على ملامحهما الجامدة. صمتٌ مطبقٌ من الطرفين، هو جاءَ إليه ليتأكد إن كان ما قاله له سلطان صحيحًا، والآخر يدرك جيدًا لمَ جاء.
أخيرًا تكلم الآخر : خير يا عناد ... وش بغيت؟
صمت عناد قليلًا بملامحه الحادة وهو يريح ظهره للوراء، إلى أن هدر بثبات : وش اللي بينك وبين سلطان؟
فارق العُمر بينهما ستةَ عشر سنة، لكنهما في نفس مستوى العقل، والدهاء، وبنفس مستوى البرود والثبات، إلا إن لم يتفاوت حسب الموقف نفسه.
سلمان بهدوء وعينانِ ضيقتان بتساؤل : وش اللي بيني وبينه؟
تنهد عناد ثم تقدم بجسده قليلًا ليريح مرفقيه على ركبتيه فتدلت ذراعيه في الهواء ليثبتهما عن طريق إشباكِ أنامله : أنا عارف إنّ سلطان فاهم الموضوع غلط، أكيد انه فاهمه غلط ... مستحيل تكون انت! عشان كذا جيتك .. ودي أصلح بينكم ... صار لكم اسبوع وكل واحد في طريقه ... ما تبون أعمالكم ترتفع لله
ابتسامةٌ صغيرة ارتسمت على ملامح سلمان، يدرك أين يريد عناد أن يصل، يريد استدراجه ليتحدث هو بنفسه نافيًا التهمة عليه، وهنا سيتصنع الصدمة ويبدأ بالتساؤلات التي قد تربكه لسرعتها. لكن ليس عليه هو، ليس على سلمان يا عناد.
هتف سلمان ببرود وهو يضع احدى ساقيه على الأخرى : والزبدة! أكيد إني ما أبي أي خلاف يكون بيني وبين ولدي ... بس مشكلته ماهو راضي يقتنع بجلسة الصلح اللي عقدتها
عناد بابتسامة : الله يهديك يا عمي ... أي جلسة صلح وانتو طول هالإسبوع محد شاف عيون الثاني
سلمان ببرود : الجوال موجود
تنهد عناد، يبدو أن هذا الحوار لن ينتهي على هذه الحالة. وقف، واقترب من سلمان ليجلس على الأرض أمامه : طيب ممكن أعرف السبب ورى كل هالمشكلة؟
دقق سلمان في ملامح عناد الرجولية بصمت، ثم ابتسم : قلتها ... مُشكلة .. وهي بيني وبينه ... يعني يكون من الأفضل انك ما تدخل بيننا
لم تتحرك خليةٌ في ملامح عناد بل بقيت ثابتة، هاهو سلمان يُظهر بعض التصرفات التي قد تثبت صدق سلطان، انفعال كلماتهِ الآن رغم هدوءه يثبت أن خلفه أمرًا لا يرغب بقوله. لا لا مستحيل، بالتأكيد هناك خطأ.
عناد بابتسامةٍ مُغتصبة : بس في كل مرة تتخالفون فيها أنا أكون الوسيط ... وش اللي اختلف الحين عشان تنفعل؟
شدّ سلمان على كفه وهو يعلم أسلوب عناد في الضغط جيدًا، لكنه حاول التحفظ بهدوءه.
عناد بجمود وهو يمسك بكف سلمان المشدودة : ليه مرتبك وشاد أعصابك؟
أول فكرةٍ زرعها عناد في رأسه : المذنب سيرتبك وإن كان ذو ثباتٍ كسلمان، يستحيل أن لا يرتبك من لم يقم بفعلةٍ ما حتى وإن كان داهيةً وذو ثقةٍ ومكرٍ كبيرين.
أردف عناد بجديةٍ وهو يركز بعيني سلمان الثابتين، لا دلالة على ارتباكه إلا يده التي شدها لجزءٍ من الثانية لكنه لاحظها : انت اللي قتلت أبوي فهد؟؟؟


*_-*_-*_-*_-*


العاشرة مساءًا

دخل للمجلس بعد أن أعلمته الخادمة بحضور أخيه، ليقف عند الباب مستندًا على إطاره مُكتفًا يديه إلى صدره : خيـــــر ... وش باقي بعد من محاضرتك ما كملتها؟
نظر إليه نظرةً حادة يعلم سلطان معناها جيدًا، لكنه تجاهل نظرته ليردف بحدة : والا لا يكون جاي تنام عندي؟ ... ماعندك بيت انت؟
زفر عناد وهو يحرك رأسه يمينًا وشمالًا بأسى : حالتك ميؤس منها
ثم وقف ليتحرك باتجاهه إلى أن أصبح أمامه ثم نقر جبهته : ما تلاحظ إنك صاير بزر ما تنطاق!
تجاهله سلطان وهو يستدير ليذهب، لكن عناد أمسكه ليسحبه باتجاهه : أنا كم مرة معطيك محاضرة في اللباقة ... سلطان وقف تتصرف مثل الأطفال
نفضه سلطان بغضب ليعود للإستدارةِ إليه، ثم بانفعالٍ صرخ في وجهه : وبصير عدو لك بعد إذا كنت معاه، ما ودي أكرر لك اللي قلته العصر ... فبكل بساطة افهم ... أنا بايع كل علاقاتي عشان أبوي وبس
عناد بغضب : ومين قال لك إني معه؟
صمت سلطان قليلًا، ثم هتف وعينيه تستشف الكلام من عيني عناد : صدقتني؟
لم ينطق عناد ببنة شفه، وعينيه ثابتتان في ملامح سلطان الحادة. إلى أن أردف : رحت له والا نبشت في ماضيه
عناد بعد زفرةِ قهر : رحت له
ابتسم سلطان بسخرية : ما نكر؟
عناد : شرايك انت؟
ضحك سلطان وهو يحرك رأسه بأسى : هو اللي قتله يا عناد ... هو اللي قتل أبوي وأبوك، واللي قتلني قبل لا يقتله!
أمسك عناد برأسه ليزرعه في صدره متمتمًا بأسى : الله فوق ... الله فوق


*_-*_-*_-*_-*


ممددةٌ على سريرها ودموعها تنسابُ بحريةٍ تامة، مرت ثلاثةُ أسابيع على العزاء، ثلاثةُ أسابيع لم تنم لها عينٌ براحة، منظرُ والدتها والدمُ يغطيها يتلف الصمت عندها فيجعلها تستسلم للبكاء، تستسلم للحزن، تستسلم للضيق.
أطلقت شهقةً ومن ثم تبعتها شهقات، إلا أن شعرت بيدٍ تمسحُ على شعرها بلُطفٍ بالغ. فارتفعت أنظارها لتراه أمامها، لترى قاتل أمها - من وجهةِ نظرها هي -، لترى من سلب ضحكتها وفرحها!
زمت شفتيها تحاولُ منعَ شهقاتها، تحاولُ كبتَ ضعفها أمامه ... لكنها وبكل بساطة، لا تقدر.
صرخت باكيةً بعتابٍ بالغ : ليه؟ ليه قتلتها ليه؟
ارتجفت شفتيها وهي تكمل أنينها، قاسٍ، قاسٍ هو هذا الشعور، قاسيةٌ هي فكرة أنها لن ترى أمها مرةً أخرى، تشعر بأنّ يدًا تمسكُ بها وتسحقها، ليتها ماتت معها، ليتها لم تشعر يومًا بهذا الشعور، ألم الفقد ... والخذلان
أجل الخذلان! فوالدها خذلها بقتلهِ لأمها، خذلها فليسَ أبٌ من يبعث الحزن إلى ابنته، ليس أبٌ هذا الذي يقتل الفرحة في قلب ابنته، وليس أبٌ من يجعل دمعات ابنته تسقط بمساعدةٍ منه ... وبسببه !
غطست بملامحها في وسادتها لتصرخ متجاهلةً بأن من يقف بجانبِ سريرها هو والدها ومن الخطأ أن تصرخَ عليه، صرخت وهي تتجاهل حجم ماتفعله : إطلــــع من هنـــا .... إطلع
صرخت في وجهه وكأنه ليس والدها، صرخت صرخةَ فتاةٍ لم تخرج بعدُ من صدمتها، صرخت وهي متجاهلةٌ أن صراخها ..... ذنب !
يوسف بهدوءٍ ومنظر ابنته يؤلمه أكثر من ألم فقدهِ لزوجته : استهدي بالله ياجيهان ... هذا قضاء وقدر واللي تسوينه غلط
جيهان بصراخٍ يرتفعُ تدريجيًا : ماهو غلط! ماهو غلط .. قتلك لها هو الغلط فلا تركب الغلط فيني
تنهد متمتمًا : لا حول ولا قوة إلا بالله
التفت مُعطيًا إياها ظهره ليخرج، يعلم بأن ماتفعله ومايصدر منها ليس وعيًا .. ولا بغير وعي! ... هي الآن بين الوعي واللا وعي، لم تصرخ في وجهه قط، كانت تحترمه أشدّ احترام. لكنه يعذرها الآن .. لأنها وإلى الآن، مازالت بين الوعي واللا وعي !


*_-*_-*_-*_-*


من جهةٍ أخرى وفي نفسِ البيت.

كانت تجلسُ على سريرها وأمامها تجلس أختها الصغرى ليان والتي تبلغ من العمر سبع سنوات، تسرح شعرها بشرودٍ وعيناها تنظر إلى الفراغ، ولا شيء غير الفراغ. أطلقت تنهيدةً مُوجَعة، وهي تتمتم بالإستغفار.
عمتها أم ياسر وزوجة عمها أم فواز لم يتركاهم خلال هذه الأسابيع الثلاث، بالرغم مما حدث والإشاعات التي ظهرت فيهم إلا أنها وإلى الآن لازالت قوية
في المستشفى وبعد وفاةِ أمها حضرت الشرطة لإستحوابهم من أجل قصةِ الإنتحار هذه، يوسف لم يسرد لهم كل شيء بالتفصيل، فهو لايريد لسمعة زوجته بعد وفاتها أن تتشوه، بالرغم من أن ذلك كان خطرًا عليه خاصةً إن علموا بكذبه، ففي ذلك الوقت ستتجه الأصابع نحوه بأنه قتلها، لا هي من انتحرت، رغم أنه لا يوجدُ دليلٌ ضده، إلا أن كذبه يكفي لإدانته
استجوبوا أرجوان وبذكاءٍ منها لم تذكر كامل القصةِ أيضًا. أما جيهان فهي لم تقل شيئًا، لم تعطهم مجالًا للسؤالِ حتى، بل صرخت في وجههم مُجبرةً لهم على تركها لوقتٍ آخر. ليعودوا إليها بعد أيام، ويستمعوا لقصة عثورها عن الجثة، دون أن تذكر أنها كانت محبوسةً في غرفتها، لا تعلم تحديدًا لمَ لم تسرد كامل الحقيقة، ربما لأنها لا تريد إلّا عدم التذكر، فهي تعلم من هي جيهان جيدًا، الفتاة المتعلقة بأمها وجدًا، فكيف لا تكون بجانبها؟ ... هذا مافسرته أرجوان لصمتها، بالتأكيد هذا هو التفسير ولا سواه.
انتشرت الإشاعات بسبب انتحار مُنى، البعض كذب هذه المقولة واستنتج من عقله المريض بأن ماحصل كانَ جريمةَ قتل، ومن قتلها هو زوجها
والبعض قال بأن موتها كان بسبب لص, دخل البيت وفي اثناء سرقته رأته وقتلها. والبعض قال بأن إنتحارها كان بسبب معاملةِ يوسف لها، كان يضربها ويعذبها لذا اختارت طريق الموتِ بنفسها
واختلفت الأقاويل ... ويبقى ابن آدم مُحبًا لنشر الأقاويل والإشآعات
أفاقت على صوتِ ليان المُنادي لها، منبأةً بأنّ هاتفها يصيح، لترفعه أرجوان وترد على صديقتها مروى. تحدثتا قليلًا وطلبت منها أرجوان أن تأتي إليها فهي تشعرُ بالضيقِ يكبتُ عليها.
أغلقت منها بعد عشرَ دقائقَ واتجهت للحمام كي تستحم. فلربما سيزيل الماء عنها كل الضيق، رُبما سيزيل عنها الحزن والتفكير.


*_-*_-*_-*_-*


صوت خطواتٍ تتخطى عتبات الدرج وصاحبها ينوي مُغادرةَ المنزل، ينظُر لساعتِه السوداء وهو يُعاتِب نفسه لتأخُّرهِ عن عمله، لكنّ صوتًا شجيًّا خلفَه أوقفه، صوتٌ حنونٌ يجعله بدون أدنَى شعورٍ يبتسم : على وين ياولدي؟
إلتفَت سيف لأمّه مُبتسمًا، ليتجه نحوها مُتجاهِلًا تأخره ويقبّل رأسها، وبحُب : سوري يُمه، ما انتبهت لوجودك
أم سيف بابتسَامة : وين تنتبه وانت راكض مثل المَجنُون
سيف : تأخرت على الشركة اعذريني
أم سيف : أجل ما أعطلك، بس وين مرتك؟
شتت نظراتِه وهو يمشي باتجاه الباب : ماصحت للحين ، مع السلامة يمة
أم سيف بتعجب من ردّه المُختصر، لكنها ألحقته بتأخره عن عملِه : فمان الله


قبل ذلك بدقائق

خرجَ من غُرفَتهِ بعجلٍ وهو يُغلِق أزرّة كُم قميصه وملف يُعانقُ أوراقَ صفقةٍ داخله محشورٌ تحتَ ابطه، كان يستغفر ربه داخلهُ من شدة قهره لتأخره عن عملِه، مُنذُ ماحدثَ بينهُ وبين زوجته وحُرمتها عليه أصبحَ ينام وحدهُ ولا يجدُ من يُفيقه مُبكرًا كالسابق، وفي طورِ عجلتهِ انزلقَ الملف من غير أن ينتبِه، ليصرخ بغَضبٍ : يلعــ .. أستغفر الله بس
انحنى بجَسده للأسفل لكنّ جسدًا سبقه ليصلَ إلى الأرضِ قبله ويجمعَ الأوراق بعجلٍ ومن ثمّ ارتفع لتضعَ الأوراقَ على الطّاولةِ بجانِبهما وتعودَ أدراجها لغُرفتها في حينِ كان ينظر إليها بصمتٍ وهدوء
رُغمًا عنه تُشعرهُ بأنه لا شيء بدونِها ... ارتسمَت ابتسامةٌ على شفتيه ... وأعتقدُ أنني كذلك!
سحب المّلف من الطاولة ليتجه نحو بابِ الجناح لكنّ صوتها الرّقيق أوقفه : ماتبي تفطر؟
إتجهت أنظارهُ نحو الواقفةِ على عتبةِ الباب بميلانٍ وعيناها البنيتان تنظر إليه ببرود، شكلها وإن كانَ عاديًا بالجلابيةِ أغراه، رُبما لأنه أتم الشهر والنصف وهو محرومٌ من قربها. صدّ عنها وهو يستغفر داخله، ثم همس وهو يتجَنب النظرَ إليها : لا
ليُكملَ طريقَه خارجًا في حينَ تنهدت هي باضطراب.
نظراتُك، هدوءُك، صمتكَ وسُكونك.. كلها تُدلّ على رغبتكَ العارمةِ بي، لكنك أنتَ من جنى على نفسِك ياسيف بجُملتكَ تلك!
تكررت الجملةُ في عقلها لتعضّ شفتيها بألم
" أنتِ علي كحرمة أمي يا ديــما !!! "


*_-*_-*_-*_-*


يبتسمُ بحنانٍ وهو يُحاولُ إخراجَ أخته من حالتها هذه، كانتْ السّاعة حينها تنبؤ بدخول التاسعة صباحًا عليهم، غُرفتها الكئيبةُ لم تتغير منذ أن تركها قبل تسعةَ أشهر، الأثاث نفسُه والألوان نفسها، وأيضًا . . الظلام نفسه!
فواز بتذمرٍ وعتاب : أسيل! عاجبِك حالي الحين؟ عيب عليك والله، بسافر بعد أيام وانتِ رافضة تجلسين معي ساعتين ورى بعض!
دفنت وجهها بالوسادةِ وهي تحاربُ رغبةً عارمة بالبكاء، فواز يُذكرها به، يُذكرها بمرحه، يُذكرها بضحكه، يُذكرها بمتعب!
يالَسُخف الحالةِ التي وصلت إليها، حتى أخاها أصبحت تنفُر منه، فقط لأنه يُذكرها به، ولا شيء آخر, بالرغم من أنه كان غائبًا عنهم لتسعة أشهرٍ نظرًا لعمله في بروكسيل, وعاد حين سمع بوفاة زوجة عمه, إلا أنها لا تريد أن تتحدث معه.
همست وهي تتجنب النّظر إليه : تكفى فواز، مافيني قوة على شيء
فواز بألم : ومتى كان لك قوة على شيء من بعد اللي صار؟ بهالفترة تغيرتي كثير، صايرة كئيبة ... وبشكل مزعج!
أنهى جُملته تلك ومن ثمّ خرج من غُرفتها وهي غارقةٌ بين كلماته، وتحديدًا * مُزعج *
أصبَحتُ مزعجةً لهم، لفواز الذي غادرني منذ تسعةَ أشهر، لم يعد يحتملني فكيف بأمي وديما اللتانِ إحتملتاني ومزاجي قرب السنتين! كيف بهم؟ أعلمُ بأنّ كلّ ما أفعلُه خاطئ، لكنه أيضًا .... ليس بيدي، أقسم أنه ليس بيدي، لا أستطيع أن أنساه، لا أستطيع أن أمحي صورتهُ من عيناي وهو يسقُط أمامي، لا أستطيع محو صوتهِ ورناتِ ضحكاتهِ من أذناي. لا أستطيع نسيانَ لمساتِه! قُبلاتِه! غزله وكلماته. ترّملتُ قبلَ أن أذهب إلى بيته، وكم هو قاسٍ هذا الشعور.
لكنني الآن، سأريحهم، سأريحُ فواز وأمي وديما، سأريحهم جميعًا.


خارجَ غُرفتها

تنهد وهو يتخطى عتبة الدرج ليصلَ إلى أمه الجالسةِ في الصالة الداخلية، على أريكةٍ بلونٍ دموي وفنجان القوةِ في يدها. جلس بجانبها ليصله صوتها الملهوفُ سائلًا : وش صار معك؟
فواز بتنهيدةٍ ضيقة بعد أن جلس بجانِب والدته وأخذ فنجانًا : أعتقد بتوافق
أم فواز بفرحةٍ وراحة : الحمدلله يارب الحمدلله
فواز : كلامي معها كان قاسي شوي، بس كل هذا لمصلحتها، هي أكيد ماهي مزعجة بالنّسبة لنا، بس ماهو بمقدورنا نطلعها من اللي هي فيه، وحدها العلاقة الجديدة تقدر تطلعها، وأنا أثق في شاهين بقدر ثقتي في الرّاحل
أم فواز بحزن : الله يرحمه
فواز بحزنٍ هو الآخر على رفيق دربه : الله يرحمه .. الله يرحمه



*_-*_-*_-*_-*


من بابِ الجمال : ذا العينان البُنيتان !
وصلها تعليقٌ على هذا المنشور في الفيس بوك، وكان سؤالًا عن إسم هذا الرجل، ذو العينين البُنيتين، الرجلِ الذي استحقّ كل هذا الغزل والعشق. ابتسمت ببساطةٍ وكتبت : قال لي قلبي أنّ الإفصاح قد يكُون خطأً! ... عُذرًا عزيزتي أفضلُ الصمت عن الإفصاح
انتظرت دقائق ولم ترد عليها تلك المجهُولة، كانت دائمًا تُحاول التقرب منها والتحدث معها، وهي تقابلها باللباقةِ التي يطغى عليها الرّسمية، فليست الثقة السّريعة من صفاتها. انتظرت قليلًا ولكن المجهولة لم ترد، لتسجل خروجها كعادتها، فهي لا تأمنُ أن يقع هاتفها في يدِ أحد. دقائقَ ليُطرقَ بابها وتسمعَ صوتَ ديما : إلين ... يلا استعجلي شوي، بتفوتنا المحاضرة
إلين بابتسامةٍ زاهية بعد أن نظرت للساعةِ في معصمها وكانت الxxxxب تقترب من العَاشرة : جاهزة .. بس ألبس عبايتي وأطلع
ديما : انتظرك
لتسمعَ صوت خطواتها تبتعد ومن ثم تنهض لتأخذ عباءتها وترتديها في غرفتها تحسبًا لوجود ياسر، بالرغم من أنها تعلم بأنه الآن في عيادته، ولكنّ الحذر واجب
غطت وجهها قبل خروجها كعادتها أيضًا إذا كانت متزينة، بالرّغم من أنّ زينتها خفيفة ولا تقارن بغيرها إلا أنها ومن سابع المستحيلات أن تسمح لياسر أن يراها بزينتها، يكفي أنه يرى وجهها، لأنه وبكل بساطة، من الصعب عليها أن تتجول في المنزل بنقاب، فيكفيها الحجاب والعباءة.


*_-*_-*_-*_-*


في منزلٍ آخر

بحقدٍ كانت تقرأ ردها وبجانبها تجلس أختها، تردد الكلماتَ بسخريةٍ وحقدٍ واضح : عذرًا عزيزتي أفضل الصمت عن الإفصاح .... اوووووه وقحة !!
أماني بتعجب : وش عليك منها اتركيها تحبه لين تموت
رانيا بنقم : مايكفيها إنهم معيشينها بنعمة! والحين عينها على ياسر !!! جد وقاحة
أماني بطيبة قلب : اتركيها بحالها، حرام عليك البنت يتيمة و ....
قاطعتها رانيا : ومو بعيد تكون لقيطة وبنت حرام!
أماني : استغفر الله العظيم من تفكيرك
رانيا بشرودٍ وهي تنظر للفراغ : ماني راضيتها عليه يا أماني، ياسر يستحق أفضل منها، أحترمه وأعتبره مثل أخوي، وإلين ماتناسبه، يكفي إننا مانعرف أصلها!
رانيا : الأخلاق تكفي .. أنا مدري ليه إنتِ الوحيدة من العايلة كارهتها، الكل يحبها وانت ... * تنهدت وهي تحرك رأسها يمينًا وشمالًا بأسى *
اعتدلت رانيا على سريرها الأبيض وهي تنظر لها بتركيز : ماكنت أكرهها، بس هي لاعبة بمخكم، أنا الوحيدة اللي عارفتها، أنا وبس، إنتِ عارفة كيف كانت علاقتنا، كنا قراب من بعض كثير، بس من يوم عرفت حقيقتها كرهتها
أماني قطبت حاجبيها : عن أي حقيقة تتكلمين
رانيا وهي تصد بوجهها عنها، مهما كرهتها وحقدت عليها لكن قلبها لا يطاوعها في فضحها : مو شغلك
أماني بحدة : بعد مافتحتي السالفة قدامي! صار شغلي
رانيا وقفت مُبتعدة عنها لتخرجَ من الغرفة بعد أن ألقت على مسامعها جملةً واحدة : وأنا ماني حابة أتكلم
لتخرج بعدها تاركةً أختها الصغرى حائرة في تصرفاتها وتناقضاتها، زفرت بضيق وهي تتمتم : مردي بعرف يارانيا ، بعرف


*_-*_-*_-*_-*


يقف بجانب عناد رافعًا لحاجبيه مُتعجبًا : وش فيها ذي؟
عناد بابتسامةٍ ضاحكة : زعلانة منك
نظر إلى ملامحها المُتجهمة وهي تحرك أناملها الصغيرة على أطراف كوب العصير الذي أحضرته لها الخادمة, وفي لحظةٍ كانت قد رفعت وجهها لتلقي نظرةً خاطفةً عليه ثم استدارت.
ابتسم باستغرابٍ وهو يقترب منها : أفا بس! غدوي ما تبي تكلم سلطانها؟؟
نظرة إليه باستعلاءٍ ثم صدت, ليضحك وهو يمسك بيدها ضاغطًا عليه بقوه : زعلانة أجل؟
تأوهت وهي تسحب يدها منه بعنف, ثم صرخت : يا الخايس!!
ضحك وضحك معه عناد, فأطرقت برأسها عاتبة, لينظر سلطان هذه المرة لعناد بجدية : جد وش فيها؟
عناد بابتسامةٍ يقلد عتبها : سلطان متغير علي من فترة
ثم ضحك بصخبٍ لتنظر هي إليه بحدة وتهديد, فأردف ضاحكًا : يووووه انفجرت قنبلة هيروشيما
ليتحرك باتجاه سلطان وهو يضحك ضاربًا كتفه بخفة : عندي شغل في المكتب ... يمكن أتأخر عليكم فحاول تراضيها بأسلوبك
غمز له ثم ذهب, لينظر سلطان إليها ويبتسم, ثم اقترب أكثر ليهمس : في وشو متغير عليك يا الظالمة؟
تجاهلته وهي تلعب بتنورتها ليتلقف يدها يعدد بأناملها بتفكير : أمس, وقبل أمس, وقبل يومين, وقبل أيام ... كم مرة أرسلت لك في الواتس ولا تردين!! والحين صرت المتغير هاه!
غيداء بحدة بعد أن سحبت يدها : لو كنت جد مهتم كنت جيت لبيتنا * ثم بعبوسٍ أردفت * امي زعلانة منك
يعلم انها تكذب فهو في كل يومٍ يحادث أمه عوضًا عن الذهاب إليها, فمنذ انشغل بموضوع سلمان وهو لا يجد الوقت ليزورها
ابتسم يُجاريها : بكرة بزورها إن شاء الله
نظرت إليه بحدةٍ : يعني جد انت قاطعها مثل ما قاطعتني؟
مطّ شفتيه بأسى : للأسف ظروفي أقوى مني
نظرت إليه بنظراتٍ عاتبة، ثم اقتربت منه لتهتف : وأنا أقول ليه قايلة لي أمس إنها زعلانة منك!
يعلم أنّ أمه عاتبة عليه لأنه لم يزرها منذ مدةٍ طويلة، لكنها ليست غاضبة على نحوٍ كبير لأنه كان يكلمها باستمرار, كما أنه أعتذر البارحة منها ووعدها أنه سيزورها. ابتسم ثمّ هتف : طيب آسفين، بتصل عليها الحين وأعتذر
غيداء بعبوس : وأنا؟
اقترب منها ليُقبل جبينها بحنانٍ بالغ : انتِ القلب والروح والأنفاس اللي عايش عليها
ارتفع حاجباها بتحذير : ماني غزل يا قليل الحيا! ترى بقول لعناد
ضحك وهو يهزّ رأسه، لا فائدة ترجى من اعتدالها، ستبقى الفتاة طويلة اللسان التي لا تحترم إخوتها بتاتًا.
غيداء : تدري وش قال لي عناد؟
سلطان وهو يقطب حاجبيه، يعرف ذاك المخادع جيدًا : وش هبب؟
غيداء وهي تمطّ شفتيها بقهر : يقول إنّ الأخوان من الرضاع دايمًا ما يهتمون ببعض ... عشان كذا لازم أتوقع منك أي شيء
كشرّ بملامحه : الحمار! وانتِ صدقتيه؟
هزت رأسها بصمتٍ فتأتأ بأسف : وهذا العشم فيك؟ تصدقين في أخوك اللي يحبك؟
استغلت انحدار محور الحديث إلى هذا النحو لتقفز أمامه بحماسٍ هاتفةً برجاء : أجل اثبت لي وخذني للملاهي
ابتسم : ماخذه المكر من أخوك؟ أقول امشي عني امشي
غيداء ووجهها ارتخى بحزن : ليه؟
سلطان : مافيني
عبست فجأةً وتراجعت لتجلس على الأريكة وتسند ذقنها على كفيها وفمها ممدودٌ للأمام بدلال، فابتسم لأنه علم أنها غضبت عليه الآن حقًا، ثم اقترب منها ليجلس بجانبها : زعلتِ غدوي؟
صدت عنه للجهة المعاكسة فوضع يده على رأسها ليهمس : واللي يقول إنه كان يمزح!
لم ترد، فأردف : دامك ما تبين خلاص بروح
وقف لكنّ يدها امتدت بسرعةٍ لتوقفه : لا لا أمزح ما زعلت
ضحك عليها ثمّ حرر يده بلطف : محد يعرف لزعلك غيري
ابتسمت ببراءة : وأنا أقدر أظل زعلانة على سلطاني؟
اتسعت ابتسامته وهو يمد يده يداعب شعرها الخفيف ليُشعثه، فعبست وهي تبعد يده : هييييي سلطان يا الخايس ... ترى بالحيل ثبته
سلطان بضحكة : بنتظرك برا في السيارة ... لا تتأخرين اوكي
أومأت بابتسامة ثم اتجهت بسرعةٍ للمكان الذي علقت فيه عباءتها وهي تمرر كفيها على شعرها, بينما هو خرجَ غافلًا عن كل ما يحدث في المنزل بتواجده.
بعد قليلٍ كانت تلفّ الطرحة على رأسها وتدندن، وفي طريقها للخروج مرّت بتلك الغرفة الغامضة، والتي يجلس فيها سلطان ساعات كثيرة من يومه، الغرفة التي تقع في زاويةٍ بعيدة عن غُرف الضيوف والمجالس، وكأنّ سلطان لا يريد لغريبٍ أن يُفكر بدخولها حتى. دائمًا ما كان فضولها يدفعها لسؤال عناد عنها، ودائمًا ما شعرت بالرغبة في دخولها ولم تستطع. انتبهت لبابها الذي كان مفتوحًا قليلًا وظلام الغرفة كان واضحًا لعينيها، فابتلعت ريقها وهي تقترب منه، وفي هذه الساعة تكون الخادمة تستعد للنوم، هذا إذا كانت لك تنم حقًا.
ما إن وصلت للباب حتى توقفت وهي تستمع لحركةٍ خافتةً بداخله، فذُعرت وهي تتراجع للوراء لكنها اصطدمت بجسدٍ صلب أثار القشعريرة في جسدها، ففغرت فمها وهي تحاول التقاط الهواء، ليس سلطان، ولا عناد، له رائحة تشبه الدخان. ابتلعت ريقها ببطء، وقبل أن تستدير كان يده تطبق على فمها تمنع صوتها وصرختها التي كانت ستخرج من إكمال طريقها، فاتسعت عيناها وقد تأكدت، ليس سلطان، ولا عناد ... إذن من هو؟ وكيف دخل وهما في البيت؟
ومن بين كومة الذعر والخوف، وبين الأمل بقدوم سلطان، سمعت الواقف خلفها يتكلم ببطءٍ وخبث : من وين جانا المزز؟
اتسعت عيناها وبآليةٍ ارتفعت يداها لطرحتها تتشبث بها دون أن تفكر بالمحاولة في التخلص من يده التي تُقيد فمها وجسدها، فضحك ومع ضحكته خرج رجلٌ آخر من المكتبة لتتسع عينيه ما إن رآها : من وين جبتها؟
الآخر : كانت تتجسس
هتف الذي خرج وهو يؤمئ برأسه دون اهتمام : عالعموم انتهيت من شغلي، بقي الخطوة الأخيرة ونخرج، مدري شلون الإستاذ خلانا نخاطر بهالشكل وندخل بيته في وجوده!
الآخر : هه .. كل همه يثبت دهاءه واحنا اللي بناكلها ... يلا يلا كمل شغلك وخلنا نخرج بالمزة
لم يهتم الآخر وهو يُخرج علبة كبريت ليُشعل عود ثقابٍ ويرميه داخل الغرفة، وفي جزءٍ من الثانية كانت النيران تتأجج أمام عينيها، فشهقت شهقةً مكتومة وعينيها تتسعان بذعر، لتتبع شهقتها ضحكة الرجلين.
الرجل الذي يُقيدها بيديه : يلا نطلع قبل يرجع، هو خرج من شوي ومابيرجع إلا بعد ما تاكل النيران البيت مو بس الغرفة ذي!
الآخر : مشينا


أما سلطان فقد كان في سيارته ينتظر قدومها، وتعجب من تأخرها فبدأ بالتأفأف : يا الله غدوي ... ما تترك عادة التأخر لو تشوف العالم كله قدامها
رفع هاتفه ثم اتصل على هاتفها، ليصدح صوته من الجهة المُقابلة وتنتفض فجأةً مع صياحه، لكن الرجل الآخر اقترب ليُخرج هاتفها من حقيبتها ويقرأ اسم ( سلطاني )
ابتسم بسخرية : هذا هو يدق * ثمّ دمى الهاتف دون اهتمامٍ بالأرض *
: خلنا نمشي بسرعة ما ودي أتأخر على المزة اللي عندي
ارتفع معدل نبض قلبها وبدأ جسدها بالإرتعاش أكثر وأكثر، ما الذي يقصده هذا الرجل؟ ماذا يريد منها؟ .. ابتلعت ريقها ثم أمسكت بكفيه تحاول نزعها، لا تفهمه، لا تفهم ما تعنيه كلماته، ظنت أنه سيخرسها فقط وسيتركها ما إن ينتهيا، لكن لا يبدو أنه يفكر بذلك بتاتًا!
شدّ على فمها أكثر بكفه الضخمة، ثم بكفه الأخرى بدأ بتلمس جسدها المُغطى بالعباة : جسمك صغير ... كم عمرك؟ ... اعتقد ما بين 12 و 15 ... – حرك رأسه يمينًا ويسارًا بأسى – توقعتك أكبر وناضجة ... بس ما عليه، تفين بالغرض
انقطعت أنفاسها وزاغت عيناها، وجسدها ارتعش دون فهم، دون استيعاب. لمَ يتلمس جسدها بهذا الشكل المُغزز؟ لمَ تبدو لمساته مُرعبةً بهذا الشكل؟ بينما الآخر هتف بملل : أنا بطلع وانت الحقني بعد ما تنتهي
ثمّ خرج دون كلمةٍ أخرى، بينما الآخر كان غير قلقٍ بشأن سلطان، فهو في هذه الساعة غالبًا ما يكون خارج منزله، وتلك هي المعلومات التي وصلته من سيده. ارتفعت كفه عن جسدها، لينزع طرحتها بشدةٍ ويبدأ باستنشاق رائحة شعرها، وهي واقفةٌ دون مقاومة بملامح باهتةٍ لا تعلم ما يحدث لها، لكنها ما إن شعرت بشفتيه تتحركان على وجنتها مرورًا إلى عنقها، ارتخت قدماها حتى كادت تسقط، لكنه ثبتها وهو يترك فمها ليخلع عنها عباءتها.
وبمرور الوقت، ومن بين جمودها وصدمة عينيها التي ثبتت بالفراغ دون أن تشعر فعليًا بما يفعله هذا الرجل بها، شعرت بجسده يُنتشل عنها بقوةٍ فانتفضت كمن استيقظ من إغماءةٍ مؤقتة، لتشهقَ بقوةٍ تجتذب الهواء تشعر أنها تغطس في ماءٍ فاختفت ذرات الهواء منه، ودون أن ترى شيئًا مما يحدث حولها، كانت فقط تستمع لصراخٍ من أشخاص تجهل صوتهم، أو جهلت صوتهم الآن، نظرت لنفسها لتُجفل من مظهرها، متى أصبحت بهذا الشكل؟ شعرت بالدوار يداهمها والدنيا تسودّ من حولها، تتألم! جسدها يؤلمها، تشعر أنّ دبابيس غُرست به.
ودون أيّ فهم، دون أن ترى غير نفسها ومن ثمّ الظلمة التي أُسدلت على عينيها، تساقطت دموعها وهي تغيب عن وعيها تمامًا


زوايا أمل likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة كاردينيا الغوازي ; 11-06-14 الساعة 06:04 PM
كَيــدْ ! غير متواجد حالياً  
قديم 10-06-14, 02:26 PM   #4

كَيــدْ !

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية كَيــدْ !

? العضوٌ??? » 320291
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 563
? الًجنِس »
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » كَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ياصغيّر مايكبّرني لقب ومايصغّرني إذا أنكرني صغير ماخذينا الصيت من جمع الذهب ولانَسابة شيخ أو قُربة وزير !
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




(2)*1








غطى جسدها بعباءتها وعيناه لم تفق من صدمتها بعد، لم يحدث شيء، لم يغتصبها، كلّ شيءٍ يُثبت ذلك، وصلوا في الوقت المُناسب ولم يحدث شيء. كان عقله يهذي وهو يحلل كل ما يراه، ملابسها شبه مُمزقه، لم يسعفه الوقت ليفعل شيئًا، هكذا كان يقول في نفسه وقد نسي سلطان تمامًا، هو وجده عند المدخل عندما عاد لأنه ترك بعض أوراق مريضٍ لديه عند غيداء، ونسي أخذها، توقفا قليلًا يتحدثان وليتهما لم يتوقفا، لكن كيف؟ كيف دخلوا بتواجد سلطان؟ يستحيل أن يحدث ذلك دون أن يكون هناك من ساعدهم من داخل البيت؟
زمّ شفتيه ثم استدار، وكل ما حولهم يضيء بالبرتقالي بفعل النيران التي بدأت بالإنتشار، وحين رأى ذاك الحيوان أمامه وسلطان يحاول قتله بحنقه، اندفع ليلكمه لكمةً قاسيةً أفقدته وعيه، وهو الذي كان يُحاول الهرب من قبضة سلطان والآن لن يستطيع الهرب بإغمائه
عناد بصراخ : لا تلوث يدينك فيه
سلطان بغلّ وصدره مُحترق بصق عليه، ثم بعينين مُتسعتين تابع النيران التي علم أنّ مصدرها هو تلك الغرفة، مخزن الذكريات القديمة، سحب أنفاسه وهو يشعر أنه يختنق، ثمّ دون تفكيرٍ اندفع لأقرب حمامٍ حتى يرّش جسده بالماء، سيحاول إنقاذ بعض الذكريات ليعيش عليها إلى أن ينتقم، لن يموت الآن. خلع ثوبه ثمّ شقه ليُصبح قماشًا واسعًا، بينما عناد حمل غيداء بين ذراعيه ليصرخ وهو لا يعلم ما الذي يجب عليه فعله تحديدًا، يبقى مع سلطان، أم يُخرج أخته، أم يحرس ذاك المُغمى عليه كي لا يهرب : سلطان ... خلاص اطلع، أنا بتصل على الإطفاء، مافي فايدة اطلع
لم يستمع إليه وهو يدخل للغرفة، بينما عناد اندفع ليُخرج أخته ثم اتصل على الشرطة والإسعاف والإطفاء، غير قادرٍ على الدخول من جديد ليُخرج سلطان، بينما فكر بعقله هل يقبض على ذاك المُجرم إلى أن تأتي الشرطة أم يتركه! لكنه أيضًا يخشى أن يستفيق فيخرج من الباب الخلفي كما دخلوا بالتأكيد.
بينما سلطان، دخل للغرفة مستغلًا بعض المناطق الخاوية من النيران، وهو يرى أن أغلب الصور احترقت، وبعض الكُتب احترق غلافها وتابعت النيران طريقها تريد إحراق محتواها، بينما البعض احترق كاملًا وقليلٌ ما بقي سليمًا. دون تفكيرٍ بدأ بجمع بعض الصور حتى وإن احترق ربعها أو نصفها، وبعض الكتب العارية من الغلاف والكتب السليمة، وهو لا يهتم بما حوله، هو لا يريد الموت بالتأكيد حتى يأخذ بثأر والده، لكنه أيضًا نسي ذلك حينما رأى ذكرياته تموت.



*_-*_-*_-*_-*




والآخر الذي كان مُشتركًا في احراق المكتب، فور رؤيته لسلطان وعناد من بعيد يقفان عند المنزل، فُزع ودون أدنى تفكيرٍ بالآخر هرب، ثمّ رفع هاتفه يتصل على سيده، وفور سماعه لصوته الخشن هتف بذعر : أستاذ انكشفنا ... انكشفنا
وقف الآخر من الطرف الثاني مُنفعلًا، ليصرخ بغضب : نعــــم
الآخر بارتباك : حسن كان في البيت ومتطمن من ناحية وجود سلطان خارج البيت ... بس هو رجع!
صرخ : وايش يسوي داخل البيت .... انتو ما خلصتوا شغلكم
ابتلع ريقه لا يعلم ما الذي يرد به، ولم يستطع النطق إلا بكلمةٍ واحدة : خلصنا
الآخر بصراخٍ وغضب : وليه ما طلعتوا مباشرة لييييييه؟
لم يرد فعضّ الآخر شفته بغلّ، لكنه زفر أنفاسه وهو يهتف : تعال انت لعندي ويصير خير ... وحسن يعتبر نفسه منتهي
ثم دون كلمةٍ أغلق، ليرتجف الآخر خوفًا، أيعقل أنه سيعاقبه بخطأ زميله الأحمق؟ ابتلع ريقه وهو يتوجه إليه، لا لن يفعل، فهو قال بأن حسن منتهي وأمره بالقدوم، سيكلفه بمهمةٍ أخرى بالتأكيد .... وهي قتله!




*_-*_-*_-*_-*




وهناك، كانت سيارة الإسعاف قد وصلت ونقلت غيداء مع عناد الذي اطمئنّ على سلطان بخروجه من البيت بمساعدة رجال الإطفاء، والذين يُحاولون إطفاء الحريق الآن، بينما المُجرم نُقل في سيارة الشرطة بعد أن حاول الهرب بعد استفاقته، لكنه ما إن خرج راكضًا وجد رجال الشرطة أمامه.
كان سلطان جالسًا على إحدى الكراسي الخشبية وحوله مجموعةٌ من صورٍ أتلفها الحريق وكُتبٍ وصلها النيران، ساندًا رأسه على كفيه يتمتم بغضبٍ وقهر : هو ... مافي غيره، هو ... سلمان!
مع تمتمته تلك وصله صوته، صوت المُجرم الذي قتل والده، والذي بالتأكيد هو من أحرق المنزل الآن! : الحمدلله على السلامة
كان صوته باردًا أجوف، دلّ على الكثير والكثير. ارتفعت نظراته الحاقدة ليهمس من بين أسنانه : الله لا يسلمك
رفع سلمان حاجبه : لا .. مو كذا علمك فهد
اندفع واقفًا يريد ضربه، لا يهمه من يكون، يريد أن ينتقم للقليل من حزنه، يريد أن يُفرغ القليل من قهره، لكنه أمسك نفسه وهو يشدّ على قبضته بسبب الجموع التي كانت مجتمعة. من شرطةٍ وإطفاء وأُناسٍ اجتمعوا بفضول، ثمّ همس : بنتقم ... صدقني بنتقم .... يا ... سلمان
ودون أيّ كلمة ابتعد عنه لتستدير نظرات سلمان للصور المحترقة بنظراتٍ لن يفهمها إلا صاحبها المُتوفى!




*_-*_-*_-*_-*




في الصباح الباكر

بعض الأشخاص يعانون من هوسٍ بعد فقدِ شخصٍ عزيز بأيام! لذا هي تعتقد أنها بدأت في هذه المرحلةِ الآن!
المُصيبةُ هُنا هي أنها تراها أمامها وابتسامةٌ جميلة تزينُ ثغرها. ستجن! أمها ماتت قبل ثلاثةِ أسابيع، كيف تراها الآن أمامها؟ كيف تراها تبتسم؟
تنظر إليها ببلاهةٍ يشوبها الفرح، هي حيةٌ إذن! هذا مايدُل عليه ماتراه عينيها
أنها كانت في حلمٍ طيلةَ هذا الوقت؟ أيعقل
بضعُ كلمات تتردد على شفتي منى الممتلئتين، هذه المرأة بالرغم من كونها صادقت الأربعين إلا أنها لازالت تحتفظ بجمالها، بنقاء بشرتها وبياضها كبياض جيهان، بعينيها السوداوتين وشعرها الأسود. راقبتها جيهان وهي تقترب منها وتهمس بابتسامةٍ لا يخفى عنها الحزن : قولي له يسامحني!
لم تُدرك من تقصد، لكنها ابتسمت لها بحبور، فالسّعادةُ الآن صاحبت قلبها ورفعَته إلى قممٍ تتجاوزُ قمة إفرست، بهدوءٍ تخلخلته نبرةُ بكاء : اشتقت لك!
تقف مُنى في مكانها وعيناها تنظر إليها بحزن : قولي له يسامحني!
وهاهي الجُملةُ تتكرر وجيهان لم تفهم، لأنها وبكل بساطةٍ لا تريد أن تفهَم، همست وهي تبتلع ريقها : يُمه ...
لكنها وبدونِ سابقِ إنذار اختفت من أمامها، وكأنها أطلقت كلمةَ السرّ لعودة أمها لعالمها الآن
أدارت رأسها يمينًا وشمالًا وهي تُقطب حاجبيها تعجبًا، أين ذهبت؟ كانت هُنا مُنذ ثواني! كيف رحلت بهذه السرعة؟
تساقطت دموعها، وكأنها الآن فقط .. أدركت بأنها لن تعود إلا وهمًا. أكملت دموعها سيرَ تساقطها، ليرتفع صوتها بالنحيب : ليه؟ ليه راحت ليه؟ هي تدري إنّي ماقدر أكون جيهان بدونها، تدرك بأني ضايعة من بعدها، ليه راحت ليه!
صوتُ البابِ أعلنَ دخول شخصٍ مهرولٍ من سرعةِ خطواته، رُبما صوتها كان عاليًا كفايةً ليصل من في الخارج، جلس بجانبها على السرير ليرفعها ويعانقها بحنان، وصوتهُ الهادئ يحاول بثّ ولو القليلَ من الرّاحة : خلاص حبيبتي اهدي ، أنا جنبك ومستحيل أتركك
رفعت رأسها بهدوءٍ للشخص الذي يعانقها الآن، لتنظر لملامحهِ الحادة وبشرته السمراء مُتمتمةً لإسمهِ بغير تصديق : فواز!!



*_-*_-*_-*_-*



الساعة الرابعةُ عصرًا
دخل المنزل بعد أن فتحت لهُ الخادمة الباب وهو مقطبٌ لجبينهِ من التعب، لأولِ مرةٍ بعد مدةٍ طويلة تزيدُ عن شهرٍ يعودُ للمنزلِ مبكرًا، منذ ما حصلَ بينهُ وبين زوجته، يحاول الإبتعاد أكثر مايُمكن كي لا يفكر بالتقرب إليها.
حين ولوجه وجد أمه جالسةً مع ديما على الأرائك البيضاء تنظر إليه بعجب، لكن سرعان ماتحولت نظراتها إلى فرح : غريب راجع بدري ... خلصت دوام؟
سيف بابتسامةٍ مُتعبة بعد أن قبل رأس أمه وجلس بجانبها بعيدًا عن ديما : تقريبًا، حسيت بتعب قلت أرجع وأكمل شغلي في البيت، مجرد أوراق بس
عقدت أمه حاجبيها باستغرابٍ من جلوسه بعيدًا عن زوجته، لكنها ابتسمت قائلة ولم تهتم : أحط لك شيء تاكله؟ تونا رافعين الغداء .. ليتك علمتنا برجعتك بدري اليوم
أعاد ظهره إلى الخلف ليتنهد بتعبٍ مغمضًا عينيه هامسًا : متغدي
تلخبطت ملامحها التي يغطيها القليل من التجاعيد بضيق : حتى الأكل ماتشاركه معنا بسبب هالشغل
فتح عينيه ليبتسم بفتور : معليش يمه كل شيء ولا زعلك، حال الشركة هالأيام محتاج اعتناء كامل والشغل متراكم علي
أمه : ومتى يخلص هالتراكم وتشتغل بدون ضغوط؟
وجه نظراته الغامضة إلى ديما ليتأمل ملامحها السمراء قليلًا، حينها اضطربت نظراتها التي كانت تراقبه لتبعدها بسرعة، ابتسم بهدوءٍ ليرد هامسًا ولازالت عيناه تتأملها : قريب إن شاء الله قريب
رغمًا عنها عادت لتنظر له، جملته كانت ذا مغزى لكنها لم تفهم، ارتخت أهدابها وهي تراقب جسده الذي اعتدل واقفًا ليذهب، لم تستطع منع نفسها من الضيق عليه فملامحه الهادئةُ والمغرورة بدت متعبة، هو يضغط على نفسه كثيرًا في العمل وهي تعلم سبب ذلك جيدًا، تعلم أنه يريد الإبتعاد لا غير، فقط لكي لا يضعف أمامها ويقعَ في المحضور.
أيقظها من شرودها صوت أم سيف : وش صاير بينك وبينه؟
رمشت لأكثر من مرةٍ غير مستوعبةٍ ثم بلعت ريقها، حين رأت أم سيف تقلبات ملامحها أيقنت ان بينهما شيئًا
سابقًا وقبل مُدةٍ لاحظت الفتور بينهما لكنها لم تعلق وظنت أن ذلك ليس إلا توهمًا منها، تنهدت وهي تحرك رأسها يمينًا وشمالًا بأسى ومن ثم استرسلت قائلة : مهما كان اللي بينك وبينه أعذرك
أخفضت ديما رأسها لتنسدل شعيراتها القصيرة والناعمة مغطيةً لملامحها المنكسرة، حتى أمه شعرت بما بينهما كما شعرت أمها بذلك
أردفت أم سيف : أنا عارفة ابني زين وعارفة طباعه واعتزازه بنفسه وكمية غروره
لوت ديما فمها وهي تشد على تنورتها البنية لتتابع أم سيف : وعارفة مقدار حبك له والا ما كنتي صبرتي عليه ثلاث سنين كاملة
رطبت ديما شفتيها وهي لا تحب أن تتكلما على هذا النحو، تشعر بارتباكٍ شديدٍ حالما يفتح أحدٌ ما مسألة علاقتها بسيف، همست بابتسامة محاولةً إيقاف الحديث : ماله داعي هالكلام خالتي ... لأننا بكل بساطة مابيننا شيء، صحيح سيف مغرور ومزاجه متقلب بس هو يحبني وأنا عارفة هالشيء
أطلقت جملتها وهي تسخر من نفسها على ثقتها المزيفة، أي حبٍ هذا الذي يجعله يتصرف معها على هذا النحو، تدرك أنّ كل مايشعر به سيف تجاهها هو حب تملكٍ ليس إلا.
نظرت إليها أم سيف بشك : وايش سالفة الحمل؟
جفلت واستقرت نظراتها على حجرها وهي تبحث عن شيءٍ ما تقوله، إذن هي تعلم، تعلم بما قرره سيف من غير رضًا منها!
بلعت ريقها حين أردفت أم سيف بحزن : للحين مايبي أطفال؟
لم تستطع قول شيء لتصمت لثوانٍ طويلة مما جعل أم سيف تدرك الإجابة وتقف حانقة، رفعت أنظارها إليها لترى سيف يقف خلفها والأريكة تفصل بينه وبين أمه وقد كان الشرر يتطاير من عينيه ومن الواضح أنه سمع آخر الحديث، وقتها انتابها شيءٌ من البرود بل تلبست به، لمَ قد تشعر بالخوف منه؟ لم يعد يهما لا أمره ولا غضبه، لم يعد يهما رضاه ولا سخطه
تنحنح لتنتبهَ له أمه، ومن ثم ابتسم في وجهها حين التفتت إليه بقلق : شاللي تقولونه في غيابي؟
أمه بابتسامةٍ قلقة وقد بدا الإرتباك على محياها، منذ متى وهو واقف! : سوالف حريم وش عليك انت؟
لم يرد وعينيه تتقدان أمام ديما الغيرِ مبالية، أردفت أمه بترددٍ خوفًا من أن يكون قد سمعها : من متى وانت هنا؟ وليه مارحت جناحك ترتاح؟
في الحقيقةِ هو نزل إليهم ليس لشيء، فقط كان يريد الجلوس معهم بما أنّ ديما من المستحيل أن تجلس معه، وهو من جهةٍ أخرى يكفيه ما يشعر من وحدة. لكنه فوجئ مما سمعه، إذن زوجته العزيزة تكشف لأمه ما بينهما!: بغيت ديما
أم سيف بابتسامةٍ مرتاحة : اها .. أجل روحي لزوجك ديما وشوفي وش يبي منك
أومأت ديما رأسها ببرود لتمشي خلف سيف الذي سبقها ونظراتها تجول على ظهره. آهٍ كم اشتاقت إليه، شهرٌ ونصف وهي بعيدةٌ عن أحضانه، لم تكن تعلم بأن البُعد بهذا الشكل سيكونُ مرهقًا لقلبها هكذا.
لانت ملامحها وهي تتأمل شعره المموج الأسود وهيأته من الخلف بالثوبِ الأبيض، لا تستطيع أن تمثل أنه لا يهمها، بالرغم من كلّ ما فعله معها إلا أنها تعشقه .. فقط لو يتخلى عن غروره ويعاملها ولو بشيءٍ من الود، فقط لو يزيح حب التملك جانبًا وكأنه يملك العالم كله بما فيه من مخلوقاتٍ وجمادات، تنهدت بشرودٍ لتجلب انتباهه إليها لكنها لم يعلق ولم يلتفت، هو غاضبٌ الآن من كون ديما تفصح عما بينهما من مشاكل وقرارات، ليس من عادتها فعل ذلك فلمَ فعلت الآن؟ يثقُ بصمتها وتحفظها ثقةً عمياء ويعلمُ بعدم معارضتها ولقراراته، لكن الآن ..... أدرك بأنه كان مخطئًا وللغاية
فتح باب جناحهما ليدخل ويقف في منتصفِ الصالة الواسعة، حناحهما كان فاخرًا وكأنه حناحٌ في فندقِ خمسة نجوم، صالةٌ واسعة بأثاثٍ يطغى عليه اللون البني وهو اللون الذي تعشقه ديما في الديكورات، غرفتا نومٍ كلٌ له ميزته من حيث التنسيق والألوان، وفي غرفةِ النوم الرئيسية والتي ينام فيها سيف حاليًا يقبعُ حمامٌ يدمج بين اللونين الأبيض والتفاحي، بينما الحمام الآخر كان مفردًا خارج الغرفتين، ومطبخٌ تحضيري صغير ذو ألوانٍ زاهية يطغى عليها الليموني.
زمت شفتيها وهي تراه يسترخي على الأريكةِ السكرية بكلّ برود واضعًا كفيه على فخذيه، لكن نظراته كانت تنبؤ بعاصفةٍ قادمة، ولم تلبث ثانيتين وإذا بصوتهِ يخرج كالفحيح هادرًا لأنفاسٍ غاضبة : ممكن تفسرين لي اللي سمعته من شوي!
أرخت أهدابها وهي لا تستطيع التمنع من تأمل ملامحه الجامدة، لوت فمها الصغير وقد غاب عنها ما يتحدث عنه الآن .. كم هو ظلمٌ ما تعيشه، ظلمٌ أن تعيش حبًا من طرفٍ واحد. ما الذي ينقصها ليُحبها؟ أحيانًا تشعر أنّها لاشيء بسببه، لم تكن يومًا بكل هذه الثقة المهزوزةِ إلا في حضوره، أليست جميلةً كفاية ليتطلعَ بها؟ لتناسب مستواه المغرور؟ أم أن مستواه هذا حكم على الكل بالفشل!
أعاد سؤاله للمرة الرابعة بغضبٍ أشد وصوتٍ مرتفع : ممكن تفسرين لي اللي سمعته من شوي
انتفضت لتنظر إليه ببلاهة، ومن الواضح على ملامحها أنها كانت شاردة الذهن، إذ أنها لم ترد عليه لوقتٍ طويلٍ مما جعله يصرخ بنفاد صبر : ميّ
وكأنها استفاقت أخيرًا من شرودها به، تجعدت ملامحها بغضبٍ لم تستطع منعه، هاهو الآن يعاود مناداتها بهذا الإسم الذي أطلقه عليها من فراغ، فقط ليثبت لها أنها جزء من أملاكه ويُشعرها بالذل والهوان، زمت شفتيها الرقيقتين بحنقٍ لتُفرجهما في بضع كلماتٍ غاضبة اعتادت على تكرارها مراتٍ ومرات ببطء : ديما .... اسمي .. ديما ... يا متخلف
وهو الآخر بقي ينظر إليها بجمودٍ وغضبٍ لتتابع بصوتٍ عالٍ لم تستطع كبته، وهي بذلك تطلق غضب الأيام الفائتة، غضب الشهور وحرقة السنواتِ الماضية، الذي انتهت بنطقه لتلك الجملة التي لا تدل على أي شيء سوى تخلفه وصغر عقله، تلك الجملة التي أودت إلى تحريمها عنه : ماني خادمة مملوكة عندك عشان تطلق علي هالإسم ... أنا ديما ... د ي م ا، واطلق سراح هالإسم البايخ من لسانك، واللي ما يدل على شيء غير تحجر مخك يا متخلف
عضّ زوايةَ شفتهِ السفلى وابتسامةٌ غامضة تسللت إلى فمه. كم تبدو شهية، فاتنة، غضبها لذيذ يزيد من فتنة خديها السمراوين الذين ما إن تصرخ وتغضب حتى يشتعل بالحمرة من شدة انفعالها، تمنى لو يستطيع تقبيل وجنتيها الشهيتين لكنه عدل عن ذلك الجنون ليهمس لها بتسليةٍ وقد زال غضبه وكأنه قد نسي مسألة كشف مابينهما لأمه : برجعك ياديما برجعك لي
جفلت وعيناها المشتعلة غضبًا تنظر لعينيه الواثقتين باضطراب ... ما الذي يقصده؟ أسيكفر عن ذنبه؟ سيعيدها زوجةً له بين أحضانه؟ لكنه تأخر، تأخر كثيرًا عن ذلك، لو كان يريدها حقًا لكفر فور نطقهِ لجملته الهمجيةِ تلك، لكفر عن معصيتهِ راغبًا بها غير محتملٍ فراقها ولو ليومٍ واحد ... لكنه سيف، سيف الذي لن تستطيع إذابة غرورهِ الأنيق .. أجل أنيق، ذلك الغرور الذي لا يليق إلا بسيف، ولا ينفع أن يكون إلا لسيف، عشقته وليتها لم تفعل، لكنه قلبها الضعيف، قلبها الواهن أمامه، فقط لو تستطيع نزعه واسترداد كرامتها وكبريايئها، لكن ذلك من شبه المستحيلاتِ أمامه، فهي ما إن تحاول تصنع البرود معه والإبتعاد حتى يحكم قيده حولها بطاغيته، ما إن يشعر بها تبتعد حتى يجتذبها إلى أعماقه لتبقى تسكنها دايمًا وأبدًا، ليبقى ممتلكًا لها إلى اللا زمن، بالرغم من كل ما فعله إلا أنها ستبقى منتميةً له، هادرًا لكرامتها بغير حركةِ دفاعٍ من قبلها، فقط لأن جسدها هو المحرك والذي يتحكم به هو قلبها.
ارتعش جسدها ما إن شعرت به يقف أمامها مباشرة، وعيناه تلمعان ببريقٍ خبيثٍ يشوبه التسلية، لتجولانِ بعد جزءٍ من الثانيةِ على أنحاء ملامحها السمراء زامًا لشفتيه بمكر، هادرًا بهمسٍ ساحرٍ يجتذبها رغمًا عنها إليه وكأنه بذلك يعلم تأثيره بها مما يرضي غروره : وقتها بعرف أتصرف معك على خيانة الثقة، بطريقتي أنا ..... وقريب إن شاء الله
أطلق كلماته الأخيرة بتسلية ليخرج بعد أن رمقها بنظراتٍ آسرة لقلبها الضعيف، ارتجف جسدها النحيل بعد أن أغلق الباب بقوةٍ لتزم شفتيها وتفرك يديها ببعضهما البعض، لمَ هي ضعيفة هكذا؟ ما إن تبدأ بوضعِ أساس بناء الأسوارِ حولها حتى تُهدم من قبله وبكاملِ رضاها! هل له من الجاذبية ما يكفي لتنهار أسوارها أمامه، لم تكن ضعيفةً من قبل بهذه الصورة المقززة، حتى أحبته، حتى أحبته!
لكنّ شيئًا ما انكسر بداخلها، حتى وإن بقيت مقيدةً بحبه إلا أن شيئًا قد انكسر بداخلها ما إن أطلق عليها لفظ الظهار، حتى وإن كفَّر، سيبقى هذا الشرخ بداخلها ولن يُداريه لا الزمن ولا قربه!



*_-*_-*_-*_-*




قبل ذلك بساعات
جفلت وهي تنظر إلى من يحتضنها لتنسحب الكلمات من بين شفتيها اللتين شحبتا ... هو! تراه الآن أمامها يعانقها بكل حنانٍ وحُب، بعد غيابٍ طال لأشهرٍ طويلة لا تعلم سببها، تسعة أشهرٍ غاب فيها عن كل عائلته، والمخزي في الأمر أنه زوجها وهي لا تعلم سبب غيابه. ابتلعت ريقها وهي تستمع إلى كلماته الدافية : أنا معك .. جيهان
لم تستطع السيطرة على أنفاسها التي أخذت بالتسارع، عاد بعد أن شعرت بأنها قد تحررت تمامًا من ذلك الرباط، عاد لتعود معه كل ذكرياتها المشينة والقاسية معه، شد جسدها الهزيل إلى أحضانه أكثر وهو يغطس بأنفه في بحر شعرها البني ويقبله، عشقه! ... ليهمس بتأوهٍ معبرًا عن شوقه : إشتقت لك يا عيون فواز
وهو بكلماته حرك جسدها الأبيض في اهتزازةٍ مُرتعبة، ليس بعد أن ابتعد، ليس بعد أن ارتاحت روحها منه يعود بهذه البساطة وكأن شيئًا لم يكن، عضت شفتيها المرتجفتين وهي تشعر به يعانقها بقوةٍ أشد وقد شعر بارتجافها وأيقن سببه، بدأ في المسح على ظهرها لعله بذلك القدر من الحنان يبعد عنها الرعب ويفيقها من صدمتها بحضوره
ثانية ... ثانيتين ... ثلاث ... لتدفعه عنها بعد أن استفاقت من صدمتها لا هثةً برعب صارخة في وجهه : ابعد عني فواز
ما إن ابتعد جسده مسافة بضع شعيراتٍ عنها حتى نظر إليها بهدوءٍ وهو قد توقع سابقًا ردة الفعل هذه، رطّب شفتيه ليرسم ابتسامةً اعتاد دائمًا على رسمها أمامها، ابتسامة ثقةٍ وثبات : آسف على تأخري بس .... عظم الله أجرك
بالرغم من أن هذه الجملة كانت تُبكيها ما إن تنطلق من بين شفتي أي مُعزٍ لها إلا أنها بقيت تنظر له بحذر وترقب
احتذب خصلةً من شعرها البني ليلفها على اصبعه بابتسامةٍ شاردة، وعيناه تطوفان على ملامحها بشوقٍ متقدٍ في عينيه، تسعة أشهر! بالتأكيد ليست ضئيلة أمام حجم حبه لها، أمام شوقه إليها، كان يعد الساعات والأيام والشهور، فقط ليلمح عينيها ويُشبع شوقه بها
أغمضت عينيها بهدوء وهي متقينةٌ أنها لو كانت تمر بظروفٍ أخرى لشعرت باللذة من نظراته الهائمة ككل مرة، هو الوحيد الذي يرضيها كأنثى، هو الوحيد الذي يشعرها بالثقة المكسورة داخلها، رغم كرهها وبغضها الشديد له إلا أنها تشعر بالغرور حينما ترى نظرة الشوق والتوق في عينيه، تعلم جيدًا بأنه لا يرى غيرها، وهذا ما يشعرها ولو بالقليل من الثقة
تعلم أنها ليست ككل الفتيات، ليست جميلة، ليست مثيرة، تكره كونها ليست كأرجوان، لا تحمل من الجمال ماتحمل هي، كانت تتظاهر بالثقة سابقًا عن طريق دعم أمها لها، تظاهرٌ لا غير، والآن بعد أن رحلت، كُسر تظاهرها أيضًا، أصبحت تيقن أنها لا شيء حتى ظهر فواز، والذي بنظراته أشعرها بالقليل من الثقة المهزوزة بداخلها
شعرت بشفتيه تلامسان بشرتها بجانب فمها بشوقٍ مضني لقلبه، وهاهو الحب من طرفٍ واحد يدمي شخصًا آخر، لكنّ هذا الشخص ليس بأنثى، بل هو رجل، رجل قادر على فرض سيطرته وقلب الأمور لصالحه
تراجعت بهدوءٍ للخلف محررةً بشرتها من شفتيه، ليصلها همسه الخشن على بعد سانتيمتراتٍ قليلة : كوني واثقة ... إني بكون قربك في محنتك
وقف ناويًا الخروج بعد أن أطلق ابتسامةً واثقة وكأنه يؤمن باليوم الذي ستتشبث به بكلتا يديها، وما إن همّ بالخروج حتى وصله صوتها الهامس والذي يبعثره : ماني محتاجة قربك
إلتفت إليها بهدوءٍ اعتاد على لبسه أمامها، وهو يعلم جيدًا أن بروده يستفزها ويدفعها للغضب. أكملت ببطء وهي تدرك جيدًا عاقبة الكلمة التي ستحررها من بين شفتيها : طلقني




*_-*_-*_-*_-*




كان يمشي في أنحاء الغرفة المُحترقةِ بصمتٍ وذهنٍ مشدود، لكل ورقةٍ بيضاء تحولت إلى سوداءَ مُهترئة، لكل خشبٍ تآكل وأصبح رمادًا أو شبه رماد، لكل إطارٍ تغير لونه ومحتواه الذي كان يحميه تلاشى، والبعض تلاشى نصفه. للباب الضخم الذي تغير لون زواياه فرسم لوحةً لعجوزٍ كهلٍ حزين. لتلك الذكريات الحيةِ داخله، والميتةِ أمامه!
تجول بعينين مرتخيتين بحزن، وهاهو ثباته المزعوم يزول أمام هذا المنظر القاسي على قلبه، العنيف هجومًا على عقله.
زمّ شفتيه وهو يحمل بين يديه بقايًا من صورةٍ هجم عليها النار فأحرق جميع ما فيها إلا يدًا لشخصٍ كان موجودًا بجانب والده في الصورة، كفه, كف سلمان التي كانت مُعانقةً لكف فهد، وهو بهذه البقية من الصورة يدرك أنها رسالةٌ جديدة من القدر، رسالةٌ ستحمل المآسي والمآسي. آخر كتابٍ أنهاه لوالده هو آخر كتابٍ أنهاه والده نفسه قبل وفاته، وقد كانت رسالةً تدل أنّ هذا الكتاب كان آخر ما خطّ فمات صاحبها بعد يومين فقط من بعد أن أنهاه، والآن ماتت ذكرياته عند ولده لتكون آخر ما قرأه.
تراجع للخلف إلى أن وصل للجدار فارتكى عليه نزولًا إلى الأرض، إنزلاقًا ببطءٍ مؤلم، إلى أن استوى جالسًا وقدماه مفروشتان على الأرض الدافئة، بينما كانت يده اليُسرى إلى الآن تحمل ذلك الجزء الباقي وعيناه تنظرآن للفراغ بشرودٍ حزين، يطبق جفنيه ببطءٍ ويرفعهما ببطءٍ أشد، ويده دون شعورٍ تطبق على ذاك الجزء مع كل انسدالٍ لجفنيه.



*_-*_-*_-*_-*




الساعة التاسعة مساءًا
ركضت متجاوزةً عتبات الدرج بقميصها البيتي الطويل ذو الألوان المتداخله، ملامحها مستاءة تُظهر الكثير من اليأس، والقليل من الحياة!
حركت رأسها يمينًا وشمالًا باحثةً عن والدتها لتلتقطها عيناها فورًا جالسةً على كرسيّ من الخشب الهزاز، مُغمضةً عينيها بهمٍ والضيق يتجلى في ملامحها، اقتربت منها بحنقٍ من نفسها، هي السبب في كل شيء، هي سبب ضيق أمها وعدم راحة أخيها، هي الغيمة العقيم التي تُغطي هذا المنزل رافضةً التحول إلى قطراتٍ عذبة، هي شجرة خريفٍ عارية حاولت تظليلهم بلا أدنى فائدة. لكنها الآن، ستُجبر نفسها على الهطول، ستجبر نفسها على الإخضرار وتزيين نفسها بالأوراق!
تنحنحت جاذبةً لحواس أمها نحوها، نظرت إليها أمها بدهشةٍ لم تستطع إخفائها، فهاهي ابنتها تقوم بالنزول مرةً من عدد المرات القليلة التي تخبئها لهم.
لم تستطع إخفاء ابتسامتها الشغوفة والمغلفة بالتجاعيد لتهمس بحنان مأشرةً لها بيدها نحوها : تعالي ياعيون أمك ... تعالي
اقتربت منها بآلية لتجلس أمامها على الأرض واضعةً لكفيها على ركبتي أمها وعيناها تتأملانها بشرود وحيرة
أمها وهي تمسح على خصلات شعرها السوداء : جوعانة يُمة؟
أسيل بصمتٍ ظلت تنظر إليها، وعينيها اللوزيتان ترسمان لوحةً كئيبة أبت أن تختار غير الإسود لونًا لها
أم فواز تعيد سؤالها : جوعانة؟
أسيل وكأنها لم تسمع سؤال أمها، بل على الأرجح هي لم تسمع بسبب شرودها : ليه تبكين؟
أطلقت سؤالها ذاك على أمها بقلقٍ شديد وبدون حيرة، فقط لأنها تدرك الجواب جيدًا، بل لأنها تظن أنها تدركه جيدًا، وجوابها ذاك كان ( أنا السبب! )
بقيت أمها صامتةً للحظات، بالرغم من أن خيوط الدموع لم تكن مرتسمً على وحنتيها إلا أن عينيها الغارقتان في بحر الدموع قد كشفتها
أم فواز بشرودٍ وعينيها تنظران للفراغ : فواز
انتفضت رغمًا عنها لتتهاوى عيناها بانكسارٍ خريفي، أيعقل أن يكون قد حصل له مكروه، أيعقل أن تفقده كما فقدت متعب؟ لن تستطيع الصمود أكثر، خصوصًا وفواز يحمل عبقًا أخآذًا من الراحل
همست برجفةٍ مترددة خوفًا من الإجابة : و .. وش فيه ... فواز؟
أم فواز بوجوم : كلمته العصر وكان معصب، راح الصبح لبيت عمه عشان يقابل زوجته ... وأبصم بالعشرة إنها سوت شيء خلى شياطينه تفور ... مستحيل يروح عندها ويرجع مبسوط
زفرت أسيل براحة وهي تضع يدها على صدرها، كانت تظن أن الأمر أضخم من ذلك، لكن بما أن الأمر يتعلق بجيهان فلا بأس. ابتسمت ببهوتٍ وهي تتذكر بنات عمها المرحات - سابقًا -، منذ مدةٍ طويلة لم ترهن!
أكملت أم فواز بشرود : ليته ما تزوجها، كل شيء كان بسببي، لو إنّي ما شكيت للحظة في ولدي ما كان تزوجها بعدم رضاي
أكملت أسيل عنها بهمس وهي تغوص في عيني أمها الحزينتين، لمَ؟ لا تعلم، لكنها تكاد تقسم أنها السبب : كان ينتظر الفرصة، وجته على طبق من ذهب بعد المشكلة اللي صارت
صمتت أم فواز تستمع إلى ابنتها التي أكملت بابتسامة حزينة : يمة انتِ عارفة بحب فواز لجيهان، بس مع ذلك رفضتيها زوجة له، ومن أبسط مشكلة استغل هو الفرصة وتزوجها رغمًا عنك
أم فواز بحنق : أبسط مشكلة!
أسيل بغموض : في الحب ... تصير كل العقبات بسيطة، عشان ينال العاشق معشوقه
تنحنت أم فواز وهي تلمح نظرات أسيل الشاردة والحزينة، لتُدرك جيدًا أين ذهب عقلها، همست بغصةٍ وهي تمسح على خصلاتها المموجة : أكلتي شيء؟
تعلقت نظرات أسيل الشاردة بعيني أمها للحظات، فبدت كوردةٍ ذابلة أبى الربيع أن يُزهيها. رُبما كان من العدل أن تموت معه تلك اللحظة، فلم لم تطبق العدالة ذلك، اشتدت قبضتها بدون شعورٍ منها على ركبة والدتها التي تجعدت ملامحها ألمًا من تشنج يدا ابنتها على ركبتيها، لكنها لم تعلق وبقيت تتابع بقية الأسى والحزن في نظرتها الشاردة بألمِ أمٍ حنون ليس لديها في هذه الدنيا سوى ابنٌ وابنة، وإن حصل لهما شيء ... ستجن
ارتسم الخط المالح بشفافيةٍ على خدها الأيسر، ويداها تتقلصان أكثر على ركبتي أمها بدون شعورٍ منها ... لو أنها ماتت معه ... لو ماتت معه ... كانت لتريح والدتها من كل هذه المعمعة، كانت لتريحها من ثقلها الذي يزداد يومًا بعد يوم، بالرغم من حجم الجروح داخلها وآثار الإنكسار الكبير في ملامحها، إلا أنها ضاهت جميع وحدات الوزن قوة، فأصبحت ثقلًا لا يحتمله آدمي
همست بدون وعيٍ منها ودمعةٌ سقطت من عينيها الأخرى قسمت ظهر أمها نصفين ألمًا : موافقة على شاهين!




*_-*_-*_-*_-*




كان يرمي الكُرة وهو ممددٌ على سريره الذي يكفي شخصًا واحدًا لترتطم الكرة المطاطية بالجدار عائدةً إليه ومن ثم يعيدها إلى الجدار من جديد، وابتسامته العابثة لا تفارق شفتيه، ملامحه كانت كالأسد الجائع والذي يبحث عن فريسةٍ يلتهمها، والسؤال الوحيد الذي يتردد في ذهنة .... متى ستصل الفريسة؟
كانت الغرفة تأخذ طابعًا رجولي وبها سريران اثنان، وكل سريرٍ كان يكفي شخصًا واحدًا فقط، بينما الآن، أصبح سريران أحدهما خاوٍ تمامًا رفض صاحب السرير الثاني اخراجه من الغرفة، فقط ليعيش ذكرياتهِ المُقدسة بالنسبة له ولا يضعها على الحافة!
تردد صوت طرق الباب على مسامعه ليتأفأف بانزعاجٍ ممن أفسد خلوته في وكره، وهو في نفسه مستغربٌ من الطرق, أيعقل أن تكون الممرضة وقد احتاجته؟ تعجب فوالدته من المستحيل أن تصعد إليه مع تعبها, وتلك الممرضة من المستحيل ان تحتك به لالتزامها الكبير .. صرخ بغضب : نعم خييير ؟؟
ليصله صوتٌ مرهَق بانت به معالم العجز والشيخوخة : أنا يا وليدي
نهض بسرعةٍ مُتفاجئًا والجدية حفرت طريقها إلى ملامحه لتزول ابتسامة العبث تلك، اتجه للباب ليفتحه غير متداركٍ غضبه، وما إن ظهرت له صورة المرأة التي غطت ملامحها التجاعيد ووصله صوتها المُرهق حتى زمّ شفتيه بغضب : ماتبي تتعشى؟
شاهين ولم يستطع منع نفسه إذا حمل جسدها المُمتلئ بين ذراعيه هاتفًا بغضب : كم مرة قلت لا تطلعين تناديني ولو سمعتي إني أحتضر
كانت سترد بوجومٍ إلا أنه قاطعها برجاء : تكفين يُمه حالتك ماتسمح لك تطلعين وتنزلين الدرج كل ما بغيتيني
أمه عُلا وابتسامةٌ مهزوزة ظهرت على شفتيها : الله لا يحرمني منك يا نظر عيني
شاهين بجدية لا تخلو من الغضب وهو يحكم ذراعيه حولها : ثاني مرة لو طلعتي بكسر رجولك هاه
لم تستطع منع نفسها من الضحك على جملته التي لطالما كررها على مسامعها مرارًا وتكرارًا كلما تحركت لمكانٍ قد يُرهقها، لتشعر به يتحرك خارجًا وهو يحملها بجسده الضخم مفتول العضلات، نازلًا بها إلى الطابق السُفلي وهو " يتحلطم " : أنا خلاص قررت من اليوم ورايح أنام في غرفة في الطابق الأول، عشان الست عُلا ماتفكر مرة ثانية تصعد لفوق, وبعدين وين ذيك الممرضة, والله اني قلت إن ما منها فايدة بس هي مُصرة عليها يُقال تحبها وما ترتاح معها
عُلا بابتسامةٍ صافية تحمل معالم الحنان تقطع عنه ثرثرته : العشاء
تأفأف ليوضح لها مدى غضبه، بمعنى * لا تتحدثي معي فأنا الآن غاضب *
وضعها على أريكةٍ ليلكية لينحني مُقبلًا وجنتيها النديتين، ومن ثم جلس بعيدًا عنها مُنتظرًا حديثها الذي سيتضمن اعتذرًا بالتأكيد، فهي لا تقوى على عتبه ... هو وحيدها بعد وفاة أخيه، ولا تجد في هذا المنزل مؤنسًا لها غيره، حتى ممرضتها الحنونة لا تكفيها عن ابنها رغم أنها تستمتع معها أيضًا
عُلا بملامح أجادت تمثيل الحزن : وأهون عليك تظل زعلان علي؟
وقف شاهين يصد عنها مُتجهًا للمطبخ وابتسامة عبثٍ ارتسمت على شفتيه لتزول بسرعةٍ قبل أن تلحظها والدته ونور عينيه، لكن سرعان ما عادت ابتسامته العابثة ما إن دخل المطبخ واختفى عن أنظارها
ارتسمت ابتسامةُ رضى على شفتيها وهي تستمع للمعمعة في المطبخ، مدركةً بأنه يجهز الأطباق للعشاء الذي طلبه والذي وصل بدون علمه لتصعد مناديةً له. إن ذُكر بر الوالدين فشاهين سيكون أكبر مثالٍ لذلك، حتى الخدم لم يسمح بتواجدهم في المنزل، لا يأتمنهم خوفًا عليها منهم، فقصص الخدم ومصائبهم قد انتشرت، وهو يخشى عليها من نسمة الريح، لذا كان هو من يُنظف المنزل، يطبخ، يهتم بها ويراعيها بكل رحابة صدر، غير أنه أحضر فقط ممرضةً للعناية بها، ولم يرضى بغير ذلك. تتمنى لو أنّ لديها ابنةٌ تدير عنه كل ذلك وتقوم هي بالأعمال المنزلية، فهو يبقى رجل ولا ترضى أن يقوم هو بها. لكنه كان يعاند ويرفض الخدم فقط لخوفه عليها، ودائمًا ما كان يقول لها
" اعتبريني خادمة، سواق، ممرضة، اعتبريني بنتك ما يهمني، أهم شيء تشوفيني برضا تام عن كل اللي أسويه، ومو شغلي لو كانت هالأشغال للبنات، مع إني ماني مقتنع بهالشيء، بس أصير بنتك لجل عيونك ... مو ولدك وبس "
البعض كان ليُحرج من كونه يعمل عملًا للفتيات، لكنه كان يفتخر ولا يرى أن ذلك ينقص من رجولته شيئًا، حتى أنه في بعض زيارات أصدقائه له كانوا يتعجبون من كونه هو من يعمل الشاي والقهوة والحلوى فقادهم فضولهم لسؤاله * ألا يوجد خادمةٌ في البيت *
لكنه كان بكل فخرٍ يقول لهم بأنه هو من يقوم بكل شيءٍ هنا، ويحب ذلك. ولدٌ كهذا يجعلها سعيدةً تخجل أن تطلب من الله شيئًا آخر في هذه الحياة، فهو قد لخص جميع نعمه في شاهين وحده
بعد دقائق عاد شاهين بوجهٍ جامدٍ وجاد وهو يحمل صينيةً كبيرة وضع فيها عددٌ من المأكولات الخالية من الدهون وكأسين من عصير التفاح الطازج، وضعها أمامها على الطاولة بصمت وعيناها الضاحكة تتابعه برضًا تام، بينما هو سحب له كرسيًا صغير ليحلس مقابلًا لها بنفس الهدوء والصمت
: ماني جوعانة
أطلقت عُلا جملتها المكونة من كلمتين بوجهٍ حاولت إخفاء المرح به وهي تتوقع أن يرفع رأسه بسرعةٍ ويحشو الأكل في فمها ليرغمها على الأكل، لكنه بكل هدوءٍ رفع رأسه وكأنه مُدركٌ للعبتها ليهتف بجمود وقد رفع أحد حاجبيه : ماتبين؟
أومأت أمه رأسها وابتسامةٌ أبت إلا أن تفر رغمًا عنها التمعت على شفتيها
شاهين بتنهيدة ضجرٍ سريعة : أوكي يا ستّ الكل .. ما عندي مانع إنّي أجوع نفسي معك
اختفت ابتسامةُ علا ليحل محلها وجهٌ صارم هاتفةً بأمر : ياولد ... تاكل الحين قدامي وانت ساكت، تبي تجوع نفسك هاه!
أعاد ظهره للخلف بجديةٍ لا تليق به أمام أمه ليتكتف وحاجبه الأيسر لازال مرفوعًا : آكل ... بس من بعدك طبعًا
وهاهي أمه تستسلم أمامه وبكل سرعة، فهي ليست ذا قدرةٍ كافية لترى ابنها الحبيب يجوع نفسه وتبقى ساكنة. مدت يدها للصحن ومعالم الوجوم تظهر على ملامحها الطفولية حتى بعد هذا العمر، لكنّ شاهين مد يديه بسرعةٍ ليُمسك بيدها الممتدة ويحتضنها بين يديه هامسًا بحنان : ودنا ننال شرف أكلك من يدينا!
رفعت عينيها إليه لتشهد ابتسامته الحانية فلم تستطع إلا أن تبتسم له، بينما مد هو يده ليأخذ فطيرةً بالجبن ويمدها لفمها لتتناولها منه
وهما يولدان أجمل صورةٍ لأمٍ وابنها البار بها.



*_-*_-*_-*_-*




كان يتأمل المُتمددة على سريرها بصمتٍ والقليل من الراحة، لم يسعفه الوقت ليغتصبها كما توقع هو، لكنه أيضًا يشعر بالقهر والغلّ، يتمنى لو يستطيع الذهاب إلى قسم الشرطة ويضرب الرجل ويضربه ثمّ يقتله، لكنه تنهد وهو يمسك زمام نفسه، ليس من صفاته التهور فلمَ يفكر بهذا الآن! بينما معالم اعتدائه على أخته واضحةً على جسدها الموشوم ببعض القبلات، والقليل من تيارات أظافره. أغمض عينيه وهو يقترب قليلًا منها، كانت حينها مُغمضةً لعينيها لايعلم إن كانت واعيةً أم لا، لكنه ما إن وضع يده على رأسها انتفضت بقوة لتفتح عينيها، فتراجع وهو يرسم الألم والقهر على عينيه, هو طبيبٌ نفسي ويعلم ما سيحتم عليه ذاك الإعتداء من رهبةٍ وخوف, هي طفلة وما حدث كبيرٌ جدًا على وعيها الطفولي. ابتلعت ريقها وهي تنظر إليه بضياع : عناد!
ابتسم لها ببهوتٍ وهو يقترب منها قليلًا ليجلس : عيونه ... شلونك الحين؟
ابتلعت ريقها بارتباك وهي تفرك ذراعها بشعورِ شخصٍ مُتغزز من نفسه, رغم أنها لم تفهم تحديدًا كل ما حصل معها : أبي ماما
اقترب حاجبيه من بعضهما, امها في الخارج تبكي وتُعزي نفسها بابنتها التي لم تدرك العالم وخطره جيدًا, مسح بكفه على وجنتها ليهمس : بناديها لك ... لا تخافين
ثمّ وقف ليخرج ويقابل امه الجالسة بجانب الباب على إحدى الكراسي وأناملها تمسح دمعاتها : يمه
استدارت إليه بسرعةٍ ولهفة لتهتف : شلونها؟
عناد يومئ رأسه بأسى : صحيت وتبيك
لم تستمع لكلمةٍ أخرى وهي تندفع لتدخل إليها, وفور رؤية غيداء لأمها بكت بذعرٍ وهي تتشبث بها ما إن جلست بجانبها, لتهذي دون وعي : ماما وش كان يبي مني؟ ظنيته بيتركني عشان ما أصرخ وأنادي سلطان وبعدها بيروح ... يس هو ..
صمتت وهي تبتلع ريقها بشيءٍ من الخوف والإحراج, خافت أن تضربها أمها لما قام به هو وأُحرجت هي من فعلته تلك.
لكن أمها احتضنتها وهي تبكي لتهمس لها وتستغرب هي : ما عليك منه ... ما يخاف ربه ولا يستحي ... انسي اللي صار يا بنتي ... انسيه
اقترب عناد وهو يضع كفيه على كتفي أمه ليهمس : خلاص يمه لا تقعدين تكررين عليها اللي صار
أومأت بهدوء وهي تتراجع لتضع ابنتها على السرير وتغطيها : خلاص نامي حبيبتي وأنا جنبك
أومأت ثم أغمضت عينيها, لكنها لم تنم بالفعل ومن إين يأتيها النوم وهي تتذكر ذاك الرجل والذي قام به, تريد أن تفهم فقط لمَ قام بذلك الفعل القبيح. احتضنت نفسها وهي مٌغمضة لعينيها فلاحظها عناد ليهز رأسه بأسى ويغمض عينيه غاضبًا




زوايا أمل likes this.

كَيــدْ ! غير متواجد حالياً  
قديم 10-06-14, 02:30 PM   #5

كَيــدْ !

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية كَيــدْ !

? العضوٌ??? » 320291
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 563
? الًجنِس »
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » كَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ياصغيّر مايكبّرني لقب ومايصغّرني إذا أنكرني صغير ماخذينا الصيت من جمع الذهب ولانَسابة شيخ أو قُربة وزير !
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي






(2)*2







في ساعةٍ سابقة


كان يمشي ذهابًا وإيابًا أمام سيارته الواقفةِ على حافة الطريق, ومعالم الغضب قد شقت طريقها إلى ملامحه.
غاضبٌ جدًا، غاضبٌ عليها، غاضبٌ على قلبه، غاضبٌ على نفسه، كيف سمح لها أن تهينه بتلك الصورة البشعة، بل كيف استطاعت هي بكل برودٍ أن تطلق اهانتها تلك!
زمّ شفتيه وهو يتمتم مستغفرًا وجملتها تتكرر في رأسه، ما إن طلبت الطلاق حتى بان في ملامحه الغضب، حصل جدالٌ بسيط ما بين مدٍ وجزر، هي تُقنعه برمي الطلاق، وهو من جهةٍ أخرى يستفزها برفضه
إلى أن أمسكها أخيرًا من ذراعها بقوةٍ بعد أن غضب فعليًا هاتفًا بحنقٍ: لا تستفزيني بطلب الطلاق، لأنه مو فواز اللي يفرط في أملاكه
حينها أطلقت عباراتها الوحشية، عباراتها الوقحة والتي لا يتخيل أن تطلقها امرأةٌ في وجه زوجها : تبطي تملكني ... أنا ملك نفسي وإن كنت بكون ملك غيري فهذا المالك بيكون شخص أحبه .. مو انت!
وقبل أن يستوعب ما قالته ليرد عليها بأقل أمرٍ قد يرد بها رجلٌ أمام زوجته .. وعلى الأرجح كانت لتكون صفعة
أكملت بهمسٍ مجنون وهي تسحب ذراعها منه بتقرفٍ اتضح على ملامحها لتطلق قنبلتها النووية في وجهه مشوهةً لكل صورةٍ لها أمامه : ابعد يدك لأني أقرف أنزل لمستواك الدنيء .. لمسك لي يحسسني إني شيء نجس، وللحين ماني متخيلة مجرد تخيل ... إني زوجتك
تلك كانت قاضيتها ... لا يستطيع، لا يستطيع فقط مجرد تخيل حجم جملتها الأخيرة تلك، جملتها التي فاقت سابقاتها جرحًا، أن تُطلق عليك جملةُ تحقيرٍ كهذه من قبل زوجةٍ عشقتها حتى النخاع .. هذا كثير .. وجدًا
كم تمنى تلك اللحظة في ثورةِ جنونٍ غاضب أن يريها حجمها الفعلي، قالت أنها لا تستطيع التخيل أنها زوجته! لكنه أراد حقًا أن يجعلها تصدق وترى ذلك فعليًا، لكنه لم يكن ليسمح لنفسه بذلك الفعل في منزل والدها، ولو أنها حقًا كانت في بيته لقام باثبات أنها زوجته ولتمانع إن استطاعت!
وهاهو الآن يمشي ذهابًا وإيابًا أمام سيارته، بعد أن خرج من بيت عمه غاضبًا ولم يُلحق سموم لسانها بشيء، ومن شدة غضبه لم ينتبه أن وقود السيارة قد نفد، ليصبح الآن محشورًا بين منزل عشيقته ومنزله، وفي مزاجه السيء ذاك، لم تكن قدماه لتمشي به إلى المنزل الذي يبعد أمتارًا
رفع يده بعد أن توقف من جولته داخل حلقةٍ مغلقة ليمسح رأسيًا من بدايه مابين حاجبيه إلى أن مرر أنامله بين خصلات شعره الخفيفة. لأول مرةٍ يشعر بالخواء هكذا، كان يعلم بأنه لن يخرج من منزل عمه إلا وقد رمت هي بعضًا من كلماتها الفضة في وجهه، لكن الأمر الآن مختلف ... فهي في كل مرةٍ تطلق عليه شتائم ونظراتٍ رافضة فقط، والآن، الأمر أكبر بكثير مما توقع
هل كان يتحدث مع جيهان حقًا؟ كان يبدو كمن يتحدث مع إنسانٍ آخر تمامًا، بل على الأرجح، كان يتحدث مع ميت .. عيناها كانتا خاويتان باردتان، وملامحها شحبت كالأموات، حتى هي لم تعد هي! سابقًا كان يستطيع سرقة ضحكةٍ منها دون أن تنتبه لنفسها، كانت تجلس معه برفضٍ واضح لكنه كان يستطيع قلب الأمور لصالحه وبالرغم من كرهها له إلا أنها لم تجرحه سابقًا كما الآن ... فلمَ تغيرت؟
رفع نظراتهِ إلى السماء وهو يتنهد بإرهاق هامسًا : يارب أسألك لطفك
أخرج هاتفه من جيبه ليبحث عن اسم عناد وحاحبيه لم يفكا تعقيديهما، ضغط زرّ الإتصال واضعًا الهاتف على أذنه. انتظر قليلًا لكنه لم يرد إلى أن انقطع الإتصال. أعاد الإتصال بملل وانتظر عدة ثوانٍ أخرى، وفي آخر رنةٍ سمع صوته المتعب : ألو
فواز بهمسٍ ولم تفته نبرة عناد، إذا أيقن أن هناك أمرًا قد حصل وهو لا يعلم : السلام عليكم
عناد : وعليكم السلام والرحمة ... وينك يا رجال العالم احترقوا وانت لاعين شافتك ولا أذن سمعت عنك!
اعتدل فواز في وقفته بسرعة بعد أن كان ساندًا لجسده على سيارته، وبصوتٍ خرج قلقًا وقد نسي جيهان تمامًا : حريق!!
عناد بضيق : تعال لعندي وأنا بفهمك كل شيء
فواز بعد أن تنهد بعجز : سيارتي خلص بنزينها وأنا ما انتبهت .. والحين صرت أتفرج للرايح والجاي
عناد بأملٍ مفقود : ما منك فايدة لا انت ولا الخبل اللي عندي ... وينك عساك بـ .. خلني ساكت بس
أخبره فواز عن مكانه بدقة وفي أثناء ذلك خرج عناد من المستشفى ذاهبًا إليه، وقبل أن يغلق سأل عناد بتوجس وهو يدرك بأن ما حدث أكبر من كونه حريق : عناد
عناد : سم
فواز : الموضوع ما يتعدى كونه حريق صح؟
عناد بعينين شاردتين : بتفهم كل اللي صار بس مو الحين
أومأ فواز برأسه ليغلق الهاتف ويستند على سيارته منتظرًا قدوم عناد.



,



التاسعة مساءًا

تجلس بينهم وهي تشعر بالغربة، دائمًا ما ترتبك إن جلست مع أقارب العائلة وأم ياسر غير موجودة، فهي قد ذهبت لمنزل يوسف والد جيهان مع هديل، ولو أنهم يعلمون بقدوم أقاربهم لما ذهبوا.
وصلها صوت أم رانيا الهادئ بعد أن أغلقت الهاتف : وين قلتي راحوا؟
وقد كانت أم ياسر لم تخبرها بمكانها حتى لا تجد منها التفكير بقصة انتحار منى, فهي جلست معها مرةً بعد ما حدث بأيامٍ لتجد منها كلامًا فضًا أخرجته دون أن تنتبه وذلك تشمتًا بمن قد تفكر بالإنتحار في هذا العمر. وماذا سيكون سبب الإنتحار
ردت بابتسامةٍ مُرتبكة وهي تلعب بشعرها المصبوغ بالأشقر، وحُزنها الغامض يتمركز في وشمها الصفير والذي يزداد وضوحه أثناء تحدثها, دون أن تعلم أن ام ياسر لم تكن تريد لأخت زوجها أن تعلم : راحوا لبيت عمي يوسف، ولو انهم يعرفون بجيتكم كان كنسلوا روحتهم
صمتت ام رانيا للحظاتٍ وبملامح مُقطبة, بينما ردت رانيا بفضاضة : شقصدك؟ إننا جينا لبيت خالي في وقت غلط
إلين بلعت ريقها باحراج وحركت فمها لترد، لكن أم رانيا سبقتها في الكلامِ عاتبة : شهالكلام رانيا!
صمتت رانيا على مضض وهي ترسل إليها نظراتها الحارقة، بينما كانت أماني تجلس بجانبها وهي تنظر لرانيا بارتباك
وفي جهةٍ أخرى، كانت تجلس عمة ياسر أميرة بنظراتٍ جامدة كالمحققين كعادتها، كم تمنت أن تصل لقلب هذه المرأة، فهي لا تُكسب حبها إلا لمن تثق بهم، ويبدو أنها ليست منهم.
وقفت بحرجٍ وارتباكٍ لتهمس : بشوف الشاي
لم تستطع منع نفسها من الهرولة أمامهم للمطبخ وكأنّ هناك من يلاحقها، وبالفعل .. كانت نظرات رانيا تلاحقها بغلّ، بينما أميرة تتابعها بجمود المحققين.
دخلت المطبخ لتقف قليلًا عند الباب واضعةً يدها على صدرها واليد الأخرى مسندةً على إطار الباب، يا إلهي لمَ تشعر بكلّ هذا الإرتباك؟ ليست المرة الأولى التي تجلس فيها بينهم وبطبيعيةٍ تامة، لكنها المرة الأولى التي تجلس فيها معهم وحيدة، لكنها دائمًا ما كانت تجلس مع أماني ورانيا وهديل في جلسةٍ حميمية وتستطيع التصرف بطبيعيةٍ أمامهم حتى وإن لم تكن هديل معها ... لكن، منذ أن تغيرت معاملة رانيا معها حتى باتت تخجل الجلوس وهي موجودة، فهي لا تجد فرصةً إلا وتحرجها بها.
صبت الماء المغلي من الغلاية الكهربائية في الإبريق المخصص لتقديم الشاي، وهي حقًا ليست مع الشاي، بل كانت شاردةً تمامًا وهي تحاول استنتاج سببٍ مُقنع لتغير معاملة رانيا معها، لكنها لا تذكر أنها فعلت شيئًا بحقها إطلاقًا، فلم تغيرت؟
وصلها صوتٌ أنثويٌ من خلفها : ليه مارحتي معهم؟
بسرعةٍ التفتت مفزوعة، وما إن رأت رانيا حتى وضعت يدها على صدرها وهي تبتسم بارتباك : هذي انتِ ... فجعتيني !
نظرت إليها رانيا من أعلاها لأسفلها، كانت ترتدي تنورةً سوداء طويلة وضيقة من خصرها إلى ركبتها، ثم يتسع طويلًا بشكلٍ أظهر قوامها فاتنًا، ومن الأعلى ترتدي بلوزةً ليمونية واسعة تنتهي بحزامٍ ذهبي عريض يفصل بين البلوزة والتنورة، نظرت إلى زندها الأبيض بضيق، كُم البلوزة كان قصيرًا لا يخفي زنديها المرمريين، ووجهها مزينٌ بالقليل من المكياج.
بللت إلين شفتيها بارتباكٍ من نظراتها الضيقة، لتتنحنح بإحراجٍ هامسة : وش فيك؟
رفعت رانيا حاجبيها بسخرية : لمين هالكشخة؟
تجهم وجه إلين بعدم فهم : لمين؟
رانيا بفضاضة : قصدي واضح، ليه ما رحتي مع عمتي لبيت أخوها ... والا تبين الجو يخلا لك؟
ازداد تجهم وجهها وهي حقًا لم تفهم قصدها، بل شعرت بالريبة مما ترمي إليه : لو سمحتي رانيا اتركي عنك الألغاز وتكلمي بوضوح
رانيا بقهر : قصدي واضح ياست الحسن والدلال ... لا تظنيني ماني فاهمة حركاتك! .... * وبتوثيق أردفت لا بأسلوب استفهام * حاطة عينك على ياسر؟
اتسعت عينا إلين بصدمة وتوردت وجنتيها بحرج، ليس لأن كلام رانيا صحيح، بل لأنّ في كلماتها كشفٌ لهوية عشيقها. هي لم تفكر يومًا بايقاع ياسر في شباكها، تحبه والأمر لا يتعدى ذلك، أي أنها يائسةٌ تمامًا من فكرة زواج ياسر بها ... ولا تريد ظلمه بهكذا زواج.
رانيا بضيق : أشوفك سكتي ... حتى محاولة كاذبة منك في التبرير مافيه؟
تابعت وهي تهز رأسها بأسى : خسارة ثقتنا فيك والله
استجمعت قوتها في الرد وهي تشعر بجرحٍ كبير من تفكير رانيا، الآن فقط أدركت سبب ابتعادها بهذا الشكل، والأمر الآخر، إدراكها أن رانيا لا تختلف عن غيرها من الناس، نفس النظرة لأمثالها، ونفس الرأي ... أي أنّ كل يتيمٍ أو لقيط، ليس له أية حقوقٍ في الحياة.
همست بجرحٍ وألم اتضح بصوتها : ما توقعت هذا تفكيرك رانيا ... للعلم، ترا أنا ماني مجبورة أبرر لك، بس بقولها لك باختصار، صدمتيني بتفكيرك العنصري!
رانيا بقهر : منتي مجبورة تبرري لي؟ .. طبعًا، هو إنتِ عندك شيء تقوليه؟
إلين بضيق وعلى وجهها ارتسمت ملامح الأسى : عندي بس مو لك ... للعقول السويَة
رفعت رانيا حاجبًا لتجهز ردها الفظّ، لكن إلين سبقتها بغصة : ياسر ما يرجع من شغله هالوقت ... والا ماكنتِ شفتيني كذا
وبسرعةٍ استدارت لتكمل الشاي بسرعة، حتى أنها لم تنتبه لما تفعله وغشاوةٌ من الدموع تغطي عينيها، لم تكن يومًا تعلم أن رانيا تفكر بهذا الشكل، ظنت أن تغيرها معها يرجع لسوء تفاهمٍ لم تقصده. والآن اتضح كل شيء، فرانيا لا تختلف عن غيرها إطلاقًا.
بيدين مرتجفتين وضعت أكياس الشاي. تشعر بفراغٍ داخلها، حتى وإن تصنعت السعادة إلا أنها تفتقر للكثير، للكثير جدًا. عائلة / أصل / هوية / مكانة / شخصيةٌ ثابتة - غير مشتتة.
رفعت رأسها قليلًا للأعلى لتضغط على عينيها باصبعيها لتمانع دموعها من السقوط، في حين زمت شفتيها تمنع شهقةً مكتومة من الخروج، ثم رفعت صحن التقديم لتلتفت وتتفاحئ بأن رانيا لا تزال خلفها، تنظر إليها نظراتٍ غامضة وكأنها نظرات ... عتاب!
لمَ قد تعاتبها؟ أمالت إلين رأسها بحيرة، ولم تنتبه للصحن الذي مال معها قليلًا. من يجب عليه أن يعاتب الآخر؟ أليس هي! أرانيا من جُرحت الآن؟ يومًا بعد يوم تخرج أصنافٌ جديدة من أناس لا تعلم حقًا مما صنعوا، منذ ثزاني تجرحها والآن تعاتبها!
همست إلين بحيرة : انتِ غريبة يا رانيا ... حيل غريبة .. وغرابتك هذي صنعت منك إنسان ظالم في حق غيره
رفعت رانيا حاجبيها لتمد يدها ببطءٍ إليها، توجست إلين لكن حاجبيها اقتربا من بعضهما باستغرابٍ ما إن أراحت كفها أسفل الصحن
رانيا ببرود : انتبهي لا يطيح
تشبثت إلين بالصحن ونظراتها المتسآئــلة لازالت تُزين عينيها البريئتين، فاستدارت رانيا بصمتٍ لتخرج من المطبخ بعد أن همست : راجعي نفسك واعرفي من اللي يظلم غيره بكل سادية
وقفت إلين مكانها للحظات، وقد ثبتت عيناها على مكان رانيا الخاوي بعد أن غادرته، ثم تنحنحت ما إن انتبهت لتأخرها لتتجه ببطءٍ نحو باب المطبخ وهي تحاول تفسير جملة رانيا، بالتأكيد هي تقصد حبها لياسر ... ابتسمت بسخريةٍ من حالها، أصبحت ظالمةً فقط لأنها أحبته حُبًا صامتًا وشريفًا بعدم تفكيرها بظلمه معها!
أثناء مشيها بشرودٍ دخلت الغرفة ليهاجمَ أذناها صوتٌ رجوليٌ خشن أثار ارتجافها، وفي لحظةٍ التقطت عيناها ياسر الذي كان يسلم على عماته وقد كانت أمه قد اتصلت به بعد ان علمت بقدومهم وذلك عندما اتصلت عليها أم رانيا بعد وصولهم, بينما كانت رانيا وأماني قد غطتا وجهيهما. تراجعت بسرعةٍ مُحدثةً ضجيجًا إثر تصادم إبريق الشاي مع الأكواب بسبب تشتت مشيها للخلف، وبسبب ذلك التفت الجميع ومنهم ياسر للباب لكنها كانت قد اختفت لحظتها.
تجهم وجه ياسر باستفهام : مين هنا؟
أم رانيا برقة : هذي إلين أكيد
ياسر بوجهٍ مُقطب : ليه هي ما راحت مع أمي لبيت خالي؟
تمنت رانيا لو تتداخل بالكلام معهم لكنها فضلت الصمت، ثمّ استقامت لتتركهم بعد أن همست بخفوت : بجيب الشاي أنا .. لأن إلين ماهي متغطية عشان تدخل
قاطعتها أماني بتوجسٍ وهي تدرك أنه من الأفضل ألا تلتقيان، وذهاب رانيا سابقًا بحجة أنها تريد الحمام لم يقنعها : أنا بروح
رفعت رانيا حاجبها لتتجاهلها وقد اتجهت للبابِ هادرةً : قمت وانتهى الأمر
زمت أماني شفتيها بقلق، بينما ذهبت رانيا للمطبخ لتجد إلين واقفةً مستندة على الرخام ورأسها منكسٌ للأرض بشرود ويدها على صدرها وقد بدأ قدمها بالتحرك في رسمٍ عشوائيٍ على الأرض
ابتسمت قائلةً بسخرية لتجعلها تستفيق من شرودها : ياسر ما يرجع الحين من شغله!
رفعت إلين رأسها بسرعةٍ إليها، وفي غضونِ ثانيةٍ كان وجهها قد تجهم بعتابٍ وأسى : أول مرة يرجع بهالوقت
ضحكت رانيا بسخريةٍ لاذعة وهي تتجه إليها لتأخذ صحن التقديم من خلفها على رخام المطبخ : أيوا أدري
ازداد تجهم وجه إلين ومعه ازداد جرحها تعمقًا في قلبها، لا تحتمل أن تعامل بقسوةٍ هكذا خصوصًا مع القريبين منها. أخذت رانيا صحن التقديم واتجهت للباب لتقف هادرة بحنقٍ قليلًا قبل أن تتابع : لو كنتِ شخص ثاني مختلف كليًا عن شخصك ... كنت رضيت بهذا الحُب
زمت إلين شفتيها بألم ليظهر جرحها الغامض بشكلٍ لافت، بينما خرجت رانيا وهي تدرك جيدًا بأنها ستفهم مقصدها ... ومالم تره، أن إلين قد جلست على الأرض ووجهها يزداد تجهمًا، ألمًا وحزنًا، هذا هو رأي رانيا بها! لو أنها شخصٌ آخر غير شخصها! لو أنّ لها أصل، لو لم تكن يتيمة، لو لم يكن هناك احتمالٌ كبير بأنها ابنةٌ غير شرعية، لو لم يكن هناك احتمال ضئيل بأنها لم تكن نتيجة خطأ اثنين لم يخشيا الله، لو كانت معززةً مكرمة بين والدين حقيقيين، لو أنها فقط كان لديها ثقةٌ بأن لا أحد يراها إنسانةً ليس لها حقٌ بين المجتمع، لو أنها كانت تحمل اسمًا، لو لم تكن هنا مكفولة! لو أنها فقط وجدت في هذه الدنا بظروف طبيعية ... كان لها حقٌ في أن تحب ياسر، كان لها الحق في أن تتزوجه وليس فقط أن تحبه، كان لها الحق في أن تعيش، وكان لها كل الحق في أن تكون لها علاقات!
الآن فقط أدركت الفارق الكبير بينها وبين رانيا. بينها وبين هديل، بينها وبين أماني .. أبو ياسر وأم ياسر والداها الوهميان، عمات ياسر، أخواله وأولادهم، بينها وبينه، بينها وبين ياسر !!!
أدركت خطأً كلّ ذلك، ولم تدرك المعنى الحقيقي من كلام ديما ... بل ابتعدت عنه كثيرًا.



,



يحرك أنامله الصلبة على مكتبة في إيقاعاتٍ منتظمةً ليصنعَ نغمةً تعبر عن شرودة، بينما كان مستندًا بمرفق يده الأخرى الذي كان يغطيه ثوبه الأبيض على مكتبه، وكفه الضخمة مستريحةً على خده. كوب القهوة أمامه كان يبث دخانًا أمام ملامحه الرجولية ليشوش النظر إليها، بينما عيناه كانت تتابع رغوة القهوة بشيءٍ من الشرود.
بلل شفتيه ليرفع كوب القهوة مُرتشفًا منه القليل، ليهبط به وابتسامةٌ غامضة قد ارتسمت على شفتيه.
يتخيلها الآن أمامه، واقفة بكامل نعومتها وضعفها المعهود، والذي يشعره بالتشدق والرضا، دائمًا ما كانت تخضع له في كل شيءٍ يخصها ويخصه، وإن حاولت تصنع القوة فسرعان ما تخضع بابتسامةٍ واحدةٍ منه. وكم يثيره هذا الشعور بالرضا، تحديدًا حين تنظر إليه بهيامٍ لم يظهر عليه هو.
لا يُحبها, لكنها زوجته وهي خاصةٌ به, ويستحيل أن يفرط بها، حتى وإن لم يكن يحبها.
ساديّ ! أجل هو كذلك، يعترف بأنه مغرورٌ يعشق التملك، وهي ملكه شرعًا ولا يستطيع أحدٌ نكران ذلك، وما زاد من قوة تملكه لها هو عاطفتها وانجرافها التام نحوه، والذي يشعره بأنه كلّ شيءٍ لها، بل هو محورُ حياتها.
دائمًا ما كانت تقول له : ما ذنبها لتعيش معه بهذا الشكل؟
وهو بكل بساطةٍ يفكر دون إجابة منطوقةٍ بها, ما ذنبها! ألا تعرف ما ذنبها حقًا لتسأله, ألا تعرف أن ذنبها هو أنها تزوجت به, برجلٌ - مُطلق - لا يثق بعلاقةٍ يكون بها الرجلُ مرخيًا لحباله. وهي هكذا وقعت عند من لا ينوي إرخاء شدته وقسوته.
همس بعد أن زمّ شفتيه بشرود، وبكل تملكٍ نطق إسمها الخاص في قاموسه، والذي لا يدل على شيءٍ سوى أنه دليلٍ عاشر على أنه وقع على ورقة تملكه لها : بقي شوي يا ميْ ... وترجعين لأحضاني



,



الحادية عشرة مساءًا


كان يقف عند الباب يتأملها وهي تُمسك بكوبِ القهوة الفرنسية التي تُحبها في يدها, تنظر إلى مافي الكوب بشرودٍ ويديها الصغيرتان يداعبهما الدفء. يشعر بالدنب, هو السبب فيما حصل لها, هو السبب في كل شيء, لو لم ينتظرها خارج المنزل, لو لم يتركها, لو لم تكن في بيته, لو لم تكن عنده من الأساس ولو لم يكن هو موجودًا في هذه الحياة, لكانت بخير, لو لم يكن اخاها لكانت بخير. استغفر ربه, يجب أن يسيطر على أفكاره ويطرد كل فكرةٍ قد تُكتب سيئةً في ميزانه, و( لو ) تفتح باب الشيطان, تعوذ من الشيطان ثمّ ولج للداخل هاتفًا بالسلام, فانتفضت لتنظر إليه بعينين متسعتين وملامح مشدودة, لترتخي ملامحها وتتنهد بعد ذلك, بينما أمها أيضًا استدارت تنظر إليه, لتبتسم بفتورٍ هاتفة : وأخيرًا شفناك
ابتسم هو أيضًا بذات الفتور, لينحني يقبل رأسها ثم وجنة غيداء التي هتفت بعتاب : أول ما فقت كان عناد بوجهي ... وانت ..
صمتت ولم يرد هو لوهلة, من حقها ان تعاتبه, هو لم يستطع القدوم ليراها بعد الذي حصل مباشرة, لم يقوى على رؤيتها وهو يرى انه السبب. هتف بعد حين : أسف .. * قبل وجنتها الأخرى ليهمس * خلاص عناد كان صادق, الأخوان من الرضاع دايمًا ما يهتمون ببعض, وأنا أثبتت هالنظرية
قطبت جبينها ولم يُعجبها حديثه, فهمست : يعني أهون عليك
سلطان بابتسامةٍ حنونة : تهون علي روحي ولا تهونين انتِ
ابتسمت له فاحتضنها وبدأ في مسح شعرها, ليهمس بألم : آسف غدوي, ما رحنا للملاهي
أومات بهدوء : ما عليه, يوم ثاني * ثم ابتعدت لتُردف بقلق * انت بخير؟
سلطان بابتسامة : توني ما سألت عنك تسألين عني؟ أنا بخير لا تخافين ... شلونك انتِ؟ والحمدلله على السلامة
لم ترد عليه وهي تنظر لكفيه التي كان الإحتراق بهما بارزًا, فتمايلت شفتيها عبرةً لتُمسك باليسرى وتقبلها : يدينك!!
سلطان بابتسامة : ما عليك منها ... ما تعورني
افتربت أم عناد منه لتجتذب كفيه بقلق : شلون ما تعورك؟ سلطان متى بتترك حركات عدم المبالاة هذي؟ حرام عليك
ظلّت ابتسامته الفاترة مرتسمةً على وجهه, هذه أمه بالرضاع, والتي كانت صديقة والدته كما قال له والده, أمه الحقيقية توفيت حين مخاضها به, وقد كان جسدها ضعيفًا لا يحتمل الولادة بينما حملت به بعد سنواتٍ من زواجها بأبيه, وحين ماتت, أرضعته ُأم عناد التي كانت وقتها تُرضع ابنًا لها مات في الثالثة من عمره.
أم عناد بقلقٍ ضربت جرس الممرضة لتاتي بعد دقائق, بينما هو تنهد ليهتف : وش له يمه؟ والله إني بخير شوفيني قدامك حصان
أم عناد بحزم : ما أهلكك إلا ثقتك .. أقول إمش قدامي خلّ هالممرضة تطهر حروقك
بعد لحظاتٍ دخل عناد عائدًا من عيادته التي ذهب إليها بعد أن كان مع فواز ليُقطب جبينه حين رآه: وأخيرًا جيت؟
استدار إليه بملامح مُتجهمة والممرضة تطهر حروقه والتي كان منها في عنقه القليل وفي وجهه أيضًا, فابتسم عناد : الأم وقلقها على أطفالها
سلطان : والأخت وقلقها على أخوانها
ضحك عناد ليقترب من غيداء ويُقبل جبينها : شلون عيون أخوها الحين
غيداء بعبوس : كم مرة سألتني؟
عناد : أفا .. كذا تخسفين فيني؟
ابتسمت لتحرك حاجبيها وتستدير عنه تنظر لسلطان بقلق فضحك : بياخذ مني سلطان كل الحب والحنان عشان شوية حروق
أمه بصرامةٍ استدارت إليه : انثبر انت مو وقتك
ضحك : أفا يا أم عناد بس
بعد انتهاء الممرضة من تضميد كفيه كان عناد قد اقترب ليضع كفه على كتفه, ففهمه سلطان ليخرج معه بعد أن استاذنا.
وقفا في الممر ليهتف عناد : عرفت شيء؟
سلطان بملامح متجمدة : اي ... الخدامة ما كانت موجودة في البيت بعد الحريق, أكيد لها يد
قطب عناد جبينه وقد فهم الآن كيف تم دخولهم ومن ساعدهم : متأكد؟ يعني ما لقوا لها جثة تأكد وجودها على الأقل
حرك سلطان رأسه نافيًا وهو الذي يكره الخادمات, لم يكن ليسمح لخادمةٍ أن تعتب باب المنزل لولا إصرار عمه على أن يكون هناك في المنزل خادمة تُدير ترتيبه, في وقتٍ كانا فيه يسكنان معًا, والآن هاهي الخادمة تثثبت ولاءها لسيدها الأصلي وتُدخل المجرمين الذين كانوا رهن يديه.
عناد بتساؤل : والرجّال؟ كان بروحه والا معه حد؟
سلطان : حسب ما قاله المحقق لي كان معه شخص ثاني ... بس تدري وش بعد؟ رفض يعترف مين اللي أمره باللي سواه, قال إن هالقرار اتخذه هو وشريكه من حقد قديم لي ... هه, وكأني أعرف وجهه أساسًا. انكرت اللي قاله والتحقيق لازال جاري. بس ماهقوتي يتكلم, خوفه من سلمان أكبر من خوفه من السجن
صمت عناد قليلًا وهو يضوق عينيه مُفكرًا, ثمّ همس : ماراح يتركه ... بيقتله أكيد!!
حينها قطب سلطان حاجبيه, هذا ما كان يتوقعه منذ البداية, سلمان لن يصمت وسيقتله كما قتل والده عندما كشف ألاعيبه وحقيقته .. يتذكر تلك المُكالمة التي سمعها جيدًا, فهو يومها سمع حقيقة الرجل الذي رباه من شفتيه هو. رجلٌ مُختلس / قاتل / سارق / ... يذكر وقتذاك وقبل موت أبيه أنه كان يستمع لحديثٍ يدور دائمًا بينه وبين سلمان, ما بين إختلاس اموالٍ وسرقة اوراق ومشاريع من الشركة التي كان يعملان بها معًا وأنشآها معًا, والتي وياللأسف مشتركةٌ بينهما الآن. ويبدو أن والده ما إن كشفه قام بقتله.
سلطان بهدوء : عارف .. وعلمت المحقق بعد. بيشددون من الحراسة عليه
تنهد عناد وهو غير مطمئنٍ أبدًا, سيصل إليه, بالتأكيد سيصل إليه.



,



بيما في منزلٍ آخر, منزل سلمان. كان يجلس مع شريكه وهو يضحك, والآخر يبتسم لضحكة شريكه.
سلمان بسخرية : بس تدري, عجبني اللي صار, خله يتربى كان ينسى فضائلي عليه ... أبدًا مو من مصلحته يلعب معي وأنا سلمان. ما كان ودي يصل الأمر لهنا بس هو اللي اختار هالطريق ... قلت بستفيد منه مستقبلًا والحين ماعليه ..... ننهيه
والآخر ضحك بخسةٍ ليهتف : ضربة قاضية لولد فهد
سلمان بنظراته الثاقبة : واخوه عناد يبيله بعد وخزة من نوع ثاني ... ووصلته بدون تخطيط * ثم ضحك وهو يتذكر ما سمعه عن محاولة الإعتداء على غيداء *
أحمد بابتسامة المنتصر : على هالنجاح لازم نحتفل
سلمان دون مبالاة : لا مالها داعي .. تعرفني ما أحب الحفلات
مط احمد شفتيه بامتعاض : خلك انت انا بحتفل بنفسي وعلى طريقتي الخاصة
سلمان ويعلم جيدًا ما يعنيه, بالطبع سيحتفل بذاك المشروب كالمعتاد, هتف : كيفك
ثم نهض يريد أن يذهب فهتف الآخر : على وين؟
استدار وهو يرفع هاتفه : بشوف وش صار على اللي في السجن
أحمد ووجهه تجهم بخوف, لكن سلمان تجاهل تقلبات ملامحه وهو يذهب عنه ليرفع هاتفه ويتصل على القسم, سيعلم ما الذي حدث لذلك اللي تأخر بعد رفيقه, بالتأكيد انتهى أمره.
بينما أحمد وقف من جهته تلك وهو يرفع هاتفه أيَضًا يتأكد كسلمان من الإنتهاء من شريكهم ثم سيذهب لمنزله.



,



قدمت القهوة لعمتها وابنتها وابتسامةٌ لازالت تحمل معالم الحزن قد شوهت جمالها العربي الأخآذ، همست عمتها بحنانٍ وهي تتناول الفنجان لتضعه على الطاولة الصغيرةِ أمامها : من جيت وانتِ تشبعيني بقهوتك ... ارتاحي بنتي وخليك من الضيافة
ابتسمت أرجوان بنعومةٍ حزينة ووجهها الأبيض قد ازداد شحوبًا عن آخر يومين قد زارتهم فيه عمتها، بللت شفتيها الممتلئتين واللتان كانتا جافتين بشكلٍ فضيع
ثم بهمس هتفت : تعبي لك راحة ياعمتي
ثم أكملت باستفسار : شفيها إلين ماجت معكم؟
ابتسمت عمتها بحب : كانت نايمة وقت جينا، ماحبيت أزعجها وهي من الصبح تذاكر
ابتسمت أرجوان بتفهم. لتهمس هديل بودٍ وابتسامتها هي الأخرى كانت مرتسمةً على شفتيها : وين ليان وجيهان؟
تجهم وجه أرجوان بضيق، ثم رطبت شفتيها بلسانها لتهمس بارتباكٍ وقد شتت نظراتها عنهما : ليان نايمة ... وجيهان لليوم في غرفتها وما تطلع منها
أخفضت نظراتها لتهمس بخفوتٍ أكبر : ما تبي تقابل أحد
أومأت هديل بتفهم، بينما وقفت أم ياسر فجأةً لتتجه الأنظار إليها
أم ياسر بغضب : هالحالة ما ينسكت عنها، وين أبوك ما يوقف معها ويحاول يطلعها من اللي هي فيه؟
أخفضت رأسها بأسى، والدها وحده يحتاج من يقف معه، يتصنع القوة ليستندوا به وهو في داخله مُحطم، كيف لا وزوجته خانته ثم انتحرت. ابتلعت غصتها بألم. من جهةٍ أخرى ابنته ترفض أن تتحدث معه، تنعزل في غرفتها واليوم آذت زوجها، لا تعلم تحديدًا ما حصل لكن وجه فواز كان يتضح به الغضب وإن حاول إخفَاء ذلك.
في تلك اللحظات انضم إليهم يوسف ليهمس بالسلام بعد أن كان يغتسل، التفتت إليه أم ياسر غاضبة : وينك يا خوي عن بنتك؟ ما تشوفها حابسة نفسها من ثلاث أسابيع في غرفتها ولا راضية تطلع؟
تنهد يوسف بأنفاسٍ مُجهدة وهو يغمض عينيه ليفتحها بعد ثانيتين وكأنه بذلك يريحها من سهر الليالي، في حين أكملت أخته بغضبٍ عاتب : إذا انت نفسك حزين للحين وماتقدر تخرج من حالتك الضعيفة عشان بناتك ... اسمح لي آخذهم معي
فتحت أرجوان فمها بصدمة، أيعقل أن يظهر والدها بهذه الصورة الضعيفة أمام أخته وهي صامتة، لكن عمتها حقًا لا تعلم ما الذي يمر به وهو يحاول التقرب من جيهان بلا فائدة. ألا يكفي أنه استتر على زوجته ليتحمل كلّ التهم الموجهة إليه بتعاستها لتنتحر؟ ومن أفواهٍ أخرى قد يكون خانها، عذبها، والمزيد المزيد ... لتأتي عمتها الآن تتهمه بالتقصير؟
كانت ستتدافع إلا أنها التزمت الصمت، فمن الخطأ التدخل بين والدها وأخته، وهذا ما رباهم والدهم عليه، إذا تحدث الكبار ... فليصمت الصغار. حتى هديل كذلك كانت ملتزمةً الصمت وهي تدرك الخطأ إن خالفت قاعدة العائلة.
تنهد يوسف وهو يمرر أنامله على شعره الذي يتخلخله بعض الشيب ليهمس بغضبٍ مكبوت، كلّ شيءٍ إلا أن يأخذوا منه بناته : اسكتي يا هالة واللي يعافيك .... تتوقعين برضى بهالشيء بكل بساطة؟
هالة بقوة : وتتوقع مني أرضى بكل هالإهمال يا يوسف ... الحزن على الميت ثلاث أيام ... والحين صار على وفاة منى ثلاث أسابيع تقريبًا ... وانت بدل لا تفكر في بناتك عايش للحين في سواد أفكارك ومشاعرك؟ ما توقعت هالشيء منك يا خوي
صمت قليلًا وهو ينظر لأخته بنظراتٍ لا تُفسر أهي غضبٌ هادئ، أم هدوءٌ عاصف. يحاول قدر الإمكان أن يسيطر على نفسه ولا يصرخ في وجه أخته الصغرى فيطردها، فهو قد يحافظ على هدوءه إلا في مسألة اختطاف بناته منه. أجل اختطاف! فهم يريدون أن يأخذوا منه كل ما تبقى له من هذه الحياة حتى وإن كان من ستأخذهم الآن هي أخته، لكنه يبقى اختطاف.
تكلم أخيرًا بصوتٍ هادئ ظاهريًا وحازمٌ في نفس الوقت : بناتي ... بيظلون مع أبوهم، مو انتِ يا هالة اللي تعلميني شلون أتصرف معاهم وأهتم فيهم!
تقلص احتداد نظرتها، ثم لوت فمها برفضٍ لكلامه لكنها حاولت اجتذاب الهدوء إليها لتهمس بصوتٍ خافتٍ هادئ يناقض الذي كان قبل لحظات : أسبوع بس ... خلهم عندي عشان تتعدل نفسياتهم شوي ... على الأقل جيهان، لأنها أكثر من تأثر بينهم ... ليان طفلة وما تفهم شيء. وأرجوان تقدر تعتني فيها لأنها الأقوى للحين ... بس جيهان لا ... تكفى يا خوي خلها عندي بس أسبوع على الأقل
رفع حاجبه قليلًا وهو قد لحظ المغزى من كلماتها، حتى وإن لم تقصد قولها لكنّ رأيها كان واضحًا تحديدًا عند ذكر ليان وأرجوان ... أي أنه لا يستطيع الإعتناء بجيهان
همس بهدوءٍ قاطع وهو حقًا بدأ في فقدان آخر ذرةٍ من سيطرته : قلت لا ... وهذي آخر كلمتي .... وبعدين شكلك نسيتي ياسر .. تبينها تجي عندك وولدك موجود ... تظل رايحة جاية قدامه! ... هذا آخر شيء ممكن يصير
أخذت نفسًا ساخنا تحاول به السيطرة على غضبها لتهتف بصوتٍ مشدود : العباية والنقاب موجودين
يوسف ببرود : قلت لا ...
حينها فقدت هي كل أعصابها فعلًا، لتصرخ في وجهه بقلة احترامٍ وغضبٍ قد وصل إلى ذروته : إذا منت كفو تهتم ببناتك ليه ترفض اهتمامي أنا فيهم؟؟ والا تبي مصيرهم نفس مصير أمهم .... تتعسهم ويختارون الإنتحار للراحة!!!!
هدوءٌ عاصف ... وقف متحجرًا في مكانه مبهوتًا أو بالأحرى مصدومًا من كلماتِ أخته السامة، بينما كانت هذه الكلمات آخر شيءٍ يجب أن تُذكر هنا. لحظاتٌ فقط، لتُصدر شهقةٌ من بين شفتي أرجوان التي بهتت للحظات، وكأنها الآن فقط استوعبت ما قالته عمتها، بينما شهقةٌ أخرى صدرت من هديل التي غطت فمها لتتيقظ أمها من غضبها مدركةً لما قالته والنصل الحاد الذي غرسته في صدر أخيها الوحيد بعد أن مات الآخر.
ابتلعت ريقها ووجهها قد بهت، ولم تعد ترى أمامها إلا يوسف الهادئ على غير إنصافٍ لما حدث، عضت لسانها وهي تتمنى حقًا أن تقطعه، ليتها لم تقل ما قالت، ليتها التزمت الصمت وابتلعت احراجها من رفضه، لكن ماذا ينفع التمني الآن!
فتحت فمها لتنطق، وهي تشعر أن الغيوم بدأت تتجلى أمام عينيها مما فعلته، هي تدرك حب أخيها لزوجته الراحلة، وبالتأكيد ليس له دخلٌ بانتحارها، حتى وإن لم يتحدث لكنها تعلم أنّ الدافع لانتحارها أكبر من كونه تعاسةٌ من طرفها بسبب إهمالٍ من طرفه، وصمت يوسف أكد لها أن حجم الأمر كبير. والآن هي قامت بجرحه وتأكيد أنها ليست مختلفةً عن غيرها من الناس، وكأنها فقط لا تعلم من هو يوسف، وكأنه فقط .... ليس أخاها
هالة بصوتٍ مختنقٍ متحشرج هامس : يوسف أنـ ..
: اطلعي من البيت
قاطعها بصوتهِ البارد كالصقيع، وملامحه مشدودةٌ بجرحٍ قتله وإن تصنع الهدوء، كان يقتات الأكسجين ببطءٍ وكأنه يتنفس لهبًا، بينما ابتلعت هي الإهانة ولم تتوقع حقًا أن يصل الأمر لذلك، ليتها لم تطلب طلبها منذ البداية.
هالة برجاء : تكفى يوسف اسمعني ... أنا والله .....
قاطعها يوسف بصرامة وهو يشدد على كل كلمة : قلت ... اطلعي ... برااا
وقفت هديل وهي تلف طرحتها بسرعة، ورغمًا عنها دمعت عيناها بأسى، بينما اتجهت أرجوان إليه بملامح مبهوتةٍ على بهتانها منذ وفاة أمها لتمسكَ ذراعه برجاء : تكفى يبه لا توصل الأمور لهالشكل
يوسف بغضبٍ ظهرَ أخيرًا في صراخه الذي تجلى : لا تدخلي بين الكبار يا أرجوان .... واطلعي عند خواتك يلا
عضت أرجوان ألمها من شكله الذي تردى ... ألا يكفى جرحه من وفاة زوجته وجفاء ابنته ليأتي جرحه الآن من كلمات أخته اللا معقولة!
زمت هالة شفتيها وهي تبحث عن كلماتٍ لتقولها، لكن هاهي الآن الكلمات تخونها لتحبسها في متاهةٍ لا مخرج منها.
تنفست بسرعةٍ وهي تبتلع ريقها رجاء زوال الألم الذي يضغط على حنجرتها، وهي تحاول قول أي شيء، ولم تستطع سوى النطق بكلمةٍ واحدة متحشرجة : آسفــة
صد وجهه عنها بأسى : بعد ما أظهرتي حقيقة اللي في صدرك .... تقولينها بكل بساطة!!
هالة بألم غطى صوتها وملامحها : ماهي حقيقة اللي في صدري صدقني
تنفس الهواء بقوةٍ ارتفع بها صدره العريض، ثم همس بنفس الأمر من جديد : اطلعي من بيتي
تراجعت هالة للخلف ثم استدارت بسرعة لتتبعها ابنتها التي أطلقت نظرةً أسفٍ لخالها ثم أرجوان وأكملت طريقها. بينما استدار يوسف ينوي الصعود لجيهان، علها هذه المرة تقبل التحدث معه، أما أرجوان فكانت تقف في المنتصف، عاجزةً بملامح يائسة.
ما إن فتحت أم ياسر الباب حتى توقفت قليلًا وهي ترى رجلًا ضخمًا يقف أمامها، وقد عرفته جيدًا ... أخ منى!
شدّت شفتيها بحركة سريعة وهي تدرك أن المشاكل ستنهل على رأس يوسف اليوم ولن تنتهي، تمنت حقًا أن تبقى معه لتسانده، لكنها تراجعت عن ذلك فورًا. رأت الرجل ينزاح من أمامها ليسمح لها بالعبور، فأكملت طريقها بصمتٍ هي وهديل ليدخل الرجل المتجهم الوجه، والذي هدر بصوتٍ رجوليّ عالٍ ليعلن وجوده الفظ : السلام على أهل البيت
توقف يوسف عن صعود الدرج الذي وصل إلى منتصفه ما إن سمع صوته، فزمّ شفتيه ليُطلق أنفاسه بعمقٍ غاضب ... يبدو أن المشاكل لن تنتهي اليوم!
استدار لينزل بملامحَ باردة وهو متنبؤٌ تمامًا لما سيحدث، في حين كانت أرجوان تُسلم عليه وهو يبتسم لها بحنانٍ بينما يتدلل عليها لتقبله في أنحاءِ وجهه.
ذياب بدلالٍ وهو يشير إلى خده : هِنا
ابتسمت رغمًا عنها وهي تقترب من خده الأيمن الذي كان يشير إليه لتقبله
أشار ذياب لذقنه لترتسم ابتسامةُ عبثٍ على وجهه : وهِنا
اطلقت ضحكةً صغيرة لا تكاد تسمع لتقترب من ذقنه وتقبله، وعندما أشار إلى أنفه وصله صوت يوسف الهادئ ليقاطعهم : ياهلا بالنسيب
التفت إليه ذياب بحركةٍ سريعة، ثم تجهم وجهه بحقدٍ في حين مد يوسف يده بهدوء، لكنّ ذياب لم يمد له يده ليصافحه، بل مدها ليربت على خده الخشن بهدوءٍ ساخر : ياهلا فيك
تراجع يوسف للخلف ولم يتوقع أن تبدأ المشاداة بسرعةٍ هكذا، في حين تجهم وجه أرجوان باستنكارٍ لحركةِ خالها.
اعتدل ذياب في وقفته وهو يدخل يديه في جيوب بنطاله الجينز، ونظرةٌ ساخرةٌ حاقدة قد أوضحت كل ما بداخله، وكل ما سيحصل من سوء.
همس أخيرًا بصوتٍ هادئٍ بارد، يناقض النار التي تندلع بداخله : ما جيت عشان ترحب فيني ... بس بغيت أعطيك علم، ركز! علم .. يعني ماهو اختيار ... لا أمر
صمت قليلًا وهو ينظر ليوسف الذي كان ينظر إليه بصمتٍ هو الآخر، ثم تابع بتشديدٍ عميق : باخذ البنات معي



,



يجلس على مكتبه في العيادة يحاول تقليب بعض المواضيع في رأسه, يفكر في تلك المشكلة التي دامت أشهرًا ولم تنتهي بعد, وأيضًا, يبحث عن غريمه من الجهة المُقابلة, ذاك الذي عانى منه أخيه أشهرًا.
بينما هو, له عدوٌ واحدٌ فقط هو الظاهر أمامه, وقد لا يسميه عدوًا بالمعنى الصحيح, بينما يكاد يبصم بأصابعه جميعها أن لا دور لهذا العدو في ما حصل قبل سنين, صحيحٌ أن له شهاداتٍ كثيرة تدل على عمق دناءته معه هو, لكن الأمر لم يصل إلى المخدرات!
والمجرم الحقيقي كان له عداءٌ مع أخيه, مع متعب! .. لطالما كان متعب مُسالمًا لا يتعدى حدوده مع غيره, فما سبب كل ذاك العداء الذي ظهر من قبل الآخر حتى يعطيه جرعاتٍ أهلكته قبل وفاته!
تنهد ليجتذب خصلات شعره مُعيدًا لها للوراء, لا يعرف سوى اسمه * أدهم * .. بينما المُعادي الظاهر له هذه الأيام يحمل اسمًا آخر ومعاداته له لا تتجاوز مشاكل تافهةً - في نظره -.
طُرق بابه ليأذن للطارق بالدخول, بالتأكيد وصل أحد مرضاه. بينما حين رفع رأسه قطب حاجبيه ثم أرخاهما بملل فور رؤيته له .. * سند *
شاهين بامتعاض : يا ليل الشقا
دخل سند بخطواتٍ واسعة إلى أن وقف أمام مكتبه ليستند بكفيه عليه : ويا ليل المسرات
خلع شاهين نظارته الطبية ليضوق عينيه : نعم وش عندك؟
سند بعينين ضيقتين بحقد : جيت للموضوع المعهود
رفع حاجبيه : وكل يوم على نفس الموال ... ياخي فكني لا أنادي الشرطة الحين
سند بثقةٍ يبتسم : ما تقدر
لتتشنج ملامح شاهين بازدراء ورغبةٍ في الضحك على ثقته التي ليست في محلها بتاتًا, ربما لم يعلم من هو شاهين بعد!
رفع شاهين هاتفه يريد أن يتصل على الحراس ليرموه, لكن سند أمسك بيده التي تحمل الهاتف لينتزعه منه : ما اعتقد هذا الخيار مُناسب
شاهين بابتسامةٍ حانقة ومُستفزةٌ في ذات الوقت : اليوم انت منت بصاحي ...
قاطعه سند بحقدٍ وغلّ تأجج في عينيه : بالعكس صاحي ... تدري ليه؟ لأني اليوم بجبرك تسوي العملية لأمي وترجع نظرها
شاهين بغضب : انت مجنون؟؟ أقولك مافي أمل ... يا الله أنا شلون أتكلم مع شخص ما عنده ايمان بالقضاء حتى يصدق كلامي .... إذلف من وجهي أقول .. إذلف
سند بإصرار : ماني متحرك لين تعطيني موعد وقريب للعملية
صرخ بغضبٍ في وجهه وقد فقد كل سيطرته : ناوي تتلف عين أمك الثانية يا أهبل؟؟؟ اتقوا ربكم قبل يعاقبكم في الأولى وتصير عمياء عن حق وحقيقة ... أقول تحرك من قدامي قبل لا اطلب الشرطة بجد
زمّ سند شفتيه بحنق ثمّ افتر عن ابتسامة : يعني ماهو عاجبك الأسلوب المنمق؟ أوكي ... انت جنيت على نفسك
ثم بدأ في البحث بين ملفٍ كان يحمله عن شيءٍ لم يهتم شاهين ماهو, ليبدأ بعد ذلك بالتأفأف حين أخرج بضعة أوراقٍ ليضعها على المكتب بثقة : وهذا بيكون دافع قوي يخليك تسوي العملية وتنجح فيها بعد
نظر شاهين للأوراق دون مُبالاة, لتبدأ عينيه في الإتساع تدريجيًا وهو يرى أوراقًا تثبت أن متعب كان يتعالج في إحدى المُستشفيات للتخلص من المخدرات في دمه ... لكن كيف؟ كيف حصل عليها!
ظلّ باهتًا للحظاتٍ وضاعت منه الكلمات, بينما ضحك سند ليهتف بثقة : والحين متى موعد العملية؟؟











انتهى



زوايا أمل likes this.

كَيــدْ ! غير متواجد حالياً  
قديم 10-06-14, 02:35 PM   #6

كَيــدْ !

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية كَيــدْ !

? العضوٌ??? » 320291
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 563
? الًجنِس »
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » كَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ياصغيّر مايكبّرني لقب ومايصغّرني إذا أنكرني صغير ماخذينا الصيت من جمع الذهب ولانَسابة شيخ أو قُربة وزير !
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

*





أعتذر منكم بشدة إن كان تنزيل الإجزاء دفعة واحدة سيضغط عليكم
لكنني كنت قد طرحت روايتي مسبقًا في منتديين آخرين

ولم أحب أن يكون تنزيل الأجزاء متقدمًا في مكان بينما الآخر فلا
كما لم أحب أن أأجل تنزيل الأجزاء في المواقع الأخرى حتى أنتضم هنا


,


تنزيل الأجزاء سيكون إن شاء الله يومي الأحد والأربعاء

وأتمنى أن أجد هنا الترحيب منكم أعضاء روايتي الكرام


كَيــدْ ! غير متواجد حالياً  
قديم 10-06-14, 02:41 PM   #7

MaNiiLa

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية MaNiiLa

? العضوٌ??? » 285059
?  التسِجيلٌ » Jan 2013
? مشَارَ?اتْي » 384
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » MaNiiLa has a reputation beyond reputeMaNiiLa has a reputation beyond reputeMaNiiLa has a reputation beyond reputeMaNiiLa has a reputation beyond reputeMaNiiLa has a reputation beyond reputeMaNiiLa has a reputation beyond reputeMaNiiLa has a reputation beyond reputeMaNiiLa has a reputation beyond reputeMaNiiLa has a reputation beyond reputeMaNiiLa has a reputation beyond reputeMaNiiLa has a reputation beyond repute
افتراضي



مرحبًا مجدّدًا عزِيزتِي ،


قُدومكِ هُنا كان خيارًا صائبا جدا ..


كلّ التوفيق :]


MaNiiLa غير متواجد حالياً  
قديم 10-06-14, 03:00 PM   #8

كَيــدْ !

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية كَيــدْ !

? العضوٌ??? » 320291
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 563
? الًجنِس »
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » كَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ياصغيّر مايكبّرني لقب ومايصغّرني إذا أنكرني صغير ماخذينا الصيت من جمع الذهب ولانَسابة شيخ أو قُربة وزير !
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابتسام~ مشاهدة المشاركة
¤





أهلا و مرحبا كيد مبارك لك افتتاح روايتك

مقدمتك أكثر من رائعة، فالمشهد قد أثر بي بشدة رغم قصره.

يالجمال ورشاقة حرفك، ويالسلاسة تعبيره الذي رسم المشاعر والوجوه صورة قوية حاضرة أمام عيني...


صغير فهد النامي ، عمه ، و اخوه عناد

أتشوق لمعرفتهم و الإحساس بهم عن قرب


أتمنى أن تقبليني متابعة لك في ضمن المقاعد الأولية ... كما أتمنى نزول الفصل الأول قريبا جدا


بالتوفيق لك... و ألف شكر





أهلًا عزيزتي

يبارك فيك ربي
وشكرًا لجمال قلبك

سعيدة انها راقت لك
وجدًا فخورة كونك الأولى في قائمة متابعيني على هذا المنتدى


وإليك الفصول الأولى عزيزتي


كَيــدْ ! غير متواجد حالياً  
قديم 10-06-14, 03:11 PM   #9

كَيــدْ !

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية كَيــدْ !

? العضوٌ??? » 320291
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 563
? الًجنِس »
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » كَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond reputeكَيــدْ ! has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ياصغيّر مايكبّرني لقب ومايصغّرني إذا أنكرني صغير ماخذينا الصيت من جمع الذهب ولانَسابة شيخ أو قُربة وزير !
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة maniila مشاهدة المشاركة


مرحبًا مجدّدًا عزِيزتِي ،


قُدومكِ هُنا كان خيارًا صائبا جدا ..


كلّ التوفيق :]
يا هلا والله

تدرين يختي إني أول ما شفتك على طول عرفتك بس قلت أتأكد من المنتدى المجاور
أسعدتيني والله وياعسى السعادة ما تفارقك


أنرتِ غاليتي :p


كَيــدْ ! غير متواجد حالياً  
قديم 10-06-14, 11:31 PM   #10

hidaya 2

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية hidaya 2

? العضوٌ??? » 107776
?  التسِجيلٌ » Jan 2010
? مشَارَ?اتْي » 1,552
?  نُقآطِيْ » hidaya 2 has a reputation beyond reputehidaya 2 has a reputation beyond reputehidaya 2 has a reputation beyond reputehidaya 2 has a reputation beyond reputehidaya 2 has a reputation beyond reputehidaya 2 has a reputation beyond reputehidaya 2 has a reputation beyond reputehidaya 2 has a reputation beyond reputehidaya 2 has a reputation beyond reputehidaya 2 has a reputation beyond reputehidaya 2 has a reputation beyond repute
افتراضي

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

hidaya 2 غير متواجد حالياً  
التوقيع

( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:54 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.