آخر 10 مشاركات
608 - المرأة الضائعة - روايات عبير دار ميوزيك (الكاتـب : samahss - )           »          554 - حب بلا أمل - catheen west - د.م (الكاتـب : بنوته عراقيه - )           »          حبي الذي يموت - ميشيل ريد (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          جنون الرغبة (15) للكاتبة: Sarah Morgan *كاملة+روابط* (الكاتـب : مستكاوى - )           »          ذنوب مُقيدة بالنسيان *مكتملة* (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          زوجة بالميراث (127) للكاتبة: Sara Craven *كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          398 - لن تسامح - داي لوكلير (الكاتـب : سيرينا - )           »          تشعلين نارى (160) للكاتبة : Lynne Graham .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          عيون حزينة (1) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة قلوب حزينة (الكاتـب : mira24 - )           »          رواية الورده العاشقه " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : sapphire - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-05-20, 04:37 AM   #1

أميرة مدحت

? العضوٌ??? » 472511
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 31
?  نُقآطِيْ » أميرة مدحت is on a distinguished road
افتراضي جمرات العشق والإنتقام *مكتملة *


بسم الله الرحمن الرحيم




أحبائي القراء في كل مكان، لقد أتيت مع أول رواية لي على منتدى روايتي تحمل عنوان (جمرات العشق والإنتقام)

(أحداث تلك الرواية مأخوذة من مواقف حدث بالفعل، تتحدث عن أشياء باتت تحدث بالفعل الآن، ولكن تختلف البيئات والشخصيات)

رواية (جمرات العشق والإنتقام) ليست حصرية وتنشر فصولها تباعًا يومي الجمعة والثلاثاء من كل أسبوع (ما لم يحدث ظرف طارئ) في تمام الساعة السابعة مساءً بتوقيت القاهرة، والثامنة بتوقيت السعودية.


(( المُقَدَّمَـــةُ ))

يُقال أن لا يزال الإنتقـام هو الشكل الأضمن للعدالة، تقازفت جمرات الإنتقام أمامهم، لـ تبدأ ترجمهم بقسوة على أفعالـهم التي أرتكبوهـا في حقهم وفي حق عشقهم الجارف الذي أقسـم أن يكون أبدي، لـ تعود جمرات العشق بثقة، فـ يُصبح ويكتمل المعنى الحقيقي لـ جمرات العشق والإنتقام.

************

(( الفَصْلُ الأَوَّلُ ))

أشتعل المكان بالضجيج، وأصبح الجميع يهرول يمينـًا ويسارًا عقب أنتشار الخبر بـ سُرعة البرق، حيث أنتشر خبر وصول صاحب أكبر مصانع اللحوم في الشرق الأوسط، فقد عاد من إحدى البلاد الأوروبية، وقف الجميع بـ ثبات مُنتظرين لحظة دخولـهُ، دخل "آسر الألفـي" المصنع بخُطوات ثابتة واثقة لا تخشى، تلقى تحيـاتٍ كثيرة من قبل الموظفين والعاملين بالمصنع، سـار بـ هدوء متوجهًا صوب مكتبـه الفخم، فتح السكرتير "هيثم" الباب وهو يُلقي عليهِ السلام بإحترام لـ يدخل بـ ثقتـهُ المُعتادة، جلس على المقعد الجلدي ثم فتح حاسوبـهُ الشخصي لـ يتلقى بعضُ الرسائل التي وردت لـهُ أثناء فترة غيابــهِ في المصنع والبلاد، تفحص الرسائل الواردة لـهُ بـ دقة لـ يظل هكذا لبعضُ الوقت .

******
في إحدى مزارع الألفـي، وقف الطبيب الذي يُدعى "محمد" يتأمل تلك المواشي وهي تتحرك بـ نشاطها المعتـاد، شعر بـ تعب يغدو جسدهُ، فـ جلس على المقعد الذي أحضرهُ أحد العاملين بالمزرعة، فهو رجل في مُنتصف العقد السادس من عُمره، تابع تأملـهُ العميق في تلك المواشي، فقد عاش في تلك المزرعة أكثر من نصف عُمرهُ، ولكن الآن أصبحت حالتـهُ الصحية لا تسمح بأن يواصل عملـه بـ مُفردهُ كما كان من قبل، فقد أنهك صحتـهُ في علاج تلك المواشي، خرج من تأملـهِ وشروده حينما أستمع إلى صوت أحدهم يسألـهُ بإهتمـام :
-مالك يا دكتور محمد ؟؟.. بقالك فترة سرحـان وبتفكر !!.. في إيـه ؟؟..

ألتفت بـ رأسه مُجيبًا بـ هدوءٍ :
-مفيش حاجة، أنا كويس الحمدلله .

سألـهُ مرَّة أُخرى بـ لُطف :
-طب تحب أخلي "حسن" يعملك كوباية شاي ؟؟..

هزَّ "محمد" رأسـهُ نفيـًا مرددًا :
-مليش نفس .

نفخ "محمود" بـ ضيق، ثم سحب نفسـًا عميقـًا وهو يقول :
-في إيه يا دكتور محمد ؟؟.. قولي إيـه إللي بتفكر فيه ومخليك سرحان كده !!.. يمكن أقدر أساعدك أو أقدر أتصرف !!..

نظر لـهُ بـ عُمقٍ قبل أن يقول بـ تبرم طفيف :
-مفيش كُل الحكاية، هو إني خلاص صحتي مابقتش قادرة تستحمل الشُغلانـه دي، فـ مش عارف أعمل إيـه ؟؟.. وكمـان مقدرش أسيب الشُغل ده، أنا عشت تلات تربع عُمري في المزرعة دي .

أجابــه بـ هدوءٍ :
-عندك حق .

صمت للحظة قبل أن يسألـهُ بإستغراب :
-أومـال إنت عاوز إيـه بظبط ؟؟..

ردَّ بعد أن أطلق تنهيدة :
-ماهو ده إللي أنا بفكر فيهِ، مش عارف أعمل إيه !!..

حك مؤخرة رأسـهُ وهو يقول :
-مش عايزك تشيل هم الموضوع أبدًا، وأنا أوعدك إني هفكر وهجبلك الحل في أسرع وقت مُمكن.

نظر لـهُ وهو يومئ رأسه مرددًا :
-ربنا يحلها بقى من عندهُ يا محمود .

هتف بـ جدية :
-إن شاء الله هيحلها، المُهم أنا رايح دلوقتي لـ "آدم" باشا، لأنـهُ زمانـهُ جه عشان يشقر على المزرعة .

هتف بـ لهفة :
-آآه روحلـهُ بسُرعة، ده مُمكن يسمعك كلمتين ملهُمش لازمة، وإنت مش ناقص .

******
-إيـــه !!.. آسر رجع من السفر إمتى ؟؟..

هتف بهـا "آدم الألفـي" لـ مُدير الحسابات الخاص بهِ وهو يهب واقفـًا من مكانـهُ، هزَّ رأسـه بـ هدوء وهو يؤكد لـهُ على ما يقولـهُ :
-أيوة يا آدم بيـه، الخبر لسّه واصلي حالاً، وصل المصنع من حوالي ساعة كده .

عقد ما بين حاجبيـهِ بـ تفكير، في حين سألـهُ مُدير الحسابات بـ حذر :
-حضرتك هتروحلهُ ولا إيــه ؟؟..

حرك كفيـهِ وهو يُجيبـهُ :
-أكيد طبعًا، ده إبن عمي !!.. أروح أسلم عليه وفي نفس الوقت أطمن عليه بعد الغيبة الطويلة دي !!..

حرك رأسـهُ بإيماءة خفيفة قائلاً :
-تمام يا آدم بيـه، تروح وترجع بالسلامة .

ضيق حاجبيـهِ وهو يقول :
-إن شاء الله، لو في حاجة حصلت تبلغني على طول، مفهوم .

-مفهوم يا باشا.

سحب هاتفـهُ وسلسلة مفاتيحـهُ ثم سار نحو الخارج بخُطوات مُتعجـلة، أغلق مُدير الحسابات باب المكتب بـ هدوء ثم التفت لـ يرى أنـهُ غادر من المكان بسُرعة البرق، أستقل "آدم" سيَّـارتـهِ مُنطلقـًا نحو مصنع الألـفي .

******
"آسـر إبراهيم الألفـي"، في بداية العقد الرابع من عُمره، طولـه الفارع يجعلـه بـ نظر الأخرين ما هو إلا عملاق متوحش، عريض المنكبين، يتميز بالبشرة البيضاء، وعينيهِ السوداءُ العميقة كالظلام الدامس، بهـا نظرة شرسة، والشعرُ الأسودُ الكثيف الناعم كالدُب، قوي العضلات، ذراعاه متكدستان بالمنحنيات، ذو يدين بضَّتين دقيقتين، وشفتـاه تفترَّان عن إبتسامة ساخرة، ومن عينيهِ تُشِع نظرات شـرسة وحادة في ذات الوقت، ملامحـهُ مليئة بالجدية والصرامة، يمتلك مصنع لحوم من أكبر المصانع في الشرق الأوسط .

"آدم إسماعيل الألفـي"، في أواخر العقد الثالث من عُمره، يتميز بالبشرة البرونزية والملامح الجادة والحادة، قاتم العينين، بالرغم من لونهما العسلي، يُشبـه أبن عمـهِ في الكثيـر من الصفات، هو شخص عُرف عنـه بالهيبـة والقوة بسبب عملـه الذي عاش في أغلب أوقاتـهُ وحياتـه، وهو الصَّديق المُقرب لـ "آسر الألفي"، فـ سنوات طويلة قضياها سويًا، كتفيهما في أكتاف بعضهما، أن مال أحدهما يسانده الآخر وهكذا، يمتلك أكبر مزارع المواشي والعجول .

******
في أحد الأماكن الراقيـة بـ القاهرة، وقفت فتـاة أمام المرآة تُعدل ملابسهـا بـ هدوء لـ تبدأ بعدها بـ وضع مُستحضرات التجميل، تأملت ذاتهـا بـ حُزن عميق ثم أستدارت بـ بُطء لـ يقع بصرها على صورة فوتوغرافية مُعلقة على الحائط، إبتسمت إبتسامة صغيرة وقد ألتمعت عيناها بدموع ولكن حبستها بقوة، شعرت بدقات قلبها تتزايد وهي تتذكر حينما كانت معـهم وحينما كانت تحتضن والدها بـ قوة وهي تبكي، فـ مُنذ وفاتـه ووفـاة والدتها وهي أقسمت أن لا تبكي، هتفت بـ صوتٍ خفيض حزين :
-الله يرحمك يا بابي ويرحمك يا مامي .

أغمضت عيناهـا وهي تُتابع :
-وحشتونـي أوي، كان نفسي تبقوا جنبي دلوقتي .

فتحت عيناها لـ تشعر بـ ضيق بعدها وهي تقول :
-أكبر غلطة عملتها يا بابي هو إنك وصتني على أخوك ومراتـهُ، وإني أخليهم يعيشوا معايا يتمتعوا بالخير إللي بنيتـهُ طول عُمرك .

ثم قالت بعد أن أطلقت تنهيدة :
-بس أعمل إيه في حنية وطيبة قلبك دي ؟؟.. يالا ربنا معايا في الهم ده .

هتفت تلك الكلمات الأخيرة وهي تُلقي نظرةً أخيرة على ذاتهـا عن طريق المرآة، لتدلف للخارج بخُطواتٍ ثابتة، هبطت من على الدرج بـ هدوء وهي تعبث بـ هاتفها، كادت أن تخرج ولكن تصلبت بـ مكانهـا حينما أستمعت إلى صوت عمهـا الذي قال بـ خشونة :
-رايحـة فين يا أميرة ؟؟..

ألتفتت إليهِ بـ ثقة وهي تشير بـ ذراعيها :
-هكون رايحة فين يعني ؟؟.. رايحة أقابل صاحبتي وأشوف هعمل إيه في موضوع الشُغل ده ؟!..

حضرت زوجـة عمها وهي تقول بـ حدة :
-هو لازم يعني موضوع الشُغل، ما إنتي عندك ملايين ملهاش أول ولا آخر، إيـه لازمتـهُ الشُغل بقى ؟؟..

شعرت بالضيق وقد عبس وجهها وهي تقول بـ حدة :
-أولاً يا أنطي بابي الله يرحمهُ تعب سنين لحد ما عرف يكون الثروة دي، إنما إنتي وأنكل ضيعتوا الفلوس إللي كانت في إيدكوا في القُمـار وفي الحرام، أكيد كان لازم يحصلكُم كده، ثانيـًا مش من حق حد منكُم يقولي أعمل إيـه، دي حياتي أنـا، ولو مش عاجبك يبقى تقدري تتفضلي من البيت ده وأنا مش هقولك بتعملي إيه، سلام يا.. يا أنطي .

قالتها بـ سُخرية وهي تُغادر من المكان بأكملـهِ، شعرت بـ نار تشتعل بداخل جسدها من كلماتها تلك، فـ أستدارت نحو زوجها الذي كان واقفـًا كالصلب وعينـاه تلتمعان بالشر الدفين قائلـة بـ صوتٍ عالٍ :
-إنت لازم تربي البت دي من أول وجديد، أخوك معرفش يربيها يا فؤاد، إنت لازم تطردها من القصر ده عشان تتأدب وتعرف هي بتتعامل مع مين !!..

ظل صامتـًا لعدة ثواني قبل أن ينفجر ضاحكـًا بـ قوة على ما قالتـهُ، توسعت عيناهـا من صدمة ردة فعلـه، والتي ظنت أنـهُ سيثور غضبـًا كالأسود التي ستبدأ بـ محاولة الإنقضاض على الفريسة، ظل يضحك لـ دقائق حتى توقف تمامًا، نظرت لـهُ بـ غضب وهي تسألـهُ :
-مُمكن أعرف بتضحك على إيـه ؟؟..

أجابها بـ ضحك :
-هكون بضحك على إيه يعني ؟؟.. بضحك على الكلام إللي قولتيهِ عن بنت أخويا .

أشـارت بـ يدها وهي تغمغم :
-وإيه إللي يضحك ؟؟..

تحدث بـ جدية قائلاً :
-هقولك يا ستي، أولاً أميرة من حيث التربية فهي متربية كويس أوي وإلا مكنتش خلتنا نعيش معاها في بيت واحد، كان مُمكن تكسر كلام والدها وهو مش هيعملها حاجة لأنـهُ مش معانا، ثانيـًا وده الأهم أطردها إزاي وكل الثروة دي والقصر مكتوب بإسمها ؟؟.. يعني إحنا إللي مُمكن نطرد مش هي !!..

شعرت بالغيظ يأكلها، فـ هتفت بـ غضبٍ جامح :
-هو ده إللي ربنا قدرك عليه تقولـهُ ؟؟.. أنا عاوزة أخلص منها، بأي شكل من الأشكال، من غير ما نخسر ولا حاجة .

هتف بـ هدوء مُريب وهو يقول بغموض :
-سيبي الموضوع ده عليا، أنا عامل تخطيط حلو أوي، لو نجح يبقى هناخُد كُل الثروة دي لينا إحنا، إحنا وبس !!..

******
"أميرة أشرف شاهين"، في السادسة والعشرين من عُمرها، هي فتاة ذات أمر وسُلطان، فارعة القوام، ذات خصر مُستدير، ويدين بضَّتين، وقدمين دقيقتين رقيقتين، وكان لها تحت شعرها الأسودُ القاتم وجهٌ فائق البياض، وأنفها مستدَقٌ صغير، وشفتاها مُمتلئتان، وعيناها سوداويان، ساحرتان وسط الرموش السوداء، يشعُ منهما شموخ وكبرياء."

******
"فؤاد شاهين"، في أوائل العقد السادس من عُمره، رجل طويل، جسده ضخم، عيناه واسعتان، شعرهُ غزير بُني أختلط باللوَّن الأبيض في أغلب رأسهُ وسوالفـهُ، أضاع ثورتـه في القمار وما حرمـهُ الله، دائمًا يشعر بالحقد الشديد على شقيقـهُ الذي جعل ثروتـه الضعف بـ فضل عملـهُ وأجتهادهُ طوال حياتـهُ، هو شخص كالشيطان، ذئب في جلد رجل."
******

ترجل من سيارتـهِ صافقـًا بابها بـ قوة، وقف لوهلة وهو يراقب المصنع من الخارج من أسفل نظراتـهِ الرُمادية ذات الزُجاج الفاتح، ثم نظر لـ ساعة يده قبل أن يدخل المصنع بـ خُطوات هادئة عكس ملامحـهِ تمامًا .

******
دخل السكرتير عقب أستماعـه أذن بالدخول، أقترب من مكتب رب عملـه بـ هدوء، وقبل أن يهتف بـ أيَّ شيء، كان الأخير يسألـهُ بإقتضاب :
-إيـه يا هيثم، في حاجة ولا إيـه ؟؟..

ردَّ بـ صوتٍ خشن :
-أيوة سيادتك، آدم باشا إبن عمك عاوز يقابل حضرتك .

نظر لـهُ بحدة قائلاً بـ صوتـه الرخيم :
-دخلـهُ طبعًا، وفي أيَّ وقت جه المصنع يدخُل على طول من غير إذن .

أومأ "هيثم" رأسه قائلاً :
-تمام سيادتك يا فندم، عن إذنك .

أشـار بإصبعيه بـ الإنصراف، فتحرك الأخير بـ هدوء صوب الباب، أمسك بالمقبض وأدارهُ فـ أنفتح الباب ليدلف للخارج، ثوانٍ وكان يدخل "آدم" المكتب بخُطوات هادئة متوجهًا نحو إبن عمـهِ، نهض "آسر" من على المقعد الجلدي، لـ يتحرك نحوهُ ثُم وقف أمامـهُ لـ يحتضنان بعضهما البعض بشدة، ربت "آدم" على ظهره وهو يخبرهُ أنـهُ سعيد كثيرًا لرؤيتـه، لحظات وكان يتراجع "آسر" لـ يجلسا معًا .

غمغم "آدم" بـ قلق طفيف :
-هَـاا يا آسر، أخبارك إيه دلوقتي ؟؟..

أطلق تنهيدة قوية نابعة من قلبـه وهو يُجيب :
-أحسن الحمدلله يا آدم، أنـا كنت محتاج فترة أبعد شوية عن المشاكل، والفترة دي فرقت معايا جامد .

إبتسم إبتسامة صغيرة وهو يهزَّ رأسـه إيجابيًا :
-الحمدلله، طب ناوي على إيه الفترة إللي جايـة ؟؟..

حك جبينـهُ بـ تفكير قائلاً :
-مش عارف، أنا سيبها على ربنا .

عقد حاجبيهِ بـ تبرم وهو يقول بـ عدم إرتياح :
-بقولك إيـه أنا مش مرتاح لـ مُديرة مكتبك إللي إنت مشغلها دي .

رفع حاجبيهِ للأعلى وهو يسألـهُ بـ توجس :
-ليـه ؟؟.. هي عملت حاجة في غيابي ؟؟..

أجابــه بـ بساطة :
-مش عارف، بس مش مرتحلها، طريقة كلامها معايا مش عجبانـي، ولبسهـا مش كويس .

أحتدت نبرتـهِ وهو يسألـهُ من جديد :
-بالنسبة للبس، فـ أنـا هاشوف الموضوع ده، إنمـا الطريقة إللي مش عجبـاك فـ إزاي يعني ؟؟..

أجـاب بـ تبرم :
-مش عارف أقولها أو أوضحلك إزاي ؟؟..

هبَّ من مكانـهُ وهو يقول بـ حدة :
-يبقى خلاص، في شُغلنا مينفعش نستخدم إحساسنا، إذا عملت غلطة هتتحاسب وهتتعاقب عقاب شديد عشان متكررش الغلطة، تمـام يا آدم ؟؟..

حرك رأسـه بـ ضيق قائلاً :
-تمام يا إبن عمي .

******
بعد أستمتاعها بـ مُشاهدة صفحة النيل الفسيحة وقت غروب شمس، أتجهت "أميرة" نحو ميدان التحرير في وسط القاهرة لـ تناول وجبة الغداء مع صَّديقتها في أحد المطاعم المُحيطة بالميدان، وفور دخولها المطعم، أتجهت مُباشرة نحو آخر طاولة في الرُكن البعيد بـ صالة الطعام، وجلست على مقعدها معطية ظهرها للحائط ووجهها للمتواجدين في الصالة .

دقائقٌ.. وكانت صَّديقتها تدخُل بـ شموخ، سـارت بـ بُطء وثبات وأتزان دون أهتزاز أو تمّوج في جسدها، سحبت مقعدها لـ تجلس عليهِ بعد أن وضعت حقيبـة اليد الخاصة بها على الطاولة، ألقت عليها التحيـة ثُم قالت بـ جدية :
-هَـاا يا أميرة، أخبـارك إيـه ؟؟..

أجابتهـا في شئ من الضيق :
-زي ما أنـا، وإنتي ؟؟..

ردّت بـ سُخرية على كلمتهـا :
-نفس الكلام .

ثم أضافت بإبتسامة حانية :
-أميرة حاولي تخرجي من إللي إنت فيـه، إنتي فـ مرة مش هتقدري وهتنفجري من كُتر إللي إنت كتمــاه .

أحتدت نظراتها قائلة وهي تُضيق عيناهـا :
-حبيبة هو إنتي شيفاني مبسوطة وأنا شايفة نفسي كده ؟؟.. أنا نفسي أرجع زي الأول بس مش عارفة، ده مش بإيدي !!.. أفهميني يا صاحبتي الوحيدة لأن محدش بيقدر يفهمني غيرك .

أبتسمت بـ حنوٍ مُثير قائلة :
-فهماكي طبعًا، لو مش هفهمك هفهم مين يا بنتي ؟؟..

بادلتها إبتسامة رقيقة قائلة بـ تأثر :
-ربنا يخليكي لياا يا بيباا .

أجابتهـا بـ تأثر أكثر :
-ويخليكي لياا يا حبيبتي .

تذكرت شيئـًا، فـ سألتها بـ ملامح قلقة قائلة بـ توجس خائف :
-آه صح، عاملة إيه مع مرات عمك وعمك ؟؟..

أمتعضت ملامحها وهي ترُدَّ بتأفف :
-ليـه بس بتفكرينـي .

صمتت لحظات لـ تقول بعدهـا بـ عدم رضا :
-أكبر غلطة بابي عملها في حياتـهُ بجد، أنـا مش عارفة هُمـا ليـه كده ؟؟.. يعني إبنهم حتى طالع زي بابا من ناحية الأخلاق والطيبة، ليــه هُمــا كده ؟؟..

حدقت فيها بـ جديـة وهي تقول :
-عندك حق، أنا أتعاملت معـاه أكتر من مرة، وكان في مُنتهى الأحترام ودمـه خفيف جدًا !!.. بس لو حد منهم بيضايقك، حاولي تتصرفي وتخليهم يعيشوا في أي مكان .

ردت عليهـا بـ سُخرية :
-دول مش معاهم ولا جنيـة، ومش بس كده، دول كمان باعوا كُل إللي معاهم حتى البيت إللي كانوا عايشين فيها عشان يسددوا ديون بتاع القُمار، إنتي مُتخيلة ؟؟..

تتنهدت وهي تردد :
-الله يكون فعونك يا أميرة، ربنا معاكي يا حبيبتي .

صمتت "أميرة" لـ دقيقة قبل أن تُضيف بـ تفكير عميـق :
-طب والله جتلي فكرة .

هتفت "حبيبة" بـ حماسٍ :
-طب قوليلي، إيـه الفكرة ؟؟..

ردَّت بـ تفكيـر :
-بفكر أشتري شقة حلوة كده وأكتبها بـ إسمهم، يعيشوا فيها هناك، ولو باعوها يبقوا يدوروا على أي مكان يعيشوا فيـه، وأنا هقولهم على الموضوع الشقة ده لما يرجع إبنهم من السفر، إيـه رأيـك ؟؟..

أشتعل الحماس أكثر بـ داخلها وهي تخبرهـا :
-حلوة الفكرة دي جدًا، على رأي كامل، نهر الأفكــار .

إبتسمت وهي تقول :
-خلاص أنا هنفذ الفكرة دي .

هتفت "حبيبة" وهي تعتدل في جلستهــا :
-طب يالا شوفي هنشرب حاجة على السريع، ولا ناكل .

أجابتهــا بـ صوتهـا الجـاد :
-لأ خلينـا ناكل أحسن، أطلبي إنتي المرة دي .

هزت رأسهـا بـ خفة مرددة :
-تمام .

******
"حبيبة كمال الشناوي"، في السادسة والعشرين من عُمرها، تميزت بالبشرة البيضاء والمشربة بـ حُمرة يسري وديعة فـ يزيدهـا جمالاً، وتميزت بـ عينان واسعتان فاتنتـان لونهما عسلي تومضان وتتلألأن حين تبتسم، وبالشعر الأسود اللون القصير، فتـاة طيبة ذو قلب نقي ومارحة، تكن المحبة في قلبهـا لـ جميع المخلوقـات على الأرض، وهي صَّديقـة "أميرة" المُقربة مُنذ أيـام الجامعة."

******
أصر "آسر" أن لا يُغادر من المصنع قبل أن ينهي جُزءٍ كبير من عملـه الذي تراكم في فترة غيابـه، شعر "آدم" بالضيق من تصرفات إبن عمـهِ ولكن أخبره أنـهُ سينتظرهُ في القصر .

كانت الساعة الثامنة عندما كان جالسًا أمام مكتبـه، وقد أنتهى أخيرًا من عملـه لـ ينهض وهو منهمكـًا في جمع بعض الأوراق لـ يقوم بـ مراجعتها عندما يعود إلى قصره، سحب سلسلة مفاتيحـهُ وهاتفـه المحمول الثمين، وأمسك حقيبة عملـه بعد أن وضع كافة الملفات والأوراق التي تحتاج إلى المُراجعة مرَّة أُخرى، أتجه صوب الباب ثم أمسك بـ مقبض الباب وفتحـهُ، لـ يتحرك مُسرعًا نحو الخارج .

خرج من المصنع ثم أستقل سيَّارتـه في مقعد القيادة مُنطلقـًا بها نحو قصره حيثُ ينتظرهُ إبن عمـه الوحيد .

دقائـقٌ معدودة.. وكان يدخل القصر، حيتـهُ كبيرة الخدم، فـ تقبل تحيتها بـ هدوء لـ يأمرها بالإنصراف وعدم الإزعاج، لم يشعر بـ نفسـهُ إلا وهو يتجـه نحو الأريكة لـ يرمي حقيبة عملـه ويلقي بـ ثقل جسده عليها، حدق لـ برهة في الفراغ أمامـه، أغمض عينيـهِ محاولة أن يأخذ بعضُ من النشاط، سحب نفسًا عميقـًا، ثُـمَّ زفرهُ بـ قوة دليلاً على إرهاقـهُ، عاود فتح عينيـهِ السوداء، وضع كلتا يديـهِ على فروة شعره لـ يمر أصابعـه في خُصلات شعره الغزير، أستجمع قوتـه ثم نهض من مكانـهُ ليصعد إلى الأعلى متوجهًا نحو غُرفتـه، دخل الغُرفة ثم بدأ بـ خلع سترتـه وبفك أزرار قميصـه، سـار صوب المرحاض لـ يأخذ حمامًا باردًا يزيل بـهِ آثر التعب والإرهاق اليومي الذي واجههُ، بعد فترة وجيزة كان يخرج من المرحاض متوجهًا بخُطوات ثابتة رغم إرهاقـه خزانة ملابسـهِ والتقط أحد القمصان القطنية ذات الماركات العالمية باللوَّنُ الكُحلي وبنطالاً من اللوَّن الأسودُ، وأرتداهم سريعًا، كاد أن يجلس على الفراش لـ يمدد جسدهُ ولكن أستمع إلى صوت طرقات هادئة على الباب، فـ أذن بالدخول، دخل إبن عمـه وسـار نحوهُ لـ يجلس على طرف الفراش وهو يسألـهُ بإبتسامة مليئة بـ الإستغراب :
-إيـه ده إنت وصلت من إمتى ؟؟..

أجابـهُ بإرهاق :
-من نُص ساعة كده، إنت عرفت إزاي إني وصلت ؟؟..

ردَّ بـ بساطة لـ يقول بعدها عن سبب تأخيرهُ :
-واحدة من الخدامين قالتلي أنك فوق، أنا كُنت فاكرك هتقعد أكتر في المكتب، عشان كده روحت أعدت شوية في المزرعة وبعدين قولت أروح عشان تعبت من الأعدة .

حرك رأسـه بإيماءة خفيفة وهو يقول بـ تعب :
-ماشي يا آدم، معلش مش هقدر أستوعب أي حاجة دلوقتي، لأني عاوز أنــام !!..

هزَّ رأسـه مُتفهمًا قائلاً بـ هدوءٍ :
-ماشي، لو عوزت حاجة قولي على طول .

تراقصت إبتسامة مرهقة على شفتيهِ قائلاً :
-ربنا يخليك يا آدم .

بادلـهُ إبتسامة صغيرة وهو يردد :
-ويخليك يا إبن عمي، يالا تصبح على خير .
-وإنت من أهلـهُ .

أنتهى من جملتـه تلك لـ يسترخى أكثر وهو مُغمض العينين، فقد كان مُتعبًا من السفر والأجتماعات المتواصلة حتى المساء، نهض "آدم" بـ هدوء لكي لا يزعجـه ثم دلف خارج الغُرفة، نظر لهُ نظرةً أخيرة قبل أن يغلق الباب بـ حذر، سار صوب غُرفتـه وهو يتمتم بآسى :
-ربنا يريح قلبـك يا آسر .

******
صدح صوت آذان الفجر وهي مازالت مُستيقظة، وكأن النوم قد خاصمهـا، كان التفكير يأكُل رأسها بالرغم من أنها تحاول أن تترك كُل شيء على الله ما دامت فعلت ما عليها، أغمضت جفنيها بألم على فُراق والدها والدتها الذين توفوا في حادثة طائرة التي كانت عائدة من باريس، تذكرت حينما فقدت وعيها عقب علمها بهذا الخبر، كانت قد دخلت في غيبوبة لمُدة أربعة أشهر غير واعية على ما يحدث في الواقع المرير، بل تحاول أن تعيش في ذكرياتها، لم يقف بـ جانبها أحد سوى صَّديقتها الوحيدة "حبيبة"، كانت صَّديقة بمعنى الكلمة وصَّديقهـا "كامـل" .

ظلت مُغمضة العينين لـ تبدأ تستعيد جُزءٍ بسيط من الذكريات المؤلمة التي حفرت بـ داخل عقلها، وبدأت تستعيد من جديد شعورها المُحطم في ذلك الوقت الذي عاشتـه..
******

حاولت "أميرة" الإتصال بـ والدها وبـ والدتها أكثر من مرة، ولكن لا أحد منهم يُجيب، تسرب القلق بداخل قلبها، نقلت بصرها لـ صديقتها التي كانت تمسك صحن الفشار وتأكل بإستمتاع، تمتمت في قلق :
-بردو مفيش حد بيرُدَّ !!.. المفروض كانوا يوصلوا من ساعـة !!..

نظرت لها بـ ضيق وهي تقول :
مُمكن تبطلي توتري نفسك على الفاضي، إن شاء الله خير، مُمكن وبكُل بساطة تكون الطيارة ما أنطلقتش في ميعادهـا، تلاقيهـا أتأخرت شوية كده، فـ متشغليش بالك .

وقفت وهي تحاول أن تسحب نفسًا عميقـًا، حررتـه بعد ثواني، ثم أمسكت بـ جهاز التحكم عن بعد لـ تقلب بين المحطات الفضائية، تركت الجهاز التحكم عن بعد حينما تركت محطة فضائية الخاصة بـ نشرة الأخبـار اليومية والتي تُذيع من قلب الحدث .

توسعت عيناها بـ صورة مُفاجئـة، تزايد خفقان قلبهـا من هول ما تسمعـه وما تشاهده، أرتعشت شفتيها ولمعت عيناها غير مستوعبة ما تراه وما تقرأه .

"سقوط طائرة مصرية في البحر العائدة من فرنسـا بعد إنفجارها"

شهقت شهقة عالية وهي تضع يدها على فمها غير مصدقة، أخذت تُحرك رأسها بـ ذهول ودموعها تهبط بـ غزارة، هبت "حبيبة" واقفة ثم وضعت حصن الفشار على الطاولة لـ تركض نحوها، أطبقت يديها على ذراعيها، لـ تجذبها بعدها إلى أحضانها وقد سالت دموعها هي الأخرى لـ حالها، ولم تجد من الكلمات ما يكفي لـ تهدئتها، أبتعدت عنها وهي تصرخ من أعمق أعماق قلبها، هدرت بـ بُكـاء :
-هُمــا قصدهم على حاجــة تانيــة !!.. قصدهم على حاجـة تانية، صح يا حبيبة ؟؟..

أقترب منهــا "حبيبة" وقد أنهمرت دموعهــا :
-أهدي يا أميرة، ده قضـاء ربنا !!..

وضعت يديهــا على أذنيهـا لـ تمنع نفسهـا من الإصغاء إلى كلماتهـا وتابعت بـ بُكاء يفرط القلوب :
-لألأ، هُمــا وعدوني أنهم مش هيسبونــي، أنا محتاجة وجودهم !!..

أصابتهـا حالة هيستيرية قوية وهي تصرخ بـ أعلى صوت، دقيقـة.. دقيقتين.. وكانت قد تسارعت أنفاسها بـ صورة غير طبيعية لـ تمسكها "حبيبة" بـ رفق ثم أجلستها على الأريكة، وقد أغرورقت عيناها بالدموع وهي تتابع الأحداث التي تجري أمامهـا على التلفاز، أخذت تعانق رفيقتهـا بـ شدة، ولم تستطع أن تتوقف على البُكــاء .

فاقت الحقيقة الموجعـة قدرتهــا على الأحتمـال وضاعف من تأثير ذلك عليهــا، شحب لوَّن وجهها وبدأ يختفي صوت صراخها رويدًا رويدًا، شعرت بالظلام يُحيطها فـ أستسلمت سريعًا دون أدنى مقاومة، هزتها "حبيبة" بـ خوف لـ تصرخ بـ عينان واسعتان وقلبها يعتصر ألمـًا وخوفـًا :
-أميــــرة !!..

******
عادت إلى واقعها المرير، أستجمعت نشاطها المُتبقى لـ تهبط من على الفراش، سـارت بخُطوات مُرهقة صوب المرحاض لتتوضأ .

وقفت "أميـرة" بـ مُنتصف الغُرفة بعد أن أرتدت إسدالها الأبيض الحريري ثُم أمسكت بـ بُساط قُطني ناعم يُسمى "المصلية" لتضعها على الأرض ناحية القبلة، ما أن وقفت عليهِ حتى راودها شعور الراحة والأطمئنان، بدأت تؤدي صلاتها بـ خشوع وهي تُناجي ربّها بأنّ يرحم ويغفر لها ولوالديها ولأحبّ النّاس إليها، وأن يقف بـ جانبها دائمًا، وأن يريح قلبها الحزين .

أنهت الصّلاة بعد عدة دقائق، ثـم نهضّت وإنحنت بـ جسدها قليلاً لـ تلتقط المُصلاة، وتضعها على الأريكة، توجهت نحو الفراش لـ تمدد جسدها عليهِ بـ رفق، أغمضت عيناها بـ وهن، محاولة أن تغوص في النوم .

دقائق.. وكانت غاصت في نوم عميق بعد تفكير طويل وبعد أستعادة بعض الذكريات الأليمة التي لا ولن تُنسى .

******
في صباح يوم جديد، أنفتح المصعد لـ يخرج منـهُ "آسر" بخُطوات شبه سريعة وملامحـه مُتهجمة، وما أنا لمحـهُ سكرتير مكتبـهِ، نهض على الفور ولحق بهِ حتى أستقر على مقعدهِ الضخم، نظر لكُل تلك الأوراق المصطفة على السطح، ثم قال بتبرم :
-إيـه كُل الورق ده ؟؟..

أجاب السكرتير بـ هدوءٍ :
-كل دي أوراق مستنية توقيع حضرتك وختم المصنع .

عبس "آسر" قائلاً بـ حدةٍ :
-وليه مقولتيش لـ مُديرة مكتبي الأستاذة شيرين، أو ليـا إمبارح .

تضايق "هيثم" قائلاً :
-والله يا فندم بلغتها وأفتكرت أنها قالت لـ حضرتك، بس أتفاجئت لما عرفت أنها مقالتش، وكمـان حضرتك كُنت رافض دخول أيّ شخص غير لما تخلص الشُغل إللي في إيدك، وبعدها سبت المصنع على طول .

بدأ "آسر" يتفحص مُستندًا مُستندًا بـ روّية، ويوقع أدنـاه.. ثم يناول لـ "هيثم"، في ذات الوقت.. أستمع إلى طرقات على الباب فـ أذن بالدخول، دخلت مُديرة مكتبـهِ بـ خُطوات هادئة، ووقفت أمامـه وهي تنتظر إنصراف السكرتير، دقائق وكان ينصرف وهو يحمل المستندات بعد أن أنهى رب عملـه مُهمة التوقيع ثم أوصد الباب خلفـه، نظر لها بـ عيون قوية وهو يسألهـا بـ خشونة :
-أيوة يا أُستاذة شيرين، في حاجة ؟؟..

نظرت لـهُ بـ ثقة عالية :
-آه يا فندم، معايا ورق محتاجة تشوفهُ قبل ما يتسلم للمالية .

أشـار بإصبعيهِ بـ نظرات شبه مُظلمة، فـ أجفلت جفونها بـ خوف بسيط منـهُ ثم مدت ذراعها بهذا المُستند، لم يمد ذراعـهُ فـ شعرت بالحرج لـ تترك المستند على المكتب، وسارت مرتبكة للخارج، ولكن قبل أن تصل إلى الباب، كانت تستمع إلى صياحـهُ وهو يهبَّ واقفـًا ثائرًا من مكانـه :
-إنتي أستأذنتي مني قبل ما تمشي ؟؟..

أستدارت بـ بُطء وهي تقول بتلعثم :
-لأ بس..

هدر بها بنبرة عالية :
-بس إيــه ؟؟.. إزاي يا آنسة تنسي تقوليلي على موضوع التوقيع على الأوراق دي كُلها ؟؟.. ومش بس كده، ماشية من غير ما تستأذني ؟؟..

نظرت لـهُ بـ توتّر قائلة بإرتباك :
-أنا آسفة يا فندم، والله ما كان قصدي، آسفة جدًا .

نظر لها بإحتقار قائلاً :
-وإيـه اللبس إللي إنتي لبساه ده ؟؟.. ألبسي حاجة مُحترمة، إنتي في مكان مُحترم ومع ناس مُحترمين، عايزة تلبسي ده، يبقى مش في المصنع يا آنسـة وإلا أُقسم بالله هيتم فصلك من المصنع، مفهــــوم !!..

هزَّت رأسهـا بـ لهفة :
-حـ.. حاضر يا فندم .

نظر لها بـ ملامح عابسة وبـ نظراتٍ مُظلمة قليلاً :
-أتفضلي يالا على شُغلك .

أستدارت لـ تُسير بخُطوات شبه راكضة صوب الباب، أمسكت بالمقبض لـ تديرهُ بـ توتّر، دلفت للخارج ثم أغلقت الباب، وضعت يداهــا على صدرها تتنفس بـ عُمقٍ لـ تقول بعدها بـ نفي وعيناها تُشع منها رغبة حارقة :
-ماشي، ماشي يا آسر، النهاردة بتعمل معايا كده بُكرا الله وأعلم هتتعامل معايا إزاي، لما تعرف إني بحبك .

******
في المزرعـة الرئيسية لـ عائلة الألفي.. دلف "آدم" مكتبـه بـ خُطوات شبه مُتعجلة وخلفــه "محمود"، جلس "آدم" على مقعدهِ الفخم، ثم أشـار لــهُ بـ هدوئــه المُعتاد بـ الجلوس، فـ جلس بإحترام وعلى محيـاه إبتسامة صغيرة، نظر نحو الباب حينما وجد الساعي قد دخل وهو يحمل صينية بها قدحٍ من القهوة، وضعها على المكتب ثم أنصرف، نظر "آدم" نحو مُدير مكتبـهِ قائلاً بإهتمام :
-خير يا محمود ؟؟.. كُنت عاوز تتكلم معايا في إيــه ؟؟..

بادلـه نظرات الجدية وهو يقول :
-الموضوع يُخص الدكتور محمد .

زادت نظرات الإهتمام في عينيهِ وهو يسألـهُ :
-مالـه دكتور محمد ؟؟..

ردَّ وهو يحرك يديـه كـ توضيح :
-دكتور محمد أتكلم معايا إمبارح بيقول أنـهُ خلاص مش قادر يتولى الشُغل لوحدهُ وفي نفس الوقت مش عاوز يسيب الشُغل لـ أنـهُ عاش فيها مُعظم عُمرهُ .

أراح ظهره لـ يسترخى أكثر في جلستـه وهو يضيق عينـاه مُتسائلاً بـ جدية :
-وإيـه المطلوب مني ؟؟..

أجـاب بإبتسامة واثقـة :
-أنا فكرت أن أحنا نجيب دكتور بيطري تاني يكون شـاب، ويبقى المُساعد بتاعـهُ، وبكدا تبقى أتحلت المُشكلة !!..

نظر إليـهِ "آدم" نظرةَ طويلة وهو يُفكر بـ عُمقٍ ثم أرخى عينيهِ، لـ يرُدَّ بعد صمت دام لـ دقائق :
-تمام، وأنا موافق، عاوزك تنشر الإعلانات عن الشُغل ده من بُكـرا إن شاء الله .

نهض من مكانـهُ وهو يقول بإبتسامة :
-تمام يا آدم باشـا، شُكرًا على تفهُمك .

عقب إنتهاء من كلماتـه، كان يدخل مُدير الحسابات بـ توتّر وقد أرتسم على وجههُ القلق والإرتباك، تفحص "آدم" حالتـه وهو يقول بإنزعاج :
-إيه في إيـه ؟؟.. شكلك ميطمنش كده ليـه ؟؟.. في حاجة حصلت ؟؟..

نظر لـهُ مُدير الحسابات بـ توتّر محاولاً أن يتماسك :
-آدم باشا، في حاجة حصلت ولازم تعرفها .

أستشعر أن الأمر يحمل الكثير من الجدية والخطورة، فـ أعتدل في جلستـه وهو يهزَّ رأسـه بتساؤل قائلاً بـ توجس :
-حاجـة إيـه إللي حصلت ؟؟..

قال بألمٍ :
-دكتور محمد .

نكس رأسهِ حُزنًا، لـ يهدر فيهِ الأخير غضبـًا :
-مالـهُ دكتور محمد ؟!!.. أنطق بسُرعة ؟؟..

أجـاب وقلبـه يعتصر حُزنًا :
-دكتور محمد مـات يا آدم باشـا .

وثب واقفـًا من مكانـه وهو ينظر لـهُ بـ عيون مُحدقة بـ صدمة وبـ ذهول، وهو يغمغم :
-إيــــه !!..
************
(( أَنْتَهَاءُ الفَصْلُ الأَوَّلُ ))


روابط الفصول

الفصل الأول .... اعلاه
الفصول 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8 .... بالأسفل

الفصول 9، 10، 11،
الفصل 12، الأخير




التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 08-07-20 الساعة 11:27 PM
أميرة مدحت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-05-20, 04:40 PM   #2

قصص من وحي الاعضاء

اشراف القسم

 
الصورة الرمزية قصص من وحي الاعضاء

? العضوٌ??? » 168130
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,558
?  نُقآطِيْ » قصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond repute
افتراضي

اهلاً وسهلاً بك بيننا في منتدى قصص من وحي الأعضاء ان شاء الله تجدين مايرضيك موفقة بإذن الله تعالى ...

للضرورة ارجو منكِ التفضل هنا لمعرفة قوانين المنتدى والتقيد بها
https://www.rewity.com/forum/t285382.html

كما ارجو منك التنبيه عندما تقومين بتنزيل الفصول على هذا الرابط
https://www.rewity.com/forum/t313401.html

رابط لطرح اي استفسار او ملاحظات لديك
https://www.rewity.com/forum/t6466.html

تم الانتباه انك كررت المشاركة فهل هناك سبب ام انه تم بالخطأ ننتظر ردك حتى يتم حذف المشاركة المكررة

واي موضوع له علاقة بروايتك يمكنك ارسال رسالة خاصة لاحدى المشرفات ...

(rontii ، um soso ، كاردينيا73, rola2065 ، رغيدا ، **منى لطيفي (نصر الدين )** ، ebti )



اشراف وحي الاعضاء


قصص من وحي الاعضاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
جروب القسم على الفيسبوك

https://www.facebook.com/groups/491842117836072/

رد مع اقتباس
قديم 29-05-20, 05:06 PM   #3

mansou

? العضوٌ??? » 397343
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,018
?  مُ?إني » عند احبابي
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » mansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond reputemansou has a reputation beyond repute
?? ??? ~
«ربّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتي، وَأجِبْ دَعْوَتي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي.»
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

mansou غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-05-20, 05:19 AM   #4

أميرة مدحت

? العضوٌ??? » 472511
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 31
?  نُقآطِيْ » أميرة مدحت is on a distinguished road
افتراضي

(( الفَصْلُ الثَّانِي ))

لـ ثوان طوال توقَّف الزمن تمامًا، وقف كالصنم، غير مُصدق ما أستمعتـه أذنـه، مُنذ قليل كان يتحدث عنـهُ ويُفكر في مُساعدتـه، ولكن حان وقتـه لكي يذهب إلى الذي خلقـه، شعر بالضيق والحُزن يعتريـهِ، شعر "محمود" بالحُزن الشديد عقب أستماعـه لذلك الخبر الغير متوقع، ولكن أخذ يدعى الله بأن يرحمـه وأن يغفر لـهُ ويجعل مثواه الجنة، تحرك "آدم" بـ خُطوات بطيئة وهو يردد :
-لا حول ولا قوة إلا بالله، إنـا لله وإنـا إليهِ راجعون .

تمتم "محمود" بـ حُزنٍ :
-ربنا يرحمـهُ ويجعل مثواه الجنة ويغفر لهُ .

ثم أضـاف بـ تساؤل :
-بس إيـه السبب الوفـاة ؟؟..

أجاب مُدير الحسابات بـ نبرة شبه هادئة :
-الدكتور بيقول أن حالة الوفـاة طبيعية .

أستدار "آدم" نحوهما لـ يأمرهم بـ جدية :
-إبدأوا في إجراءات الدفن، وأول ما تخلصوا قولولي .

أومأ مُدير الحسابات رأسـه بألم :
-حاضر يا فندم .

سـار نحو مكتبـه، لـ يقوم بـ إخراج ظرفٍ صغير ثم وضع فيـه بعض من الأموال، غمغم "آدم" بـ صوتٍ جادٍ وهو يمد ذراعـه نحو مدير الحسابات بالظرف :
-وبالنسبة لمراتـهُ ولولادهُ عايزك تديلـهم المبلغ ده، وكُل شهر تيجي وتاخُد مني مبلغ زي ده توصلهُ ليهم، مفهوم ؟؟..

تراقصت إبتسامة باهتة على وجهه قائلاً :
-حاضر يا فندم، ربنا يجعلـهُ في ميزان حسناتك .

أشـار بـ يده قائلاً بـ وجهٍ واجم :
-طيب تقدر إنت والأستاذ محمود تتفضلوا .

أنصرف كُلاً منهما من المكتب لـ يجلس على مقعدهِ، أغمض عيناه وهو يستغفر ربـه، عاود بـ فتحهما لـ يُحدق بـ سقف المكتب، ثم أعتدل في جلستـه وبدأ يفتح أحد المستندات .
أرتفع رنين الهاتف الخاص بالمكتب، فـ ألتقط "آدم" سمَّاعة الهاتف في ضيق قائلاً بـ جدية :
-آلو.. مزرعـة الألفــي .

صمت للحظة لـ يقول بـ تبرم :
-أيوة يا آسر، معلش أفتكرتك عميـل .

تمتم بـ الامبالاة :
-لأ عادي ولا يهمك .

تنهد بـ حرقـة وهو يقول بـ ضيق :
-ماشي يا آسر .

سألـه بـ لهجة تشفَ عن قلقـه :
-مالـك يا آدم ؟؟.. صوتك مش عاجبني !!.. ولهجتك حاسس فيها أنك مخنوق أو مضايق من حاجة ؟؟..

أجـاب بـ وجهٍ واجم :
-مفيش، إنت كُنت متصل ليه ؟؟.. كُنت عاوز حاجة ؟؟..

أنعقد حاجبا "آسر" بشدّة من طريقتـه، تمتم بإستغراب :
-أنا كُنت متصل عشان أطمن عليك ؟؟..

أضـاف بـ نبرة شبه حـادة :
-وبعدين ما تقول في إيـه، إنت عارف إني بكره الحركة دي، ولا تحب أجيلك بنفسي عشان أشوفك وأعرف فيك إيـه بظبط بـ طريقتي ؟؟..

مطَّ شفتيهِ للجانب وهو يغمغم :
-خليك عندك، مفيش داعي إنك تيجي، أنا إللي هجيلك، سلام .

تزايد إستغرابـه ولكن ردَّ بـ نبرة هادئة :
-ماشي يا آدم، وأنا مستنيك، سلام .

أنهى الأتصال، ثم سحب هاتفـه وسلسلة مفاتيحـه الأنيقة، لـ يغادر من مقر المكان بأكملـه، بينما ظل "آسر" جالس بـ مكانـه وعلى وجهه الدهشة، نهض من مكانـه ومضى ينظر للبعيد عبر نافذة المكتب، سحب علبة سجائره من داخل سترتـه، أشعله واحدة بـ تريثٍ تاركـًا عقلـه يُفكر بـ حُرية وبـ هدوء، نفث دُخان ناحية النافذة لـ يتحدث بـ عُمقٍ :
-أوَّل مرَّة يا آدم أحس أنك مضايق جدًا، يا ترى إيـه السبب يا إبن عمي ؟؟..

أغمض عينـاه وهو يتمتم :
-ربنا يريح بالك .

******
تثاءبت "أميرة" وهي تحاول فتح جفنيها بـ تثاقل شديد، شعرت بـ صُداع يقتحم رأسها، أعتدلت في نومتها عاقدة ذراعيها خلف رأسها وهي تتنهَّد بـ حرارة، شعرت بـ ألالام حادة في ذراعها الأيمن، لـ تقول بـ ضجر شديد :
-مش وقت وجع خالص، أكيد عشان نمت غلط !!..

تنفست بـ عُمقٍ وهي تنهض من مكانها قائلة :
-أمّـا أقوم بقى أخُد شـاور، يمكن أرتـاح بس الأوَّل أطلب فنجان قهوة .

سـارت بـ خطى مُتثاقلة نحو باب الغُرفة، فتحت الباب لـ تدلف للخارج، نظرت للأسفل لـ ترى عمها وزوجتـه يجلسان على الأريكة، مطَّت شفتيها للجانب بسخط وأمتعضت ملامحها بـ شدة، صاحت مُنادية على كبيرة خدم قائلـة :
-عفـاف، عفــاف !!..

ركضت كبيرة الخدم "عفاف" نحو الدَرَج، صعدت بخُطوات متعجلة حتى وقفت أمامها قائلة بإحترام :
-صباح الخير يا هانم، تأمريني بـ حاجة ؟؟..

وضعت يديها على رأسهـا قائلة في شيء من التعب :
-آه ياريت أعمليلي فنجان قهوة مظبوط، أحسن أنا مصدعة جامد ..
إبتسمت بـ حنوٍ قائلة :
-حاضر، ثواني وأكون عملتـهُ .

أومأت رأسها قائلة بـ تحذير وهي تُشير بإصبعيها :
-تمام، بس مش عاوزة أيَّ حد من الخدامين يطلعلي الفنجان، إنتي إللي طلعيهِ، إنتي عارفة كويس أنا مش بثق فحد غيرك وبس !!..

إبتسمت بـ سرور :
-وإن شاء الله أفضل عند حُسن ظنك دايمًا وأبقى قد الثقة دي .

بادلتها شبه إبتسامة وهي تُردد :
-طيب روحي حضري القهوة، وأنا هدخُل أخُد شاور .

حرَّكت رأسها ثم أنصرفت، دلفت داخل غُرفتها متوجهه صوب المرحاض للأغتسال، ولكن قبل أن تدخل، كانت عيناهـا تقع على صورة والديها، تأملتها بـ عيون حزينة قبل أن تقول بـ شبه تهكم :
-يا خسـارة، يا خسـارة بجد، مكُنتش عارفة أن أيـام السعادة هتنتهي بالسُرعة دي، وللآسف شيلتوني مسئوليـة قويـة جدًا .

صمتت للحظة قبل أن تُتابع بـ سُخرية :
-وياريتها جت على أد كده، خلتوني أتحمل مسئولية عمي ورات عمـي .

أضـافت بـ قوة لا تعلم من أين أتت :
-بس أنا هفضل قوية وهبقى أد أيَّ مسئولية زي ما علمتوني زمــان، من وأنا لسه صُغيرة .

******
وصل "آدم" إلى المصنع الألفـي، دلف للداخل لـ يحيـهِ العمال، فتح أحد العاملين المصعد لـ يدخل بـ وجهٍ واجم، ثوانٍ وكان وصل إلى الطابق المنشود، خرج من المصعد متوجهًا صوب مكتب إبن عمـه، طرق الباب بـ خفة فـ أستمع الردَّ لـ يخطي للداخل بخُطوات شبه مُتثاقلة، وجده يتحدث في الهاتف، فـ أطرق "آدم" واجمًا ووضع رأسه بين كفيهِ، غمغم "آسر" بـ جدية بالغة قائلاً للطرف الثاني :
-متقلقش، الطلبية هتوصل في ميعادها .

صمت لـ يستمع إلى جُملة العميل فقال بـ هدوء زائف :
-إنت عارف شُغلنا كويس، وعارف اللحوم بتاعتنا عاملة إزاي، والناس بتشكر فيها جدًا والحمدلله.. طيب خلاص تمام.. زي ما أتفقنا الطلبية هتوصل في الميعاد إللي حددناه من الأول.. ماشي.. مع السلامة .

وضع سمَّاعة الهاتف في مكانها، لـ يلتفت بأنظارهُ نحو إبن عمـه وصديقـه الذي شاردًا وهو مازال في تلك الوضعية، لـ يسألـه بـ قلق وضيق في ذات الوقت :
-إيــه يا آدم ؟؟.. مش ناوي تقولي في إيـه مالك ؟؟.. من زمـان ماشوفتكش كده !!..

أراح ظهرهُ وهو ينظر لهُ بـ عينين حزينـة :
-دكتور محمد البيطري تعيش إنت .

نزل الخبر عليهِ كالصاعقة، ظل الصمت في المكان لـ عدة دقائق قبل أن يقول بـ خفوت :
-إن لله إليهِ وإن إليهِ راجعون، ربنا يرحمـهُ .

لمعت عينـيَّ "آدم" وهو يقول :
-موتـهُ المُفاجئ أكدلي أن الموت قُريب أوي مننا، بس إحنا مش حاسين
نهض من مكانـه قائلاً :
-كُلـهُ مكتوب على الجبين يا إبن عمي .

هزَّ رأسـه قائلاً بـ جدية :
-عندك حق، على العموم أنا قررت أبعت لـ عيلتـهُ كُل شهر مبلغ عشان يكفي أحتياجتهم .

إبتسم وهو يومئ رأسه إيجابيًا :
-كويس أنك عملت حاجة زي كده .

أرتسم على وجهه الجدية وهو يقول :
-إحنا كده عاوزين دكتور بيطري يكون مكان دكتور محمد الله يرحمـهُ .

قال "آسر" بـ جمود مؤكدًا على كُل كلمة يقولها :
-عـارف ده كويس، سيب الموضوع ده عليـا، أنا هتصرف وهجيب دكتور شاطر .

تمتم "آدم" بـ تأكيدٍ :
-أنا هعتمد على ربنا وعليك في الموضوع ده .

تـابع وهو ينهض من مكانـه :
-أنا هقوم بقى أروح أشوف خلصوا إجراءات الدفن ولا لسَّـه .

أجابــه بـ هدوءٍ :
-طب ما تُقعد معايا شويـة ؟؟..

ردَّ بجدية :
-معلش أنا كُنت محتاج أشوفك وخلاص الحمدلله شوفتك .

-تمام ربنا معاك .

ردَّ بـ جمود :
-معانا كُلنـا إن شاء الله، يالا سلام .

-سلام

******
أستيقظت "حبيبة" من النوم وهي تشعر بإرهاق، وجهت بصرها نحو ساعة الحائط لـ تشهق بـ فزعٍ، أنتفضت من مكانها وهي تتخيل على ما ستفعله صديقتها بسبب تأخيرها، كادت أن تنكب على وجهها من فرط التوتر ولكن تماسكت جيدًا، دلفت داخل المرحاض، وبعد أن أغتسلت خطت للخارج وهي تزيل عن وجهها قطرات المياة الباردة بـ منشفتها القطنية، أتجهت نحو خزانتهـا لـ تلتقط منها بعض الملابس، ثم أرتدتهم على عجالة، سحبت حقيبة يدها وهاتفها متوجه بعدهـا خـارج المنزل بأكملـه .

دقائقٌ.. وكانت تخرج من سيارتها الصَّغيرة وهي تنفخ بـ ضيق، نظرت لـ سيارتها بـ سخط وهي تقول بـ تبرم :
-كان لازم يعني تعطلي دلوقتي ؟!!..

شعرت بالضيق يزداد عليها وهي تقول :
-ياربـي أنا أتأخرت أوي، دي أميرة هتوريني يوم إللي مطلعش فيه الشمس .

أغمضت عيناهــا وهي تقول مبررًا لـ ذاتها :
-بس أنا أُريد وأنت تُريد والله يفعل ما يُريد .

عقب قولها هذا كانت تفتحهما ثم التفتت لـ تنظر إلى السيَّارات التي تُسير بـ طريقة سريعة، بلعت ريقها بـ توتّر، فهي تخشى من تلك السُرعة، أستجمعت قوتها قبل أن تبدأ بـ عبور الطريق، وقلبها يرتجف بـ داخلها، هي لم تعتاد أن تعبر الطريق من الأساس إلا حينما ظهرت "أميرة" في حياتها، بدأت تحاول أن تعلمها العبور، وقفت على الفاصل بين الطريقين وهي تشعر بـ جُزء من الأرتياح، لـ تعبر الطريق الأخير، سـارت بـ تهمل وعيناها قد توسعت قليلاً، أنتفضت حينما أستمعت إلى رنين هاتفها، بدون أن ترى الأسم كانت تعلم من صاحبة تلك المُكالمة، شعرت أنها نهاية العالم، واقفة في مُنتصف الطريق والسيَّارات تُسير بـ سُرعة تجعل النفس مرتجفة، توسعت عيناهــا وهي ترى السيَّارة على وشك أن تصطدمها، فـ بسرعة البرق ركضت وقد ظنت أنها نجدت، لـ تصطدمها سيَّارة أُخرى ولكن ليس بـ قوة، حيثُ كان سائقها قد شد الفرامل .

نظرت لـهُ بـ عينين واهنة قبل أن تسقط على الأرض مغشيًا عليها، ترجل صاحب السيَّارة بـ لهفة، جثى على رُكبتـه لـ يحاوط خصرها بـ ذراعـه لـ يُقربـها إليـهِ، تجسس نبضها، فـ وجده طبيعيًا، شعر بإرتياح يجتاحـه، تجهمر عدد من المواطنين لـ يتفقدوا حالهـا .

مسح "آدم" جبينهـا بـ رفق، وهو يتفحص بـ عينيـهِ القلقة جسدها لـ يرى إن كان هُناك إصابات أَمْ لا، فـ وجد كدمات في ذراعها وفي قدماها اليسرى، صرخ بـ نبرة جهورية وقد برزت عروق نحره :
-حد يجيب ميـاا بسُرعة .

أخرج أحدهم من حقيبة ظهره زُجاجة ميـاة ثم ناولها لـهُ، لـ يأخذها على الفور، نزع الغطاء عنها، ثم بدأ ينثر قطرات على وجهها، نثر بعض المـاء على راحـة يده لـ يبللهـا، ثم أنحنى نحوها ممرًا ذراعـه خلف عنقهـا لـ يرفع وجهها إليـهِ، مسح بـ كفـه على وجنتها بـ رفق فـ بدأت تتجاوب معـه، أصدرت "حبيبة" أنينًا خافتًا، تحرك جفنيها بـ طريقة عصبية ثم أرتخى، هزَّ رأسـه بـ حيرة، نظر للشخص الذي أعطاه زُجاجة الميـاة لـ يهتف بـ صوتٍ رخيم :
-مُمكن لو سمحت تجيب من عربيتي البرفان بتاعي، مقاسـهُ صُغير جدًا، هتلاقيـه في الدُرج إللي فاليمين .

أومأ رأسـه ثم ركض صوب السيَّارة لـ يحضر ما طلبـه، ثوانٍ وكأنها دقائق بالنسبة إليـهِ، أعطاه الشاب زُجاجة العطر، أمسك بها وبدأ بـ محاولة إفاقتها حيث نزع الغطاء عنها ثُم نثر العطّر على راحة يدهُ، قرب كفـهُ من أنفها لـ تخترقـهُ رائحته القوية، تحرك جفنيها بـ حركة عصبية مُجددًا، ولكن تلك المرّة بدأت تشعر بـ واقعهـا، قرب كفـه من أنفها لـ تخترق الرائحة أنفها مرَّة أُخرى، أصدرت للمرة الثانيـة أنينـًا خافتًا وهي تحرك رأسهـا للجانبين، فتحت جفنيها بـ تثاقل وهي تشعر بـ دوار قوي يعصف بـ رأسها، سمع رنين هاتفها لـ يسحب حقيبتها، ساعده أحد الأشخاص الذي يُتابع ما يحدث بـ قلق حتى أخرج الهاتف، ثم ضغط على زر الردَّ لـ يبدأ هو الأوَّل بالحديث قائلاً بـ صوتـه الأجش :
-آلو.. !!..

أبعدت "أميرة" الهاتف عن أذنها لـ تقرأ الأسم فـ وجدتـه صحيحًا، أرتفع حاجبها الأيمن للأعلى وهي ترُدَّ بـ حدةٍ :
-مين معايـا ؟؟..

أجـاب بـ صوتٍ رخيم :
-آدم الألفـي، هو إنتي تعرفي صاحبة الموبايل ده ؟؟..

بلعت ريقها بـ توجسٍ :
-أيوة أعرفها طبعًا .

هتـف بـ قلقٍ طفيف :
-طيب مُمكن تيجي شـارع ***، إلي قُدامـهُ مطعم الـ... ؟!!..

خفق قلبها وهي تسألـه :
-ليـه ؟؟.. في إيـه ؟؟..

أجابهـا بـ تبرمٍ :
-صاحبة الموبايل عملت حادثة، أنا هكون واقف بالعربية بتاعتي قُدام مطعم الـ...، وهي هتبقى معايـا، أرجوكِ تيجي بسُرعة .

شهقت قائلة بـ ذعرٍ :
-حادثــة !!.. طيب أنا جايــه حالاً .

أغلقت الهاتف، ثم نهضت من مكانها وضعت بعض الأوراق النقدية على الطاولة، لـ تخرج من المكان بخُطوات راكضة، أستقلت سيارتها لـ تنطلق بها إلى المكان المتواجد بهِ صديقتها .

أغلق الهاتف ثم نظر لها لـ يجدها مازالت تحاول فتح عيناها وهي تضع يداها على رأسها، سألتهـا إحدى السيدات بـ لطف :
-طيب إنتي سمعاني يا بنتي ؟؟.. حاسـه بـ إللي بيحصل حواليكي ؟؟..

هزت رأسها نفيـًا قائلة بـ وهنٍ :
-أنا حاسـه بـ إللي بيحصل حواليـا، حاسـه بكُل حاجة !!.. بس مش عارفة أفتح عيني .

أستمعت لـ سؤالٍ آخر من أحد الواقفين قائلاً :
-طيب تحبي نوديكي المُستشفى ؟؟..

ردَّت سريعًا وقد فتحت عيناها أخيرًا ولكن بـ تثاقل :
-لأ مفيش داعي، أنا كويسة الحمدلله .

شعرت بـ ذراع يحاوط خصرها، التفتت بـ رأسها لـ تقع عيناها على عينيهِ العميقة، نظرت لـه بـ ملامح حادة مُتسائلة بـ ضيقٍ :
-إيه ده !!.. إنت مين ؟؟.. وإزاي إنت ماسكني كده ؟؟..

أدرك سريعًا مقصدها، كاد أن يتحدث ولكن دفعتـه بـ حذرٍ ثم هبت واقفة بـ طريقة مُفاجئة سريعة مما أدى إلى زيادة دوارها وتألمت قدماها المصابة، شعرت بـ ذاتها وهي تقع مرَّة أُخرى ولكن حاوط خصرها لـ تضع يداها على صدره العريض تلقائيـًا، تراجعت بـ هدوءٍ وهي تضع يداها على عينيها وجبينهـا لـ يُشير "آدم" لـ إحدى السيدات مرددًا بـ جدية :
-لو سمحتي مُمكن تدخليها المطعم ده عشان ترتاح، لغاية بس ما أركن العربية بتاعتي في أيّ مكان وكمان صاحبتها جايـه دلوقتي .

أومأت رأسها لـ تقبض على ذراعيها بـ رفق ثم تحركن نحو الداخل، أستقل سيَّارتـه لـ يتحرك بها إلى المكان المخصص لـ ركن السيارات، دقائقٌ.. وكان يعود لـ يدلف للداخل، بحث بـ عينيـهِ عنها لـ يراها جالسـة في آخر طاولة تتفحص ذراعها المصاب، سـار نحوها ثم سحب مقعده لـ يجلس وهو يسألهـا :
-عاملة إيـه دلوقتي ؟؟..

ردت بـ هدوءٍ :
-أحسن الحمدلله .

هتف بـ حرجٍ وهو يشبك أصابع كفيهِ :
-أنا مكنش غرضي وحش، أنا بس كُنت بحاول أفوقك، وأظن ده مش منظر واحد يفكر بالأسلوب ده .

إبتسمت إبتسامة صغيرة باهتة وهي تقول :
-حصل خير .

صمتت للحظة قبل أن تسألـه وهي تضيق عينيها :
-هو إنت إللي خبطني ؟!!.. صح ؟؟..

أجاب بدون توتر أو قلق من ردة فعلها :
-أيوة .

أخفضت رأسها وهي تعتذر بـ هدوء :
-أنا آسفة إني دخلت عليك فجأة، أنا عارفة أن الغلط عليا أنا، مش عليك .

نظر لها بـ دهشةٍ حيث كان متوقعًا هجومًا عنيفـًا منها، إبتسم لها إبتسامة صغيرة جذابة :
-مفيش داعي لـ الأعتذار، المُهم أنك كويسة .
-الحمدلله .

حضر النادل لـ يحيهم بـ لطف :
-صباح الخير .

أجاب "آدم" بـ هدوء، ثم قال لـهُ وهو يشير بـ يدهُ :
-صباح النور، ياريت تجيب عصير بُرتقال لـ الآنسة، وتجيبلي أنا قهوة مظبوطة .

أومأ رأسـه لـ يغادر على الفور، نظرت لـهُ بـ ضيق قائلة :
-مكنش في داعي أنك تطلبلي عصير .

هز رأسـه نفيـًا هاتفًا :
-مينفعش، إنتي لسه دايخة، وبعدين إنتي واضح عليكي مفطرتيش، وده أكبر غلط، فـ لازم تشربي حاجة .

غمغمت "حبيبة" بـ حدة :
-ماشي، بس في شرط عشان أشرب .

رفع حاجبيهِ للأعلى وهو يقول بـ تعجب :
-شرط !!.. شرط إيـه ؟؟..

بلعت ريقها بـ توتر قائلة بـ هدوءٍ زائف :
-أن أنا إللي أدفع تمن العصير .

إبتسم إبتسامة جانبية وهو يتمتم بإستخفاف :
-ليـه إن شاء الله، أنا إللي هدفع، أنا إللي طالب الـ order ده !!.. يبقى أنا إللي هدفع .

بادلتـه نظرات الإستخفاف وهي تقول بـ عندٍ :
-بس أنا إللي هشرب .

أحتدت نظراتـه وهو يقول بـ صرامة شديدة :
-بقولك إيـه، أنا مش بعرف أرجع فكلمة أنا قولتها، وبلاش إستفزاز، أنا إللي هدفع يعني أنا إللي هدفع .

أنفجرت شفتاهــا بـ دهشة على أسلوبـه الصارم، لا تنكر تلك الرعشة التي شعرت بها، ولكن رسمت قناع القوة بـ براعة، نظر لها "آدم" بـ تأمل، دقق ملامحها لـ يجدها أنها ملامح جادة ولكن لينـة، رفع حاجبيه بإعجاب على شخصيتها، حضر النادل لـ يضع كوب من القهوة وكأسٍ من العصير البُرتقال، تناولتـه بـ هدوء وأرتشفت القليل منه، أستمعت إلى صوت رنين هاتفها، فـ أمسكتـه بـ لهفة لـ ترُدّ على الفور بـ نبرة مرتعشة :
-آلو.. أيوة يا أميرة .

سألتهـا بـ نبرة خائفة :
-حبيبـة !!.. إنتي كويسة ؟؟.. إنتي فين طيب ؟؟..

أجابتهـا بدون تردد :
-أنا جوا المطعم إللي قالك عليه الأستاذ .

هدأت نبرتها الخائفة وهي تخبرها :
-ثواني وأكون قدامك، مع السلامة .
-مع السلامة .

أغلقت هاتفها وهي تنظر نحو باب المطعم منتظرة دخولها، قطب جبينـه بإستغراب مُتسائلاً بإهتمام :
-قالتلك إيـه ؟؟..

لم تحدْ نظراتها عن الباب وهي تجيبـه :
-قالتلي ثواني وأكون قُدامك .

تنهد بـ قوة وهو يستدير بـ رأسـه، في تلك اللحظة كانت تدخل بـ خطوات ثابتة رغم توترها وخوفها، ولكنها تماسكت بالهدوء الذي يكسو بشرتها، لمحتهما حينما أشارت إليها "حبيبة" بـ يدها، سارت نحوهمـا بـ تعجلٍ، وقفت قبالتها لـ تحتضنها بدون حديث، شعرت الأخيرة بـ حنان يُغمرها فـ أغمضت عيناها لـ تستسلم بذلك الإسترخاء الذي بدأ يعتريهـا، رمقهما "آدم" بـ تأمل هادئ، أرتسمت على محيـاه إبتسامة صغيرة، فتلك العلاقات بذلك الشكل أصبحت نادرة الوجود، تراجعت "أميرة" عنها وهي تحدجها بـ نظراتٍ قلقة قائلة بـ تساؤل :
-إنتي كويسة ؟؟..

أومأت رأسها وهي تبعد خُصلات شعرها عن وجهها، لـ تسألهـا بإستغراب :
-أومال إيـه إللي حصل ؟؟..

ألتفتت بـ رأسها ثم نظرت لـهُ بـ تفحص دقيق بـ عينين ضائقة وهي تسألـه بـ ريبة :
-مين حضرتك ؟؟..

وثب واقفـًا من مكانـه وهو يخبرها بـ ثقة :
-أنا إللي كلمتك في الموبايل .

ثم رمق "حبيبة" وهو يتابع :
-وأنا إللي خبط الآنسة .

تحدثت بـ هدوء مُريب وهي تشير بـ يدها :
-وهو مش المفروض كُنت تاخد بالك ؟؟.. ولا أنا بتهيألي ؟؟!..

أسرعت "حبيبة" في الردَّ قبيل حدوث مشاجرة بينهم :
-أنا إللي غلط يا أميرة .

أستدارت بـ جسدها وهي تحدجها بإستغراب، لـ تُتابـع بـ هدوءٍ حذر :
-وأنا بعدي الطريق في عربية كانت هتخبطني، فـ أنا محستش بـ نفسي غير وأنا بجري بسُرعة، فـ خبطني من غير قصد لـ أني طلعتلـهُ فجأة !!..

هزت رأسها بـ تفهمٍ وقالت :
-على العموم شُكرًا إنك فضلت معاها .

ردَّ بـ صوتٍ رجولي خشن :
-مفيش داعي للشُكر، وكويس أنها بخير .

نظرت لها بـ ريبة وهي تتأمل ذراع رفيقتها :
-في إصابات تانية غير دراعك ؟؟..

أومأت رأسهـا وهي تغمغم :
-أيوة، أعتقد أن في فـ رجلي الشمال، لأنها وجعاني أوي .

أشـارت بـ يدهـا بـ صيغة آمره :
-طيب يالا عشان هوديكي لـ دكتور يعالج الإصابات دي .
نهضت من مكانها لـ تمسك يدها بـ رفق، نظرت لـهُ "حبيبة" نظرةً أخيرة قبل أن تُغادر المكان بأكملـه مع رفيقتها .

نظر إليهم وقد تقوس فمـه للجانب، وضع بضع أوراق نقدية على الطاولـة، ثم تحرك بـ هدوء لـ يتجاوز حدود المطعم، وما أن خرج حتى أسرع في خطـاه لـ يصل إلى سيارته، أستقلها ثم وضع نظارته السوداء لـ يحجب الشمس عن عينيـهِ، بدأ بالقيادة ورغمًا عنه علق التفكير في ما حدث بـ عقله ولم ينصرف .

******

مساءً عاديًا، دخلت "أميرة" الفيلا بخُطوات مُرهقة بعد يوم طويل، نظرت لـ ساعـة يدها لـ تجدها قد تعدت السادسة مساءً، أتت كبيرة الخدم "عفاف" حتى وقفت قبالتها، حيتهــا بإبتسامة حانية تذكرها بـ والدتها، ثم سألتهـا بـ هدوءٍ :
-تحبي أحضرلك العشاء ؟؟..

هزت رأسها نفيـًا قائلة :
-لا أنا كلت مع حبيبة شوية سندوشات .

أخذت تبحث بـ عيناهــا عن عمها أو زوجتـه، تقوس فمها بإستخفاف وهي تتحدث :
-أومـال فين عمي أو مراتـه ؟؟..

أشارت بـ يدهــا وهي تجيبهـا :
-مرات عمك فـ أوضتها، إنما عمك هو خرج من شوية .

سكتت للحظةً ثم قالت وقد تذكرت أمرًا :
-آه صح، عمك كان بيسأل عليكي الصُبح، وقالي أوَّل ما إنتي تيجي تروحيلـهُ على طول .

نفخت بـ ضيق وهي تردد في صوتٍ حانق :
-وبعدين بقى، طب متعرفيش عاوز إيـه ؟؟..

حركة رأسهـا نافية قائلة بـ تبرم :
-الحقيقي معرفش، بس بيقول أنـهُ عاوزك في موضوع مُهم .

تطلعت أمامها في الفراغ لـ ثوانٍ قبل أن تتحدث من زواية فمها قائلة :
-يا ترى عاوزني في إيــه يا أونكل ؟؟.. ربنا يُستُر !!..

******
بدلت ملابسها بعد حديثها مع كبيرة الخدم، جلست على الفراش لـ ترخي جسدها عليهِ بالكامل، أغمضت عيناها بإسترخاء محاولة أن تطرد أيَّ تفكير من عقلهـا، ولكن سُرعان ما أستمعت لـ صوت قرعات على باب غُرفتها فـ أكفهر وجهها وهي تنهض لـ فتحه، لـ تجد إحدى الخادمات، سحبت نفسـًا عميقـًا ثم حررتـه لتسألهـا بـ وجهٍ مٌتهجم :
-إيـه يا فردوس، في حاجة ولا إيـه ؟؟..

هتفت بـ صوتٍ خافت :
-فؤاد باشا عاوز حضرتك تنزليلـهُ دلوقتي .

نظرت لها لـ ثوانٍ طوال، ثم قالت بـ وجهٍ مكفهر :
-طيب أنا هروحلهُ، أقفلي إنتي الباب والنور .

تنحت جانبًا لـ تعبر هي ومازالت محتفظة بـ تعابير وجهها، سحبت "فردوس" الباب خلفها حتى أوصدتـه لـ تتحرك بعدها نحو عملها، هبطت "أميرة" إلى الأسفل وهي تبحث بـ بصرها عنه حتى وقعت عيناهــا عليهِ وهو جالسًا بإسترخاء على الأريكة، وقفت أمامـه مُنتظرة ما سيقولـه، وثب قائمًا ثم قال بـ غموضٍ :
-تعالي معايـا .

أنعقد حاجبها في إستغراب وهي تسير خلفـه، دخلا الشرفة لـ يجلس هو على المقعد بإسترخاء، أستنشق نسمات الهواء العليل، ثم نظر إليها لـ يجدهــا واقفة تنظر إليـهِ بـ تدقيق، هتف بإبتسامة جانبية وهو يشبك أصابـع كفيه سويـًا :
-ما تُقعدي يا أميرة !!..

تحركت نحو المقعد لـ تجلس عليهِ، تمتم بـ ملامح جادة قائلاً بـ غموض زائد :
-طبعًا عاوزة تعرفي إني عاوزك في إيـه ؟؟..

أجابت بـ تمعن :
-ياريت، بدل ما دماغي عماله تودي وتجيب .

تقوس فمه لـ تظهر من خلفها إبتسامة غامضة مُثيرة وهو يقول بـ ثقة :
-لأ الموضوع عادي جدًا وبسيط، كُل الحكاية أن عيد ميلادك بعد بُكـرا، صح ؟؟..

تمتمت بإستخفاف بـ ملامح ساخرة :
-واو !!.. حضرتك لسّه فاكر ؟؟.. ده أنا نسيت !!..

هتف بـ مكر :
-مقدرش أنسى حاجة تُخص بنت أخويا الله يرحمهُ.

تنهدث بـ ثقل وهي تتساءل :
-أونكل، إنت في حاجة عاوز تقولها ؟؟..

أسترخى أكثر في جلستـه لـ يُجيب وهو يذم شفتيهِ :
-شوفي، أنا ناوي أعملك عيد ميلاد حلو جدًا يليق بيكي وبـ عيلتنـا، وأعزم رجال أعمال وأصدقاء والدك وبالمرَّة تعزمي صُحابك، إيـه رأيك ؟؟..

أنطلقت من حلقها ضحكة ساخرة وهي تقول :
-يا سـلام !!.. تعملي عيد ميلاد ؟؟.. غريب يا أونكل الكلام إللي بسمعـهُ ده !!..

قال بـ هدوءٍ :
-مش غريب ولا حاجة يا بنت أخويا الوحيد، أنا عاوزك تُخرجي من حالة الأكتئاب دي .

أرخت عينيهـا لـ يُتابع بـ ذات النبرة :
-أميرة، فكري بالعقل، تفتكري والدك ووالدتك الله يرحمهم مبسوطين وهما شايفينك كده ؟؟.. أنا مش بقولك إنسيهم بس حاولي تتبسطي على الأقل، الأعياد ميلاد مش بتتكرر إلا مرة واحدة في السنة !!.. حاولي تستمتعي بـ حياتك، وبعدين بالمرة تشوفي أصدقاء والدك ووالدتك، فكري في كلامي ده كويس، ورُدي عليا قبل ما تنامي .

نهض من مكانـه لـ يخرج من الشرفة، ظلت جالسة تفكر في حديثـه المثير للتعجب، أغمضت عيناها هاتفة وقلبهــا يعتصر ألمـًا :
-وحشتونــي أوي .

شعرت بـ كف يربت على ذراعها، فـ فتحت عينيها لـ تجد "عفاف" واقفة بـ جانبها وبـ يدها كأسًا من العصير، جلست على المقعد الذي بـ جانبها، تناولت العصير لـ تتجرع أكثر من نصفـه، نظرت إليها بـ جدية وهي تسألهـا بإهتمام :
-هو قالك حاجة ضايقتك ولا إيـه ؟؟..

هتفت في حيرة :
-مش عارفة هو إيه إللي خلاه يفكر في موضوع عيد ميلادي !!.. ده أنا نسيتـهُ .

أصغت لها بإهتمام قبل أن تهتف بقلق طفيف :
-طب أحكيلي، يمكن أقدر أقولك على الصح .

قصَّت عليها حديثها مع شقيق والدها، فـ ظلت الأخيرة تستمع إليها بإهتمام جلي حتى أنتهت بـ قولها الحائر :
-مش عارفة غرضـهُ إيه من الموضوع ده !!.. ده أول مرة يفكر فـ حاجة زي دي !!..

تمتمت بـ هدوء :
-بُصي أنا من رأيي تعملي العيد ميلاد، رغم إني مش برتاح لـ فؤاد باشا، بس هو عندهُ حق، إنتي من حقك يابنتي تفرحي حتى لو بـ نسبة 50%، مامتك الله يرحمها لو كانت شافتك بالحالة دي كانت هتتعب أوي، أعملي العيد ميلاد وعلى الأقل تتعرفي على رجال وسيدات أعمال إللي هُمـا من مستواكي الراقي، مش هتخسري حاجة وبعدين ده بيحصل مرة واحدة فالسنة .

رفعت عيناها نحو البدر هاتفة :
-ماشي، على الأقل أغير جو، رغم نيتي إني مكُنتش أعمل عيد ميلاد بعد وفـاة بابا وماما .

ألتمعت عيناهــا بـ وميض حازم قائلة بـ قوة :
-بس هوافق عشان يمكن أقدر أكشف سر حنيتـهُ عليا دي، أنا واثقة إني هعرف الحقيقة يا فـ الحفلة يا إمـا بعدهــا، ولو حسيت بأيَّ قلق في الحفلة هعرف أتصرف كويس !!.. بـ طريقتـي الخاصة !!..

ثم هبت واقفة لـ تخرج من الشرفة بخُطوات متعجلة لـ تجده جالسًا على الأريكة ويعبث بـ هاتفـه، رفع عينيــه نحوهـا حينما شعر بـ وجودها فـ سألها بـ جدية :
-هـاا فكرتي في الكلام إللي قولتـهُ ولا لسَّه محتاجة وقت ؟؟..
أجابتـه بـ جمود :
-فكرت !!..

سألهـا من جديد بـ صوتٍ جاد :
-والردَّ ؟؟..

ردّت بـ جمودٍ غريب :
-موافقة، بس ياريت بقى الديكور بتاع القصر يبقى بسيط أوي، مش عايزة الناس تقول إني مش فـ دماغي بابي ومامي، ماشي يا أونكل .

ردَّ بإبتسامة زائفة :
-ماشي يا بنت أخويـا، هعمل كده .

رمقتـه بـ ضجر :
-تصبح على خير .
-وإنتي من أهلـهُ .

صعدت على الدَرَج حتى وصلت إلى غُرفتها، أمسكت بـ مقبض الباب لـ تديره بـ بُطء بسبب عقلهـا الذي في عالم آخر، أنفتح الباب فـ دخلت ثم أغلقتـه، جلست على طرف الفراش وهي تطلع لأمامهــا بـ نظراتٍ غير مفهومة قائلة بـ حزم :
-لازم أعرف إللي فـ دماغك يا أونكل، وهعرفـهُ يعني هعرفـهُ .
فركت كفيها معًا وهي تقول بـ عدم إقتناع :
-ربنا يُستُر على إللي إنت عاوزهُ يا أونكل وعلى إللي بتفكر فيه .

******
في صباح يوم جديد..

بدأت خيوط الشروق تزحف لـ تغطي هذا البساط الأزرق الصافي، بزغ قرص الشمس في حضن الشرق، ومازال "آدم" نائم نومًا عميقـًا، حيث لم يهنأ بـ نوم في ليلتـه، فقد ظل يفكر ما حدث في صباح أمس، وعلى تلك الجنية التي رأها، يكفي عيناهــا التي تضئيان في حلاوة، وعلى رغم من قصر شعر رأسها ولكنه يليق بها مع وجهها البرئ، كان يود أن يعرف أسمها ولكن الوقت لم يسمح لهذا .

ساعات قليلة ولكن تمتع فيها بـ نومٍ هادئ، وأعادا التركيز إليهِ بعض الشئ، حتى أستيقظ على صوت رنين هاتفـه، أعتدل في جلستـه ثم قبض على الهاتف، أمتعضت ملامحهِ حينما وجد المتصل هو مُدير الحسابات، فـ توقيت الأتصال جعل xxxxب القلق تدخل قلبهِ، زم شفتيهِ وهو يُجيب بـ غلظة :
-آلو.. أيوة يا محمود، خيــر ؟؟..

أجـاب بـ توتّر وأرتباك جلي :
-إن شاء الله خير، هو بس..

صمت للحظات، فـ نفخ الأخير بـ نفاذ الصبر :
-في إيه يا محمود ؟؟.. أنا لسّـه صاحي من النوم، يعني مش ناقص !!..

أستجمع شجاعتـه وهو يقول بـ جدية :
-بُص يا باشا، إحنا أكتشفنا لسَّه حالاً، أن في عجلين ماتوا، وفي أتنين غيرهم تعابنين !!..

أنعقد حاجبا "آدم" بإستغراب شديد وهو يتمتم :
-إزاي حصل ده ؟؟..

رد عليـه بـ حيرة :
-الحقيقي منعرفش، إحنا محتاجين دكتور بيطري، كان زمانـهُ يقدر يتصرف .

شعر بالغيظ يأكلـه، فـ هتف بـ غيظٍ مكتوم :
-ماشي يا محمود، أنا هاجي دلوقتي المزرعة، يالا سلام .

أغلق الهاتف لـ يلقيـهِ على الفراش، زفر زفيرًا حارًا وهو يخلل أصابعـه داخل فروة شعره، نهض عن الفراش الوثير وهو يحرك ذراعيهِ في الهواء، ثم دلف داخل المرحاض للأغتسال، دقائقٌ.. وكان يخرج متوجهًا صوب الخزانة، أنتقى الملابس التي سيرتديها، أرتداهم على عجالة، ثم سحب سلسلة مفاتيحـه وهاتفـه المحمول .

خرج من الغُرفة لـ يهبط إلى الأسفل، وجد الجميع يعملون، فـ صـاح بـ كبيرة الخدم، فـ سُرعـان ما أتت مهرولة إليــهِ حتى وقفت أمامـه، نظر لها مُتسائلاً بـ هدوءٍ حادٍ :
-فين آسر باشـا ؟؟..

ردّت بـ صوتٍ جدًّ :
-مشي من نُص ساعة وبيقول لـ حضرتك أبقى أتصل بيه أول ما تبقى فاضي .

نظر لها بـ سُخرية هاتفـًا :
-فاضي !!..

أضاف وهو يرتدي النظارة :
-طيب أنا ماشي، أبقي خلي حد يظبط أوضتي .

أومأت إيهِ رأسها هاتفـة :
-حاضر يا باشـا .

نظر لها نظرةً أخيرة قبل أن يخرج من القصر، أستقل سيّارتـه السوداء لـ ينطلق بها إلى مزرعتـه..

بعد برهة، كان وصل إلى مقر عملـه، ترجل عن سيارتـه، لـ يستقبلـه مُدير الحسابات "محمود" وتحركا بـ خطى شبه راكضة نحو الداخل، دخل مكتبـهِ ثم جلس بعد أن وضع هاتفـه وسلسلة مفاتيحه، نظر إلى مُدير الحسابات لـ يسألـه بـ لهجة ثابتة :
-مُمكن أفهم إيـه بالظبط إللي حصل ؟؟..

سحب نفس عميق قبل أن يحرره قائلاً :
-مفيش يا فندم، العجلين إللي ماتوا واحد منهم ماتت بعد ما ولدت والتانية سبب الوفـاة طبيعي جدًا، إنمـا الأتنين إللي تعابنين منعرفش إيـه السبب، إحنا محتاجين دكتور بيطري شاطر يا فندم، وإلا هنخسر الأتنين التانين !!..

هتف بـ لهجة متشددة :
-أنا هاشوف الموضوع بـ أسرع وقت مُمكن، للأسف آسر باشا هو إللي قالي أنـهُ هيتولى مُهمة أنـهُ يجيب دكتور متوفق وكويس، هكلمـهُ وهقولـهُ يا إمـا أنا إللي هتصرف بـ طريقتي .

هتف "محمود" مُتسائلاً :
-طب وإمتى الردَّ ؟؟..

تقوس فمـه للجانب، سحب نفسًا عميقـًا زفره على مَهَلٍ ثم أردف مُجيبـًا بـ نظراتٍ جادة لا تعرف النقاش :
-الحقيقي لسه مش عارف بس بـ كتيره أوي بُكرا، وبعدين الموضوع ده أكيد يهمني .

هزَّ رأسـه متفهمـًا، ثم أستقام أكثر في جلستـه لـ يُضيف بعدها بـ هدوءٍ جاد :
-طيب يا أُستاذ محمود تقدر تتفضل على مكتبك .

أستدار ثم أنصرف من المكان بـ أكملـه، وبعدما ذهب، وضع رأسـه بين كفيـهِ، ظلَّ على تلك الوضعية لـ ثوانٍ معدودة قبل أن يعيد ظهره للخلف لـ يقول بـ تبرم :
-هو أنا حاسس ليـه إني مضايق ؟؟..

أرجع رأسـه على المقعد الجلدي الضخم، ثم أغمض عينيهِ محاولاً إسترخـاء لـ يستطيع التفكير في الأمور التي يجب حلهـا..

******
تفحص الرسائل الواردة لـه بإهتمام، أستمع إلى صوت قرعات على باب مكتبه فـ أذن بالدخول دون أن يبعد عينيهِ عن جهاز الحاسوب الخاص بهِ، دخل السكرتير "هيثم" ثم أغلق الباب تحرك نحوه حتى وقف أمام المكتب بـ ثبات، لم يتحدث سوى حينما رفع "آسر" حاجبـه للأعلى مُتسائلاً بـ كلمتين أثنين فقط :
-في جديد ؟؟..

ردَّ بإيجاز :
-في يا فندم، الدكتور كامل الأسواني عاوز يقابل حضرتك، أخليـه يتفضل ؟؟..

ألتفت إليـهِ بـ رأسه فقط مُجيبًا بـ هدوءٍ :
-أكيد، خليـه يتفضل .

غادر المكتب بخُطوات هادئة، ثوانٍ وكان يدخل "كامل الأسواني" فتح ذراعيهِ وهو يقول بإبتسامة واسعة :
-آسـر !!.. حمدلله على السلامة يا وَحَش .

نهض من مكانـه ثم أقبل عليـهِ لـ يضمـه إلى صدره قائلاً بترحابٍ :
-أزيك يا كامل، إيه المُفاجأة دي ؟؟..

أحتضنـه ثم ربت على ظهره وهو يتراجع عنـه بإبتسامة صغيرة :
-يابني إنت تستحق ده، تستحق إني أجيلك من آخر بلاد العالـم .

لاحت إبتسامة صغيرة على جانب شفتيهِ وهو يعود إلى مقعده الجلدي قائلاً :
-ربنا يخليك لياا يا كامل .

أضاف بإندهاشٍ بعد أن جلس :
-واقف ليـه يا كامل ما تقعد ؟؟..

جلس بهدوءٍ لـ يسألـه "آسر" بإهتمامٍ :
-قولي الأوَّل تحب تشرب إيـه ؟؟..

أشـار بـ يـده نفيًا هاتفـًا بـ جدية :
-لأ مش عاوز أشرب، أنا قولت أجي أسلم عليك وأعزمك على حفلة .

نهض من مكانـه مرةً أُخرى وهو يتمتم بإستغراب :
-حفلـة ؟!..

جلس "آسر" في مواجهتـه مُسلطـًا بصره الحاد على وجهه الجاد قائلاً بـ هدوئـه وبـ ملامح مُتعجبة :
-حفلـة إيـه ؟؟..

أستخدم يده كـ إشارة توضيح وهو يُجيبـه :
-شوف بقى، إنت تسمع عن واحد أسمـهُ "أشرف شاهين"، صح ؟!..

أجـاب بـ جدية :
-أيوة، بس أنا عرفت أنـهُ مات من فترة مش كبيرة، يعني من حوالي سنة أو يمكن أكتر !!..

تمتم بإعجـاب ولم يمحي نظراتـه الجادة :
-كويس إنك متابع، المُهم أخوه عزمني على حفلة عيد ميلاد بنت أشرف شاهين، وطلب مني أعزم أيَّ شخص من رجال الأعمال إللي أعرفهم وإنت منهم .

رفع حاجبيـهِ بـ دهشة :
-نعــم !!.. حفلـة إيـه إللي أروحها !!..

غمغم بإستخفاف قائلاً بـ تعجب أكبر :
-وبعدين ثواني بنتـهُ تعمل عيد ميلادها وأعز الناس ليها ماتوا من سنـة !!.. ده إيـه البنت دي ؟؟..

أمتعضت ملامحـه بـ شدة وهو يقول في نغمة عتاب :
-بلاش تتكلم عنها كده يا آسر، البنت دي كويسة جدًا، إنت متعرفش هي عامله إزاي ولا تعبت أد إيـه، يوم ما عرفت الخبر دخلت في غيبوبة لـ مُدة 4 شهور تقريبًا، وبعدين أنا صديقها من زمـان فـ عارف كُل حاجة عنها، وعمها هو إللي طلب منها أنها تعمل الحفلة دي عشان تخرج من الأكتئاب إللي هي فيـهِ، وبعد كلام كتيـر وافقت وهي مش مُقتنعة .

صمت للحظة قبل أن يهتف بـ نبرة أكثر عتـاب :
-أوعى تتكلم عنها وحش وإلا هزعل منك جدًا، وأنا واثق أنك لو أتعرفت عليها هتحب أو هتُعجب بـ شخصيتهـا، هي أصلاً بنت تتحب !!..

أخفض بصره وهو يفكر في حديثـه، زفر زفيرًا حارقـًا وهو يشعر بالضيق على ذلك السؤال الذي طرحـه، عاد ينظر إليـهِ وهو يقول بـ جدية وبـ وميض حازم :
-وأنا هاروح الحفلـة .

تابــع وهو يبتسم بإصرار :
-لأني عاوز أشوف الشخصية إللي بتتكلم عنها دي.

صمت للحظة قبل أن يسألـه :
-هي أسمها إيـه ؟؟..

أجـاب بإبتسامة عذبة :
-أميرة .

تمتم بـ همسٍ خافت لـ يتعرف على موسيقـاه :
-أميـرة..

************
(( أَنَتْهَاءُ الفَصْلُ الثَّانِي ))


أميرة مدحت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-06-20, 11:20 PM   #5

أميرة مدحت

? العضوٌ??? » 472511
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 31
?  نُقآطِيْ » أميرة مدحت is on a distinguished road
افتراضي

(( الفَصْلُ الثَّالِثُ ))

ظل جالسًا في مكتبـه يراجع بعض الملفات والأوراق الهامة، دلف الساعي بالقهوة، وأسندها على مكتبـه ثم ذهب للخارج، تناولـه وهو يعود بقراءة الأوراق بدقة، عقب أن أرتشف "آدم" عدة قطرات من قهوتـه وترك بقيتها، أمسك هاتفه ولمسه عدة لمسـات ثم وضعه على أذنه اليسرى مُنتظرًا الردَّ حتّى أتـاه بعد لحظـاتٍ معدودة حيثُ قال بصوتٍ خشن :

-أيوة يا آسر، عامل إيـه ؟؟..

أجـاب بصوتٍ رخيـم :
-أحسن الحمدلله، وإنت إيـه أخبارك ؟؟.. وأخبـار شُغلك إيـه ؟؟..

هتف بضيق قائلاً :
-أتنين من العجول عندنا ماتوا، وفي أتنين غيرهم تعابنين بس خليت مُدير الحسابات يتصرف في أيّ دكتور بيطري وأهوو ظبط الموضوع .

تشنجت ملامحـه نوعًا ما وهو يقول :
-أنا فاهم إنك عاوز تقول إيـه !!..

هتف بضجرٍ :
-ما هو يا إما تجيب دكتور كويس في أسرع وقت مُمكن عشان الحالات الطوارئ إللي زي دي، يا إمـا أتصرف بـ طريقتي .

صـاح بهِ بـ نبرة عاليـة :
-الموضوع لسَّه حصل إمبارح، مش معقولة يعني مثلاً أكون حاجزلك واحد للطوارئ .

سكت لـ عدة ثواني محاولاً ضبط إنفعالاتـه لـ يقول بـ تحذير وقد هدأ قليلاً :
-وياريت تهدي نبرتك معايا أنا بذات، عشان مش عاوز أضايق عليك، ماشي يا آدم ؟؟!..

سحب نفسًا عميقـًا ثم زفره ليهدأ بعدها وهو يتمتم :
-ماشي يا آسر .

عادت نبرتـه الهادئة مع صوتـه الرخيم وهو يقول :
-طيب بقولك إيه، إن شاء الله لما تروح ماتنمش، عشان عاوز أتكلم معاك شوية .

هزَّ رأسـه بتأكيد :
-أنا كُنت ناوي أعمل كده فعلاً .

هتف بثبـاتٍ :
-حلو أوي، على فكرة كامـل بيسلم عليك .

أجـاب بجدية وهو يُغلق الملف :
-الله يسلمـهُ، معلش أنا هضطّر أقفل معاك حاليًا لأني رايح أشقر على المزرعـة .

حرك رأسـه إيجابيًا وهو يبادلـه ذات اللهجة :
-ماشي، يالا سلام .
-سـلام .

أغلق الهاتف، ليضعه بـ شئ من الإهمال على المكتب، هبَّ واقفـًا وهو يلتقط علبة سجائره، أشعله واحدة بتريث، ثم نفث دخانـها بـ شرود وهو يُفكر في حديث صَّديقه عن تلك الفتـاة، هتف بإبتسامة صغيرة جذابة :
-ياترى حكايتك إيـه يا أميرة ؟؟..

******
"كامل الأسواني"، في أوائل العقد الرابع من عُمره، يتميز بالبشرة السمراء، والعيون باللوَّن البني، طويل القامـة، نحيف الجسد، يتميز بـ ليحـة خفيفة تزيده جاذبية ووسامة، صَّديق "آسر" و"آدم" و"أميرة" و"حبيبة" مُنذ فترة كبيرة، ملامحـه توضح مدى جديتـه، وهو ما ينطبق عليهِ المعني الحقيقي للسند، إذا رأى أحدهم مال يسانده حتى يستعيد توازنـه، من أهم الأطبــاء الجراحـة في المشفى الخاصـة بـ والدة "آسر" .

******
تحرَّكت "أميرة" نحو داخل الشرفة بخُطواتٍ مُتثاقلة، إستندت بمرفقيها على حـافة الشرفة، وحدقت أمامهـا بـ نظرات هائمة، داعبت نسمات الهواء العليل وجههـا، تأملت ذلك الليل الأسود والنجوم التي تتلألأ في السماء، لمعت عيناها بوميض غريب وهي تراقب النجوم بصمتٍ تام بعيناها السوداويان، أبعدت مرفقيها وهي تتهَّند بـ عُمقٍ، عبثت بـ خُصلات شعرها وهي تنفضها في الهواء ثم تمطعت بـ كفيها وهي تجلس على الأريكة، نفخت بتذمر وهي تشعر بجلستها الغير مريحة فـ عدلت وضعيتها أكثر لـ ترى إضاءة هاتفهـا المنبعثة منه، فـ إلتقطتـه ونظرت على الرقم المدون وقد لانت ملامحهـا قليلاً، وضعت الهاتف على أذنها الأيمن وهي تُجيب بهدوءٍ :
-آلو.. أيوة يا حبيبة، عاملة إيـه النهاردة ؟؟..

أجابت بهدوءٍ :
-الحمدلله يا ميرا، أحسن بـ كتيــر، الكدمـات طلعت بسيطة .

هتفت "أميرة" بـ صوتٍ جاد :
-طيب الحمدلله .

أضافت وهي تسألهـا بتبرم قائلة :
-آه صـح !!.. مردتيش على الموبايل ليه لما كلمتك من حوالي ساعـة كده ؟؟..

ردّت مبررة :
-كُنت باخُد شـاور فـ مسمعتش الموبايل ولسَّه مسكـاه حالاً فـ كلمتك على طول !!..

تمتمت "أميرة" بذات اللهجة :
-طيب أنا قولت أطمن عليكي، وأحكيلك على حاجة حصلت معايـا إمبارح بليل .

أعتدلت في جلستها قائلة بتساؤل :
-خير يا أميرة ؟؟.. حكايـة إيـه ؟!!..

عضت على شفتها السُفلى بضجر وهي ترُدَّ عليهـا :
-عمي فؤاد .

سألتهـا بإهتمام :
-مالـهُ ؟؟.. قالك إيـه بظبط ؟؟..

أجابت بجدية :
-طلب مني أعمل حفلة لعيد ميلادي إللي هي بكرا إن شاء الله .

إبتسمت "حبيبة" قائلة :
-آه ما أنا عارفة، كُل سنة وإنتي طيبة يا قلبي، وإن شاء الله نفضل مع بعض .

لاحت إبتسامة صغيرة عذبة على شفتيها مرددة :
-وإنتي طيبة يا حبيبتي .

تحدثت "حبيبة" بـ شكّ :
-بس هو ليـه عاوز يعمل عيد ميلاد ؟؟.. مش غريب الموضوع شوية ؟؟!..

زمت شفتيها بضيق :
-دي غريبة جدًا مش شوية !!..

سألتهـا بجدية :
-وإنتي قولتي إيـه ؟؟.. رفضتي ؟؟..

تمتمت بدوَّن تردد :
-وافقت .

دفعت حاجبيها للأعلى مُتسائلة بذهول :
-نعم !!.. طب ليـه ؟؟.. إنتي مش قولتي مش هتعملي عيد ميلاد السنة دي !!..

هتفت برزانـة :
-لازم أعرف نيتـهُ إيــه في الموضوع ده يا حبيبة، ليــه عاوز يعمل كده ؟؟.. أنا واثقة إني هقدر أكشفـهُ لما أعمل الحفلة دي، وبعدين ده فضل ينصحني جامد إني لازم أعمل الحفلة دي عشان أطلع من حالة الأكتئاب والحُزن إللي أنا فيها، وعفاف نصحتني بـ ده برضو .

حرَّكت رأسها بفهم وهي تردد :
-أنا بثق في رأي عفاف، متنسيش أنها برضو يعتبر مربياكي من وإنتي صُغيرة !!..

هزَّت رأسها قائلة بخفوت :
-معاكي حق .

سألتهـا "حبيبة" من جديد :
-طيب الحفلة دي هتبقى بُكرا ؟؟..

أجابت بتأكيد :
-أيوة، وبيقول إنهُ هيعزم رجال وسيدات أعمال، ومنهم كانوا يعرفوا والدتي ووالدي الله يرحمهم، بس لازم تبقي موجودة معايـا .

غمغمت بإبتسامة صغيرة مؤكدة على كُل كلمة تنطقها :
-ده أكيد، لازم أبقى معاكي، وربنا يُسترها .

قالت "أميرة" ووميض القوة في عيناها السوداويان :
-هيُسترها إن شاء الله، أما أشوف أخره عمي ده إيـه ؟؟..

أرخت عيناها وهي تقول بتعبٍ طفيف :
-طيب بقولك إيه، أنا هقفل معاكي دلوقتي، عشان أرتاح شوية، لأني لازم أستعد لـ بكرا، وكمـان أنا منمتش كويس الفترة إللي فاتت .

قالت "حبيبة" ولم تخفي إبتسامتها :
-ربنا معاكي يا أميرة، يالا مع السلامة .
-مع السلامـة .

أغلقت الهاتف لتضعه على الطاولة أمامها، أعتدلت في جلستها أكثر، ثم أرجعت ظهرها للخلف، وأسندت رأسها للوراء قبل أن تغمض عينيها المرهقتين، محاولة أن لا تشغل عقلها بـ أيَّ شئ .

******
أغلقت الهاتف وهي تنظر أمامها بشرود، تشعر بـ حُزن شبه عميق حينما تتذكر حالة صَّديقتهــا السيئة التي لم تتحسن سوى قليلاً، ظلت على تلك الوضعية حتى قالت بـ تفكير عميق :
-ياترى نيتـهُ إيه ؟؟.. ربنا معاكي يا أميرة، شوية xxxxب عايشين معاكي .

وتركت هاتفها لتنهض حيث أمسكت بـ جهاز التحكم وبدأت ترفع من مستوى مُكيف الهواء بعد أرتفاع الحرارة بالخارج، وتأثيرها على الغُرفة، ثم ولجت المرحاض وقد علق الأمر في ذهنها .

******
كانت الساعة العاشرة والنصف مساءً حينما دخل "آسر" مكتبه وخلفـه إبن عمـه، ولج إلى الداخل متخذًا المقعد الموجود على يساره ليستوي عليهِ، جلس "آسر" في مواجهته مُسلطـًا بصره الحاد على وجهه، أشـار "آدم" بإصبعـه هاتفـًا بتساؤل :
-هَـاا يا آسر، كُنت عاوزني في إيه ؟؟..

وضع ساقـه فوق الأُخرى مرددًا :
-شوف، بُكرا إن شاء الله تفضي نفسك على الساعة خامسة، تيجي هنا على الفيلا، تلبس بدلة شيك كده؛ عشان في حفلة هنحضرها على الساعة ستـة، ماشي ؟؟..

طالعـه بنظرات متعجبة هاتفـًا :
-حفلـة إيـه ؟؟..

أجـاب بدون تردد :
-حفلة عيد ميلاد بنت أشرف شاهين .

رفع حاجبيهِ للأعلى موضحًا إندهاشـه هاتفـًا بـ تعجب أكبر :
-ومن إمتى وإنت بتحضر حفلات أعياد ميلاد ؟؟.. وبعدين إيه علاقتك بيها ؟؟..

تابع بـ تعجب زائد :
-وبعدين مش دي البنت إللي أهلهـا ماتوا في حادثة طيارة من سنة ؟؟.. فمين إللي عزمك ؟؟!..

أسترخى أكثر في جلستـه وهو يرُدَّ بثقة :
-كامـل .

سألـه من جديد :
-وهو يقربلها إيـه ؟؟..

قال بـ نبرة الهادئة :
-صَّديقها من أيام جامعة، خُلاصة الكلام أحسن من طولـهُ، بُكرا تيجي معايـا الحفلة .

هتف فيهِ بتساؤل جاد :
-طب وعاوزني أروح ليـه ؟؟..

أشـار بيده قائلاً ببرود :
-أولاً.. كامل عازمك، ثانيـًا وده الأهم.. أنا عاوزك تكون معايا .

هتف بإبتسامة برزت أسنانـه البيضاء وهو يهز رأسـه :
-هقول إيـه ؟؟.. أمري لله، هاجي معاك بُكرا الحفلة !!..

******
إنتزعت الستائر نزعًا لتتسلل أشعـة الشمس إلى غُرفتها بعد أن تجاوز الوقت فترة الظهيرة بكثير، قضت "أميرة" -مُنذ آخر مُكالمة هاتفية مع رفيقتها- أغلب وقتها نائمة، حبيسة في ذكريات طفولتها التي ولن تُنسى، أقتربت منها "حبيبة" حتى جلست على طرف الفراش ثم سحبت الغطاء قائلة بنبرة هادئة مليئة بالحمـاس :
-أميرة.. أميرة أصحي يالا، ده أنا جيتلك لغاية عندك أهو زي ما أتفقنا .

أعتدلت في وضعيه نومها حتى جلست، وهي ترجع خُصلات شعرها الأسود إلى الوراء، ثم فركت عينيها لتفتحهما بتثاقل بعد لحظات قائلة بصوتٍ مُتحشرج قليلاً من النـوم :
-صباح الخير يا حبيبة .

ردّت بتهكم :
-صباح الخير !!.. قولي مساء الخير، إحنا عدينـا العصر !!..

توسعت عيناها متمتمة بدهشة :
-إيــه !!.. يـاه أنا نمت كتير أوي .

أشـارت "حبيبة" بإصبعها قائلة :
-أومـال إيـه ؟؟.. وأنا جيتلك عشان أقضي اليوم كُلـهُ معاكي زي ما أتفقنـا إمبارح .

سألتها بجدية :
-شوفتي الديكور الحفلة إللي عملينـهُ تحت ؟؟.. ولا إيه ؟؟..

أومأت إليها رأسها وهي تُجيب :
-شوفته، الديكور هادي، وشكلـهُ كمان حلو جدًا .

صمتت "أميرة" وهي تتنهد بـ حرارة لـ تستمع بعدها إلى قرعات على باب غُرفتها، نهضت من على الفراش ثم سـارت وهي تخلل أصابعها في فروة شعرها، فتحت الباب لـ تجد "عفاف" هي من قرعت، فسألتها بـ قلقٍ طفيف :
-خير يا عفاف ؟؟.. في حاجة ولا إيـه ؟؟.. مش من عادتك تطلعيلي وأنا لسَّه صاحية من النوم !!..

أجابت بهدوءٍ :
-مفيش هو بس المسئول عن الديكورات عاوز حضرتك !!..

قطبت حاجبيها بإستغراب وهي تقول :
-ياترى ليه ؟؟..

ردت بجدية :
-معرفش بس هو مستنيكي تحت وكمان خلصوا شُغلهم .

حركت "أميرة" رأسهـا بـ تفهم :
-طيب أنا جاية معاكي تحت .

هبت "حبيبة" واقفة تتبعهم إلى الأسفل؛ لـ تستكشف الأمر، هبط كُلاً منهم إلى الأسفل لـ يرى المسئول والمشرف على الديكور مُنتظرين سيدة القصر، وقفت "أميرة" أمامـه لـ تتساءل بإستغراب :
-خير يا أستاذ .

أجاب بـ صوتٍ خشن :
-خير إن شاء الله، إحنا خلصنا شُغلنا، وفؤاد باشا عجبـهُ الشُغل، فـ إحنا عاوزين الحساب !!..

نظرت لهُ بدهشة وهي تهزّ رأسها بعدم فهم :
-حسـاب إيـه ؟؟..

ردَّ وهو يشير بـ يده :
-حساب شُغلنا وشُغل الناس إللي تعبوا !!..

ردَّت عليـهِ بـ صوتٍ محتد :
-حسـابك مش عندي، حسابك عند فؤاد باشا !!..

نظر لها نظرات ضائقة :
-ما أنا روحتلـهُ قالي حسابك عند أميرة هانم !!..

زفرت زفيرًا حارقـًا وهي تشعر بـ ضيق كبير يعتريهـا، نظرت إليه بـ تبرم وقد عقد لسانها عن اللفظ، ظلت تنظر إليـهِ لـ فترة طويلة حتى قالت :
-ماشي، أستنى هنا رُبع ساعة عقبال ما أجيب الفلوس لأني كُنت مش عامله حسابي .

أستدارت لـ تُتابع حديثها لـ "عفاف" :
-ياريت يا عفاف تقدمي لكُل واحد منهم عصير، لحد ما أجيب الفلوس، ومش عاوزة حد يطلع معايا .

ثم أنصرفت من أمامهم والضيق يعتريها، نفخت بـ قوة لعلها تخرج الضيق ولكن فشلت في ذلك، إبتسمت بـ سُخرية وهي تغمغم :
-كُنت لازم أتوقع ده، أنـا طلعت غبية أوي، واحد مش معـاه جنية هيصرف على حفلـة !!.. بس برضو هفضل وراك لحد ما أعرف غرضك إيه يا فؤاد يا باشا.

******
دقت الساعة السادسة.. لـ يشتعل المكان بالموسيقى الهادئة، بدأ الضيوف في التوافد على قصر "أشرف شاهين"، حيثُ تحولت غُرف القصر إلى قاعة صغيرة مزدانة بالديكورات الرقيقة والبسيطة لـ حفل يتميز بالرقى والجمال، وظلت الموسيقى الهادئة تُسيطر على أجواء المكان .
أخذ "فؤاد" يُصافح الضيوف وإبتسامة صغيرة تعلو على ثغره، وكذلك "سميرة" التي ظلت تبتسم للحاضرين إبتسامة زائفـة لـ تخفي الحقد والغضب الذي يشتعل بداخلها .

مال "فؤاد" قليلاً بـ رأسه على زوجتـه لـ يهمس لها بحدة :
-في إيـه يا سميرة ؟؟.. مالك ؟؟.. حاسس أنك مش طايقة نفسك، في إيــه ؟؟..

ردَّت عليـهِ بـ صوتٍ خفيض وهي تصْر على أسنانها :
-بقى حته البت دي يتعملها عيد ميلاد كبير زي ده !!.. وإبني أنا الوحيد ميتعملوش !!..

نظر لها شزرًا وهو يُجيب :
-هو إحنا دافعين حاجة من جيبنا !!.. ده كُلـهُ من جيبها هي، حتى الطباخين هي إللي حاسبتهم مش إحنا !!..

هتفت بـ غضبٍ مكتوم :
-طب أسكُت بقى، أسكُت لأني مش ناقصة أكتر من كده !!..

تقوس فمـه للجانب بـ سُخرية وهو يُلقي عليها نظرةً أخيرة، ولكن عاد يرتدي قناع السرور حينما دلف بعض من الضيوف .

دلف "آسر" بـ هيبتـه المعروفـة ووقـار، كان يرتدي حلة من اللون الأسود، صافحهم بـ عملية وهو ينظر حولـه مُتأملاً المكان حتى وقع نظره على صديقـه "كامل" فإتجـه نحوه بخُطوات هادئة ثم صافحـه بإبتسامة صغيرة وبدأ يتحدث معـه، ولج "آدم" إلى الداخل بعد أن صف سيارتـه، وكان قد أرتدى حلة من اللون البني، أخذ يبحث بـ بصره عن إبن عمـه و"كامل"، فـ وجدهم يقفان يتناقشان في عدة أمور، سـار نحوهم بتمهلٍ حتى وصل إليهم، ثم صافح "كامل" وأحتضنـه بشدة، ألتقى "آسر" بإحدى الخدامات التي كانت تحمل صينية مليئة بالعصير الطازج، أستوقفها لـ يأخذ أحد الأكواب الزجاجية، دس القليل من المشروب المنعش في جوفـه وهو يُتابـع حديثـه معهم .

بدون سابق إنذار.. أنطفأت الإضاءة التي بالمكان، لـ تشتعل إضاءة أُخرى جديدة ناحية الدَرَج الكبير فقط، كَـ قصص سندريلا التي تظهر مع أميرها، ظهرت "أميرة" بـ ثوبها الأبيض الطويل، الذي يصل إلى كاحلهـا من خامة الحرير، أما خُصلاتهـا السوداء فـ قد تركتهـا حرة تنساب على وجههـا وعنقهـا بـ جاذبية، هبطت ببُطء شديد، تُسير بـ شموخ وكبرياء، ملامح وجهها غير مفهومة، لا أحد يستطع تفسيرها سوى القريب .

وقف "آسر" يتأملها بـ عيون دقيقة حينما أشـار "كامل" لـه بأنها هي صاحبة الليلة، أنفرج ثغره بإبتسامة صغيرة جذابـة، تسلل إليه إحساسًا غريبًا لم يفهمه وهو يجوب بـ نظراتـه الدقيقة على تفاصيلها، شعور جديد لم يختبره من قبل، ولكن هي أثارت فيه شئ ما، عادت الأضواء إلى المكان، تحرك "كامل" نحوها حينما هبطت إلى الأسفل لـ يهمس لها بـ شئ وهو يعطيها صندوقٍ هدية مغلف -حجم وسط-، سـارت معه نحو أصدقائه لـ يقول بإبتسامة واسعة :
-أحبَّ أعرفك .

أشـار نحو "آسر" و"آدم" وهو يتمتم :
-ده آسر صاحب مصانع الألفي، وإبن عمـه آدم صاحب مزارع الألفي، دول يبقوا أعز أصدقائي.

صافحتهم "أميرة" بـ جدية بالغة، قـالـت بعدها بـ ثقـة وبـ نظراتٍ ذات مغزى وهي تنظر لـ "آدم" الذي أعترتـه الدهشة :
-مش محتاجة أعرف مين آدم الألفي، ما أنا شوفتـه من يومين تقربيًا !!..

تساءل "كامل" بتعجبٍ :
-مش فاهم !!..

هتفت بضيق :
-مفيش كان خبط صاحبتـي بـ عربيتـه، بس جت سليمة الحمدلله .

نظر لـهُ "آسر" بحدة، فـ تقوس الأخير فمـه إلى الجانب بتبرم، عاد ينظر إليها لـ تُضيـف وهي تنظر لـهُ بـ ثقة غريبة :
-ومش محتاجة بردو أعرف مين هو آسر الألفي، إللي كان بطل جمهورية في المُلاكمة، مش كده ولا إيـه ؟؟..

نظر لها بتعجب وهو يقول :
-إيه ده إنتي عارفة !!.. هو كامل إللي قالك ولا إيـه ؟؟..

هزت رأسها نفيًا هاتفة بثقة أكبر :
-لأ، بس أنا عارفة المعلومة دي، هو كُل إللي قالـهُ، إنك شخص عصبي شوية، ومش بتحب حد يقولك لأ .

تحدث بإبتسامة واثقة لا تخشى :
-فعلاً دي الحقيقة .

هتفت بنبرة شبه سُخرية :
-بس أوعى تنسى أن كما تُدين تُدان، يعني أكيد هتقابل شخص بردو مش هينفع تقولـهُ لأ ولا إيــه ؟؟..

توقعت أن يغضب، أن يعقد حاجبيـه بـ ضيق، أو اقل تقدير أن يوبخها، إلا أنـه خالف كُل توقاعتها وهو يضحك ضحكات رجوليـة، ثم أردف وهو يحك ذقنـه :
-حلو كلامك يا.. يا أميرة .

رمقتـه بـ حدة قائلة وهي تُشير بإصبعهـا :
-دكتورة أميرة لو سمحت .

أولتـه ظهرها ثم أنصرفت من أمامهم تاركة إياه في حالة دهشة من طريقة حديثها، ظلت أنظاره معلقة عليها، فقد منحتـه شيئـًا غريبًا في لحظة كـ أيَّ لحظة، راقبها بأعينـه وهي تسير حتى أختفت عن أنظاره .

كانت تبدو فاتنة الجمال، هكذا قالت عيون من صادفت في بهو المكـان، قامت "أميرة" بالتجول في البهو متأملة أوجه الضيوف الذين كانوا متأنقين في أحسن صورهم، والذين ظلوا يحيونهـا بإبتسامة واسعة، تأملت السيّدات وهن يعبرن في كامل أناقتهنّ، والرجال الوحيدين، والآخرين المصحوبين بـ نساء، شغلت نفسهـا بـ الأستمـاع للموسيقى التي كانت تعزفهـا فتـاة على البيانو، شعرت بـ ضيق شديد وأختناق حينما قرأت أعين بعضهم، إنها عيون شيطانية، قادتها قدماها إلى الحديقة الخلفية المجاورة للمسبح، لكي لا ترى وتتجنب أعينهم الجائعة، شعرت بـ دوار طفيف ولكن قاومتـه بـ شدة ونجحت في ذلك .

في ذات الوقت.. خرج "آسر" من القصر متوجهًا نحو الحديقة الخلفية لـ يشعل سيجارة، ولكن قبل أن يشرع في ذلك، وجدها توليه ظهرها، ثبت حدقتـاه عليها وهو يدنو منها، وقف خلفها مُنتظرًا ردة فعلها، أغمضت عيناها بـ تعبٍ طفيف، أستنشقت رائحة نفاذ رجالي جذاب، فتحت عيناها لـ تستدير مصدومة وهي تراه، نظرت لهُ بحدة وهي تشير بإصبعيها :
-إنت واقف هنا من إمتى ؟؟..

أجاب ببرود :
-من 10 ثواني .

نظرت له بـ حدة أشد وهي تهدر بـ :
-طب وعاوز إيـه ؟؟..

أشـار بـ كفيه قائلاً :
-وهكون عاوز إيـه يعني !!..

تنهدت بتبرم :
-طيب عن إذنك أنا ماشية .

وقبل أن تتحرك كان يمسك يدهـا، أحتدت نظراتها عن ذي قبل وهي تقول بـ نبرة عالية :
-إنت إتجننت !!.. إزاي تمسك إيدي كده ؟!!..

تفاجئ من ردة فعلها الغير متوقعة، قـال بتعجب وهو يرخي يده عنها :
-هو فيها إيـه يعني ؟؟.. هو أنا عملت حاجة غلط !!..

هدأت نبرتها وهي تقول :
-مش مسموح لـ أي شخص يمسك إيدي، وبعدين إنت بصفتك إيـه تمسك إيدي ؟؟..

أظلمت عينـاه بـ طريقة مُخيفة ولكن لم تهتز قط، أقترب منها وهو يقول بـ غضبٍ :
-بقولك إيـه، أنا مستحملك ودي مش من عادتي أساسًا، أنا مكُنتش أعرف أنك بتضايقي من حركة زي دي، وغير كده.. أنا من ساعة ما شوفتـك وإنتي بتتكلمي بـ تناكة، في إيـه ؟؟..

هتفت بضيق :
-أنا مش هرُدَّ عليك .

أولتـه ظهرها لـ تشرع في التحرك صوب المسبح لكنـه قبض على رسغها لـ يوقفها عنوة، خفق قلبها بقوة من إمساكـه بها للمرة الثانية، أدارها "آسر" ناحيتـه لـ يغدو قبالتها، جمد أعينـه على عينيها، سد بـ جسده الطريق عليها وهو يتأمل صفحة وجهها العنيد :
-رُدّي عليـا .

إبتلعت ريقهـا وهي تنظر إلى طولـه الفارع والذي أصابهـا بـ التوتر، وكأنـه مارد ضخم، رفعت عيناهـا إلى عينـاه السوداوين، العميقتين كـ هوة ساحقة، عقدت ساعديها أمام صدرها لتقول لهُ بـ جمودٍ :
-لأني كده !!..

أقترب منها بـ عينيـهِ المُظلمتين :
-بلاش ردود مُستفزة .

نظرت على عينيهِ المُظلمة لـ تقول بـ جمودٍ أشد :
-أوعى تفتكر إني هخاف من عينك إللي بتضلم زي سواد الليل لما بتتعصب، أصل أتعلمت زمان وأنا صغيرة إني ماخفش منها لما كُنت بقرأ روايات رومانسية إلكترونية، وغير كده وده الأهم.. أنا عيني بردو لونها أسود، وعُمر الأسود ما هيخاف من الأسود إللي زيـه يا آسر باشـا .

تطايرت بعض الخُصلات فـ أعطت وجههـا الخالي من المُستحضرات التجميل جاذبية عنيفة، صمت قليلاً وهو ينظر لهـا بـ تلك النظرة الشرسة والمُتسلية، قــال بـ هدوءٍ بعد عناء طويل مع ذاتـه :
-معاكي حق .

أضـاف بـ جدية :
-بُصي يا أميرة، أنا عاوز أقولك على حاجة، أنا صديق كامل من زمان، أسأليـه عني هيقولك إني شخص كويس جدًا، رغم إني عصبي جدًا بردو، بلاش نلعب لعبة Tom and Jerry ، أنا لما جيتلك كُنت حابب أتعرف عليكي، لا أكتر ولا أقل، خصوصًا أنا محتاجك في شُغل خاص بيـا .

عقدت حاجبيها مُستفهمة :
-شُغل إيـه ؟؟..

أستعاد رابطة جأشـه وهو يخبرها بـ بساطة :
-أنا عرفت من كامل أنك دكتورة بشرية، ودكتورة شاطرة، وأنا محتاج حقيقي دكتورة بشرية عشاني وعشان إبن عمي، ومش بس كده..

نظرت لهُ بإستغراب، فـ تابع بإبتسامة واثقة :
-ولو إنتي حابـه تشتغلي في المُستشفيات، هشغلك فالمُستشفى بتاعت والدتي الله يرحمهـا، هَـاا قولتي إيـه ؟؟..

نظرت لـهُ بـ حيرة وتقلَّبت عيناها فيمـا حولها في أرتباك، وكأنها تعجز عن الجواب، وبينما وهي في تلك الحالة الحائرة، كانت توسعت إبتسامتـه الواثقة وهو يراها في تلك الحالـة، هي فتـاة مُثيرة واثقة من ذاتها لا تخشى من أحد، لقد سمع من "كامل" أنها فاتنة الجمال، فـ رسمها في خيالتـه ولكن فاقت توقاعـه بـ شدة، لم يكن يتصور أنها بتلك الدرجة اللاذعة من الجمـال، شُعلـة مُتقدة من الجمـاح ولكنـه يختفي خلف قنـاع القوة والجمود .

أطلَّت من عينيها نظرةً حائرة تشفّ عن عدم إستطاعتها إجابـه عرضـه، ظلت على حالتها حتى قالت بعد صمت طويل دام لـ دقائقٌ :
-وأنا موافقة .

قالتها وكادت أن تستدير لولا صوتـه القوي وهو يُناديها من بين شفتيه الرفيعتين :
-أميرة !!..

التفتت بـ رأسـها وهي ترمقـه بـ حدة، أقترب منها خُطوة واحدة وهو يقول بـ جدية :
-هو إنتي تقدري تساعديني في حاجة أنا محتاجها ؟؟..

نظرت له بـ ملامح مُندهشة مُتسائلة بـ تعجبٍ :
-أساعدك ؟؟!!.. في إيـه ؟؟..

سألها مُهتمًا وهو ينتصب أكثر في وقفتـه لـ يدس بعدها يديهِ في جيبي سروالـه الأسود :
-تقدري تشوفيلي دكتور بيطري يبقى شاطر وبيشتغل بضمير ؟؟..

لوّت شفتيها للجانب وهي تُجيب بإقتضاب :
-معرفش غير دكتورة واحدة، وتبقى صاحبتي، إنما دكاترة رجالـه معرفش الحقيقي .

ردّ بـ جدية :
-طيب، أنا محتاجها بردو في شُغل، طبعًا إنتي عارفة أن إبن عمي صاحب مزارع الألفي، الدكتور الأساسي للمزارع توفى من كام يوم، فـ إحنا محتاجين بديل، فـ ياريت لو كده تخليها تيجي بُكرا على الساعة عاشرة الصُبح، وإنتي تبقي موجودة، عشان نعمل العقد إللي يُخصك، إنما الدكتورة البيطرية فـ أنا هشوفها وكمـان لسّه هشوف رأيها إن كانت موافقة ولا لأ .

أطلقت من أعمق أعماق صدرها زفرة حارة وهي تغمغم بجدية :
-طيب، بعد ما الحفلـة دي ما تخلص هتكلم معاها .

******
سـار بـ مُفرده وسط ذلك الحشد الكبير من رجال وسيدات الأعمال، ظلت أنظاره يبحث عن إبن عمـه، تحرّك نحوه أحد رجال الأعمال، وقف قبالتـه لـ يصافحـه بـ ترحيب شديد، وهو يقول بإبتسامة صغيرة :
-إيـه يا آدم باشـا عـاش من شافك .

أجـاب بملل :
-ما إنت عارف المسؤوليات الواحد إللي شيلهـا وكمـان الشُغل واخدني جامد الفترة دي .

هتف بجدية :
-آه والله، ربنا معاك يا آدم باشـا، أنا شوفتك فـ قولت أمـا أسلم عليك .

إبتسم بـ مُجاملة هاتفـًا بـ :
-ربنا يخليك يا كريم .

نظر "كريم" إلى ساعتـه الذهبية لـ يقول بإمتعاض :
-معلش أنا لازم اعمل مُكالمة مُهمة جدًا، أبقى سلملي على آسر باشا، كان نفسي أسلم عليهِ، بس زي ما إنت شايف .

هزَّ "آدم" رأسـه موضحًا تفهمـه قائلاً :
-متشغلش بالك، أكيد هبلغـهُ، روح إنت شوف هتعمل إيـه .

قال وهو يخرج هاتفـه من جيب بنطالـه :
-تمام، عن إذنك .

أشـار لـهُ براحة يده قائلاً بنبرة جادة :
-أتفضل .

راقبـه بأعينـه وهو يعبث بـ هاتفـه حتى أختفى عن أنظاره، سحب نفسًا عميقـًا قبل أن يستدير بـ جسده بـ حركة مُفاجأة لـ يصطدم بـ فتاة بـ قوة، كادت أن تقع وهي تشهق بـ صدمة ولكن ألتقطتها يده الغليظة، فقد إلتفت بـ يده حول خصرها كما تلتف الأفعى حول فريستها، وضعت يداهـا تلقائيًا على صدره الضخم، رفعت عيناها لـ تُجابـه عسليتـه، تعرفت على هويتـه بـ ذهول وبـ عيون واسعة، بلعت ريقهـا بصعوبة وهي تنظر لـهُ بعدم تصديق، تطلع إليهـا بـ نظراتٍ مصدومة غيرُ مُصدق، إبتسـم إبتسامة صغيرة وهو يتأمل عيناها التي مثل لوَّن عينيهِ تمامًا، أستغرق الأمر للحظات لـ الإستيعاب بما يحدث لهما .

دفعتـه بـ يديها فـ تراجع للخلف بضع خُطوات وقد أعترتـه الدهشة، إرتسمت إبتسامة لطيفة على شفتيـهِ وهو يسألهـا :
-إنتي !!.. إنتي بتعملي إيـه ؟؟..

بادلتـه ذات النظرات وهي تسألــه بحدة :
-إنت إللي بتعمل إيـه ؟؟..

ردّ بـ بساطة :
-أنا معزوم في الحفلة دي !!..

قالت بإقتضاب :
-وأنا صَّديقة أميرة إللي هي صاحبة الحفلة دي .

أضافت وهي تسألـه بحدةٍ أشد عن ذي قبل :
-بس مين إللي عزمك .

أجاب بإبتسامة جذابة :
-كامل صَّديق أميرة !!..

إبتسمت إبتسامة زائفة مرددة :
-وصَّديقي أنا كمان، وعلى العموم نورت المكان، عن إذنك .

لا يعلم ما ذلك الإشتعـال الذي أشتعل بداخلـه، ولكن أخفاه بـ براعة، وقبل أن تنصرف كان يقبض على رسغها بقوة لـ يوقفها عنوة، تسارعت نبضات قلبهـا وهي تشهق للمرة الثانية بصدمة، بقيت أعينـه الجامدة بوميضها الغامض مُسلطـًا عليها، لم يكترث بما يُمكن أن تفعلـه، فقد أراد أن يظل هكذا مُمتعًا أعينـه بالتطلع إلى لون حدقتيها، هو بات أسيرًا لـ عينيها العسليتين غير قادر على إبعاد أنظاره عنها مُذ الوهلة الأولى، هو يعشق ذلك اللون وكفى بأنها ذات لون عينيه، أقترب بوجهه لـ يهمس لها في أذنها قائلاً بخفوت :
-إنتي إزاي جميلة كده ؟؟..

توسعت عيناها بغزلـه لها، لـ يتابع بهمسٍ مغرٍ :
-لـ تاني مرة بـ أنقذك يا قمـر !!..

بلعت ريقها بتوتر لـ يقول بخفوت وبـ بسمة جذابة :
-خُدي بالك من نفسك، مش كُل مرَّة هنقذك كده !!..

نظرت لهُ بإرتباك واضح على ملامحهـا، تمكنت "حبيبة" من سحب رسغها من قبضتـه عندما أضطر أن يرخـي أصابعـه عنها، لملمت شتات نفسها وأستعادت السيطرة على حالهـا المُرتبك، لم تفكر مرتين، حسمت أمرها سريعًا وأولتـه ظهرها لتفر راكضة من أمامه، بينما أرتسمت إبتسامة شقية كـ ملامحـه وهو يضع يديهِ بـ جيبي بنطالـه يُتابع رحيلها العاصف كـ عينيها.

******
نفضت شعرها للخلف بعد أن مشطتـه بأصابعها عقدتـه كعكة سامحة لـ بعض الخُصلات بالتدلي بعدم إنتظام خلف أذنها، تنهدت بـ عُمقٍ قبل أن تقول لرفيقتها :
-هَـاا قولتي إيـه على العرض ده ؟؟..

تنهدت بـ حرارة هاتفة بتساؤلٍ :
-مش عارفة واللهِ يا أميرة ؟؟.. وكمان أنا مش عارفة الشخص إللي صاحب المزارع الألفي دي عامل إزاي ؟؟..

ألتفتت لها وهي تقول بإبتسامة واثقـة :
-لأ تعرفيـهِ .

هتفت بـ دهشة :
-أعرفـهُ ؟؟.. يطلع مين بقى ؟؟..

ردت عليهـا بـ ثقـة أعلى :
-الشخص إللي خبطك بالعربية هو صاحب المزارع دي !!..

أنفرجت شفتـاهـا بـ صدمة قائلة :
-نعــم !!.. إزاي ؟؟.. عرفتـي منين ؟؟..

ردَّت بـ عملية :
-لأن إللي كلمني يبقى إبن عمـهُ، وإللي عرفني عليهم يبقى كامل ياستي ؟؟..

أرخت عيناهــا وهي تقول بـ حيرة :
-بس هو ميعرفش إني دكتورة، صح ؟؟..
-أعتقد آه .

هتفت بـ حيرة أكبر :
-طب تفتكري أوافق ولا لأ ؟؟..

أردفت بـ جدية :
-واللهِ هو العرض مُغري جدًا، وينفعك !!..

صمتت للحظاتٍ وهي تُفكر في حديث صَّديقتها لـ تقول بعدها بإبتسامة هادئة :
-خلاص وأنا موافقة، هروحلـهُ بُكرا على الساعة عاشرة معاكي إن شاء الله .

هتفت بـ بسمة صغيرة :
-وأنا هابقى أجيلك البيت عشان نروح مع بعض المصنع .

نهضت من مكانها ثم سحبت حقيبتها قائلة بـ هدوءٍ :
-أتفقنـا، أنا هامشي بقى عشان أتأخرت وكمان عشان متأخرش بُكرا، يالا سلام .

أقتربت "أميرة" منها وهي تربت على كتفها بلطفٍ قائلة :
-طيب خُدي بالك من نفسك .

إبتسمت "حبيبة" بـ حُب لـ تحتضنها بعدها بـ شدّة وهي تقول بتأثر :
-وإنتي كمان .

تراجعت عنها وهي تودعها بإبتسامتها لتُغادر من الغُرفة بل من المنزل بأكملـه، شعرت "أميرة" بخواء معدتها فقررت أن تنزل إلى المطبخ الموجود بالطابق السفلي لـ تتناول ما يسد جوعهـا دون أن تبدل منامتها الحريريـة ذات اللون الأسود، أخذت تفاحـة حمراء التي تعشقها ثم عادت تتسلق إلى الدرَج، أستمعت إلى صوت زوجـة عمهـا وهي تُصيح غضبًا لـ "فؤاد"، تحركت نحو باب غُرفتهم لـ تستمع إلى أسمهـا يُخرج من بين شفتي عمهـا، فـ أضطرت أن تلصق أذنها بالباب محاولة معرفة ما يحدث في الداخل، فـ أستمعت صوت "سميرة" القائل بـ غضبٍ :
-إنت إزاي يجيلك قلب تعمل عيد ميلاد كبير زي ده لبنت أخوك، تعملهـا هي ومتعملش لـ إبنك الوحيد !!.. تيجي إزاي دي ؟؟..

أجـاب "فؤاد" بإمتعاض قائلاً بسخطٍ :
-ياستي أفهمي بقى، ميبقاش مُخك صُغير كده !!.. أولاً أنا قولتلك إني مدفعتش ولا جنيـة واحد فالحفلة دي، هي إللي دفعت، يعني زمانهـا مُمكن تلاقيهـا بتشتمني دلوقتي .

نظرت لهُ بـ غضب جامح :
-وهي تقدر، ده أنا كُنت قطعت لسانهـا .

هتف بـ سُخرية :
-متقدريش؛ لأن وراهـا رجالـة وفلوس يسدوا عين الشمس، وكمـان دي بطلة جمهورية فالكراتيـة، إذا كُنتي ناسية فـ أنا بفكرك .

هتفت بـ ضجرٍ :
-هو إنت بتزود النـار إللي جوايـا من ناحيتهـا ليه ؟؟.. نفسي أجيب رأسهـا تحت رجلي بس مش قادرة !!..

هتف بلؤمٍ :
-هيحصل، وعشان يحصل لازم نخليهـا على الحديدة، فلمـا ده هيحصل هتبوس رجلك عشان ترجعيلهـا فلوسهـا .

أردفت بـ ضيق :
-نفسي، نفسـي ده يحصل .

أردف بجدية :
-وعشان يحصل لازم أبـان قدامهـا إني حنين جدًا، وعشان كده أنا أقترحت عليهـا إنها تعمل عيد ميلاد ليها، عشان تُخرج من الأكتئاب إللي عايشة فيه، عرفتي ليـه عملت العيد ميلاد يا سميرة ؟؟..

نظرت لهُ بـ تبرم وقد هدأت ثورتهـا قائلة :
-معلش يا فؤاد، أصل إنت مش عارف النـار إللي جوايـا من ناحيتهـا عاملـه إزاي ؟؟..

هتف بـ عينين مليئـة بالشر قائلاً :
-صدقيني أنا أكتـر، بس أنـا ليا خطة عشان أحقق حلمـي ده، وأكيد هحققـهُ، لازم أحققـهُ يا سميرة، عشان النـار إللي جوا كُل واحد فينـا تطفـي !!..

تخللتهـا بعض الراحـة عقب تصريـح زوجهـا بـ نيتـه السيئة التي يضمرها لها، ألتمعت عينـاه بـ شر دفين وأصبح كُل ما يشغلـه هو إخمـاد ثورتـه وثورة زوجتـه .

تراجعت للخلف بأعينـها المُتسعة في صدمة، أغمضت عيناها بـ تعبٍ ثم سـارت صوب غُرفتهـا، لا تعلم كيف وصلت، شلَالٌ من الدموع أنهمر بداخلها، ولكنها لم تذرف دمعة واحدة، فقد تعاهدت أنها لن تذرف الدموع بعد أن فقدت أعز وأهم أشخاص في حياتهـا، تنهدت "أميرة" ثم جلست فوق الأريكة واضعة يدها فوق عينيها لـ تهتف بـ تعبٍ :
-لا حول ولا قوة إلا بالله، أنا تعبت أوي يارب، تعبت جامد جدًا، وخلاص أنا حاسـه إني مُمكن في أيَّ لحظة أقـع، أنا مش آلـة ياربي، أنا مش آلــة .

******
في صباح يوم جديد، كان "آسر" جالس بداخل مكتبـه وهو يشرب قهوتـه المُفضلة، أرتشف منها القليل، ثم عاد يتابع عملـه بـ جدية أشد، أستمـع قرعـات على باب مكتبـه فـ أذن بالدخول دون تردد، وقف السكرتير أمامـه قائلاً بـ بسمة خفيفة :
-صباح الخير يا آسر باشـا .

ردَّ عليهِ ولم يحرك عينيهِ نحوه :
-صباح النور يا هيثم، في مواعيد جديدة ولا إيـه النظام ؟؟..

هتف بذات البسمـة الخفيفة :
-في ميعاد مع شركة إنجليزية الساعة تلاتة، بس حاليًا في أتنين بنات عاوزين يقابلوا حضرتك .

رفع رأسـه سريعًا نحوه وهو يسألــه بإهتمـام :
-أسمهم إيـه ؟؟..

ردَّ بـ عمليـة :
-الدكتورة أميرة، والدكتورة حبيبة .

أردف بلهفـة :
-طيب دخلهم فورًا .

أومـأ إليهِ رأسـه ثم أنصرف، أرتسمت على تعبيراتـه الراحـة، وعلى شفتيـهِ الرفيعتين إبتسامـة جذابة، أعتدل في جلستـه وهو ينظر بـ ساعتـه السوداء لـ يجدها في تمام العاشرة صباحًا، أغلق جهاز حاسوبـه، وهو يرفع بصره الحـاد صوب الباب مُنتظرًا دخولهـم، أنفتح الباب لـ تظهر "أميرة" من خلالـه وهي تخطى للداخل بخطى واثقـة لا تخشى، وخلفهـا "حبيبة" التي رسمت بسمة صغيرة على شفتيها الصَّغيرة، هبَّ وقفـًا لـ يمد يده نحوها فـ صافحتـه بـ عمليـة تُليق بهـا، وكذلك "حبيبة"، جلس كُلاً منهمـا، ثم بدأ "آسر" بالحديث حيث قـال لـ "أميرة" بـ عينين جذابـة تأسر أي شخص :
-واضح إنك من الناس إللي بتلتزم فـ مواعيدهـا، جايـه في ميعادك بظبط .

ردّت بـ ثقة :
-لأن والدي الله يرحمـهُ علمني معني الأحترام في المواعيد وخصوصًا لو كانت تُخص شُغل .

وشعت من عينيهِ إعجابٍ وهو يتمتم :
-كُل مرة بيعجبني كلامك، واضح إنك كُنت متعلقة بـ بابكي جدًا !!..

شعرت بألم يعتصر قلبهـا ولكن أخفت ذلك بـ ملامحهـا الثابتة، هتفت "حبيبة" سريعًا وهي تشعر بـ حالة صديقتهـا الداخلية :
-أميرة بتعمل إللي مُقتنعة بيـه ودي من أهم صفاتهـا .

حرك رأسـه بجدية لـ يقول :
-طيب يالا نبدأ نتكلم فـ الشُغل .

*****
كان يجلس بهدوءٍ تـام على أريكـة مكتبـه، يدب على المكتب بأصابعـه بـ خفـة وعقلـه مخطوف لكون آخر وملكوت آخر، عقلـه خطفتـه تلك الجنيـة الصَّغيرة، يتذكر عينيهـا العسليتين، فإذا نظر بهما ترقرقت فيهمـا بسمة وديعـة تلقائيًا، كما أن لون بشرتهـا البيضاء دائمًا مشربًا بـ حمرة يسرى وديعـة، تنهد بـ حرارة وهو يتذكر رحيلهـا المُرتبك في ليلة أمس، أخذ يُقسم أنها من أجمل الحفالات التي حضرها في حياتـه .

أستمع إلى صوت رنين هاتفـه، لـ يخرج من شروده وتأملـه، أمسك هاتفـه ثم وضعه على أذنيه وهو يُجيب :
-أيوة يا آسر ؟؟..

هتف "آسر" بـ جدية :
-جهز نفسك للأستقبال الدكتورة بيطرية جديدة ؟؟..

توسعت عينـاه وهو يُردف بـ ضجرٍ :
-دكتورة !!.. دكتورة إيـه ؟؟.. أنا كُنت عاوز دكتور راجـل، مش ست !!..

هتف بـ حدةٍ :
-مفيش فرق بين الراجل والست دلوقتي وخصوصًا في الشُغل يا آدم باشـا، فاهمنـي ؟؟..

ردَّ بـ ضيقٍ :
-ماشـي يا آسر، ولو أني مش بحب الشُغل معاهم لأني بحس إن في دلع، بس ده لو حصل منها، هيبقى في تُصرف .

قال وهو يُغلق الملف :
-أبقى أتفق معاهـا على ده، بس براحـة، وأنا على العموم فهمتهـا على شُغلنـا وطريقتـهُ عاملـه إزاي .

أجاب بإمتعاضٍ :
-ماشي .

تـابع وهو يسألـه بـ جدية :
-هي أسمهـا إيه الأول ؟؟..

ردَّ بدون تردد :
-أسمهـا حبيبة، وهي دكتورة شاطرة جدًا، وإنت هتشوف بنفسك.

هتف بـ تأكيدٍ :
-أكيد، هي هتيجي إمتى ؟؟..

نظر على ساعـة يده ليُجيب بعملية :
رُبع ساعـة أو تلت ساعـة بالكتيـر، لأنها نزلت من عندي من حوالي 25 دقيقة .

غمغم بـ هدوءٍ :
-خلاص تمام، أنا هقفل معاك بقى .

هتف بذات اللهجة :
-ماشي، سلام .
-سـلام .

أغلق الهاتف ثم نظر أمامـه بـ شرود، نهض من على الأريكة وأخذ يتمطع في الهواء محركـًا جسده يمينـًا ويسارًا، ثم وقف متوجهًا نحو نافذة المكتب بعد أن أشعل سيجارة مُنتظرًا قدومهـا .

خمسة عشر دقيقة مرت، وكان يستمع إلى صوت قرعات على الباب، أذن بالدخول لـ يدخل السكرتير بخطى هادئة قائلاً بـ عملية :
-الدكتورة حبيبة وصلت يا آدم باشـا .

أجاب دون أن يُنظر إليـهِ :
-خليهـا تدخُل، ومش عاوز مخلوق حتى لو إنت يدخُل .
-أمرك يا آدم باشـا .

ثم أنصرف، لـ يبتسم إبتسامة مليئة بالتهكم، ثوانٍ وكانت تدخُل بخطى واثقة شعر بـها وهي تدخل، لم يستدير قط، بل ودّ أن يظل على تلك الوضعية لـ علهـا ترتبك، ولكن كانت صامدة، بل مُنتظرة ردة فعلـه حينما يراهـا .

ألتفت لها بـ عينين حادة كالصقر، ولكن سُرعـان ما أرتخت عينـاه حينما وجدها، ظهر بريق سعـادة بداخلهمـا وهو يراها أمامـه، تقف أمامـه بـ شموخ، الفتـاة التي سلبت روحـه تنظر لــهُ بـ عينين باسمتين، إبتسم إبتسامـة واسعة برزت أسنانـه البيضاء، أحمر وجههـا خجلاً من تطلعـه لها، أقترب منهـا حتى وقف قبالتهـا لـ يمد يده نحوهـا قائلاً بـ نبرة رجوليـة قويـة :
-صباح الخير يا دكتورة حبيبة .

مدت يدها لـ تُصافحـه في شئ من الأحترام مرددة :
-صباح النور يا آدم باشـا .

هتف بتساؤل مُندهش :
-هو إنتي كُنتي عارفة إني أنا إللي ماسك المزارع .

ردّت وهي تومئ بـ رأسهـا :
-أيوة .

هتف بإبتسامة جانبية وهو يحك طرف ذقنـه :
-ماشي يا معشوقة .

هتفت بـ ملامح مُتعجبة من ذلك الأسم قائلة بإستغراب :
-معشوقـة !!.. معشوقة إيـه ؟؟.. مش فاهمـة .

إبتسم بـ شقاوة قائلاً :
-معشوقـة ده لقب إسمك، أسمك حبيبة يبقى أكيد معشوقة .

زادت حُمرة خجلهـا وهي تتساءل بـ خفوتٍ :
-لو سمحت أنا جايـه عشان شُغل، مش عشان تغازلنـي، أقدر أعرف هبتدي شُغلي من إمتى ؟؟..

أجـاب بـ جدية :
-شوفي يا ستي، إنتي كُل إللي هتعمليـه دلوقتي، هو إنك هتشوفي الأتنين العجول إللي كانوا تعابنين .

تساءلت بإهتمـام :
-هو كان في من العجول إللي هنا تعبوا ؟؟..

هزَّ رأسه بـ خفة وهو يُجيب :
-للأسف آه .

عاد يهتف بـ جدية :
-ده بس النهاردة، من بُكرا إن شاء الله كُل إللي هتعمليـه هتفضلي أعدة في المزرعـة عشان لو حصل حاجة تكوني موجودة، وإنتي أكيد عرفتي المواعيد من آسر باشـا، ده كُل إللي هتعمليـهِ وإنتي تشوفي شُغلك كـ دكتورة .

هتفت بـ جدية :
-طيب تمام، مين هيوريني مكان المواشي، وكمان أشوف العجلين إللي تعابنين .

أحتدت نظراتـه قائلاً :
-أنا إللي هوريكي طبعًا .

هتفت بـ تعجب من نظراتـه :
-طيب تمام .

أشـار بـ عينـيـه الحادتان :
-طيب أتفضلي معايـا .

هزَّت رأسهـا ثم سـارت صوب الباب وهو خلفهـا، ظل ينظر إليهـا لـ يقول بإبتسامة مليئة بالشقاوة وبـ عينين عابثتين :
-ماشي يا معشوقـة واضح إنك هتبدأي تعذبيني، وباين أن الأيام هتحلو جـامد .

************

(( أَنْتَهَاءُ الفَصْلُ الثَّالِثُ ))


أميرة مدحت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-06-20, 07:50 PM   #6

أميرة مدحت

? العضوٌ??? » 472511
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 31
?  نُقآطِيْ » أميرة مدحت is on a distinguished road
افتراضي

(( الفَصْلُ الرَّابِعُ ))

قضى ليلـهُ المُظلم شاردًا، لم يصل النوم لعينيهِ ولم يشعر جفنـه بطعم النعـاس، ظلَّ التفكير خليلـه، حيث بدأت سيل الذكريـات تطارد عقلـه..

نهض من على الفراش، ثم سـار نحو خارج غُرفتـه، هابطـًا إلى الأسفل، تحرك نحو حديقة الفيلا ليجلس على إحدى الطاولات مُشعلاً بـ سيجارتـه، رأتـه إحدى الخادمات، فـ أقترب منه بحذر شديد وهي تستفهم بتعجب :
-آسر باشـا !!.. حضرتك لسه صاحي ؟؟..

نظر لها بضجرٍ وهو يقول بخشونـة :
-أيوة، ياريت تعمليلي كوبايـة لبن؛ لأن مش جيلي نوم وشكلـهُ كده مش جاي !!..

أومـأت إليهِ رأسهـا بهدوءٍ ثم أنصرفت من أمامـه وهي تعود للداخل نحو مقر عملهـا، أراح جسده على المقعد الخوصى ونظر لـ عنـان السماء، نفث في سيجارتـه بـ شراهة، وظل يطرد آثـار دُخانهـا من فمه بإختناق، أغمض عينيهِ بقوة وكأنـه يرفض تذكر معاناتـه ثم فتحهمـا وهو يسترجع لحظات من الوراء لم ينسهـا ولم تغب عن ناظريـه طيلة السنوات الطويلـة الماضية، لحظات أليمـة لن تُنسى مهما طال الزمن .

تذكر حينما كان والده يعمل أعمـال غير مشروعـة، عانت معـه زوجتـه كثيرًا؛ حيثُ كان مُدمن المُسكرات ولعب القُمار لحد الخسـارة حتى أفلس مصنعـه، وكان يتشاجر يوميًا معها لـ أتفـه الأسباب، حتى يصل الأمر إلى السب والضرب، لم يدم الحـال طويلاً فـ في إحدى الأيـام تلقت زوجتـه خبر وفاتـه بسبب إصطدامـه بـ حافلـة كانت تعبر الطريق، تذكر إنهيارهـا الشديد، ذلك المشهد الذي حفر في ذاكرتـه للأبد، كان في أواخر عقد الثاني من عُمره حينمـا مر بتلك الأحداث، وقف شقيق والده بـ جانبـه، فقد لم يزج بهِ عمـه بعيدًا عنه وعن أملاكـه، أخذ مبلغ نقدي كبير منـه ومن والدتـه، ليبدأ بـ محاولة إعادة المصنع إلى العمل والتشغيل، حتى نجح في ذلك بعد عدة شهور كبيرة، ثم سدد لهُ ذات المبلغ الذي أخذهُ منـه مؤقتًا من الأربـاح، ومن هُنا تطورت علاقتـه مع "آدم" حتى أصبح كُلاً منهمـا يُساند الآخر إذا مـال..

وضعت الخادمة كوب من الحليب الطازج ثم أنصرفت، فـ تناول خاصته ليبدأ أرتشافه على جرعات كثيفة حتى أنتهى منـه، وضع الكوب على الطاولـة، ثم نهض من مكانـه متوجهًا نحو الداخل، حتى لا يترك غيوم الماضي تُفسد مزاجـه، ثم صعد إلى الطابق الأعلى حيث كان وصولـه لـ صالة رياضة، أستمع إلى صوت أقدام، وتأتي الجلبـة من الداخل، فـ فتح الباب وهو يجوب بـ بصره الحـاد نحو المكان، ليرى إبن عمـه "آدم" موليـه ظهره، يركض بـ سُرعة عاليـة أعلى اللعبـة الشهيرة الماشيـة، وقد تعرق جسده بـ غزارة، فـ كان مُكيف الهواء مُغلقـًا، شعر بوجوده فـ قام بخفيض سُرعة اللعبـة تدريجيًا حتى توقفت، ألتقط أنفاسـه ثم نظر إليـه ليسألـه "آسر" بتعجب :
-إيـه إللي مصحيك دلوقتي ؟؟..

نظر لهُ بضجر :
-مفيش، مش جيلي نوم خالص .

هتف بإبتسامة جانبية قبل أن ينزع قميصـه :
وأنا كمـان .

نظر لهُ "آدم" بضيق، فـ عقلـه مع من سرقتـه مُنذ أول وهلة، عاد إلى ما كان يفعلـه من تمارين شاقـه عسى أن تخرج من عقلـه .

بدأ "آسر" بـ ممُارسة رياضـة الضغط على الأرضيـة لـ يخرج الطاقة السلبية التي بداخله، بعد دقائق كثيرة، كان العرق قد غزاه وهو يطرد زفيره الحـار بـ معدل سريـع، وكأنهـا شحنـات سلبية يفرغهـا عن جسده المشحون، يشعر بـ نـار تشتعل بداخل جسده حينما يتذكر ماضيـه، دقائق أُخرى مرت عليهم، وكان "آسر" توقف عن ممُارسة الرياضـة ووقف منتصبًا ليتحرك بإتجـاه الطاولة، رفع عنها زجاجـة المياه لـ يتجرع أكثر من نصفها، في حين كان "آدم" أخفض سُرعة اللعبـة حتى توقفت ثم سـار بإتجـاه طاولـة أُخرى لـ يسحب المنشفة ثم أخذ يجفف وجهه وعنقه نزولاً لمُقدمة صدره، جلس الأخير على المقعد وهو يُفكر في تلك الفتـاة، فـ هو يؤمن بوجود الحُبَّ من أوَّل نظرة، ولكن الآن شعر بهِ، فـ فهم معنـاه الحقيقي .

هي فـتاة قوية.. لا تخشى أحد، تتمتع بـ عزة نفس كبيرة، وبـ ثقـة لا يعلم من أين تأتي بهـا، وغير ذلك.. فهي شُعلـة من الجمـال، آيـة من النعومة ولكن تخفيهـا ولا يعلم أيضًا السبب !!.. يودّ أن يقتحم عالمهـا الغامض ويكون أحد أقطـاب حياتهـا الأساسية كما يودَّ أيضًا وبشدة أن تكون أحد أقطاب حياتـه الأساسية، يُريدُ الإمساك بهذا النجم الغامض الذي يخفي أسرار لا يعلمهـا أحد !!..

جأتـه رغبـة جارفة لرؤيتهـا، أحس بأنها أهدت لهُ ما كان ينقصـه ليحيـا.. الشغــف !!..

ألتمعـت عينـاه بوميض قوي وحازم، ليقول بإصرار وبدون شكّ :
-لازم أعرف حكايتك إيـه !!.. ومش بس كده، أنا هخليكي تحبيني يا أميرة، زي ما أنا بدأت أحبـك، معرفش السبب، بس لأنك أكيد تتحبـي، أول مرة أحس الإحساس ده فـ لازم إنتي كمان تحسي.

******
بعد مرور ثلاثـة أيـام، في تلك الأوقـات كانت مشاعر "أميرة" قد بدأت تتجدد حيث عقلهـا لا يُزال مُتأثر من ذكريـات قرأتها للروايـات الرومانسية، فهي تحبَّ طلّته المُميّزة، أناقـة هيأته، إبتسامتـه الجانبية، هي تجده فتـى أحلامهـا، ولكن تعتقد بسبب وفـاة والديهـا قد تغير تفكيرهـا وشخصيتهـا، حزنت، لأن لا أحد يرى الشرخ الذي بداخلهـا، وضعت يدها على شفتيهـا، فقد أشتاقت أن تضحك بصوتهـا العالي، أوصلهـا التفكير إلى العمر الذي يمضي بهـا، ما الذي تُريدها منهُ ؟؟.. لعلّها تُريدُ حالة الشغف التي سكنتهـا مُنذ رآتـه .
-يارب أقدم إللي فيهِ الخير .

قالتهـا "أميرة" وهي تنزلق بـ جسدها أسفل الغطاء محاولة إستدعاء سلطان النوم لـ تغفو بعد أن أرهقهـا التفكير في صاحب الإبتسامة الجانبية الجذابة .

******
في اليوم التالي، ظلَّ "آسر" يباشـر عملـه بـ جدية حيث قد زادت الصفقات بنسبة كبيرة في الفترة الأخيرة، شعر بـ صداع يكاد أن يعصف برأسـه، فقـام بـ مُكالمـة هاتفيـة مع طبيبتـه يطلب لقائهـا، لم يمر وقتٍ كبير وكانت وصلت إلى المصنع، دخلت مكتبـه بخُطوات هادئة كـ عادتهـا، أستقبلهـا بإبتسامة صغيرة ثم جلس وكذلك هي ليبدأ يتحدث بجدية قائلاً بإبتسامتـه :
-هــاا أتمنى يكون الشُغل في المُستشفى عاجبك !!..

ردّت بتأكيـد :
-هو فعلاً كويس جدًا، والناس إللي هناك مُحترمين .

هتف بجدية :
-إحنا مش بنختـار حد بسهولـة، زي ما أخترناكي كده، إنتي مُمتازة في شُغلك فعشان كده خدتك من غير شكّ أو خوف .

نظرت إليـهِ قائلة بشُكر :
-شُكرًا على كلامك الحقيقي، بس حضرتك أكيد مش جايبني هنا عشان الكلام ده !!..

إبتسم بثقة وهو يقول :
-يعجبني فيكي الثقة دي، على العموم أنا من إمبارح حاسس بصُداع قوي والنهاردة زاد جامد، فياريت تشوفيلي أيّ حاجة أقدر أهديـه لأني لازم أتابـع شُغلي .

هتفت بنبرة عمليـة :
-تمام بس ده مينفعش، المفروض تاخُد الدوا وتنـام على طول، لأن الدوا مش هيعمل مفعول كبير غير لما تاخدهُ وتنـام .

هتف بضجر طفيف :
-أنا قولت مش هينفع لأني محتاج أتابـع شُغلي !!..

نهضت من مكانهـا وهي تقول بذات النبرة :
-الشُغل مش هيخلص، إنما صحـة حضرتك أهم بكتيـر، وبلاش دماغك تبقى ناشفـة .

هب واقفـًا ليتحرك نحوها وهو يُردف بسُخرية :
-دماغـي أنا إللي ناشفـة، أومـال إنتي إيـه ؟؟.. ده أنا من ساعـة ما بدأت أتعامل معاكي، وإنتي أسلوبك غريب، بتتكلمي دايمًا بنبرة جادة، تعبيرات وشك جامدة، في إيـه ؟؟..

نظرت لهُ بغضب طفيف :
لأني كده، وأظن من أول يوم شوفتني فيه وإنت عارف إني كده .

صـاح بها بإنفعال هاتفـًا بـ :
-آآآه ولمـا كُنتي بطلة جمهوريـة في الكارتيـة والنـاس بتصورك سواء في المجلات أو في التليفزيون أول في الجرنال، وتقعدي تضحكي ووشك وقتهـا كان منور، ده معنـاه إيـه والكلام ده كان من سنتين وشوية !!..

قالت بدهشة :
-هو إنت عارف إني..

صمتت ليقول بذات الإنفعال وبـ تهكم :
-طبعًا عارف، ومن بدري !!..

هتفت بعيون حادة :
-بس أديـك إنت قولتهـا، من سنتين وأكتر !!.. التوقيت بيختلف !!..

ألتمعت عيناهـا بوميض الحُزن دون شعور منهـا :
-الإنسـان مننـا بيقدر يتغير في ثانيـة لما بيقابل صدمـة هو مش أدهـا، وأنا قبلت كتيـر جدًا فخلتني كده، وهفضل كده، ولو مش عاجب سيادتك مُمكن نفسخ العقود، وأنا معنديش أيّ مُشكلـة .

نظر لها بضيق وسُرعان ما سحب مفاتيحـه وهاتفـه ليخرج من المكتب، وضعت يديها على رأسها وهي تقول بضيق وإختنـاق :
-ياربـي، شكلي ذودتهـا المرة دي !!..

******
في الساعة الثانية عشر ظُهرًا..
غادر المصنع مشيًا حيث ظل يسير في الشوارع الواسعـة، أعتاد أن يمشي طويلاً حينما يعتريـه الإختناق أو الغضب، يشعر بضيق يختنقـه، هو لا يعلم ما الذي يحدث لهُ مُنذ أن رأهـا في تلك الحفلـة، ولكن حديثهـا اليوم يوضح أنها عانت كثيرًا بـ مُفردهـا، لم يشاركهـا أحد في آلالامهـا النفسية، ذلك الألم الذي ظلت تشعر بهِ طيلـة سنوات حياتهـا جعلها في تلك الحـالـة القوية، تلك الحـالة المليئة بالبرود والامبالاة، أصبحت جامدة لكي تتحمل الضربـات التي تأتي من القدر ومن النـاس الغير المتوقعـة .

لأولُ مرة يرى لمعـان عينيها، لمعـان الحُزن والأسى، بلع ريقـه بإختناق وهو يُسير بهدوءٍ عسى أن يهدأ، ولكن هو أيضًا عاني، رأى الكثير من التعب والأسى، هو يُريدهـا أن ترى الحيـاة جميلة وأشخاص أيضًا تقابلهم التجارب الصعبة، فـ هذه هي الحيـاة .

أخرج منشفة ورقية من جيب سترتـه، ليمسح حبات العرق من على جبينه وعلى وجهه، شعر بتعبٍ يغزو جسده بصورة مُريبة، وبصُداع يزداد لا يقل أبدًا، بدأ يتعرق جسده أكثر عن ذي قبل، وأن قدمـاه لا تتحمل الوقوف، فـ دخل إحدى المقاهي، ثم سحب مقعد ليجلس عليـه بوهنٍ، حضر النادل ليطلب قدح من القهوة، فـ أنصرف ليجلب لهُ الطلب، شعر بدوار طفيف يهاجمـه بصورة مُفاجئـه، فلم يُعد يتحمل أكثر من ذلك، حيثُ أخرج هاتفـه من جيب سترتـه وبدأ يعبث بهِ ثم وضعـه على أذنيـه مُنتظرًا الردَّ حتى أتـاه فهتف بتعب :
-أيوة يا آدم، إنت فين ؟؟..

أجـاب وهو ينظر للطريق أمامـه عبر زجاج سيارتـه :
-أنا في الطريق للمصنع، عشان نقعد نتكلم مع بعض شويـة .

هتف بصوتٍ هادئ يغلفـه التعب :
-لأ أنا مش موجود هناك، ياريت تجيلي كافيـة ***، إللي في شارع ***، لأني تعبـان جدًا .

أعتراه الخوف وهو يقول :
-طب أنا جاي حالاً، سلام .
-سـلام .

أغلق الهاتف ليجد النادل يضع القهوة على الطاولـة أمامـه ثم عاد بالداخل، تناولـه ليرتشف عدة قطرات ثم ترك بقيتهـا، زفر زفيرًا حارًا، ثم سحب منديلاً ورقيًا من حافظة المناديل ليمسح حبات العرق الغزيرة التي على وجهه وجبينـه، مُنتظرًا على أحر من جمر وصول إبن عمـه .

بعد مرور عشرة دقائق، كان "آدم" يدخل المقهى يبحث عنـه بعينين مُقلقة، ظل يجوب ببصره حتى وقع عليـه جالسًا ويضع رأسه بداخل راحتي يديه، تحرك نحوه بثبات وهو يخرج أوراق نقديـة ليضعها على الطاولـة بجانب القهوة، وضع كفي يده على ذراعـه ليقول بهدوءٍ :
-قوم يا آسر معايـا .

أبعد رأسـه عن راحتي يديهِ ثم نهض من مكانـه دون أن ينطق بكلمة واحدة، خرجا من المقهى، فـ فتح "آدم" باب السيارة ليستقل الأخير بتعب شديد، أغلق الباب بلهفة ثم دار حولها ليستقل هو الآخر، مُنطلقـًا بسيارتـهِ نحو الفيلا .
نظر لهُ بعيون مُقلقة وهو يتساءل بإهتمام :
-مالك يا آسر ؟؟.. شكلك تعبـان !!..

بلع ريقـه بصعوبة وهو مُغمض العينين قائلاً :
-أنا من الصُبح وأنا حاسس إني تعبـان، نزلت من حوالي ساعتين ونُص فضلت أتمشى في الشوارع هنا، لحد ما حسيت إني مبقيتش قادر .

هتف بدهشة :
-ساعتين ونُص !!.. ليـه هو إنت كُنت مضايق من حاجة النهاردة ؟؟!..

هتف برجاءٍ :
-أرجوك يا آدم، أنا مش قادر أتكلم، أنا حاسس إني تعبان أوي !!..

أردف وهو يومأ رأسـه :
-طيب .

دقائق كثيرة مرت.. وكان وصل "آسر" برفقة "آدم" إلى الفيلا، تظاهر بالقوة كعادتـه، فهو يكره نظرات الشفقة، وصل إلى غُرفتـه وعقب أن دخولـه شعر بدوار كبير يهاجمـه، فـ أستند تلقائيًا على الباب، في تلك اللحظة كان "آدم" قد دخل، سحبـه برفق من ذراعـه حتى أجلسـه على الفراش، ثم سـار بعدها نحو الخزانـة ليلتقط أحد القمصان القطنية ذات الماركات العالمية باللون الأسود والمنقوش على ظهرها كلمات إنجليزية باللون البيضاء، وبنطالاً بذات اللون، ووضعهم على الفراش وهو يقول بجدية :
-غير هدومك يالا، وأنا هانزل أجيبلك عصير يروق دمك .

ثم خرج بخطى سريعـة، ليظل على تلك الوضعيـة لبضعة ثواني قبل أن يبدأ بتبديل ملابسـه بتلك الملابس المريحة .

بعد مرور عشر دقائق.. كان "آدم" يدخل الغُرفة وهو يحمل كأسًا من العصير التُفاح، توسعت عينـاه بدهشة وهو يجده قد غاص في نوم عميق، شعر بالتعجب إتجاهه، فترك العصير الكومود ثم أمسك بجهاز التحكم ليفتح المُكيف، حيثُ أرتفعت درجة الحرارة، ألقـاه بإهمـال ثم غادر الغُرفـة بحذر لكي لا يُسبب لهُ أي نوعٍ من الإزعاج.

******
أخذت تُسير ذهابًا وإيابًا، تُفكر كيف يقع في شباك حُبهـا، هي آيـة من الجمـال، ولكن يبدو أنـه لا يرى ذلك، يُكاد عقلهـا ينفجر من كثرة قوة وأزدحام التفكير بداخل عقلهـا، هي تعي شخصيته الحادة جيدًا، ولكن مازالت تضع أملاً أن يكون الأفضل، هي لن تجد أفضل منـه من حيثُ المـال والسُلطة والوسامـة، ولهذا ستحاول ولكن لا تعرف كيف تفعل هذا .

******
بعد مرور سـاعة ونصف، دخل "آدم" غُرفة إبن عمـه وهو يشعر بـ قلق جامح يعتريـه، مُنذ أن خرج وهو يشعر بإنقابضـه في قلبـه، جلس على طرف الفراش وهو يتفحصـه بتمعن وتركيز، شعر بالذعر وهو يرى يتصبب عرقـًا كثيفـًا ووجهه يبدو عليهِ الإعيـاء، زاد قلقـه خاصـةً أن المُكيف يعمل، وضع يده على جبينـه لـ يجده يشتعل من الحرارة، أنتفض من مكانـه على أثر حرارتـه المُرتفعـة، حاول أن يوقظـه ولكن لا يستجيب ويتمتم بكلمات غير مفهومـة وهو يرتعش بـ شدة، خفق قلبـه بـ قوة وهو يقول بخوف :
-آسر !!.. آسـر !!!.. رُدَّ عليـا !!..

هز رأسـه بتوتر، وهو ينهض من مكانـه، نظر إلى ساعة يده فوجدها قد تعدت الرابعة مساءً، ركض نحو الخارج وهو يصيح بنبرة جهوريـة أفزعت الجميع مُناديًا على أحدهم :
-شيمـاء، شيمــاء !!..

خرجت "شيمـاء" إحدى الخدم التي تعمل وهي تقول بخوف ناظرة إليهِ للأعلى :
-أيوة يا آدم بيه !!..

هدر بصوتٍ هز أركـان المكان وهو يأمرهـا بـ :
-حضري الكمادات بسُرعـة، في ظرف دقيقتين الاقيكي جبتيهم .

هزت رأسها بلهفة قائلة :
-حاضر يا سعـات الباشـا، دقيقتين بظبط .

ثم ركضت إلى مقر عملهـا، وضع يديهِ على رأسه وهو يُفكر في حل آخر، تذكر أمر طبيبتـه الجديدة، فـ سُرعان ما أخرج هاتفـه وعبث بهِ بلهفـة حتى أحضر رقم "حبيبة" ضغط عليهِ ثم وضعـه على أذنيهِ، ثوانٍ وكانت تُجيب بقلق :
-أيوة يا آدم بيه، في حاجة ولا إيـه ؟؟..

هتف بلهفة :
-مُمكن تجيبي رقم الدكتورة أميرة ؟؟..

ردّت بقلق مُتسائلة :
-ليـه ؟؟..

أردف وهو يوزع أبصاره الخائفـة نحو غُرفة إبن عمـه :
-آسر تعبان جدًا، أنا مشغل التكيف من بدري وهو قاعد بيصُب عرق، وكمان جسمـه بيترعش، ودرجة حرارتـه عالية جدًا، وبعدين هي الدكتورة الأساسية لعائلة الألفي .

غمغمت بهدوء :
-طب إهدى، حضر ورقـة وقلم .

ركض صوب غُرفتـه لـ يجذب المدونة الخاصة بهِ وأمسك بقلمـه وهو يقول :
-يالا .

أعطتـه الرقم فدونـه بلهفة، عقب إنتهائهُ من تلك المُهمة كان قد شكرها قبل أن يغلق معها الهاتف، زفر بقلق ثم بدأ يدون الرقم على هاتفـه ليقوم بـ الإتصال بـ طبيبتهم .

******
ألقت الهاتف بإهمال على الأريكة، وقبل أن تسترخى في جلستهـا كانت تستمع إلى صوت رنين جرس باب منزلها، نهضت من مكانها ثم تحركت نحوه بخطوات حذرة، هتفت بصوتٍ متحشرج قائلة :
-مين ؟؟!..
-أيوة يا حبيبة، أنا أميرة !!..

أمسكت بمقبض الباب ثم أدارتـه لـ ينفتح الباب، نظرت لها بدهشة قائلة وهي تتنح جانبًا لتعبر :
-أميـرة !!.. ده آدم بيه إبن عم آسر قالب عليكي الدُنيـا !!..

هتفت بقلق مُتسائلة :
-إيــه !!.. طب ليـه ؟؟.. هو في حاجة حصلت ؟؟..

أومأت إليها رأسها إيجابيًا وهي ترُدَّ :
-أيوة في !!.. آسر بيه تعبـان جدًا، ده أنا لسه مقفلة مع إبن عمـه ؟؟..

سألتهـا بتوتر طفيف أخفتـه بـ القناع الجمود :
-هو أصلاً أتصل ليه بيكي ؟؟..

ردَّت بإنزعاج :
-عشان ياخُد رقمك، ما إنتي الدكتورة الأساسية لعائلة الألفي .

عضت على شفتيها بقلق، وتقلَّبت عيناها فيما حولهـا في أرتباك وكأنهـا تعجز عن التفكير، فـ رَّبتت "حبيبة" على كتفهـا في تعاطف، وقبل أن تتحدث كانت تستمع إلى صوت رنين هاتفهـا، فـ أدركت على الفور من صاحب المُكالمة دون أن تنظر، أخرجت الهاتف من حقيبة يدها ثم أجابت بـ توتر طفيف :
-آلو..

هتف "آدم" بقلق :
-آلو.. الدكتورة أميرة معايا ؟؟..
-أيوة أنا، مين معايـا ؟؟..

أجـاب وهو ينظر بإتجـاه غُرفـة "آسر" :
-آدم الألفـي، أكيد عارفني .

قالت وقد تسارعت نبضات قلبها :
-خير يا أستاذ آدم ؟؟..

غمغم بإرتباك :
-آسر تعبـان جدًا، مشغل التكيف بس هو بـ يترعش جامد، ودرجـة الحرارة بتاعتـهُ عليـا جدًا، وعمـال يخترف بكلام مش مفهوم، أرجوكي تعالي بسُرعـة، لأن حالتـهُ مطمنش خالـص .

هزَّت رأسها سريعًا وهي تقول :
-خلاص أنا جايـه حالاً، إبعتلي بس العنوان على الوتساب، وأنا مسافـة السكة وهكون عندك .

-ماشي، وأنا في أنظارك، مع السلامة .
-مع السلامـة .

وما أن أرسل لها موقعـه تحديدًا حتى أنتقلت بخطاها نحو سيارتهـا تقتادها بسُرعـة عاجلة، لم تتركهـا "حبيبة" بل أصرت الذهاب معها، ولحُسن الحظ أنها دائمًا تترك حقيبة عملهـا الطبية في السيارة، وصلت إلى الفيلا لتجده مُنتظرها أمام البوابـة، صفت سيارتهـا ثم ترجلت منها وكذلك صديقتها، صافحهم ثم أشـار بيده بالدخول، جلست "حبيبة" فوق الأريكة في الأسفل، وهي تنظر لهم بعيون شبه قلقة، صعد كُلاً منهما للأعلى، ثم فتح باب الغُرفة لتدلف هي للداخل بعد أن أشـارت لهُ بالخروج .

أقتربت منهُ بـ بُطء، وهي تنظر لهُ بعيون قلقة، شعرت بتأنيب ضمير، ونغزة في قلبهـا لأسلوبهـا الجـاف والجامد معه، وضعت الحقيبة على الفراش ثم فتحتهـا وهي تجذب سمَّاعة الكشف، نظرت لهُ بعيون دقيقة لتجده يتصبب عرقـًا، حينما وضعت كفي يدها على جبينـه وجدت درجة حرارتـه مُرتفعة، أجرت بعض الفحوصـات القليلة ثم أعادت سماعـة الكشف في حقيبتهـا الطبية، ركضت نحو باب الغُرفة ثم فتحتـه لتجد إبن عمـه واقفـًا حيث كان على وشك أن يقرع الباب ليطمئن عليـهِ، بلعت ريقها في شئ من الصعوبـة لتقول بنبرة حاولت إخراجهـا عملية :
-عندهُ حمـى !!..
******
أسندت الوعـاء على الكومود، ثم أخرجت المنشفة القطنية المبللة بالميـاه الباردة وبدأت تعتصرها بكلتا يديها، جلست على طرف الفراش، وضعت على جبينـه كمادات باردة وهو يرتجف تحت الغطاء بقوة، وظل يتمتم بكلمات غير مفهومة، أقتربت منه عسى أن تستمع إلى كلماتـه المجهولة، أستمعت إلى حروفه التي تخرج من بين شفتيه الرفيعتين هاتفـًا بدون وعي وشعور ما يحدث حولـه :
-ليـه ؟؟.. ليه عذبتني ؟؟.. خليت في نـاس شايفني زيك !!.. عـ.. عذبتهـا !!.. عُمري ما هسامحك، وآآ.. هـ.. هعوضك، إنتي شبهي، آآ.. أميرة، أميـرة، بتتعبيني، بتتعبيني أوي، ليـه ؟؟.. ليــه !!..

أخفضت عيناها بصدمة، فقد عصف كلماتـه بكيانها وجعل تفكيرها يترنح كالذي أفترسـه الثمـالة، تأملتـه بعيون حائرة، ولكن سُرعـان ما عادت إلى ما تفعلـه من عملهـا، فـ شاغلهـا الأكبر هو أن تخفض درجـة حرارتـه العالية .

كانت الساعـة الثامنة مساءً، حينما أطمئنت أنه تحسن بنسبة جيدة، حيثُ أنخفضت درجـة حرارتـه، مدت يدها لتتحسس جبينـه، وبيدها الأخرى أمسكت بكفي يده، نظرت إليـه نظرات مُختلفـة عن أي مرة، ظلت تتفحص تقاسيم وجهه، وتراقب حركة عينـاه الغير إراديـة، حدثتـه بصوت أقرب للهمس :
-آسفـة، آسفة بجد، عُمري ما حسيت بتأنيب ضمير بالشكل ده، أنا عارفة إني ذودتهـا معاك، بس مكنش قصدي، صدقني مكنش قصدي خالـص !!..

أغمضت عيناها بتعب قائلة :
-شكلك هتغيـر حياتـي .

******
رفع حامل الأكواب وخرج من المطبخ متوجهًا صوب الحديقة، وضعهم على الطاولة الصغيرة ثم رفع بصره الحـاد نحوها ليراهـا تقف أمام المسبح شاردة الذهن، سـار نحوهـا بهدوءٍ حتى وقف خلفهـا مُباشرة لـ ينطق بإسمهـا بنبرة غليظة :
-حبيبـة !!..

لم تستمع إليـهِ بسبب إنشغال عقلهـا بـ أمور مُتعددة، فـ صـاح بها بصوتٍ شبه عالي :
-حبيبــة !!..

أنتفضت حبيبـة بفزعٍ وهي تستدير نحوه، كادت أن تقع من شدة الصدمة بداخل المسبح، ولكن حاوط خصرها بـ ذراعـه الصلبـة قبيل أن تقع، تلاشت المسافة بينهمـا، توقفت xxxxب الساعـة لوهلـة، نظرت لـ عيونـه التي تتأمل وجههـا بنظراتٍ عاشقـة، حاولت دفعه عنها بقوة ولكن قوتها خارت أمامـه فـ أردف قائلاً بجانب أذنها هامسًا بصوتٍ ناعـم :
-لـ تالت مرَّة بنقذك يا معشوقة، شكلي هبقى المُنقذ بتاعك للأبد !!..

رغمًا عنهـا إبتسمت على كلماتـه، هتفت بتلعثم :
-طـ.. طب مُمكن يعني تبعد يا أستاذ آدم ؟؟..

صـاح فيها بعند قائلاً بغضبٍ زائف :
-أنا مش قولتلك متقوليش أستاذ دي يجي 100 مرَّة غير في وقت الشُغل !!.. مفيش ولا مرَّة قولتي إسمي من غير أُستاذ !!.. إنتي هتشلينــي ؟!!..

قالت ببراءة :
-طب ده بيبقى غصب عني !!.. أعمل إيـه ؟؟..

صـاح بذات الملامح واللهجة :
-متقوليش أستاذ، وأقولك على حاجة، متقوليش أستاذ حتى فالشُغل، أرحمينـي بقى عشان يرحمك ربنـا فالدُنيـا والآخرة !!..

شعرت بالضيق قد بدأ يعتريهـا على أفعالـه الغير لائقة بتربيتهـا، قالت بهدوءٍ زائف :
-طيب حـاضر، بس أوعى Please !!..

هتف بلؤم :
-تؤتؤ، قولـي إسمـي الأول من غير أستـاذ نفسي أسمعها منك يا معشوقـة .

هتف بضيق وقد بدى على وجهها الإختناق :
-مـ.. ماشي، مُمكن يا آدم تبعد، أرجوك أوعى .

وجد ملامحهـا تبدلت لحالة سيئة، أعتدل في وقفتـه، فـ تحركت مسرعة لتعود للداخل ولكن تفاجئت به يقبض على ذراعها ليجذبها إليهِ بقوة وقد شعر بالقلق، حاولت أن تتملص منه ولكن منعها، هتفت بإختناق شديد :
-أرجوك إبعد بقى، إبعـد !!..

هتف بملامح قلقة بتساؤل :
-في إيـه بس ؟؟.. أنا عملت حاجة غلط ؟؟..

هدرت بهِ بصوتٍ ضائق :
-إنت عملت، وعملت جامد .

شعر بالضياع وهو يراها في تلك الحالة فهتف بسؤالٍ جديد :
-طب قوليلي، أنا محتاج أفهم !!..

نظرت لهُ بعيون وقد ألتمعت بالغضب المهدد هاتفـة :
-إنت شايفني إيـه ؟؟.. أنا عُمري ما سمحت لحد أنـهُ يمسكني كده أو بالطريقة دي !!.. كُل مرَّة بقول هو بينقذني فببقى عادي، المرة دي لأ، إنت زودتها أوي، بس أنا إللي غلط بردو، أرجوك سبني دلوقتـي، أنا مخنوقـة أوي !!..

سحب نفسًا عميقـًا قبل أن يقول بصدق نابـع من قلبه :
-والله ما كان قصدي، يشهد ربنا إني مش بفكر في حاجة وحشة من ناحيتك ولا غيرك، أنا مش وحش يا حبيبة !!..

أبعدها عنه، ليراها تذرف بعض الدموع، شعرت بحزن كبير يجتاحهـا حينما وجدت ذاتهـا قد كانت بدأت تتجاوب مع غزلـه، مسح دموعهـا برقة، ليقول بعدها بثقة وقد حسم أمره سريعًا :
-حبيبـة !!..

نظرت لهُ بعيون لامعـة ليقول بعدهـا بذات الثقة والشجاعـة :
-حبيبة، من غير مُقدمـات كتيــر، أنا بحبــك !!..

******


أميرة مدحت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-06-20, 02:40 AM   #7

أميرة مدحت

? العضوٌ??? » 472511
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 31
?  نُقآطِيْ » أميرة مدحت is on a distinguished road
افتراضي

(( الفَصْلُ الخَّامِسُ))

ظلت مُمسكة بيده دون شعور، ظلت تُحدق بهِ قبل أن تنظر إلى يدهِ التي قبضت على خاصتهـا بـ خفة ثم همسة خرجت كـ الأنين إسترعت إنتباههـا، نظرت لهُ بإهتمام جلي وهي تجد عينيهِ المُتعبتين تنظران إليهـا بتشوش قليل قائلاً بوهنٍ :
-أميـرة !!..

هتفت بإبتسامة صغيرة :
-حمدلله على السلامة، ده إنت كُنت تعبـان جدًا، بس الحمدلله بقيت أحسن !!..

جاهد أن يرسم إبتسامتـه الصَّغيرة وهو يتمتم :
-أول مرة أشوفك بـ تبتسمي !!..

إبتسمت وقد لمعت عيناها بتأثر :
-أنا مكنش قصدي إني أكلمك بالأسلوب ده، بس غصب عني، أنـااا..

هتف بخشونة مُجهدة وهو يضع إصبعـه على شفتيها :
هُششش، ولا كلمـة، أنا حاسس بيكي وفاهمك .

صمتت وهي تُخفض بصرهـا، فـ إبتسم إبتسامة صغيرة، قبض على يدها بقوة، ليتحدث بتعب :
-أميرة، كويس إني شوفتك، أنا حابب أحكيلك إني إنسان كويس، أنـا تعبت جدًا عقبال ما وصلت إللي أنا فيه ده، في نـاس كتير جدًا عارفين قصتي دي، أنا لما مسكت المصنع كان والدي قفلـه بعد ما فلس، كان عندي 19 سنة لما حصل إللي أنا هحكهولك دلوقتـي !!..

أصغت له بإهتمام شديد ليُتابع وهو ينظر في السقف محاولاً أن يسترجع لحظات من الماضي :
-والدي كان راجل كويس جدًا، بس لما بقى عندي 15 سنة، أتغير حالـه، بقى بيرجع في وش الفجر، وسكران وحالتـه وحشة أوي، والدتي الله يرحمهـا كانت بتتعذب جامد من الموضوع ده، لحد ما اكتفشفنـا قبل وفاتـه بـ سنـة أنهُ بيلعب قُمـار، والملايين إللي كانت معـاه ضيعهـا، طمع فـ فلوس أمي، بس هي رفضت عشاني، فكان بيفضل يضربهـا ويشتمهـا بـ أوحش الشتايم إللي مُمكن تتخيليهـا، كُنت أدخل ما بينهمن خايف أن يحصل حاجة، لما بقى عندي 19 سنة كان المصنع فلس من كُتر الديون، لحد ما بعدها بيومين عمل حادثة بالعربية، ومـات، والدتي أنهارت كانت بتحبهُ جدًا، رغم أنهُ ميستحقش الحُب ده !!..

غرزت "أميرة" يدها في الفراش، شعرت وكأن السنوات عادت بها إلى الوراء، رأت نفسها مُتشابهة معه في الكثير مما يقوله عن نفسه، كان التشابه يزداد قوة من لحظة لأخرى، أغمض عينيهِ بتعب وهو يبلع ريقـه بصعوبـة، فـ ضغطت على كفي يده برفق وهي تقول :
-لو مش قـادر تكمل، يبقى متكملش .

عاود بفتح عينيهِ ليقول بثقة :
-لأ، أنا عاوز أحكيلك، يمكن أرتـاح .

أحنتْ "أميرة" رأسها، محاولة أن تكافح الصور التي أخذت كلماتـه تعيدها إلى ذهنهـا، ألتقط "آسر" نفسًا مُرتجفـًا، ورفع رأسه، عادت تصغي إليهِ بإهتمام وهو يُعرَّي روحه أمامهـا، وإعجابهـا بهِ يتزايد، عاد يُضيف بـ شرود :
-طبعًا مُكنـاش عارفين نعمل إيـه، خصوصًا بعد ما المصنع ما أتقفل، بس عمي الله يرحمـهُ وقف جنبنـا جامد، خدت منهُ مبلغ كبير، ومبلغ تاني من والدتي، فضلت أشتغل ليل ونهـار، عشان أوقف المصنع على رجليهِ، بعد فترة كبيرة جدًا وقفتـهُ وأشتغل جامد، ورجعت الفلوس إللي خدتهـا من عمي، عن طريق الأربـاح إللي كانت بتجيلي، في الفترة دي بقيت أنا وآدم صُحاب جدًا، فوق ما تتخيلي، وعدت سنين على الموضوع ده، عارفـة أن بسبب تصرفات أبويـا في ناس أفتكرتني زيهُ، لدرجة أن في نـاس كانت بتيجي لحد عندي، بتبقى عاوزة أخُد منهم رشوة عشان شوية مصالح ليهم .

أتسعت عيناها بذهول ليُتابع وعقله في عالم آخر :
-إحساس وحش أوي إللي كُنت بحسـهُ، لكن إللي مصبرني وقتهـا على الكلام ده وعلى إللي بيحصلي كانت والدتي، لحد ما وصل بيـا الأمر إني ركبت لنفسي وش مكُنتش حابب أركبهُ، وش مبيعرفش الهزار، وتلقائيًا عينيـا بقت حـادة، بس..

صمت للحظات معدودة، لتتساءل بقلقٍ :
-بس إيـه ؟؟.. كمل !!..

أغمض عينيهِ بقوة وهو يقبض على كفي يدها بقوة هاتفـًا :
-بس بعد كام شهر، ماتت، موتهـا وجعني أوي، كانت كُل حاجة حلوة في حياتي، وقبليهـا بـ خمس شهور، كان عمي بردو توفى، حسيت إني هنهـار، فـ قررت أسافر بـرا مصر، أعدت فترة هناك بحاول أستوعب كُل حاجة وحشة حصلت، لحد ما رجعت من كام أسبوع، بقيت أقوى من الأول، والكُل بقى بيعملي حساب، وإللي بيجي هنا عشان أعمـال غير مشروعة بيجي ومعـاه مُصيبة، مصر كُلهـا بقت عارفـة مين هو "آسـر الألفي" !!..

نظر إليها بعيون لامعـة ليقول :
-أميرة !!..

هزَّت رأسهـا مُستفهمة ليقول بإبتسامة صغيرة :
-محتـاج أقوم من على السرير، مُمكن تاخديني على البلكونـة وتبقي معايـا ؟؟..

حركت رأسهـا إيجابيًا، حدق في يدها الممدودة نجوه بإبتسامة أكبر، أمسك بكفها ووضعت يدها الأخرى أسفل مرفقه لتساعده على النهوض، رفعت "أميرة" عينيها في عينيهِ لتجده يطالعهـا بنظرات تغازلهـا بشغف، تلقائيًا تورد وجهها حرجًا منه، أبعدت نظراتها عنه لتتجنب تحديقـه بها، فقد أخجلهـا، أكملت مساعدتها له حتى نهض من مكانـه، تعمد السير ببُطء، أما هي فـ الأمر كان عاديًا بالنسبة إليهـا كـ طبيعة عملهـا، شعر بـ سعادة لم يشعرها مُنذ فترة كبيرة، يبدو أن القدر سيكتب لهمـا طريقـًا سويًا، ستبدأ قصّة الحُبَّ الذي بدأت مُنذ فترة دون شعور منهم، دخل "آسر" الشرفة برفقتهـا، نظرت إليهِ بإهتمام :
-عاوز تقعد ولا هتقف ؟؟..

ردَّ بهدوء :
-لأ هقف .

قالت بإستغراب :
-هتقدر ؟؟.. هو ياريت تقف وتتحرك كتيـر عشان المناعـة عندك !!..

هزَّ رأسـه ثم تنفس بعمق ساحبًا ذراعـه من بين يديهـا، وقف وهو يسحب نفسًا عميقـًا ليحرره بعدها بقوة، نظر نحوها بشغف، هتفت بهدوء زائف :
-أنا هنزل بس أطلب يجيبوا كوباية لبن ليك، عشان تبقى أحسن .

كادت أن تتحرك ولكن قبض على رسغهـا ليوقفهـا، خفق قلبهـا بقوة من إمساكه بها، شعرت بـ دقاتها تتسابق في صدرها، أدارها "آسر" ناحيتـه ليغدو قبالتهـا، جمد أعينـه على عينيها، توترت أنفاسهـا وتسارعت نبضات قلبهـا، ما قرأت بهِ يومًا في الروايات يتجسد أمامهـا، بل يقف على قدميه يواجهها ويحاورهـا، أحلامهـا تخطلت مع الحقيقة، موجـات حُبه الخفية تشدها ناحيتـه، ثبت عينيهِ على عينيها التي بات أسيرها مُنذ أول وهلة، أقسم لو حاولت النجوم أن تُقارن ذاتهـا بعينيها فـ ستخجل فورًا، نبض قلبه بسُرعة أكبر وأزداد نفسه عُمقـًا، أغمضت عينيها حينما حاوط خصرها بقوة ثم أغمض عينيه أيضًا لـ يسند جبينـه على جبينهـا، هتف بـ نبرة مليئـة بالمشاعر التي لا يمكن وصفهـا بـ كلمـات ولا بـ أشعـار :
-أميـرة، أنا بـحبـك !!..

******
في الأسفل، نظرت إليهِ بدهشة وقد عقدت لسانهـا عن اللفظ، نظر إلى عينيها بعينيه العسلي ليجد قد ترقرقت فيهما بسمة وديعـة، إبتسم "آدم" لإبتسامتهـا الخجولة، عضت على شفتيها بخجل، أصبح لونها الأبيض مشرًا بـ حمرة يسرى وديعـة، جعل جمالها يتزايد، كانت هادئة مُستكينة بدت وكأنها إستعابت الصدمة وتقبلتها، حدق بـ ملامحهـا الرائعـة بل أروع ما رأى، هتف بإبتسامة صغيرة :
-أنا بحبك جدًا، مش عارف حصل الكلام ده إمتى، بس إنتي أول بنت أعشقهـا بالطريقة دي .

هتفت بهدوء وهي تنظر لهُ بخجل :
-أنا مش عارفة أقول إيه ؟؟.. أنا منكرش أني بدأت أحس بـ مشاعر جديدة من ناحيتك، بس..

توترت قليلاً، فـ حاول بث الطمأنينة إليهـا قائلاً بهدوءٍ وبثقة :
-قولي إللي إنتي عيزاه، من غير حرج ولا كسوف .

أستجمعت شجاعتها قائلة بإبتسامة لطيفة وخجولة :
-أنا محتاجة فترة كبيرة عشان أقدر أتعرف عليك أكتر، لازم أعرف عيوبك قبل مُميازتك، فـ ده هيحتاج وقت أكبر، فهمنـي يا آدم ؟؟..

الغبية لم يكُن عليها تنطق أسمه بذلك الهمس المغوي، يبدو أنها لا تعلم أنه يبذل طاقة جبارة في الحفاظ على المُتبقي من ذرات عقلهِ، أنه يُحاول جاهدًا ألا يُريها كم هي ذات تأثير قاتل عليهِ !!..

أردف بتنهيدة حـارة :
-وأنا موافق يا معشوقـة، عشان خاطرك أوافق على أي حاجة، وخصوصًا بعد ما نطقتي أسمي من غير أستاذ .

ضحكت ضحكةً مرحةً بعثت رعدةً في قلب "آدم" وقالت :
-خلاص أتفقنـا، أنا رايحة أشرب كوباية الشاي زمانهـا بردت .

ثم تركت من أمامـه بإبتسامتهـا، غمغم "آدم" وهو يضع يده ناحية موضع قلبـه :
-هتتعبيني جامد يا معشوقـة !!..

******
حدقت بهِ بـ بلاهـة غيرُ مُصدقة ما هتفـه، لوهلـة ظنت أنهُ حلم، لم تستطع السيطرة على تلك الإبتسامة العينة التي ظهرت على شفتيهـا الحمرواتين بـ لونها الطبيعي فجعلت عينـاه تبتسم لها بـ شوق بدأ يتملكه، وضع كفه على وجنتها البيضاء وهمس بصوتٍ مغرٍ :
-مش عارف عملتي إنتي فياا إيه ؟؟.. بس أنا بحبك جدًا، مش عارف أوصفلك حُبي ليكي عامل إزاي، بس أكيد هتحسي بيهِ من تعبيرات وشي وبالمواقف !!..

نظرت لهُ بعيون واسعة عبرت عن دهشتهـا من أعترافـه !!.. تساءلت بداخلهـا..

هل أحبتّه حقـًا ؟؟..

هي نفسها لا تدري، فـ معظم الذين يعتقدون أنهم يعيشون قصة حُب، هم في الواقع يعيشون وهم الحُب، ولكنها بدت بدأت تتعلق جدًا بهِ، أو أنها أوشكت أن تقع في بحور حُبـه العميقـة التي ليس لهـا أول ولا آخرٍ، زادت نبضات قلبهـا بـ صورة مُفاجئة، ظلت تنظر له بعينيها الواسعتين اللتين ترسلان نظرة لامعة ترقُّ حينـًا، وتعمُق أحيانـًا، نظرت لـ عيناه سوداوين عميقتين تظهر اوردتهما مثل وردة ذات عروق بنفسجية عند الشفق وبطريقة ما غامضة، نظرت إلى كفـه الذي يلمس وجنتهـا البيضاء على رغم انها كانت لينة معاها ولكن تبدو قوية جدًا مشدودة العصب، أبعدت يده ثم تحركت نحو الأريكة لتجلس عليـه، قطب جبينـه بقوة وهو يُسير نحوها حتى جلس بجانبهـا، هتف بإستغراب شديد وهو ينظر لها بقلق :
-في إيـه يا أميرة ؟؟.. مالك ؟؟!..

نظرت له بعيون لامعة قائلة بصوتٍ خالٍ من الحيـاة :
-آسر، أنا صعب حد يتعامل معايا، في جوايـا كسر كتيـر، صعب تستحملني، لازم ده يتصلح الأول، جوايـا كسور كتير من قبل حتى ما والدي ووالدتي توفوا، لغايـة دلوقتي بعاني، حواليا ثعابيين وxxxxب ومش بس كده، ده أنا عايشة معاهم، مُمكن أظهر إني قويـة من بـرا، بس أنا كئيبـة يا آسر .

نظرت لهُ بقوة بتلك الامعـة التي لا تُريد أن تختفي :
-والنـاس مش بتحب الكئيب، بتحب إللي دايمًا بيضحك، وأنا مش كده !!.. وعُمري ما هبقى كده إلا بعد فترة طويلة جدًا !!..

أخفضت رأسهـا بحُزن عميق، حبست دموعها بقوة ونجحت في ذلك، وضع يده على طرف ذقنها ليرفع وجهها إليه، شعر بنغزة حـادة في قلبـه، أمسك بكفيهـا فـ أحس ببرودتهمـا، نظر لها بقلق وهو يسألهـا بنبرة تلهف :
-أميرة، إنتي حاسـه بحاجة ؟؟..

هزت رأسهـا سلبيًا، فرك كفيهـا بقبضتيهِ ليمدها بالقليل من الدفء والحرارة، قبض عليهما بقوة مؤكدًا بهدوء وهو ينظر لهـا بـ عُمق :
-كُل واحد بيمُر بـ ظروف قوية، وساعات بتبقى ظروف جبـارة، في إللي قدر يتحملهـا لـ أنهُ كان متوقع وفي إللي غرق لـ أنهُ عُمرهُ ما توقع ولا خطرت على الهُ أنهُ هيعيش العذاب ده، أنا كُنت متوقع لأن هي دي الحيـاة، إنما إنتي لأ .

أومـأت إليهِ بعينيها، ليُتابع بثقة :
-بس ماتقلقيش، أنا معاكي لحد ما ترجعي زي الأول وأحسن كمان، أنا بحبك ومش هاسيبك، حتى لو الدنيـا خربت !!..

هتفت "أميرة" وهي تومئ رأسها بالسلب :
-مش هتقدر!!..

ردَّ بـ ثقتـه :
-هقدر .

قالت بـ إصرار :
-إنت مش أد العواقب إللي هتشوفهـا .

تمتم بإبتسامة واثقة :
-لأ أدها بإذن لله .

نظرت لهُ بعُمق هاتفة :
-صدقنـي، مع الوقت هتزهق منـي !!..

أحتضن وجهها بين راحتيـهِ مؤكدًا بـ صدق :
-صدقينـي إنتي، إني عُمري ما هزهق منك، أنا بحبك بجد، والأيـام هتثبت على كُل حرف قولتـهُ ليكـي .

مسح بإبهامـه على جانب شفتيها وهو يتمتم بهمسٍ :
-يالا بقى أضحكي، ده إنتي نشفتي ريقي عقبال ما شوفتهـا .

ضحكت على كلماتـه، وبالفعل إبتسمت إبتسامة صغيرة عذبة، بادلهـا إبتسامتـه الواسعة حتى برزت أسنانـه البيضاء، لم يكُن يتخيل أو يعلم أنه يمتلك بـ مثل جاذبيتهـا، همس بـ صوتٍ رجولي يحمل وعودًا بات يحمل على عاتقـهِ تنفيذهـا :
-هرجع ضحكتك تاني، هخليكـي تحبي الحيـاة جامد، وإنتي هتعلميني حُبك، زي ما أنا هعلمك عشقي مش حُبي وبس .

تنفست بإرتيـاح وهي تبتسم إبتسامة أكبر مُرددة :
-ماشي يا آسر .

ثم وثبت واقفة من مكانهـا، هاجمهـا دوار قوي بـ طريقة مُفاجئة، وضعت يديها على رأسها وهي تُغمض عينيها، شعرت بـ أنها ستنهار على الأرضية الرخاميـة ولكن ذراعـه القوي حاوط خصرها بقوة وهو يجذبها إليـهِ، تأهوت بتعب وهي تضع كفي يدها على عينيها، سألهـا بقلق كبير هاتفـًا :
-مالك ؟؟.. إنتي هتخوفيني عليكي من أولهـا كده ؟!!..

أجلسهـا على الأريكة، فـ أبعدت يدها عن عينيها، تمالكت نفسهـا وهي تسحب نفس عميق لـ تزفره بعدها بهدوء، هتفت وهي تخلل أصابع يدها بداخل شعرهـا وهي تقول بحرج :
-أصلي دوخت شوية !!..

سألهـا بإهتمام واضح على وجهه ونبرتـه :
-طب ليـه ؟؟..

أجابت بـ ذات اللهجة :
-عشان مكلتش من وقت ما كُنت عندك في المصنع لغاية دلوقتي !!..

حدق فيهـا بأعين محتدة مُتسائلاً بغلظة :
-طب هو ده ينفع ؟؟..

ردَّت بجدية وهي تُخفض بصرها :
-فـ شُغلي لازم أهتم بصحة المريض الأول، خصوصًا حالتك كانت مطمنش حد .

سألهـا بصوتٍ أجشَّ :
-هو أنا كان عندي إيـه بالظبط ؟؟..

رفعت أنظارهـا لتحدق فيهِ قائلة :
-كان عندك حمـى !!..

أغمض عينيهِ وهو يسألهـا سؤالاً آخر :
-طب المفروض أعمل إيـه ؟؟..

إبتسمت هاتفة بعملية :
-مطلوب من سيادتك راحـة لمُدة يومين على الأقل، لأن صحتك بدأت تقل في الفترة الأخيرة .

قطب جبينـه بإمتعاض وهو يقوس فمـه للجانب :
-مينفعش الكلام ده، ورايـا شُغل لازم يخلص على آخر الأسبوع !!..

نظرت له بصمت محركة رأسهـا إيجابيًا، لتقول بعد لحظـات :
-طب أنا مُمكن أساعدك !!..

أعتلت نظراتـه علامـات الأندهاش، لم يتوقع أن تقترح أبدًا ذلك عليهِ، حدق فيها بذهول هاتفًا بـ بسمة :
-بجد !!..

ردَّت بثقـة :
-أيوة، أجيلك في نُص اليوم أبعتلك أيَّ ورق مُهم ليك إنت عاوزهُ، وتشتغل على جهاز الحاسوب بتاعك وإنت قاعد مكانك، إيـه رأيك ؟؟..

إبتسم وهو يغمغم :
-وأنا موافق، بس لازم تجيبي جهاز الحاسوب ده، وأوراق تانيـة، على العموم متشغليش بالك، أنا هكلم مُديرة مكتبي الأستاذة شيرين أقولهـا على المُستندات إللي محتاجها، وإنتي تروحي المصنع تاخديهم منهـا، تمام ؟؟..

مالت برأسها ناظرة إليهِ بعينيها الباسمتين :
-تمـام جدًا .

هب واقفـًا وهو يتمتم بصيغة آمره حملت ما يكفي من الحزم :
-طب قومي معايـا يالا، عشان هنتعشى سـوا .

نهضت من مكانهـا قائلة :
-أنا معنديش مانع، بس..

صمتت بتردد ليقول بنعجب :
بس إيه ؟؟..

ردَّت بـ هدوء زائفٍ :
-أنا بس عاوزة أبلغك أن الدكتورة حبيبة موجودة تحت، كانت جت معايـا عشان تطمن على حضرتك، أصلي كُنت عندها فـ عرفت كُل حاجـة .

إبتسم وهو يهتف :
-بس كده !!.. دي تشرف في أي وقت، يالا بينـا ننزل .
-يـالا .

******
فتح الباب عن الطريق الجرّ، دلفت هي أولاً ثم دخل بـ خطى هادئة، سحب مقعد لها لتجلس عليهِ بإسترخـاء ثم جلس وهو يتنهد بحرارة، وجه أنظاره نحو الباب وهو يُصيح بـ كبيرة الخدم مُناديًا عليهـا، ظهرت بعد ثواني صغيرة لتسألـه بإحترام وبـ بسمة لطيفة :
-أيوة يا آسر باشـا ؟؟.. حمدلله على سلامة حضرتك .

هتف بخشونة مُجهدة :
-الله يسلمك، ياريت تحضري العشا بسُرعـة، وبعدين فين آدم والدكتورة حبيبة ؟؟..

ردَّت بـ عفوية :
-واقفين من بدري في الحديقة .

توسعت عينيهـا بدهشة ليُتابع بـ صوتـه الجاد :
-طيب نادي عليهم عشان هُما كمان هيتعشوا معانـا !!..
-حـاضر يا بيه .

ثم إنصرفت، دقيقتين مرًّت بهدوءٍ مُريب، أسندت كبيرة الخدم وإحدى الخادمات الشابات الطعام على المائدة، نظرت للطعام وأشتمت رائحتـه، فـ ذقذقت معدتهـا، خاصةً حينمـا وجدت ما لذ وطاب من الوجبات الشهية، وضعت كبيرة الخدم آخر صحن من الطعام، ثم غادرت من المكـان وبرفقتهـا مُساعدتهـا، دخل "آدم" بإبتسامة وخلفـه "حبيبة" التي رسمت على ثغرهـا إبتسامتهـا المعهودة، أقترب كُلاً منهما إلى مجلسهم سحب لها المقعد لتجلس عليهِ بهدوء وهي تنظر نحو صديقتهـا التي تنظر لها نظراتٍ غير مفهومة، سححب المقعد المجاور لـ "حبيبة" وأستقر أعلاه، نظر نحو إبن عمـه ليجد عينـاه تسلطت عليهِ..

وضع كفي يده على ذراعه قائلاً بقلق :
-عامل إيه دلوقتـي ؟؟.. طمني عليك ؟؟..

ردَّ بجمود :
-كويس الحمدلله، والفضل يرجع للدكتورة .

هتفت "حبيبة" بإبتسامة صافية :
-ألف سلامة عليك يا مستر آسر، إن شاء الله هتبقى أحسن من الأول بكتيـر .

أجـاب بإمتنانٍ :
-شُكرًا يا دكتورة حبيبة، بس ياريت بلاش كلمة مستر دي .

ردَّت بهدوءٍ :
-خلاص تمام، يبقى إنت كمان ماتقولش دكتورة .
-أتفقنـا .

هتف "آسر" وهو يوجه أنظـاره الجادة نحو "أميرة" :
-كُلي كويس يا أميرة، مش هاتمشي من هنـا غير لما تخلصي الطبق إللي في إيدك ده .

تقوس فمهـا للجانب وهي تُردف بـ :
-رغم أنهُ صعب بس هحاول .

هتف "آدم" بـ تبرم :
-بلاش كلام يا جماعـة في وقت الأكل، خلينـا ناكُل ونستمتع .

هزوا جميعًا رُءُوسهم، ليبدأ كُلاً منهمـا في التناول وعقولهـم مخطوفـة إلى عالمٍ آخر، راقبهـا وهي تتناول الطعام بشهية مفتوحـة بعينيهِ الباسمتين دون أن تشعر بهِ، إبتسم "آدم" وهو يُسلط أنظاره نحو التي سلبت عقلـه ليجدها تتناول بشراهة، شعرت بعينيهِ تُحدق بها، فـ تلقائيًا أمر وجهها خجلاً منهُ، فـ يبدو أن ربيـع الحُبَّ سيبدأ عملـه وسيبقى للأبد .

******


أميرة مدحت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-06-20, 10:21 PM   #8

أميرة مدحت

? العضوٌ??? » 472511
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 31
?  نُقآطِيْ » أميرة مدحت is on a distinguished road
افتراضي

((الفَصْلُ السَّادِسُ))

عندما وصلت "أميرة" منزلهـا، لم تفارق صورة "آسر" خيالهـا، حتى فصلتهـا عن الواقـع تدريجيًا وبدون شعور منها، شعرت وكأنها تحولت إلى نجمة، أحتضنت بـ حنان شديد جسدهـا الذي أغتسل وتعطر بالفل والياسمين، يبدو وأن إبتسامتهـا ستعود ترتسم على شفتيها من جديد، تشعر بـ أنها فراشـة مبتهجة، كان بالنسبة لها بمثابة الحلم الأبيض المملوء بالطموح، كانت تبحث عن الحب الذي قرأت عنه في روايات أو شاهدته في الأفلام، الرجل الوسيم القوي، الذي يحميهـا ويبادلهـا عشق لا مثيل لهُ، أغمضت عيناها بـ سلام وهي تنزلق بـ جسدها أسفل الغطاء، لـ يعاود زيارتهـا في أحلامهـا مُكررًا ذلك المشهد بـ كافة تفاصيلـه .

*****
في صباح التالي.. حيث تسللت أشعة الشمس القوية إلى غُرفتهـا، أفاقت من نومهـا لـ تغسل وجههـا بـ نشاطهـا المُعتاد، تجسد طيفه في إنعكاس المرآة لـ يخفق قلبهـا بـ قوة من مجرد تخيله، تنفست بـ عُمق وبإنتظام لـ تضبط أنفاسهـا التي تسارعت، حدثت نفسهـا قائلة بـ شرود :
-ياترى هينفذ وعدهُ ليـاا ؟؟!..

أجابت لـ ذاتهـا بـ حيرة :
-بس هو معروف عنهُ، أنــهُ بـ يلتزم في أيَّ كلمة بـ يقولها !!..

ثم هتفت بـ حُزن عميق :
-بس هو أحتمـال ميقدرش يستحملني، لـ أني كئيبة جدًا، ده أنا مضايقة من نفسي فالموضوع ده، ما بالك بقى هو !!..

لمعت عيناها بـ أسى :
-أنا حاسة أن جوايـا خراب .

أغمضت عيناها بـ تعب من أثر التفكير :
-يارب أقدملي إللي فيه الخير !!..

*****
وقف يتابعهـا من على بُعد، يحدجهـا بـ نظراتـه العاشقة وهي تُسير تتفقد المواشي، هي النسمة الرقيقة، زفر بـ نفاذ الصبر وهو يمسح على وجههِ، تلك الكتلة الأنوثية ستفقده عقله، نزع نظارتـه الشمسية لتظهر عينيهِ الرائعـة، التفتت بعفويـة لتحدق بعينيهِ حينما أحست بهِ يُحدق بهـا، إبتسمت بخجل واضح، وجاء دوره أن يبتسم بـ شفتيهِ الرفيعتين، أنصرفت سريعًا متوجهه نحو مكانٍ ما، لـ يهتف وهو مازال يُحدق بها :
-ماشي يا معشوقـة، يا أنا يا إنتـي فـ إللي بتعمليه ده ؟؟..

*****
قامت بالتوجه لمقر المصنع الرئيسي لـ الألفـي، وطلبت لقـاء مُديرة مكتب "آسر" لأمر طارئ، فـ لبى الأخير طلبهـا بعد أنتظارها العديد من الوقت، ولجت لـ داخل مكتب "شيرين" والتي أستقبلتهـا بإبتسامة زائفـة، جلسن يتبادلون ألوان الحديث حيث قالت "أميرة" وهي تفرك يدها بعد أن وضعت ساقها على الأخرى :
-أنا جايـه أخُد المُستندات والاب توب الخاص بـ آسر، أظن أنهُ كلمك وطلب بذات نفسه ده منك ولا أنا غلطانة ؟؟..

هتفت مؤكدة :
-ده حقيقي حصل، ثواني والطلبـات دي تبقى قدامك، بس..

تابعت وهي تنظر لها بـ تمعن :
-بس آسر باشا مش بيثق بـ حد بسهولة كده، وتقربيًا هو أتعرف عليكي من وقت صُغير، فـ إزاي يديكي الثقة دي ؟؟.. وخصوصًا إنك دكتورة ؟؟..

ردَّت بثقة :
-أنا مش دكتورة وبس لـ آسر، أنا أكتر من كده شوية .

سألتهـا بعيون مشتعلة بالضيق :
-آه ماهوو واضح، بـ دليل إنك بتقولي إسمهُ من غير باشا .

أردفت بـ برود :
-بالظبط كده، ولو عندك أي أستفسار تاني متسألنيش أنا، أسألي إللي مشغلك .

ضمت شفتيها بحرج، ثم تساءلت بنبرة قلقة :
-هو آسر باشا مش هيجي النهاردة، أصل في مواعيد وإجتماع النهاردة !!..

أجابتهـا بـ جدية :
-لأ مش جاي، وكمان طلب مني أني أبلغك أنهُ مش هيجي النهاردة وبُكراا فـ ألغي بقى المواعيد بتاعت النهاردة وبُكرا !!..

أردفت بإهتمام مُتسائلة :
-ليـه ؟؟..

أجابت بـ بساطة :
-تعبـان شوية، وعايز ياخُد يومين راحـة، فيهـا حاجة ؟؟..

هزت رأسها نفيًا، ثم تراجعت بـ مقعدهـا للخلف لـ تفتح أحد الأدراج المكتب، قامت بـ سحب المُستندات والأوراق المطلوبة وبـ جهاز الحاسوب، وضعتهم على سطح المكتب وهي تنظر لهـا بـ غيظٍ مكتوم :
-كُل الطلبات إللي إنتي طلبها آسر باشا موجودة قدامك .

تقوس فمهـا للجانب وهي تنظر لهـا بتدقيق، بلعت "شيرين" ريقهـا بصعوبة وهي ترى نظراتهـا المُتفحصة، فـ عينيهـا بهما وميض غريب، سحبتهم بحذر ثم وثبت واقفـة قائلة بنظرات تمعن وبملامح باردة :
-شُكرًا يا أستاذة شيرين، معلش أنا مستعجلة جدًا، مع السلامة .

لم تُجيبهـا بل حدجتهـا بـ نظرات تشتعل من الغيظ، وضعت يديها على شعر رأسهـا وهي تُفكر في أمرًا ما، هتفت بـ ضيق بالغ :
-إنتي ظهرتي من أنهي داهيـة ؟!!..

*****
سحب المقعد يجلس عليهِ وهو يطلق تنهيدة حـارة، أسند يديهِ على الطاولة وهو يبتسم بـ شرود، يشعر بنبضات قلبه تتزايد حينمـا يتذكرهـا، قلبـه يحتـاج وبشدة إلى زلزال عنيف، لا شئ يهزه بسهولـة إلى إحساس هادر، كان يُريدُ حبَّا مُتمردًا مجنونـًا، يكسر كُل إشارات المرور في قلبـه، يخترق كُل الحواجز ويعصف بهِ كيانـًا ووجدانـًا، ألتقط نفسـًا عميقـًا، يشعر بأنهُ جالس الآن فوق جمرات من الشوق، وحينمـا يجلس معهـا ويتبادلون أطراف الحديث يكون جالسًا فوق جمرات من العشق والهوى .

وصلت "أميرة" إلى القصر، علمت من كبيرة الخدم بـ وجوده في الحديقة الخلفيـة، وأرشدتهـا إلى مكان الحديقة حيث سـارت "أميرة" خلفهـا بـ هدوءٍ، زفرت أنفاسهـا بـ تمهلٍ، بحثت بـ عيناها حتى وجدت "آسر" جالس على إحدى الطاولات بإنتظارهـا .

وقفت أمامـه وهي تضع جهاز الحاسوب والمُستندات على الطاولة، رفع بصره لـ يجدها واقفـة بشموخهـا، جلست "أميرة" قبالة "آسر" كي تركز نظرها عليهِ، كان منظر المتعة على وجهه وإبتسامتـه الصَّغيرة الجذابة مُحبّبـًا لها، هتف بإبتسامة :
-متأخرتيش !!..

ردت بـ غرور وهي تضع ساقهـا فوق الأخرى :
-ماإنت عارف إنـي مش بتأخر في المواعيد ودايمًا مُلتزمـة بيهـا .

رفع حاجبـه للأعلى قائلاً :
-إنتي هتقوليلي .

تابـع بجدية وهو يعتدل في جلستـه :
-المُهم تشربي إيـه ؟؟..

مطت شفتيهـا المطليتين بـ أحمر شفاه وردي رقيق ثم قالت بصوتٍ هادئ :
-ياريت لو قهوة مظبوطـة .

وجه بصره نحو كبيرة الخدم لـ يهتف بصيغة آمره :
-أتنين قهوة مظبوطة .
-لأ !!..

ألتفت على أثر صوتهـا المُحتد وهو يتطلع إليها بدهشة، نظرت لـ كبيرة الخدم قائلة بصوتٍ حـاد :
-قهوة مظبوطة لياا أنا، إنما الباشـا كوبايـة لبن.

نظرت نحو "آسر" وكأنها تستقبل الأذن منه، فـ أومـأ "آسر" رأسه بـ موافقـة، وهو يخلل أصابعـه بداخل شعره الكثيف مُمررًا إيـاه للخلف، كان يستشعر وقتها بوخز خفيف ممزوج بحيوية مدهشة، نظرت لهُ بـ توتر حائر ليقول بجدية :
-أسألي من غير تفكيـر يا أميرة ؟؟..

أستجمعت رابطة جأشهـا قائلة بجمود :
-مُديرة مكتبك .

تشابت أصابعى كفيهِ وهو يسألهـا متوجسًا :
-مالهـا ؟؟..

نظرت لهُ بعدم إطمئنان وهي تُجيب :
-مش مرتحلهـا، البنت دي غريبة جدًا .

لـ ثاني مرة يستمع إلى نفس ذات الكلمة، هتف بشك :
-ليـه ؟؟..

ردّت بضيق :
-عاملة تسألني عليك، هو مالـهُ ؟؟.. واضح أنهُ بيثق فيكي !!.. وكلام كتير، بتحشر نفسها في مواضيع وخلاص .

صمتت وهو يحاول أن يفكر بطريقة صحيحة، فقال بحيرة :
-مش عارف أقولك إيه يا أميرة، بس البنت دي أنا مشغلهـا بعد ما والدتهـا أتوفت، كانت والدتهـا صديقة والدتي جدًا، وكانت ست كويسة أوي، بس البنت أنا مشغلهـا كده ومستحملهـا لأنها مغلطتش، وكمان أنا شادد عليهـا .

غمغمت بجدية :
-أنا مش بقولك خُد تصُرف من ناحيتهـا، أنا عاوزة أقولك خُد بالك من تصُرفاتهـا، لأنها غريبـة بالنسبالي، وبعدين ربنا قال "إن بعض الظن إثم"، فـ مش هظلمهـا عشان مُجرد إحسـاس .

تمتم "آسر" مأخوذًا بـ كلامهـا :
-معاكي حق .

مدَّ كفَّه البارد نحوهـا وهو ينظر لهـا بـ عُمق، تساءلت بعينيها دون أن تنبس بكلمة، فـ أشـار بعينيهِ نحو نحو كفَّي يدها ثم نحو كفي يده، نظرت لهُ بتردد فـ بعث لهـا نظرةً مطمئنة، مدَّت كفَّهـا ناحيتـه، فـ تعانق الكفَّان، سرى دفء في جسدهـا وهي تغوص في حقل عينيهِ السوداء كـ الظلام الدامس، أحس "آسر" وكأنه يغوص في سواد عينيهـا .

تأمل عينيها بنظرات قوية شاردة، فهو يدرك أن عينيها ستكشف عاجلاً عما يدور بداخلهـا، رأى بهمـا حالـة تردد كبيرة وحيرة ليس لهـا أول ولا آخر، أنهُ يسعى لـ فهم حالتهـا، تمنى لو يعانقهـا الآن بشدة، وأن يغمرها بدفئه تدريجيًا وهي تقصّ عليهِ تجاربهـا التي أدت بها إلى تلك الحالة .
غمغم بـ صدق وبـ تفهم :
-أنا حاسس بيكي، وبالتردد إللي جواكي من ناحيتي، بس أنا وعدتك وبوعدك لـ تانـي إني مش هاسيبك أبدًا وهرجعك زي ما كُنتي .

قالت بعيون لامعة :
-تفتكر ؟؟!..

هزَّ رأسه مؤكدًا بإبتسامة بعثت لها الأمل، دحرج "آسر" نظرة حانية إلى عين "أميرة" وكأنما فراشة حائرة محبوسة في زجاجة، مسح على وجهه بتعب، فهي ستفقده عقله، لا يعلم كيف يُحافظ على توازنـهِ أمامهـا، فـ هو مُنذ أن أبصرهـا وهو يجلس فوق جمرات ناريـة مُشتعلة .

*****
في المساء..

علت أصوات ضحكاتهم بعد عودتهم من العمل، أشـار "آدم" بيده بأنه لم يُعد يستطع أن يضحك أكثر من ذلك، وكذلك "حبيبة"، تابعتهم "أميرة" بإبتسامة واسعة، وبريق عينيها يلتمع بحماس لأولُ مرة مُنذ سنوات، ولكن بدون سابق إنذار تلاشت إبتسامتهم وهو ينظرون على تلك الفتـاة التي تتجه نحوهم بخُطوات مليئة بالغرور، عقدت "أميرة" ساعديها أمام صدرها وهي تبتسم بثقة، أقتربت من "آسر" الذي فغر ثغره بصدمة قائلاً بقلق :
-في إيـه يا شيرين ؟؟.. في حاجة حصلت في المصنع ؟؟..

هتفت بإبتسامة وهي تنظر صوب "أميرة" :
-هو لازم يكون في حاجة عشان أجي، أنا سمعت بس من الدكتورة أنك تعبـان فقولت لازم أطمن عليك، لأنك غالي عندي أوي .

حدجهـا "آدم" بضيق بالغ وهو يُردف بخفوت :
يا ساتر على رخمتك، هو أنا كُنت ناقص إني أشوف خلقتـك .

رغم خفوت نبرتـه إلا أن "حبيبة" أستمعت إلى كلماتـه، نظرت لهُ بإستفهام، فـ أشـار لها بالصبر، حيث مال برأسه نحوها لـ يُغمغم بتبرم :
-لما تمشي من هنا هبقى أفهمك على كُل حاجة .

أومأت رأسها إليهِ ثم تابعت بعدم إرتياح لحديث تلك الفتاة، هتف "آسر" بخشونة وهو ينهض من مكانـه :
-شُكرًا لزوقك يا شيرين، بس أعذريني، أنا لازم أنـام دلوقتي، لأني محتاج الراحة .

زفرت بحنق هاتفة :
-بس أنا لسه جايه حالاً !!..

هتف بإبتسامة باردة :
-معلش فُرصة تانية، هقابلك بُكرا إن شاء الله في الشركة .

حدقت "أميرة" فيهِ بعيون واسعة، ولكن سُرعان ما تلاشى حينمـا هتف بصوت رخيم :
-معلش يا أميرة أنا عاوز أسألك على حاجة .

نفخت "شيرين" بغيظ، ولكن أودعتـه بإبتسامة زائفة، ظلت تنظر نحوها حتى خرجت، أرجعت خُصلة مُتمردة من شعرها لـ تضعها خلف أذنها، ثم تحركت خلفـه حتى وقفـا عند المدخل للقصر، هتف بتنهيدة :
-معلش يا أميرة، أنا محتـاج أنزل بُكرا الشُغل، وماتقلقيش مش هيبقى في مجهود كبير عليـا .

ردت بعد صمت دام لـ دقيقة قائلة وهي تحرك رأسهـا إيجابيًا :
-خلاص، وأنا هاجي بُكرا إن شاء الله عشان أتابع حالتك، بس لازم قبل ما تنزل تشرب كوباية لبن، وتاخد الأدوية إللي أدتهالك.. تمام ؟؟..

إبتسم مرددًا :
تمام، تشرفي في أي وقت .

إبتسمت بخجل ثم قالت بخفوت :
-أنا أتأخرت أوي فـ لازم أمشي .

قبل أن تذهب كان يمسك برسغها ليقربها إليهِ، هتف بهمسٍ مغرٍ وهو يبعد بعض من الخُصلات على وجهها :
-مستنيكي بُكرا بفارغ الصبر يا سنيوريتـا، لأن بعد ما هتمشي هتوحشيني جدًا .

أخفضت رأسها بخجل جامح، أحمر وجههـا بشدة وهي تتملص منه حتى نجحت في ذلك، ثم غادرت من المكان بهدوء وهي تبتسم إبتسامة كانت أشتاقت أن تبتسمهـا، وبعدما ذهبت.. دس يديهِ بداخل جيب بنطالـه البُنـي القاتم وهو يتنهد بـ حرارة قائلاً :
-بحبـك يا سنيوريتـاا .

*****
في صبـاح يوم التالي، أستشاط "آسر" غضبًا، علت أصواتـه المُرتفعة أرجاء حجرة مكتبه الفخم، حدثت بعض مشاكل كبيرة في مصنعـه في إحدى الصفقـات التي عقدهـا مُنذ فترة ليست بـ بعيدة، ظل يهدر بصوتـه الجهوري لـ بعضُ من العمـال الذين أهملوا عملهم، فهو لا يسمح بأيَّ خطأ يحدث سواء كان كبيرًا أو صغيرًا، أخفض العاملين رُءوسهم بحرج وبداخلهم الكثير من الخوف والتوتر، أغمض عينيه بقوة محاولاً أن يتمالك أعصابـه الثائرة لـ يُهدر بعدها بنبرة جهوريـة :
-أنا مش بسمح لـ أيَّ غلط يحصل في مصنعي، وإنتوا عارفين ده كويس !!..

هتف أحد العمال بأسف حقيقي :
-آسفين يا آسر باشا، وبنوعد سيادتك مش هيحصل الموضوع ده تاني .

ضرب بقبضة يده على سطح مكتبه قائلاً وهو يحدجهم بنظرات مُخيفة :
-أنا مش هسمح أصلاً يبقى في غلطة تانية !!..

أمتدت غابة السكون بينهم ثم هتف فجأة بصوتـه الراعد :
-آخر مرة هيحصل الموضوع ده، أنا لولا إني عارف ظروف كُل واحد فيكوا، لـ كُنت عملتلكُم رفض من المصنع بعد ما تاخدوا بقية مُستحاقتكُم، وإنتوا عارفين أن كلمتي زي السيف، وعشان أنا حاسس بيكوا مش هعمل خصم لأي حد منكُم في المُرتبات .

أعتصر الألم بداخلهم، وأستيقظ الضمير، أشـار لهم بإصبعيهِ بالإنصراف، وبعدما أنصرفوا كان يخرج علبة سجائره لـ يشعل أحداها بعصبيـة، نفث دخانهـا بغضب، دقيقـتين وكان أنتهى ليشعل واحدة أخرى وهكذا، عسى أن يخرج الغضب الذي بداخلـه .

*****
تعطلت سيَّارتهـا مرة أخرى وهي في مكان شبه خالي من السُكان، في الطريق الصحراوي لتذهب إلى المزرعة الألفـي، عضت على شفتاها بتوتر وهي تلتفت حولها بخوف، بلعت لعابها بصعوة وهي تشعر بالخوف يتزايد، فهي تعلم مدى خطورة تلك الأماكن كـ فتـاة، قفز في ذهنها وتفكيرها إلى الشخص الوحيد في الكون كُله، الذي تشعر بالأمان في وجوده، وتلقائيًا وجدت نفسها تنطق بإسمـه في خفوت :
-آدم !!..

أمسكت بـ هاتفهـا المحمول، وعبثت فيه بتوتر بالغ، ضغطت على رقمه ثم وضعت الهاتف الجوال على أذنها مُنتظرة ردّه وهي تضرب مقود القيادة بقبضة يدها الصغيرة، ضغطت على شفتيها بنفاذ الصبر حتى أتاها الردَّ بعد لحظات طويلة، لتُغمغم بنبرة تلهف :
-آلو.. أيوة يا آدم .

تعجب من نبرتها، ولكن أردف بـ بسمتـه المعهودة معاها وهو يوقع على مُستند :
-أيوة يا بيباا، إنتي فين دلوقتي ؟؟..

هتفت بقلق طفيف :
-آدم رجوك تعالى حالاً، أنا محتجالك !!..

سقط القلم من بين أصبعيهِ وهو يتساءل بقلق ظهر على نبرتـه وملامح وجهه الحـاد :
-في إيه يا حبيبة ؟؟.. إنتي كويسة ؟؟.. وبعدين أجيلك فين بظبط ؟؟..

تمتمت بـ تردد :
-العربية بتاعتي عطلت تاني، وأنا دلوقتي في نُص الطريق الصحراوي .

هبَّ واقفـًا من مكانـه وهو يستمع إلى كلماتهـا، سحب مفاتيح سيارتـه وهو ينطلق للخارج هاتفـًا بلطف هادئ ليبث لها الطمأنينة :
-ماتقلقيش يا حبيبة، أنا جايلك حالاً، بس أوعي تخرجي من العربية .

نظرت حولهـا قائلة :
-حاضر، بس متتأخرش .

هتف وهو يستقل مقعد القيادة :
-رُبع ساعة وهكون عندك .

-وأنا مستنياك، مع السلامة .
-سـلام .

أغلقت هاتفهـا ثم وضعتـه بدأخل جيب بنطالهـا، أغمضت عينيها محاولة إسترخاء أعصابها الثائرة .

بعد مرور ما يُقارب عشر دقائق.. كانت ترجلت عن السيارة وقد نست تمامًا أمر "آدم" بعدم خروجهـا من السيَّارة، قررت أن تُسير بضع خُطوات للخلف، فقد لمحت مُنذ أيام ورشة تصليح السيَّارات، وبالفعل وجدتهـا ولكن كان مُغلق، ضربت بـ قدامها على الأرض بحنق بالغ وهي تُغمغم بإستنكارٍ :
-يعني جاي تقفل في اليوم إللي عربيتي عطلت فيه !!.. إيـه الرخامة دي ؟!!..

نظرت إلى ساعة يدها الذهبية لـ تقول بـ قلقٍ طفيف :
-هو أتأخر ولا أنا بتهيألي ؟؟..

-مين ده إللي أتأخر يا حلوة ؟!!..

شهقت بـ فزعٍ وهي تستدير لهُ، نظرت لهُ بقلق من هيئتـه، مرر بصره على جسدهـا، وأخذ ينظر لها بتفحص شديد وبدقة عالية جعلت جسدها تدب فيه قشعريرة قوية، أشمئزت من نظراتـه المُفترسة والذي لا حياء فيهـا، ثم أردفت بجرأة مُزيفة تختفي أسفلها إنسانة هشة مذعورة :
-نعـم !!.. إنت بتكلمني أناا ؟؟..

أقترب منها بعيون وقحة :
-طبعًا يا مهلبية، هكون بكلم مين يعني ؟؟.. هو في حد غيرنـا هنا ؟؟..

نظرت لهُ بتقزز هاتفة :
-مهلبية !!.. لو سمحت ملكش دعوة بياا، ســامع !!..

أمسك يدها ليمنعهـا من الذهـاب، لم تفكر مرتين وهي تصفعـه بقوة على صدغه، نظرت له بإحتقار جلي قائلة بصوتٍ مُحتد :
-إنت بتمسك إيد مين يا راجل يا مُتخلف إنت ؟؟.. إنت أتجننت ولا إيـه ؟؟..

نظر لها بغضب جامح، ثم أمسكها من ذراعيهـا بتحدٍ سافر، وضغط عليهما بقوة ليلمس عظامها، شعرت بألم حارق فـ حاولت أن تتملص منه بقدر الإمكان، إلا أنها توقفت عن فعل ذلك حينما زأر بصوتـه وقد كشرت أسنانه هاتفـًا :
-بقى إنتي يا مفعوصة تعملي معايا أنا كده، طب ورحمـة الغاليين لـ أوريكي .

وقبل أن يتخذ أيَّ موقف سيء ضدهـا، كانت رفعت ساقها وضربتـه بين ساقيهِ، فـ أبتعد عنهـا مُتألمًا بـ شدة، ثم لكمتـه بقوة في فكـه، لتركض بعدها بـ ذعر، فهي على ثقة أنهُ لن يتركهـا إلا حينما ينتقم منها .

ركضت بـ أقصى سُرعة لديهـا، لم تستقل سيارتهـا بل فضلت الر كض حتى يأتي "آدم"، نظرت للخلف بعيون خائفة لتراه يركض خلفهـا، أغمضت عينيها بخوف وهي تقول بصوتٍ مُتحشرج :
-إنت فين يا آدم ؟؟..

في نفس التوقيت، كان يقود سيارتـه بسُرعـة عالية إلى حد ما كـ عادتـه، دقق النظر أمامه ليجدها تركض بلا هوادة وبملامح فازعة وخلفهـا شخص مجهول، توسعت حدقتاه بـ خوف أكبر عن ذي قبل ثم بدأ يبحث عن شئ يستخدمه دائمًا عند اللزوم، وأخرج هاتفـه ثم عبث فيه، وضعه على أذنيه وهو يقول بصيغة آمره :
-تعالوا فورًا في نُص طريق الصحراوي، بأسرع سُرعة ليكم !!..

نظرت "حبيبة" لـ السيارة التي تأتي من على بُعد، فـ حاولت التوقف عن الركض بصعوبة، تعثرت في سيرها وهي تحاول التوقف، فـ أنكبت على وجهها، وإلتوت قدم "حبيبة" بشدة فـ أدمعت عيناها تأثرًا من الألم الرهيب الذي أصابهـا، توقفت سيَّارة "آدم" أمامها وترجل عنهـا ليركض نحوها، نظرت لهُ بعيون لامعة من الألم ولكن سُرعـان ما صرخت بقوة حينمـا جذبها الرجل بعُنف من خُصلات شعرهـا ليجعلهـا تقف، أخرج مديته ليضعها على عنقهـا بتوحش، أندفع "آدم" نحوهم كالثور الهائج، وأستشاطت نظراته نحوه قائلاً بغضبٍ :
-أبعد عنهـا حالاً، بدل ماتشوف وشي التاني، وإنت مش أدهُ !!..

تحولت نظراتـه للعدائية مُخيفة :
-محدش يقدر يعملي حاجة، والبت دي أنا هاوريهـا !!..

هتف بعيون شرسة قائلاً بنبرة مُهددة :
-أنصحك بلاش، أنا ماسك أعصابي بالعافية !!.. سيبها لأن ده الأحسن ليك .

هدر بصوتـه الجهوري :
-ده على جُثتي !!..

هتف بتأكيد وبنظرات لا تُرحم :
-يبقى إنت إللي جبتـهُ لنفسك !!..

وقبل أن يدرك الأخير مقصده الغامض كان يُخرج سلاحـه الناري الذي كان مُندس خاف قميصـه، ثم ضغط على الزناد بدون ذرة من الرحمة لـ تنطلق الرُصاصة نحو ساقـه، صرخ بألم وهو يتركهـا ولكن مديته أصابت ذراعهـا بـ جُزء ليس بكبير ولا صغير فـ إنبثقت الدمـاء، صرخت صرخةً بسيطة بألمٍ حـارق قبل أن تسقط على الأرض وهي تضع كفي يدها على ذراعهـا المُصـاب وأخذت تتأهوه بتعب، خـان بصرهـا وهي تنظر نحو الرجل المجهول الهوية، لـ تصرخ بـ أعلى صوت لديهـا وهي ترى الدمـاء التي تخرج من قدمـه، أندفع نحوه لـ يُسدد لــهُ عدة لكمات عنيفة، أمسكه من تلابيبة هاتفـًا بـ شراسة :
-هي خط أحمـر، هندمك على اللحظة إللي فكرت تأذيهـا يا كلـب !!..

في نفس ذات التوقيت، كانت وصلت سيارتي حراسته الخاصة، أبتعد عنه وهو يلهث بغضب، نظر لهُ بإحتقار بعد أن فقد وعيـه، نظر لـ حراستـه بـ جمود وهو يأمرهم بإنفعالٍ :
-تاخدوا الكلب ده للقسم، وتقولوا للظابط أنهُ حاول يغتصب بنت، وخليه يكلمني عشان أقدر أتكلم معاه، مفهوم ؟!!..

هتف أحدهم وهو يحملـه :
-أوامرك يا باشـا .

بصق "آدم" عليـهِ وهو ينظر له بعبوسٍ قاسي، أستدار عائدًا نحوهـا بخُطوات راكضة، خفق قلبه بـ قوة عنيفة، سمع صوت أنينهـا الخافت، فـ هتف برعب :
-حبيبة، إنتي سمعاني ؟؟..

نظرت له بدموع، وهي تبعد كفي يدها عن مكان الإصابة، أتسعت عيناي "آدم" في محجريهمـا من هول ما يشاهده من الدماء، أخفضت "حبيبة" رأسها كاتمة ألمهـا في نفسها وهي تنظر لهُ بأعين واهنة، حاوط خصرهـا بقوة ليساعدها على النهوض، ولكن صرخت بألم بسبب إلتواء قدماها، نظر لها بخوفٍ مُضاعف، لتقول وهي تتمسك بـ قميصـه بشدة عقب تملكهـا الدوار :
-رجلي إتلوت يا آدم، أرجوك ساعدني أنا تعابنة، آآ.. آدم !!..

هتفت بـأسمـه بتلك الطريقة الواهنة قبل أن يرتخي جسدها، فقدت وعيهـا بالكـامل، فـ جذبهـا إليهِ بشدة، ثم أنحنى بجذعـه قليلاً ليضع ذراعـه الآخر أسفل قدميهـا ليحملهـا بين ذراعيهِ، ركض نحو سيارتـه السوداء، وصل بهـا "آدم" إلى سيارتـه آمرًا أفراد حراستـه :
-تعالوا إنتوا ورايـا، والباقي هينفذ إللي طلبتـه .

-أوامرك يا بوص .

قالهـا أحدهم وهو يفتح باب السيارة الخاص بهِ ليتمكن من وضع "حبيبة" بالداخل، أنقبض قلبـه خوفـًا عليهـا، أغلق بابهـا بحذر ثم دار حولهـا بخفـة ليستقل مقعده الخاص، أدار المحرك لينطلق بسُرعة جنونية نحو إحدى المُستشفيـات أو العيادات الراقية، وخلفه سيارة حراستـه .

بعد دقائق كثيرة، وصل بهـا إلى إحدى العيادات يعرف صاحبتهـا جيدًا، ترجل عن السيارة ثم عـاد يحملهـا إلى العيادة، عقب ان علمت الطبيبة "نجلاء" بـ وجوده كانت تخرج بـ ذات نفسهـا لـ تستقبلـه بترحيب شديد، ولكن أبتلعت كلماتهـا المُرحبة عندما وجدت بين ذراعيهِ فـتـاة مُصابة، أدخلهـا حجرة الطوارئ ثم خرج وهو يشعر بإختناق، جلس على أقرب مقعد، أخرج تنهيدة حزينة من صدره وهو يُغمض عينيــهِ .

*****
وصلت "أميرة" إلى المصنع لكي تطمئن على حالتـه الصحية، علمت من السكرتير أنه جالس بالداخل ولكن أعصابـه ثائرة ولا يطيق وجود أو يرى أحد مهمـا كان، أبتلعت لعابهـا في شئ من التوتر، ولكن أصرت أن تدخل وبـ مُفردهـا، قرعت على باب المكتب ولكن لم تستمع إلى ردَّ، قرعت مرة أُخرى ولكن مازال الحال كما هو، إضطربت بداخلهـا وأنقبض قلبهـا، فـ بدون تفكير كانت تفتح الباب، لتجده يلتفت بنظرات غاضبة، وهو يضع السيجارة بين أسنانه، يضم شفتيـهِ عليهـا وهو يسحب أنفاس النيكوتين السامة، حرر شفتيـه عنهـا لـ يتطاير الدخان من هذه المفتوحـة بين شفتيــهِ، أطفــا بقاياهـا في المنفضة الكرستاليـة، ثم نظر لهـا بضيق قائلاً وهو يكز على أسنانه :
-أنا بلغت السكرتير إني عاوز أقابل حد، فـ بتدخلي ليـه ؟؟..

تجاهلت صوتـه الغاضب وسؤالـه ثم نظرت حولهـا وقد بدأت بالسعال وهي تقول بحنق :
-إيــه ده ؟؟.. إنت شارب كام سيجارة ؟؟..

نظرت حول النافذة لتجدهـا مُغلقـة، حاولت التماسك وهي تقترب منـه بخُطوات بطيئـة، أندفع نحوهـا وهو يهتف بغضب :
-أميرة، جاوبي على سؤالي الأول، إزاي تدخلي من غير أذن منـي ؟؟..

صاحت بهِ بغضب وبنبرةٍ عاليـة :
-أنا الدكتورة بتاعتك، من حقي أسألك، من حقي أطمن على صحة الشخص إللي أتوليت مسئوليتـه .

هتفت تلك الكلمـات لتعود بالسعال مُجددًا، أحتقن وجههـا نوعًا لتقول وهي تضع أصابع يدهـا على صدرهـا :
-أنا لازم أمشي من هنـا، مش هقدر أستحمـل أكتر من كده !!..

كانت تقصد بكلماتهـا أن لن تتحمل أكثر في أستنشاق رائحة دخـان سجائره، ولكن وصل له مغزى آخر، بأنهـا لن تتحمل الحديث معه، فـ قبل أن تشرع بالتحرك من مكانهـا، كان يمسك رسغهــا ليجذبها إليـهِ بضيق بالغ وهو يسالهـا بإستنكـار :
-يعني إيـه مش هتقدري تستحملي ؟؟..

أحمـر وجههـا فـ ظن أنهُ من الغضب الذي بداخلهـا، شعرت بالإختناق فهتفت برجاءً :
-أرجوك يا آسر، خليني أخرج من هنـا فورًا، وأتخانق معايا براحتك، بس أنا لازم أخرج بـرا المكان ده !!..

ترك رسغهـا وتراجع عدة خُطوات وهو يسألهـا متوجسًا :
-أشمعنى المكان ده ؟؟.. هو في حاجة ولا إيـه ؟؟..

زاد إختناقهـا، ولم تستطع التنفس بصورة طبيعيـة، دقق ملامحهـا فـ وجدهـا في حالة وهن غريبـة، أقترب منهـا بخوفٍ، فـ كادت أن تقع ولكن ذراعـه كان الأسبق حيث حاوطهـا وهو يجذبهـا إليـهِ بشدة، هتف برعب جلي وهو يراها على وشك أن تُغمض عينيهـا :
-أميرة، في إيـــه ؟؟.. مالك ؟؟..

فتحت نصف عينيهـا وهي تُجيبـه بخفوتٍ :
-أنا بأتخنق يا آسر، بـأتــ...

لم تكمل جملتهـا حيث فقدت وعيهـا وأرتخى جسدهـا، أنتفض قلب "آسر" بين ضلوعـه لأنهيارهـا المُريب، حدق بهـا بدهشة وبملامح مليئة بالرعب، هزهـا وهو يقول بخوف :
-أميرة، أميـرة رُدَّي عليـاا، بقولك رُدَّي عليــاا .

صـاح بإسمهـا هز أركـان المكـان وهو يقول بفزع :
-أميـــرة !!..

*****


أميرة مدحت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-06-20, 10:38 PM   #9

أميرة مدحت

? العضوٌ??? » 472511
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 31
?  نُقآطِيْ » أميرة مدحت is on a distinguished road
افتراضي

((الفَصْلُ السَّابِعُ))

ظل يُحدق بوجهها المُستكين بذُعر، لم يفكر مرتين حينمـا أنحنـى بـ جسده واضعًا ذراعـه أسفل قدميهـا ليحملهـا بين ذراعيـه، وضعهـا على الأريكة وهو يمسح على وجههـا بقلقٍ بـالـغ، تململ "آسر" بمكانـه وهو يرمقهــا في حيرة ثم تساءل برعب :
-طب إيـه إللي حصلهـا ؟؟.. أتصرف إزاي دلوقتي ؟؟..

******

في نفس الوقت، كان "كـامل" وصل إلى المصنع، أستمع إلى صوت صراخ "آسر" بأسم صديقتـه "أميرة"، عقد حاجبيهِ بشدة، ثم حول بصره إلى "هيثم" يسألـه :
-هي الدكتورة أميرة موجودة هنـاا ؟؟..

ردَّ وهو يهز رأسه إيجابيًا :
-أيوة دخلت من خمس دقايق تقريبًا، بس..

صمت وهو يشعر بالتردد في إخباره، فـ زمجر الأخير بغضب وهو يسألـه بصوتٍ محتد :
-بس إيـه ؟؟.. إنطق ؟؟..

أجـاب بهدوءٍ زائف :
-بس هو كان متعصب جامد .

شخصت أبصاره برعب، فهو إذا وصل إلى تلك الحـالة لا يرى أمامـه، أمرهم بصوتـه الأجش :
-محدش يدخل عنده وكُل واحد يروح يكمل شُغلهُ أحسنلـهُ .

حرك رأسـه إيجابيًا، رمقـه بـ حدة قبل أن يتوجـه نحو المكتب، فتح الباب على مصراعيهِ ثم دلف للداخل وعاد يُغلقـه، ألتفت "آسر" إليـهِ ليرى من تجرأ ودخل بتلك الطريقـة، ولكن سُرعـان ما تلاشى غضبـه حينما وجده، هتف "كـامل" بدهشة قوية وهو يوجه بصره نحوهـا :
-إيـه إللي حصلهـا ؟؟.. إنت عملت فيهـا إيـه يا آســر ؟؟..

صرخ بإسمه بنبرة جهورية، أجـاب "آسر" وهو ينظر في توتر لملامحهـا الباهتة :
-معرفش، إحنـا كُنا بنتخانق، وفجأة داخت فمسكتهـا لقيتهـا بتقولي أنهـا بتتخنق وراح أُغمى عليهـا .

-بتتخنق !!..

قالهـا بشرود وهو يعصر عقلـه يُفكر في تلك الكلمة المُريبة، أخذ يُكابد من أجل أن يتذكر، أتسعت عينـاه برعب وهو يستنشق رائحة السجائر التي ملأت المكـان، فـ أقترب منه لـ يقول بنبرة تلهف :
-لازم نخرجهـا من المكان ده فورًا، أميرة عندهـا حساسية من ريحـة دُخـان السجاير !!..

وقع الخبر على رأسـه كـ الصاعقـة، بلع ريقـه بصعوبة بسبب تأثيـر الصدمة، هبَّ واقفـًا من مكانـه، توجه إلى مكتبـه بـ خُطوات راكضة، نظر إليــهِ بقلقٍ بالغ وهو يتساءل في حيرة :
-رايح فين ؟؟..

أجــابـــه بـ صوتٍ مُحتد :
-هروح فين يعني ؟؟.. هجيب الدكتور "مُعتز" .

أومـأ "كامل" رأســه بـ هدوءٍ قلق وهو يوزع أنظاره تارة ناحيتــه وتارةً أُخرى ناحيتهــا، ضغط "آسر" على زرَّ الديكتافـون المُتصل بـ مكتب سكرتيــره، وقال بصوتٍ ثابت مسموع وبلهجة آمره :
-هيثم، إطلبيلي الدكتور مُعتز فورًا، وإسبقني على مكتب الأستاذة شيرين بسُرعـة .

أرتسمت تعبيرات القلق وهو يبتعد عن مكتبــه لـ يتحرك نحوهـا، مرر ذراعيـهِ أسفل جسد "أميرة" لـ يحملهـا ثم أتجه بهـا نحو الخارج، بينمـا ساعده "كامل" في فتح باب المكتب ليدلف للخارج بسهولـة بخُطوات راكضـة، تحرك صوب غُرفة مكتب مُديرة مكتبـه "شيرين" التي وثبت واقفـة من مكانهـا ثائرة وهي ترى "كامل" و"هيثم" يدخلون دون إذنٍ منهـا، حيثُ صـاحت بتعبيرات غاضبة :
-إيـه ده ؟؟.. إزاي تدخلوا مكتبي من غير إذني ؟؟..

-دي أوامر آسر باشـا .

قالهـا "هيثم" بضجر من أسلوبهـا، وفي ثوانٍ معدودة كان يدخل المكتب وهو مازال يحملهـا بين ذراعيهِ، شهقت بصوتٍ خفيض وهي تراه يحملهـا، حدقت بهـا بصدمة وبداخلهـا تشتعل من الحقد والغل، مدد "آسر" "أميرة" على الأريكـة بـ رفق وبـ حذر، رمقهـا "كامل" بجدية وهو يُردف بصيغة آمره :
-روحي يا أستاذة شيرين هاتي كوبايـة ميـا .

نظرت له بضيق ثم أخفضت رأسهـا وهي تتحرك نحو خـارج المكـان، جثى على رُكبتـه أمامهـا وأمسك بكفها يفركـه بين راحتيـه هامسًا لها بحنو مُثير وبـ ملامح قلقة :
-أميرة، أميـرة إنتي سمعاني ؟؟..

لم يتلقى أيَّ إشارة منها، فـ همس مرة أخرى بنبرةً خائفة وهو يمسح حبـات العرق من على جبينهـا :
-أميرة رُدَّي عليـا، أميــرة !!..

في تلك اللحظـة دخلت "شيرين" وهي تحمل كأسًا من الماء، أخذه "آسر" منها دون أن ينبس بكلمة واحدة لهـا، عاد ينظر إليهـا ناثـرًا بعض الماء على راحـة يده ليبللها، جلس إلى جوارها على طرف الأريكة، ثم أنحنى ممررًا ذراعه خلف عنقهـا ليرفع وجهها إليهِ، مسح بـ كفـه على وجنتها برفق وبحذر شديد، ولكن لم تستجب لـه .

بعد دقائق صغيرة، وصل الطبيب الذي أستدعـاه رب عملـه، شرح لـهُ "كامل" على ما حدث وعلى ما تُعاني منـهُ من حساسية الصدر، وضع حقيبتـه الطبية ثم بدأ بـ عملـه، ألتفت "آسر" لـ مُديرة مكتبـه قائلاً بـ صيفة آمره :
-معلش يا أستاذة شيرين ياريت تجيبي عصير بسُرعة .

نفخت بـ ضيق ولكن حاولت كتمـه على قدر من المُستطاع، غادرت من المكـان وهي تغمغم بـ كلمات غير مفهومـة، عاد ينظر إليهـا وهي مُستكينة بـ نظراتٍ قلقة، شعر بتأنيب الضمير لكونـه كان سببًا في إيذائهـا .

مع مرور الوقت كانت بدأت في الأستفاقة وأستعادة وعيهـا، أفـاقت من غيبوبتهـا المؤقتـه لتجد وجوهًا كثيرة مُحدقة بهـا، ووجدت "آسر" واقفـًا أمامهـا ويُخاطب رجلاً قصير القامـة، هتف "كـامل" في نغمة عتـاب :
-إيـه يا أميرة !!.. كده تُخضينـا عليكي ؟!!..

نظرت له للحظاتٍ قبل تهتف بـ لهجة ناعسة مُتداخلة الأحرف وهي تضع يداهـا على رأسها :
-أنا إيـه إللي حصلي ؟؟.. أنا مش فاكرة إيـه إللي حصل ؟؟.. أنا كُنت واقفـه معـاه و..

صمتت لـ تسترجع ما حدث، رفعت رأسهـا فجـأة ناحيتـه لـ تُحدق بهِ بـ نظرات متوعدة عقب تذكرهـا ما حدث مُنذ دقائق، سألهـا بـ لهجة قلقة :
-هـاا.. أخبارك إيـه دلوقتي ؟؟.. أحسن ؟؟..

نظرت له بـ شئ من الضيق قبل أن تومئ رأسها كـ بديل عن الرد عليـه، هتف الطبيب بـ لطف ولباقة :
-حمدلله على سلامتك يا آنسـة، عايزك ماتقلقيش خالص، إنتي كويسة، بس حاولي تبعدي عن ريحة السجاير لأنهـا المرة الجاية مُمكن يبقى ليهـا تأثير سلبـي على صحتك .

أغمض عينيهِ وهو يشعر بالغضب إتجــاه نفسـه، ردت "أميرة" وهي تبعد خُصلات شعرهـا عن وجههـا :
-تمام يا دكتور .

-تمام عن إذنكم .

أجــاب "كـامل" بـ هدوءٍ :
-أتفضل .

كانت "شيرين" واقفة بـ جوارها، فإنحنت صوبهـا لـ تعطيهـا كأس عصير، قبلتـه "أميرة" بدون أن تبس ببنت شفه وهي تشعر بـ رأسهـا يلف، بينمـا إنصرف الطبيب "مُعتز" بعد أن جمّع أدواتـه داخل حقيبتـه، وضعت "أميرة" كأس العصير على الطاولة الصغيرة التي بجانب الأريكـة، هتف "آسر" بـ جمود وهو ينظر لـ "شيرين" :
-معلش يا أستاذة شيرين، تعالي ساعديهـا تقف وخليهـا تسند عليكي .

كادت أن تتحرك ولكن أشـارت "أميرة" بـ كفي يدهـا قائلة بـ عبوسٍ :
-لأ مش محتاجة مُساعدة من أيَّ شخص .

أنزلت ساقيهـا بـ رفق عن الأريكة ثم نهضت من مكانهـا، أشـار "آسر" لها بالخروج معه، خرجـا من المكتب تحت أنظـار "شيرين" المليئة بالضيق، أستدارت "أميرة" لـ تقف قبالتـه، نظرت له بـ ضيق قائلة :
-أفندم عاوز إيـه تاني ؟؟..

أردف بـ بُلطف وبـ ملامح هادئـة :
-أنـا آسف يا أميرة، عـارف إني أتعصبت عليكي جامد بس مكنش قصدي فعلاً .

حدقت فيهِ بـ ملامح هادئة تمامًا بعثت له الريبة وهي تُرد :
-ومطلوب مني إني أأقدر وأفهم ده، مش كده ؟؟.. وأنا كُنت حاسـه إني هموت بعد آآآ..

قاطعهـا حينمـا وضع إصبعيهِ على شفتيهـا لـ يمنعهـا عن الكلام، ضيق عينيهِ وهو يقول بإصرارٍ وبـ نبرة قوية :
-إنتي مش عارفة إحساسي كان عامل إزاي لما شوفتك مُغمي عليكي، وغير كده لما كُنت عاجز إني أعملك حاجة ومش عارف أتصرف، مهمـا فضلت أوصفلك إني كُنت عامل إزاي أو حاسس بإيــه ؟؟.. إنتي مش هتفهمي ده، دي حاجة جوا القلب، وأنا واثق إني غلط لمـا أتعصبت عليكي، وواثق أكتر إني أذيتك رغم إنــي مش مُتعمد ولا كان قصدي .

سكت لـ لحظة ليُتابع بعدهـا بـ نبرة أشد قوة قبل أن يُغمض جفنيهِ بـ قوة :
-أنا قلبي وجعاني لما عرفت إني السبب فـ أنك تتعبي وتفقدي وعيك، أنا حقيقي آسف.. آسف يا أميرة .

شعرت بالصدق في كلامـه، ظل الصمت مُسيطر على جو المكـان، سحبت نفسًا عميقـًا قبل أن تُردف بـ تعبٍ وهي تضع يديهـا على رأسهـا :
-طب معلش ياريت تأجل أيَّ كلام دلوقتي، أنا محتاجة أروح دلوقتي وياريت أخد أجازة أسبوع من المُستشفى .

هزّ "آسر" رأسـه إيجابيًا قائلاً :
-مفيش مـانع، بس بالنسبة أنك تروحي، فـ أنا إللي هوصلك، أستحـالة أسيبك وإنتي كده .

هتفت بـ جمودٍ :
-لأ شُكرًا، أنا معايـا عربيتي .

تنهد بـ عُمقٍ هاتفـًا بـ صوتـه الأجشَّ :
-مش مُهم، أنا هوصلك بـ عربيتي، وعربيتك هخلي السواق بتاعي هو إللي يسوقهـا لحد بـاب الفيلا، بس يالا عشـان إنتي باين عليكي التعب .

أومـات رأسهـا لتتحرك نحو المصعد، أستدار "آسر" ليُشير إلى "هيثم" الذي خرج من حجرة المكتب قائلاً بصيغة آمره :
-هيثم، دخل كـامل مكتبي وشوفـه يشرب إيـه، وخليـه ميروحش، وأنا نُص ساعـة كده وراجع .

******
في العيـادة..

كان "آدم" في حالـة خوفٍ بالـغ، ينتظر أمام غُرفة الفحص، ظل يُسير ذهابًا وإيابًا وهو ينتظر على أحر من الجمـر خروج الطبيبة لتطمئنـه، لم يتوقف لسانـه عن الدُعـاء لـ معشوقتـه حتى لمح الطبيبة تلج للخارج، ركض نحوها مُتسائلاً بـ تلهف :
-هـاا يا دكتورة، إيـه الأخبار ؟؟.. كويسـة ولا لأ ؟؟..

أجابته بإبتسامة لبقة :
-هي أحسن، هي بس جالهـا هبوط في الدورة الدمويـة بسبب خوف جـامد أو قله الأكل، وبالنسبـة للجرح إللي فدراعهـا، فهو كان الحمدلله كان سطحي، وحطينالهـا شويـة محاليـل .

عاد يسألـها بـ خوفٍ :
-طب وأنا أقدر أدخلهـا إمتى ؟؟..

ردّت بـ تريثٍ :
-إن شاء الله أول ماتفوق تقدر تدخلهـا تطمن وتروحوا سـوا، بس في حاجـة !!..

هتف بـ قلقٍ وقد زادت ضربـات قلبه :
-خيـر ؟؟..

أستجمعت رابطة جأشهـا وهي تُجيب :
-أنا لحظت أن في كدمـات تانية، يعني دراعهـا الأتنين خرابيش صوابع، وكمـان موضوع إصابة دراعهـا ده إستحالـة يكون صُدفة !!.. فـ لازم بصراحة نبلغ البوليس ونعرف إيـه إللي حصلها بالظبط .

مسح على شعره بـ جدية قائلاً :
-أنا فاهم قصدك، بس هو فعلاً في محاولة إعتداء حصلتلهـا، وأنا مسكت الـ....، وسلمتـه للبوليس، وتوقعي أنهُ مُمكن تلاقي حد منهم يجي العيادة عشان يحققوا فالموضوع .

هتفت بـ بسمة صغيرة :
-خلاص تمام يا آدم باشـا .

مد يده لـ يصافحهـا وهو يقول ممتنـًا :
-بجد مش عـارف أقولك إيـه !!.. بس شُكرًا على تعبك معايـا من الصُبح .

ردَّت بهدوءٍ :
-على إيـه يا آدم باشـا ده واجبي !!.. وعلى العموم حمدلله على السلامة للآنسة، عن إذنك .

لمعت عينـاه بـ بريق الحُبَّ وهو ينظر نحو الحجرة التي بداخلهـا، أعتصر قلبـه ألمًا وهو يتذكر اللحظـات الأليمة التي مرت عليهِ وهي فاقدة الوعي، كان على حـافة من الأنهيـار .

خرج من شروده على صوت رنين هاتفـه، أخرجـه من جيب بنطالـه ونظر على الرقم المدون وقد تغيرت ملامحـه إلى عبوس وتهجم، رغم أنـه رقمٍ مجهول إلا أنه كان يعلم المُتصل، ضغط على زرّ الردَّ ثم وضعـه على أذنيهِ هاتفـًا بخشونـه واضحة في لهجتـه الرجولية :
-آلو.. أيوة معاك آدم الألفي.. صاحب مزارع الألفـي.. أهلاً بيـك..

أستمع إلى كلمـات الضابط ليهتف بعدها بصوتٍ أجشَّ :
-شوف يا حضرة الظابط، إللي عملتـه ده كان دفـاع عن النفس وعن شرف بنت مُحترمة.. الآنسة أسمهـا حبيبة الشناوي.. الدكتورة البيطرية للمزارع بتاعتي..

سكت لثواني وهو يستمع إلى أسئلتــه الرسمية، ليُجيب في شيء من الضيق :
-إنت عارف موقع المزرعة الأساسي.. العربية بتاعتهـا عطلت في الطريق فـ كلمتني بتطلب مُساعدة مني.. بعد رُبع سـاعة وصلت لقيتـه بـ يحاول يعتدي عليهـا، ولمـا شافني شدهـا من شعرهـا وحط مطوه على رقبهـا كـ تهديد ليـاا إني أمشي.. حـاولت أتكلم معاه بالهدوء على قد ما أقدر بس مفيش فايدة.. وكان ردَّ فعلـي طبيعي جدًا.. طلعت المُسدس بتاعي.. وضربتـه بالنار على رجلـه.. عشان ميهربش مني..

سحب نفس عميق لـ يحرره بعدها قائلاً بصوتٍ حادٍ كَالسيـف :
-والبنت أتصابت في دراعهـا وأُغمى عليهـا من الخضة والتعب النفسي إللي حصلهـا.. عشان كده بعت الرجالـة بتوعي همـا إللي يودوا الكـلب ده لغايـة عندك.. وخدتهـا على أقرب عيـادة أعرف صاحبتهـا كويس..

تنهَّد تنهيدة حــارة وهو يُجيب على سؤالــه الأخيـر :
-العنوان في شارع *** والعيـادة أسمهـا **، ماشي وأنا في إنتظـارك، مع السلامـة .

ضط على زرَّ إنهـا المُكالمـة وهو يزفر بإختناق، كاد أن يتمتم بكلمات متوعدة وغاضبة لولا صوت المُمرضة التي قالت بإبتسامـة واسعة :
-آدم باشـا، الآنسة حبيبة فاقـت .

رفع وجهه يُحدق فيهـا بذهول، خفق قلبـه بـ قوة ثم وثب واقفـًا بسعادة، أسرع نحو الداخل ليطمئئن عليهـا، تنفس بعُمق محاولاً ضبط إنفعالتـه وهو يدنو من ذلك الحائـل القماشي الموضوع في الزوايـة حتى وقف قبالتـه، أزاحه ببُطء للجانب ليراهـا مُغمضة العينين، أقترب منها ليضع كفـه على بشرتهـا قائلاً في شئ من الخوف :
-حبيبة، إنتي سمعاني ؟؟..

أصدرت "حبيبة" أنينًا خافتًا وهي تحرك رأسهـا للجانبين، أبعد كفـه وهو يراقب حركات عينيها التلقائية، فتحت عينيها بتثاقل لتراه واقفـًا بجانبهـا، تمتمت بهمسٍ خافت :
-آدم !!..

إبتسم "آدم" بشغف وهو يهتف :
-عيونـه، عاملـه إيـه دلوقتي ؟؟.. حاسه بـ حاجـة ؟؟..

أجابتـه بعيون لامعة من الألم وهي تُشير بضعف ناحية قدمها المُصابة :
-رجلي يا آدم، رجلي وجعاني أوي .

مسح على شعرهـا بحنان هاتفـًا بنعومـة :
-معلش يا حبيبتي، هتبقي كويسة، وكويسة جدًا .

أستدار برأسـه ناحية المُمرضة ليهتف بصوت رخيم :
-بعد إذنك ياريت تجيبي تلج عشان رجلهـا أتلوت .

هزَّت رأسها ثم خرجت من المكان بأكملـه عاد ينظر إليهـا بشغف وهو يُغمغم في نغمة عتـاب :
-لولا الحـالة إللي إنتي فيهـا دي كُنت هتصرف تصُرف تاني وكان مُمكن يضايقك .

نظرت له بعدم فهم ليُتابع بضيق :
-أنا مش طلبت منك ماتخرجيش من العربية، إيـه إللي خرجك ؟؟.. بتكسري كلامي ليـه ؟؟.. شوفتي كُنتي هتعملي إيـه فـ نفسك، مجاش في بالك إني لو كُنت تأخرت شوية كان هيحصلك إيـه من غيري ؟؟..

هتفت بضعفٍ :
-والله ماكان قصدي، أنا عارفة أنك خايف عليـاا ومن قلبك، بس صدقني أنا خرجت عشان أنا كُنت شوفت قبل كده ورشة تصليح عربيـات، بس لما روحت لقيتـه قافل، قولت خلاص هرجع بس لقيت الشخص ده قدامي، فضل يقولي كلام وحش ضربتـهُ جامد وجريت وأنا مرعوبـة، صدقني يا آدم أنا كانت نيتي إني أشوف الورشة مفتوحة ولا لأ !!..

أغمضت عيناها وهي تقول بنبرة أقرب للبُكاء :
-تفتكر أنا ليـه هحب أكسر كلامك، أنا لو عايزة أعمل كده كُنت هقولهالك من غير تردد وخوف، وإنت عـارف ده كويس، والله ما كان قصدي أعمل كده، صدقني أنا كانت نيتي مش كده .

هتفت ودموعها تهبط بغزارة بعد أن فتحت نصف عينيهـا :
-أنا مرعوبـة، مرعوبـة أوي، كان قلبي هيقف لما شوفتـهُ، حسيت إني خلاص مُمكن أكون ضعت لما حط المطوه على رقبتي، حسيت أنهـا النهاية، أنـا آسفة لنفسي وآسفة كمـان ليــك، آآآآآآه .

وضعت يديها على وجهها وهي تبكي بـ حرقـة واضحة، شعر بنغزة حـادة في قلبـه، أمسك يديها بقبضتيهِ ليبعدهما عن وجههـا، تضاعفت النغزات الحــادة حينما وجد وجههـا قد أصبح أحمر اللون بسبب قوة البُكـاء التي تبكيـه بحرقة، أنحنى نحوهـا ممررًا ذراعه خلف عنقهـا ليرفع وجهها إليهِ، ضمهـا إلى أحضانـه وهو يحاوطهـا بذراعـه الآخر، تسارعت أنفاسهِ بـ درجةٍ مؤلمة وهي بين أحضانـهِ، مسح على شعرهـا بحنوٍ يُناقض إشتعال عينيهِ من الغضب على ما حدث، همس بـ خفوت مكتوم :
-مفيش داعي أنك تعيطي، أنا جبتلك حقك، بس أرجوكي أبقي أسمعي كلامي، أظن بعد إللي حصل ده، وضحلك إني بخاف عليكي بجد .

تأهوه بتعب وهو يُسترجع شعوره مُنذ دقائق ليُردف بصوتٍ عميق :
-زي ما إنتي كُنتي حاسه أنك بتضيعي، أنا كمان كُنت بضيع وإنتي جوا فالأوضة هنـا، وأنا شايفك مُغمي عليكي ومتصابـة بـ جروح، إنتي تعباني جامد يا معشوقـة بس بـحبــك .

أبعدهـا برفقٍ لتتمدد على الفراش، مسح دموعهـا برقة ليقول بإبتسامة صغيرة :
-أنا هفضل جنبـك دايمًا يا معشوقة، ماتقلقيش.. أنا هبقى سندك، هبقى دايمًا ورا ضهرك، هحميكي من أيَّ حاجة سواء كانت صُغيرة أو كبيرة .

إبتسمت أرق إبتسامة وهي تسمع إلى كلماتـه النابعة من قلبـه، ألتقط كفهـا ليقبلـه برقة وهو فـ يرمقهـا بشغف واضح في عينيهِ، دخلت المُمرضة وقد أحضرت كيسًا بلاستيكيًا وضعت بداخله مكعبـات الثلج ثم قامت بفرك مقدمة قدمها بحركـة دائريـة موزعـة البرودة على مواضع الألم، تشنجت "حبيبة" مُتأثرة وأخذت تتأهوه بألم وهي مُغمضة العينين بتعبٍ، بينمـا "آدم" يمسك كفهـا ويضغط عليهِ بلطف مُدعمًا إياهـا، وتـارة ينظر إليهـا بقلق وتـارة أُخرى يلتفت للمُمرضة ليُتابع ما تفعلـه .

بعد مرور ساعـة ونصف.. كان أتى الضابط وبرفقتـه المُساعد الخـاص بهِ، لـ يستوجب كل من "حبيبة" و"آدم" عن المُجرم الذي حاول الأعتداء عليهـا، أستمع الحكايـة بإهتمام وبدقـة، تراجع للخلف وهو يُحدق في وجه "آدم" القاسي ليقول بجدية :
-تمام، بس إنت يا آدم باشـا هنحتاجك الفترة إللي جايـه عشان نثبت 100% أنك كُنت بتدافع عنها، وبما إن سلاحك مترخص فـ ده كويس، ومن حُسن حظك.. أن المُجرم ده هربـان من حُكم ومن جرايم كتيـر أرتكبهـا، على العموم ماتقلقش المسألـة هتقعد كام يوم وبعديهـا تنتهي إن شاء الله .

هتف "آدم" بجمودٍ :
-تمام وأنا مستني .

نهض من مكانـه وكذلك مُساعده وهو يتمتم :
-خلاص، بس أبقى عدي عليـا فالقسم بُكرا ياريت .

أجـاب بوجهٍ مكفهر :
-ماشي وربنا يُستر .

-طيب، سلام عليكم .

-وعليكم السلام .

عقب أنصرافهم من المكان، كان يلتفت نحوهـا وهو يُغمغم بصيغة آمره ولكن هادئة في نفس التوقيت :
-يالا يا حبيبة عشان تروحي ترتاحي وتنامي شويـة .

هتفت وهي تعتدل في جلستها :
-ياريت، لأني حاسه بصُداع رهيب وتعب جامد في جسمي .

هتف بإبتسامة عابثة :
-معلش أنا هضطر أعمل كده .

وقبل أن تفهم مقصده أو تتساءل كان يضع ذراعـه على خصرها وذراعـه الآخر أسفل رُكبتيها ليحملهـا بين ذراعيهِ بـ خفة، سـار بشموخ نحو الخـارج والصدمة تعتري وجهها، تلون وجهها بحُمرة مُغتاظة من تصرفـه المفاجئ والغير متوقع، إبتسم "آدم" مُتسليًا وهو يراها ضائعة، نظر لها هاتفـًا بجدية :
-معلش يا معشوقـة، إحنا هننزل على السلالم فـ إنتي مش هتستحملي، أنا هوصلك لغاية باب شقتك، بس لم نوصل مش هشيلك عشان كلام الناس إللي فمنطقتك، بس هتسندي عليـا، وخُدي أجـازة لمُدة أسبوع لحد ما تبقي كويسة .

مال برأسه هامسًا :
-رغم أنك هتوحشيني جامد ومش عـارف هقضي اليوم إزاي من غيرك يا معشوقة .

لم ترُدّ عليهِ بل أكتفت بالإشاحة بوجهها بعيدًا عنه، أتسعت إبتسامتـه وهو يتحرك نحو سيارتـه السوداء، فتح له أحد حراستـه الباب فـ أنزلهـا برفق، ثم أمسك كفي يدها الأيمن وهي تحاول أن تستقل المقعد الذي بجوار مقعده بحذرٍ شديد، زفرت بإرتيـاح عقب جلوسهـا، وأرتسمت إبتسامة صغيرة لـ تقول مع نفسهـا وبريق الحُبَّ في عينيهـا العسلتين :
-أتأكدت النهاردة إني بحبك يا آدم، وبحبك جدًا كمـان، والأعتراف إللي مستنيه مني هعترفـهُ، بس في الوقت المُناسب .

*****

في المساء..

جلس على فراشــه يتكئ بـ ظهره إلى الفراش ويده تنقبض على شكل قبضة، وداخلــه حالـة من الصراع، لم يتحمل الجلوس، فـ قرر أن يتوجـه إلى الشرفة، لـ تُداعب نسمـات هواء العليل روحــه .

دخل "آسر" الشرفة بـ خُطوات مُتثاقلة، مشهد إغمائهـا وهي بين ذراعيـهِ يتكرر في كُل لحظة تمر من الوقت، لم يتركـه مشهد وجههـا الشـاحب والذي تغير لونـه على أثر الإختنـاق، حاول التخلص من التفكيـر بها ولكن دون جدوي، أكلـه الشغف لـ رؤيتهـا، إستند بـ مرفقيـهِ على حافة السور وهو يشعر بـ تأنيب ضمير، لم يقصد إيذائهـا قط، ولكن في نهاية الأمر آذاهـا وبـ شدة، زفر بإختناق وهو يتراجع لـ لخلف متوجهًا صوب الطاولـة الصَّغيرة، أمسك بـ علبة سجائره الفضية وأخرج واحدة، ثم أشعلهـا، ولكن قبل أن يضعهـا بداخل فمـه، كان يُحدق فيهـا بـ نظراتٍ مليئة بالضيق وبـ ملامح عابسة، تأمل السيجارة بـ عيون جامدة خالية من الحيــاة، لـ يُلقيهـا بعدهـا بدون مُقدمـات بـ ضيقٍ بالـغ على الأرضية المكـان، خلل أصابع يديهِ على فروة شعره وهو يُردف بإختناق :
-هو في إيــه ؟؟.. صورتك وإنتي تعابنة مش راضية تبعد عني ليــه ؟؟..

رمق السيجارة التي مازالت مُشتعلة، فـ أفترب منهـا بـ بُطء لـ يدهسهـا تحت حذائــه، على رغم من وجود منفضة كرستالية للسجائر، إلا أن حنقـه البالغ أنســاه ذلك، عاد إلى سور الشرفة لـ ينظر نحو البدرُ، تمتم بـ عيون صادقة وبنبرة حازمة :
-أنا هبطل السجاير !!..

تـابع بإبتسامة صغيرة وبعينين لامعـة من الحُبَّ :
-عشانك إنتي بس يا أميرة !!..

أغمض عينيهِ لـ يُغمغم بنبرة عاشقـة :
-بحبـــك يا أميرتـي !!..

******

مرَّ الأسبوع حتى أنتهت فترة الأجازة، دون أن يتصل أو يتواصل أحدهمـا بـ الآخر، فقد أنشغل "آسر" بـ أعمالـه أو هكذا أقنع نفســه، أراد أن يتجاهلها لـ يحثها على مهاتفتــه ولو لـ مرة واحدة على أملٍ ظهور أي مشاعر منها تجاهه غير الجمود والكبرياء، إلا أن كبريائها منعهـا من ذلك .
كانت تظن في كُل لحظة يوميًا أنـهُ ملَّ منهـا، لم تفعل شيء في أجازتهـا سوى أنها ذهبت لـ منزل رفيقتهـا عدة مرات؛ للأطمئنان عليها خاصةً حينمـا علمت بإصابتهـا بـ بعض الجروح أثناء الحادثة، كانت تجبر نفسهـا على النوم كـ نوع من أنواع الهروب من الحيـاة .

أمـا "آسر" فـ حينما يعود إلى قصره يبدأ بـ مُمراسة الرياضة، عسى أن يُخرجهـا من عقلـه، فـ صورتهـا لا تُغادر أبدًا من أمام عينيـهِ، وعسى أيضًا أن يُخرج غضبـه وحنقــه تجاههـا، كانت تأتيـه رغبـة جارفة يوميًا لرؤيتهـا، أشتـاق إلى سمـاع صوتهـا، عشق عيناها السوداء، فـ ذلك اللون الوحيد المُفضل إليــهِ، تمنى أن تبادلـه ذات المشاعر القوية التي بـ داخلـه، ولكن يعلم بأن الأمر ليس بـ تلك السهولة، وعلى رغم من أنشغالـه الدائم، ما كان يفارقـه هاجس أنتظار مُكالمتهـا، بل كان الأمل يداعبـه ي تلك المسألـة .

أختفى الألم من قدم "حبيبة" عقب علاجًا كثيفـًا كان أستغرق منهـا أسبوعًا كاملاً، قـامت بهِ بـ نفسهـا وبـ مُساعدة صديقتهـا "أميرة" التي أحضرت لها مُسكنـات ومراهم كدمـات، لم يزرها "آدم" قط، بل كان على الأتصال بها يوميًا؛ لـ يطمئن عليهـا، حيث كان يغلبـه الشوق فـ يقوم بـ مُكالمة هاتفية لـ يستمع إلى صوتهـا الرقيق، في بعض الأوقـات كانت تُطارده أفكـار مجنونة بالذهاب إليهـا ولكن يعود كما كان، حيثُ كان يخشى كثيرًا أن يأتي إلى منزلهـا؛ بسبب أحاديث الناس الجانبية التي لا تنتهي، ولكي لا يُترك فرصة لـ أيَّ شخص في إزعاجهـا حتى لو بـ كلمة صغيرة، رغم شوقـه الجارف في أن يراهـا، وأن يرى إبتسامتهـا المُشرقـة، ولكن قضى تلك الفترة في الذهاب إلى المزرعـة وإلى مخفر الشُرطة لـ مُتابعة التحقيقات، ولم يراهـا سوى مرتين هُناك برفقـة "أميرة" .

أمــا هي، فـ كانت تنتظر على أحر من الجمر مُكالمتـه، رغم شعورهـا بأن لن تجد رجُلٍ يعشقهــا أكثر من حياتـه، ولكن حينما أقتحم حياتهـا حطم ذلك الشعور ودفنــه للأبد، لقد كان "آدم" هو الحُبَّ الأوَّل في قلبهــا، قررت أن تعترف ما بداخل قلبهـا، أن توضح حُبهــا الجارف من ناحيتـه وفي ذات الوقت أنهـا تخشى أن يذبح قلبهـا بما فيهِ، حسمت أمرها بأنها ستخبره بكُل شيء في الوقت الملائم لتلك الأعترافـات التي ستُغير مسـار الحيـــاة .

******
بعد أنتهـاء أجازتهـــا، عادت إلى عملهـــا، ولكن تفاجآت بإستقبال الجميع لهــا بـ تحيـات كبيرة ولطيفة من الأطبــاء والطبيبـات، دخلت مكتبهـا وعلى وجههـا إبتسامة باهتـة، تركت حقيبتهــا وإرتدت سروالهـا الأبيض الطبي، جلست على مقعدهـــا بتعبٍ جلي، تمنت أن تبكي كثيرًا في تلك اللحظة، تمنت أن يكون هُناك شخص بجانبهـا الآن يحتويهـا، ولكن كيف ؟؟..

فهي "أميـرة شاهيـن" !!.. التي عُرف عنهـا أنهــا دائمة الشكّ في كُل من يدخل حياتها سواء كانت المهنيّة أو العاطفيّة !!.. تعلمت أنهـا يجبُ أن تُصبح هكذا حتى مع أقرب النّاس إليهــا من كثرة التجــارب التي مرَّت بهــا، ترسم في بعض الأوقــات قنـاع الأمبالاة وفي الحقيقة تهتم بالحديث أو الفعـل الذي حدث أمامهـا سواء كان لهـا أو لـ غيرهــا، ترسم قنــاع قـوة وفي بعض الأحيــان تُصبح هشة بداخلهــا من كثرة التعب !!..

أرجعت رأسهـا للخلف لـ تسندها على ظهر المقعد الجلدي، رفعت ساقهــا لـ تضعهــا فوق الآخرى، ثم نظرت لـ سقف المكتب بوهن قبل أن تُغمض عينيهــا لـ تسترجــع ما سمعتــه قبل خروجهــا من القصر .

******
خرجـت من غُرفتهــا بخطى ثابتـة وهي تُخلل أصابع يدها بداخل شعرهـا، كان باب غُرفتهـم مواربًا، وضعت يديهـا على صدرهــا مُستشعرة أرتفــع نبضـات قلبهـا بصورة غير طبيعية وهي تستمع إلى مُخطط جديد منهم، أبعدت خُصلات شعرهـا الأسود بحذر وهي تستمع إلى حديث عمهــا الذي قال بـ حمـاس :
-إبننــا هيرجع من السفر بعد كــام يوم، يعني مُمكن بعد يومين أو تلات أيام بالكتيــر وتلاقيـه وسطينــا والخطة إللي أنا بفكر فيها لو نجحت يبقى هنعدي، وهنعدي جـامد كمــان !!..

هتفت بـ رجاءٍ قائلة بـ عيون مليئة بالحقد :
-طب قولي إللي في دماغـك، عشــان أرتــاح أحسن أنا مُمكن في لحظة جنــان أعمل فيهــا حاجة !!.. وبصراحة بقى أنا مش هندم لو عملت فيهــا حاجة !!..

نظر لهـا بلؤم قائلاً بـ هدوء محاولاً أمتصاص أنفعالتهــا :
-تبقي عبيطة، موضوع رجوع إبننــا ده، هيفرق معانـا جامد جدًا، أولاً هنخليـــه يرسم عليهــا قنــاع الحُبَّ لحد ما تُقع في غرامــهُ، وبعد كده.. يتجوزهــا ويعيش في خيرهــا وخير أبوهــا ونبتدي بقى نقلب فلوسهــا براحة، هَـاا إيـه رأيك ؟؟..

ردّت بعدم إقتناع :
-مش بطالة، لكن.. !!..

صمتت لـ يسألهــا بـ جدية :
-لكن إيــه ؟؟..

إبتسمت إبتسامة ساخرة وهي تُردد :
-بنت اخوك مش سهلـة يا فؤاد، البنت دي ذكية جدًا أكتر ما إنت تتخيـل !!.. وأستحـاله تحب إبننـا وتتجوزه، وحتى لو ده حصل، عُمرهــا ما هتفكر ولو 1 % أنها تدي جُزء من فلوسهــا لـ أيَّ وخصوصًا لو إحنــا، دي مستحملانـا عشان خاطر وصية أبوهـا .

جلس على طرف الفراش بإسترخــاء وهو يبتسم إبتسامة شيطانية هاتفــًا بـ :
-لو محصلش إللي فـ دماغي يبقى مفيش غير حل واحد بس، وهعملــه بـ كُل سهولـة، بس مش هقولك عليه دلوقتـي، لأن الموضوع ده محتـاج تفكير عميق يا حبيبتي .

إبتسمت بدلال مُرددة :
-وأنا واثقة فيك يا حبيبي .

توهجت عينــاه أكثر لتفكيره الشيطاني، ألتوى تغره بإبتسامة مراوغة محدثــًا إياهـا بثقة :
-ماتقلقيش يا سميرة، النـار إللي جواكي هي نفس النــار إللي جوايــا، وأنا هعمل إللي فدماغي لحد ما النـار إللي جوانـا تطفي وتبقى رُماد، لأن مش حتت بنت زي دي تبقى ثروتهــا داخله على المليــار وإحنا مش عارفين نجيب أكل حتى لنفسنـا .

أغمضت عيناهــا بألـم، ولكن سُرعـان ما فتحتهمـا لـ تتحرك بخطى سريعة نحو الدَرَج هابطـة إلى الأسفل، خرجت من القصر وهي تحـاول أن تتنفس بـ عُمق، شعرت بدوار يهاجمهــا فـ ترنحت بقوة، أقترب منهــا أحد الحراس الذين يحرسون المدخل ليمسكهــا من ذراعهــا مُتسائلاً بتلهفٍ :
-في حاجة يا هانم ؟؟.. حاسـه بـ حاجة ؟؟..

تمالكت ذاتهــا لتقول بتعب :
-مفيش، بس أدخل قول لعفـاف تعملي كوباية عصير، وتجبهالي هنـا من غير ما تقولهــا إني دوخت، ماشي ؟؟..

هزَّ رأسـه بخفة وهو يُجيب :
-أمرك .

فتح لهــا باب السيَّارة لتستقل بـ داخلـه، أغلق الباب بهدوء ثم تحرك نحو الداخل بخطى راكضة، أرجعت رأسهــا للخلف ثم أغمضت عيناهـا محاولة التماسك وأن تبث لذاتهـا القوة، بلعت ريقهــا بصعوبة وهي تقول برجاءٍ :
-يارب، أنا تعابنة، صدقني أنا تعابنـة جدًا، ومفيش حد جنبي، مفيش حد أتكلم معـاه غيرك، يارب ريح قلبي، اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللُطف فيــه !!..

******
فتحت عينيهـا على حين غُرة حينما أستمعت إلى صوت قرعـات قوية على باب المكتب، أعتدلت في جلستهـا لتبدو أكثر رسمية، ثم أذنت بالخول قائلة بتذمر :
-أتفضل !!..

رفعت رأسهـا لتتفاجـأ بـ دخولـه، نظر لهــا بعينين جـامدة وهو يتحرك ناحية المكتب بشموخــه المُعتـاد وبـ طلتـه التي تحبهــا كثيرًا، رمشت عدة مرات لكي تستوعب مجيئـه المُفاجئ لهــا ثم تنهدت بـ حرارة، وقفت وهي تطلع إليهِ بنظرات جـامدة، مد يده نحوهــا قائلاً بهدوءٍ عكس نظراتـه تمامًا :
-أزيك يا أميرة ؟؟..

صافحتـه بـ ذات الهدوء الذي يمتلكـه :
-تمام الحمدلله، أتفضل .

جلس على المقعد وهو يحمحم قائلاً بضيق :
-أقدر أعرف إيـه سر هروبك دلوقتي ؟؟..

ردَّت بجمود مُزيف وهي تعود للجلوس :
-أنـا مش بهرب، ده مش هروب !!..

تبدلت ملامحـه على الفور وهو يُغمغم بإستنكـار :
-أومــال إيــه يا بنت أشرف شاهين ؟؟.. بتسميــه إيــه ؟؟..

أجابتـه بملامح عابسة :
-إنت لازم تبعد، لازم تبعد عن حياتي، الحُبَّ والكلام ده مش من ضمن أولويّاتي، أنا بمر بظروف صعبـة جدًّا، لا أحد يتخيلهــا، وحالتي النفسية مش مساعدني إني أقدر أواجههـا بقوة كالعــادة .

حدقت فيــه بوجهٍ جـامد كَالجليد :
-لازم تبعد يا آسر، عشاني وعشان نفسك، مُمكن نعتبر الفترة إللي فاتت دي مُجرد ذكريـات حلوة، بس مش هتتكرر مع نفس الشخصيــات تـاني .

رمقهــا بـ نظرة بعثت بداخلهـا رعشة قويـة، وجدت عينيـهِ قد أصبحت كالصقر من كثره الحدة، كور "آسر" قبضتـه بقوة محاولاً تمالك أعصابـه التي ستثور عليهـا في أيّ لحظة ثم قال بـ لهجـة يملؤهـا الغيظ :
-أممم، عيزانـي أبعد عشـان ظروفك القاسية، عشان الحُبَّ مش من ضمن أولوياتك !!..

هب واقفــًا من مكانــه وهو يُصيح فيهــا بـ حدة عاليـة :
-أومــال مقولتيش الكلام ده من الأول ليــه ؟؟.. وافقتي أنك تديني فرصة أعوضك عن إللي حصل، إيــه إللي غير كلامك دلوقتي ؟؟..

وقفت "أميرة" لتتجـه نحوه بخُطوات غاضبة وهي تزمجر بـ حدة :
-أنا عايزة أعرف إنت عـاوز مني إيــه ؟؟..

نظر في عيناها مُباشرةً وهو يُردف بخشونة :
-أنا قولتلك قبل كده يا أميرة، وقولتلك أهم حـاجة عاوزهـا هو ده... !!..

قال آخر كلمة وهو يُشير بإصبعيـهِ ناحيـة قلبهـا الذي ينبض بعُنف، ولكن أستجمعت شراستهـا وهي تهتف بإنفعــال :
-وإنت أول حاجـة عملتهـا إني تعبت جـامد بسبب غضبك، وتعبت من كم ريحة السجاير إللي شمتهـا في اليوم ده و..
قاطعهــا بإنفعـال بيّن :
-وانا بطلتهـا، من اللحظة إللي إنتي تعبتي فيهــا وأنا مش بحُط السيجــارة فـ بؤي، وأعتذرتلك يوميهــا، عايزة إيــه أكتر من كده ؟؟..

حاولت ضبط إنفعالتهــا، ذلك العُمق الذي يحتل عينـاه تشعر بهِ يبتلعهـا، يجذبهـا بقوة حتى كادت تغرق، كان وجههـا مُختلط بهِ الأحمرار أثر إنفعالتهـا، قالت وهي تُشيح ببصرها عنه للجهة الآخرى :
-مش عايزة يا آسر .

أخفضت بصرهـا للأسفل وهي تتشدق بصوتٍ خافت :
-وياريت تمشي دلوقتي، لأني مش قادرة أتحكم في طريقة كلامي أو أنفعالتي حاليًا .

شهقت بصدمة حينمـا جذبهـا من ذراعهـا، حدقت بـ عينيهِ التي أحمرت كـ جمرتي من النـار هاتفــًا بـ همسٍ خطير :
-ماشي يا أميرة، هاسيبك دلوقتـي لكن مش للأبد زي ما إنتي عاوزة .

تابــع همســه بنبرة صـارمة :
-لأني بصراحة عُمري ما هاسيبك .

ترك ذراعهـا ثم قال وهو يومأ لهـا بيده :
-ســلام .

ثم غادر المكان بأكملــه تاركـًا إياها تحت تأثير الصدمة من كلماتـه، شعرت بأن قدماها لم تعد تتحمل الوقوف فـ ألقت نفسهـا على الأريكـة وهي تُفكر في حديثــه المُقلق، نبضـات قلبهـا كأنهـا في سباق، تأكدت أن نهايتهـا ستكون حتمًا إنهيارهـا صريعة سيمفونية كلماتـه التي لا تراعي عذرية جوارحهــا، هتفت بشرود :
-ياترى ناوي على إيــه يا آسر ؟؟..

******
أستقل سيارتـه وقادهـا بدون وجهة مُحددة، تشوشت أفكاره وتداخلت معًا فـ لم يعرف كيفية التصرف حيال تلك المسألـة، بدأ يساوره الخوف أن تتوقف قصتـه معهـا، يخشى أن تكون أعتبرت قصتهم مُجرد ذكريــات رائعة، لمعت عينـاه ببريق حاسم وهو مرددًا بحزمٍ :
-أنا لازم أتصرف في أسرع وقت مُمكن !!..

توقف عن القيـادة، ثم بدأ يخطّط لـ مواجهة جديدة، مواجهـة ستُغيـر حال كُلاً منهمـا .

****


أميرة مدحت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-06-20, 11:27 PM   #10

أميرة مدحت

? العضوٌ??? » 472511
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 31
?  نُقآطِيْ » أميرة مدحت is on a distinguished road
افتراضي

((الفَصْلُ الثَّامِنُ))

في اليوم التالي، لم يكُن الوقت مُبكرًا، فـ إن الساعة تدق الحادية عشر صباحًا، أستيقظت على صوت رنين هاتفهـا الصاخب، فتحت نصف عينيها وهي تلتقط هاتفهـا بتعب، ردَّت عليـهِ دون النظر على أسم المُتصل حيثُ قالت بنعـاس وبصوتٍ مُتحشرج من النوم :
-آلو..

ردَّ الأخير بنبرة آمره :
-نُص ساعة ألاقيكي لابسه وجاهزة .

أنتفضت "أميرة" من مكانهـا، لم تأخذ وقت حتى أستوعبت حديثــه ومن هو، نطقت أسمـه بصدمة :
-آسر !!..

هتف بضيق :
-أيوة، أنا مستنيكي قدام القصر، ويالا أنزلي عشان مش بحب أستنى كتيـر .

تنهدت بضجر هاتفة :
-ماشي، سـلام .

أغلقت الهاتف دون السمـاع لـ ردّهُ، نهضت من على فراشهـا ثم ولجت داخل المرحاض للأغتسال، دقائق وكانت تخرج لترتدي بنطال من اللون الأسودُ، وكنزه ذات أكمـام قصيرة فضفاضة وفتحة صدر واسعة من اللون الأسود، سحت حقيبة يدها وهاتفهـا ثم رمقت ذاتهــا في المرآة بتمعن قبل أن تخرج من غُرفتهـا بل من القصر بأكملـه، خرجت من القصر ثم وضعت نظارتهـا الشمسية وهي تبحث بأنظارهـا عنه، وجدتـه واقفــًا يتطلع إليهــا بنظرات غامضة، تحركت نحوه بخُطوات واثقة، ليهتف وهو ينظر على ساعتـه الفضية :
بيعجبنـي فيكي أنك مظبوطة في مواعيدك .

تـابع وهو يُشير بعينيهِ الحــادة :
-أركبي .

زفرت في ضيق ثم صعدت إلى السيارة، وضع نظارتـه الشمسية لـ يقود سيارتـه دون أن ينبس ببنت شفه، أنطلقت سياترتـه فورًا تشق طريقهـا نحو مكـان غير معلوم، لم تحاول معرفة وجهتهم، فهي تستطيع أن تواجـه المخاطر، لم تحاول حتى أستنباط ما يجول في عقلـه .

بعد مرور أكثر من نصف ساعة، توقفت السيارة في مكـان شبه صحراء، رمقت المكان بنظرات مُريبة، أسستدارت برأسهـا لتجده يخرج من سيارتـه أغلق الباب بهدوء مُثير للأعصاب الثائرة ثم أستند على سيارتـه وعقد ساعديـهِ أمام صدره الضخم، تطلعت إليـهِ بذهول من أسلوبـه الذي ولأولُ مرة تختبره منه، ترجلت عن السيارة ثم صفعت بابهـا بقوة، أتجهت نحوه حتى وقفت قبالتــه، لتزمجر فيـه بـ حدة عاليــة :
-إيـــه المكــان ده ؟؟..

ردَّ ببرود وهو يخلع نظارتــه :
-صحرا !!..

أضــاف وهو يتفحص المكـان :
-بس إيـه رأيك ؟؟.. حلو المكـان !!.. صح ؟؟..

هدرت بنبرة عاليـة :
-وأنا مالي !!.. جايبني هنـا ليـه ؟؟..

أجــاب بإبتسامة باردة وبالهجــة هادئة تمامًا :
-عشانــك .

تنغض جبينهـا بعدم فهم وهتفت بنبرة متوجسة :
-مش فاهمة !!.. قصدك إيـه ؟؟..

أقترب منها بضع خُطوات حتى لم يعد بينهم سوى مساحة صغيرة جدًّا، حرر ساعديـهِ ثم مد يده لـ يخلع نظراتهــا وهو يقول بـ عيون حازمـة وبـ صيغة آمرة :
-أصرخي يا أميرة .

دق قلبهـا بـ عُنف، حاولت أن تستوعب كلمتـه المريبة، أخذت ترمش عدة مرات قبل أن تقول بتساؤل وقد أرتعشت شفتاهـا :
-أصرخ !!.. إزاي ؟؟..

كان تحرك نحو سيارتـه لـ يضع نظارتـه وكذلك نظارتهـا في المقعد الخلفي، عاد إليهــا ثم سحب نفسًا عميقـًا لـ يهتف بجدية :
-أصرخي، طلعي إللي جواكي، طلعي الوجع إللي إنتي كتمــاه جوا قلبــك، طلعي الوجع إللي عشتيـه ومحدش كان حاسس بيكي .

حدق في عينيهـا مباشرةً وهو يغمغم بـ حزم :
-جه الوقت إللي تصرخي فيـه، جه الوقت إللي تلاقي حد حاسس بيكي، جـه الوقت أنك تطلعي الدموع إللي بتحبسيهـا جامـد كل يوم، طلعـي كُل ده، أصرخي !!.. وأصرخي جامد كمـان !!..

نظر حولـه وهو يقول بتأكيد :
-محدش هيحس بيكي، محدش هيسمعك غيري !!.. وأنـا هسمعك بـ قلبـي .

عاد ينظر إليهـــا ليحثهـا على طلبـه قائلاً :
-أصرخي بأعلى صوت، عشان ترجعي زي ما إنتي، إنتي مش كئيبة، الكتمة إللي جواكي هي إللي محسساكي بـ ده، يالا يا أميرة، أصرخـــي !!!..

لم تفوه بـ كلمة واحدة بل حدقت فيــه غير قادرة على الحديث، شعرت بإرتجافة تجتاح جسدهـا وهي تستدير لـ ترمق تلك الصحراء بـ عيون زائغة، خفق قلبهــا بـ قوة عجيبة، لم تتحمل الصمود أكثر من ذلك، وأنثالت دموعهــا الحارقة من طرفيهــا وهي تقول بصوتٍ مُتحشرج :
-أصرخ !!!..

قالتهــا بتلك النبرة الضعيفة التي هزت كيانـــه، خمس ثواني من الصمت وبدون مُقدمـــات وســابق إنذار كانت تنحني بـ جسدهــا لـ تصـرخ بـ قوة، صرخت صرخةً نابعة من قلبهــا، أنهمرت دموعهــا بـ غزارة، وصدرهــا يعلو ويهبط بسُرعة جنونية، ألتقطت أنفاسهــا الاهثة لـ تعود تصرخ بـ قوة أشد عن ذي قبل، ولكن تلك المرة صرخـت صرخة نابعــة من روحهــا التي تشوهت مع مرور الزمن، صرخـة مليئــة بـ أوجــاع الروح !!..

أغمض عينيهِ بعُنف وهو يكور قبضة يده محاولاً أن يتمالك، فرك "آسر" وجهه بكلتـا يديهِ، وللمرة الثانية يشعر بالضعف بعد وفــاة والدتـه، حدجهـا بـ نظراتٍ مُشفقة على حالتهــا السيئة التي ولأول مرة يراهـا بذلك الشكل المُحزن، تمزق داخلــه وأعتصر قلبــه بقوة، توقفت عن الصراخ، لـ تنظر أمامهــا في نقطة فراغ، لاحظ أرتجافة جسدهـا، هي على أعتـاب أنهيـار وشيك، أنقبض قلبــه بقلق جلي، أخفض رأسه بحُزن عميق ولكن سُرعان ما عاد يرفعـه حينما أستمع تنطق بـ :
-هو أنـا ليــه ساعات بحس أن في حاجة نقصاني ؟؟..

ســار نحوها حتى وقف بـ جوارهــا يتابع حديثهــا الغامض، أستطردت بعيون لامعــة :
-أنا مش مُعترضة، ولا عُمري هعترض، لأني تعلمت من وأنا صُغيرة مينفعش نعترض، لازم نحمد ربنـا .

ألتفتت بـ رأسهـا قائلة بنبرة مُتحشرجة :
-بس أنا نصيبي كان كبير أوي يا آسر .

أغمض عينــاه للحظات فـ حينما تنطق بإسمـه بتلك النبرة الضعيفة، يهتز كيانــه بشكل عنيف، وكأن هُناك زلـــزال حدث، عاد يفتحهمـا وهو يُستدير برأســه لـ يرى دموعهـا التي تهبط بصمتٍ تام، عادت تنظر لنقطة الفراغ ثم أغمضت عيناها قائلة :
-عارف يا آسر، والدي ووالدتي دايمًا كانوا مشغولين بـ شُغلهم وبس !!.. جت فترة والإهمـال زاد، كانوا فاكرين إن سعادتـي أن طلباتي تستجاب، محدش فكر إني كُنت بتمنى حد منهم يبقى جنبي عشان أتكلم عن إللي جوايـا، فـ وصل بيـا الأمر إني بقيت بكتـم أيَّ حدث سيء حصلي، بس في بعض الأوقــات كُنت بحكي لـ ماما وبابا على بعض المواقف إللي ضايقتني جامد جدًا، عشان أعرف أتصرف إزاي، بس لما بقى عندي 17 سنة كتمت أي حاجـة بتضايقني، وبقيت بتصرف مع نفسي.. لوحدي !!..

بلعت ريقهـا قبل أن تتابــع :
-وكمان أنا في التوقيت ده مكنش ليـا أصدقاء خالص، بس أقسمت إني لما أبقى فالجامعــة هبقى واحدة تانية خالص، وفعلاً دخلت الجامعة بقت في نـاس تتمنى تتكلم معايا.. تتعرف عليا، بس كُنت برفض، مفيش غير كــامل وحبيبـة، هُما بس إللي بقوا صُحابي، بعدهــا بفترة في واحد من الشبـاب كان معايـا فالكُلية، حاول يتعرف عليـا بـ أي طريقة، بس رفضتـه جـامد، وكنت بكره أقف معـاه لأني سمعت عنهُ أحاديث مش كويسة وكان إسمــه "نادر"، وإللي كان بيقف قدامــه ويبعده عنـي كان "كـامل"، ومرة عمـل خناقة كبيرة معاه، وفـ يوم كُنت راجعـة البيت لوحدي، يوميهــا الطريق كان شبه فاضي، وأنا خدت الطريق ده مشي، وماكنش فيـه حراسة يحرسوني لأني كُنت برفض جامد، في اليوم ده خطفنـي، حط حاجة على بؤي ومحستش بـ حاجة بعديها غير لما فوقت فالآخر، واضح أن المُخدر كان يا إما مفعولـهُ ضعيف ياإمـا هو حط قليل، فوقت لما هو وصل، شلني ووداني أوضة نوم، وبعدها خرج، فتحت عينيــا وأنا فدماغي إني أدور على حاجة أضربـه بيهـا، ولقيت فعلاً فـازة حجمهــا متوسط، دخل عليــا وفضل يقولي أنهُ عمل كده فيـاا عشان والدي خسره فلوســه، وكلام غريب، بعدهـا حاول يعتدي عليـاا، بس أنا ماستسلمتش، وأفتكرت أن في حاجة دايمًا كُنت بشلهـا فالشنطة، ولحُسن الحظ إن شنطتي كانت على السرير، فتحتهـا بسُرعة وخرجت منهـا صاعق كهربـا، كهربتـه بيهــا، كُنت بشلهـا دايمًا معايـا عشان يوم مايحصلي موقف شبيـه بـ ده، الاقي حاجة اقدر أحمي بيهـا نفسي بدل ما أضيع، وهربت..

قالت آخر كلمة وقد عادت تنهمر دموعهــا بـ غزارة، أشتعلت عينيهِ غضبًا كـ جمرتي من النـار من تلك الحقائق الغامضة، تابعت بنبرة باكية ولكن فيهـا الشئ من القوة :
-رجعت البيت، حكيت لماما عن إللي حصل، وقتهـا بابا كان بـرا مصر، بعدها بكام يوم وصل مصر، أول ما عرف إللي حصلي راح بيتهم، بس للأسف عرف أنهم سافروا بـرا مصر، قررت إني ألعب كراتيـة عشان أحمي نفسي، وحققت الحلم ده، وبقيت بطلة جمهوريـة، بس ملحقتش أفرح..

تابعت وهي تشهق باكية بقوة :
-بعدهـا بكـام شهر، أعز أتنين عندي ماتوا فـ حادثة طيـارة، سابوني لوحدي، سابوني أواجـه الحيــاة دي لوحدي، وياريتهـا جت على أد كده وبس... !!..

صمتت لينظر لهـا بإهتمام جلي قبل أن تُضيف بـ بُكاء مرير يدمي القلوب :
-سابوني مع عقــارب، سابوني مع عمي ومراتـه، إللي المفروض يبقى حد منهم حنين عليـا، بس هما كُل إللي بيفكروا فيهِ ثروتي، رغم إني مش حرماهم من حاجـة، عايشين فالقصر وأي طلب هما عاوزينـه بيتعمل من غير كلام، أعمــل إيــه أكتر من كده !!!..

كان من الصعب عليـهِ أن يراها في هذه الحالة الصعبة، وسُرعان ما أمسك بـ ذراعيهـا يرجوهـا بالتماسك وهو يُردف بـ :
-طب أهدي، أهدي عشـان خاطري .

تملصت منهُ لـ تصرخ فجـأة بـ قهر :
-لحد إمتى ؟؟.. إمتى هفضل أستحمل ؟؟.. إمتى يا آسر ؟؟..

أنقبض قلبــه بـ قلق جلي حيث قال بنبرة مُرتعشة :
-طـ.. طب أهدي، أهدي لأن ده خطر عليكي !!..

تابعــت بـ مرار :
-فضلت مستحملة سنين، فضلت هاديــة، عملت نفسي قويــة طول الوقت !!..

عادت تصرخ بإهتيـاج مرددة :
-هستحمل لحد إمتى بظبط ؟؟.. رُدَّ عليـاا.. هستحمل لحد إمتى يا آسر ؟؟!..

كادت أن تنهار على الأرضية المغطيـة بـالرمـال ولكن ضم رأسهــا إلى صدره محاولاً وقف حالة الأهتيـاج العصبي الذي كبحتــه طويلاً، مسح على شعر رأسهـا بحنوٍ مُثير وهو يُردد بعض من الأيـات القرأنية بـ صوتٍ عذب، وحاول أن ألا يمسَّ جسدهـا، بدأت تستكين غير واعية ما يحدث، تمسكت بقميصـه فجـأة وبـ شدة، أستشعر وجود سبب مُريب لـ فعلتهـا تلك، فـ تسائل بنبرة قلقة ونظراتٍ خائفة :
-أميرة، إنتي كويسة ؟؟..

أبعدت رأسهـا عن أحضانـه بـ بُطء وهي مُغمضة العينين لـ تقول بنبرة واهنة :
-حاسـه أنــهُ هيغُم عليـاا !!..

أتسعت عينـاه بخوفٍ، ترنحت وهي تشعر بدوار يهاجمهـا، فـ أمسك "آسر" رأسهـا بقوة وأحناهـا إلى الأمام قائلاً بـ لهجة قوية :
-مش هيغُم عليكي، أتنفسي.. أتنفسي بهدوء وأعصابك هتهدى بسُرعـة .

سحبت نفسًا عميقــًا لـ تحرره بعدهـا بـ بُطء، عادت تكررهـا مرة أخرى بهدوءٍ أشد عن ذي قبل، أضطر أن يحاوط خصرهــا بـ حرص بسبب ترنحهـا في السير، سارا معًا نحو سيارتـه، فتح باب السيارة لـ يسحب زجاجـة ميـاة ثم نزع الغطـاء عنهــا، سكب الماء على يده وبـ حركـة سريعـة مسح بـ كفـه على وجههـا، عاد يبلل كفـه لـ يمسح وجنتيهـا بحذر، أغلق الزجاجــة ووضعهـا بداخل سيارتـه، تأملهـا بعيون قلقة مُتسائلاً بصوتٍ رجولي :
-حاسـه بإيـه دلوقتي ؟؟..

فتحت عيناهـا أخيرًا، رمشت عدة مرّات تستوعب ما حدث لها، ثم نظرت لـه قائلة بهدوءٍ وهي تهز رأسهـا بـ حركة خفيفة :
-أحسن الحمدلله .

تنفس بإرتيــاح، حرر خصرهـا من ذراعــه وهو يقول بصوتٍ رخيم :
-طب الحمدلله، يالا أركبي .

أومـأت رأسهـا بهدوء لتصعد السيارة، دار حول سيارتـه حتى أستقل بمقعده، نظر لهــا بنظرات غير مفهومـة، أستشعرت بنظراتـه الغريبة أتجاههـا فتساءلت بدون تردد :
-بتبُصلي كده ليــه ؟؟..

أجــابهـا بإبتسامة صادقة :
-مستغرب، إزاي إنتي فضلتي كاتمـه طول السنين دي إللي تعبك وإللي مضايقك ؟؟.. ومحدش كان حاسس بيكي .

أجابتـه بإبتسامـة جانبية :
-طب أنا طلعت كُل إللي جوايـا .

ثم نظرت لـهُ في شئ من التهكم الممتزج بالحُزن :
-هتعمل إيـه بقى بعد ماعرفت كُل حاجة عني ؟؟..

أمسك كفي يدهــا ثم قال بإبتسامـة :
-تفتكري هعمل إيـه ؟؟.. أكيد مش هاسيبك .

قالت بعيون جامدة :
-بس أنا مش عايزة شفقة .

هز رأسـه نفيًا وهو يُغمغم بتأكيد :
-دي مش شفقة، ده حُبَّ !!..

حدقت بـهِ بعينين واسعتين، حاولت أن تتجاهل ضربات قلبهـا التي تخطت حاجز المعقول، حاولت إبعاد يدها عنه ولكنـه تمسك بهـا أكثر ثم قال بهدوءٍ :
-أنا هقف جنبك حتى لو الناس شايفينك إيـه !!.. هقول قُدام الناس أنك إنتي وطني، وتُخصيني حتى بعيوبك .

تحولت إبتسامتــه إلى أُخرى عميقـة جعلت كُل كيانهـا يرتبك أكثر عن ذي قبل قائلاً بـ وعدٍ صادق وهو يُحدق في عينيها مُباشرةً :
-وحيـاة قلبي إللي عُمري ما حلفت بيـه لـ هعوضك على أيَّ حاجة وحشة شوفتيهـا، وعلى كُل لحظة سيئة عشتيهـا، لأن ضحكتك عندي بالعالم وإللي فيــهِ !!..

أغمضت عيناهــا مُستشعرة صدق وعوده وكلماتـه، لمس وجنتيهـا بنعومـة وهو يقول بهمسٍ عذب :
-بحبك يا سنيوريتـا !!..

فتحت عيناها لـ تقول في حيرة :
-أنا مش عارفة أقولك إيـه ؟؟..

أبعد كفي يده عنهــا ليقول بإبتسامة واثقة :
-متقوليش حاجة، بس خُدي بالك، في يوم من الأيـام هتعشقيني زي ما أنا بعشقك .

تمتمت بدهشة :
-إيـــه الثقة دي ؟؟..

هزَّ كفيــهِ بـ حركة خفيفة وهو يُجيبهــا بنفس الإبتسامة :
-هتشوفي بنفسك .

أحمر وجههـا خجلاً من كلماتــه، حاولت منع إبتسامتهـا في الظهور ولكن فشلت حيثُ قالت :
-ماشي، هنشوف يا آسر .

أخفضت رأسهــا وهي تعض على شفتهـا السُفلى ثم عادت ترفع رأسهــا لـ تُحدق في وجهه قائلة في شئ من التردد :
-هو مُمكن طلب ؟؟..

هزَّ رأســه بتأكيد :
-أؤمري، إيــه هو الطلب ؟؟..

تنهدت بحرارة وهي ترُدَّ :
-عيزاك توصلني للمحكمــة !!..

تجمدت تعبيرات وجهه وهو يسألهـــا بـ ريبـة :
-محكمــة !!.. طب ليــه ؟؟..

أشاحت بوجهها للجهة الأُخرى قبل أن تقول بإبتسامة مؤلمة :
-النهاردة آخر جلسة للإرهابيين إللي فجروا الطيــارة وإللي كُل الناس ماتوا جواهــا وإللي كانوا منهم....

نظرت لـهُ من جديد وهي تقول بعيون لامعـة من الألم :
-والدي ووالدتـي .

******
طوال الطريق.. كانت تختلس النظر إليـهِ بين الحين والآخر أثناء قيادتـه السيارة بـ توتر، وهي تقص عليـهِ من الخطط الخبيثة التي يدبرهـا عمهـا زوجتـه لهـا، أحمر وجهه غضبًا من تلك الحقائق، ثارت باركينــه وظهرت عروق نحره بشدة، وأشتعلت جمرتي عينيــهِ بـ غضب سيطيح بـ الأخضر واليابس، حاول أن يبث لهـا الطمأنينة، حيثُ قال بـ قوة وبـ نبرة حازمـة بعد أن ألقى عليهـا نظرة شرسة بـ حاجبين منعقدين :
-طب أُقسم بالله ما هخليــه يقرب منك، لـ أنــهُ لو فكر يعمل كده هدفعـه التمن غالي أوي !!..

ردت "أميرة" بـ هدوءٍ وهي تتفرس معالم وجهه الغاضبة :
-إن شاء الله مش هيقدر يعمل حاجـة، أنا واثقة أن ربنـا معايـا .

نظر لهــا بجمود قائلاً :
-وأنـا كمـان معاكي يا أميرة، ماتقلقيش طول ما أنا موجود، لـ أنـي هفضل جنبك .

تنهدت بـ عُمق وهي تنظر لملامحــه بشرود، أشاحت بوجههـا للجهـه الأخرى وهي تُفكر في حديثــه، عادت تنظر لــهُ قائلة بتساؤل :
-هو إحنـا هنوصل إمتى يا آسر ؟؟..

أجابهــا بهدوءٍ :
-خلاص خمس دقايق ونكون وصلنــا .

هزت رأسهـا هزات خفيفة ثم بدأت تسترجع ما حدث مُنذ قليل، مشهد أنهيارهـا على صدره، كان أكثر ما أقدمت عليـهِ حماقة، أغمضت جفنيهـا بـ قوة وهي ترغب لو أن هُنـاك أداة مسح لتلك اللحظـات، رفعت وجههـا إليـهِ، فـ أستقبلهـا بإبتسامة ونظرة حـارة جعلتهـا تخفض عينيهـا مُجددًا، حدجهـا بـ نظراتٍ أخيرة قبل أن ينظر للطريق أمامه عبر زجاج سيارتـه .

حــان موعد الحكم النهائي بـ تلك القضية التي هزت الدولــة بـ قوة، أصرت "أميرة" على حضور جلسة الحكم بنفسهـا لكي تطمئن على الحصول لمبتغاهـا وعلى حقهــا، وأصر "آسر" أن يكون بـ جانبهــا في تلك اللحظـات الصعبة والمؤلمـة لـ أيَّ شخص، وحينمــا وصلا إلى المحكمة تفاجـأ كُلاً من "آسر" و"أميرة" بوجود "حبيبة" و"آدم" و"كامل"، تساءل "آسر" بغلظة لـ إبن عمـه :
-بتعمل إيــه هنا يا آدم ؟؟..

أجابـــه بإبتسامة واثقة وهو يُشير بعينيهِ نحو معشوقتــه :
-حبيبة كانت معايا فالمزرعـة، جت قالتلي أنها عاوزة تروح المحكمة عشان تحضر الجلسة، وأنا بصراحة محبتش أسيبهـا تروح لوحدهـا .

هتفت "أميرة" بإبتسامة صغيرة وهي تنظر لـ رفيقتهـا وصديقهـا :
-أنا أفتكرتكوا نسيتوا !!..

هتفت بعتـاب :
-إزاي ننسى بس ؟؟..

غمغم "كامل" بإبتسامة صافية :
-يابنتي إنتي زي أُختي بالظبط !!.. يالا دلوقتي ندخل عشان نلحق الجلسة .

هزَّ "آسر" رأســـه بهدوءٍ، ثم أمسك كفي يدها وهو يخبرهـا بنظراتـه بعدم القلق، ثم تحركوا جميعًا متوجهين نحو داخل المحكمــة .

بعد مرور الكثيــر من الوقت..
وبعد مُرافعات ومباحثات وتقديم العديد من الأدلة، تمّ إصدار الحكُم عليـهم بعضٍ منهم بالإعدام شنقـًا لثبوت قضية إنفجـار الطائرة، والبعض الآخر حُكم عليـهم بالسجن خمسة وعشرون عامًا، وبعدهـا ضرب القاضي على السطح وهو يقول -رُفعت الجلسة- .

نهضت "أميرة" من مكانهـا وهي تبتسم بإنتصار، شعرت ببعض من الراحة تعتريهـا بعد أن أخذت حقهـا وحق والديهـا بالقانون، خرجت من قاعة المحكمة، أقترب "آسر" منهـا محاوطـًا إياهـا من كتفيهـا، تراجعت تلقائيًا للخلف وهي تجد ذلك الحشد الغفير المتواجد، وخاصةً حينما وجدت أندفاع هولاء نحوهـا تحديدًا، سألهـا أحدهم بعملية :
-إيـه شعور حضرتك بعد ما القضية أتحكم فيهـا ؟؟..

تساءل شخص آخر بجدية جعلهـا تدير رأسها نحوه :
-هل شركـات شاهين هتتصفى فعلاً ؟؟.. ولا دي مُجرد إشاعات ؟؟..

صــاح "آسر" بهم قائلاً بنبرة حازمـة :
-الآنسة مش قادرة تتكلم، وقت تاني من فضلكُم .

قال آواخر كلماتـه ثم أمسك بيدها ليسحبهـا بعيدًا عنهم، أغمضت عينيها بقوة وهي تشعر بأن وجوده معهـا كطوق النجـاة، أخترق "كامل" و"آدم" و"حبيبة" الحشد المحاوط بهم، هدر "كامل" بعصبية :
-وسع إنت وهو، وســع .

جذب "آدم" "حبيبة" من يدها بـ قوة ثم تحركوا نحو سيارتهم، فتحت "أميرة" عينيها حينما أستشعرت بأنه يفتح باب السيارة، نظرت لهُ قبل نظراتً أخيرة قبل أن تستقل بمقعدهـا، أغلق الباب بـ هدوءٍ، ثم دار حول السيارة لـ يستقلهـا إلى جوارهـا، ليقودهـا إلى قصر أشرف شاهين .

أمتدت غابة السكون بينهمـا، لم ينطق أحدهم بـ حرفٍ واحد ولم يحاولوا قطعـه، أرجعت رأسهـا للخلف مُعيدة نثر خُصلات شعرهـا للخلف لتحدق في الطريق بنظرات مطولـة، تحسست "أميرة" صدرهـا ناحيـة موضع قلبهـا، إبتسمت وهي تشعر براحة لا تعلم من أين مصدرهـا !!.. شعرت بثقل في جفنيهـا، ظلت تقاومـه بجهدٍ كبير، ذلك الإحساس المغري بالنوم عقب أن شعرت بالراحـة الحقيقية والأمـان، أنتصر عليهـا سُلطـان النوم فقد استسلمت لـهُ تمامًا بعد مُعانـاه، بينمـا هو كان في بعض الأحيـان يلتفت نحوهـا لـ يتأمل قسمـات وجههـا الهادئـة ثم يدير رأسـه في الأتجـاه الآخر، ألتفت بـ رأسـه ليجدهـا غافيـة، أرتسمت إبتسامة صغيرة عفويـة على شفتيـهِ وهو يتأمل سكونهـا، مسح على شعره وهو يُعيد رأسـه للطريق قبل أن يحدث نفسـه بـ :
-بتتعبينـي جامد يا أميرتــي .

أتسعت إبتسامتـه قائلاً :
-وكُل ده عشـان بحبـك !!..

لاحقـًا توقفت السيارات عند مدخل القصر، نظر لهـا لـ يجدهـا مازالت غافيـة، إبتسم إبتسامة جذابـة وهو يمتع عينيـه بـ جمـال وجههـا، هتف بـ تنهيدة حــارة :
-آآآه شكلك زي الملاك وإنتي نايمــة يا أميرتـي !!..

أغمض عينيـه للحظات ثم عاد يفتحهمـا وهو يردد بهمسٍ خافت :
أميرة، أميــرة !!..

أخرجهـا من نومهـا صوتـه العذب، فتحت عيناها بتثاقل ثم نظرت حولهـا وهي ترجع خُصلات شعرهـا للخلف :
-إيـــه !!.. إحنـا فين دلوقتي ؟؟..

أجابهـا بهدوءٍ :
-وصلنـا !!..

زفرت زفيرًا حارًا وهي تنظر حولهـا، ترجل من السيارة أولاً لكنـه لم يتحرك من مكانـه مُنتظرًا إياها، ترجلت من السيارة ثم أشـارت للسيارات الأخرى بالخروج، ترجلوا من السيارة ثم أتجهوا نحوهــا لتهتف بجدية :
-بقول إيـه، ما تيجوا نتغدى مع بعض، إيــه رأيكم ؟؟..

ردَّ "آدم" بإبتسامة بلهـاء وهو ينظر بإتجـاه "حبيبة" :
-لو حبيبة موافقة يبقى أنا كمـان موافق !!..

رفعت "أميرة" حاجبيهـا للأعلى على كلماتـه ثم حولت أنظارهـا إلى "آسر" الذي إبتسم إبتسامة جانبية وهو يحدق بهمـا بجديـة، وجه بصره بعدهـا بإتجـاه أميرتـه ليراهـا تنظر له بإبتسامة صغيرة مُنتظرة إجابتـه ليُجيبهـــا وهو يحرك رأسـه بخفة بعينين باسمتين :
-مفيش مـانع .

تعقدت تعبيرات وجـه "كامل" وهو يقول :
-عيب جدًّا لما أبقى سنجل وسطيكوا .

ثم صـاح بهم بإمتعاض :
-أنا عامل زي عاطف إللي كان في فيلم الناظر !!..

أنفجرت "أميرة" ضاحكة بقوة، ضحكة بعثت رعدةً بداخل قلب "آسر"، طأطأت "حبيبة" رأسهــا بخجل من نظرات "آدم" الرومانسية لهـا، توقفت "أميرة" عن الضحك لتُردف بجدية مُزيفة :
-طب يالا ندخُل، مش هنفضل واقفين كده .

هزوا روءسهم بهدوء ماعدا "كامل" الذي تمتم بغيظ وهو يُسير خلفهم :
-الصبر يــارب !!..

دخلوا المكـــان وكُلاً من "آسر" و"آدم" يتأملان القصر، ألتفت برأســه نحوهـا حينمـا وجدهـا تُصيح بـ كبيرة الخدم، أتت مهرولـة أتجاههـا، قالت "أميرة" وهي تُسير بيدهـا :
-حضري يا عفاف الغدا بسُرعـة، لأننا واقعين من الجوع .

هزت رأسهـا إيجابيًا قائلة :
-ثواني والأكل يبقى جاهز .

عادت إلى مقر عملهــا، ثم تحركت نحو غُرفة الطعـام وهم خلفهـا، دخلت الغُرفة عندما فتحت الباب عن طريق الجرّ، لتجد عمهــا وزوجـة عمهـا جالسين يتناولون وجبة الغداء الخاصة بهم، رفعت زوجـة عمهـا بصرهـا الحاد نحوهـا وهي تقول بضجر :
-أميرة !!.. إنتي وصلتي إمتى ؟؟..

ردت بهدوء :
-دلوقتـي ومعايــا ضيوف .

تساءل "فؤاد" بعينين حــادة :
-مين دول ؟؟..

ردَّت بهدوءٍ زائف وهي تُشير نحو "آسر" و"آدم" :
-آسر الألفـي صاحب أكبر مصانع اللحوم في مصر وبطل جمهوريـة في المُلاكمـة، وآدم الألفـي يبقى إبن عمـه وصاحب مزارع المواشي .

ثم أشـارت نحو "حبيبة" و"كامل" هاتفـة بضيق مكتوم :
-حبيبة الشناوي وكامل الأسواني، أصدقائي .

هب واقفــًا وهو يمسح يديـه بمنشفـة صغيرة ليهتف بعدهـا بإبتسامة باردة :
-وياترى تقربلك إيــه عائلة الألفي عشان يبقوا معاكي .

أمتعضت ملامحهــا بشدة مُتسائلة :
-وإيـه لازمـة السؤال ده ؟؟..

أجابهــا ببرود أشد :
-لأني عمك ومن حقي أعرف مين إللي هتتغدي معـاه ده .

كزت على أسنانهـا بقوة محاولة أن تتمالك أعصابهـا التي ستبدأ بالثوران، وضع "آسر" يديـهِ بداخل جيب بنطالـه الأسود ثم ســار ناحيتــه بخُطوات ثابتـة حتى وقف قبالتـه، رمقــه بنظرت لا تخشى من أحد، ليحدق الأخير فيـه بنظرات مُريبة وفي ذات القويـة، إبتسم إبتسامة جانبية وهو يقول بصوتٍ قاسٍ :
-ياريت تتكلم معاهـا كويس، وعلاقتهــا بينـا مش علاقـة واحدة، لأ.. دي علاقتين !!..

تعلقت أنظار "فؤاد" بهِ وقد أصابتـه حالة من الريبة، برزت أسنان "آسر" من خلف إبتسامتـه القاسية وهو يؤكد له بثقة تامة :
-أميرة الدكتورة الأساسية لعيلتنـا، وبتشتغل في مُستشفى والدتي الله يرحمهـا، وغير كده وده الأهم...

صمت للحظــة قبل أن يقول بهمسٍ خطير :
-تبقى حبيبتي !!..

رمقتـه بعينين واسعتين، إبتسمت إبتسامة صغيرة دون شعور منهـا، ثم نظرت نحو عمهـا وزوجتـه بإبتسامة إنتصـار، حدق "فؤاد" بـهِ بوجهٍ جامد كالجليـد عكس النـار المشتعلة بداخل صدره، وبعينين مليئة بالشر الدفين، قرأهم "آسر" بسهولة، فـ تقوس فمـه للجانب ثم فرك طرف ذقنـه وهو يتمتم بذات الهمس :
-وقريب جدًّا هجيلك عشان أتقدم وأتجوزهــا ده لو معندكش مانـع يعني .

نظراتـه الحانقـة ملأت حدقتيـهِ وتشعب غضبـه في عروقـه، أنتصب "آسر" في وقفتـه ليبدو أكثر مُهابة وطولاً، ضشيق عينيـه الصارمتين نحوه وهو يُتـابع بصوتــه القوي :
-ولا حضرتك عندك مانـع ؟؟..

إبتسم "فؤاد" إبتسامـة عابثة قائلاً :
-ردَّي هيوصلك يوم ماتتقدم .

ثم أستدار برأســه ناحية "سميرة" ليحدثهـا بصوتٍ غامض :
-تعالي يا سميرة نخرج من هنـا، عشان يقعدوا مع بعض على راحتهـم .

عاد ينظر إليــه قائلاً بإبتسامة باردة :
-خدوا راحتكوا على الآخر، إحنا أصلاً خارجين نزور أصدقاء لينــا، أبقى شرفنـا تاني .

-أكيد .

قالهــا "آسر" ببرودٍ قاسٍ، بينمـا خرج "فؤاد" من الغُرفة وخلفـه زوجتـه التي رمقتــه بنظرات مطولـة مليئة بالغل والحقد، بادلهـا الأخير نظرات باردة تُثير الأستفزاز، ثم تحرك نحو المائدة، جلست "أميرة" على المقعد الخاص بهـا، لـ يسحب "آسر" المقعد المجاور لهـا وأستقر أعلاه، ثم بدأ الجميع بالجلوس، دخلت "عفاف" وخلفهـا عدد من الخادمات الشابات لتسند كُل واحدة منهم صحون من الطعام، أشـارت كبيرة الخدم لأحدهن بحمل تلك الصحون الفارغـة، حملتهـا بهدوء ثم أنصرفت معهم، تساءلت "أميرة" في شئ من الضيق :
-إيــه إللي خلاك تقولهُ إني حبيبتك ؟؟..

ردَّ بهدوء :
-عشان دي الحقيقة، وبعدين عشان يشيل فكرة جوازك من إبنـهُ .

نظرت لهُ نظرةً أخيرة قبل أن تبدأ في التناول، رمقهم "آدم" بحيرة مُتسائلاً بضيق :
-ماتفهموني يا جماعـة ؟؟.. يعني الكُل فاهم ماعدا أنـا !!.. هو ليـه التعامل ما بينك يا أميرة وما بينـه كده ؟؟..

أجابتـه بنظرات عملية :
-دي حكايـة طويلة، آسر يبقى يحكهالك عشان تبقى فاهم كُل حاجة .

حرك رأسـه بخفة وهو يقول بضيق :
-بس على فكرة، الراجل ده شكلـهُ مش سهل .

إبتسمت بتهكم هاتفـة بـ :
-من ناحية أنهُ مش سهل، فهو مش سهل خالــص .

تمتم "كامل" بضجر :
-أيوة ده شيطـان .

غمغمت "حبيبة" بعبوسٍ :
-وأوحش من كده كمـان هو ومراتـهُ .

هتف "آدم" بتعجب :
-يــاه، للدرجادي ؟؟..

تحدث "آسر" بخشونـة :
-وأكتر من كده يا إبن عمي، على العموم أنا هبقى أحكيلك بس مش دلوقتي .

قالت "أميرة" بملامح هادئة وبإبتسامة صغيرة :
-طب مُمكن تاكلوا، الكلام مش هيخلص !!..

******
بعد مرور ساعــة جلس كُلاً من "كامل" و"حبيبة" و"آدم" بداخل غُرفة الصالون، بينما جلس "آسر" مع أميرتـه في حديقة القصر، فقد أنضم إليهـا ليشاركهـا أحتساء القهوة، ومن بعد ذلك سألهـا بنظراتٍ غريبة :
-بتحبي الحفلات ؟؟..

ردّت بدون تفكير :
-في نوع من الحفلات بحبـه .

ترك فنجـان القهوة خاصتـه، ثم عاد يسألهـا :
-إيـه النوع بقى ؟؟..

أجابتـه بإبتسامة صغيرة :
-بُص هي الحفلة الوحيدة إللي نفسي أحضرهـا لأني بحبهـا بجد هي الحفلات التنكرية .

ألتمعت عينـاه بوميض مليئ بالحماس، تنغض جبينهـا بعدم فهم وهي تُغمغم :
-بس بتسأل ليـه ؟؟..

ردَّ بجدية :
-لأ مُجرد سؤال .

عاد يستطرد بإبتسامة عميقة :
-عارفـة أنهُ واضح عليكي أنك مُتميزة في كُل حاجـة .

ردَّت "أميرة" عليـهِ بثقتهـا العالية :
-مش كُل حاجـة يا آسر بس لما بحب حاجة بحب أتميز فيهـا .

نهض عن مقعده متوجهًا نحو مقعدهـا ثم مال عليهـا قليلاً، أبعد بـ إبهامـهِ خُصلاتهـا عن وجنتهـا ثم هتف بهمسٍ وهو يرتشف من معالم وجههـا الفاتن :
-لأ تعجبيني .

وضعت يديهـا على كتفيـه لتدفعـه بخفـة قائلة بإرتباك :
-طيب عن إذنك .

نهضت سريعًا عن مقعدهـا، وتوجهت للداخل، أمـا عنـه فـ وضع يديهِ في جيب بنطالـه وعلى شفتيـهِ إبتسامة ماكرة ثم توجـه لداخل ولازالت تلك الإبتسامة على شفتيـهِ .

دخلت القصر وصدرهـا يعلو ويهبط وإبتسامتهـا الصغيرة على شفتيهـا، ولكن سُرعـان ما تلاشت وأتسعت مقلتاهـا مصدومة بصورة مُفاجئة، أشتعلت عيناهــا كـ جمرتين من النــار، بدت واثقة في خُطواتهــا التي تشق الأرض شقـًا أثناء سيرهـا المُتعجل أتجاهــه !!..

وقفت أمامـــه وهي تنظر لهُ نظرات حـادة غاضبـة، بينمـا يقف هو بشموخ زائف لا يليق بهِ، كان يضع يديـهِ بداخل جيب بنطالـه وإبتسامة باردة قد أرتسمت على شفتيـهِ، رمقهـا بتفحص دقيق، فقد تغيرت تمامًا، حيثُ بدت أجمل وأفتن عن ذي قبل، هتف الشـاب بإبتسامة عابثة :
-أزيك يا أميرة، واضح أنك فكراني كويس .

هدرت "أميرة" بهِ بغضب وفي ذات الوقت بذهول :
-إنت إيــه إللي رجعك ؟؟..

دخل "آسر" وقد أستمع إلى سؤالهـا الذاهل والغاضب، أقترب منهما بخُطوات هادئة ولا يُزال يضع يديهِ بداخل جيب بنطاله، حدق بهِ "آسر" بـ شئٍ من الغضب، تساءل بـ خشونـة قاتلة وأعين مُلتهبة كـ الجمر :
-إنت مين ؟؟..

أجابـــه ببرودٍ قاتل غير مُدركـًا ما سيحدث :
-حاجة متخصكش .

صـاحت "أميرة" بهِ غضبًا وهي تهتف :
-إنت عاوز إيــه ؟؟..

أفترب منهـا أكثر ليُجيبهـا بسماجةٍ :
-عشانـك .

كاد أن يمسك يدهـا إلا أنهـا لم تسمح لهُ بذلك حيثُ هتفت "أميرة" بغموضٍ مُثير :
-تؤ تؤ، حلوة الكلمة دي !!.. بما إنك جيت لحد عندي، فـ دلوقتي هاخُد حقي إللي ملحقتش أخدهُ منك .

وقبل أن يدرك مقصدهـا كانت غافلتـه بقبضتهـا التي أصطدمت بـ وجهه وكفهـا الذي هبط بعُنف جلي على عنقـه، ليسقط جسده على الأرض غير قادرًا على الإستيعاب مـا حدث، أتسعت عيناي "آسر" في محجريهمـا من هول ما شاهده، جثت "أميرة" على رُكبتيهـا أمامـه ثم بحركة مُفاجئة جذبتـه من فروة شعره لتصرخ فيه بشراسة :
-فاكر إني هعدي إللي عملتـه فيـا يا كلــب !!.. أنا كُنت واثقة أنك هتحاول تجيلي عشان تشمت فيا وتشوفني عاملـه إزاي عشان تلعب لعبتك القديمة، بس أنــا أميرة شاهين !!..

قالتهـا بصراخٍ قبل أن تلكمـه بقوة في فكـه، عادت تتحدث بقوة :
-كويس أنك جيت عشان أحاسبك على كُل لحظة تعب حسيتهـا بسببك، المرادي أنا مش هسيبك يا نــادر، إلا لما أخُد حقي منك !!..

توهجت أعين "آسر" بنظرات نارية لا تنذر بأي خيرٍ على الإطلاق، لقد أزيح الغطاء عن كُل شئ، وتكشفت الحقائق في لحظة غير متوقعـة، تشنجت عضلات وجهه وتجمدت حواسـه، أمسك رسغهــا قائلاً بخشونـة :
-قومي يا أميرة .

هدرت "أميرة" فيه بحدة :
-سبني يا آسر، مش هرتاح إلا لما أخُد حقي من الكلــب ده .

هتف بنبرة هادئة قائلاً بتأكيد :
-قومي يا أميرة، وإنتي بنفسك هتشوفيني وأنا بجيب حقك .

بعد معانـاه نهضت من مكانهــا، خرج كُلاً من "آدم" و"حبيبة" و"كامل" من غُرفـة الصالون لتتوسع أعينهم من هول ما يشاهدوه، أنحنى "آسر" قليلاً ليجذبـه من تلابيبه قائلاً بنبرة مُخيفة :
-هاندمك يا إبن الـ..........، هخليك تعرف أن يوم ما فكرت تقرب منهـا كُنت بتقرب من عداد موتك !!..

هتف "نـادر" بإبتسامة باردة :
-وإنت مين يعني عشان تاخُد حقهـا ؟؟..

إبتسم إبتسامة خطيرة وهو يُجيبه :
-تبقى حبيبتي !!..

تلاشت إبتسامتـه الباردة وهو يُحدق بهِ بغضب، رمقــه "آسر" بإبتسامة شيطانية قبل أن يسدد لهُ لكمة عنيفـة في أنفه وفكـه وهو يصرخ بهِ بنبرة عدائية :
-أميرة لأ !!..

ثم سدد لهُ لكمتين أقوى عن ذي قبل، ركض "آدم" نحوه ليمنعه من ضربـه، هاتفـًا بصوتٍ أجشَّ :
-سيبــه يا آسر، إنت كده مُمكن تروح في داهيـة .

أستشاطت نظرات "آسر" حينمــا تذكر كلماتهــا الباكية وهي تقص عليـه ما كان يودَّ أن يفعلـه فيهـا، أقترب "كامل" وقال برجاءٍ :
-سيبـه يا آسر ده ميستاهلش .

لما يستمع إليهما قط فقد كان عاقدًا العزم على القصاص بشراسةً ممن ألمهـا يومًا، كاد أن يلكمــه بقوة لولا صوت أميرتـه الراجي حيث قالت بتوسل :
-كفايـة يا آسر .

حدق بهِ بغضب ولكن تركـه وتراجع للخلف عدة خُطوات قبل أن يقول بصوتٍ جهوري أجشَّ :
-لو شوفتك تاني بتقرب من حياتهــا، مش هيحصلك طيب، اللهم بلغت اللهم فـ أشهد .

رمقـه بنظرة عدائية صارمة لا تحمل إلا تهديدًا صريحًا بالفتك بهِ دون إبداء ذرةٍ ندم واضحة إن تجرأ وفكر في إيذائهـا، أشــار بإصبعيــه قائلاً بقوة صارمة وقد أحتدت نظراتــه :
-بـــرااااااااااااا !!..

نظر لهُ بجمود زائف، ثم تحرك نحو الخارج وهو يعدل ملابســه، رمقـه "آسر" بنظرات مليئة بالظلام الدامس.. كـ الليل الأسود، ثم أستدار بجسده ناحية "أميرة" التي كانت جامدة، فقد أستيقظ بداخلهـا لحظات الألم التي عاشتهـا، تقدم منها بضع خُطوات وهو ينطق إسمهـا بجدية :
-أميرة !!..

نظرت لهُ بغرابـة لـ يتساءل بقلقٍ :
-إنتي كويسة ؟؟..

أحست بـ تشوش الرؤيـة لديهـا وبأن ظلام مُريب يزحف نحو عقلهـا لـ يتخلى بعد ذلك وعيهـا عنهـا من شدة الضغط النفسي، نظرت إليـهِ بنظرات زائغة، وهي تشعر بأن رأسهـا تدور بشدة، ترنحت للخلف فـ أنتفض قلبـه بين ضلوعــه وهو يحدجهــا بخوفٍ، سقطت "أميرة" مغشيًا عليهـا، وقبل أن يهوى جسدهـا تلقاهـا "آسر" بذراعيهِ، وضمهـا إلى صدره كي يسندها، صرخت "حبيبة" بإسمهـا :
-أميرة !!..

أسند "آسر" "أميرة" بـ أحد ذراعيـهِ، ورفع ذراعـه الآخر في أتجــاه وجههـا، ربت على وجنتيهـا برفق بكف يده عسى أن تفيق قائلاً بنبرة مُرتعدة :
-أميرة، أميـرة رُدَّي عليــا، أميرة !!..

أرتجفت "حبيبة" ثم تراجعت للخلف، دنـا منها "آدم" قائلاً برفق :
-أهدي يا حبيبة، ماتقلقيش هي هتبقى كويسة .

حرك "آسر" راحة يده وأمسك بـ "أميرة" من فكهـا بـ أصابعـه؛ لـ يهز في وجههـا لليمين واليسـار، فشلت محاولاتــه بإفاقتهــا فـ بدون أن يفكر مرتين أحكم لف ذراعـه المُسند لهـا عليهـا، ثم أنحنى بجذعـه ليضع ذراعـه الآخر أسفل رُكبتيهــا، حملهـا بكُل خفة بين ذراعيــهِ، ثم أستدار برأسـه ناحية "حبيبة" ليسألهـا وعينيهِ مُضطربتان :
-فين أوضتهــا ؟؟..

أشــارت لهُ بيدهـا بأن تأتي معـه، ثم تحركت بخُطوات مهرولـة نحو الدرج، صعد خلفهـا والقلق يعتصره، فـ أحداث اليوم جعلتهــا في ضغط نفسي شديد، تحرك كُلاً من "آدم" و"كامل" نحوهمـا حتى وصلوا إلى الغُرفة، وضعهـا على الفراش برفق، بينما تحركت "حبيبة" نحو التسريحة لتسحب قنينة عطر يبدو إنها باهظة الثمن، ناولتهــا لـ "آسر" الذي أخذهـا على الفور دون أن ينبس بـ كلمة، ثم بدأ بـ نثر العطر على كفي يده، حرك كف يده ناحية أنفهــا مُجبرًا إياها بالإستنشاق لـ تخرج من الغيبوبـة المؤقتـة .

أرتجفت شفتاهـا مُخرجة آهة خافتـة، تحركت رأسهـا لا إراديًا مع تلك الرائحة القوية التي أخترقت أنفهـا، أستمر "آسر" في تقريب كفي يده المبتل بالعطر من أنف "أميرة" لتستنشقهـا بالإجبـار حتى تفيق تمامًا، كانت "حبيبة" جالسة على طرف الفراش تهز ساقيهـا بتوتر وقلق على رفيقة عُمرهـا، أنحنى "آدم" نحوها هاتفــًا بهدوءٍ لـ يبث لهـا الطمأنينة :
-ماتقلقيش يا حبيبة، هي كويسة !!..

هتفت بتوتر جلي :
-طب إيـه إللي وصلهـا لـ كده ؟؟.. أنا ماصدقت أنهـا بقت كويسة !!..

تنهد "آسر" مُتألمًا لحالهـا، ثم أسبل جفونـهُ وردد بـ حُزن كسا صوتـهُ :
-للأسف أميرة عندهـا ضغط نفسي جامد، أحداث النهاردة كانت كتير عليهــا، وأنا كُنت حاسس أنـهُ هيحصلهــا كده .

هتفت "حبيبة" بـ حُزن وهي تتساءل :
-هي الأحداث وحشة وقوية للدرجة دي ؟؟..

سألهــا بريبة :
-أشمعنا ؟؟..

أجابتـه بصوتٍ مُتحشرج وقد أنثالت دموعهـا من طرفيهـا :
-أميرة بيغُم عليهـا يإما في حالتين، ياإمـا لو شمت ريحـة سجاير أو عوادم سيارات قوية لـ فترة، ياإمــا لو أتضايقت أوي وزعلت جامـد، وللأسف حالتهــا التانية دي بذات بدأت بعد أهلهــا ماتوفوا.

أعتصر قلبــه بألم، عاد يُحدق فيها بعيون لامعـة من الحُبَّ الطاهر الصادق وهو يقرب كفي يده مرة أُخرى نحو أنفهـا لتستنشق رائحة العطر، هتف "كامل" في شئ من القلق :
-إن شاء الله خير يا جماعـة، أميرة بردو قويـة .

تجاوبت "أميرة" معه وبدأت تستعيد وعيهـا، أستمع إلى همهماتهـا غير المفهومـة وهي تحرك رأسهـا للجانبين، فتحت عينيهـا ثم تساءلت بتعبٍ :
-أنا فين ؟؟..

ردَّت "حبيبة" بلهفةٍ وهي تركض نحوهـا :
-إنتي فـ أوضتك، حاسة بإيــه دلوقتي ؟؟..

أجابتهــا بوهنٍ :
-حاســه إني مش قادرة أرفع جسمي، وحاسه بـ صُداع بس خفيف .

مسح "آسر" على شعر رأسهـا ثم أبعد خُصلات شعرهـا عن وجههـا وهو ينطق بإبتسامة باهتة :
-ماتقلقيش، إنتي كويسة .

إبتسمت لهُ بإمتنان، أقتربت "حبيبة" منهـا ثم أنحنت بجسدهــا لـ تُقبَّل جبينهــا بـ حنان مُثير، جلست بجانبهــا على طرف الفراش ثم أمسكت بـ رأس صديقتهـا لتضمهــا بداخل أحضانهــا وهي تمسح على شعر رأسهــا بحنان، أستسلمت "أميرة" لذلك الهدوء المُثير وظلت قابعة بداخل أحضـان رفيقتهـا تودَّ أن لا تخرج منــه الآن، أغمضت عيناها بتعبٍ لـ تذهب بعد دقائق ليست كبيرة إلى النوم العميـق .

أبتعدت "حبيبة" عنهـا بحرصٍ ثم نهضت من مكانها بهدوء، رمقهـا "آسر" نظرةً أخيرة عبر فيهـا ما بداخلـه، خرجوا من الغُرفة بحذرٍ، ليتحدث "آدم" بشفقة :
-أميرة صعابنة عليـاا جدَّا، ربنا معاها بجد .

هتفت "حبيبة" بإبتسامة جانبية :
-طبعًا هيبقى معاها، هي بنت كويسة جدَّا ومتستحقش إللي بيحصلهـا ده .

تمتم "آسر" بثقـة :
-أميرة هتتغير وهتبقى أقوى من الأول كمــان وإنتي هتشوفي بـ نفسك .

نظر لهُ بغرابة ليُتابع بلهجة تحمل الكثير من الوعيد :
-صدقيني يا حبيبة، أنا هندم كُل شخص أذاهـا حتى لو بـ كلمة، كفايـة إللي حصلهـا زمـان .

غمغمت بـ ذهول وبـ نبرة توضح مدى صدمتهـا :
-زمــان !!.. هو إنت عرفت ؟؟!..

أجابهــا بـ تأكيد مُشددًا على كُل كلمة يقولهـا وقد تهجمت ملامحــه :
-أيوة عرفت، ومش مسامح ولا هسامح أي حد أذاهـا حتى لو كـان مين، ومش هسمح لـ أي مخلوق على وجه الأرض أنهُ يفكر يأذيهـا، ولو أذاهـا هيشوف وش الشيطـان، وهيشوف قسوة عُمرهُ ما شافهــا .

نظرت لـهُ بـ ذهول من كلماتـــه الصارمة القوية، إبتسمت لـهُ بمكر وهي ترفـع حاجبيهـا للأعلى بإعجـاب، إبتسم "آدم" إبتسامة واسعة وهو يهزَّ رأســه بـ خفة، فقد وقـع إبن عمـه الوحيد وصديقــه في دائرة العشق، عقد "كامل" ساعديــهِ أمام صدره وهو يتساءل بـ مكرٍ :
-آسر، من غير كلام كتيـر، إنت بتحبهـــا ؟؟..

إبتسم إبتسامـة عميقــة وهو يُجيب على سؤالـه بـ عشقٍ :
-بعشقهـــا، مش بحبهـــا وبس !!..

************


أميرة مدحت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الحب، الرومانسية، الواقع، الألم، العذاب

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:30 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.