آخر 10 مشاركات
لعبــ الشيطان ــة (1) "الجزء الأول من سلسلة الصديقات" للكاتبة: فرح *كاملة & مميزة* (الكاتـب : Just Faith - )           »          الــــسَــــلام (الكاتـب : دانتِلا - )           »          336 - الرجل الغامض - باربرا إفانوفتش - م.د ( إعادة تنزيل )** (الكاتـب : * فوفو * - )           »          أنا وشهريار -ج4من سلسلة زهور الحب الزرقاء- للمبدعة: نرمين نحمدالله [زائرة] *كاملة* (الكاتـب : نرمين نحمدالله - )           »          صباح الخير يا أميرتي - رابيكا فلاندرز - ع ج ( عدد ممتاز )** (الكاتـب : pink moon - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          اللقاء العاصف (23) للكاتبة: Jennie Lucas *كاملة+روابط* (الكاتـب : Dalyia - )           »          عودة المفقودة - جاكلين هاريس - ع.ج ( حصريــاً )** (الكاتـب : Dalyia - )           »          80 -لعبة من يخسر يربح - بيني جوردن -عبير جديدة (كتابة /كاملة )** (الكاتـب : Hebat Allah - )           »          259- زائرة لا تاتى الا فى غيابي- ازو كاوود-روايات عبير الجديدة (الكاتـب : samahss - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree70Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-08-17, 09:58 PM   #231

Sheren45

? العضوٌ??? » 401300
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 65
?  نُقآطِيْ » Sheren45 is on a distinguished road
افتراضي


تحفة يانيمو زي كل حاجة حلوة بتكتبيها في الانتظار على نار يامبدعة وبعدين فين الرعب ده كلها رومانسية

Sheren45 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-08-17, 10:27 PM   #232

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة sheren45 مشاهدة المشاركة
تحفة يانيمو زي كل حاجة حلوة بتكتبيها في الانتظار على نار يامبدعة وبعدين فين الرعب ده كلها رومانسية
هههههههههههههه قوليلهم اللي ظالمينني دول


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-17, 11:26 AM   #233

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

حبايب نيمووووو صباح التوووووت تنسووووووش معادنا النهارده ان شالله الساعةتسعة مع الفصل الثاني

نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-17, 06:22 PM   #234

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي



نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-17, 06:27 PM   #235

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي



نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-17, 06:32 PM   #236

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي



نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-17, 08:21 PM   #237

اني عسوله
 
الصورة الرمزية اني عسوله

? العضوٌ??? » 390126
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 215
?  نُقآطِيْ » اني عسوله is on a distinguished road
افتراضي

التصميمات خراافة ياىنيمووو
والاقتباسات تجننن
فى الانتظار على نار
يا ملكة الاثاره والتشويق


اني عسوله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-17, 08:22 PM   #238

اني عسوله
 
الصورة الرمزية اني عسوله

? العضوٌ??? » 390126
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 215
?  نُقآطِيْ » اني عسوله is on a distinguished road
افتراضي



اني عسوله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-17, 09:48 PM   #239

زهرة الغردينيا

نجم روايتي


? العضوٌ??? » 377544
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,778
?  نُقآطِيْ » زهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء الخير
تسجيل حضور
بانتظارك😍😍


زهرة الغردينيا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-17, 10:02 PM   #240

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثاني
(رقصة ...بين ذراعيه)
***********

استيقظت من نومها على صوت حركته وهو يغادر فراشهما نحو الحمام المرفق بالغرفة والذي أغلق الآن بابه بعنف...
فزفرت بقوة وهي تشعر بالصداع يكاد يفلق رأسها...
حاولت العودة للنوم لكن دون جدوى ...
هل تدركون مدى سوء هذا الشعور عندما تدرك فور استيقاظك أن لا شئ يستحق أن تقوم لأجله...
وأن عالم النوم الذي يسعك بأحلامه أكثر رحابةً من واقعٍ يخنقك بين جدرانه؟!
ابتلعت غصة حلقها بمرارتها وهي تحتضن وسادتها ليصطدم أنفها برائحة عطره فأبعدتها بعنف بأحد كفيها بينما لكمتها بكفها الآخر...
قبل أن تطلق آهة خافتة وهي تنهض من نومتها لتستند على ظهر الفراش وتلك الذكرى تداعب مخيلتها...

_تحبني؟!
_لا أعرف!
وجوابه استدعى صيحة دهشة خافتة منها قبل أن يردف بنظرات تنبض عشقاً:
_الجواب يقتضي أن أعرف شأن قلبي كي أجيب...لكن معكِ أنتِ ...قلبي صار ملكك...أنتِ أعلم بالجواب مني فلا تعيدي السؤال!
_للأبد يا تيم؟!
_للأبد يا "رائحة الجنة"!

_صباح الخير!
قالها باقتضاب وهو يخرج من الحمام وقد لف جسده العاري بمنشفته ليرمقها بنظرة استخفاف قاطعاً بها شرودها في ذكراها معه ... فالتفتت نحوه لتهمس بتشتت:
_صباح النور!
فتح خزانة ملابسه ببعض العنف الذي عكس انفعاله هو الآخر ...
فقامت من فراشها لتتوجه نحوه ثم تناولت قميصاً قطنياً أبيض اللون قربته منه مع همسها دون أن تنظر لعينيه:
_الجو حار اليوم...هذا سيناسبك أكثر.
استدار نحوها بجسده ثم ابتسم ساخراً وهو يفرد لها ذراعيه قائلاً بنبرة متهكمة:
_ألبسيني إياه !
أغمضت عينيها للحظة بألم ثم عادت تفتحهما لتلبسه إياه بالفعل...
تباطأت أناملها على أزراره تغلقها مع همسها :
_تعلم كم أحب ذلك!
اتسعت ابتسامته الساخرة والتي حملت الآن شيئاً من القسوة مع جوابه المقتضب :
_أعلم!
لم يتبقّ لها إلا الزر الأخير المقابل لصدره والذي تعمدت أن تختم به ما تفعله...
فتركته مفتوحاً للحظات صمت طالت ثم بسطت أناملها على صدره العاري مكان قلبه تماماً لتتطلع لعينيه بنظرة عميقة قبل أن تهمس برجاء:
_أخبرني بالحقيقة.
قبض أنامله بقوة مغمضاً عينيه ليرد ببرود:
_الحقيقة أمام عينيكِ...أنتِ التي ترفضين تصديقها!
_كاذب!!
صرخت بها أخيراً في انهيار تعوض به طول تظاهر بالصلابة والصبر قبل أن تبتعد عنه وهي تلوح بذراعيها مع هديرها العاصف:
_لن تفعلها....لن تجرؤ...لن أسمح لك...لن...
قطعت عبارتها بعجز وصدرها يعلو ويهبط بفيض إحساس ذرفته دموعها بغزارة...
لكنه بدا وكأنه لا يهتم بكل هذا عندما تجمد مكانه كتمثال صخر مع قوله الثلجي:
_افعلي ما بدا لكِ!
شعرت في هذه اللحظة وكأن قلبها سيتوقف من فرط مرارته لتعاود اقترابها منه وهي تهمس بذهول:
_لم تعد تهتم؟!
أشاح بوجهه دون رد ثم عاود غزو عينيها بنظراته الجامدة...
دموعها الغارقة بين تساؤلاتها لم تجد خلف قضبان جحوده أي جواب...
صرخات "صمتها" العالية لم يكن لها في وديان قسوته أي صدى...
خفقاتها المذعورة فقدت أمانها القديم في ملامحه...
فلم يبقَ لها سوى ...فراغ!!
فراغٌ أسود رهيب امتص روحها لآخر قطرة ...
لتراه أخيراً عبر غمامتي دموعها يخلع قميصه ببطء مستفز وكأنه يتعمد إثارة أعصابها أكثر...
ثم كوره بين قبضتيه بعنف حتى جعده تماماً قبل أن يلقيه على الأرض ليدهسه تحت قدميه هامساً من بين أسنانه:
_خياراتك لا تناسبني يا "هانم"!
كان مخزون انفعالاتها قد نفد عن آخره فلم يترك لها سوى جسد جامد بعينين تنزفان الدمع بلا توقف...
فيما تجاهلها هو تماماً ليلتقط قميصاً آخر" أسود" اللون ارتداه على عجل ثم أتبعه بسروال أنيق قبل أن يتوجه نحو المرآة حيث مشط شعره قبل أن يجلس على طرف الفراش ليرتدي جوربيه ونعليه بنفس البطء المستفز...
وأخيراً توجه نحو باب الغرفة حيث بدا وكأنه تذكرها فجأة ليقول بنبرات صلدة دون أن ينظر إليها:
_حريتك في يدك...كل ما عليكِ أن تطلبيها...أنا لن أمانع.
_لا!
هتفت بها بانهيار وكأنما كانت عبارته كافية لينصهر من جديدٍ جليد جسدها الذي اندفع نحوه لتطوق ظهره بذراعيها مردفةً بألم:
_قل أي شئ إلا هذا...لن أستطيع فراقك...
ثم حلّت ساعديها من على ظهره لتدير جسده نحوها مستطردة بين دموعها:
_لن أخسرك...حتى ولو كان الثمن عمري وحياتي...و....كرامتي!
تلكأت كلمتها الأخيرة على شفتيها لتلفظها أخيراً مع زخة أخرى من دموع ما عادت تنفد...
فاشتعلت عيناه بغضب أسود وأصابعه تنغرس في لحم ذراعيها بقسوة مع همسه المحترق :
_كرامتك!
قالها وكأنه يبصقها في وجهها قبل أن يميل على وجهها مردفاً بقسوة أكبر:
_أعدكِ أن أمرغ كرامتك هذه في الوحل ...وأنتِ اختبرتِ وعودي من قبل!
تطلعت إليه بذهول للحظات وكأنها لا تصدق ما تفوه به لتوه ...
قبل أن تتمالك نفسها لتهمس بصوت مختنق:
_لا أذكر الآن سوى وعدك لي بأن تحبني للأبد!
ازداد ضغط أصابعه على ذراعيها حتى تأوهت بألم وعيناه تمطرانها حديثاً لم تفهم منه حرفاً!!!
ثم انفرجت شفتاه وكأنه على وشك أن يهتف بشئ ما كتمه في آخر لحظة قبل أن يدفعها بعنف ليخرج صافقاً الباب خلفه بعنف...
رفعت رأسها للسقف للحظات تحاول كبح دموعها المنهمرة ثم توجهت نحو فراشها تستدعي نوماً توقن أنه لن يأتي أبداً...وراحةً مالها فيها نصيب...
ليته يخبرها بالحقيقة...خان أم لم يخن!!
لا!!!!!
بل ليته لا يفعل أبداً!!
وهمٌ تسكنه خيرٌ من حقيقة تنفيها خارج وطنٍ لن يكون إلا معه!!
تأوهت بصوت عالٍ وأفكارها الحيرى تكاد تفتك برأسها في مؤامرة مع دقائق تلتهمها ببطء...
حتى سمعت طرق الباب مع صوت براء:
_أمي...أنا استيقظت...تعالي وتناولي إفطاركِ معي.
زفرت بقوة دون رد لعله يظنها نائمة ويرحل...
لكن الصغير عاود إلحاحه خلف الباب المغلق:
_أمي...أنا أعرف أنك مستيقظة...سمعت صوتك مع أبي منذ قليل...هل أدخل؟!
هنا رفعت صوتها لتهتف بحدة لم تقصدها:
_عد لغرفتك يا براء...لن أخرج الآن!
وكأنما ظنت أن عبارتها هذه ستصرفه عنها !!
لكن العكس هو ما حدث عندما هتف هو بلهجة راجية استفزتها أكثر:
_الجميع نائمون ولا أريد الإفطار وحدي!
_اذهب الآن يا براء!
صرخت بها بنفاد صبر ليكون نصيبها صمتٌ طويل أيقنت بعده من رحيله خائباً...
ورغم شعور الذنب الذي استنفرته أمومتها والذي احتل كيانها للحظات...
لكنها لم تقم من فراشها إلا بعد ساعات !!
ساعات قضتها لا تفعل شيئاً سوى التحديق في سقف الغرفة وذهنها يقاتل ب-شرف- بين ساحة ماضٍ "حلو"وحاضرٍ "مُرّ"!
ليس أسوأ من ذكرياتك البائسة إلا الذكريات السعيدة التي توقن من أنها لن تعود...
أجل...إن كانت الأولى قاسية فالثانية قاتلةٌ لو تعلمون!!
اغتسلت لتلقي على مرآتها نظرةً متشحةً بالهمّ قبل أن تبدل ثيابها لتذهب لغرفة الصغير الذي لم يكن هناك...
دارت بعينيها في المكان وهي تشعر بشعور غريب وكأن هناك من يراقبها !!
ثم تقدمت بحذر من فراش الصغير الذي بدا مشعثاً وقد توزعت عليه لعبه بطريقة غريبة...
كل مجموعة ألعاب متشابهة تحيط بقطعة غريبة عنها تقف وحدها في المنتصف ليتحول المشهد إلى عشرات الدوائر المتجاورة بداخل كل دائرة مركز واحد...عدا مجموعة واحدة تركها خالية الوسط بلا مركز!!
انعقد حاجباها بشدة وهي تحاول فهم ما قصده برصّها بهذه الطريقة التي لا تبدو لها عشوائية بحال...
قبل أن يعاودها ذاك الشعور بأنها ليست وحدها في الغرفة...
قشعريرة باردة لم تدرِ لها سبباً سرت في جسدها مع انقباض قلبها بإحساس خانق...
_براء!
هتفت بها تناديه وعيناها تتفحصان الغرفة باهتمام ثم أطلقت شهقة خافتة ونظراتها تتجمد على تلك الزاوية من الغرفة...
لتطلق بعدها صيحة قصيرة وهي تهز رأسها بارتياع...
فهناك ...
كانت أسماك الزينة كلها ميتةً في الحوض !!
تلك الأسماك التي كانت تحرص على حياتها بكل اهتمام ...
فقد كانت "رمزاً" كبيراً في علاقتها ب"تيم"!!
اقتربت من الحوض أكثر لتتأكد مما رأته عندما سمعت صيحة الصغير الملتاعة خلفها:
_ماتوا؟!
التفتت نحوه بحدة ليندفع هو إلى داخل الغرفة مردفاً بهلع وهو يغطي وجهه بكفيه:
_ما رأيته تحقق...العقرب...تماماً كما أبلغوني...أبلغوني أنه سيقتلهم!!
=======
_ما أخبار "المناقصة" الجديدة؟!
هكذا سأل تيم مدير مكتبه الذي تعرق وجهه مع إجابته المتوترة:
_للأسف!لم...
قطع عبارته ثم هز رأسه مشفقاً عليه من الإجابة فخبط تيم سطح المكتب بقبضته ثم كز على أسنانه قائلاً بغضب:
_ما يحدث معنا ليس طبيعياً...أريد أن أعرف من يقف خلف خساراتنا المتوالية هذه.
أومأ الرجل برأسه في طاعة بينما شرد تيم ببصره وهاجسٌ ما يغزو مخيلته بقوة...
مسلسل خساراته يتتابع بسرعة متزايدة ...
ولو استمر الأمر على هذا الوضع فسيخسر كل ما بناه في سنوات ...
شركته الصغيرة التي بناها بكده وتعبه توشك أن تنهار فماذا عساه يصنع؟!
ربما لو علم من خلف هذا لاستطاع إيقاف هذه الكارثة!!
_لقد توصلت لطرف خيط ...سأتتبعه لأعلم من عدونا.
قالها مدير مكتبه بتردد مشوب بالإشفاق فرفع إليه تيم عينيه ببعض الأمل مع قوله :
_افعلها بسرعة إذن وأبلغني بآخر التطورات.
ابتسم الرجل بما يشبه الوعد وهو يغادر غرفته بخطوات متعجلة...
فيما شرد تيم ببصره للحظات مفكراً في أمر آخر صار يحتل غالب تفكيره مؤخراً...
ولما اكتملت تفاصيل- خطة ما- في رأسه تناول هاتفه ليتصل بالرقم المنشود ولم يكد الاتصال يفتح حتى قال بلهجة آمرة:
_ماذا فعلت بشأن ما طلبته منك؟!
ويبدو أن الإجابة على الطرف الآخر من الاتصال كانت مرضية فقد أصدر تيم همهمة استحسان قبل أن يتلقى رداً من محدثه جعله يتساءل بشرود:
_مواصفاتي؟!
صمت للحظات بعدها مفكراً ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة متلاعبة قاسية مع قوله:
_أي امرأة لا تملك شعراً أسود وعينين سوداوين...جسدٌ فائر بأنوثته...مقاييسٌ مرسومةٌ ب"المسطرة"...
ثم صمت بعدها قليلاً ليردف بنبرة غامضة:
_لا أريدها شديدة الأناقة بل على العكس...أريدها أشبه بامرأة بسيطة شعبية الأصل.
هنا ظهرت على وجهه أمارات الظفر عندما وصله رد بالموافقة من محدثه...
فاتسعت ابتسامته الماكرة ثم ضاقت عيناه بوعيد غامض مع قوله:
_أريدها متفرغة لي وسأدفع لها كل ما تطلبه!
========
_من هؤلاء الذين أبلغوه؟!
غمغم بها يزن بدهشة وهو يستمع من شقيقته لما حدث والذي انتهى بعبارة براء الأخيرة...
فهتفت إيزيس بانفعال:
_لا أعلم...سألته بعدها فلم أصل معه لشئ...هو يقول إنه سمع أناساً يتحدثون بهذا أمامه ...يخبرونه أن العقرب سيقتل الأسماك...لكنه لا يذكر شيئاً سوى هذا.
عقد يزن حاجبيه بضيق وهو يغمغم بتوتر:
_عقرب ؟!شئ عجيب!!
قالها وهو يتذكر ما حدث معه تلك الليلة عقب عودته مع مزن من الخارج ...
تلك الخرقة المحترقة وكلامها الغامض العجيب...
والعقرب الأسود الذي قتله بنفسه!!
أي هراء هذا الذي يحدث هنا؟!
أي عبث؟!
لكنه ابتسم بصعوبة ليمنح شقيقته شعوراً بالأمان مع قوله الذي اختاره هادئاً لأبعد حد:
_لا تصدقي كل ما تسمعينه من براء ...الطفل شديد الذكاء وخياله واسع...أسماك الزينة لا تعيش في الغالب لسنوات طويلة...والحقيقة أنني كنت أتعجب من طول عمرها هنا ...لكنني كنت أعزو هذا لاهتمامك الفائق بها ...فلا تحملي الأمر فوق ما يحتمل!
_تموت كلها في نفس التوقيت؟!وعقب نبوءة براء مباشرة؟!
هتفت بها بتوتر تحاول إقناعه بسبب قلقها البالغ فانعقد حاجباه من جديد وهي تستطرد بينما تقوم من مكانها لتقترب منه وهي تلوح بذراعيها:
_الولد ليس على ما يرام منذ تلك الليلة.
_أي ليلة؟!
هتف بها بتوجس لتجيبه بنبرة تصاعدت في انفعالاتها:
_تلك الليلة التي سقط فيها من على الدرج أمام غرفة (......)!
قطعت عبارتها فجأة وكأنما استنكف لسانها أن ينطق الاسم فتجمدت ملامحه فجأة عندما فهم ما تعنيه...
قبل أن يربت على ذراعيها مهدئاً مع تساؤله القلق:
_ماذا حدث بعدها؟!
هزت رأسها وهي تجيبه بين دموعها:
_لا أدري كيف أصف لك الأمر لكن براء تغير كثيراً من ليلتها...شروده طال أكثر...طريقة تناوله لألعابه صارت مبهمةً بالنسبة إليّ...يحكي لي قصصاً غريبة لا أدري من أين يأتي بها...والآن ...نبوءته ...
_ستقولين نبوءته من جديد؟!
هتف بها بنفاد صبر مقاطعاً عبارتها مع زفرة قوية ثم ضمها لصدره صامتاً للحظات...
قبل أن يقول وهو يرفع وجهها إليه:
_لا تخيبي ظني في رجاحة عقلك ...لا تجعلي صراعاتك العاطفية مع أبيه تؤثر على حسن تقييمك للأمور.
نظرت إليه بعجز للحظات وهي لا تدري بماذا ترد...
غريزة الأمومة بداخلها تنبئها أن صغيرها يواجه شيئاً غريباً قد غيّر الكثير من تفاصيله...
وحدسها يخبرها أن تلك الغرفة الملعونة لها علاقة بما يحدث هنا...
لماذا ترك يزن هذه الغرفة على حالها حتى الآن؟!
لماذا لم يحرق محتوياتها كلها بدلاً من أن تبقى هكذا تثير بداخلها كل ذكرياتها البشعة بل وتحشو عقلها بخرافات حول صغيرها؟!
خرافات؟!هل هي حقاً خرافات؟!
نعم...
نعم...يزن محق!!
هي إيزيس سيدة نساء عائلة الأمير والتي يتحدث الجميع عن صبرها وسداد عقلها فكيف تستجيب لكل هذا؟!
هي مجرد خرافات صاغها توترها الشديد هذه الأيام!!
وبهذا الخاطر الأخير ابتسمت أخيراً ابتسامة متكلفة وهي تواجه أخاها بقولها :
_معك حق...يبدو أن أعصابي متعبة قليلاً.
اتسعت ابتسامته الحنون وهو يربت على وجنتها قائلاً برفق حازم:
_إذن اذهبي ودلّلي نفسكِ كما تحبين ...ولا تحملي همّ براء...أنا سأتحدث معه!
أومأت برأسها في امتنان مع تربيتة هادئة على صدره قبل أن تغادر غرفته بخطوات متمهلة...
فيما راقب هو انصرافها بعينين شاردتين قبل أن تتزاحم الأفكار في عقله الذي لا تهدأ خواطره أبداً...
ثمة لعبة ما تحاك خيوطها هنا في بيته...
لعبة يراد بها إثارة الذعر في قلوب الجميع وقد تزامن هذا مع موعد زفافه المنتظر بمُزن...
ابتسامةٌ حانية غزت شفتيه برقّة عند خاطره الأخير!
غريبةٌ هذه المعشوقة الغالية!!
غريبةٌ حدّ أن اسمها وحده في ذهنه كفيلٌ بتبديد ضيقه كاملاً ...
وكأنها خلقت لتكون وحدها جنته الصغيرة على هذه الأرض!!
اكتفى بهذا الحد من خواطره ليغادر غرفته بعدها متوجهاً إلى غرفة الصغير الذي تهلل وجهه عندما رآه مع قوله بسعادة طفولية:
_خالي يزن!
قالها وهو يندفع نحوه فمد له يزن كفيه لكن الصغير تسلق جسده الطويل بقدميه متشبثاً بهما كما يفعل دوماً حتى وصل لمستوى كتفيه فاحتضنه يزن بقوة مع قوله:
_عاش البطل حبيب خاله!
ضحك الصغير بسعادة وهو يتعلق بعنقه هاتفاً بلهفة:
_افتقدتك كثيراً...هل ستلعب معي؟!
لكن يزن سار به ولازال يحمله بين ذراعيه ليجلس على فراش الصغير ويجلسه على ركبتيه مع قوله بحنان:
_أنا متعَب الآن ولن نستطيع اللعب.
ظهرت الخيبة على وجه الصغير لكن يزن عاجله بضحكة دافئة مع قوله بحذر:
_ما رأيك لو نتبادل القصص ؟!والدتك أخبرتني أن لديك العديد من الحكايات المختلفة...احكِ لي واحدة منها وسأحكي لك واحدة بعدها.
هنا زاغت عينا الصغير للحظات مع تجمد ملامحه الذي بدا ليزن غريباً خاصةً مع قول الصغير :
_تريد حكايةً عن "الغرباء"؟!
_من "الغرباء"؟!
سأله يزن بتوجس وهو يدرس ملامحه بدقة ...فأجاب الصغير بنفس النظرات الزائغة:
_لا أدري...هم يأتون على بالي فجأة .
ظل يزن يتفحصه وقد بدأ يعذر شقيقته في شعورها بالقلق لكنه نفض هواجسه جانباً ليعاود قوله بابتسامة مصطنعة:
_حسناً...أسمعني حكايةً منها.
صمت الصغير للحظة لتغيم عيناه بشرود غريب قبل أن يقول :
_كان هناك أخوان...أحدهما طمع في الآخر...فدعاه مع بعضهم إلى حفل كبير...أبلغهم أنه ابتاع صندوقاً ذهبياً كبيراً سيمنحه هدية لمن يناسبه قياسه...كان الشرير قد قام بصناعة الصندوق بقياسات أخيه الطيب بالطبع...وعندما نام فيه أخوه أغلقه عليه وألقاه في النهر ليموت غريقاً.
إلى هنا بدت الحكاية منطقية ولا تكاد تخرج عن خيالات طفل صغير...
ربما هي سوداوية نوعاً لكنها لا تزال طبيعية مقارنةً بما سيقوله الصغير الآن:
_وبعدها حزنت زوجة الأخ الطيب وبحثت عنه حتى وجدته...لكن الأخ الشرير قطع جسد أخيه قطعاً كثيرة وزعها في أماكن مختلفة ...
ظهر الاهتمام أكثر على وجه يزن وهو يضم الصغير لا إرادياً نحوه ليسأله:
_وماذا بعد؟!
ظل الصغير على شروده الهائم وكأنما احتُلّت ملامحه البريئة بطوفان غضب غير مبرر مع استطراده :
_ساعدها الجني الطيب على أن تجمع أجزاء زوجها الذي عاد للحياة ليوم واحد فقط حيث تمكنت فيه من إنجاب صغيرهما الذي سينتقم لأبيه.
انعقد حاجبا يزن بقوة وهو يشعر بقلقه يتزايد ...
لكن ملامح الصغير عادت لبراءتها رويداً رويداً مع قوله أخيراً وقد عادت لصوته براءته الطفولية:
_الخير ينتصر دوماً...صحيح.
أومأ يزن برأسه في تشتت وهذه الحكاية تعيد لذهنه ذكرى خاصة نسيها من زمن...
_صحيح يا خالي؟!
عاد الصغير يكرر سؤاله بإلحاح فالتفت نحوه يزن ليمنحه ابتسامة باهتة مع قوله :
_صحيح يا "بطل"...لكن الموتى لا يعودون للحياة.
ثم صمت لحظة ليعود لشروده مع قوله:
_ربما لو كانوا يعودون...لتغير الكثير!!
ولم يكد يتم عبارته حتى رن هاتفه باسمها وقد كان هذا كافياً لينسى كل شئ عندما أزاح الصغير جانباً برفق ليرد على اتصالها بهمسه الدافئ:
_نجمتي...أخيراً استيقظتِ!
ضحكتها المشرقة على الجانب الآخر من الاتصال أضاءت جنبات روحه مع عباراتها التي مزجت دلالها ببراءتها الطفولية غير المتكلفة وهي تحكي له أحلام نومها كما اعتادت...
ابتسم بحنان وهو يقوم ليغادر غرفة الصغير وقد نسي كل شئ مع سيل كلماتها الشهية...
غافلاً عن نظرات الصغير خلفه والتي تحولت براءتها لما يشبه الشرر وقد عادت ملامحه تتجمد مع همسه الخافت:
_لا نزال في البداية!
===========
انبعثت الموسيقى الصاخبة في هذا الملهى الليلي الفاخر ... فتمايلت الأجساد استجابةً لدعواتها على تلك المنصة العريضة بأضوائها الراقصة...
بينما جلست هي على طاولتها تقلب كأس الخمر الذي تركه لها النادل بين أناملها دون أن تقربه لشفتيها...
هي لا تحب شرب الخمر إلا هرباً من واقع لا تريد أن تعيشه...
لكنها الآن تريد أن تكون بكامل وعيها ...
إن لم تفعلها له فلمن إذن؟!
ولم تكد تتم خاطرتها حتى انتبهت لأنامله التي وضعها الآن على كتفها مع همسه القوي جوار أذنها:
_قومي لنرقص!
رفرف قلبها منتشياً بلحظات قربٍ وشيكة رغم يقينها من أن دعوته لها هنا الليلة لن تزيد عن كونها مجرد اتفاق على عمل جديد...
لكنها كانت تتشبث ببقايا حلم لا تزال جذوته مشتعلة حول رماد عمرٍ محترق!!
لهذا وضعت كأسها جانباً لتقوم وتتجه معه نحو تلك المنصة حيث تبدلت الموسيقا الصاخبة لأخرى هادئة ناسبت تحول الحضور لثنائيات تبدو -للناظرين- عاشقة ...
لكنها تعلمت بالطريقة الأقسى أن القلوب تبقى سراديب مغلقة على ما فيها!!
أحاط خصرها بكفيه يتمايل معها برفق على الأنغام الناعمة وعيناه المحترقتان تجوبان المكان كعادتهما في تفحص حذر...
محترقتان؟!!
نعم...طالما أعطتها عيناه هذا الانطباع...
لونهما الرمادي الداكن يذكرها بحريق بيتها القديم ...!!
ارتجف جسدها للذكرى التي لازالت تؤرق ذهنها رغم كل هذه السنوات التي ظنت أنها ستنسيها...
فالتفت نحوها ببصره ليهمس بصوته الثلجي:
_لماذا ترتجفين؟!
رسمت ابتسامتها -الوظيفية- على شفتها ببراعتها المعهودة وهي تهمس بلهجة عملية بعيدة تماماً عما تشعر به:
_لا شئ يا "وزير"...الجو بارد قليلاً فحسب!
لم يبدُ على وجهه الاهتمام بما قالت وعيناه تعاودان دورانهما الحذر في المكان للحظات قبل أن يقول :
_مهمتك الأخيرة كانت أكثر من ناجحة...ستحصلين على أجر إضافي...يبدو أن "الفلاشة" التي حصلتِ عليها من شقة ذاك الرجل كانت تساوي الكثير.
اتسعت ابتسامتها "الوظيفية " والتي حملت الآن بعض الفخر وهي تقول بنبرة عملية:
_ألهذا طلبت لقائي اليوم؟! أم أنه عمل جديد؟!
عاد بعينيه إليها في نظرة متفحصة طالت للحظات أربكتها...
قبل أن تتثاقل نظراته على ملامحها ببطء مثير رفع الدماء إلى وجنتيها واستجلب لديه ابتسامة ساخرة قلّما تكسر قالب جموده مع همسه:
_تخجلين؟! عجباً!!
ورغم أن من مثلها اعتدن الإهانة لكن عينيها دمعتا بحق في هذه اللحظة...
لكن من سيسمح بترف "الشعور" بالإهانة ها هنا؟!
لا هي بالسذاجة لتفعلها ولا هو بالرحمة ليفعل!!
لهذا اغتصبت ضحكة رقيعة تجيد عزف ألحانها الماجنة جيداً مع همسها وأناملها تتلاعب بياقة قميصه:
_خجل؟!أضحكتني؟!
عادت ملامحه لجمودها وضغط أصابعه على خصرها يزداد قسوة مع همسه الصارم وكأنه يعيدها لمكانها على رقعة الشطرنج الخاصة به:
_دعكِ من هذا الهراء واستمعي لتفاصيل العمل القادم!
وارت خيبتها بتراب" اهتمام "مصطنع وهي تسأله مختلسةً النظر لكنزيها "المحترقين" في عينيه:
_"حلوى" أم "عجين"؟!
و"الحلوى" في عملهم إشارة لتلك الليالي التي لا يُراد بها إلا مجرد متعة جسد ...
أما "العجين" فهو ذاك العمل الإضافي الذي يتطلب المزيد...
كما كانت مهمتها السابقة في سرقة تلك "الفلاشة" من ذاك الرجل ...أو تصوير أحدهم معها في وضع مخلّ لمصلحة ما...
أو ربما مجرد جمع معلومات عن خريطة مسكنه ومحتوياته...وأحياناً "ثرثرةٌ " مقصودة لاستجلاب أخبار خاصة يخبرها هو بها قبلها!!
وفي كلي "الحالتين" الحلوى أو العجين هي لاتهتم!!
هي تنفذ ما يُطلَب منها فحسب!!
لا مجال لرفض أو اعتراض...هو طريق ذو اتجاه واحد...
بدأته خطاها وانتهى الأمل في عودة.
لكن من قال إنها تفكر -أصلاً- في عودة من هذا الطريق؟!!
هي ليست بهذا- الغباء -لتدرك موقعها الحقيقي في هذا العالم ولا بهذه -القوة- لتستطيع تغييره!!!
_حتى الآن يبدو الأمر ك"حلوى"...لكن ظني أنه سيتحول ل"عجين" من نوع خاص!
انتشلها بها من أفكارها مجيباً على تساؤلها السابق قبل أن يردف ب-شبه- ابتسامة:
_دعينا فقط ننتظره حتى يتخمر...وساعتها...
قطع عبارته عامداً وهو يعود إليها ببصره مميلاً رأسه بحركة ذات مغزى فأومأت برأسها في طاعة قبل أن تقول بضيق لم تستطع نكرانه:
_أعطني الاسم والتفاصيل وسأكون هناك في الموعد.
_تيّم نصر...شقته الخاصة في (.........) العاشرة مساءً.
أجابها باقتضاب لتحفظ العنوان الذي قاله في ذاكرتها ثم تلفتت حولها لتهمس متسائلة:
_أتفهم إخفاءك لاسمك عنا...لكن هل لي أن أسألك...لماذا تسمي نفسك "الوزير" وليس "الملك" مثلاً؟!
كانت الموسيقى الآن قد توقفت تماماً فثبت كلاهما في مكانه للحظة ..
قبل أن يقترب هو منها بوجهه هامساً أمام عينيها :
_الوزير هو أهم قطع الشطرنج...هو أكثرها سلطة ...الخديعة الكبرى أن يظن الجميع أن القطع كلها تتحرك لخدمة حياة الملك...بينما هو مجرد منصب شرفي لمن يقف عاجزاً ينتظر من يحميه...لكنني أنا...
ضاقت عيناها بتفحص وكأنها تحاول قراءة ما خلف كلماته...
بينما استطرد هو بنبرة مفعمة بالثقة :
_أنا أحب الهجوم في كل وقت لاقتناص كل ما يمكنني الفوز به ...لا الوقوف خلف ساترٍ من المدافعين...
قالها ثم أخذ نفساً عميقاً زفره بعدها ببطء في وجهها ليردف بنبرة أكثر قسوة:
_وعندما تحين نهايتي فلا قيمة ل"ملكٍ" بعدي...صدقيني ستكون نهاية اللعبة.
==========
_وَسَن...لماذا تأخرتِ يا ابنتي؟!
هتف بها البقال العجوز في تلك الحارة الشعبية المتواضعة وهو يلمحها عائدةً في آخر الليل فابتسمت الفتاة بامتنان وهي تتوجه نحوه مع هتافها :
_لا تقلق يا عمي "رشدي"...السيد الكبير عاد بالأمس واضطررت للمبيت هناك ليلتي السابقة...والعمل اليوم كان أكثر من المعتاد.
أومأ الرجل برأسه في تفهم ليعاود قوله بإشفاق:
_همام قد يغضب...تعلمين كم يغار عليكِ!
فضحكت وهي تمد أناملها لتتناول قطعة حلوى من أمامه هاتفةً بمرح:
_وهل تظنه كان سينتظر لليوم؟!لقد أخذت حصتي من التقريع ليلة أمس لكنني عرفت كيف أصالحه!
ضحك الرجل ضحكة رائقة وهو يراها تفتح قطعة الحلوى لتلتهمها ببساطة مع استطرادها:
_ماذا أفعل ؟! أنت تعلم كم يتعب في عمله ليلاً ونهاراً ليتمكن من توفير نفقات زواجنا...وأنا أحاول فقط مساعدته براتبي أنا الأخرى.
تنهد الرجل بحرارة وهو يفتح لها زجاجةً من المياه الغازية التي ناولها لها مع قوله:
_حال الشباب صعبٌ حقاً هذه الأيام ...هل تصدقين أنني تزوجت عمتك "زينب" بخاتم من فضة وفي شقة والديّ وأخذتها بحقيبة ملابسها..وحتى هذه اقترضتها من الجيران!!
ضحكت بانطلاق رغم أنها تسمع منه هذه الحكاية للمرة العاشرة على الأقل فيما استطرد هو محاولاً إبهارها:
_أجل والله...كما أقول لكِ بالضبط...وقضينا أسعد أيامنا لا نكاد نأكل سوى وجبة واحدة لكن البركة كانت تحوطنا...الأمور كانت هكذا بسيطة ..لا أدري لماذا تعقدونها هذه الأيام؟!
شربت زجاجة المياه الغازية على دفعتين ثم وضعتها برفق أمامه على الطاولة وهي تقول بصوت مرهق:
_لسنا نحن من يفعل ...لكل وقت آذان كما يقولون...دعك من هذا وأعطني ما يكفي لإفطار مناسب ...أريد أن أعد لهمام وجبة جيدة عقب عودته فجراً.
هنا تلفت الرجل حوله يمنةً ويسرة قبل أن يميل بجسده نحوها عبر طاولة المحل ليقول محذراً:
_أنا أعرف أخلاقكِ جيداً وكذلك أخلاق خطيبك...لكن عقد القران لا يعني زواجاً حقيقياً...انتبهي لهذا !
ورغم خجلها من نصيحته هذه لكنها ابتسمت مع هتافها الذي امتزج شجنه بمرحه:
_لا تخف عليّ يا عمي...من تخبطت بها الحياة مثلي تعرف كيف تحافظ على نفسها.
تمتم لها الرجل بدعاء خافت وهو يعد لها ما طلبته بسرعة إشفاقاً على إرهاقها الذي احتل قسماتها ...
ثم ناوله لها قائلاً بنبرة حنون:
_عمتك "زينب" تنتظرك على الغداء غداً...
ولما لمح الاعتراض البادي على ملامحها أردف بنبرة أكثر حزماً:
_هل كبرتِ علينا يا "بنت"؟! تعلمين أننا ننتظر الجمعة إجازتك بفارغ الصبر لتشاركينا غداءنا...وأنتِ تتذرعين بحجج واهية كل أسبوع.
هنا ابتسمت ببعض الحياء وهي تغمغم بارتباك:
_لا أريد أن أثقل عليكما يا عمي...كما أن همام...
_آآه...هماااااام!!
غمزها بها مقاطعاً بنبرة ذات مغزى فتسربت حمرة لذيذة إلى وجنتيها مع استطرادها الخجول:
_إنه اليوم الوحيد الذي يمكنني فيه الخروج معه...أنا وهو نعمل طوال الأسبوع بلا راحة.
ضحك الرجل وهو يتأمل خجلها بحنان أبوي قبل أن يغمغم برفق:
_هنأكما الله يا ابنتي...كم أود لو أغمض عينيّ وأفتحهما فأجدكِ معه في بيت واحد.
_يارب يا عمي ...يارب!!
هتفت بها بحماس مفاجئ وهي ترفع كفيها للسماء فعاد الرجل يضحك بحنان وهو يخبط كفيه ببعضهما هاتفاً:
_رحم الله الحياء...تحشمي يا "بنت"...أين الخجل؟!
لكنها غمزته بخفة وهي تلوح له بكفها مودعة قبل أن تأخذ طريقها لبيتها القريب والذي تسكن إحدى غرفتي طابقه الأرضي بينما يسكن همام الغرفة الأخرى ...
تنهدت بحرارة وهي ترمق باب غرفته المقابل لبابها بنظرة مشفقة وهي تتذكر أنه لا يكاد ينام بضع ساعات كي يوفق بين عملين في اليوم الواحد...
ثم عادت ببصرها إلى غرفتها التي فتحت بابها برفق لتضع ما بيدها على المائدة الصغيرة هناك...
توجهت بخطوات مثقلة نحو فراشها لتتمدد عليه بجسد متعَب قبل أن تضبط "المنبه" جوارها على وقت الفجر كي تقوم للصلاة وإعداد بعض الشطائر لهمام...
ابتسمت بحب وهي تتذكر عتابه الشديد لها بالأمس لاضطرارها للمبيت في بيت عائلة "الأمير" وكيف كاد الأمر يتطور لشجار عنيف بينهما لولا أن تداركته هي بحسن ذكائها في إدارة أمورهما...
أجل...قليلٌ من الصبر هو ما تحتاجه مع شخص غيور مثله خاصةً وهي تدرك كم يحبها ويتعب لأجل مستقبلهما معاً.
تثاءبت بإرهاق والنوم يخطف ما بقي من إدراكها قبل أن يهديها حلماً وردياً منغماً بالسعادة معه...
وفي تمام الخامسة فجراً استيقظت ببعض النشاط على صوت المنبه القريب ...
فابتسمت ل"طيف" الحلم القريب ثم نفضت غطاءها عنها لتقوم من فراشها بسرعة...
توضأت وصلّت الفريضة كما اعتادت ثم قامت لتحضر لهما وجبة سريعة...
ولم تكد خيوط الشمس تبسط سلطانها على السماء حتى سمعت صوت باب غرفته المقابلة يغلق !
ابتسمت وهي تذهب لمرآتها الصغيرة ، بدلت ملابسها بأخرى أكثر رونقاً ثم مشطت شعرها بسرعة قبل أن تغطيه بوشاحها بارتخاء -متعمد- أظهر الكثير منه ...
فتحت باب غرفتها لتتوجه نحو بابه هو الذي طرقته بخفة عدة طرقات متتالية...
لكن الصمت ظل نصيبها لدقائق طالت...
شعرت بالخيبة وهي تدرك سرعة استسلامه للنوم عقب عودته فزفرت بقوة وهي تنتوي العودة إلى غرفتها ...
لكنها ما كادت تتحرك خطوة واحدة مبتعدة حتى فوجئت بالباب يفتح وبذراعه يجذبها إلى الداخل ليلصق ظهرها بالحائط المجاور للباب مع همسه المشتعل بعاطفته:
_تأخرتِ!
كانت أنفاسها الآن متلاحقة إن لم يكن بفعل المفاجأة فمن أثر قربه الحميمي هذا...
والذي ازدادت خطورته وعيناه تطوقان نظراتها بعاطفة زلزلتها مع همسه باسمها:
_وسن!
تضرج وجهها بحمرة ملتهبة وشفتاه تغازلان بشرتها بشغف حار لكنها دفعته برفق أخيراً لتهمس بمزيج من عُتب ودلال:
_توقف وإلا لن آتيك هنا قبل زواجنا!
كانت هذه صيغة تهديدها كل مرة والتي تنتهي دوماً بانصياعه المؤقت لها قبل أن يعاود الشوق تدمير حصونه...
لهذا زفر بقوة قبل أن يهمس لها بصوته المنهك:
_أنا تعبت!
ابتسمت بإشفاق وهي تربت على وجنته برفق هامسة:
_صدقني...كلمتك هذه بلكنتك المتعبة هذه أقوى عندي من كل كلام الحب الذي يتغنون به...لا بأس يا حبيبي ...لم يتبقّ إلا القليل على مُقدم تلك الشقة الصغيرة التي رأيناها...بعدها يمكننا تجهيزها بأبسط الأشياء وساعتها لن نؤخر زواجنا ساعة واحدة...أما الأقساط فلنتدبر أمرها فيما بعد.
لكنه مط شفتيه في استياء قائلاً بتردد:
_ولماذا لا نتزوج هنا؟!
كان يعلم أن اقتراحه هذا شبه مستحيل...فغرفته كما غرفتها شديدة الضيق بالكاد تكفي أحدهما...
لهذا لم يستطع جدالها وهي تقول بتعقل:
_صدقني أنا مثلك أتمنى لو يكون هذا اليوم قبل غد...لكننا لو تزوجنا فستهبط عزيمتنا للادخار...كما أن مصاريفنا ستتضاعف لو رزقنا بطفل...وقتها سنكون جنينا على أنفسنا وعليه..
ثم ربتت على كتفه وهي تقول بابتسامة حانية:
_لا أريد أن يتذوق أولادنا ما تجرعناه من مرارة الدنيا...نتعب الآن ونصبر قليلاً حتى نرتاح فيما بعد.
_يا مسهّل!!
قالها بابتسامة فاترة وهو يرفع وجهه للسماء فضحكت برقة وهي تسحبه معها خارج غرفته لتقول بحماس:
_اسبقني إلى السطح...سأحضر الطعام هناك!
لكنه هز رأسه نفياً وهو يهتف باعتراض:
_سأحمله أنا!
هزت رأسها بلا معنى وهي تدخل إلى غرفتها لتضع الطعام على صينية كبيرة ناولتها له ثم صعدت معه الدرج نحو سطح المنزل والذي كان يطل على مئذنة المسجد القريب وما جاوره من بيوت لا تقل عنه عراقةً وقدماً...
وضع الصينية على مائدة خشبية قديمة هناك ثم ذهب يبحث عما يمكن أن يجلسا عليه ..
فيما وقفت هي تتأمله بإشفاق مشوب بالفخر...
قميصه الذي بدا متسخاً مهملاً بعد ليلة عمل في المطبعة ونهار شاق في المطعم ..
ملامحه الوسيمة الخشنة التي كساها إرهاقها...
جسده الطويل على قوته والذي بدا الآن في أضعف حالاته وهو يحمل لها صندوقاً خشبياً كبيراً وضعه أمام المائدة قائلاً بأسف:
_سنضطر للجلوس على صندوقين...يبدو أن أم "صالح" قد طمعت في الكرسيين اللذين كانا هنا .
ضحكت ببساطة وهي تتذكر المرأة الطيبة التي تسكن الطابق الأخير هنا ...
فقالت بمرح وهي تجلس على الصندوق أمام المائدة :
_أو لعلهم أحفادها لا يتركون شيئاً إلا أفسدوه...ابتلاء!
ابتسم وهو يحضر لنفسه صندوقاً آخر ليجلس أمامها قائلاً بلهجة تحذير:
_لا تسخري من أطفال الناس حتى تريْن أطفالك!
هنا ضحكت هي بانطلاق وهي تدور ببصرها في المكان قبل أن تعود بعينيها إليه في نظرة عاشقة مع قولها برضا:
_الحمد لله!
رفع عينيه إليها بنظرة متسائلة فتناولت كفه بين أناملها تضغطه برفق ثم رفعته إلى شفتيها بقبلة عميقة قبل أن تقول له بصدق:
_رغم أني أعيش طوال الأسبوع في بيت عائلة "الأمير" ...لكنني لا أجد سعادتي بحق إلا هنا...معك!
ابتسم وهو يحتضن كفيهما بكفه الآخر دون رد...
فيما استطردت هي بنفس النبرة الراضية:
_هل تصدقني لو قلت لك إن قميصك المجعد المتسخ هذا أفضل عندي من كل ثيابهم الأنيقة ؟!يكفي أنك تعمل بجد لتكسب من عرق جبينك؟!
فعقد حاجبيه وهو يسألها بغيرته التي اعتادتها:
_ولماذا تقارنين أصلاً؟!
عادت تضحك ضحكة صافية وهي تهز رأسها بقولها:
_لا فائدة !! غيرتك هذه غير معقولة!!
زفر بقوة وهو يشيح بوجهه مع هتافه الحاد:
_لو كنت تقيمين وزناً لغيرتي لما قضيتِ ليلتك في بيت غريب !
ربتت على كفه مهدئة وهي تقول بما يشبه الاعتذار:
_زفاف السيد يزن بعد أيام في البيت الكبير ... وقد عاد بالأمس فقط وكان لدينا بعض المهام الإضافية حتى يرضى عن الأمور جميعها فهو رجل يهتم كثيراً بالتفاصيل كما تعرف...ورئيسة الخدم أعطتني اليوم إجازة عوضاً عن الليلة السابقة.
صمت للحظات دون رد فعادت تسترضيه بقولها المرح:
_كما أنك كنت معي على الهاتف طوال الليل..."عليه العِوض" في ثمن بطاقة الشحن!!
لكنه تجاهل مزاحها ليزفر بقوة ثم لوح بسبابته في وجهها قائلاً بحدة:
_لن يتكرر أمر مبيتك هذا حتى ولو تركتِ العمل...هل تفهمين؟!
أومأت برأسها إيجاباً ثم مدت أناملها له بشطيرة مع قولها الحاني:
_لا داعي للشجار يا "مشتعل الطباع" ...دعنا نستمتع بوقتنا قبل أن يستيقظ الناس .
تناول منها شطيرتها ولازال بعض الضيق على ملامحه ...
ذاك الضيق الذي عرفت كيف تذيبه بهمسها الدافئ:
_أحبك في كل أحوالك!
التوت شفتاه بشبه ابتسامة وهو يشيح بوجهه عنها فضحكت وهي تخبطه في كتفه بقبضتها مداعبة مع قولها:
_ألن تقول شيئاً؟!
لكنه أمال وجهه نحوها وهو يرفع أحد حاجبيه بمكر هامساً:
_تعرفين أنني لا أجيد التعبير سوى بلغة واحدة!
فعادت تضحك بدلال وهي تتناول شطيرة بدورها لتقضم منها قضمة ...ثم قالت بابتسامة شاردة:
_هل تذكر أول مرة التقينا فيها؟!
ابتسم وهو يتذكر بدوره فيما استطردت هي بضحكة عابثة:
_هناك حب من أول "نظرة" ... لكن معنا نحن...كان حباً من أول "شجار"!!
اتسعت ابتسامته وهو يقول بخشونة:
_كنت ساكناً جديداً ولا أدري أن من تسكن أمامي مجنونة بحب الضوضاء...صوت التلفاز في غرفتها على آخره طوال الليل!
رمقته بنظرة عاتبة فلانت لهجته نوعاً وهو يردف:
_لم أكن أعلم أنكِ تقيمين وحدكِ وتفعلين هذا دوماً لأنكِ تخافين!
تنهدت بحرارة وهي تعيد شطيرتها مكانها ...
ثم قامت لتتوجه نحو سور السطح حيث أخذت نفساً عميقاً وهي تستند براحتيها عليه قائلة بشرود:
_عندما تتربى عمرك كله وحيداً فمن الطبيعي أن تنمو لك عادات غريبة!
لمست عبارتها وتراً خاصاً لديه فقام من مكانه بدوره ليتوجه إليها ثم احاط خصرها بذراعه وهو يقف جوارها قائلاً بشرود مماثل:
_ومن قد يفهمك مثلي في هذا؟!
فالتفتت نحوه ليطير الهواء وشاح رأسها مع همسها :
_معك حق...متشابهان نحن لأبعد حد!
هنا التفت هو نحوها ليغطي شعرها بوشاحها من جديد بحرص قبل أن يحتضن نظراتها بعمق هامساً:
_لهذا أحميكِ حتى من نفسي...
ثم أطرق برأسه ليردف:
_وإن اختلفت الملامح كلانا صورة واحدة في نفس المرآة !

_أكْل!!أكل!!
انطلق الهتاف من أحفاد "أم صالح" الذين ظهروا فجأة خلفهما وقد اندفعوا بسرعة نحو المائدة وأيديهم تتخاطف الطعام بنَهَم...
فهتفت وسن وهي تندفع نحوهم بسرعة:
_اتركوا لنا شيئاً !!
لكن هتافها لم يزد الصغار إلا عناداً وهم يلوكون الطعام بسرعة ويضمون بقية الشطائر لصدورهم بإصرار مع نظرات فائضة بشقاوة طفولية ...
قبل أن يهتف أحدهم بفم ملئ بالطعام:
_جدتي دوماً تقول :الطعام لصاحب نصيبه!
انعقد حاجباها بغضب وهي تحاول انتزاع الطعام منهم هاتفة بانفعال:
_هل هذا هو الأدب الذي علموه لكم؟!
لكن همام جذبها من مرفقها نحوه ليقول بحنان غمر صوته الأجش:
_دعيهم...أنا لست جائعاً.
التفتت نحوه تهم بالاعتراض فلم يكن ضيقها من استيلائهم على الطعام فحسب بل من سوء أسلوبهم هذا...
لقد عاشت عمرها تتقبل الفقر لكنها لم تستطع يوماً تقبل ارتباطه بسوء السلوك!!!
لكن نظرةً واحدة لعينيه اللتين التمعتا الآن بوهج حنان دافق جعلتها تتسمر مكانها قليلاً ...
لقد سمعت كثيراً عن نساء يُفتنَّ بوسامة رجل أو عذب حديثه...
فهل سمعتم عن امرأة تفتنها نظرة رجل لبضعة أطفال؟!!!
نعم...نظرته أشعلت أعماقها بشعور غريب بالاشتياق لعاطفة نقية كهذه...
عاطفة افتقدتها منذ طفولتها وتزداد ظمأً لها يوماً بعد يوم...
فكيف لا تسعى بعد هذا لرِيّ ظمإها مع رجلٍ كهذا يبدو وكأنه قد زرع عينيه حقولاً من حنان وحب...
وإن بخل بهذا لسانه الصموت!!!
لهذا ابتسمت بعمق عاطفتها الآن لتقترب منه أكثر هامسةً في أذنه:
_هل أخبرتك من قبل أنك أروع رجل في هذه الدنيا ؟!
التمعت عيناه ببريق عابث وهو يطوقها بنظراته مع همسه في أذنها هو الآخر:
_توقيتاتك دوماً تبهرني...تعترفين الآن في وجود هؤلاء الشياطين الصغار؟!!
ضحكت بدلال أغاظه أكثر وهي تحتضن ذراعه بذراعيها مع تراقص حاجبيها المشاكس فاندفع بوجهه نحوها بسرعة جعلتها تشهق وهي تبعد وجهها بخجل ...
هنا ضحك هو ضحكته الخشنة وهو يعود ليقترب منها هامساً بمكر:
_لا تلعبي لعبة ليست لكِ !
زمت شفتيها بدلال وعيناها تشاكسان عينيه بعاطفة متبادلة قطعها هتاف أحد الصغار الذي وقف الآن أمامهما تماماً :
_ماذا تفعلان؟! العبا معنا ...سيكون هذا أفضل من حركاتكما السخيفة هذه!!
شهقت وسن قبل أن تخبطه بخفة على رأسه مع قولها:
_قليل "الأدب"!!
لكن همام جثا على ركبتيه ليكون في مستوى الصغير ثم قال بصوته الأجش:
_اقترح اللعبة ونحن معك!
قالها وهو يكور قبضته أمام الصغير الذي كور قبضته بدوره لتتقابلا معاً في لقاء قصير مع قوله الطفوليّ:
_اتفقنا!
ثم اندفع نحو رفقائه الصغار يحاولون الاتفاق على اللعبة...
فيما عاد همام يقف على قدميه ليلتفت إلى وجهها الذي كان الآن صورة مجسدة للعشق قائلاً بحنانه الخشن:
_تعودي دوماً ألا تخذلي طفلاً...
ثم صمت قليلاً ليردف بشجن:
_كفاهم ما سيلاقونه عندما يكبرون!
============
عاد إلى غرفتهما بعد الفجر ليجد فراشهما خالياً منها ...
بدل ملابسه متظاهراً باللامبالاة لكنه بداخله كان يشعر بالدهشة ...
طوال سنوات زواجهما لم تكن تتخلى يوماً عن انتظار عودته...
وحتى بعد البرودة -المشتعلة- التي كست علاقتهما مؤخراً حافظت هي على هذه العادة!
زفر بقوة ومجرد اهتمامه بهذا الأمر يثير حنقه على نفسه أكثر...
ماله ومالها؟!!
ألم يقرر قطع شريان هذه العلاقة والاكتفاء بمراقبة نزيفها الصامت؟!!
استلقى على فراشه الذي تقلب عليه لدقائق طالت وأفكاره تتشعب به في متاهات شتى...
حتى عادت تتركز أخيراً في تلك "الغائبة" التي يدعي عدم اكتراث بحضورها!
فانتفض أخيراً من نومه وقد قرر تفقد مكانها بدعوى الاطمئنان على الصغير...
قام من على الفراش ليتوجه نحو باب الغرفة عندما سمع صوتاً غريباً في شرفة الغرفة التي ظنها مغلقة!
خطا نحو باب الشرفة ببطء لينظر عبر الفرجة الضيقة بين بابيه شبه المغلقين حيث تبين مصدر ذاك الصوت الغريب الذي سمعه...
فهناك كانت هي جالسةً على تلك الأرجوحة العريضة التي أصرت منذ زمن بعيد أن تضعها هناك ...
ابتسم بسخرية مريرة وهو يتذكر كم شهدت هذه الأرجوحة -بالذات- اشتعال ليالي عشقهما الصاخبة تحت ضوء القمر...
قبل أن تتغضن ملامح وجهه بغضب وأفكاره المتأججة بنيران صدره تكاد تحرق رأسه...
تلك النيران التي لن يطفئها سوى إذلال هذه المرأة ...
مهما كان الثمن!
فتح باب الشرفة ببطء ليتوجه نحوها لكنها لم ترفع وجهها نحوه...
نظراتها كانت شاخصةً في الفراغ ...
ولأنه توقع الكثير من الدموع التي ما عادت تفارق وجهها مؤخراً...
فقد فوجئ حقاً ب-جفاف- ملامحها إلا من نظراتٍ ضائعة وهي تحتضن جسدها بذراعيها ...
تلك النظرات التي صفعت وجهة قلبه بعنف وهي تذكره بعهدهما الأول!
لهذا عقد حاجبيه مقاوماً فيض شعوره ليستمر في تقدمه البطئ نحوها والذي بدت هي أغفل ما تكون عنه...
حتى توقف أمامها تماماً ليقول بنبرة جامدة:
_ماذا تفعلين هنا؟!
لم يصله منها جواب ولا حتى مجرد نظرة مما استفزه ليردف بتهكم مهين:
_تظنين هذا سيرجعني عن طريقي؟! دموعك...ضعفك...توسلاتك اللامنتهية ...وأخيراً استجداء ذكرياتنا معاً بهذه الطريقة المستهلكة ...عيبٌ عليكِ يا "هانم"...من مثلكِ...
_لقد ماتت أسماكنا!
همست بها أخيراً تقاطع بها سيل إهاناته فانعقد حاجباه بشدة وهو يقبض أنامله جواره...
فيما انحدرت على وجنتها دمعة يتيمة اخترقت صدره رغماً عنه ...
ربما لأنه يدرك اختلافها عن دموعها السابقة!!
لهذا هبط على ركبتيه أمامها ليكون وجهه في مستوى وجهها الذي رفعته نحوه أخيراً لتهمس بصوت متقطع:
_طوال هذه السنوات وأنا أحافظ عليها بأقصى قوتي...والآن...ماتت!
كانت دمعتها الآن قد استقرت على جانب شفتيها فامتدت أنامله ببطء تمسحها وهو يدرك ما تعنيه حقاً خلف كلماتها...
هل يمكنه الآن الزعم أن هذا الخبر قد ترك ندبته في قلبه هو الآخر؟!!
أجل...رغم كل شئ...
يبقى تاريخهما المشترك نقطة ضعف "طاهرة"لن تطمسها مِمحاة حاضرهما "المدنس"!
ولم تكد تشعر هي بلمسة أنامله على بشرتها حتى انخرطت في بكاء حاد مع هتافها وسط شهقاتها الباكية:
_احتضنني يا تيم...أخبرني أن ما بيننا لن يموت كأسماكنا...اكذب عليّ وقل إننا سنتجاوز كل هذا ونعود لما كنا عليه...اكذب...وأنا سأصدقك.
انتهت كلماتها عندما ضمها بعنف لصدره بينما استند ذقنه على رأسها لتشعر بالوجود حولها يتلاشى إلا من صوت دقات قلبه الهادرة تحت أذنيها...
يالله!!!
أي خطيئة في هذا الكون لا تغفرها له الآن؟!
أي ذنب قد يقف بينهما وخفقاتها تكاد تمتزج الآن بنبض الدم في عروقه؟!
أي جرمٍ ستقف لتحقق فيه ك-قاضية- وهي على استعداد الآن لمنحه كل "أدلة البراءة"؟!
مفقودةٌ هي في صحراء عشقه للأبد منذ عرفته...
مفقودةٌ لا تريد هدفاً ولا صحبة ولا...دليل رجوع!!
هو فقط ما تريده...هو فقط!!
وبهذا الشعور الجارف الذي اكتسحها عادت تهمس وذراعاها يعتصران خاصرته :
_لازلت أذكر فرحتي بها عندما أهدتني إياها...أسماءها التي اخترناها سوياً...صباحاتنا التي كانت تبدأ بقبلاتك قبل أن نتناول إفطارنا هناك أمامها ونحن نراقبها...ما الذي حدث لنا يا تيم ؟! ما الذي حدث؟!
وكأنما ردته كلماتها لواقعهما الذي كان هو الآخر قد غفل عنه بعناقهما الأخير...
فأبعدها عنه ببطء ليزدرد ريقه الجاف ثم قام واقفاً وقد استعاد برودة نبراته ليقول ببطء ضاغطاً على حروف كلماته:
_ما حدث هو أن حكايتنا انتهت...أنتِ فقط من ترفضين تصديق هذا.
لكنها وقفت بدورها لتهتف بين دموعها وذراعاها يعتصران عضديه:
_من أين أتيت بكل هذه القسوة؟! ما الذي تخفيه عني؟! ما الذي غيّرك هكذا؟!
اشتعلت عيناه بغضب وقد انفرجت شفتاه حتى بدا على وشك الانفجار فيها هو الآخر ...
لكنه كز على أسنانه بقوة ليكتم انفعالاته كلها ثم أشاح بوجهه ليقول بعد صمت قصير:
_أريد أن أنام !
قالها وهو يزيح ذراعيها عنه ليتحرك نحو الغرفة من جديد لكنها لحقت به لتعاود جذب ذراعه نحوها هامسة بتوسل هذه المرة:
_تيم...لا تفعل بي هذا ...أنت تعلم أنك تقتلني ببطء بأسلوبك هذا...تماماً كما تعلم أن ما بيننا لم ولن يموت!
هُيئ إليها أن نظراته قد لانت قليلاً وعيناه تدوران على ملامحها بألم قرأه قلبها الخبير بأدق تفاصيله...
لكن كل هذا عاد يتوارى خلف قناع من جمود قاسٍ وأنامله تعتصر ذقنها الذي رفعه نحوه هامساً بازدراء:
_كم تثيرين شفقتي بمظهرك البائس هذا...ذلٌ لا يليق بكِ ...
ثم صمت لحظة ليردف بابتسامة كحد السيف:
_يا "هانم"!
قالها وهو يترك ذقنها بحركة عنيفة ثم تجاوزها ليعود لفراشه معطياً إياها ظهره...
تاركاً إياها خلفه تهز رأسها بذهول لا تدري...
من هذا؟!!
من....هذا؟!!!
والسؤال يحرق جنباتها بنيرانَ طالما كانت لها ...جنة!!!!

=====================
*** حفل زفاف يزن الأمير***

وقفت مزن أمام المرآة الكبيرة في حجرتها تتأمل نفسها بالثوب الأبيض بعدما أنهت تلك المرأة تزيينها وخرجت لتتركها وحدها...
ورغم أنها شعرت بالضيق لامتلاء جسدها -نوعاً- في الثوب الذي اختارته لكنها تناست هذا الآن وهي تذكر نفسها بعبارته:
_أنتِ نجمة يزن لا تفكري إلا في هذا!
ابتسمت وهي تدور حول نفسها بفخر فاردةً ذراعيها حولها هاتفة بصوت مسموع:
_نجمة يزن...حبيبته...زوجته...فراشته. ..
ثم توقفت لحظة عما تفعله لتمط شفتيها باستياء متذكرة امتلاء جسدها لتردف ببعص الخيبة:
_فراشة بدينة...لكن لا بأس...سأعود للحمية بعد أيام ...ستكون حميةً قاسية هذه المرة حتى أفقد الكثير من وزني بعد...
طرقاتٌ خافتة على الباب قطعت حديثها فشهقت بارتباك وهي تترقب الطارق لكنها ابتسمت بارتياح عندما وجدته هو أمامها يتقدم نحوها بعدما أغلق الباب خلفه...
اندفعت نحوه بلهفة لتتشبث بحلته الأنيقة هاتفةً بنبرتها الطفولية:
_يزن...جئت في وقتك...قل الحق ولا تجاملني...هل أنا ..
_مذهلة!
همس بها دافئةً واثقةً حنونةً بما يكفي لإجهاض باقي تساؤلها القلق ...
فضحكت ضحكتها المميزة بحركة كتفيها معها قبل أن تعاود أسئلتها المتلاحقة:
_هل حضر خالي؟! هل وافق على الأمر؟!هل تم عقد القران؟!
وضع سبابته على شفتيها مقاطعاً أسئلتها ثم أبعدها عنه قليلاً ممسكاً كتفيها بكفيه وعيناه تدوران على ملامحها وجسدها بتفحص ...
قبل أن تعود نظراته لتحتل عينيها مع همسه ببطء:
_أنتِ..الآن ...زوجتي!
ارتجف جسدها رجفة خفيفة بين أنامله ...
لا لم تكن رجفة خوف ولا خجل...بل رجفة تأثر!!
أجل...لقد راعتها تلك النظرة المتلألئة -بدمعة خفية- في عينيه مع تهدج صوته وهو يقولها...
ورغم أنه من المفترض أن تكون هي الخائفة الخجول وهو القوى الواثق في هذا الموقف.
لكن الشئ الوحيد الذي أتقنته في عمرها الصغير هذا هو عِلمها بمتى يحتاجها هو لتنقلب الأدوار!!
لهذا أخذت نفساً عميقاً ثم امتدت أناملها لتضم رأسه بحنان إلى كتفها هامسة :
_من أول يوم في عمري قرروا أن أكون لك...ولآخر يوم في عمري قررت أنا هذا.
لم تكن تدري أن كلماتها ستؤثر فيه إلى هذا الحد!!
فلم تكد تنتهي من عبارتها حتى طوقها بقوة ليعتصرها بين ذراعيه للحظات فقد فيها الزمن جدوى حسابه...
ليهمس بعدها في أذنها بصوته الآسر:
_قوليها ثانية...بل ...قوليها مراراً!
امتثلت لرغبته وهي تكررها همساً في أذنيه قبل أن تتبعها بقبلة خفيفة على وجنته ثم أبعدت وجهها قليلاً لتهمس أمام عينيه:
_نجمة يزن لن تتفلت يوماً عن مداره...لو فعلتها ستحترق!
نظر إلى عينيها طويلاً يبادلها وعداً بوعد ثم طبع على جبينها قبلة عميقة سبقت همسه الحازم:
_إذن هيا بنا...إنهم ينتظروننا بالخارج!
أومأت برأسها ثم شهقت فجأة لتهتف بانفعال:
_امسح هذا أولاً!
قالتها وهي تتحرك لتتناول منديلاً ورقياً من جوارها بسرعة جعلتها تتعثر في ثوبها بصورة مضحكة رسمت ابتسامة على شفتيه...
لكنها تمالكت نفسها لتتقدم منه وتمسح وجهه هاتفة بلهجتها الطفولية:
_كانت ستصير فضيحة لو رآك أحدهم وأثر طلاء شفتيّ على وجنتك!
ضحك باستمتاع واضح وهو يراقب حركاتها الطفولية مستسلماً لحركة أناملها بالمنديل على وجهه حتى همست أخيراً بانتصار:
_هكذا...دارينا أثر الجريمة!
هنا علا صوت ضحكته أكثر وهو يضمها إليه من جديد قبل أن يهمس بنبرته الآسرة:
_إذن.. ما رأيك في "جريمة" جديدة؟!!
لتضحك هي الأخرى وهي ترفع "المنديل" في وجهه هاتفة ببراءتها المنتعشة:
_لا بأس...ما دام يمكننا مداراتها كأختها!!
قالتها ثم مالت على وجنته بقبلة أخرى عميقة ثم عاودت مسح أثرها لتهتف بشقاوتها اللذيذة:
_والآن؟! نستكمل جرائمنا أم نبدأ الحفل؟!
ابتسم بحب جارف وعيناه ترويان ألف قصيدة حب...قبل أن يهمس بصوت متهدج:
_هل ستبقين دوماً بريئة طفولية هكذا؟!
فصمتت للحظات ثم همست أخيراً بتوجس:
_ألا تحبني هكذا؟!
هنا أومأ هو برأسه قبل أن يهمس بما بدا في أذنيها أقرب للرجاء:
_بلى...لا تكبري أبداً...ابقيْ هكذا دوماً...دوماً يا نجمتي.
ابتسمت بحب وهي تومئ برأسها فيما بدا كالوعد ...
فتنهد بحرارة لتغيم نظراته بشرود قصير ضايقها فهمست بعتاب رقيق:
_تشرد وأنت معي؟!
ابتسم وهو يربت على وجنتيها ليرد بنفس النبرة الغارقة بين فرح وشجن:
_هل تدركين صغيرتي شعور رجلٍ راقب امرأته تكبر أمام عينيه يوماً بعد يوم؟! رضيعةً حملها...ثم طفلة تحبو...تقف وحدها...تمشي...تعدو...تنطق باسمه لأول مرة بحروف متلعثمة...تنمو وينمو معها حبه لها...حتى تصبح أخيراً عروسه ؟!!
ثم أطلق آهة خافتة وهو يعاود ضمها إليه مردفاً بصوت مختنق بعاطفته:
_طالما كنت أهرب من كل سواد عالمي لبراءتك أنتِ...لهذا أرجوكِ ألا تكبري!
ورغم أن عينيها دمعتا تأثراً لكنها تنحنحت لتهمس بمرح :
_لا تخف...مدللتك ستبقى طفلةً أسيرةً لدلالك ولو أنجبت عشرة أطفال!!
ثم هتفت وكأنها تذكرت فجأة:
_الحفل...تأخرنا!
ابتسم وهو يقبل رأسها بحنان فتأبطت ذراعه بفخر وهي تسير معه للخروج من غرفتها بالملحق الخارجي للبيت والتي انتهت علاقتها بها منذ الآن ...
أجل ...من هذه اللحظة هي سيدة البيت الكبير...
زوجة يزن الأمير ...حبيبته ومدللته لآخر العمر!!
ملأها الخاطر الأثير زهواً وتيهاً حتى شعرت أنها تطير بخطواتها فوق الأرض العشبية للحديقة حيث بدأت أولى فقرات حفل الزفاف...
حفلٌ ضخم مميز يليق بكبير عائلة الأمير سارا في بدايته معاً تحت أقواس متتالية من الزهور الطبيعية...
والتي امتدت من الملحق الخارجي الذي تقيم فيه حتى البيت الكبير...
تقليدٌ -غربي- غريب عما عرفته الأعراس هنا...
خاصةً مع توقيت الحفل الذي اختارت مزن أن يكون عصراً قبل الغروب بوقت مناسب...
لكنها كانت رغبة مزن ...ويزن -بالطبع- لم يرفض طلباً لمدللته!!
_يزن...أريد أن نبدأ الحفل بمباركة جدتي.
همست بها مزن جوار أذنه وهي تسير معه وسط جيش من الأطفال الصغار الذين حملوا لهما باقاتٍ من الزهور البيضاء ...
فالتفت نحوها ليهمس لها بدوره:
_كل ما تطلبين اليوم لكِ!
اتسعت ابتسامتها الفخور وهي تضغط ذراعه الذي تتأبطه أكثر وكأنما ملكت به الدنيا كلها...
ليكملا خطواتهما نحو كرسي الجدة التي جلست في مدخل البيت ترمقهما بنظرات غريبة ...
هي مزيج من أسف وإشفاق وتوجس...وفرحةٍ تجاهد للطفو فوق سطح كل هذا!!!
لهذا ابتسمت أخيراً ومزن تنحني لتقبل كفها لتقول بصوتها الذي أرهقته السنون:
_مباركٌ يا ابنتي.
ثم انتقلت ببصرها إلى يزن ليدور بين عينيهما حديثٌ غامض طال للحظات...
قبل أن تقطعه هي بقولها الذي حمل الآن قبساً من سخرية مع حزمه:
_اليوم حققت حلمك...عساك تكمل العهد لآخره.
شعرت مزن بقلق خفي وهي تراقب نظراتهما بحيرة وقد توقعت أن تثير لهجة الجدة حفيظة يزن الذي لا يتقبل أن يحدثه أحدٌ بهذه الطريقة...
لكنه أثار دهشتها عندما أغمض عينيه بألم للحظة قبل أن يعاود فتحهما مع همسه :
_لا تخافي يا جدتي...أنا لا أنسى.
ثم توجه ببصره إلى مزن لينهل من براءة ملامحها ما أطفأ نيران عينيه اللتين عادتا تنبضان بعاطفته مع قوله:
_الآن يبدأ الحفل...دعينا ندخل البيت .
قالها وهو يتوجه بها نحو الداخل حيث بدأت الموسيقى في عزف ألحان صاخبة لتبدأ عاصفةٌ من تهاني المدعوين لا تقل عن هذا صخباً..

وفي مكانها ببهو البيت الكبير وقفت كليوباترا بثوبها غريب التصميم والذي اختارته شديد البساطة لكن -بقليل من التركيز- يمكنك ملاحظة محاكاته لثياب الملكات الفرعونيات...
أبيضٌ طويلٌ شديد الانسيابية يضيق قليلاً عند محيط صدرها ليظهر ضيق خصرها خاصةً مع حزامه الرفيع المستتر الذي منح نصفه السفلي تموجات هادئة ...
وقد اكتفت من زينتها بتلك "الحرملة" التي أحاطت عنقها فوق الثوب لتتدلى فوق كتفيها وذراعيها بذات اللون الأبيض مع نقوش ذهبية مزخرفة تناسبت مع ذاك الطوق الذهبي السميك الذي انسدل خلفه شعرها شديد السواد، وحذائها الذهبي ذي الكعب العالي.

كانت تقف وحدها دوماً كما اعتادت ونظراتها تبدو وكأنما تعلقت بالعروسين...
لكن الحقيقة أن ذاك الحلم -الذي لم يفارقها منذ تلك الليلة التي وجدت فيها الدمية على حجرها - هو ما كان يؤرق ذهنها الآن...

موكبٌ فرعوني ضخم حُملت هي فيه على هودج خشبي عظيم مسطح بأربعة أعمدة زينت رؤوسها برمز الجعران...
ومن حولها كان العبيد والجواري يسيرون بزي موحد اللون ...
التنانير البيضاء للرجال تغطي أنصافهم السفلية والفساتين الطويلة مكشوفة الصدر والذراعين بنفس اللون للنساء ...
قرع الطبول يدوي من مكان ما هناك فيمنح المشهد رهبة وقدسية خاصة...
وبالذات مع نيران المشاعل هناك أمامها...
و التي شقت ظلمة الليل حولها فبدت لها من بعيد وكأنها تنتظرها في نهاية الرحلة!!
سار بها الموكب عبر طريق طويل ممهد تحيطه الأعمدة الفرعونية من الجانبين ...
أعمدة مميزة بنقوشها التي تراها دوماً في الصور لكن الفارق الآن أنها كانت حية !!
أجل...كل رمز فيها كان يلمع بوميض خاص ويتحرك حركة متناغمة مع قرع الطبول وكأنه لحنٌ جماعيّ أجبر الجميع على التراقص معه!
حتى انتهى بها المقام للمعبد الكبير هناك...
صعدوا بها الدرجات الصخرية بخطواتهم المتئدة ليتوقفوا بها أخيراً في المكان الذي يفترض أنه لها...
وهنا توقف قرع الطبول ليسود الصمت المكان!!
صمتٌ لا تستطيع وصفه بأنه كئيبٌ أو موحش...لكنه حقاً كان مهيباً!!
وكأن الشموس والنجوم توقفت عن مدارها فجأة ليغرق الكون في سكون سرمديّ!
هنا وضعت كفها على قلبها تستجمع قوةً لم تخذلها في موقف كهذا...
ثم ترجلت لتغادر الهودج بخطوات ملكية تليق بشبيهاتها...
كان كبير الكهنة ينتظرها ليتم مراسم تنصيبها الملكية فاقتربت منه برأس منكس تنتظر كلمته....
عندما مد أنامله ليثبت لها لحية مستعارة- كما اقتضت الطقوس في عهدهم- قبل أن يلف حول شعرها عصابة من قماش معين تدلت خلف رأسها وقد زينتها من الأمام صورة حية الكوبرا...
ثم لف حزاماً عريضاً على خصرها له مشبك من الأمام كتب عليه اسمها كملكة!!
كان قلبها يخفق بجنون مع حركات الرجل التي بدت وكأنها تحفظها عن ظهر قلب...
لكنه كاد يتوقف هلعاً عندما قال الكاهن أخيراً:

_ذُبِح القربان فاكتبي بدمائه ميثاق حريتك وتسلمي العهد.
بلهجته المهيبة نطقها فرفعت رأسها نحوه برهبة ثم دارت عيناها في المكان تبحث عن القربان الذي يقصده ...
حتى تصلبتا بجزع على جثمان القربان تحت قدميه...
فقد كان...يزن!!


_لماذا ترتجفين؟!
همس بها جاد جوارها فالتفتت نحوه بحدة استجلبت استطراده بصوته البارد الذي اكتسى رغماً عنه ببعض القلق:
_تقفين شاردةً منذ دقائق ثم انتفض جسدكِ فجأة.
ختم عبارته بتفحص شغوف لها استفزها بشدة لتهتف بطبيعتها النارية:
_وما شأنك أنت ؟!
ارتفع حاجباه بدهشة للحظة قبل أن يضغط حروف كلماته ببطء مسيطر:
_كلُّ ما فيكِ شأني يا عزيزتي.
التمعت عيناها بشراسة قاسية مع قولها وهي تقترب بوجهها من وجهه بتحدٍّ صارخ:
_الأحلام مجانية يا رجل...لكن يبقى الواقع باهظ الثمن على من هو مثلك!
ابتسم ساخراً دون رد...
فانسحبت من أمامه بخطوات تفيض غروراً حتى توجهت لمائدة الطعام هناك والتي خلت الآن إلا منها مع انشغال الجميع بمباركة العروسين...
الأمر الذي كانت هي زاهدة فيه على أي حال!!!
لايزال ذاك الكابوس مسيطراً على ذهنها بشدة...
طقوس التتويج التي رأتها فيه مطابقة تماماً لما قرأته في كتبه...
لهذا لم يبدُ لها الأمر غريباً ...لكن الغريب بحق كان أمر ذاك "القربان"...
يزن!!
رباه!!!
هل من الممكن أن تؤذيه هي يوماً؟!!
لكنه لحق بها ليقطع عليها أفكارها العاصفة من جديد قائلاً بنبرته الواثقة التي تكرهها:
_ألم تسمعي العزف؟!سترقصين معي الآن.
_لا!
هتفت بها من بين أسنانها ثم ابتسمت ساخرة لتردف:
_هل ستجبرونني على هذه أيضاً؟!اذهب واطلب من يزن أن يفعلها...ستسرني رؤيته وهو يجذبني من شعري أمام الحضور ليرغمني على الرقص معك!
احتل الغضب قسماته للحظات قبل أن يعاود البرود صبغة صوته مع قوله:
_لو كان الأمر بهذه البساطة لكنتِ الآن زوجتي بعد كل هذه السنوات من عرض زواج لا تنتهي صلاحيته!
ويبدو أن كلماته أثلجت صدرها ب-شعور واهٍ بقوة تدرك أنها لا تملكها -ومع هذا قالت بثقة مصطنعة:
_بالضبط!! ليت عرضك الثمين هذا يفقد صلاحيته...فلن يجاب إلا بالرفض!
ضحك ضحكة قصيرة وهو يحيد عنها ببصره للحظة قبل أن تعود عيناه الماكرتان لغزوهما الكاسح مع عبارته:
_ارفضي كما تشائين...تعلمين كما أعلم أنا أنك لو لم تكوني لي فلن تكوني لغيري!
رسم الغيظ ألف خط على ملامحها التي تشبعت الآن بكُرهٍ واضح ....
لكنها عادت ترفع رأسها بكبرياء ثم تجاهلته تماماً وهي تضع لنفسها الكثير من الطعام في طبق كبير...
راقب حركاتها العصبية وارتجافة أناملها بنظرات متسلية...
قبل أن يقول لها بنبرة شاردة رق معها صوته نوعاً:
_طالما كنتِ تفرغين همك في تناول الطعام منذ صغرك....عادةٌ لم تؤثر على رشاقتك كثيراً كما يبدو!
تجمدت أناملها على الطبق الذي تمسكه وهي تشعر بالدماء تفور في مقدمة رأسها عندما مال على أذنها فجأة مردفاً بجرأة:
_جسدكِ يبدو مثالياً لأبعد حد!
انتهت عبارته بآهة كتمها بصعوبة عندما غرست شوكتها بظاهر كفه المستند على المائدة جوارها ...
لتلتهب نظراته بوعيد صامت تلقته هي بنظراتها المتحدية التي ناسبت قولها:
_لعلك تكف عن تجاوز حدودك معي!
قالتها وهي تعطيه ظهرها لتهمّ بالابتعاد لكنه جذبها من معصمها الذي ضغطه بين أنامله بقوة آلمتها فأصدرت أنّة خافتة وازت قوله بنبرة متوعدة:
_يوماً ما سأجعلكِ تقبّلين هذه اليد التي أوجعتِها....تذكريها جيداً!
لكنها نزعت معصمها منه بقوة أخيراً لتهتف بقوة :
_مهما حدث...سأفضل الموت على أن أفعلها!
قالتها ثم وضعت طبقها على المائدة بعنف قبل أن تغادر بهو البيت الكبير نحو الحديقة الخلفية بخطوات شبه راكضة تهرب من ذاك الثقل الجاثم على صدرها وقد أدركت بخبرتها عنه أنه لن يتبعها بعد ما كان...
أجل...سيكتفي -كعادته- بتعكير صفو ليلتها وإثبات ملكيته لها قبل أن يعاود اختفاءه من حياتها مؤقتاً ليظهر من جديد بسخافة جديدة من سخافاته التي لا تنتهي!!
متى يتوقفون عن التحكم في حياتها؟!!
متى يمنحونها حرية التنفس بعيداً عن قيودهم تلك؟!!
كانت قد وصلت للركن الخلفي من الحديقة فوقفت فجأة تلتقط أنفاسها ...
ثم توجهت ببطء نحو النافذة الزجاجية ل"غرفته" الحبيبة تراقبها من الخارج.
انقبض قلبها بشعور غريب ما بين راحة وخوف وهي تتذكر ما حدث في ليلتها الأخيرة هناك...
ربما لو كانت امرأة طبيعية لسيطر الرعب على أوصالها بعد ما كان وقتها...
لكنها- للعجب- تشعر بنوع من الألفة وكأن شعورها بعودة- روحه- كان شيئاً متوقعاً...
بل ومفرحاً!!
ومع هذا فقد استجابت وقتها ل-بقايا -عقل ناشدها بالتحقق من الأمر فقامت صبيحة ليلتها تلك لتتفحص النافذة من جديد لعلها تتبين شيئاً من أثر لمقتحم...أو حتى آثار أقدام لكنها لم تصل لشئ ...
ولولا تلك الدمية غريبة الشكل التي لازالت تحتفظ بها في غرفتها مع -منديله- المميز لظنت كل هذا مجرد خيال!!
زفرت بقوة عند خاطرها الأخير وهي تهم بالجلوس أرضاً على الحشائش كما تحب لولا أن تذكرت الزمان والمكان...
ولون الثوب!!
فاكتفت بعقد ساعديها وهي ترفع عينيها للسماء التي تلونت الآن بألوان الغروب وكأنها تهرب إليها من كل تلك الفوضى التي تكتسح أعماقها...
لتدمع عيناها -وهو الأمر الجلل الذي لا تسمح بحدوثه غالباً - مع همسها :
_أرجوك كن حقيقياً وعُدْ...ولو حتى كروحٍ تحوم حولي وتمنحني الإحساس بالأمان...أنظر إليّ ...هأنذا كما تمنيتني دوماً...ملكةٌ أبيّة لن تسمح أن يكسرها أحد....لازلت أذكر آخر كلماتك لي....يوم قلت...
قطعت همسها عندما سمعت صوت حفيف أوراق شجر قريب...
فخفضت رأسها بسرعة كاتمةً شهقة خوفها بصعوبة وهي تزدرد ريقها بتوتر...
قبل أن تنتبه لمصدر ذاك الصوت من حديقة البيت المجاور لبيت عائلة "الأمير" والتي يلاصق جدارها جدار حديقتهم...
ابتسمت بكثير من الارتياح أخيراً وبصرها يتفحص تلك المنطقة المغطاة بالزروع والأزهار قبل أن ينخفض تدريجياً إلى أن ميزت انعكاس الضوء على ما يشبه ساعة يد...!
لتواصل نظراتها التفحص مع اقتراب خطواتها تدريجياً من الجدار الفاصل بين الحديقتين حتى تبينت حذاءً رياضياً رجالياً لمن يبدو أنه يختبئ خلف كومة الزروع هذه!!
هنا اتسعت ابتسامتها وهي تدرك هوية "مراقبها" لتقترب أكثر وقد منحها شعور المغامرة المزيد من الإثارة التي هزمت خوفاً طبيعياً في موقف كهذا...ثم قالت بأقصى نبراتها قوة:
_حسناً أيها المتلصص...ما الذي عساك تود رؤيته؟!
هنا خرج- هو- من مكمنه خلف الأشجار لتتبين ملامحه بوضوح رغم الإضاءة الخافتة في ذاك الجانب الخلفي من الحديقة...
فتأملته بنظرةً تقييمية أكثر لوجه حليق شديد الجاذبية بعينين زرقاوين وشعر فاتح اللون يشي بأصول غربية...
جسدٍ ممشوق بثياب أنيقة توحي بذوق بسيط لكنه متفرد!!
بينما تنحنح هو بحرج ليخرجها من تفحصها المتفرس فيه فوضعت كفيها على جانبي خصرها مع سؤالها بحدة:
_أنت ثانيةً؟!
أجل ...لم تكن المرة الأولى التي تلاحظ فيها مراقبته لها بحكم جيرتهما قصيرة الأمد...
لكنها أول مرة تمكنها الظروف من تأمل ملامحه بهذا القرب!!
ومع هذا تجاوز هو حد الكلفة بينهما ليعبر السور القصير بين الحديقتين قفزاً قائلاً بمرح:
_مادمتِ تذكرينني فسأعتبر نفسي صديقاً قديماً!
عقدت حاجبيها بضيق وهي تتلفت خلفها نحو مدخل البيت الذي بدا بعيداً بأضوائه وصخب الموسيقا المنبعثة منه شاعرةً ببعض القلق مما لو علم يزن عما فعله جارهم غريب الأطوار هذا...
لكن جذوة التمرد التي اشتعلت الآن في أعماقها جعلتها تتمادى في الحديث معه بقولها ببعض الرفق:
_لا بأس...أنت جارنا وكان يجدر بنا دعوتك لحضور الزفاف!
ابتسم وهو يقول ببساطة:
_هذا ما أظنه أيضاً...سأعتبرنفسي مدعواً للحفل !
ثم اقترب منها متفحصاً ثوبها قبل أن يصدر صفيق إعجاب سبق قوله:
_ثوب مميز يليق ب"كليوباترا" عاشقة التراث الفرعوني!
ورغم أنها لم تكن أول مرة تتعرض للمغازلة لكن قلبها خفق باضطراب فسرته بأنه فقط من باب شعورها بأنها مخطئة في وقفتها -المختلسة- معه هذه...
لكنه قطع أفكارها عندما اقترب أكثر منها مع سؤاله باهتمام:
_هل أنتِ دوماً مهووسةٌ بالذوق الفرعوني؟!
استفزت عبارته ذاك الطابع النيراني بأعماقها فهتفت باستنكار:
_وماذا تعرف عني كي تزعم هذا؟!
ابتسم بعفوية وهو يخرج من جيب سرواله ميدالية مفاتيح على شكل مسلة فرعونية بنقوش قديمة ناولها لها مع قوله:
_وقعت منكِ ذات يوم والتقطتها!
تناولتها منه بحركة عنيفة مع قولها الحاد:
_وهل من الذوق أن تتلصص على جيرانك وتحتفظ بمقتنياتهم المفقودة؟!
هز رأسه نفياً ثم قال بنفس البساطة :
_ليس كل الجيران...فقط من يمتلكون جاذبيتك!
عقدت حاجبيها بارتياب وهي تشعر بعجزها عن التعامل معه...
رغم الحياة المنغلقة التي يفرضها يزن على نساء العائلة لكن لها خبرات محدودة في التعامل مع الرجال...
وهذا الرجل لا يبدو مغازلاً أو وقحاً بل على العكس...
لن تستطيع نكران أنه نال إعجابها في تلك المرات القليلة التي رأته فيها منذ سكن هنا قريباً...
شئٌ ما يتعلق بمظهره البسيط...روحه الخفيفة...نظرة عينيه التي تشعرك أنه سعيدٌ راض ...
وهو ما تفتقده هي دوماً!!
لهذا تجرأت ومدت له أناملها مصافحةً مع قولها بنبرة جادة وكأنها تنفي عن نفسها نية العبث:
_حسناً...فلنكمل التعارف ...أنا كليوباترا والمقربون يدعونني كليو...وأنت؟!
_كنان!
قالها بثقة ضاغطاً على حروفها فنطقت الاسم بغرابة وهي تهز رأسها ...
ليضحك وهو يهز كتفيه بنبرته المرحة مع قوله:
_بالله عليكِ لا تحدثيني عن غرابة الاسم!ليس أنتِ على الأقل.
ابتسمت بتحفظ وهي تدرك ما يتحدث عنه ثم تلفتت حولها بحذر قائلة:
_أبي أسماني هكذا لولعه بعلوم التاريخ الفرعوني....وكذلك إيزيس ...وحده يزن من أفلت من هذه الدائرة!
عاد يضحك ولازال يحتفظ بكفها بين أنامله ليقول ممازحاً:
_من يدري ربما كان سيصبح "حورس" أو "أحمس"؟!
اتسعت ابتسامتها الحذرة وهي تسحب أناملها منه لتقول وهي تشير لسور الحديقة القصير:
_لو علم يزن بأمر سكناك هنا فسيطول هذا السور كثيراً...هو تركه هكذا لأن البيت ظل مهجوراً لمدة طويلة.
رمقها بنظرة طويلة داعبت مشاعرها لأول مرة بهذا الإحساس الغريب قبل أن يهمس بجدية هذه المرة:
_فلندعُ الله إذن أن ينشغل بعروسه ولا ينتبه لهذا قريباً.
أشاحت بوجهها دون رد وهي تخشى أن تفهم ما خلف عبارته ...
لكنه أساء فهم حركتها فتنحنح ليقول بنبرة آسفة:
_لا أريد إحراجك ...سأعود من حيث أتيت!
قالها وهو يتأهب للعودة لكنها استوقفته بتساؤلها:
_ما الذي كنت تراقبه خلف الأشجار؟!
صمت لحظات وهو لايزال يعطيها ظهره قبل أن يلتفت نحوها برأسه ليهمس باقتضاب:
_أنتِ!
ابتسمت لصراحته التي أرضت غرور الأنثى بداخلها وهي تشعر بإثارة المغامرة وجذوة التمرد بداخلها تشتعل أكثر ...
لكنها تذكرت دعوة جاد لها للرقص منذ قليل وحديثه المتعجرف عن زواجه -المحتوم-منها...
فحانت منها التفاتةٌ عابرة للقصر ثم همست في نفسها:
_حسناً يا يزن...يا سيّد بيتك!!...الآن أراقص رجلاً غريباً في حديقة دارك على بعد خطوات منك...وأنت يا سيد جاد...كم أود لو تراني الآن معه من كل قلبي!
وبهذه الرغبة الأخيرة اقتربت منه خطوة لتقول بجرأة تعجبتها في نفسها قبله:
_ما رأيك لو نكمل حديثنا ونحن نرقص معاً؟!
ارتفع حاجباه بدهشة للحظة لا يصدق ما تفوهت به -لتوها- قبل أن يبتسم بارتباك متفحصاً ملامحها مع قوله:
_لا تقولي أنك تسخرين مني ...أو ربما...هو فخٌ لاستدراجي كي يعاقبني أحدهم على التسلل إلى هنا!
لكنها بدت وكأنها تنزع عن نفسها كل قيودها السابقة في رغبة مستعرة بالتحرر من كل ما يكبلها ...فقالت بجرأة لا تنقصها:
_ألا تقول إنك تراقبني؟!اكتشف إذن هل كان الأمر يستحق أم لا!
ابتسم بإعجاب وقد بدأ الأمر يروقه حقاً فاستدار نحوها بجسده كاملاً ليقترب منها أكثر قائلاً بترقب:
_لنرقص؟!
_لنرقص!
قالتها بإقرار وكأنها تتحدى بها كل هذا الغيظ الذي يجتاحها تجاه كل من بالداخل فسمحت له بتناول كفها قبل أن يبدآ معاً بالرقص على صدى الأنغام المنبعثة من داخل البيت الكبير...
وفي الضوء الخافت تقارب وجهاهما ليهمس وهو يتفرس ملامحها:
_لو كنت أعلم أن لي جارةٌ مثلك لعدت لسُكنَى البيت من زمن!
كانت تترنح الآن بين جدران مشاعرها المتخبطة...
ما بين خجل -فطري- لأنثى يغازلها رجل وهو يراقصها بين ذراعيه، وبين جرأة امرأة تريد التمرد على حصاد سنوات عمرها السابقة...
تريد حرق هويتها لعلها تُبعث من بعدها عنقاء حرة في سماء لا تعترف بقيود!!
لهذا ارتعشت ابتسامة مرتبكة على شفتيها بينما همس هو بحيرة صادقة:
_وجهك يبدو...
صمت بعدها للحظات وكأنه يبحث عن البقية لكنها هي أكملتها له:
_جميلاً؟!
قالتها بلكنة ساخرة فقد كانت تعلم أن ملامحها أبعد ما تكون عن هذا الوصف...
لكنه لم ينتبه لغيمة السخرية التي ظللت كلمتها مع استطراده الصريح:
_لا...ليس جميلاً...ليس الجمال المتعارف على الأقل...لكنه يبدو لرجل مثلي شديد الجاذبية...
ثم صمت لحظة ليردف:
_عيناك تلتمعان ببريق خاص ...مميز ...مميز بقسوته!
تجاوبت مع حركاته الراقصة وهي تغمض عينيها محاولةً إقناع نفسها أن كل هذا مجرد حلم...
حلم تخطو فيه على بساط حريري أحمر لتعلو فوق عرش حرية لن يسجنها بعدها أحد...
لهذا تمتمت بما بدا كالهذيان ولازالت مغمضة عينيها:
_مميز ...بقسوته؟!!
ليصلها همسه الواثق بلهجة رجل يدرك جيداً ما يتحدث عنه:
_قسوة المرأة تستفز الرجل دوماً...ربما لأنها تفضح له جرحاً يرضي غروره بمداواته !!
فتحت عينيها ببطء وهي تشعر بحديثه غريباً عما اعتادت سماعه...
يتغلغل داخل روحها ببساطته التي تنافس عمقه بنفس القدر!!!
هل يتحدث عن جاذبيتها هي؟!
فماذا تقول هي إذن عن جاذبيته؟!
تلك التي طرقت باب قلبها ب-رقة- في تلك المرات القليلة التي انتبهت إليه فيها ...
والآن تقرعه ب-عنف -وهي بين ذراعيه!!!
لكنه قطع أفكارها عندما تلفت حوله ولازال يتمايل معها ببطء في تلك البقعة المخفية من الحديقة ليتجاوز الأمر قائلاً بدهشة مشوبة بالإعجاب:
_فكرة الزفاف النهاريّ هذه كانت جيدة...لم أرَ الكثيرون يفعلونها هنا.
فتنهدت بحرارة وهي تراقب السماء التي كانت الآن غارقةً تماماً في ظلامها لتقول بشرود:
_زوجة شقيقي هي من اختارت هذا...لو كنت مكانها لما اخترت أن تبدأ ليلة العمر برحلة غروب الشمس!
ثم هزت رأسها لتقول باهتمام حقيقي:
_هل تعلم عن أسطورة "رع"؟! رمز "الشمس" عند الفراعنة ...تروي الأسطورة بأنه يكون طفلا عن شروقه (خبري) ، ثم رجلا كاملا ظهرا (رع) ، ثم عجوزا في المساء (أتوم) ؛ يركب مركبين يعبر بهما النهار حيث يعلو في السماء، ثم يختفي عن الأنظار وقت الغروب ويبدأ رحلة البحر السماوي خلال الليل...وفي خلال رحلته يمر على اثنتي عشرة بوابة هي عدد ساعات الليل يحارب فيها الشرور حتى ينتصر!
ضحك ضحكة قصيرة ثم قال بإعجاب:
_قرأت عن هذا الأمر قبلاً...لكن القصة من بين شفتيكِ مختلفة...وكأنني معكِ أنتقل لزمان آخر بحق.
ثم صمت لحظة ليردف بنبرة دافئة:
_كم يليق بكِ اسمك...كليوباترا...ملكة القوة والسحر.

ماذا جرى لكِ كليو؟!
تراقصين رجلاً غريباً في حديقة بيتك بل وتسمحين له بمغازلتك؟!
هل فقدتِ عقلكِ؟!
لا...!!!
لا تفكري!!
استمتعي بهذه الليلة واعتبريها فسحةً خارج حدود زمانك ومكانك...
وبعدها عودي لشرنقتكِ المنطوية...
ملكةً لا تجد نفسها إلا بين سطور الماضي!!
هكذا حدثت نفسها قبل أن تتجاهل إطراءه لتسأله بنبرة جادة:
_ماذا تعمل؟!
ابتسم ونظراته المعجبة تحيطها أكثر ليقول ببساطة:
_ليس لي عملٌ معين...أحاول احتراف الرسم والتصوير.
هنا عقدت حاجبيها وهي تعاود سؤاله بدهشة:
_لكن هذا ليس مربحاً على ما أظن.
فاتسعت ابتسامته وهو يرد:
_الربح ليس مالاً فقط...متعة الإحساس بالحياة هي الربح الحقيقي...سعادتك بفعل شئ تعشقينه وتبرعين فيه...
ثم أطرق ببصره ليردف ببعض الأسى:
_قضى والداي عمرهما يجمعان المال لكنني أكاد أقسم أنهما لم يتنعما بلحظة سعادة واحدة .
فهزت رأسها بإدراك وهي تكمل له عبارته:
_وأنت تنتوي الاستفادة من هذا الدرس!
وهنا كان عزف الموسيقى قد انتهى بالداخل فتوقف كلاهما مكانه ...
عيناه يسكنهما أسفٌ وازى أسفها هي الأخرى لانتهاء الحلم!!
أجل...لم يزد هذا -الرائع- في خيالها عن كونه مجرد حلم!!
هذا الذي ظهر فجأة ليجسد لها كل ما تمنته في رجل يجذبها لعالمه -كملكة متوجة - لا يسحبها سحباً ك-أَمة - مجبورة!
_شكراً!
همس بها بإحساس هزها بحرارته قبل أن يترك كفها برفق ليحررها من بين ذراعيه...
ثم خلع خاتمه الفضي المميز -بفص فخم من الياقوت الأحمر - ليضعه في راحتها مردفاً:
_شكراً على أجمل وقت قضيته في بلاط الملكة الساحرة...من بعيدٍ كنتِ جميلة...ومن قريبٍ وجدتكِ أجمل...
قالها وهو يبتسم ليختم عبارته بنفس ما كان يتردد في بالها الآن:
_كان...كالحلم!
نظرت إليه مبهوتة وملامحها الجامدة لا تعكس شيئاً من صهيل جياد شعورها الجامحة الآن...
بينما اكتفى هو بنظرة أخيرة قبل أن يهمس بلكنته البسيطة ذات الجاذبية:
_لا تكوني بخيلة...وامنحينا حلماً آخر قريباً.
قالها ثم تحرك مبتعداً بظهره ثم لوح لها بكفه مودعاً قبل أن يقفز فوق السور من جديد ليختفي خلف الأشجار تاركاً إياها خلفه مشدوهة...
تراقب مكان اختفاءه بذهول قبل أن تهز رأسها ببطء ...
ظلت تغلق راحتها وتفتحها عدة مرات على خاتمه ولمعة فص الياقوت فيه تنافس لمعة عينيها ...
ثم عادت ببصرها نحو مدخل البيت المتلألئ بأضوائه في نظرة -مختنقة -تبعتها بنظرة أخرى -شغوف- نحو حديقته المجاورة...
ظلت تقلب بصرها للحظات بين ذاك و هذه وكأنها لا تصدق كل ما كان منذ قليل...
ثم ارتدت الخاتم في بنصرها لتهمس برهبة:
_حلم أم حقيقة؟!

وداخل البيت عادت الموسيقى الحالمة تملأ الأجواء من جديد ...
كانت إيزيس تجلس مكانها على مائدة بعيدة تناسب رغبتها في الانطواء وجوارها براء الذي بادرها بسؤاله:
_ما رأيك في مظهري بهذه "البدلة" ؟!إنها تجعلني أبدو أكبر سناً بكثير.
غمغمت ببضع كلمات مبهمة وهي تمنحه ابتسامة باهتة فيماكان شرودها يلتهم أفكارها الآن كاملة..
أين ذهب تيم؟!
لماذا تأخر؟!
هل ينتوي عدم الحضور وإحراجها أمام الجميع؟!
والأهم...من الذي أو-التي- ترافقه الآن؟!
سيصيبها بالجنون حقاً لو تركها فريسةً لهذه الظنون التي تمتص روحها ببطء شره...
لن تستجيب لدعوى خسارته تحت أي مبرر ولا حتى "الخيانة"!!!
شعرت بسوط من لهب يضرب صدرها مع خاطرها الأخير فضغطت على شفتيها بقوة حتى أدمتهما ...
عندما فوجئت بالصغير يهتف بجزع:
_ماذا بكِ يا أمي؟!
التفتت إليه بنظرة احتلتها حسرتها باقتدار مع همسها المختنق:
_لا شئ...أنا بخير.
ثم أخذت نفساً عميقاً وهي تحاول صرف ذهنها عن التفكير في معذبها إلى صغيرها الذي تظنه هو الآخر يواجه شيئاً ما لا تعلمه...
يزن يؤكد لها أن ما تشعر به ليس سوى خيالات فرضتها الضغوط...
والحقيقة أن مراقبتها للصغير في الأيام السابقة- والتي عقبت يوم موت أسماكها- أكدت لها حديث يزن .
براء بخير...وهي أيضاً ستكون ذلك!
بهذه الأفكار حاولت إقناع نفسها وهي تربت على كف الصغير لتقول بحنان:
_لماذا لا تلعب مع الأطفال هناك؟!
تلفت الصغير حوله بعدم اكتراث ليقول بنبرته الحنون:
_أحب الجلوس معكِ أكثر!
ابتسمت وهي ترفع كفه لشفتيها بقبلة عميقة ثم قالت محاولةً التسرية عنه :
_إذن...ما رأيك في صورة مع الخال يزن والعروس الجميلة؟!
ظهرت اللهفة في عيني الصغير وهو يومئ برأسه ثم سحب كفه منها بسرعة ليتوجه نحو العروسين...
تنهدت بحرارة وهي تراقبه ببصرها بشرود...
شئٌ ما يقبض صدرها بقوة...
يخبرها أن حصاد عمرها القصير يوشك أن يحترق ...لتعود من رحلتها بكف خاوية وقلب كسير...
يالله...لو كانت راحة البال تُشترى لابتاعتها بكل ما تملك!
_جئت في الوقت المناسب!!
سمعها قلبها قبل أذنيها فرفعت إليه رأسها بلهفة تلقتها عيناه بقسوة اعتادتها مؤخراً...
قسوة ناقضت عبارته المنمقة وهو يمد لها كفه بأناقة مدروسة:
_هل تسمحين بهذه الرقصة؟!
ورغم أن العيون حولهما كانت ترمقهما بمزيج من إعجاب وحسد -خاصةً مع وسامة تيم الشديدة التي تلفت الأنظار- لكنها لم تكن ترى سواه هو...
هو فقط!!!
مدت له أناملها المرتجفة فضغطها برفق في راحته لتشعر بقلبها يتخبط بين جدران ضلوعها باضطراب وكأنها عذراء تمسها يد رجل لأول مرة!
وقفت أمامه تناجي عينيه ببركان عشقها الذي لا يخمد ...
لكن عينيه كانتا باردتين تماماً وهو يقبّل كفيها تباعاً بعمق مثبتاً نظراته بعينيها...
قبل أن يسير معها نحو منصة العرس التي احتلت موقعاً رئيسياً في بهو البيت الكبير...
وهناك بدأ معها الرقص بخطوات رشيقة ولا تزال عيناهما تتبادلان حديثهما "المعوجّ"!!
حتى همس هو في أذنها أخيراً وكفاه يداعبان خاصرتها بتمهل فيما بدا للناظرين كعاصفة حب مكتومة :
_ما رأيك في هذا العرض؟!
رمقته عيناها بسهام رجاء مشتعلة وهي تشعر بجسدها يقشعر للمساته لتهمس بنبرة عاتبة:
_عرض؟!
ابتسم بسخرية قاسية وكفاه يضغطان خصرها بقوة قبل أن يعاود همسه في أذنه الأخرى محافظاً على تماسك خطواته:
_بالطبع عرض...عرضٌ يرضي غرور "الهانم" أمام الجميع...صحيح؟!
دمعت عيناها بقهر وهي لا تدري بماذا ترد بينما استطرد هو بنفس النبرة القاسية:
_رجل وسيم بطلّة فاخرة تليق بكِ...لم يتبقّ سوى رتوش رومانسية أخيرة لتكتمل صورة الزوج العاشق الذي يحسدكِ عليه الجميع.
هنا اختلط رجاؤها الحار في عينيها بهدير عاطفتها وهي تهمس له بانفعال:
_لماذا تصور الأمر هكذا ؟!منذ متى نتحدث عن حبنا بهذه الطريقة؟!
قست ملامحه أكثر وهو يضمها إليه بخشونة مع همسه الشرس:
_منذ زمن بعيد...لكنكِ تصرين على التغافل!
عقدت حاجبيها بتساؤل وهي تكاد ترجوه أن يفصح لها عن مكنون صدره...
عن السر الذي غيره هكذا وبنى بينهما هذا السد!!
لكنه عاد يبتسم أخيراً ابتسامة باردة وهو يقول بنبرة وعيد:
_أتمنى أن تكوني قد استمتعتِ بالعرض ...لأنني أنتوي إنهاءه.
نظرة عينيه المتوعدة أنبأتها بنيته في إحراجها فتوسلته عيناها ألا يفعل...
لكنه تجاهل توسلاتها كعادته مؤخراً عندما وقف مكانه فجأة ليبعدها عنه برفق ...
قبل أن ينسحب دونما اكتراث بها ليتقدم نحو إحدى الموائد حيث طلب امرأة أخرى للرقص!!!!!!
التفتت نحوها العيون فجأة ما بين تساؤل وفضول لهذه المرأة التي تركها زوجها في منتصف الرقصة ليدعو أخرى...
بينما تجمدت هي مكانها متسعة العينين بصدمة وهي تشعر كأنما تقف بينهم عارية تجردت من ثياب كبريائها!!!
تجمعت الدموع في عينيها حتى شوشت عليها رؤيته يراقص المرأة الأخرى بابتسامته الساحرة وأنامله تداعب خصرها كما كان يفعل معها منذ قليل...
تفجرت شظايا غيرتها بأعماقها تحطم خلاياها بصوت بدا لها مسموعاً حتى كاد يصم أذنيها...
لكنها بقيت واقفت جامدة في مكانها لا يكاد جسدها الراسخ بقدميه في الأرض يفضح شيئاً من نزيف جروحها...
حين شعرت بكفيه على كتفيها مع صوته الذي تعمد أن يكون عالياً ليسمع الحضور عله يرد لها اعتبارها:
_أنا طلبت من تيم أن يترك ما تبقى من الرقصة لي!
رفعت عينيها نحوه لتلتقط فيوض حنانه المؤازرة قبل أن تعاود رقصها معه وقد استعادت بعضاً من تماسكها مع همسها:
_يزن...لماذا تركت عروسك؟!
أغنتها نظرته الوافرة بعمق قوتها وحنانها عن أي جواب فلم تشعر بنفسها وهي تدفن وجهها في كتفه لتخفي دموعها ...
ترك لها بعض المساحة لتفرغ عواطفها على كتفه وهو يدور بعينيه بين الحاضرين بتفحص حتى انتهى اللقاء بعيني- تيم- اللتين بادلتاهما العداء ...
ضاقت عينا يزن بنظرة متوعدة قابلها تيم باستهانة وهو يتعمد مضاحكة المرأة معه بصوت عالٍ...
فيما عاد يزن يهمس في أذن شقيقته:
_إلى الآن أنا أحترم رغبتك في الاحتفاظ بخصوصيتك...لكن لو تجاوز هذا الرجل حده فسأريه عاقبة من يؤذي نساء عائلة الأمير.
رفعت إليه عينيها الدامعتين وهي تمسحهما بسرعة مع همسها الملهوف:
_لا يا يزن...ليس الأمر كما تظن...هو لا يظلمني...هو...
قطعت عبارتها عندما اصطدمت بعينيه اللائمتين وهي لا تجد ما تكمل به عبارتها لكنها همست أخيراً بما يشبه الدعاء:
_سنعود كما كنا...أعدك يا أخي.
ثم اغتصبت ابتسامة باردة وهي تتوقف لتسحبه من كفه نحو مزن التي كانت واقفةً الآن وسط بعض رفيقاتها لتقول لها بمرح أجادت اصطناعه:
_ارقصي معه ولا تدعي الناس يقولون أنه زهدكِ هكذا من بداية الليلة.
فضحكت مزن بدلال وهي تتعلق بذراع يزن مع قولها :
_كلهم يعلمون أن يزن الأمير لن يزهد مدللته أبداً.
قالتها ثم عاودت رقصها البطئ معه فتركتهما إيزيس بخطوات تعمدتها واثقة حتى وصلت إلى مائدتها من جديد حيث جلست لترمق تيم بنظرة أخيرة مع همسها :
_سأقولها لنفسي ألف مرة ولن أمل....لن أخسر حرباً أنت غنيمتها!

بينما حاول يزن تجاهل أمر شقيقته مؤقتاً عندما همس في أذن مزن وهو يراقصها بخفة:
_كم أود لو ينتهي الآن كل هذا!
ابتسمت بسعادة وهي تتلفت حولها دون أن تتوقف عن الرقص مع قولها:
_رغم أن الحفل أجمل مما توقعته...لكنني أيضاً أتمنى هذا...
ثم استقرت عيناها على مرفأ حدقتيه لتردف بأصدق ما يكون:
_أريد أن نكون معاً سوياً في غرفتنا لأنام بين ذراعيك ...كما كنت أحلم دوماً.
ابتسم ابتسامته الخاصة بها والتي تنيرملامحه بقبسٍ خاص ينعكس من براءتها ...
ثم مال عليها أكثر ليقبل طرف أذنها قبلة خفيفة سبقت همسه :
_تدركين ماذا سيقول أحدهم لو سمع مقولتكِ هذه؟!
ضحكت ضحكة نقية وهي تلصق نفسها به أكثر لتهمس بنبرتها الطفولية:
_قليلة الحياء...لا تخجل...عديمة التربية...و...ممممم...مخبولة!!!
ضحك بانطلاق -يناقض طبيعته الرصينة دوماً -وهو يضمها إليه بحنان محاولاً عدم الإخلال بحركتهما الراقصة....
فيما عادت هي تهمس بتساؤل تعرف يقيناً جوابه:
_لكنك أنت تفهمني...صحيح؟!
تنهد بعمق وهو يقترب بوجهه منها ليحتكر الوجود كله بعينيها مع همسه :
_ومن يفهمكِ مثلي؟!
غزلت عاطفتهما نسيجها بين العيون للحظات قبل أن تريح هي جبينها على صدره ليهمس هو أخيراً :
_دعينا إذن ننهِ هذا الحفل!
رفعت رأسها فجأة لتومئ برأسها إيجاباً في حماس طفولي ليبتسم وهو يشير لمنظم الحفل إشارة خاصة جعلته يوقف عزف الموسيقى أخيراً ليهتف :
_والآن يتقدم العروسان لتقطيع كعكة الزفاف.
علا صوت تصفيق الحاضرين بحماس بينما تقدم يزن معها نحو مائدة الطعام هناك حيث استقرت كعكة العرس في منتصفها بطوابقها العديدة..
تناول يزن السكين الذي تزين طرفه بشريط لامع ليقطع طرف الطابق العلوي من الكعكة بينما أنامل مُزن تحتضن كفه الممسك بها كما اتُفق...
لكنه ما كاد يصل للكعكة حتى انقطع التيار الكهربائي فجأة ليسود الظلام المكان!!!!!


شهقت مزن بفزع وصيحات الحضور تستجلب المزيد من الفوضى ...
بينما ترك يزن السكين ليطوقها بذراعيه وهو يقول بصوت قوي لم ينجح في مداراة خوفه:
_لا تخافي...المولد الكهربائي سيعمل في خلال دقائق!
التصقت به أكثر وقد زاد خوفه من ذعرها هي الأخرى...
كان يحيطها بذراعيه مخفياً وجهها في صدره بينما يدور بها بحركة عشوائية في جميع الاتجاهات وكأنه يحميها من أي هجوم لا يتوقع مصدره!!
ولأول مرة في حياتها تجرب إحساسها بهذا الهلع!!
ربما لأنها كانت تستمد أمانها منه...
هو الذي كانت تشعر الآن بمدى خوفه عليها وهو يكاد يعتصرها بين ضلوعه بحركة فضحت رهبته رغم همساته المطمئنة لها:
_لا تخافي!
ظل يكررها وسط أنفاسه اللاهثة وهو يربت على ظهرها مع دورانه الملهوف بها حتى عاد التيار الكهربائي أخيراً فانطلقت صيحات الارتياح من الجميع ...
بينما أغشى الضوء المفاجئ عينيه فأغلقهما بقوة للحظات قبل أن يعاود فتحهما ليتفحص ملامحها بلهفة مع همسه باسمها...
فابتسمت بتأثر وهي تربت على وجنته برفق هامسة:
_أنا بخير...لنكمل ال...
قطعت عبارتها بصرخة قوية وعيناها تتسعان بذعر فالتفت بحدة إلى ما تنظر إليه...
انعقد حاجباه بدهشة للحظة ثم لم تلبث أن تحولت لغضب هادر...
فهناك أعلى كعكة الزفاف كان هناك عقربٌ أسود يزحف ببطء فوق اسميهما اللذين يزينان قمة حاملها المعدني..
وعلى المائدة -جوار السكين- كانت هناك خرقة قماش محترقة الأطراف تشبه سابقتها وبنفس العبارة :
_ما كُتب بالدم...لا يمحى إلا بالدم!
=========
انتهى الفصل الثاني









التعديل الأخير تم بواسطة rontii ; 10-08-17 الساعة 10:40 PM
نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:16 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.