آخر 10 مشاركات
116 - أريد سجنك ! - آن هامبسون - ع.ق (الكاتـب : angel08 - )           »          91-صعود من الهاوية - بيتي جوردن - ع.ج ( إعادة تصوير )** (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          ملك يمينــــــك.. روايتي الأولى * متميزه & مكتمله * (الكاتـب : Iraqia - )           »          [تحميل] حصون من جليد للكاتبه المتألقه / برد المشاعر (مميزة )(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          والروح اذا جرحت (2) * مميزة ومكتملة * .. سلسلة في الميزان (الكاتـب : um soso - )           »          كوب العدالة (الكاتـب : اسفة - )           »          خلف الظلال - للكاتبة المبدعة*emanaa * نوفيلا زائرة *مكتملة&الروابط* (الكاتـب : Just Faith - )           »          الإغراء الممنوع (171) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 1 سلسلة إغراء فالكونيرى..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          في غُمرة الوَجد و الجوى «ج١ سلسلة صولة في أتون الجوى»بقلم فاتن نبيه (الكاتـب : فاتن نبيه - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree70Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-08-17, 09:08 PM   #111

Suhan

? العضوٌ??? » 402470
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 54
?  نُقآطِيْ » Suhan is on a distinguished road
افتراضي


تسجيل حظور
تصميمن ثانيين من اقتباسات سابقة ايام الدعاية

[IMG][/IMG]

[IMG][/IMG]

باقي ساعة وينزل الفصل


Suhan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-08-17, 09:13 PM   #112

Suhan

? العضوٌ??? » 402470
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 54
?  نُقآطِيْ » Suhan is on a distinguished road
افتراضي

[IMG][/IMG]

Suhan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-08-17, 09:29 PM   #113

طاب المذاق

? العضوٌ??? » 388109
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 23
?  نُقآطِيْ » طاب المذاق is on a distinguished road
افتراضي

منتظرين العمران ومفتاحه
مع صاحبة القلم الذهبي
👍

نرمين نحمدالله🎀


طاب المذاق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-08-17, 09:46 PM   #114

Suhan

? العضوٌ??? » 402470
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 54
?  نُقآطِيْ » Suhan is on a distinguished road
افتراضي

العد التنازلي 15 دقيقة

Suhan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-08-17, 10:02 PM   #115

Malak assl

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وقاصة وقلم مشارك في منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات ونجمة كلاكيت ثاني مرة و راوي القلوب وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية Malak assl

? العضوٌ??? » 387951
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,870
?  نُقآطِيْ » Malak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond repute
:thanks:

اثبت حضووووور بالانتظار

Malak assl غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-08-17, 10:05 PM   #116

جنة الفهد
 
الصورة الرمزية جنة الفهد

? العضوٌ??? » 404804
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 8
?  نُقآطِيْ » جنة الفهد is on a distinguished road
افتراضي

:heeheeh:حضوررررررررر

جنة الفهد غير متواجد حالياً  
التوقيع
تسلم الأنامل الرقيقة
رد مع اقتباس
قديم 03-08-17, 10:06 PM   #117

Mrs.hamdallah
 
الصورة الرمزية Mrs.hamdallah

? العضوٌ??? » 376197
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 441
?  نُقآطِيْ » Mrs.hamdallah has a reputation beyond reputeMrs.hamdallah has a reputation beyond reputeMrs.hamdallah has a reputation beyond reputeMrs.hamdallah has a reputation beyond reputeMrs.hamdallah has a reputation beyond reputeMrs.hamdallah has a reputation beyond reputeMrs.hamdallah has a reputation beyond reputeMrs.hamdallah has a reputation beyond reputeMrs.hamdallah has a reputation beyond reputeMrs.hamdallah has a reputation beyond reputeMrs.hamdallah has a reputation beyond repute
افتراضي

متشووووووقين للتعاويذ ......تسجيل حضور

Mrs.hamdallah غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-08-17, 10:10 PM   #118

Jody mostafa

? العضوٌ??? » 403228
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 88
?  نُقآطِيْ » Jody mostafa is on a distinguished road
Mh04

مبروك يا نيمو مستنين تفاجئينا يا ملكة

Jody mostafa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-08-17, 10:19 PM   #119

Suhan

? العضوٌ??? » 402470
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 54
?  نُقآطِيْ » Suhan is on a distinguished road
افتراضي

فين الفصل ارجع الصفحة ولا ايه ؟

Suhan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-08-17, 10:32 PM   #120

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

مقدمة

قالوا لي يوماً لا تصدقي كل ما تراه عيناكِ ...
ولا كل ما تسمعه أذناكِ...
قالوا لي صدقي قلبك!!!
الحمقى!!!
وهل أكذب من أحاديث القلوب؟!!
قالوا لي إن الحقيقة واضحة كالشمس ثابتة ثبات الجبال...
فوجدت الوهم يتلبس ثوبها بمهارة ليخفي الشمس خلف غيومه...
ويزلزل الجبال الراسخات!!!
وما بين الوهم ...والحقيقة تخبطت أحداث حكايتي...
لكنني ...ما عدت أهتم...
إذا انفرطت لآلئ كنوز العمر من بين أناملك في حلكة الليل...
فليس بعد الفقر...إلا الظلام!!

"مُزن "
==========
لحظة!
هي مجرد لحظة !!
لحظة فارقة في حياتي فصلت بين البياض والسواد...
واختلت فيها "موازين" العدل...
لحظة كنت موقناً أنني سأدفع ثمنها ما بقي لي من عمر...
لكنني لم أستطع إعادة xxxxب الساعة للخلف!!!
لحظة "مات" فيها قلبي...
لكنه بدا وكأنه بُعث من جديد عندما وُلدت هي!!!
هي "المزن" الذي انتظرت هطول أمطاره على جديب أيامي ليحييه من بعد عدم...
وليتني علمت أنه لن يكون صيباً نافعاً بل سيلاً سيجرف في تياره حصاد عمري كله...
أنا ربيت الوحش حتى إذا ما اشتد عزمه كنت أول ضحاياه...
لكن ...علامَ الملام؟!
أنا من فركت المصباح...وأطلقت المارد من طول رقاده...
و"مارد" الخطايا لا يحقق الأمنيات...
بل...يسحقها!!!

"يَزن الأمير"

==========
يدور الزمان...
يعيد تشكيل عجائننا ليصنع منا أناساً لا يشبهون صور مرايا قلوبنا ...وإن تشابهت ملامح الجسد...!!
كن ظالماً أو مظلوماً لا يهم...
فعندما تنغلق دائرة الانتقام ستجبر الجميع أن يدوروا معها دونما توقف!!

"إيزيس "

==========
حبي كدعوة مؤمن ناجى بها ربه في جوف الليل فأتته في بشرى فجر...
وحبك كتوبة كافر ساعة أدركه الموت فلن تقبل ولو بعد حين...
"وَسَن"

==========
ما يفعل المُعَلّق ب"أنشوطته" عندما يتأرجح جسده على الخط الفاصل بين الفردوس والجحيم...؟!!
"رائحة الجنة " تداعب أنفه بعطر باذخ الفخامة...
لكن "دخان النار" يكاد يخنق ما بقي من أنفاسه...
فكيف الخلاص؟!!
"تيّم"
===========
كوني كما تشائين لكن لن تصيري إلا لي!!!
احلمي كما تشتهين في ليلك ...لكن اعلمي أن الشمس لن تشرق عليكِ إلا بين ذراعيّ...
اكتبي ما تبغين من أشعار وأساطير وتعاويذ...
وأعدكِ أن أعدّلها بخط يدي لتلائم مزاجي!!
نعم ...يا ملكة "النار والثلج" ...
اعلمي أن قيدكِ وتاجك كليهما بين أناملي...
فلا خيار ...لا خيار!!
"جاد"
========
يقولون إنها شعرةٌ فارقة بين الحب والجنون!
شعرة رقصنا عليها بخفة أقدامٍ تطير فوقها ولا تلامسها...
لا تلومي الحب لو وعدنا بما لم يستطع منحه...
ففي النهاية كلنا أسرى اللحن...عندما ينتهي...نتوقف عن الرقص!!
"كنان"
======
ما أدراكِ عن عالمي كي تحتقري سُكنايَ فيه؟!!
ماذا عرفتِ عن "مجانيّة" الطهر كي تعاتبيني في "ثمن" الخطيئة؟!!
ابتعدي يا "مخملية" عن دَنس ردائي وانفضي الغبار عن ثوبكِ الجميل...
عندما تكونين" الشمس" فلا تلومي "الظلال"...!!
"شادو"
==========
واحد...اثنان...ثلاثة...أو حتى عشرة!!
كل الخيوط ستبقى في يدي لأنني الوحيد منكم الذي يدرك كل الأسرار!
فقط لا تصدقوا عيونكم...
فالصورة الحقيقية عندي...عندي أنا!
"الوزير"
=========
نقترب...ونبتعد. ..ثم نقترب ...ونبتعد...
لكنني ما شعرت يوماً ب"اندماج" مع أحد ك"التصاق" روحي بروحك!
شبيهان نحن حدّ التماثل ...ونقيضان نحن حد العداء...!
جميلان معاً حد الكمال...وقبيحان حد النفور...!
فما العمل يا "عظيمة المقام" إذا كان قربكِ يبتلعني ...
وفراقك يمزقني بصعودٍ "ضد الجاذبية"؟!!!
"همام"
========
هنا...أرض القصاص...
أرض العدل كما أراه...
فاخلعوا نعالكم على أبواب أرضي الطاهرة...
واخلعوا معها كل قناعاتكم الماضية...
واسمعوا ...
اسمعوا ما يتلوه "مفتاحي" من حكاياكم...
فهو يقرأ مصائركم بما يعلمه من ماضيكم...
مفتاح عمران لا يكذب...
وأمره عليكم نافذ...
ربما لأنه لا يفتح باباً مغلقاً...
لكنكم أنتم...من نسيتم أبوابكم مفتوحة!!!
أنتم من اخترتم البداية...
فتقبلوا النهاية ...
فقط تذكروا أن "السر" بداخلكم...
سرّ "مفتاح عمران"!

"عمران"
=========
للأسف...
هي ليست قصة حب الجميلة والوسيم التي تتطاير حولها فراشات الحب...
ولا قصة رعب تنزع النوم عن العيون بعدما ترفعون أغطيتكم على أجسادكم خوفاً...
ولا هي قصة خيالية تهربون بها من رتابة واقعكم...
لكنها حقاً...مخيفة!
والخوف يكمن في تفاصيلها التي تغوص بنا في أشد مناطق نفوسنا خطورة...
"ضمائرنا"!!
هي قصة حب...من نوع آخر...
قصة رعب...من نوع آخر...
قصة خيال...من نوع آخر...
هي قصة...
مفتاح عمران
"نرمين نحمد الله"


تنويه
هناك بعض النصوص المقتبسة بنصها من دراسات علمية عن التاريخ الفرعوني...وأخرى قمت بتجميعها من عدة مصادر مختلفة وصياغتها بأسلوبي...
وآخر الرواية سأورد هذه المصادر جميعها إن شاء الله ...














الفصل الأول
(حديث المرايا)
************

فلنعتبرها البداية...حتى إشعار آخر!!!!

**************

_ها قد وضعتِ صغارك يا جميلتي!
هتفت بها أمام القطة مشمشية اللون التي أوقعها حظها البائس في طريقها ليلة البارحة...

كانت قد عادت من ليلة صاخبة بالإثارة لا تكاد تذكر شيئاً من تفاصيلها سوى ذاك "القبيح" الذي كان معها وزجاجة الخمر التي ابتلعت نصفها كاملاً لتُغيّب عقلها -طوعاً-عن تذكر ما تلا ذلك من تفاصيل.
وأثناء صعودها للدرج القديم المؤدي لشقتها المتواضعة سمعت مواء تلك القطة والذي رد لها جزءاً من ذكريات بعيدة قاسية ربما كانت السبب في استعادتها لنذر يسير من الوعي!
وجدت نفسها تتتبع الصوت بحذر حتى قادتها خطواتها نحو سطح البيت فسارت بحذر لتفاجأ بهذه "البائسة" تختبئ خلف صندوق قديم... تموء بصوت غريب وقد وشى انتفاخ بطنها البارز بما تعانيه...
فتارةً تنام على جنبها وتارة تنام على صدرها مع مد رجليها للأمام وجسدها يرتجف بقوة ألمه...
كانت تدرك بخبرتها أن هذه أمارات قرب ولادتها...
وقفت مكانها تتأملها لفترة بذهن مشوش والصورة في ذهنها تختلط بمشاهد عديدة من حياتها السابقة...
مشاهد تتخضب بحمرة الخطيئة مرة... .والغدر مرة أخرى...
حتى ما عادت تدري موقعها بالضبط من هذه اللوحة المدنسة!!
لهذا لم تشعر بنفسها وأظافرها تنغرس في لحم ذراعها العاري بقوةٍ تدميه وهي تراقب القطة بشرود ،
حتى انتبهت أخيراً على شعورها بالألم فتوقفت عما تفعله وهي تزفر بقوة قبل أن تطلق سبة بذيئة .
رمقت القطة بنظرة طويلة غامضة ثم همست بصوت غريب:
_سأعود لكِ عندما أستيقظ لأمنحكِ مشهداً لن تنسيه أبداً!

وها هي الآن تفي بوعدها وهي تجلس القرفصاء أمام القطة التي انتصبت شعيرات جسدها بتحفز وعلا صوت موائها موازياً لتكشيرها عن أنيابها وهي تقرب صغارها منها بحمائيتها المعهودة...
لكنها لم تبالِ وهي تبرز السكين الذي كانت تخفيه خلف ظهرها بخفة لتغرسه بعنف في ظهر إحدى القطيطات الوليدة!!!!
هنا هجمت القطة عليها بعنف تخمش ذراعها بمخالبها وهي حائرة ما بين حماية صغارها أو التصدي لهذا الهجوم الغادر!
لكنها لم تتوقف وهي تدفع القطة عنها بقوة ليعرف سكينها الحاد طريقه نحو الصغيرات جميعهن بخفة وسرعة ...
علا صوت المواء حولها يكاد يصم أذنيها لكنها لم تتوقف عما تفعله...
صورة الدم المراق حولها كانت تمنحها لذة خاصة...
وهجوم "القطة" العنيف الذي كان يعاود تمرده لم يزدها إلا إصراراً رغم الألم!
حتى وقفت على قدميها أخيراً تراقب "المجزرة" التي أحدثتها يداها بنظرات زائغة قبل أن تلوح بسكينها مهددةً في وجه القطة التي كادت تهاجمها من جديد بمواء شرس...
لكنها سلمت أخيراً بوجوب الفرار بعدما فقدت صغارها وقدرتها على المقاومة!!
راقبت هروب القطة بشرود وخفقات قلبها تزداد جنوناً حتى همست أخيراً بصوت لاهث:
_سامحيني ...أردت فقط الاستمتاع برؤيتك تدافعين عن صغارك...منحتِني مشهداً افتقدته ...وأظن أنني أنا الأخرى منحتكِ مشهداً لن يفارقك!
قالتها وهي ترفع ذراعها -الذي امتلأ بجروح قوية أحدثتها "الأم المكلومة" - أمام وجهها تراقب الدم الذي تخضب به سكينها بنظرات غريبة...
قبل أن تردف ببطء وبنظرات زائغة:
_صدقيني...لن يسعدكِ أن يكبرنَ في عالمٍ كهذا!
ثم خفضت ذراعها الذي كان الآن يؤلمها بأكثر مما يمكنها تجاهله...
لتهبط درجات السلم نحو شقتها التي تترك بابها غالباً مفتوحاً ...
فليس لدى -مثلها- ما تخاف فقده...
لا مال...ولا شرف!!

_ماذا حدث؟!
هتف بها الرجل الذي يقف الآن في صالة منزلها الضيقة بصوته البارد الذي لا يعكس أياً من انفعالاته...
فرفرفت رموشها بحركة سريعة فاضحةً إحساسها به ...
قبل أن تهمس بصوت متلعثم:
_لا شئ يا "وزير"...لا تهتم...متى جئت؟!
اقترب منها بخطوات بطيئة متجاهلاً سؤالها...
وعيناه راسختان في نظراتها المرتبكة ثم تناول منها السكين الملوث بإصبعين حذرين ليلقيه بعيداً ...
قبل أن يجلسها برفق مريب على أحد الكراسي ولازالت عيناه تحاصرانها بسهامهما النافذة...
ازدردت ريقها بتوتر وهي تملأ عينيها من ملامحه التي تعشقها ...وتخشاها!!
أجل...هي التي ظنت نفسها قد زهدت صنف الرجال كله بعد كل ما لاقته في سنوات عمرها التي شارفت على الأربعين ...
لكن هذا الرجل بالذات عرف كيف يهدد سطوة قلبها بسلاح ذي شفرتين...
إحداهما شفرة الحب...والأخرى شفرة الخوف!!
غريب؟!
وماذا في حياتها كلها لم يكن غريباً؟!
فلتنتهِ القصة غريبة...كما بدأت غريبة!!
انقطعت أفكارها عندما فوجئت بهمسه الحازم الذي لا يقل قسوة عن ملامحه:
_كم مرةٍ أخبرتك أن جسدك هذا ليس ملكك كي تفسديه بحماقاتك؟!
التوت شفتاها بابتسامة ساخرة وعبارته تلطم وجه قلبها بشدة...
ربما لو كان -هو- رجلاً آخر وكانت هي -امرأةً- أخرى لاعتبرتها أروع عبارة غزل "تملكية" سمعتها!!
لكنها تدرك جيداً وضعها ووضعه...
لهذا أخذت نفساً عميقاً وابتسامتها الساخرة تتحول لأخرى باردة اعتادت رسمها على شفتيها المغريتين ثم همست بنبرة خاضعة:
_عذراً يا "وزير"...حادث عارض!
ظل يرمقها للحظات بنظرات غامضة ثم تحرك ليتوجه نحو إحدى الغرف حيث بدا وكأنه يعرف البيت ومحتوياته جيداً...
فقد خرج منها بعد قليل ليعود إليها وفي يده زجاجة "مطهر" ما مع كمية مناسبة من "القطن"...
وأمام نظراتها الحائرة جلس على كرسيه أمامها ليفرد ذراعها بحرص على المائدة قبل أن يبدأ في تطهير جراحها بنفسه!
_توقف ....أرجوك!!
كادت تنفلت من بين شفتيها لكنها ضغطتهما بقوة لتمنع نفسها الكلام ...
وإن عجزت عن منع قلبها من الغرق في إحساسه!!
ملمس أنامله الرفيق على ذراعها يبدو وكأنه لا يطبب جراح جسدها فحسب...
بل جراح روح عاشت فقر الحرمان لسنوات مضت ...
فهل من الرشد أن تخدع نفسها بأمل في سنوات تنتظرها!!
ومع هذا أغمضت عينيها تستمتع بحلم "يقظة" بِكر لا يفتقد " عذريةً" سُلبت منها هي من زمن!!
حلمٍ هو بطله وهي بطلته في عالم نظيف براق ب"الوهم" ، ولا تلوثه "الحقيقة "!
_افتحي عينيكِ أنا انتهيت!
بصوته الأجش نطقها لينتزعها بها من "جنتها الزائفة" ففتحت عينيها كُرهاً لتهمس بخفوت :
_شكراً!
هنا ظهر شئٌ من القسوة على ملامحه الزجاجية أخيراً مع صوته الذي بدا كنصال حادة:
_شكراً؟!منذ متى نستخدم هذه الكلمة في عملنا؟!
عادت تُلبس شفتيها رداء ابتسامتها "الوظيفية" وهي ترد بأقصى ما استطاعته من برود:
_معك حق...لن أكررها...كل ما بيننا له ثمن!!
أومأ برأسه في استحسان ثم عادت ملامحه لبرودها رغم قسوة لكنته:
_سأذهب بكِ الآن للمشفى...أظنكِ ستحتاجين لحقنة ما بعد خمش القطة لكِ.
كادت تسأله عن كيفية علمه بما حدث...لكنها تذكرت أنها وجدته هنا عندما عادت ...
لاريب أنه بحث عنها عندما لم يجدها هنا وصعد خلفها للسطح ثم عاد لينتظرها هنا...
هكذا هو دوماً!!
يحب الإحاطة بكل التفاصيل دون أن يفصح إلا عن "الضروري" فحسب!
لكن السؤال هنا...لماذا جاء الآن؟!
_عمل جديد!
هتف بها بنبرته الحاسمة وكأنما قرأ أفكارها ليردف بعدها:
_لم يرضني آداؤكِ بالأمس...لا أحب أن تكوني مخمورة أثناء قيامك بعملك....أنا أحتاج لتركيزك في بعض التفاصيل التي لن يستطيع سواكِ منحي إياها.
_لم أحتمل...الرجل هذه المرة لم يكن طبيعياً...كان يريد مني أن ...
هتفت بها مدافعةً وذكريات باهتة من ليلة الأمس تغلف ذهنها المشوش لكنه جذبها من تلابيبها ليقرب وجهها منه مقاطعاً حديثها بقوله:
_مهما كان ما يريده ...هذا عمل وليس متعة إضافية ل"فتاة ليل"!!
ورغم الدموع التي تجمعت في عينيها مؤازرةً لإحساس الخوف والمهانة الذي تملكها...
لكنها عادت ترسم ابتسامتها ذاتها وهي تدعي السخرية بقولها:
_فتاة!! ألا تراني كبرت قليلاً على هذه التسمية؟!
لكن ملامحه ظلت على برودها الثلجي وهو يحرر ملابسها من قبضته أخيراً متجاهلاً عبارتها ليقول :
_دعكِ من هذا العبث واستعيدي لياقتك...الزبون الجديد يريدكِ بعد بضعة أيام...لا أريد أخطاء هذه المرة!
ورغم علمها بوجوب طاعته لكنها تشبثت برياح تمرد هبت فجأة وسط رماد روحها لتغمغم ببعض الارتباك:
_ألا يمكنك أن ترسل له غيري...هن جميعاً يرغبن في...
قطعت عبارتها وذاك الجمر المشتعل في عينيه يكاد يحرقها بثورته رغم برود صوته بعدها:
_أنا الذي أقرر هنا...أم أنكِ تجرؤين على عصيان أوامر "الوزير"؟!
أومأت برأسها في طاعة لم تعد تملك سواها لينطفئ جحيم نظراته رويداً رويداً حتى عادت ملامحه لبرودها مع قوله:
_بدلي ملابسك لآخذكِ للمشفى...سأنتظركِ في السيارة.
راقبت انصرافه بقلب كسير رغم تعلق نظراتها المجنون به...
وسيم؟!
ربما...لكن من يبالي؟!!
خبرتها في عالم الرجال جعلتهم جميعاً سواسيةً لديها في هذا الشأن!!
إذن...لماذا تعلق قلبها به هو بالذات؟!
هل هو عشق الضحية لجلادها؟!
لا...من الظلم أن تصفه هو بجلادها الوحيد...
لعله كان منهم لكنه لم يكن أولهم...
إذن ...لماذا؟!
لماذا وهو الذي يصغرها ببضعة سنوات؟!!
ماذا؟!
هل تريد مثلاً استعادة شبابها المفقود برجل يصغرها؟!
ربما...
وربما هي فقط تجد فيه ركناً حصيناً لأنوثتها الهشة التي ما عاد يجديها ادعاء الصلابة!!
وربما...ربما...لأنها ترى من الحُمق حساب عمرها بالسنين!!
أجل..قلبها الفتيّ لا يزال يتباهى بعدوه منطلقاً بثوب "مراهقة" وردي...وإن كانت روحها موصومةً ب"المشيب" جامدةً على "كرسي" جرح قديم!!

تنهدت بحرارة ثم توجهت نحو خزانة ملابسها قديمة الطراز والتي احتوت على مرآة مكسورة لكنها لازالت تؤدي الغرض منها...
حيث تأملت ملامحها الفاتنة التي لم تغبنها السنون حقها بل عجزت عن وصمها بعمرها الحقيقي ...
وكيف لا مع هاتين العينين المتسعتين بلونهما الغريب بين الأزرق والأخضر؟!
وهذه البشرة المشدودة اللامعة بنضرة فاتنة؟!
وهذا الشعر الناعم المنسدل على ظهرها دون تكلف كبساط من الذهب؟!
جمالٌ "أروستقراطي" التقاطيع يجعلها تبدو كأميرة انجليزية لا يليق أبداً بنشأتها شديدة التواضع ...بل إنها لا تدري حقاً عمن ورثته!
لكنها تعلمت مؤخراً كيف تدعمه ب-لكنة خاصة- ذات دلال مخملي وهيئة تليق به وبعملها الجديد!!
أجل...مع جمالٍ كهذا وجسد مستقيم بمنحنيات مثالية فلا جدوى من حساب العمر!!
_شادية!
هذا هو اسمها الذي وُلدت به والذي تحول بعد احترافها لمهنتها الحالية إلى "شادو"...
هي ليست جاهلة إلى هذا الحد الذي لا تعرف به أنها تعني "الظل" بالانجليزية...
وكم كان يناسبها هذا الوصف...
هي حقاً ظل!!
ظل ابنة...
ظلّ امرأة...
ظلّ أم...
و ظلّ إنسانة!!
ومن مثلها لا تليق بها إلا حياة الظلال!!
==================
_يزن!!!
هتفت بها بمزيج من عشق واشتياق وهي تهبط الدرج بسرعة نحوه ولم تكد تقترب حتى ألقت نفسها بين ذراعيه لتضمه بكل قوتها ...
فتنهد بحرارة وهو يمنحها ضمة رفيقة قبل أن يبعدها ليهمس بعتاب أمام عينيها المغرمتين:
_ألم نتفق أنكِ كبرتِ على موضوع "الأحضان" هذا؟!
تلفتت حولها تتأكد أن لم يرها أحد قبل أن تعاود النظر إليه بعينين مشتعلتين بعاطفتها...
ووجنتين محمرتين انفعالاً...
أو ...ربما خجلاً!!!
لا لا لا!!!!
هي لا تخجل من يزن...
وكيف تفعل؟!
وهو الذي رسم خرائطها كلها منذ كانت طفلة لتكبر أمام عينيه يوماً بعد يوم...وساعة بعد ساعة!!!
هي تنظر إليه وكأنها تنظر لنفسها في المرآة...
فهل يخجل الإنسان من بعض روحه؟!
أجل...هذا هو يزن !!!
بعض روحها...بل لعله ...روحها كلها!!!
ورغم أنه كان يعلم أنه -هو- على حق...
لكن ذاك الطيف من الخذلان الذي شاب نظراتها المتلألئة أصاب هدفه في قلبه...
فاقترب منها خطوة دون أن يمسها ليهمس بصوته القوي رغم حنانه :
_ليس الآن... لم يتبقّ إلا القليل وتبلغين الثامنة عشرة من عمرك...لن تقضي بعدها يوماً واحداً إلا وأنتِ على ذمتي!
عادت لها ابتسامتها العاشقة وهي مترددة بين أن تبتعد خطوة لترضيه...
أو تقترب _خطوات - لترضي ظمأ اشتياقها نحوه!
وبالطبع فضلت رضاه على ما سواه...فابتعدت لتهمس بحرارة:
_لو تعلم كم افتقدتك لما لُمتَني!!
ثم عاد إليها نزقها الطفولي موازياً للمعة عينيها من جديد باستطرادها:
_مجرد أيام فقط...وسأكون لك!
فابتسم وهو يعانق ملامحها ليهمس ببطء وكأنه يستلذ بحروفها ويريد أن تشاركه هي متعته:
_أنتِ لي من أول يوم في عمرك...بقي فقط أن تشهد الدنيا عليها!
اتسعت ابتسامتها للحظات تبادلت فيها العيون ما يليق بعاطفتهما...
قبل أن تشيح هي بوجهها لتهمس بدلال:
_لكنني...عاتبة عليك!
تناول كفها برفق وهو يسير بها نحو الأريكة ليجلس جوارها هامساً بحنان:
_لماذا؟!
تعلقت عيناها بعينيه وهي تجيبه بضيق لم يغادره دلالها :
_غيابك طال كثيراً .
داعب أناملها بين راحتيه ولازالت عيناه تحتضنان نظراتها مع همسه :
_ألم أكن أهاتفكِ كل يوم؟!
تنهدت بحرارة ثم أطرقت برأسها لتهمس بنبرتها الطفولية:
_كل الدنيا تخاصمني في غيابك...وكأن الظروف كلها تعاندني!!
ضحك ضحكته الرجولية الآسرة وهو يغلق راحتيه على أناملها ليقول بنفس النبرة العالقة بين حنان وقوة:
_أخبريني فقط ...من ضايقك؟!
زمت شفتيها محافظةً على إطراقها وهي تهمس كطفلة شاكية:
_"كليو" أخذت مني قطتي وتخلصت منها...زعمت أنها أصابتها بالحساسية.
ابتسم بحنان وهو يرفع ذقنها إليه هامساً بحزم:
_تعرفين مزاج "كليوباترا" المتقلب الناري...لا تقلقي ...سأحضر لكِ قطة أخرى وسآمرها ألا تتعرض لكِ.
أومأت برأسها في رضا وقد بدأ شبح ابتسامة يلوح على شفتيها مع همسه:
_وماذا أيضاً؟!
مطت شفتيها باستياء وهي تكمل شكواها المعتادة:
_"إيزيس" تعيّرني بسوء مستوايَ الدراسي!!
انتقلت أنامله من ذقنها إلى رأسها يربت عليه برفق مع قوله بتعقل:
_هي لا تعيّرك...هي تريد لك الخير...ومع هذا لا تشغلي بالكِ بشأن الدراسة هذا...لو أردتِ الاكتفاء بهذا القدر من تعليمك فلا مانع لديّ...أنا لا أحبذ التحاقك بالجامعة على أي حال.
ثم صمت لحظة ليردف بنبرة أكثر رفقاً:
_ومع هذا فسأتحدث مع إيزيس في الأمر ...لن تضايقكِ بعد الآن!
عادت تومئ برأسها وقد اتسعت ابتسامتها الراضية التي شابها الآن شئ من الخزي وهو يواصل حديثه بصبر لم يغادره حنانه:
_وماذا أيضاً؟!
هنا احمرت وجنتاها وهي تعاود إسبال جفنيها لتهمس بحرج:
_لقد ازداد وزني كثيراً...الثوب الذي اخترته للزفاف لم يناسبني قياسه!
ضحك ضحكة عالية زادت حرجها فتمتمت بخفوت :
_الوقت لن يسمح لي بحمية غذائية سأ...
_ستكونين نجمة!
قاطع بها عبارتها وأنامله تقرب وجهها نحوه أكثر ...
فرفعت عينيها إليه وقد عادت إليها الثقة من كلماته الحارة بعدها:
_لا تصدقي سوى هذا...أنتِ نجمة يزن ...بكل أحوالك ...نجمة متلألأة بضياء لن تملكه سواكِ.
هنا كان دورها لتضحك ضحكتها المميزة بحركة كتفيها النابضة بشقاوتها الطفولية...
فبدت على وجهه ملامح اشتعال عاطفته بها للحظات...
قبل أن يختفي هذا خلف رزانته المعهودة وهو يبتعد بوجهه ليقول بهدوء حانٍ:
_تخيري الثوب الذي يعجبك ولا تحملي هم القياس...لو تطلب الأمر أن أتواصل مع المصنع نفسه ليصمموا لكِ واحداً لأجلكِ خصيصاً...فسأفعل!
امتزج الامتنان بالعشق في ملامحها للحظات صمت طالت...
قبل أن تهمس بحب:
_أنت...ملاكي الحارس!
_أجل يا نجمتي...أنا كذلك!
قالها وهو يربت على وجنتها برفق لتعاود العيون حديثها العاشق والذي قطعه هذا الهتاف:
_وأخيراً عاد أميرنا...وبالطبع لم يفكر إلا في مدللته!!!
التفت كلاهما إليها ليتفحصها يزن ببصره في ضيق...
ثوبها الذهبي الضيق مكشوف الذراعين والكتفين والصدر...
شعرها الأسود الذي جدلته على هيئة ضفائر رفيعة متجاورة...
مع غرّة كثيفة سقطت على جبهتها بنعومة لتنافس بسوادها ذاك الليل الحالك في عينيها...
قبل أن يتعلق بصره بتلك الحلية الذهبية المميزة بشكلها الحلزوني والتي التفت حول أعلى ذراعها لتضغطه بشكل مثير مبرزةً سمرته المحببة بلمعته البرونزية المميزة...
وقد بدت في هيئتها هذه أشبه ب-سَميّتها -الملكة القديمة...
فزفر بقوة قبل أن يهب من مكانه ليهتف بحنق:
_كم مرةٍ أخبرتكِ أن تتوقفي عن هوسكِ هذا؟!
وجوابها كان ضحكة عالية مجلجلة قبل أن تسير بخطوات استعراضية نحو المرآة الطولية الكبيرة لتطالع صورتها فيها بفخر ناسب كلماتها:
_لماذا؟!لقد ورثت عشق التاريخ عن أبي...وأنا أريد أن أشبهها في كل شئ كما شابهتها في اسمها ...ثيابها...فتنتها...ذكائها...ط موحها...كل شئ!
زفر زفرة حانقة وهو يقول بلهجة تهديدية:
_عودي لعقلك "كليو" ...لا أحب جنونك هذا!
فالتفتت نحوه لتعقد ساعديها أمام صدرها مع قولها بنبرة ساخرة مستفزة:
_بالطبع...شقيقتك المجنونة لا تليق بعبقرية يزن الأمير التي يحكون عنها!
كز على أسنانه بغضب وهو يتقدم منها خطوة لكن مزن وقفت مكانها لتتوجه نحوه وتهتف مدافعة:
_هي لا تقصد يا يزن...اهدأ!
فابتسمت كليوباترا ساخرة لتقول بنفس النبرة المستفزة:
_لا أذكر أني عيّنتك محاميتي!!!
هنا أزاح يزن مزن جانباً ليواجه شقيقته بلهجته القوية التي ارتجف لها جسدها رغم محاولتها التظاهر بالتمرد:
_الآن تعودين إلى غرفتك...وإياكِ أن تفكري في الخروج منها ثانية هكذا!!!
راودتها نفسها بعصيان جديد وعيناها تلتمعان بتحدٍّ صارخ...
لكنها عادت تتذكر قسوة عقابه كل مرة فمنحته نظرة وعيد لم تكن بواثقة من قدرتها على تنفيذه...
قبل أن تفك ارتباط ساعديها لتعطيهما ظهرها وتنصرف بخطوات مندفعة نحو غرفتها...
عندما استوقفها بقوله الصارم:
_لا تتعرضي لمزن ثانية...ضيقها يعني ضيقي أنا...هل تفهمين؟!
ثبتت مكانها للحظات ولازالت تعطيهما ظهرها قبل أن تلتفت نحوهما أخيراً لتقول بسخرية حاقدة:
_حسناً...لكن...هل أخبرتك مدللتك أنها كانت ستخرج بعد قليل إلى السينما مع رفيقاتها دون علمك؟!
شحبت ملامح مزن الطفولية وقد بدت وكأن دلو ماء بارد قد سقط على رأسها...
بينما تجمدت ملامحه هو تماماً وهو يخاطب شقيقته ببرود قاس:
_عودي لغرفتك ولا شأن لكِ بها!
منحتهما نظرة قاسية أخيرة ثم مضت في طريقها لغرفتها...
بينما تقدمت منه مزن تطالع ملامحه الجامدة بوجل ...قبل أن تهمس ببراءتها الفطرية:
_جدتي أذنت لي!
التمعت عيناه بغضب لم تفهمه وإن كانت تتوقعه وتخشاه!!!
فقد تكرر من قبل في مواقف مشابهة...
لهذا ازدردت ريقها ببطء وهي تهمس باسمه في رجاء خافت لم يتجاوز شفتيها...
عندما التفت هو نحوها ليقول بصرامة:
_سأقولها لكِ لآخر مرة...لا أحد يملك في شأنك شيئاً إلا أنا...أنا فقط صاحب القرار في كل ما يخصك مزن!
دمعت عيناها وهي تشعر بالذنب لأنها لم تستأذنه ...
لكنها كانت تعلم أنه سيرفض...
هو لا يحب خروجها مع رفيقاتها وحدها...
بل يفضل دوماً أن يأتين هنّ لزيارتها هنا !!!
ليست هي فحسب...شقيقتاه كذلك تخضعان لنفس الأمر!!!
وإن كانت تفهم سر خوفه على كليوباترا بطيشها وتمردها وكونها لم تتزوج رغم سنوات عمرها التي اقتربت من الثلاثين ...
لكن ماذا عن إيزيس بعقلها وحكمتها وكونها زوجة وأماً!!!!!
ورغم أنه من المفترض أن يشعرها هذا الحصار الغريب بالضجر والاختناق خاصةً مع ما يفرضه سنها الصغير من نشوة الحرية والانطلاق...
لكنها على العكس كانت تشعر بأنه حماية لها من خطر لا تعرفه...
لهذا تكاثفت الدموع في عينيها وهي تهمس بنبرتها الوديعة:
_آسفة! آخر مرة!
ظلت ملامحه على جمودها للحظات...
قبل أن تلين قليلاً مع قوله المتجهم:
_لن تخرجي معهن!
أومأت برأسها في طاعة مع همسها:
_لم أكن لأتركك بعد عودتك على أي حال!
أشاح بوجهه للحظات دون رد...
فتحركت لتقف قبالته مع همسها البرئ:
_ستخاصمني؟!
أغمض عينيه دون رد مكتفياً بتقطيبة عابسة للحظات قطعها همسها المتهدج باسمه وقد بدت على وشك البكاء...
ففتح عينيه ليقول أخيراً باقتضاب:
_بل سأذهب أنا معك!
اتسعت عيناها للحظة بعدم تصديق وهي تندفع نحوه تكاد تضمه من جديد...
لكنها تذكرت ما كان منذ قليل فتراجعت خطوة وهي تبتسم وتمسح عينيها الدامعتين مع قولها بفرحة طفولية:
_حقاً؟!
أومأ برأسه مع ابتسامة حنون عادت تغزو شفتيه ثم أمسك كتفيها ليقول بحزم رفيق:
_أنا لا أمنعكِ شيئاً إلا لأجلك!
_أعلم!
همست بها بيقين قبل أن تعاودها طبيعتها الطفولية لتردف بلهفة:
_هل سنذهب الآن؟!
ظهر التردد على ملامحه للحظات فأردفت هي بإشفاق:
_لا...تبدو متعَباً من السفر...فلنؤجلها لغد!
لكنه عاد يبتسم بحنوّ وهو يربت على كتفها هامساً:
_لا يا نجمتي...لن أفسد ليلتك...هيا نذهب!
كادت تعيد رجاءها له أن يستريح لكنها كانت تعرف يزن الأمير جيداً...
طالما أطلق كلمته فلن يغيرها!!!
لهذا منحته ابتسامة حب أخيرة قبل أن تستأذنه لتبدل ملابسها في غرفتها ريثما يسلم هو على الجدة...
وبعدها بقليل...
كانت تجلس جواره على مقعديهما في ظلام السينما...
عندما مال عليها بهمسه:
_هل هذا هو الفيلم الذي كنتنّ تنتوين مشاهدته؟!
أومأت برأسها وهي تتطلع ل"تتر" المقدمة باهتمام هامسة:
_قالت الفتيات إنه رائع!
لم تستطع تمييز ملامح وجهه وقتها مع الإضاءة الخافتة للمكان فاكتفت باحتضانه لأناملها ...
قبل ان تجذبها أحداث الفيلم والتي كانت شديدة الرومانسية...
غرقت فيها بكامل كيانها حتى حلت الكارثة!!!!
والكارثة كانت هذا المشهد الآن للبطل يقبل امرأته بشغف قبل أن يتطور المشهد بما صار أكثر جرأة...
ورغم أن عينيها لم تتعلقا بالمشهد سوى لحظات ...
لكنها تأوهت بخفوت وهو يضغط على أناملها بقوة آلمتها قبل أن يميل عليها من جديد هامساً:
_هيا نغادر!
وكعادتها لم تملك معه إلا الطاعة وإن كانت الآن مشوبة بالكثير من الخزي!!!!
ولم تكد تستقل معه سيارته حتى استرقت نظرة عابرة لملامحه المتجهمة التي أنبأتها بما ينتظرها...
فهمست بما يشبه الاعتذار:
_لم أكن أعلم أنه هكذا!
لكنه لم يرد عليها ...
بل لم يلتفت حتى نحوها طوال الطريق رغم رجاءاتها المتكررة له فقط أن يفعل!!!
حتى وصلا أخيراً إلى "الجراج" الداخلي للبيت الكبير...
ليوقف السيارة وتتثبت نظراته في الفراغ أمامه...
عادت نداءاتها باسمه تتكرر لكنه بدا شارداً عنها للحظات...
قبل أن ينعقد حاجباه بغضب وأنامله تتشبث بمقود السيارة...
ولما يأست من رده عليها امتدت أناملها لتفتح باب السيارة وهي تستدير عنه بجسدها ...
_انتظري!
التفتت نحوه بلهفة ليفاجئها بسؤاله دون أن ينظر إليها:
_هل رأيتِ مشهداً كهذا من قبل؟!
تجمدت نظراتها للحظات والنيران تتوهج بين أسئلته أكثر وأكثر:
_هل تعلمين شيئاً عن هذه الأمور؟!هل تتحدثين فيها مع رفيقاتك؟!هل تتخيلينها؟!تفكرين فيها؟!!
هزت رأسها نفياً وهي تهتف بانفعال:
_لا...أقسم لك إني لا أشاهد هذه الأشياء أبداً...البنات قُلن إنه...
لم تكد تتم عبارتها حتى فوجئت به يسحبها نحوه لتغتال شفتاه بقية حروفها...
لحظات مرت بها شبه واعية لا تكاد تفهم ما يجري...
حتى انتبهت على ذاك الألم الشديد في شفتيها فتأوهت بخفوت وهي تدفعه عنها بوهن...
ليبتعد أخيراً وعلى وجهه أقصى علامات انفعاله قبل أن يخبط بقبضته على المقود للحظات ...
كادت هي فيها تذوب بحيرتها وانفعالاتها هي الأخرى ...
ما الذي جرى له؟!
منذ ساعات فقط كان يلومها على عناق برئ...
والآن!!!!!!!!!!
ظلا على صمتهما المشحون لدقائق طويلة...
قبل أن يلتفت نحوها أخيراً ليسألها بنبرة فضحت شعوره بالذنب وقد هدأت ملامحه نوعاً:
_خفتِ؟!
نفس السؤال الذي يبادرها به عقب كل نوبة من نوبات غضبه ...
لتجيبه -هي الأخرى- بنفس الإجابة التي لا تجد في نفسها أصدق منها:
_أنا لا أخافك أبداً!!
غامت عيناه بشرود وهو يشيح بوجهه للحظات ثم زفر بقوة وقد بدت على ملامحه ضيقه بما فعله...
قبل أن يعاود الالتفات نحوها ليهمس بغضب احترقت به حروفه:
_لم أحتمل رؤيتكِ تشاهدين هذا الرجل وهو ....
زفر بقوة ليقطع عبارته للحظة قبل أن يلوح بسبابته في وجهها مردفاً:
_أنا من علمتك أبجديات كل شئ...لم يسبقني لعقلك ولا لقلبك أحد...لن تفتحي باباً دون أن أعطيكِ أنا مفتاحه.
أغمضت عينيها في إدراك وهي تتبين سر غضبته...
هكذا هو دوماً!!!
غيرته عليها تصل حد الجنون...
وتملكه لها يقارب الهوس!!!
لهذا لم تتعجب عندما فتحت عينيها لتجده يردف بنبرة قاسية:
_أنا ملاكك الحارس كما تصفينني دوماً...لكنني سأتحول لوحش قاس إذا ما سبقني أحد لينتزع حقاً لي فيكِ.
ثم اقترب بوجهه أكثر وهو يحيط كتفيها بذراعيه ليردف بحسم:
_وكل ما فيكِ حقي!!!
أومأت برأسها لكنها عجزت عن الابتسام بين خزيها وتوترها فيما ربت هو على كتفيها أخيراً...
ليسودهما صمت قصير قطعه تساؤلها ببراءة وهي تتحسس شفتيها:
_هل هي مؤلمة دوماً هكذا؟!
عاد الذنب يكتسح نظراته مع فيض حنانه الغامر الذي احتل همسه الأجش بعاطفته:
_قريباً تعلمين!!
هنا شهقت برعب حقيقي وهي تتشبث به رغماً عنها...
لا...لم يكن رعبها من كلماته...
بل من قطعة القماش التي سقطت فجأة على مقدمة السيارة أمامهما وكأنما نبتت من العدم!!!
والأدهى...هذا العقرب الأسود الكبير الذي كان يزحف جوارها ببطء وكأنه قد خرج منها!!!!
لكنه التفت نحوه بدوره فهتف مطمئناً:
_لا تخافي!
قالها وهو يتناول من "تابلوه" السيارة أداة معدنية ثقيلة ثم ترجل من السيارة ليقترب بحذر من العقرب الأسود...
قبل أن يدهسه بما في يده!!!
ولم يكد يفعلها حتى تنهدت هي بارتياح وإن بقي جسدها على ارتجافه من بشاعة المنظر...
قبل أن تجد الشجاعة الكافية لتترجل بدورها من السيارة...
ثم دارت حول مقدمتها لتجده يتناول قطعة القماش القديمة المهترئة والتي احترقت أطرافها بشكل قبض قلبها أكثر...
لكن هذا لم يكن أسوأ ما في الأمر...
بل ما سُطر عليها بخط غريب لم تره من قبل وإن أمكنها قراءته...
_ما كُتِب بالدم لا يُمحَى إلا بالدم!
==============
_ثم فرك المصباح فانبعثت منه الأبخرة العظيمة التي تشكلت على هيئة جني عظيم هتف بصوت عالٍ: "شبيك لبيك"...أنا بين يديك!
قالتها إيزيس وهي تغلظ صوتها مقلدة لكنة الجني الذي تروي عنه لكن الصغير- ذا السبع سنوات -أمامها قطب حاجبيه وهو يقول بذكاء يفوق سنه:
_وهل يستطيع الجنيّ تحقيق كل أماني البشر؟!
فابتسمت إيزيس وهي ترد مع تربيتة على رأسه :
_في الحكايات يا صغيري.
لكنه عاد يسألها باهتمام:
_وفي الواقع؟!
ترددت للحظة وقد فاجأها سؤاله ثم اتسعت ابتسامتها مع قولها:
_لا شئ يحدث في هذه الدنيا إلا بإذن الله...لا تفكر إلا هكذا!
بدا الشرود على وجه الصغير للحظات قصيرة ثم غمغم بنبرة غريبة:
_ومادام الجني قوياً إلى هذه الدرجة فكيف ارتضى الرضوخ لشخص ضعيف مثل علاء الدين؟!
هنا كان دورها لتشرد هي الأخرى لدقائق طالت قبل أن تهمس وكأنها تحدث نفسها ولا تحدثه:
_قد يكون أحدنا في غاية القوة مدركاً أن قيده أضعف ما يكون...ومع هذا هو الذي لا يريد أن يكسره!
_ماذا تقصدين؟!
قالها براء الصغير بصوت ناعس وملامحه ترتخي بعمق رغبته في النوم الآن ...
فمالت على جبينه بقبلة عميقة ثم همست أمام عينيه اللتين تجاهدان لتبقيا مفتوحتين:
_لا تشغل بالك بأحاديث الكبار دوماً...غداً تفهم كل شئ!
أومأ برأسه في ضعف ثم غمغم بصوت متهالك:
_أنا سعيد لأن خالي يزن عاد من السفر...ولأنكِ أخيراً وافقتِ أن تحكي لي حكاية...عندما يعود أبي اجعليه يقبّلني...سأشعر به حتى ولو كنت نائماً.
وخزت عبارته قلبها وهي تضغط على جرحها بقسوة لكنها عادت تربت على جبينه بحنان دونما رد...
وعندما كادت تجزم أنه قد استسلم للنوم تماماً فوجئت بتمتمته الواهية:
_السمك...سيموت...العقرب ...سيقتله.
حانت منها التفاتةٌ عابرة نحو "حوض السمك" الذي يصر براء على الاحتفاظ به في غرفته ليمنحها شعوراً مؤقتاً بالراحة مع ألوان أسماكه الرائعة التي تباينت بين البرتقالي والأسود والفيروزي والأصفر بمزيج مدهش انتقاه لها زوجها بنفسه!
وعند خاطرها الأخير دمعت عيناها للذكرى لكنها ازدردت ريقها ببطء وهي تعاود الالتفات نحو الصغير لتقبل جبينه بحذر وقد أدركت أنه يحلم...فهمست بخفوت :
_لا تخف...أسماكنا بخير!
لم يرد عليها الصغير الذي انتظمت أنفاسه الهادئة معلنة عن نوم قرير العين...
فتنهدت بارتياح وهي تقوم من جواره ببطء لتغادر غرفته نحو غرفتها المجاورة...
كان بيت يزن الأمير يتكون من ثلاثة طوابق إضافةً للملحق الخارجي الكبير والحديقة الواسعة التي تحيطه...
الطابق الأرضي للخدم وغرفة الطعام الكبيرة وصالة استقبال واسعة تليق بسكانه وضيوفهم...
بالإضافة لتلك الغرفة الكبيرة المغلقة دوماً على أسرارها والتي لا يكاد يدخلها أحد إلا لتنظيفها ...
وغرفتين صغيرتين نسبياً لكنهما لا تتمتعان بقدسية تلك الغرفة الكبيرة -شبه المحرمة- على الجميع!

الطابق الأول ليزن ..كبير عائلة الأمير الآن...
الطابق الثاني لكليوباترا...الشقيقة الصغرى التي تقيم فيه وحدها حتى توافق على الزواج الذي هي معرضةٌ عنه حتى الآن...
أما الطابق الأخير فهو لإيزيس وزوجها تيّم وطفلهما...وقد حرص يزن أن يكونا بالأعلى ضماناً للمزيد من الخصوصية لهما بحكم أن كليوباترا لا تزال عزباء...
الملحق الخارجي في الحديقة خاص بمُزن والجدة اللتين تقيمان فيه معاً بعد وفاة والدي مزن واضطرارها للبقاء هنا في كنف ابن عمها الذي يعلم الجميع أنها في حكم زوجته .
صحيح أن "خال" مزن اعترض- ولا يزال يفعل- على بقائها هنا في بيت واحد مع يزن لكن وجود الجدة ووصية والد مزن نفسه وأخيراً كلمة يزن الأمير حسموا الأمر تماماً!!
خاصةً وأن خال مزن لم يكن ليسعد كثيراً بتحمل مسئولياتها كاملةً لولا شبهةً في طمعه في ثروتها وهو ما لم يكن يزن ليتقبله على أي حال!
لهذا يقيم الجميع سوياً في البيت الكبير...
أجل...كما استنتجتم تماماً!
يزن الأمير يرفض أن تخرج إحدى نساء العائلة خارج حدود هذا البيت حتى بعد زواجها...
وقد كان من قراراته أيضاً ألا يتزوجن إلا من رجال العائلة لكن إيزيس استطاعت إثناء عزمه بزواجها من تيّم بعد قصة حب عاصفة ...
ولأن النتيجة -إلى الآن غير مرضية -فهو لن يكرر هذا الخطأ مع كليوباترا..
فقط لو تتنازل عن عنادها وتقبل الزواج من جاد !!
_إيزيس!
سمعت نداءه باسمها خلفها فانقطعت أفكارها وهي تلتفت نحوه بلهفة قبل أن تتعلق بذراعيها في عنقه هاتفةً بحنانها الفريد:
_يزن...حمداً لله على سلامتك!
ضمها إليه بقوة وتهدُّج صوتها يفضح احتياجها إليه ليهمس ببعض القلق:
_ماذا بكِ؟! ماذا حدث؟!
هزت رأسها وهي تبتعد عنه برفق لتحاول التماسك قائلةً بابتسامة مصطنعة :
_لا شئ! نحن فقط نفتقد وجودك كما تعلم!
نظر لعينيها طويلاً ثم قال بنبرة خاصة يجيد مزج حنانها بصلابتها:
_تعلمين أنكِ لا تجيدين الكذب عليّ!
أغمضت عينيها بقوة للحظات دون رد ...
فهمس من بين أسنانه:
_تيّم ضايقكِ من جديد؟!
فتحت عينين تفضحان ألماً وعجزاً مات معه الكلام...
فعلا صوته وهو يلوح بسبابته في وجهها قائلاً بنبرة أكثر قسوة:
_أنتِ من تمنعينني عنه...كلمةٌ واحدة منكِ وأدمره تماماً!
_لا!
هتفت بها بجزع زاد غضبه أكثر وهي تردف بنبرة ملتاعة:
_هو أبو ابني مهما فعل...لا تتعرض له يا يزن أرجوك.
لكنه كز على أسنانه وهو يهتف بحزم:
_براء ابن عائلة الأمير ولو ادعت الأوراق غير ذلك...ولا يشرفه أن يكون له أبٌ كهذا!
_هي فترة مؤقتة....سيعود كما كان !
همست بها برجاء يقارب الدعاء في خشوعه وهي تقترب منه أكثر لتردف بابتسامتها المصطنعة:
_كم من رجال تبدلت أحوالهم بصبر زوجاتهم...وأنا سأصبر!
تهدج صوتها أكثر في لفظتها الأخيرة ليتحول لشهقات باكية فضمها إلى صدره بقوة وهو يشعر بحدسه أن شقيقته تحتاج حنانه الآن أكثر من قوته ...
زفر بقوة مخرجاً فيض انفعالاته ثم ربت على ظهرها متسائلاً:
_ماذا فعل هذه المرة؟!
أخفت وجهها في صدره وهي عاجزة عن الرد ...
هي تعرف حمية يزن للعائلة عموماً ولنسائه خاصةً...
ولا تريد أن يتطور الأمر لحرب بينه وبين تيّم الذي حتماً سيخسرها!!
لهذا كان جوابها صمتاً طويلاً احترمه هو كما ينبغي حتى رفعت إليه عينيها أخيراً مع همسها الراجي:
_دعني وزوجي يا يزن...أرجوك...أنا كفيلةٌ بترميم ما تصدع بيننا!!
تجمدت ملامحه للحظات دون رد لكنها لانت رويداً رويداً مع دموعها التي سالت على خديها باستطرادها:
_لن أحتمل صراعاً بينكما...فلا تحمّلني ما لا أطيق!
عاد يضم رأسها إلى صدرها بقوة للحظات في وعد غير منطوق قبل أن يهمس لها بحزمه الحنون:
_تعلمين أنني سأكون لكِ دوماً كما تريدين...صديقاً لو أردتِ البوح ودرعاً لو أردتِ الحماية.
فربتت على صدره برفق وهي تعاود التعلق بنظراته المؤازرة مع همسها:
_لا تقلق عليّ...أنا أجيد تدبر أموري.
تنهد بحرارة وهو يقبل قمة رأسها ثم تلفت حوله متسائلاً:
_براء نائم؟!
أومأت برأسها إيجاباً فقال بأسف :
_افتقدت شقاوته ذاك الفيلسوف الصغير....حسناً...أراه صباحاً!!
افتعلت ضحكة قصيرة وهي تبتعد عنه أخيراً لتقول بمرح مصطنع:
_هو أيضاً افتقد مناقشاتكما الصباحية...أظن أن الإفطار غداً سيكون حافلاً!
أومأ برأسه مبتسماً وهو يربت على شعرها ثم قال بحنان:
_تصبحين على خير.
قالها وهو يعطي لها ظهره وقد هم بالانصراف عندما غمغمت هي بقلق:
_هل رأيت كليو؟!
زفر بضيق وهو يعاود الالتفات إليها قائلاً بضجر:
_رأيتها عقب عودتي تتجول في القصر شبه عارية بثياب كالمجانين!
فهزت رأسها بأسف لتقول بدفاع واهٍ:
_لم أعد أدري كيف أتصرف معها...لا لين ولا عنف صارا يجديان مع عنادها...تصرفاتها تزداد غرابتها ...ولا أخفيك أنني صرت أخشى ...
قطعت عبارتها فجأة فاقترب منها خطوة ليسألها بقلق:
_تخشين ماذا؟!
ازدردت ريقها بصعوبة ثم تجاهلت سؤاله لتقول برجاء:
_دعها تعمل معك في شركتك كما ترغب هي منذ فترة...كليو ليست مثلي...شخصيتها طموحة متطلعة وبقاؤها هكذا في المنزل دون عمل ودون زواج يهدد عقلها المشتعل دوماً بأفكاره.
لكنه كز على أسنانه وهو يقول بغضب :
_وما الذي يمنعها الزواج سوى عقلها هذا؟!
عادت تربت على صدره مهدئة مع قولها بنفس النبرة الراجية:
_اسمع لي هذه المرة أرجوك...عملها معك سيكون مفيداً لها...ستتخلص من شحناتها السلبية نحونا من ناحية...وسيقرب المسافات بينها وبين "جاد" من ناحية أخرى!
عقد حاجبيه بضيق وهو يشيح بوجهه فأردفت بابتسامة حانية:
_أعرف أنها مستفزة حمقاء وتجلب المشاكل أينما حلت...لكنني أثق في قدرتك على ترويض كل هذا وهي تحت عينيك...
ثم اتسعت ابتسامتها وهي تقول بتعقل:
_امنحها هذه الفرصة ...صدقني قد تكون هي علاج شخصيتها المتمردة هذه.
أومأ برأسه مفكراً ثم قال بخفوت:
_سأنظر في هذا الأمر بعد ما أتم زفافي على مزن.
وكأنما كانت عبارته مفتاح ضحكة حقيقية لأول مرة على شفتيها منذ بدأ الحوار ...
ضحكة رافقت عناقها القوي له وهي تهتف بحرارة:
_لا تعرف كم أنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر...لن تكون فرحتك وحدك بل فرحتنا كلنا!
استجاب لعناقها الدافئ لعله يهدئ قلقاً لا يكاد يفتر بداخله...
قبل أن يبعدها عنه برفق قائلاً:
_عودي لغرفتك...زوجك على وصول ولا أريد أن ألتقي به!
ردتها عبارته لواقعها المرير لكنها تصنعت ابتسامة واهية وهي تلوح له بكفها مودعة قبل أن تعود لغرفتها التي أغلقت بابها خلفها برفق ...
ثم توجهت إلى خزانة ملابسها تتخير ثوباً مناسباً ...
ماذا جرى لملابسها؟!
أم عساها تقول ماذا جرى لها هي؟!
كل الثياب تبدو رثة مستهلكة قبيحة...تماماً كما تشعر بروحها الآن!!
آهةٌ عميقة خرجت من صدرها مشبعةً بشعورها العارم بالضياع ...
قبل أن تمتد أناملها لتسحب أول ما صادفها من قمصان نومها التي -كانت- يوماً ما مثيرة!!
توجهت بما تحمله لحمام غرفتها الصغير حيث سمحت لشلال الماء البارد أن يطفئ القليل من نيران جسدها قبل أن تخرج من تحته لترتدي قميصها القصير وتتأمل صورتها في مرآة حمامها الفخمة...
وجه عادي لا تكاد تميز ملامحه فتنة خاصة سوى تلك الهالة الغريبة التي تحيطه من طيبة ورقة...
جسدٌ نحيف بتضاريس- شبه- بارزة تمنحها -بالكاد- لقب أنثى -كما ترى نفسها-...
ويخفي قلباً مكلوماً جديراً بإكمال صورتها البائسة!
زفرت زفرة قصيرة ثم تقدمت تمسح بخار الماء المتكاثف حول صورتها لتهمس بصوت مسموع:
_لن تخسري حرباً هو غنيمتها...فقط اصبري!
وكأنما منحتها عبارتها بعض القوة لتلملم أشلاء كبريائها المبعثر ...
فتناولت مجفف الشعر الذي دارت به بشرود على خصلات شعرها حتى انتهت من تصفيفه كما يليق...
ثم خرجت من حمامها لتغمر جسدها بعطرها المفضل قبل أن تلقي بجسدها على فراشها تنتظر حضوره بدقات قلب فوضوية ما عادت تعرف دفئاً من برودة...
تتخبط كما الطير الذبيح بين جدران خيانة تستشعرها ولا تكاد تقوى على التيقن من وجودها!!
رفعت غطاءها عليها حتى غطت به رأسها تماماً كما يفعل براء عندما يخاف...
لتنبعث من شفتيها ضحكة مكتومة مصطبغة بالألم...
عندما يخاف الصغير يتوارى خلف أغطيته مطلقاً العنان لصرخاته مؤملاً نفسه بحضن حنون...
فماذا للكبير عندما يخاف إلا أن يكتم الصرخة ويتجاهل الأمل ويتناسى حاجته للعناق؟!
وما بين نحيب روح صامت وتماسك عينين مغمضتين استسلمت لهروب اضطراري مقنّع تحت ستار النوم...
حتى استيقظت على ملمس شفتيه الذي رطب جيدها وكتفيها...
فتحت عينيها تحاول البحث في ملامحه عن "وهمٍ" يريحها...
أو حتى "حقيقة" تقتلها...
لكنها لم تجد سوى شظايا عذاب توعدتها بالخلود!!!
قبل أن تبدأ شفتاه رحلتهما الشغوف والتي طافت بملامحها كلها مع همسه :
_افتقدتك يا "رائحة الجنة"!
رائحة الجنة!!
هكذا كان يدعوها منذ عرف الحب طريقه بين قلبيهما...
فماذا عساه تغير؟!
هل فقدت جنته رائحتها؟!
أم أنه هو الذي اختار الهبوط منها لأرض خطاياه؟!
انقطعت أفكارها عندما ازدادت خفقاتها جنوناً تزامناً مع تصاعد وتيرة عزفه على جسدها...
فدفعته ببعض العنف مع همسها الواهي:
_تيّم...توقف...لم أنسَ بعد!
اشتعل بعض الغضب في عينيه الداكنتين لكنه توارى فجأة خلف غيمة من حزم غلفت همسه :
_ستفعلين...والآن!
شهقت شهقة خافتة وكلماته تنتهي بغزو متقد بعاطفة حاولت مقاومتها للحظات...
قبل أن تجد نفسها رغماً عنها تستجيب لها باشتعال مشابه...
أين ذهبت ثورتها...
غضبها...ألمها...فحيح تمردها على ما تشك به من خيانته؟!!!
أين هدير كبريائها...حقها في توضيح لم يمنحه لها بعد...
ووعودٍ لما هو آت!!
كيف رضخت هكذا دونما ثمن...
بل ودونما مقاومة!!!
كيف استقبلت لمساته بنَهم أرضٍ عطشى للمطر ...
بشوق أم لابنها الغائب منذ دهور؟!!
كيف اختفى الكون في لحظات ...؟!!!
فما عاد يسكن نظراتها سوى صورته ك-عاشق- وصورتها ك-معشوقته-
دون رتوش أخرى في خلفية الصورة!!
صمتٌ صاخب بعاطفة هادرة تكاد تصم أذنيها كان هو سيد الموقف الآن...
حتى هدأت فورة العاطفة وهدأت أنفاسهما معاً أخيراً ...
فعاودت رفع غطائها عليها من جديد تكاد أناملها تعتصره من فرط تشبثها به!!
ظلت تحدق في السقف شاردةً للحظات تنتظر منه كلمةً تفتح حديثاً تحتاجه...
ولما طال صمته جوارها التفتت هي نحوه لتهمس بعتاب:
_وماذا بعد؟!ألن تقول شيئاً؟!
تبدلت نظراته التي كانت تفيض- لتوها- عشقاً إلى أخرى تنضح سخرية مع همسه القاسي وهو يقوم ليتكئ على أحد مرفقيه مشرفاً عليها بوجهه:
_ماذا تنتظرين؟!اعتذاراً؟!
عقدت حاجبيها بدهشة أنستها شعورها بالإهانة إزاء لكنته المتعجرفة...
فيما استطرد هو بنبرة أكثر قسوة:
_لن أفعل يا "هانم"...تدرين لماذا؟!
دمعت عيناها بقهر وحدسها ينبئها أن القادم أسوأ ...بينما اقترب هو بوجهه ليهمس أمام عينيها بثقة:
_لأنك ستسامحين في كل مرة قبل حتى أن أفكر باعتذار!!
ثم رفع قميصها الذي خلعه عنها منذ دقائق ليرفعه أمام وجهها مردفاً بغضب لم تفهم سببه :
_هل هذه ثياب امرأة ساخطة؟! أم امرأة تنتظر إشارة...فقط إشارة...لتمنح بكرم دون شروط؟!
احمرت وجنتاها بانفعال وصدرها يعلو ويهبط فاضحاً شعورها ...
فيما مرر هو سبابته على وجهها مروراً بعنقها حتى استقرت على مكان قلبها تماماً ليردف أخيراً:
_هذا ملكي أنا مهما فعلت...شرقاً وغرباً أدور لكنني أعرف أنني سأعود لأجد ذراعيك مفتوحين لي في أي وقت.
أغمضت عينيها بقوة وهي تكز على أسنانها ...
نفسها تراودها بصفعة...
سبة بذيئة يستحقها...
إهانة قاسية على صفحة غروره...
أو حتى مجرد نفي لما قال يعيد ماء وجهها الذي أراقه!!!
لكنها لم تستطع!!!
لا...ليس ضعف امرأة عاشقة تريد استبقاء حبها..
ولا حتى تعقّل زوجة راشدة تسعى للحفاظ على بيتها...
بل ...صدمة!!
أجل...صدمة!!!
صدمة امرأة لقيت مصيراً عاشت عمرها القصير كله تهرب من مثله ...فأتاها من حيث لا تدري ولا تحتسب!!!
لهذا بقيت على حالها دون رد...
دون سؤال...
دون حتى جرأة على مواجهة تعلم أنها لن تتحمل نتائجها!!!
إلا أنها رفعت غطاءها أكثر لتدفن وجهها بين طياته...
وتدفن معه خيبةً مضت...وخيباتٍ تعدها بالقدوم...
فيما رمقها هو بنظرة أخيرة قبل أن يقوم من جوارها ليتوجه نحو حمام الغرفة بخطوات مندفعة وكأنه يهرب من انفعال يعصف به هو الآخر..
ولم يكد يغلقه خلفه حتى أغمض عينيه بألم هامساً بنبرة عاتبة:
_وها قد انقلب السحر على الساحر يا "رائحة الجنة"...فهلّا استرحتِ؟!
======
_أكرهك!
هتفت بها أمام مرآتها تحدث نفسها وعيناها تشتعلان بشراسة تليق بملامحها التي تتميز بنوع من القسوة...
أجل عيناها السوداوان كانتا ملتمعتين ببريق غريب ،ضيقتين لذاك الحد الذي لا تدرك معه هل هما مفتوحتان أم مغلقتان ، ومع هذا ينبعث منهما شررٌ لا تخطئه عين ناظر...
شررٌ لا تدري هل يجذبك لتقترب أم يخيفك فتبتعد!!
أنفها معقوف نوعاً وقد سبب لها هذا عقدة من الطفولة عندما كان رفقاؤها يعيرونها به حتى أطلقوا عليها لقب "ساحرة التفاحة" في إشارة لقصة "سنووايت" الشهيرة...
شفتاها حادتان رفيعتان لكنهما تتألقان بروعة عندما تضحك!
أجل...فللعجب ضحكتها وحدها كانت كفيلة بتحويل ملامحها -القاسية- في لحظات إلى أخرى رائقة عذبة!
وهكذا ضحكت الآن أمام مرآتها لتلتمع عيناها ببريقهما الأخاذ وهي تحتضن جسدها بذراعيها للحظات...
قبل أن تدمع عيناها وهي تعاود حديثها إلى نفسها في المرآة:
_لا....بل أحبك...أحبك الحب الذي لم يمنحه لكِ أحد!
وكأنما كانت عبارتها شارة بداية لخيط رفيع من الدموع سال ببطء على وجنتها لكنها مسحته أخيراً ثم فتحت أحد أدراج طاولة زينتها لتستخرج زجاجة عطر بدا عليها القدم وقد أثر الزمن على محتواها الذي تحول لزيت ثقيل برائحة مركزة ...
قربتها لأنفها ببطء ثم همست بصوت متقطع:
_افتقدتك...افتقدتك حقاً...ماذا تراني أفعل عندما ينفد عطرك هذا؟! هو وحده ما يشعرني أنك لا تزال هنا معي!!
تأوهت بخفوت وذكريات عديدة تعاود تغليف ذهنها المشتعل بأفكاره...
ثم منحت نفسها زخة واحدة فقط من زجاجة عطرها "الثمينة" وكأنها تخشى حقاً أن ينفد العطر وتنفد معه ذكرياتها العامرة!
لهذا أعادته مكانه ثانيةً بحرص ثم فتحت درجاً آخر لتتناول منه عدة أشرطة ملونة بألوان مختلفة ...
حمراء،صفراء،برتقالية،خضرا ء،زرقاء....بدت مجتمعةً بمنظر مبهج خاصةً عندما لفتها جميعاً حول معصمها العاري لتبتسم بعدها ابتسامة واسعة وهي تعاود حديثها لصورة المرآة:
_الآن مستعدة!
كانت قد أتمت استعدادتها التي تقوم بها في كل مرة تقرر فيها النزول -خلسةً -إلى "الغرفة المحرمة"...
بدايةً من تصفيفة شعرها الذي تقسمه لجزئين متساويين ينسدل كل منهما على أحد كتفيها ...
ومروراً بذاك اللحن الكلاسيكي القديم الذي تنبعث نغماته في الأركان...
وانتهاءً بالعطر والشرائط الملونة!
لهذا أخذت نفساً عميقاً ثم زفرته ببطء وهي تتخذ طريقها لتغادر غرفتها نحو الدرج المؤدي للدور الأرضي...
هبطت الدرج بخطوات متمهلة نحو تلك الغرفة التي تعشقها خطواتها قبل قلبها...
ثم امتدت أناملها تفتح بابها ببطء لتدور عيناها في المكان بمزيج غريب من حنين وغضب وأسف!
غرفة مربعة تقطع حائطها المقابل للباب نافذة تطل على الحديقة الخلفية للبيت ...
نافذةٌ زجاجية كان يصر -هو- دوماً على إغلاقها ليجلس وحده غافلاً عن مراقبتها الخفية له في أوقات خلوته...
خلوته التي كانت تحرمها قربه لكنها لم تكن لتترك لحظة يمكنها فيها رؤيته إلا واستغلتها ...
وكأنها كانت تدرك أنها ستُحرم يوماً لذة قربه للأبد!!
تنهدت بحرارة عند خاطرها الأخير الذي لم يكتمل رغم تعلق عينيها بالنافذة التي سكنت حركة ستائرها تماماً...
لتعاود عيناها دورانها في المكان ...
مكتبة كبيرة تحوي عشرات الكتب مما كان -هو- يهتم بقراءته...
أريكةٌ عريضة بطراز مريح اختارها صاحبها بيقين من يدرك أنه سيستبدلها بفراشه لوقت ليس بالقصير...
مكتبٌ ضخم بطراز قديم هو ما توجهت إليه الآن لتتحسسه أصابعها بمزيج من حنين وخشية قبل أن تجلس على الكرسي أمامه وعيناها تلتهمان تلك الأوراق القديمة التي استقرت على طاولته ...
أبحاثه ودراساته التي اتخذها هوايةً في البداية قبل أن تتملك عقله كما يعرف الجميع عنه...
ابتسمت بفتور وهي تفتح ذاك الملف الضخم لتطالع آخر ما كان يقرأه فيها...

_(أسرار السحر والتعاويذ والتمائم عند الفراعنة...
حيث كان المصريون يعتقدون أن للجعران قوة عظيمة لحماية القلب وإعطاء حياة جديدة للمتوفي فهو رمز (خبيرا) ويجسد قوة الخلق غير المرئية التى تدير الشمس فى الفضاء..
وكانت هناك بعض الطقوس المذكورة حول طقوس الجعران وخاتم إيزيس ننقل نصها هنا بالخطوات التالية:
"نأخذ الجعران ونضعة على مائدة نظيفة من الورق ونضع تحتها قطعة كتان نظيفة وتحتها قطعة خشب من حجر اخضر فاتح او اصفر ونضع الزيتون، وعلى المائدة نضع مبخرة فيها المر والكيفي ونحمل قدحا
من الزنابق او المر او الدارصيتي وناخذ خاتم حورس ونضعه فى المرهم لنجعله نقيا ...ثم نترك الخاتم لمدة ثلاث ايام وبعدها نحفظ الخاتم فى مكان أمين...

يوم الأحتفال حيث الخبز النظيف والفاكهة وبعد أن تقدم ضحية على جذوع العنب يؤخذ الخاتم نحو الشرق مرددا كلمات الرقية، ويجب نحت الجعران من الزمرد ويثقب ثم يلبس بسلسلة ذهبية وتنقش صورة ايزا "ايزيس"على قاعدته... أما أيام الاحتفال فهى الأيام 7 و9 و10 و12 و14 و16 و21 و24 و25 من الشهر ....

أما الرقيه فكانت تقرأ كما يلى:
أنني تحوت مخترع وموحد الدواء والحروف ....تعال الى أنت أيها الراقد تحت الأرض... انهضى أيتها الروح الكبرى!)


_هل كنت تؤمن حقاً بكل هذا الهراء؟!
هتفت بها بصوت مسموع وهي تشيح ببصرها بعيداً عن هذا الذي قرأته ...
ثم دمعت عيناها بقوة وصوتها ينخفض تدريجياً مع استطرادها المتهدج:
_يقولون عني مجنونة لأنني أؤمن بكل ما تؤمن به...لن تموت طالما أفكارك لاتزال حية برأسي...ليت كل هذا يكون حقيقياً...ليتك تعود ولو بروحك دون جسدك....أحتاجك حقاً...أحتاجك.
انتهت كلماتها بخيطين رفيعين من الدموع التي لا تسمح أبداً أن يراها بها أحد..
والتي تلطخ بها الآن حبر الأوراق أمامها فتلمستها بأطراف أصابعها هامسة:
_كنت دوماً تخبرني أن دموع الملكات تساوي الكثير...وحدك من كنت تفهم أن بداخلي "كليوباترا" حقيقية لا مجرد اسم على ورق...كليوباترا قادرة على إدارة كل الأمور بنجاح لكنها أبداً لن تسقط في شراك حب تقتل نفسها لأجله !
ثم حانت منها التفاتة للنافذةالمغلقة فضغطت شفتيها بقوة ثم انسابت كلماتها تغرق روحها بمرارتها:
_طالما كنت تمنعني من الدخول هنا...لكنني كنت أراقبك عبر زجاج هذه النافذة كي أشاركك متعتك ولو دون علمك...نعم...كنتُ أقرب الجميع إليك...كما كنتَ أقرب الجميع إليّ...
ثم ابتلعت غصة حلقها لتردف بابتسامة شاكية:
_ألم تجد سوى يوم مولدي لترحل فيه؟! كنت أنتظر هديتي منك ككل عام!!
ساد صمتٌ قصير بعد عبارتها هذه وقد غلبها شرودها في ذكرياتها معه...
شرودٌ انتهى بتنهيدة حارة مع همسها:
_كنتَ آخر من منحني الحب...وآخر من منحته أنا الحب كذلك!
قالتها وعيناها تعاودان التطلع ل"التعويذة" المكتوبة للحظات والتي اختلط حبر الورق فيها مع دموعها...
ثم أسندت وجنتها على طاولة المكتب وهي تحتضن جسدها بذراعيها مردفة بصوت ناعس:
_سأنام معك هنا الليلة...لكن بشرط واحد...أن تأتيني في الحلم.
تثاقل جفناها بعدها فاستسلمت لسيل من ذكريات بعيدة...
قبل أن يبسط النوم سلطانه على ما بقي من وعيها....
لتغيب بعدها عن إدراكها تماماً غافلةً عما كان يحدث الآن...
ستائر النافذة صارت تتمايل بصورة أكثر شدة ربما بفعل الهواء بالخارج والذي ازداد اندفاعه للغرفة مع ذاك الصرير للنافذة التي انفتحت الآن ببطء شديد!!

استيقظت فزعةً بعد وقت لم تعلمه على صوت مجهول جوارها...
فانتفضت لترفع رأسها ورائحة غريبة لا تدري مصدرها تكاد تزكم أنفها...
لكن هذا لم يكن أغرب ما في الأمر...
بل تيار الهواء البارد الذي انبعث بقوة عبرالنافذة التي كانت مفتوحةً الآن على مصراعيها...
والأغرب...
تلك "الدمية" التي وجدتها مستقرة في حجرها!!!!!!
دمية قماشية غريبة في حجم كف يدها ....ولا تمت بصلة لقريناتها في السوق...
بل إنها تبدو وكأنها مصنوعة بيد متقنة تعرف جيداً ما تفعله...
عيناها مرسومتان بدقة بالحبر الأسود لكن مقلتيها محددتين بخط أحمر خفيف لا يلاحظه إلا من يقترب منها...
وبقية ملامحها عادية بسيطة كخطوط طفل عابث لتعطي في المجمل انطباعاً مريحاً -على الأقل بالنسبة لها- لولا تلك التفصيلة البسيطة التي كانت تثير بها بعض الخوف...
شعر الدمية بدا لها طبيعياً لأبعد حد...وكأنه...شعر امرأة حقيقية!!
انطلقت منها صيحة قصيرة لتصطدم عيناها بحروف التعويذة الفرعونية التي تلطخت بدموعها ...
والتي تحول حبرها الأزرق للون أحمر غريب يكاد يقترب في قتامته من الأسود!!!!
ما هذا الذي يحدث؟!!
هذه النافذة بالذات تبقى مغلقةً من الداخل بإحكام حسب أوامر يزن للخدم...
ما الذي فتحها...أو بالأدق...من الذي فعل؟!
أزاحت الدمية جانباً لتتوجه بخطوات جريئة -نسبياً لامرأة في ظروفها- ثم اقتربت ببطء من النافذة المفتوحة ...
لا أثر لاقتحام خارجي...
من فتح النافذة إما أنه فتحها من الداخل أو...
ربما لم يغلقها الخادم جيداً بعد تنظيفها!!
هزت رأسها بحيرة وهي تعاود غلق النافذة بإحكام هذه المرة لتتجمد نظراتها تحت قدميها...
فهناك كان ...منديله!!
أجل...منديل من مناديله القماشية المميزة بنقوشها الفضية والتي كان يصر على أن تصنع له خصيصاً بخامة معينة لم يكن يغير نوعها...
انحنت بجسدها لتتناول المنديل بأنامل مرتجفة لتصطدم رائحة عطره المميزة بأنفها!!!!!
اقشعر جسدها برجفة باردة احتلت خلاياها وهي تنقل بصرها بين النافذة الزجاجية التي أغلقتها لتوها وبين الدمية الغريبة على المكتب للحظات...
قبل أن تهز رأسها ببطء هامسة بذهول:
_معقول؟! هل عادت روحك حقاً؟!
======
تناولت مرآتها الصغيرة من فوق الكومود تتأمل عينيها المنتفختين بضيق قبل أن تزيحها جانباً...
ورغم أن تلك الهالات السوداء كانت طفيفة جداً تكاد لا تُرى لكنها بدت في عينيها كدائرتين من حبر أسود تظللان مقلتيها!!
_أنت نجمة يزن ...لا تصدقي إلا هذا!
داعبتها ذكرى عبارته هذه فابتسمت برقة وهي تعاود النظر إلى مرآتها...
والعجيب أنها رأت نفسها الآن أجمل!!
وكأنما تستمد صورتها من عينيه هو!!!
اتسعت ابتسامتها وهي تتأمل ملامحها ببعض الفخر ...
جميلة؟!
هي تعلم أنها أجمل نساء العائلة !!
ولولا جسدها الممتلئ الذي يضايقها نسبياً لاعترفت أنها ملكة أي تجمع يحضرونه معاً...
لكن هذا لا يغبنها حقها في جمال طبيعي تمتلكه بسخاء...
عيناها عسليتان بلمعة ذهبية تزداد عندما تنفعل فرحاً أو ترقباً...
أنف دقيق...وشفتان مكتنزتان مع وجنتين ممتلئتين كخدود الأطفال...
بشرة بيضاء مشوبة بحمرة تمنحها دوماً مظهر "الخجولة الشهية"...
وشعرٌ كستنائي مجدول دوماً على ظهرها مع غرةٍ كثيفة تسقطها بدلال متموج على جانبي وجهها لتزيد من شقاوة طلتها الطفولية!
مدللة؟!!
نعم...هي تعترف قبل الجميع أنها مدللة العائلة وليس يزن فحسب!
ربما يكون السبب هو ظروف نشأتها كيتيمة بعد وفاة والديها...
وربما هو تأثير يزن على الجميع..
يزن الذي يجعل كل طلباتها في مقام أوامر لا ترد ولا تعطل!!


وعلى ذكر يزن عادت أفكارها تتركز نحوه لينقبض قلبها بقلق...
فأعادت مرآتها مكانها في درج الكومود لتتمدد مكانها بشرود...
ظلت تتقلب على فراشها كمن يتقلب على جمر وتفاصيل ما حدث منذ قليل لا تفارق مخيلتها...
غضب يزن ...قطعة القماش المحترقة بكلامها الغريب ....ذاك العقرب بشع المنظر ...قلق يزن
و....قبلتهما الأولى!!
كانت خاطرتها الأخيرة كفيلة بمحو كل سبقها ورسم ابتسامة ساذجة على شفتيها المكتنزتين اللتين تحسستهما أناملها الآن بمزيج من خجل وفضول ناسب همسها لنفسها:
_كانت مؤلمة...لكنها لم تكن بشعة...لم أستطع تمييز مشاعري من المفاجأة...
ثم زفرت بقوة لتردف بصوت مسموع:
_عشت عمري أحلم بها وتأتي في ليلة كئيبة كهذه!
تململت جدتها النائمة على فراشها جوارها فوضعت أناملها على شفتيها وهي تهمس بخفوت:
_آسفة يا جدتي...سأخفض صوتي!
عاد جسد الجدة لسكونه مع استقرار وتيرة أنفاسها فابتسمت مزن ببراءة وهي تراقب تجاعيد وجهها الحبيبة محاولةً الاستغراق في النوم ونسيان كل ما حدث...
لكنها ما كانت تغمض عينيها إلا وتنغرس في مخيلتها صورة ذاك العقرب البغيض...
لهذا نفضت عنها الغطاء وهي تقوم من فراشها لتلقي على جدتها نظرةً أخيرة...
ثم مضت بخطوات سريعة نحو باب الملحق الذي فتحته لتخرج إلى الحديقة الخارجية...
ولم تكد تلمحه جالساً على الأريكة المقابلة للملحق في حديقة البيت حتى توجهت نحوه بخطوات متمهلة لتضع كفها على كتفه هامسةً بحب:
_كنت أعلم أنني سأجدك هنا!
رفع عينيه إليها بلهفة فضحتها عيناه وإن حافظ صوته على رصانته :
_أنا أيضاً كنت أعلم أنك لن تنامي قلقاً....خاصةً وأنكِ تخافين الليل.
ابتسمت وهي تدور حول الأريكة لتجلس جواره هامسةً بامتنان:
_عندما أمرض...عندما أقلق...عندما أحزن...عندما أخاف...دوماً تكون هذه جلستك ها هنا جواري كي تشعرني أنك بجانبي!
ابتسم بحنان ونظراته تطوقها بعشقٍ لا تنكره فأردفت بنبرة أكثر رقة:
_أخبرك سراً؟!
اتسعت ابتسامته وهو يتناول كفها ليبسطه مفروداً على راحته ثم مرر سبابته على باطنه بحركة بطيئة مع همسه العاتب:
_وهل بيننا أسرار؟!
هنا أسندت جبينها على كتفه وهي تهمس بنبرة مُرتاحة:
_في كل مرة تفعلها وتقضي ليلتك ساهراً هنا فقط لتمنحني الدعم الذي أحتاجه...أكون أنا على فراشي أشعر وكأنك تحتضنني حقاً....أضم وسادتي لصدري وأسترجع رائحة عطرك...أحلم باليوم الذي يكون فيه من حقي أن أنام مطمئنة بين ذراعيك...وهذا وحده كافٍ ليمنحني الأمان.
ثم رفعت وجهها إليه لتردف :
_لن يصيبني أذىً مادمت معك!
أومأ برأسه مطمئناً ثم رفع باطن كفها إلى شفتيه في قبلة عميقة...
قبل أن يحك به ذقنه ووجنته في حركة سريعة دغدغتها فتحولت ابتسامتها لضحكتها الطفولية المميزة مع هتافها:
_كفاك يزن ...كفاك!!
ضحك بدوره وهو يراقب تعبيراتها البريئة دون أن يتوقف عما يفعله للحظات حتى كادت أنفاسها تنقطع انفعالاً وضحكاً مع هتافها العابث الذي شق سكون الليل حولهما:
_تعلم أني لا أحتملها يزن ...لحيتك تدغدغني!!
توقف أخيراً عما يفعله وهو يشاركها ضحكاتها للحظات قبل أن يغرس غرامه غرساً في عينيها هامساً :
_يكفيني أن هذه الليلة انتهت بضحكتك!
أسبلت جفنيها بدلال تجيد استغلاله معه وهي عاجزة عن مجاراة سيول عاطفته عندما أردف هو بصوته الآسر:
_بقي شئ آخر!
رفعت إليه عينيها بحذر لكنه قام من جوارها ليتوجه نحو حوض الزهور القريب الذي اقتطف منه الكثير من الزهور الصغيرة فابتسمت وهي تظن نفسها أدركت ما ينتوي فعله...
لكنه فاجأها عندما وجدته يتقدم منها ليجثو على أحد ركبتيه أمامها ثم بدأ في نثر الزهور حول قدميها على الأرض ليرسم لها بها صورة قلب كبير!!
دمعت عيناها بتأثر وهي تراقبه بخفقات عاصفة...
لم تكن المرة الأولى التي يفيض عليها فيها بعاطفته وتدليله...
لكن هذه المرة تختلف!!!
من يصدق أن يزن الأمير الذي يتحدث القاصي والداني عن تعقله و يجلس الآن هكذا تحت قدميها ليصنع هذا؟!
لهذا لم تشعر بنفسها وهي تقوم بدورها لتجلس على ركبتيها أمامه وقد أحاطت كتفيه بكفيها هامسةً بصوت متهدج:
_إذا كنت وضعت قلبك تحت قدميّ فأنا كلي بين يديك!
اختلجت عضلة فكه فاضحةً انفعاله للحظة قبل أن يجذبها لصدره بقوة يكاد يعتصرها بين ضلوعه..
شعرت بالدهشة للحظة وهي تتذكر تقريعه لها صباحاً لكنها تناست هذا مع ذاك الدفء الغريب الذي احتل خلاياها كاملةً وهي تشعر بأمانها بين ذراعيه ...
لتدرك وقتها أنما يفعله الآن خارجٌ عن سيطرة عقله المعتادة على أفعاله!!
صمت...وصمتت!!
أجل...لو كان يظن أنه يحفظها كخطوط كفه فهي أيضاً كذلك...
تدرك متى يجب عليها الصمت في وجوده عندما تضيق به هو حروف الكلام!!!
تكاد تستشعر ضعف دقاته في تلك الأوقات النادرة التي يتخلى فيها عن درع قوته...
تلك الأوقات التي تشعرها كم هما قريبان حقاً حد الالتصاق...
بل ...حد الامتزاج والانصهار!!
لكنه لم يستسلم لضعفه هذا سوى لبضع ثوانٍ خاطفة قبل أن يبعدها مع زفرة خافتة بنكهة الاعتذار ...
رفع رأسه للأعلى للحظات ثم أمسك ذراعيها ليقوم ويوقفها معه هامساً بحزم حنون:
_عودي لغرفتك ونامي...لا تخافي...سأبقى هنا حتى تطلع الشمس!
هزت رأسها وهي تهتف باعتراض:
_أنت لم تنم منذ عدت من السفر ...صدقني لم أعد خائفة...اصعد أنت لتستريح!
لكنه رمقها بنظرة صارمة أنبأتها أن الأمر منتهٍ فتنهدت بعمق ثم همست باستسلام:
_حسناً...تصبح على خير!
أومأ برأسه في استحسان وهو يدفعها برفق نحو غرفتها الخارجية فالتفتت نحوه فجأة لتقول بنبرتها الطفولية:
_يزن...أريد فعل شئ...ولا تعاقبني!
قطب حاجبيه مع نظرة متوجسة ما بين تحذير وشك لكنها تشبثت بكتفيه فجأة وهي تستطيل على أطراف أصابعها بسرعة لتطبع قبلة خاطفة على وجنته!!!
وقبل أن يبادرها برد فعل أسلمت ساقيها للرياح لتعود عدواً إلى غرفتها وتغلق الباب خلفها بسرعة!!
ظل واقفاً مكانه للحظات يتحسس مكان قبلتها على وجنته للحظات قبل أن تغلبه ابتسامةٌ عمرها لحظة...
تبعتها تنهيدة حارة مع همسه الخافت:
_آه يا صغيرتي...من كان يصدق أن الخطيئة التي بدأ بها جديب عمري تنتهي بزهرة مثلك؟!
قالها ثم أطرق برأسه للحظات قبل أن يعود أدراجه نحو الأريكة التي جلس عليها فارداً ذراعيه على أعلى ظهرها وعيناه تراقبان نافذة غرفتها لدقائق طالت...
ليغلبه بعدها شروده الذي سرق منه الوقت حتى انتبه لخيوط الشمس التي نسجت غزلها على صفحة السماء فتنهد بإرهاق وهو يقف مكانه ليرمق غرفتها بنظرة أخيرة قبل أن يعود أدراجه إلى البيت محاولاً تجاوز أحداث هذه الليلة الغريبة...
وخلف زجاج نافذتها كانت هي واقفة تراقب انصرافه بنظرات عاشقة...
لتهمس أخيراً بتأثر:
_أبقاك الله لي يا ملاكي الحارس.
===========
_جدتي!!
هتفت بها مزن وهي تدخل عليها غرفتهما لتستطرد بمرحها المعهود مقلدة اللكنة التركية:
_صباح شريف على جدات طيبات جميلات!!
ضحكت جدتها بطيبتها المعهودة وهي تضمها إليها لتجلسها جوارها على الفراش قبل أن تقول بحنان:
_شقاوتك الطفولية هذه أجمل ما فيكِ...لا تفقديها أبداً!
ضحكت مزن ضحكتها المميزة بحركة كتفيها المدللة وهي تميل عليها بهمسها المرح:
_أعجبتك تحية الصباح بالطريقة التركية يا "أنّا"؟!
فقرصت وجنتها بخفة وهي تقول ببعض التأنيب:
_دعي الصباح التركي لأهله...وامنحيني صباحاً مصرياً بخبر مفرح...هل ظهرت نتيجتك؟!
تنحنحت مزن بحرج ثم مطت شفتيها وهي تطرق برأسها هامسة:
_فلنكتفِ إذن بتحية الصباح ...للأسف...الأخبار سيئة..نجحت لكن درجاتي "متوعكة" قليلاً... ممممم...بل ...كثيراً!
أشاحت الجدة بوجهها في ضيق فرفعت مزن إليها عينيها لتقول مدافعة:
_زفافي بعد بضعة أيام ...من الطبيعي أن يضيع تركيزي في المذاكرة!!
هنا التفتت نحوها العجوز لتهتف باستنكار:
_ولماذا لم يتم تأجيل الزفاف لوقت أطول؟!
احمرت وجنتا مزن وهي تعض على شفتها لتهمس بخجل:
_يزن ...متعجل!
تنهدت الجدة بحرارة ثم جذبتها نحوها لتضمها لصدرها هامسة بإشفاق:
_ألا تريْن أنكِ لازلتِ صغيرة على الزواج ومسئولياته؟!
فابتسمت مزن وهي تتنعم بدفء حنانها للحظات قبل أن ترفع إليها عينيها بهمسها الهائم:
_بلى صغيرة...لكن...ما يضيرني لو كبرت بين ذراعيه هو؟!
أسبلت الجدة جفنيها وقد بدا على ملامحها الكثير من عدم الارتياح...فأمالت مزن رأسها لتهتف باندفاع طفولي:
_جدتي...أنتِ تزوجتِ في سنٍ أصغر مني الآن!!!
شردت الجدة ببصرها للحظات وهي تمسح على شعر مزن برقة دون رد...
فترددت الأخيرة قليلاً قبل أن تسألها بحذر جاد هذه المرة:
_لماذا أشعر بجفاء العلاقة بينك وبين يزن رغم أنه يحبك ويحترمك كثيراً؟!
استمرت الجدة على شرودها لبضع لحظات قبل أن تهمس بغموض:
_يزن بئر عميق من أسرار وأنا لا أحب هذا!
ثم صمتت لحظة ليعود إليها شرودها مع استطرادها:
_يزن هو أول أحفادي...ربيته على يدي...لقد عشت عمراً وأنا أشعر به صفحة مقروءة أمامي بكل وضوح.
صمتت بعدها طويلاً فاضطربت خفقات مزن وهي ترفع أناملها نحو صدرها لتهمس بوجل:
_وماذا حدث بعدها لهذا الجفاء بينكما؟!
أغمضت الجدة عينيها بقوة لتحافظ على صمتها الطويل بعدها...
قبل أن تفتحهما مع همسها الذي حمل من الإشفاق أضعاف ما حمله من إقرار:
_أنتِ تحبينه!
ولا تدري لماذا دمعت عيناها فجأة في هذه اللحظة وهي تهمس بصوت متهدج:
_بعد وفاة والديّ...هو دنيايَ كلها!
ابتسمت جدتها ابتسامة واهنة وهي تعاود التربيت على شعرها ...
فازدردت مزن ريقها وهي تدرك هروب الجدة من الإجابة على تساؤلها السابق...
فاستبدلته بآخر:
_وهو...هو يحبني يا جدتي...صحيح؟!
ورغم أنها لم تكن تشك في الجواب مثقال ذرة...لكنها تنفست الصعداء عندما همست الجدة بنبرة حاسمة:
_لو كان هناك ما أثق به تماماً فهو حبه لك...
ثم رفعت ذقن مزن لتقابل عينيها بنظراتها الحانية مع استطرادها:
_أنتِ أهم ما في حياته...يزن الأمير بكل قوته وعنفوانه لا يملك سوى نقطة ضعف واحدة...نجمته مزن!
ابتسمت مزن بفخر طفولي وكلمات الجدة تنعش صدرها بشعور عارم بالأمان...
لتهمس بعدها مكررة بحروف غارقة بعاطفتها:
_نجمته مزن...نعم...نجمته!!
عادت الجدة ترمقها بنظرات لم تفهمها ثم غمغمت بنبرتها الغامضة :
_طوال سنوات عمري التي شارفت على الثمانين لم أعرف رجلاً أحب امرأة كما أحبكِ هو...بل إنني أحياناً أشعر وكأنه جعل لكِ إحدى عينيه يخصك بنظراتها وترك الأخرى لما بقي من العالم دونك!
ضحكت مزن لعبارتها لتهتف بنفس الفخر:
_تشبيه عظيم !أنا أيضاً أشعر بذلك!
ثم عدلت ياقة ثوبها بكبرياء مصطنع يليق باستطرادها:
_محظوظة أنا به!!
_وربما...العكس!
غمغمت بها الجدة بأسف اجتاح تجاعيد وجهها الغائرة ..
قبل أن تتمتم بخفوت:
_لا أدري هل سيكون هذا سر سعادتك أم شقائك؟!
انقبض قلب مزن لعبارتها لتتذكر ما حدث في الليلة الفائتة...
فازدردت ريقها بخوف ثم همست بتردد:
_جدتي...بالأمس حدث شئ غريب...
قالتها ثم مضت تحكي لها حادثة العقرب وقطعة القماش المحترقة وما سُطر عليها ...
فانعقد حاجبا الجدة بشدة وهي تتمتم :
_عقرب!غريب!!
هنا هتفت مزن بدهشة غارقة باستنكارها:
_جدتي!!أحدثك عن خرقة محترقة بخط غريب وعبارة أغرب سقطت علينا فجأة وكل ما لفت انتباهك هو العقرب؟!!!!
فغامت عينا المرأة بنظرة غامضة وهي تهمس بشرود:
_لعلي أرى ما لا ترون!
مطت مزن شفتيها باستياء وهي تشيح بوجهها...
رغم حبها الشديد لجدتها لكنها تضيق كثيراً بأسلوبها الغامض هذا!!
صحيح أنها توقن أن الجدة تعلم الكثير عن أسرار هذا البيت لكنها -مزن- لا تكترث بالمعرفة!!!
ما يعنيها من هذه الدنيا إلا هو؟!!
هو يزن ...ملاكها الحارس فحسب!!!
لهذا عادت تلتفت للجدة بقولها الحائر:
_يزن لم يهتم! قال إنها دعابة سخيفة أو مكيدة فاشلة!
فارتسمت على شفتي الجدة ابتسامة عجيبة ...
هي مزيجٌ من إشفاق وسخرية لتهمس أخيراً بعد صمت طويل:
_غداً سيهتم!!
=========
انتهى الفصل الأول



التعديل الأخير تم بواسطة um soso ; 05-08-17 الساعة 12:32 PM
نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:58 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.