آخر 10 مشاركات
إلَى السماءِ تجلت نَظرَتِي وَرَنـت (الكاتـب : ميساء بيتي - )           »          492 - حبيبها - كارول مارينيلي (عدد جديد) (الكاتـب : silvertulip21 - )           »          ومازلنا عالقون *مكتملة* (الكاتـب : ررمد - )           »          أغلى من الياقوت: الجزء الأول من سلسلة أحجار كريمة. (الكاتـب : سيلينان - )           »          93 - زواج العمر - منى منصور (الكاتـب : meshomasray - )           »          حب غير متوقع (2) للكاتبة: Mary Rock *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )           »          خادمة القصر 2 (الكاتـب : اسماعيل موسى - )           »          جدائلكِ في حلمي (3) .. *مميزة و مكتملة* سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          تشعلين نارى (160) للكاتبة : Lynne Graham .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree5716Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-10-20, 12:47 AM   #1331

شجن المشاعر

? العضوٌ??? » 412460
?  التسِجيلٌ » Nov 2017
? مشَارَ?اتْي » 82
?  نُقآطِيْ » شجن المشاعر is on a distinguished road
افتراضي


💃💃💃💃💃🧞‍♀️🧞‍♀️👀👀👀💪💪🦈🦈🎂🎂🎂

شجن المشاعر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-10-20, 12:54 AM   #1332

المشاغبة

? العضوٌ??? » 406852
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 446
?  نُقآطِيْ » المشاغبة is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل دخوول

ممنتظريينك ي نيموو على ناار


المشاغبة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-10-20, 12:58 AM   #1333

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

الطيف الخامس عشر
======
*أصفر*
======
_نامت؟!
يهمس بها راغب -عقب عودته لبيته آخر اليوم -أمام فراش رُبَى الصغيرة التي بدت كملاك صغير بملامحها المستكينة لتشير له رؤى بسبابتها فوق فمها بحركة موحية قبل أن تسحبه من كفه لتخرج به من غرفة الصغيرة ..
تغلق بابها برفق ثم تلتفت نحوه بابتسامة عاشقة :
_تأخرت اليوم !
_العمل في الورشة اليوم كان فوق المعتاد .
يقولها بإرهاق لتقترب منه كي تعانقه لكنه يبتعد قائلاً ببعض الحرج :
_انتظري حتى أغتسل ..أشعر أن رائحتي لا تطاق .
لكنها تقترب أكثر لتغرس رأسها فوق صدره مطوقةً خصره بذراعيها :
_ليس أحب على أنفي من رائحة كهذه ..رائحة تعبك لأجلي ولأجل ابنتنا!

تهمس بها بصدق وهي تستعيد الأيام الخوالي ..
أيام كانت تقارن بساطة حاله هو بفخامة حال فهد الصاوي ..
تلك الأيام الأولى التي كانت تشمئز فيها من وضعه كصاحب ورشة في مقابل الحلم القديم بفهد الثري المعروف ..
قبل أن يدور الزمان دورته لتدرك أي هدية منحها إياها القدر برجل مثل هذا !!

_تبدين ضائقة المزاج !
يقولها وهو يرفع ذقنها نحوه لتسبل جفنيها قائلة :
_لا تشغل بالك .
_رؤى!
يقولها بإلحاح لتتفلت من بين ذراعيه هاتفة :
_اغتسل وبدّل ملابسك ريثما أجهز الطعام .

تقولها وهي تندفع نحو المطبخ لتشهق بخفة مع شعورها بقرصته على خصرها مع هتافه المرح:
_جهزي اعترافاتك ولا تظني نفسك قد هربتِ !

تضحك وهي تهز رأسها بينما تتابعه ببصرها يتوجه نحو الحمام القريب ..
لتتحول ضحكتها لتنهيدة ضائقة وهي تدلف لداخل المطبخ كي تعد له الطعام ..

_ما هذه؟!
يسألها وقد عاد ليتخذ مكانه فوق المائدة لترد وهي تجلس جواره :
_وصفة جديدة ! جربها!

يتناول منها واحدة ليلوكها في فمه ثم يغمغم باستمتاع:
_رائعة !

_كفتة بالسكر المكرمل ..وصفة من وصفات عزة رأيتها على شاشة التلفاز.

تضيق عيناه بتفحص ملاحظاً تغير نبرتها مع ذكر اسم عزة ثم يهمهم قائلاً :
_ماذا تخفين عني؟! هل عادت هيام تضايقك ؟!

تدمع عيناها دون رد فيعقد حاجبيه وهو ينتفض مكانه واقفاً بهتافه :
_هل عيرتك من جديد لأنكِ لم ترزقي بأطفال بعد ربى؟! أم بعمل شقيقتها مقابل اكتفائك أنتِ ببيتك ؟! هذه المرة لن أسكت ..لو لم يكن فهمي قادراً على السيطرة على زوجته ..فسأعرف كيف ..

لكنها تقاطعه وهي تقف بدورها هاتفة برجاء:
_اهدأ يا راغب ..أنا لم أقل شيئاً .
_إذن قولي!
يهتف بها ببعض الحدة فتحيط كتفيه بقبضتيها وهي تعيده لمقعده هاتفة :
_أكمل طعامك وسأخبرك ..فقط اهدأ!
_غير معقول! امرأة واحدة تسمم دم البيت كله !! حتى أمي وربى لم تسلما من لسانها ..لقد منعت أولادها من اللعب معها والصغيرة لا تكاد تكف عن البكاء ..ماذا فعلت أيضاً؟!

يهتف بها بنفاد صبر لترد رؤى :
_هل تصدقني لو أخبرتك أنني أشفق عليها هذه المرة ؟!

يزم شفتيه بضيق مشيحاً بوجهه لتردف بإشفاق:
_عزة قد تم عقد قرانها منذ أيام ولم نعلم سوى من أخبار التلفاز ..وحفل زفافها بالغد ولا أظنها ستبلغنا كذلك ..هيام تكاد تشعل الدنيا لكنني أعذرها .

_هي التي دفعتها لهذا ! طوال عمرها وهي تتحكم فيها كالشاة التي تسوقها حيث شاءت ..لتختم مصائبها بهذا الذي فعلته عندما كانت تهددها برسائل مزيفة لتقنعها بالزواج ! هيام فعلاً مريضة ..مريضة بحب السيطرة ..ولا تصدق انفلات حبل عزة من يدها !

يهتف بها بانفعال لترد رؤى:
_لكنها تبقى شقيقتها ..شقيقتها التي تحبها .

يطلق همهمة ساخرة وهو يعود لتناول طعامه ثم يقول بمزيج من ضيق وإشفاق:
_طيبة أنت! الله سبحانه وتعالى خلق كل شيئ بميزان ..وأي تطرف في أي شيئ يشوهه ..وهي حولت مسئوليتها عن شقيقتها لهوس بالسيطرة عليها ..ثم إنني لا أفهم ..كانت تريدها أن تتزوج وتزوجت ..لماذا كل هذا الغضب الذي تكاد تشعل به الدنيا ؟!
_لا تراه يليق بها مع عاهته .
_سبحان الله ! مخ أسود وقلب أكثر سواداً! أليست عاهته هذه بسبب عزة التي كان يدافع عنها ؟! ثم إنني سألت عنه والجميع يشكرون في أخلاقه ويقولون أنه رجل لا يُعَيّب!
يهتف بها باستنكار لترد رؤى مهدئة:
_أنا أتفهم ..وأي عقلية سوية ستقول مثلك ..لكن هيام لا تحسبها هكذا .
_لا شأن لي كيف تحسبها ..أنا "رجل سوق" ..ما أعرفه أن "واحد زائد واحد يساوي اثنين" ..الرجل كاد يضحي بحياته من أجل شقيقتها وأبسط رد للمعروف أن تقضي بقية عمرها معه .
_حتى ولو لم تكن تحبه ؟!
_ولماذا كانت تتسكع معه في الطرق المظلمة إذن مادامت لا تحبه ؟! رؤى!! لا تشعلي الدم في عروقي أكثر!!
_لأول مرة أراك حاداً في الحكم هكذا !
تقولها ببعض العتاب ليستغفر الله بصوت خفيض ثم يخبط رأسه في ظهر مقعده برفق ليقول بنبرة أكثر ليناً:
_لا أحب الحال المائل! ولا أخفيكِ قولاً ..موضوع عزة وهيام هذا كله لا يدخل رأسي بمليم واحد ! لو كانت لي سلطة على إحداهما لفلقت رأسها نصفين ثم أعدت لحامهما من جديد "على نظافة"!

تبتسم لملاءمة التشبيه طبيعة عمله ثم تستدير بجسدها نحوه لتحتضن وجنته براحتها هامسة أمام عينيه :
_كاذب! لو كانت لك سلطة على إحداهما لجعلتها تنفذ أمرك راغبة لا راهبة ..كل من يقترب من دائرتك ..كل من يرتوي بحنانك لا يمكنه إلا أن يحافظ على رضاك كي لا يفقده ولو دفع عمره كله !

يرفع لها أحد حاجبيه وهو يضم خصرها بخشونة تناقض هذا الحنان النابض في عينيه :
_حسناً يا ليمونية ! لا تحملي هم ربى ..أنا وجدت حضانة قريبة يمكنها قضاء النهار فيها كي تجد رفقة مناسبة ولا تشعر بحرمانها من أولاد عمها ..وأنتِ ابتعدي عن "عفاريت" هيام تماماً هذه الأيام..ابقي مع أمي ..ولو أردتِ يمكنكِ البقاء هنا في شقتك ولن يلومك أحد .

تومئ برأسها وهي تمد أناملها لتطعمه ..
ثم تقول بتردد :
_كنت أفكر لو أكلم أنا عزة وأقنعها أن تدعو هيام على العرس!

_ألم أقل أنك طيبة؟!
يقولها متهكماً ليردف بنبرة أكثر جدية :
_عزة تعتبر هذا انتقامها غير المنطوق من هيام ولن تحيد عنه ولو سمعت كلاماً من الدنيا كلها !

تطرق برأسها في أسف وهي تشعر بأسى حقيقي ..
هيام تحيل البيت جحيماً بسبب غضبها من هذا الأمر وتفرغ غيظها في الجميع صغاراً وكباراً ..
ولا تدري لماذا تشعر رغماً عنها بتعاطف معها هذه المرة ..
ربما لأنها تذكرها بعبد الله !!
عبد الله كذلك أخطأ يوماً عندما كان يعاملها هي بنفس الطريقة ..
لكنه اعترف بخطئه وأصلحه ليجعلها تشعر أخيراً بقيمته في حياتها كأخ ..
وتتمنى لو تدرك هيام نفسها فتفعل المثل!!

_الحمد لله ! سلمت يداكِ!

يقولها برضا وقد انتهى من طعامه ليقاطع شرودها ..

_لم تأكلي!
_أكلت مع ربى منذ قليل .
_وتأكلين معي من جديد !
يقولها بحزم رفيق وهو يطعمها بنفسه لتهتف باعتراض:
_لا لا ..راغب! ملابسي كلها صارت ضيقة .
_اشتري ملابس جديدة بمقاس أكبر .
يهتف بها بإصرار وهو يدفع بالمزيد من الطعام في فمها لتهتف :
_يالله! تظن هذه هي المشكلة ؟! شكلي لم يعد يعجبني!
_يعجبني أنا !
يقولها بنفس الإصرار ولايزال يطعمها فتستجيب قسراً لتهتف أخيراً :
_كفى يا راغب! أنا أتحدث بجدية ! لا أريد أن يتم رفضي في مقابلة عمل لأن شكلي لا يليق!

_مقابلة ماذا ؟!
يهتف بها باستنكار لتهتف بضيق:
_مقابلة عمل ! هل سنتشاجر ككل مرة بسبب هذا الأمر؟!
يزفر بسخط وهو يقف مكانه ثم يتخصر لينظر إليها من علو هاتفاً :
_لا يا حبيبتي! لن نتشاجر لأنني لن أناقش هذا الأمر ..لا عمل لكِ خارج جدران بيتي ..
يقولها ثم ينحني نحوها ليقترب بوجهه منها مردفاً بصرامة :
_انتهى!

يقولها ليتوجه نحو الحمام القريب ليغسل يديه فتلحق به هاتفة برجاء:
_اسمعني! هذه المرة مختلفة .
يتصنع البرود وهو يجفف يديه في المنشفة متجاهلاً الرد ليتوجه نحو غرفتهما فيستلقي على الفراش ..
لكنها تلحق به لتجلس جواره قائلة بنفس النبرة بين ضيق ورجاء:
_ضع نفسك مكاني ..حبيسة الجدران طوال اليوم ..ربى كذلك ستذهب لحضانة صباحية ..أنا لم أدرس طوال هذه السنوات لأبقى في البيت كقطعة أثاث!

فيصدر صوتاً ساخراً وهو يرد :
_لا سمح الله! أنتِ درستِ طوال هذه السنوات لتشغلي عملاً تتطلب منك شروطه أن تفقدي بعض وزنك لتكوني حسنة المظهر ! ونعم الهدف!

تعقد حاجبيها بضيق ليردف بجدية صارمة :
_تعلمين أن رأسي في هذا الأمر حجر صوان! زوجتي لن تعمل لتكون عرضة للرائح والغادي!

تشتعل عيناها بالمزيد من الضيق ليهتف بحدة ساخرة :
_لو تريدين أن تفهميها أنه شعور مني بالنقص وأنني لا أريدك أن تعملي كي لا تشعري أنكِ أفضل مني فافعلي!

تشهق بحدة وهي تبسط أناملها على شفتيه تمنعه المزيد ..
لتدمع عيناها ورأسها يحط على صدره بينما ذراعاها يتشبثان بخصره بكل قوتها :
_عن أي نقص تتحدث؟! من بنا يفترض أن يشعر بأنه لا يستحق الآخر؟! أرجوك لا تتحدث بهذه الطريقة ثانية !

يتنهد بحرارة وهو يرفع وجهها إليه ..
شفتاه تعانقان شق ذقنها الآسر للحظات تسبق همسه :
_لا تقتربي من ثوابتي يا "ليمونية" ..اطلبي ما تشائين لكن لا تعبثي بخطوطي الحمراء ..وقبل أن يشط فكرك لا علاقة للأمر بثقة أو شك ..هكذا أنا وهكذا أنتِ عندي ..ملكية خاصة لا أقبل فيها شراكة ولو بنظرة عين .

تسبل جفنيها باستسلام لغيرته المفرطة التي تعرفها ..وتعذره فيها ..
ربما لو كان واحداً غيره لما سامحها على ما كان من ماضيها المخزي ..
لكن ..هي الأخرى يحق لها التنفس ..
تحق لها المشاركة في عالم آخر تجد فيه نفسها بعيداً عن جدران بيته ..

_لن نتحدث في هذا الأمر مرة أخرى!
يقولها ببعض الحزم الذي خالط عاطفته ..
تسكت ..ويعتبر سكوتها علامة رضا ..لكنه هذه المرة كان علامة
استفهام !
علامة استفهام لم يستطع فهمها وهو يردف بنبرة عابثة :
_لدينا أمور أخرى أكثر أهمية تصلح للحديث !

ابتسامتاهما تتعانقان قبل الروح والجسد ..
لترسو بهما الموجة الصاخبة كالعادة فوق شاطئ السكينة ..
تنتظر لدقائق طويلة بعدها حتى تطمئن لانتظام أنفاسه ثم تغادر الفراش بحذر لتخطو نحو الصالة الخارجية ..
تفتح حاسوبها المحمول لتضغط مؤشر البحث حول صفحة بعينها ..
تتطلع نحو الشاشة بمزيج من خوف وضيق ..
ثم تنظر للخلف حيث غرفتهما لتطلق زفرة ضائقة ..
قبل أن تعود ببصرها نحو الشاشة من جديد وقد التمعت عيناها بنظرة تصميم ..
لماذا لا ...؟!
هي لن تفعل ما يشين ..وهو ..
هو لن يعرف!
=======
_لماذا تضربين الولد يا هيام؟!
يهتف بها فهمي -زوجها- باعتراض وهو يحاول إنقاذ ابنهما من يديها لكنها تدفع كليهما بكل طاقتها لتهتف بجنون:
_لأنه لا يفهم ! حمار ! سكب الشاي فوق السجادة !
_لا بأس ..سأرسلها غداً للتنظيف ..
يهتف بها محاولاً تهدئة طفلهما الذي فر نحو غرفته ليغلق بابها خلفه ..
ليقترب هو منها مردفاً بخنوعه المعهود :
_لا تحتدي على الأولاد هكذا !
_طبعاً! من السهل أن تقول كذلك وأنت خارج البيت طوال اليوم والحِمل كله فوق رأسي!
صراخها المنفر يصيب منه فيزفر وهو يغطي أذنيه لتعاود صراخها من جديد وهي تزيح كفيه عن أذنيه:
_ماذا؟! لم تعد تحتملني؟! هذه آخرة خدمتي لك ولأولادك ؟!

_هيام! لا أريد الشجار!
يهتف بها بنفاد صبر وهو يتوجه نحو غرفتهما لتلحق به وتستمر في صراخها الهائج:
_أنت لا تريد أي شيئ! قل لي ما دورك في البيت! في حياتي ..في حياة أولادك ..في حياة أمك ..أنت بلا قيمة ..انظر لأخيك راغب وتعلم !
يطلق صيحة غاضبة وهو يبدل ملابسه هاتفاً:
_قلت لك لن أتشاجر! أفرغي شحنات غضبك ككل مرة واتركيني لحالي!

تصرخ من جديد وهي تراه يستلقي على الفراش ليرفع غطاءه فوقه :
_لن أعد لك عشاء ..لو أردته فاصنعه لنفسك!
_سأنام دون عشاء ..ارتحتِ؟!
يهتف بها بسخط ثم يغمغم :
_هداكِ الله !

لم يكد يتمها حتى سمع صوت تحطيمها لمزهرية ما فعقد حاجبيه وهو يتوقع صرخاتها العاصفة بعدها:
_ولن أنظف هذه التي كسرتها ..عساها تجرحكم ..تجرحكم كلكم !!

يزفر بنفاد صبر وهو يشدد ضمة الغطاء عليه معلناً نهاية الكلام ..
لتطلق هي عدة صرخات عالية تخافتت حدتها رويداً رويداً حتى تحولت لنشيج خافت كتمته بكفها وهي تغادر الغرفة ..
تصفق بابها خلفها بعنف لتجلس مكانها على الأرض ..
سيل دموعها يغرق وجهها وهي تتناول هاتفها ..
تقلب فيه ..
تتابع حساب عزة الالكتروني ..
صورتها يوم عقد القران ..
التهاني التي انسابت كالمطر ..
كيف صار من حق الجميع هكذا أن يهنئها عداها هي ؟!!
هي ..شقيقتها ..
شقيقتها التي حافظت عليها طوال هذا العمر؟!

نقطة ضعف!
لكل انسان في هذه الدنيا نقطة ضعف!
ونقطة ضعفها هي كانت عزة!!
ابنتها التي لم تنجبها والتي وجدت نفسها مسئولة عنها منذ وفاة والديهما ..
لم يكن ذنبها عندما اختارت لها خطيبها الأول لتكتشف أنه مجرد بلطجي مقنع!
لم يكن ذنبها وهي تختار لها رجلاً مثل راغب يصونها ولو كزوجة ثانية لتكتشف أن قلبه لن يسع سوى زوجته الأولى!
لم يكن ذنباً أن تحاول إرهابها بهذه الرسائل التي كانت ترسلها إليها كي تدفعها للزواج قبل أن يجرفها موج العمر!

هكذا حدثت نفسها والغضب يسكب المزيد من الملح فوق جرح القلب ..

_هكذا ؟! هكذا يا عزة؟! بعد كل ما صنعته لأجلك؟! تتبرئين من شقيقتك؟! تحرمينني هذه الفرحة جوارك ؟! تقبلين بهذه الزيجة التي لا تليق بك ؟! عاجز؟! تتزوجين رجلاً عاجزاً وأنتِ التي يتمناها أفضل الرجال؟! هل هذا هو عقلك الذي تظنينه أفضل من عقلي؟! هل هذا هو ؟!

تعتصر الهاتف بين أناملها بقوة وعيناها الغاضبتان تقدحان الشرر ..
لا!
لن تسمح لهذه الزيجة أن تتم!!
لن تسمح لها بالشعور أنها خرجت عن سيطرتها !!
لن تجعل راغب ورؤى يشمتان في زيجة شقيقتها البائسة !!
وإن كانت عزة الصغيرة لا تعرف مصلحتها فهي تفعل ..

تعقد حاجبيها بتصميم وهي تمسح بقايا دموعها لتنهض من جلستها ..
ترمق صورة عزة بنظرة غريبة بين اشتياق عاتب وتوعد شرس ..
والفكرة الشيطانية تتجسد كاملة في رأسها ..
=======
_آخر ليلة تبيتينها وحدك !
يهتف بها إيهاب بمرحه العابث عبر الهاتف لتطلق ضحكة "آلية" وهي تتحرك ببطء نحو ثوب زفافها المعلق على باب خزانة ملابسها ..
تتلمسه أناملها ببطء وهي تستعيد ذكرى ليلة عقد قرانهما منذ أيام ..


تلك اللحظة التي أمسكت بها القلم لتوقع على عقد ب"ببيع" ما بقي من العمر ..
للمرة الثانية !
وإن كانت "الغفلة" منحتها بعض الفرحة في مرتها الأولى مع راغب ..
فلا رحمة هذه المرة مع شعورها الغامر بالاختناق!
رجفة أناملها وقتها وهي تجول ببصرها حولها تبحث عن أي أحد تعرفه ..
لتصدمها الحقيقة ..
هي لا تعرف أحداً ..
حتى نفسها !
ساعتها فقط أدركت ما خسرته ..وما ستبقى تخسره !!


_يعجبك الثوب؟! لولا ضيق الوقت لاخترناه من تصميم (....)..
صوته المرح ينتزعها من شرودها وهو يذكر لها اسم مصمم الأزياء الشهير الذي تختاره معظم نجمات الوسط الفني الآن .. ليردف:
_ذكرتِ لي يوماً أنك تتمنين لو يصمم هو ثوب زفافك لكنه مشغول للغاية ..لو انتظرناه فلن نتزوج قبل عام ..من سيصبر؟!
_لا مشكلة !
تقولها بنفس النبرة الآلية وهي تعاود تلمس الثوب ..
رغم قماشه الناعم الرقيق ..
فصوص تطريزه تخدش أناملها فتراها ب-عين خيالها- تنزف!
رغم أنها أغرقته بعطرها المفضل ..
لكنها تشعر أن رائحة خانقة تفوح منه تزهق أنفاسها معه واحداً واحداّ..
رغم نصاعة بياضه ..
لكنها تراه ملطخاً ببقع غير مرئية !

ودون وعي تجد نفسها تفتح الخزانة ..
تستخرج وشاحها الأخضر المميز تدفن أنفها فيه للحظات كأنها تودع فيه "قدس كمالها" ..
ليصلها المزيد من صوته الحنون:
_لقد فاجأتني برضاكِ على أن نقيم مع "خوخة"!
_لا مشكلة .
_كان يمكنني أن أقنعها أن تغير أثاث البيت كاملاً لكنكِ من اكتفيتِ بغرفة نوم جديدة فقط.
_لا مشكلة .
_للأسف لن أستطيع أن أنعم بإجازة "شهر عسل" لأكثر من ثلاثة أيام ..لم يوافقوا على منحي سوى هذا !
_لا مشكلة .
تقولها بنفس النبرة الآلية وهي تشعر أنها مع كل "لا مشكلة" من هذه تهبط درجة في "سلم تنازلات" ليس له نهاية !
لو كان أحدهم أخبرها منذ شهور فقط أنها ستعود ل"سجن الزواج" ،ومن رجل ذي عاهة ..تقيم معه في بيت أمه ..في قاعة زفاف عادية ..بثوب عادي ..لاتهمته بالخرف!
لكنها هاهنا تعيش أسوأ كوابيسها ..
كابوس لا تدري صدقاً هل اختارت حقاً العيش فيه ..
أم أنها جبرت عليه ؟!

_عزة ..أنتِ بخير؟!
يسألها بقلق يوقظها من غفوتها "الآلية" لتحاول الرد بحرارة مصطنعة :
_بالطبع ..قلق العروس المعتاد ..رغم أنها ليست المرة الأولى!
تحاول صبغ عبارتها الأخيرة ببعض المرح لكنها تخرج رغماً عنها مشبعة بمرارتها ..
ليرد بانفعال غيور:
_وما الداعي لذكر هذا الآن ؟! كلانا كان له تجربة سابقة لكننا تعاهدنا أن ننساها ..بالله عليكِ لا تستجيبي لطبيعتك المجترة للأحزان هذه الأيام .
تغمض عينيها بقوة وهي تعيد وشاحها مكانه ..
تربت عليه برفق ملحّ كأنها تودعه ..
ثم تغلق خزانة ملابسها لتستند بظهرها عليها قائلة:
_معك حق .
_الحفل سيبدأ الساعة (...)..سأمر عليكِ كي آخذكِ من "الكوافير" الساعة (....) بعدها ..
يقولها شارحاً خطته للغد ليصله صوتها برضاها المصطنع :
_لا مشكلة ..لا مشكلة ..لا مشكلة ..

توطن نفسها على الرد بها على فترات متتابعة شبه غافلة عما يقوله بعدها ..
تغلق الاتصال ..
وتغلق معه عينيها كأنها لا تريد أن ترى ما بقي من أحداث قدرها !

وفي غرفته لم يكن هو أفضل منها حالاً وهو يرفع طرف سرواله ناظراً لطرفه الاصطناعي ..
زفرة ألم يسمح لها بالتحرر وهو لايزال يشعر بالغربة ..
بالإنكار!
هل هذا هو ؟!
ينهض واقفاً مكانه يتأمل شكله في المرآة ..
لقد فقد الكثير من وزنه ليصير أقل بدانة ..
لكنه -للعجب- لا يشعر بالرضا عن شكله !!
عين "النقص" تجعله يرى حاله ذابلاً منطفئاً !!

يزدرد ريقه بتوتر وهو يتوجه نحو خزانة ملابسه حيث علق هو الآخر بدلة الزفاف ..
هاجس غريب يجعله يقيسها للمرة التي لا يدري عددها منذ اشتراها ..
يناظر شكله فيها بشك ثم يحضر كشافاً كهربياً يشغله ليسلط ضوءه على ساقه ..
هل تبدو أنها صناعية خلف قماش السروال؟!

_ما شاء الله ..اللهم بارك !

تهتف بها خديجة بحنان وهي تدخل الغرفة ليغتصب ضحكة مرحة وهو يقترب منها فارداً ذراعيه حوله :
_نجم غلاف!
تبتسم وقلبها يخزها مع رؤيتها لما كان يفعله بالكشاف الكهربي ..
قلب الأم يستصرخها أن تكتفي بمحاولته الباسلة للتظاهر بأنه بخير ..
لكن عقل "ست الناظرة" يجعلها تقول بحزم:
_رؤية الناس لنا ما هي إلا انعكاس لرؤيتنا لنفسنا ..لو رأتك عينك "نجماً" فلن يراك غيرك إلا كذلك !
_ها! عيب يا "خوخة"! ابنك "فاجومي" قديم!
يقولها مكابراً بنفس المرح المصطنع فتتنهد مطرقة برأسها ثم تجذبه من كفه لتجلسه على طرف الفراش وتجلس جواره ..
_ماذا؟! لا تقولي أنكِ ستعطينني دروس "ليلة الدخلة"!

يهتف بها بمرح ماكر لكنها لا تستجيب لدعابته وهي تتناول كفه لتبسط فوقه كفها فتبدو تجاعيده الغائرة :
_انظر لهذه التجاعيد ..كل خط منها يساوي درساً من دروس العمر ..ولعل أهم درس تعلمته ..ألا أتكلم في موضع كتمان ولا أكتم في موضع بوح !

كان يفهم ما تعنيه لكنه تغابى وهو لايزال يتظاهر بالمرح :
_هل تخفين عني شيئاً؟! أعرف خجل البنات هذا! اعترفي! آه ..فهمت! ابن الجيران! لم أكن مرتاحاً له من البداية ! من اليوم لا خروج في الشرفات!

_إيهاب!
تقولها عاتبة فترتجف ابتسامته المصطنعة وهو يشيح بوجهه ..
لكنها تحتضن وجنتيه براحتيها لتنظر لعينيه قائلة :
_إلى متى؟!

دمعة عاجزة تتجمع في عينيه ..
تهزم ضحكته المصطنعة ..
تفضح هشاشة خوفه ..
وتقصم ظهر كتمانه !
عيناه تهربان منها من جديد ..
إنما ..ليبكي فوق كتفها هذه المرة !!

قلبها ينتفض بين ضلوعها بلوعة وهي تحتوي جسده المرتجف ببكائه الخافت ..
ورغم أنها كانت تنتظر هذه اللحظة ..لكنها الآن تشعر أن روحها تتفتت مع كل دمعة منه تسقط على كتفها!!

_إيهاب! تكلم يا ابني! تظنني لا أفهمك؟! تظنني مخدوعة بكل هذا المرح الذي تدعيه ! تظن نفسك ترضيني بهذا ؟! صدقني ..قلبي موجوع بكتمانك أكثر من وجعي بمصابك ..احكِ لي يا ابني ..احكِ لي كما كنت تفعل ولا تخف عليّ.

ارتجافة جسده لا تهدأ وهو يفقد سيطرته على انفعالاته كله فجأة ..
لتنساب كلماته دون ترتيب:
_غاضب! غاضب من الدنيا كلها ..ومن نفسي قبل الجميع ..خائف! خائف منها أن تخذلني ..خائف من نفسي أن أظلمها معي ..خائف أن أفقدها ..وخائف أن أسجنها معي ..أعرف أنها تحبني ..أثق أنها تحبني ..لا ..لا ..كاذب! أنا لم أعد أثق في أي شيئ ..كيف أثق فيها وأنا لا أثق في نفسي ؟!
تضمه إليها أكثر هامسة بلوعة أم:
_لهذا كنت أرى تأجيل هذه الزيجة !
_لا !
يهتف بها مستنكراً وهو يرفع عينيه الدامعتين إليها مردفاً:
_أنا أحتاجها ..أنا ..أحتاج أن يراني الناس معها !

تتسع عيناها لخطورة المعنى الذي فضحته كلماته ليبتعد هو بجسده مغطياً وجهه براحتيه كأنه هو الآخر فوجئ بما قاله ..
كلاهما الآن كان يدرك مدى خسارته !
الفاجومي ..لم يعد كذلك!

تتأوه بخفوت وهي تمسد جبينها لتنساب كلماتها المتوجعة به وله :
_كنت أظن أن أعظم خساراتي يوم زفافك ألا يحضره أخوك..لتفاجئني أنت بما قلته !

_لا تسيئي فهمي ! أنا أحبها ..أحبها بجنون ..لكن ..
يغمغم بها ولايزال يخفي وجهه عنها بين كفيه ليقطع عبارته دون أن يكملها ..
فتتنهد بحرقة وهي تعاود ضمه لصدرها فلا يقاوم ..
تحترم صمته المشحون بانفعالاته للحظات ثم تغمغم بحزمها الحنون:
_قنبلة موقوتة ! ما بينكما قنبلة موقوتة وياويلكما من انفجارها !

يرفع إليها عينيه الفائضتين بوجعهما للحظات ثم يعود ليختبئ خلف مرحه المصطنع :

_لا تكبري الموضوع يا خوخة ! هذا هو عيب الأمهات ! لا ينقصني سوى أن تضربيني ب"الخرزانة" ..

يقولها ثم ينهض ليخلع سترته فيعلقها مردفاً بنفس النبرة :
_ياللفأل السيئ ! هذا حالي وأنا فقط أرتدي بدلة الفرح ماذا سأصنع إذن بعد الزواج ؟! سأقطع شراييني؟!!

ينعقد لسانها وهي تشعر لأول مرة بالعجز عن العطاء كأم!!
لو كان مرحه المصطنع هذا يذبحها بسكين ثلم فوجعه المكتوم خلفه ينسف قلبها نسفاٌ ..
ماذا تفعل؟!
تمنع هذه الزيجة؟!
فات الأوان!
فلتصبر إذن ..لعل الداء يجلب بين طياته دواء!!

_خوخة !
همسه الراجي باسمها ينتزعها من طوفان وجعها ..
تراه وقد بدل ملابسه لينحني فيقبل كفها ثم يقول بوجع راجٍ:
_دعيني أنم جوارك الليلة كالأيام الخوالي ..احكي لي حكاية "الشاطر إيهاب" التي كنتِ تروينها لي قبل نومي عندما كنت صغيراً..امدحيني كما لم تفعلي من قبل ..أريد أن أرى صورتي اليوم في عينيك كأجمل مرة رأيت نفسي فيها ..أحتاج هذا حقاً !!

تدمع عيناها بقهر وهي تحتضنه بقوة ثم تجذبه من كفه ليتوجها نحو غرفتها ..
يجلس على طرف الفراش ليرفع طرف سرواله فيخلع ساقه الصناعية متحاشياً النظر لعينيها ..
لم تعرض عليه المساعدة مدركة أنه دوماً يحتاج فعلها وحده ..
يستلقي أخيراً جوارها على فراشها فتتفحص ملامحه التي تصارع فوقها ألم دفين ورضا مصطنع فتعانقه كما كانت تفعل صغيراً ..
تروى له حكاية "البطل" أو "الشاطر إيهاب" كما كانت تراه ..
الشهم ..الطيب ..الخلوق ..القوي ..المرح ..الطموح ..صاحب الإيثار ..الذي يحب الناس ويحبونه ..الشجاع الذي لا تكسره المصائب ولا يعرف معنى الاستسلام ..
سنوات من العمر اختزلتها حكايتها ودموع حنينها تمتزج بدموعه على صدرها ..

_لازلت أراك كذلك ! دوماً ستبقى بعيني كذلك !!
تقولها وهي تربت على ظهره بيقين حازم يناقض وهن دموعها فيخفي وجهه في صدرها ..
ويخفي كذلك تمتمة وجعه :
_ليتني مثلك أبقى أرى نفسي كذلك !

تظل تربت على ظهره لدقائق ثم تعود لتتفحص ملامحه بحرقة ..
وقلبها يخبرها أن اختبار عمره الحقيقي يبدأ الغد !
========
ضميني ..
وانسي الدنيا ..
ضميني ..
وانسي الناس..

كلمات الغنوة الشهيرة بلحنها ذي الشحن ينساب حولهما وهو يراقصها فوق منصة العرس ..
لكن كليهما في هذه اللحظة كان عاجزاً عن أن "ينسى الناس"!!

أناملها لا تكاد تلامس صدره ..
تهرب ..تتسلل خلسة نحو صدرها هي ..
تتلمس مكان وشاحها الغائب ..
ليتها كان بإمكانها ارتداؤه هذه الليلة ..
لكن ..هكذا تنضبط المعادلة ..
الليلة بالذات ..لا مكان لوشاحها !

أنامله تطوق خصرها ..
يشدها إليه بتملك ..باحتياج ..برجاء ..بفخر ..بعجز ..وبخوف!

عيناها تتحاشيان الحضور ..
ولأول مرة تخشى الكاميرا!!
الكاميرا التي كانت يوماً مصدر قوتها الآن صارت شاهد ضعفها !!

عيناه -على العكس- كانتا تركضان فوق كل الوجوه ..
تلتقط من كل وجه نظرة !
هذه نظرة ساخرة من رقصه هكذا رغم عجزه ..
وهذه نظرة مشفقة على مصابه ..
وهذه نظرة فخورة بصموده ..
وتلك نظرة حاسدة على امرأة مثلها قبلت به رغم كل شيئ!
و"الأخيرة" بالذات كان لها الوقع الأعظم عليه ..
ربما لأنها رغم حقدها منحت داءه بعض الدواء!

قلبها كان يخفق ببطء ..
برتابة ..
بملل من لايزال يهبط الدرج خطوة خطوة ولا يتعجل الوصول للقاع ..

وقلبه كان يخفق بجنون ولايزال يطارد صورته عبر مرايا الوجوه !

وحدها أنفاسهما كانت متشابهة ..متطابقة النغم ..
متراقصة على إيقاع الخوف !

_جنيتي!
يهمس بها برقة وهو يشدها نحوه أكثر فترتجف على ثغرها ابتسامة وهي تردد عبارته التي طالما كررها :
_"جنية تمنحني السكينة!"..لازلت تراني كذلك؟!
_طوال عمري.
يهمس بها بحسم مشدداً ضغط ذراعيه حولها بما كان يراه احتياجاً ..وتراه هي اختناقاٌ !!

تشكر الدمعة الواهنة التي شوشت الرؤية في عينيها أكثر وهي تراه ينهي الرقصة بتقبيل جبينها ..
تصفيق الحضور كان يدوي في أذنيها كرعد منذر بليلة عاصفة ..
وهي "الطفلة" التي تخشى المطر!

_يكفي هذا كي لا تتعب!
تقولها بعفوية لينعقد حاجباه بضيق ورائحة غضبه تنفثها حروفه :
_هل أبدو متعباٌ ؟!
الابتسامة المنهكة تطوف فوق شفتيها وهي تسبل جفنيها محاولة الاعتذار لكن حلقها يجف فجأة وهي تراه يردف بضحكة عصبية :
_لقد أشرت لهم بالسماح لنا برقصة أخرى !

تهز رأسها بلا معنى وهي تحاول احتواء كل هذا الخواء بروحها ..
ترفع عينيها إليه ولاتزال دمعة واهنة تشوش رؤيتها :
_افعل ما يحلو لك المهم أن ترضى ..أفضل ما يمكنك منحي إياه هذه الليلة أن تكون سعيداً .

يرتفع حاجباه بتأثر من الصدق النقي الذي كان يشع بين حروفها ..
ورغم شعوره بهذا الحاجز غير المرئي بينهما لكن كلماتها الأخيرة نسفته وهو يشعر برغبته الضارية في فعل هذا الآن ..
أن يحملها ويدور بها ثم يقبلها وسط كل هذا الحضور كما حلم طوال عمره بعروسه ..
وكما حلم بها هي !!

_إيهاب!
تهتف بها متفاجئة وهي تشعر به ينحني ليحملها فتتشبث به ..
يدور بها مرة ضاحكاً بثقة لكن خوفها يجعلها تأتي بحركة خاطئة فيترنح بها ليعيدها أرضاً وسط صرختها التي لم تملكها !!

تتوقف الموسيقا فجأة ليعلو صياح الحضور فتغطي هي وجهها بحرج بينما يتمالك هو نفسه ليضحك بعصبية وهو يشير لمنظم الحفل أن يستمر ..

_أنتِ المخطئة! أنا تدربت على هذه الحركة كثيراً وبأثقال تفوقك حجماً ..لو كنتِ وثقتِ بي ..
يقطع عتابه الهامس بزفرة قصيرة وهو يزيح كفيها عن وجهها ليلتقط نظراتها الضائعة ..
فيتناسى وجعه لأجلها كالعادة :
_لا بأس! من الجيد أنني لم أسقط بكِ ! كان ليكون فيديو مثيراً يتناقله الناس لأعوام !
مرحه المصطنع يصادف ابتسامة مرتعشة على شفتيها فيرفع كفها لشفتيه يقبله هامساٌ :
_لا تخافي ..أعرف أنك لاتزالين تخافين ذاك الوغد الذي هاجمنا تلك الليلة خاصة بعد تهديده ..لي أصدقاء من جهاز الشرطة يؤمنون المكان رغم أن أحدهم طمأنني أنه سافر من وقتها ولم يعد .

تتسع عيناها بصدمة وهي تتذكر ما يحكي عنه !!
كانت قدنسيت ذاك الأمر تماماً في خضم ما مر بها من أحداث!!
يالله !!
هل كان ينقصها هذا الأمر كذلك ؟!

_من فضلك ..أريد الجلوس ..أنا تعبت!
تقولها بإنهاك لا تدعيه فيحتضن كفها ليصطحبها نحو المقعد المخصص لهما ..
تستقر فوقه تراقب بقية فقرات الحفل بشرود ..
تشعر به ينسحب من جوارها ليشارك أصدقاءه رقصة فتشفق عليه من مبالغته في الجهاد للظهور بصورة طبيعية ..
لكن ..ألا تشاركه هي هذا الجهاد ؟!!
تغمض عينيها على صورتهما المشوشة للحظات ثم تفتحهما لتفاجأ بها تدخل من باب القاعة ..
هيام!!

تقف مكانها عفوياً وهي تهيئ نفسها لعناق أخوي تحتاجه في هذه اللحظة أكثر مما سواها ..
رغم أنها لم تدعها للزفاف عامدة كي تشعر بخطئها لكنها تشكر لها حضورها كي تؤازرها في ليلة كهذه ..
إنما ..ملامح هيام المنذرة بالشر تشعرها بالتوجس ..
رباه! ماذا ستفعل ؟!

تشعر بإيهاب يقترب منها متحفزاً وقد تبين الخوف في ملامحها ليسألها عن الأمر ..
لكنها تهز رأسها بتشتت مراقبةً هيام التي توجهت نحو منظم الحفل لتتناول منه الميكروفون عنوة ..

_أنا أخت العروس!

تقولها ثم تطلق زغرودة طويلة بدت هستيرية تفرغ فيها عصبيتها ..
ليرتجف جسد عزة مكانها وهي تشعر أن هيام لا تنتوي خيراً ..
وقد صدق حدسها عندما علا صوت شقيقتها في الميكروفون :
_مبارك لشقيقتي ليلة العمر ..مبارك زفافها على العاجز الذي تزوجته شفقة !
========
_عزة! أفيقي! أفيقي حبيبتي !
هتافه القلق باسمها جوارها يخترق غيابات وعيها وهي تشعر بلمسته على وجنتها تزامناً مع هذا العطر النفاذ الذي اكتسح أنفها ..

تفتح عينيها أخيراً لتميز قاعة العرس التي خلت من المدعوين إلا قليلا من أقرب الأقربين .
هذه خديجة ممتقعة الوجه وهي تناظرها وقد انحنت فوقها بجسدها تحاول إفاقتها ..
لون الثوب الأبيض يصيبها بالهلع !
هل كان هذا حقيقياً؟!
هل فعلتها هيام حقاً؟!!
آخر ما تعيه هو وقفتها وسط الحضور مصدومة بما قالته شقيقتها قبل أن تتشوش المرئيات في عينيها لتسقط فاقدة وعيها ..

_الحمد لله أنك بخير ! لا أظن الأمر يحتاج لطبيب.

كلمات خديجة تخدش سمعها من جديد فتغمغم بانهيار:
_لست مسئولة عما قالته ! إنها إنسانة مريضة !
ثم تلتفت نحو إيهاب مردفة بين دموعها التي لطخت زينتها :
_أنت تعرف الحقيقة ! تعرف أنني ..
لكنه يقاطعها وهو ينكب فوقها بجسده ليضم رأسها لصدره هاتفاً :
_أعرف حبيبتي ..أعرف!

تغمض خديجة عينيها عن مشهدهما الموجع خاصة وعزة تردف بنفس الانهيار :
_هيام؟! فعلتها؟! أفسدت الحفل ؟! فضيحة !

كلماتها متلعثمة مشتتة جافة كحال كل ما فيها الآن !!
خيط رفيع من الدمع يسيل على وجنتها فتتلقفه شفتاه وهو يربت على وجنتها هامساً بصوت أرجفه انفعاله :
_لا بأس! المهم أنك بخير!

ضوء فلاش ساطع يأتي من بعيد ينتبه له إيهاب فيصرخ غاضباً في صاحب الكاميرا الذي يفر هارباً بغنيمته !
خبر كهذا سيكون حديث الناس لأيام ..
فعلتها هيام !
سممت هذه الليلة في ذاكرتها للأبد !!

تغمض عينيها وكأنها ستهرب من هذا الكابوس الذي لا يقظة منه ..
لا تدري كيف مر بها الوقت ..
كيف غادرت القاعة المشئومة نحو سيارة العرس التي تزينت بالخيبة!
أصدقاء إيهاب الكثيرون يحاولون مواساته باقتراحهم ب"زفة سيارات" لكنه يرفض متحججاً بأنها تحتاج الراحة ..
تشعر بكفه يحتضن كفها داخل السيارة فلا تدري أي كف منهما أشد برودة !!
كلاهما يتحاشى النظر لصاحبه مدركاً أن ما بقي من هذه الليلة سيكون أشد صعوبة !
=======

_تحتاجان شيئاً ؟!
تقولها خديجة برفق اعتصره قلقها وهي تودعهما عند باب غرفتهما في شقتها لترد عزة بهمهمة مشتتة تثير شفقتها ..
ولولا خشيتها من الظهور بمظهر "الحماة المتسلطة" لطلبت منها أن تبيت هذه الليلة معها هي ..
لهذا تنهدت بحرارة وقد قررت ترك الأمر لحدس ابنها ..
لعله يجيد توجيه دفة المركب الذي اختاره !!

يغلق هو الباب ليأخذ نفساً عميقاً مغالباً مشاعره كعادته مؤخراً ..
فيما بعد ..
فيما بعد عندما يكون وحده سيبكي كثيراً على "ليلة العمر" التي تشوهت !

يتوجه نحوها وقد أثار مظهرها المرتاع كل مشاعره ..
يعلم أنها تحمل نفسها ذنب ما حدث وتخشى عليه ربما أكثر من خشيتها على مظهرها بعد هذه الفضيحة !!
يحتضن وجنتيها براحتيه لينظر في عمق حدقتيها الضائعتين:
_نحن معاً!

لم ينطق سواها كأنها "الحل" ..
ولم تسمع سواها كأنها "المعضلة" !!

وإن كان هو شقياً بعجزه المستحدث ..
فهي الأشقى بترددها الدائم ..
تعرف أن "الفاجومي" لن يتأثر بحادث الليلة معلناً أنها هي وحده من تعنيه ..
ليتها تكون مثله فتعلنها كذلك ..
أو تصرخ بالعكس أنها مقهورة من كل هذا الضغط الذي يحيطها من كل جانب ..
لكنها لا تفعل هذا ولا ذاك ..
كالعادة..على حافة "المنتصف" دوماً تقف!
فات أوان الكلام على أي حال!

تزدرد ريقها بتوتر وهي تهرب من عينيه شاعرة بالاختناق..
تحس به يزيح عنها طرحتها ليلحق بها ثوبها فتغمض عينيها بمزيج من مشاعر مختلطة أهونها الخجل!!
تسمعه يصرح بعاطفته التي لا تنكرها لكن أذنيها تصمان بهذا الهدير العاصف من ذكريات قاتمة ..
خطيبها السابق وتحرشاته التي كانت تتحملها قسراً كي لا تفسد "الزيجة اللقطة" كما كانت تدعوها هيام ..
راغب وليلتهما الأولى ..قبلته اليتيمة لها كأنه تذوق ثمرة لم يعجبه مذاقها ..فرماها!

"سجنان" كان حظها حسناً إذ حررها القدر منهما ..
لكن هذا "الثالث" كيف منه حرية ؟!!

وأمامها كان هو الآخر يصارع بقايا "قناعه"!!
لو استسلم لفجيعته بفضيحة الليلة فربما لن يقوم من عثرته ..
لا ..
لا ..
لن يستسلم ..
هي بين ذراعيه ..وكفى!
فلينسَ كل شيئ الآن عداها !!

_أنتِ معي! تعلمين كم حلمت بهذه الليلة ؟! كم كتمت رغبتي فيكِ طوال هذه السنوات راضياً بدور الصديق ؟! كم خفت من فقدك لأي سبب قد يخطر ببالك؟! لو علمتِ لفهمتِ ما تعنيه هاتان الكلمتان .."أنتِ معي" ..أنتِ معي..

يكررها دون وعي لتسابق حروفه شفتيه في العزف على بشرتها ..
فيرتعش صوتها وهي تدفعه عنها برفق :
_هناك شيئ لم أخبرك به بعد !
تضيق عيناه بتساؤل لتردف بصوت أكثر ارتعاشاً:
_زواجي من راغب ..كان ..مجرد حبر على ورق .

تتسع عيناه بصدمة لوهلة قبل أن يفهم ما تعنيه فيهزها بين ذراعيه بفرحة عصبية هاتفاً:
_ماذا؟! تعنين أنني أول زوج حقيقي لكِ؟! أول رجل يمسك؟!

تومئ برأسها وهي تشعر بدوار يكتنفها ليهتف بها عاتباً رغم اللهفة التي تفترش حروفه:
_ولماذا لم تخبريني من قبل؟!

ابتسامة ساخرة تجتاح شفتيها بمرارتها لتغمض عينيها بجوابها:
_ماذا كنت تريدني أن أخبرك؟! أنني كنت في عين زوجة امرأة أقل من أن يمسها ؟!

لم تكد تتم عبارتها حتى شعرت به يضمها لصدره بقوة قبل أن تكتسحها عاطفته كطوق من نار ..
يهوي بها فوق الفراش فتغمض عينيها عاجزة عن مبادلته عاطفته ..
تفتحهما أخيراً لتراه ينتزع عنه ساقه الصناعية فيزداد شعورها بالدوار ومنظر "الساق المبتورة"يصيبها بغثيان لم تملكه ..
تحاول تمالك شعورها بكل ما أوتيت من قوة وهي تراه يعاود غزوه العاطفي لها ..
تحاول التجاهل ..النسيان ..إنما ..هيهات !!
تحرشات خطيبها السابق
حياتها مع راغب ..
تفاصيل ليلة الحادث وذاك الوغد يضربها ثم يؤذي إيهاب ..
كلام المخرج عن شعبيتها المفقودة والبديلة المحتملة ..
ليلة الزفاف التي انتهت بفضيحة ..
وأخيراً ..منظر ساقه المبتورة الذي تراه لأول مرة بهذا الوضوح!!
كلها تمر أمام عينيها المغمضتين كشريط من شوك !!

لمساته الشغوف رغم عاطفتها تصيبها كضرب السياط ..
أناملها تتردد في دفعه بعيداً فتتشبث بالملاءة تحتها ..
لكنها تجد مكانها على شفتيها أخيراٌ وهي تدفعه بكفها الحر ليغلبها أسوأ فعل قد يحدث الآن !!
تقيأت!
تنحني على نفسها لتفرغ ما في بطنها وشعورها بالغثيان يزداد !!


_آسفة..آسفة..رغماً عني ..والله رغماً عني ..
كلماتها تتوه بين آهاتها وفيض دموعها وهي تحيط رأسها بكفيها عاجزة عن المزيد من المقاومة ..
بينما تجمدت ملامحه هو لدقيقة كاملة وهو يشعر بالعجز!!
لأول مرة يشعر بنفسه عاجزاً عن احتواء هشاشتها !!
"عين النقص" تضخم له الموقف فيكز على أسنانه بقوة وهو يشعر بالدماء تفور في عروقه للحظة ..
قبل أن تنسحب جميعها ليشعر ببرودة رهيبة تجتاحه !!

قطرات عرق غزيرة تفيض على جبينه وهو يرمق وجهها المدفون بين كفيها يرتعد كرعدة جسدها كله ..
هل تشعر حقاً بكل هذا التقزز منه ؟!

لا!
لا!
لن يستسلم لهذا الشعور كذلك!!
هي تحبه !!
هو يعلم أنها تحبه!!
هو منحها الفرصة كي تبتعد وهي عادت إليه بقدميها !!
هي تحتاجه ..
تحتاجه كما يحتاجها !!
هو يستحق هذا الشعور ..
هو ليس بناقص!!

يزم شفتيه بقوة وهو يحاول النهوض ليحضر ما ينظف به المكان ناسياً أنه لا يرتدي الساق الصناعية فيترنح مكانه لتنهض هي من مكانها متشبثة به بهتافها الباكي قبل أن تغادر الغرفة :
_سأنظفه ..لا تقلق!

يحاول استعادة قناع مرحه ..فيخذله ..
يحاول الاستعانة بوجهه العاشق ..فيخذله كذلك ..
فقط عباءة عجزه تلفه فيستسلم لسترها وهو يطرق ببصره قابضاً كفيه جواره ..
مغمضاً عينيه وطنين غريب يدوي في أذنيه ..
هل سيبقى هذا شعورها كلما مسها ؟!

_أنا انتهيت! آسفة ..
تهمس بها وقد عادت تجلس جواره بعد انتهائها من التنظيف ..
جسدها لايزال ينتفض بارتعادة خافتة تجاهد كي تخفيها ..
كلماتها تحاول التربيت عليه قبل أناملها :
_آسفة ..أرجوك لا تسئ فهم الموقف ..ربما ضغطي انخفض ..تعلم أني فقدت وعيي منذ قليل وربما ..بل ..من المؤكد أنني لست على مايرام .

ملامحه تبقى بجمودها الخادع الذي كان يخشاه بأكثر مما تخشاه هي ..

_إيهاب ..رد عليّ ! أرجوك !!

تهتف بها وهي تلعن نفسها سراً !!
لماذا يحدث هذا الآن ؟!!
لماذا تصر الظروف أن تعيقها عن غايتها من هذه الزيجة ؟!
لماذا تفشل حتى وهي تقرر الاستسلام من جديد لما يمليه عليها قدرها ؟!

تحتضنه جانبياً بذراعيها كاتمة ما بقي من دموعها ثم تتشبث بأناملها في عضده وهي تحيط وجنته براحتها الحرة لتطبع قبلة اعتذار على وجنته تبعتها بأخريات وهي لا تدري ماذا يمكنها فعله أكثر في موقف كهذا ..
كلاهما في هذه اللحظة كان أشد ما يكون حاجة لصاحبه ..
إنما كلاهما عاجز ..مكبل..مستنفذ ..
فكيف يحرر أسير أسيراً ؟!
وكيف ينقذ الغريق غريق؟!

شعوره بالعجز يعتصره فلا يشعر بنفسه إلا وهو يسحبها ببعض العنف ليجتاحها طوفان عاطفته من جديد برياح أكثر خطورة هذه المرة ..
يحاول إنهاء الليلة بأي انتصار!
أي انتصار ولو بمجرد رفع رايته فوق أرض جسدها ..
لكن المفاجأة تلجمه والمعركة تنتهي ب"فشل آخر"!

مرة تلو مرة تزف الخيبة لكليهما ..
و"ليلة العمر" تفر عصافيرها هاربة ليحتل غاباتها نعيق الغربان !
==========
_ألن تكف عن قراءة هذه الرسالة ؟!
صوت نزار يأتيه عاتباً بهذا الود الذي جمعهم منذ سنوات لكن يحيى كان في هذه اللحظة زاهداً في أي تواصل ..

_اتركني وحدي!
صوته بالكاد يسمع وعيناه مسلطتان على شاشة حاسوبه حيث مسودة رسالته التي كتبها ل"طيف" قبل أن يغلق ذاك الحساب نهائياً !
عيناه تدوران فوق الكلمات مرة تلو مرة ..
يستحضر صورة "سديم عينيها" فيراه عكراً بغبار لا يثق حقاً أنه يمكن أن يتمخض عن نجم جديد ..
هو منحها هذا الجرح الذي يوقن أنه لن يبرأ بسهولة ..
وإن كانت "عنقاءه" ستنهض من تحت الرماد بقوتها المعهودة فلاريب أنها ستبقى ما بقي من عمرها تلعنه ..
أليس هذا ما أراد ؟!

_منذ متى تركتك وحدك ؟! نحن تعاهدنا على أن نكون سوياً منذ سنوات ..أنا وأنت ويحيى ..وإن كان الموت اختطفه منا فلاتزال رائحته باقية في مجد ..ثلاثتنا معاً للأبد .

يقولها نزار بحسم غريب على طبيعته العابثة ليزدرد يحيى ريقه الجاف بصعوبة وهو يغمض عينيه بتعب ..
تعب انتهك روحه قبل جسده ..
الصور!!
آه من الصور!!
الصور لا ترحمه !!
هل يمكن أن يرى المرء وهو مغمض عينيه ؟!
نعم ..فقط عندما تكون الصور ملتصقة بحدقتيه ..
عالقة بين جفنيه ..
يستحضرها كل شهيق ويكبلها كل زفير ..
صورته ك"يحيى" الشاب الوسيم الثري رغيد العيش مرموق المكانة في حي المنصور ببغداد ..
صورته ك"يحيى" المفجوع في أحب امرأة لقلبه ..
بل أحب اثنتين !!
صورته ك"يحيى" المغدور المطعون في ظهره بماضيه والمطعون في صدره بغده !
صورته ك"يحيى" الضال بعدها والذي كانت أرصفة الطرقات أحن عليه من صدور كانت له يوماً ملجئاً !
صورته ك"يحيى" التابع الذي ارتضى رفقة من شابهه في الوجع ليسير معهم دربهم دون تفكير في رجعة !
صورته ك"يحيى" النصاب الذي ينتقم من ماضيه في عيني كل امرأة يخدعها !
وأخيراً صورته ك"يحيى" السندباد الذي فقد كل انتماءه لأي أرض فبقي البحر حياته وعيشه وهلاكه !
وبين كل هذه الصور ما عاد يعرف حقاً أي "يحيى" هو!!

يشعر بكف نزار يربت على كتفه قبل أن يصله صوته :
_لماذا أرسلت لها الرسالة ولم تكتفِ بالاختفاء فحسب كما كنت تفعل بالأخريات ؟! لماذا كتبتها مادمتَ ستذبحها وتذبح نفسك بها هكذا ؟!

فيرد بخفوت دون أن يفتح عينيه :
_تعلم أنها ليست عندي كالأخريات ..امرأة مثلها لا تعرف منطقة وسط ..ولما لم أكن لأتركها تعيش تحبني كان يجب أن تكرهني .

_ظننتك لن تقع في حبائل امرأة أبداً ! لهذه الدرجة أحببتها يا يحيى؟!
شفقته تمتزج باستنكاره خاصة والصمت يبقى جواب يحيى الوحيد للحظات ..
قبل أن يفتح الأخير عينيه لتحمل الجواب الآخر في عينيه دمعة ..
دمعة مختنقة حبيسة ..تشبهه !!

_منذ عرفتها وأنا أحسدها ! أحسدها على هذه القوة التي تمنيت أن أملك مثلها ..على هذه الشجاعة التي تسربت يوماً من بين أناملي عندما وضعتني الظروف مكانها ..هي امرأة يمكنها زرع ألف شمس وأنا رجل يتخبط كالضرير في ظلماته ..يشهد ربي أنني حاولت الابتعاد عنها قدر استطاعتي خاصة بعد معرفتي بقصتها كاملة ..لكن مغناطيساً خفياً كان يجذبني نحوها ..كل خطوة كانت تقتربها كان قلبي يجزيها عنها عشراً ..هي أعادت لي مذاق الحلم الذي كنت قد نسيته ..أغوتني بملمس أرض تطؤها قدمي كوطن بعد طول سفر ..نسيت أن مثلي كتبت عليه الغربة أينما حلّ.

يطرق نزار برأسه وهو عاجز عن احتواء ألم صديقه ..
لكنه يحاول التسرية عنه :
_يوماً ما هي ستعرف أن نقودها محفوظة باسمها في البنك وأنك لم تسرقها .
_تظن هذا فقط ما بيننا؟!
يقولها ساخراً بمرارة ليردف :
_عموماً أنا لن أسمح لهذا اليوم أن يأتي قريباً ..يجب أن تصدق حقيقتي البشعة وأبسط وجوهها فقدانها مالها .

_لا تبتئس هكذا ! ستنساها وهي الأخرى ستنساك ! يوماً ما ستنساك!
_طيف لا تنسى! هي تحب أو تكره..إنما لا تنسى!
_إذن ..انسَ أنت! يجب أن نركز في حالنا أكثر ! تلك المرأة التي قابلتك في "أبو ظبي" تعرفت عليك وكدنا نضيع لولا ستر ربنا ! عمليتي الأخيرة بشأن شركة التأمين هناك ضاعت نقودنا فيها ولم تتم ..وتنقلنا من بلد لبلد طوال هذه الفترة استنفذ المزيد من المال وأنت رفضت أن تأخذ مال طيف بطبيعة الحال ..هيا ابحث لنا عن فكرة أخرى من رأسك الماسي هذا ..نريد أن نعيد الأمجاد !

يهتف بها ببعض المرح الحماسي وهو يربت على رأس يحيى الذي أطلق زفرة قوية وهو يهم بالرد لولا أن سمع كلاهما صرخة مجد من الغرفة المجاورة !!

يهرعان إليها ليروعهما مظهرها وهي تصرخ مخفية وجهها بين كفيها ..

_مجد .."حبيبة بابا" ماذا بك ؟! لماذا تصرخين ؟!

يهتف بها يحيى بجزع وهو يحاول احتواء جسد الصغيرة الذي كان ينتفض ببكائها على فراشها لتهتف بين دموعها :
_رأيت طيف في الحلم!

يتبادل مع نزار نظرة ألم لتردف الصغيرة وهي تخفي وجهها في صدره مردفة :
_كانت تبكي وتناديني ..لماذا تركنا بيتنا هناك يا "بابا"؟! لماذا لم تسافر هي معنا؟! لماذا لم تجعلني أودعها؟! لماذا لا تسمح لي بمهاتفتها ؟! أنا افتقدتها ..افتقدتها كثيراً ..

تصرخ بها بانفعال حار وجسدها لا يزال على انتفاضته ليضمها يحيى إليه بقوة محتوياً رأسها في صدره ..
صوته يختنق في حلقه كما قلبه بين ضلوعه وهو يشعر معها بالعجز عن تلبية ما تطلب ..فلا يجد سوى كلماته :
_عودي للنوم حبيبتي .
_لا ..لا أريد ..لا أريد النوم كي لا أراها تبكي من جديد ..هي قالت أنني ابنتها ..لماذا تركتني ك"بابا" و"ماما"؟! هل كل من يقولون أني ابنتهم يرحلون؟!

الدمعة الحبيسة في عينيه تكاد تغلي بوجع مضاعف وهو يعتصرها بين ذراعيه أكثر قائلاً:
_أنا لن أرحل ..دوماً سأكون معك .

_وأنا كذلك.
يهتف بها نزار وهو يجلس جوارها على الجانب الآخر يرفع كفها الصغير يقبله بحنان ..فتنقل بصرها بينهما بعينيها الدامعتين ..
يعيدها نزار لرقدتها ثم يمسد جبينها برفق يروي لها حكاية وكفها الصغير بين راحتيه ..
فيما يغيب يحيى بشروده مكتفياً باحتضان كفها الآخر ..
يتذكر جلسة كهذه كانت طيف طرفها الثالث ..
يتذكر رجاءه إياها أن تبقى معها ممسكة كفها لعلها تحميها كوابيسها ..
يتذكر همسهما "الساحر" وقتها وهو يتمنى لو يضمها إليه يخفي وجهه بين خصلات ليلها الأسود ويفرغ على صدرها آهات وجعه موقناً أن "درعها" وحده يكفي ليحميهما معاً ..
هو كره الشعر الطويل وأحب شعرها ..
هو ازدرى كيد النساء واحترم كيدها ..
هو كفر بالحب وآمن بكل خفقة ذرفها قلبه لها ..
هو كان أمام الدنيا "رجلاً" -مجرد رجل- إنما معها هي كان "يحيى" ..يحيى الذي ضاع منه يوماً في طرقات بغداد وعاد يجده على شواطئ عينيها !!

كيف ظن يوماً أنه قد يكون له أمل معها؟!
كيف ظن أنها وإن كانت توأم روحه ستقبل العيش في عالمه الملوث بخطاياه ؟!
هل كان يجب أن يلتقي بتلك المرأة من ضحاياه ذاك اليوم ليدرك أنه لن يغسل كفيه أبداً من درن ماضيه وأنه لابد له من ترك طيف ؟!
هل كان لها حقاً من اسمها نصيب في حياته..دخلتها لتبقى مجرد طيف عابر يناظره المرء من بعيد إنما لا يطمع في أن يكون حقيقة ؟!
ولو كان هو سيصبر على قدره الذي سودته خطاياه فهل ستصبر مجد ؟!
مزيج من شعور الذنب والعجز يخنق المزيد من خفقاته ..
يغمض عينيه فيبتلعه جحيم "الصور" ..
يعاود فتحهما فلا يرى سوى دموع مجد ..
الدموع التي هو سببها هذه المرة ..
فأين المفر؟!

_نامت من جديد .

يهمس بها نزار أخيراً بخفوت بعد دقائق طالت وهو يتأمل ملامح مجد التي عادت لسكونها إلا من بقايا دموع افترشت جفنيها ..
هذه التي مسحها يحيى بأنامل مرتجفة وهو يشيح بوجهه هارباً قبل أن يغادر الفراش ليتوجه نحو النافذة القريبة يطالع عبرها ظلمة الليل الذي بدا موحشاً كقبر ..

يشعر بكف نزار على ظهره داعماً دون كلام فيهمس دون أن ينظر إليه :
_ذنوبنا ثقلت يا صاحبي.

_لا تحمل الأمور فوق طاقتها ..الأطفال ينسون بسرعة .
_أنت الذي تقول هذا ؟!
استنكاره المشفق يجد صداه في قلب صديقه ..
يذكره ب"مأساته الخاصة" فيسبل جفنيه مخفياً وجعه بقوله:
_حتى لو لم تنسَ فستتعلم ..ستتعلم ألا تتعلق فتُجرَح ..بعض القسوة تقي القلب شر وجع الغد ..نحن نبقيها دوماً بعيداً عن عملنا ..لم يكن ذنبنا أن تداخلت الأمور هذه المرة باقتحام طيف حياتها ..أعرف أنك لم تكن راضياً عن هذا لكن مجد كانت تحتاجها حقاً كي يخف رهابها من الغرباء ..وها قد نجحت ..انظر للجانب الإيجابي .

يلتفت نحو نزار بنظرة ساخرة بدت وكأنها تحمل مرارة العالم كله ثم يتنهد هامساً بنبرة منهكة :
_ابق جوار مجد أنت الليلة ..لا أستطيع النوم جوارها ..ليس وأنا أشعر أنني السبب فيما هي فيه !

يمط نزار شفتيه باستياء من هذا الوجه المحبط لصديقه لكنه يومئ برأسه بتفهم ليهمس بخفوت :
_لا تحمل هماً ..غداً ننزهها ونشتري لها بعض الألعاب كي تلهيها ..الطبيعة هنا ساحرة وربما يمكننا الاشتراك لها في نادٍ تلاعب فيه بعض الأطفال ..ستنسى ..ستنسى!

يقولها مؤكداً كأنما الكلمات تكفي كليهما كي يكذب على نفسه !!
إذا كان كل منهما لم ينسَ ..فهل ستنسى هي؟!
لهذا يلقي يحيى على وجه مجد نظرة أخيرة قبل أن يتحرك ليغادر الغرفة بخطوات متثاقلة ..
يدخل غرفته هو ليغلق بابها خلفه ثم يتوجه نحو حقيبته القطيفية بقواريرها الزجاجية والتي استخرجها من تحت فراشه ليفتحها متطلعاً لمحتوياتها ..
رصيده من الخداع الذي كان يشعره قديماً بالفخر ..بالتفوق ..بنشوة الانتقام ..
الآن يورثه شعوراً بالمرارة ..بالعجز ..بثقل قيد يدرك أنه لن يفارق معصميه إلا عندما يضمه قبره ..
وحدها القارورة الخالية بدت وكأنها تومض وحدها بهذا البريق المؤنس ..
تدعوه باسمه ..تربت على كتفه ..تناجيه ..
يفتحها ليستخرج "الشعرة الغالية " ..
يلفها حول إصبعه عدة لفات كعهده مغمضاً عينيه مستحضراً عبق شعرها الذي رقدت فوقه يوماً شفتاه ..

_لا تسامحيني !
يهمس بها وهو يكز على أسنانه بوجع من لا يطيق ألم جوانحه ..
ليردف وهو يتذكر حديثها عن "الفلامنجو":
_اكرهيني ! اكرهيني واكسبي رهانك على نفسك ..من مثلكِ يمكنه دوماً الوقوف على قدم واحدة ..لن تلتقي خطواتنا بعد اليوم أبداً حتى ولو كان للقلوب رأي آخر !
========
_دكتورة فدوى! زوجك نذل! سامحيني ..لا أجد له وصفاً آخر!
يهتف بها أحد زملاء ريان في المشفى الذي يعمل فيه ب "أبو ظبي" وهو يستقبل فدوى في مكتبه لتزدرد الأخيرة ريقها بتوتر وهي تدور بعينيها في المكان تبحث عنه شاعرة بالدهشة من مبادرة زميله الهجومية هذه ..
والتي ألجمت لسانها عن الرد !

_لا تبحثي عنه هنا ..لم يعد يستقر في غرفته هذه في المشفى كي لا يرينا وجهه بعد فعلته .

لايزال الرجل مستمراً في هجومه الذي دفعها لتهتف بعنف:
_لا تتحدث عن زوجي بهذه الطريقة ! لا أدري ماذا فعل لكن احترم زمالته على الأقل !
_وهل احترم هو صداقته لدكتور جهاد طوال هذه السنوات؟!
يهتف بها الرجل بغضب لتمتقع ملامحها وهي تتراجع خطوة للخلف هاتفة بنبرة شاحبة :
_ماذا فعل بجهاد ؟! جهاد سافر إلى مصر وليس هنا !
_ألا تعلمين حقاً ماذا حدث ؟! وماذا فعل زوجك ؟!

تهز رأسها بجهل تفضحه ملامحها التي ازداد شحوبها ..
تتراجع خطوة أخرى للخلف لكنها تترنح لتتشبث بالكرسي جوارها ..بينما الرجل يردف بنفس النبرة الهجومية :
_لم أتصور في حياتي أن يبيع رجل صديقه بهذه البساطة ! وفي هذه الظروف التي يمر بها !

_ماذا حدث لجهاد ؟!
صوتها بالكاد يغادر حلقها وهي تشعر بسحابة غدر تظلل سماءها مهددة بسيل قريب ..
هي تحاول الاتصال بجهاد منذ فترة ليست بالقصيرة لكن هاتفه دوماً مغلق ..
ريان أخبرها أنه فقط منشغل بزفافه وربما لن يعود قريباً لكن لهجة زميله هذا تؤكد شكوكها ..
ريان يخفي عنها شيئاً ..بل أشياء!!

_اسألي زوجك!
يهتف بها الرجل بازدراء يجعلها تتراجع خطوة أخرى للخلف لكن صوتاً خلفها ينقذها :
_خيراً؟! ماذا يحدث؟!

تلتفت نحو مصدر الصوت لتنتبه للطبيب الذي دخل لتوه مرتدياً معطف المشفى المميز ..
ليزفر الرجل الأول وهو ينهض من مكانه مخاطباً فدوى بقوله :
_زوجك ليس هنا يا دكتورة ..ابحثي عنه واسأليه عما بدا لك !

يقولها ليغادر الغرفة بخطوات غاضبة لتلتفت نحو الوافد الجديد بنظرات مزجت خوفها بحرجها ..
ما الذي يحدث ؟!

_هل يمكنني خدمتك سيدتي؟!
يقولها الوافد الجديد بود وقد استشعر حرجها لتهتف بعربيتها الكسيرة :
_أنا دكتورة فدوى زوجة دكتور ريان الذي يعمل هنا!

تتسع عيناه للحظة بسؤاله :
_زوجته ؟! عفواً ..أنتِ متأكدة ؟!

سؤاله يقذفها بالمزيد من حمم الغضب والحرج لتهتف بانفعال:
_ما هذا السؤال السخيف؟!

_أعتذر !
لكنها تفقد آخر حدود سيطرتها على نفسها وهي تصرخ بانفعال بينما تخبط جانبي رأسها بكفيها:
_ما الذي يحدث ؟! المفترض أن هذا مكتب زوجي ! المفترض أن أجده هنا! فلا يستقبلني سوى واحد يتهمه بخيانة صديقه والآخر يشكك في كوني زوجته !! هل أبدو لك ممن يكذبن في هذه الأشياء!!

_اهدئي يا سيدتي! أنا فقط ظننت الأخرى ..
يقطع عبارته عفوياً لتتسع عيناه منتبهاً لخطورة ما تفوه به ..
لكنها لم تفوت كلمته وهي تهتف بارتياع:
_أي أخرى؟!
يزم شفتيه بقوة وهو يضع كفيه في جيبي معطفه بحركة عصبية كأنه يلعن الظروف التي جعلته يدخل الغرفة في هذه اللحظة ..

_عفواً سيدتي! ورائي عمل مهم ..يمكنك ..
لكنها لا تمهله الفرصة وهي تقف في مواجهته وقد بدت بملامحها الخائفة شاحبة الملامح مناقضة تماماً لهذه التي تصرخ بغضب :
_لن ترحل من هنا قبل أن أفهم ! ماذا حدث لجهاد في مصر؟! وماذا فعل زوجي؟! ومن ..ومن تلك الأخرى؟!

يرتعش صوتها رغماً عنها في كلماتها الأخيرة فيشيح الرجل بوجهه قائلاً بحرج:
_لا تورطيني في مشاكل مع دكتور ريان !

_لن أرحل من هنا قبل أن أفهم !!
صراخها يعلو بهذه النبرة بين ضياع وغضب فيزفر الرجل وهو يتحرك خطوة مبتعداً لكنها تلحق به ليتحول صراخها لنبرة راجية فرت عبره دموعها رغماّ عنها :
_أرجوك .

يبدو التردد على وجه الرجل لكنه يحسم أمره مع رغبته في إنهاء الموقف ليرد باقتضاب:
_دكتور جهاد ألقي القبض عليه في مصر بتهمة إرهابية ..
تشهق بارتياع وهي تغطي فمها بكفها هاتفة :
_مستحيل! لا أصدق هذا في جهاد أبداً !
_كلنا كذلك ! كلنا نعرف أن الفلسطيني الذي وهب حياته لخدمة قضية بلده لن يكون أبداً كذلك ..لكن دكتور ريان خذلنا ..لم يخذل صديقه فحسب بل خذلنا كلنا!

تهز رأسها بتساؤل مرتعب وهي تخشى ما ستسمعه ليردف الرجل بأسف:
_رغم أن التهمة لم تثبت على جهاد بعد ولاتزال القضية مفتوحة لكن ريان أبلغ إدارة المستشفى هنا ..هناك إجراءات حالية لتخفيف العمالة وإنهاء بعض التعاقدات لهذا كانت حجتهم جاهزة وسريعة ليفسخوا تعاقدهم مع دكتور جهاد !

_ريان! ريان فعل هذا؟!

تتمتم بها مصعوقة ليهز الرجل رأسه بأسف بينما تغيب هي بشرودها في أوضاعه التي تزداد غرابة منذ أيام ..
ربما لهذا جاءت اليوم للمشفى في سابقة لم تفعلها منذ شهور طويلة كي تتفقد أحواله ..
لم تكن تعلم أنها ستكتشف هذا الوجه القبيح له !!
بل ..والأقبح..؟؟؟

_وماذا كنت تعني بالأخرى؟!

تغمغم بها بترقب وجل لكنه يشيح بوجهه قائلاً :
_اعذريني سيدتي! هذا الأمر لن يمكنني الخوض فيه !

يقولها ليهرب من أمامها بسرعة فتركض خلفه لكن خطواتها تتوقف فجأة ..
هل تريد حقاً أن تعرف؟!
بل هل تجهل حقاً ما تسأل عنه ؟!
أليس هذا ما كان يؤرق مضجعها طوال الأيام السابقة ؟!
المرأة لا تحتاج لدليل كي تستشعر خيانة زوجها ..
خاصة لو كانت عاشقة !
قلبها المخذول الذي تقطع الخيانة خيوط وصاله يهوي صريعاً فلا تحتاج بعدها لعلامة تأكيد !!

ريان خان ..يخون ..وسيخون ..
وهي هانت ..وتهون ..
لكنها لن تهون !

بريق الدموع في عينيها يتحول لآخر أكثر شراسة وهي تتوجه نحو مكتب الاستقبال ..
تتيقن من الحقيقة التي باتت واضحة ..
ريان لم يقض ليلته السابقة في مناوبة عمل كما زعم ..

ريان لم يخن صديق عمره فحسب ..
بل يخونها هي كذلك .
والخيانة ما عادت سراً تطارده بتفحص خبير بل يبدو أنه صار يجاهر به !!

دموعها تسبق خطواتها في ركضها لتعود نحو بيتهما ..
أولادها يستقبلونها متعجبين حالتها فتصرخ فيهم بغضب هائج قبل أن تندفع نحوهم لتضمهم لصدرها بقوة !!
هم كل ما بقي لها بعد ما باعت كل شيئ لأجل رجل خائن!

تحاول التماسك بعدها فتصرفهم لغرفتهم برفق قبل أن تتناول هاتفها لتتصل به فيرد بسرعة :
_مشغول يا حبيبتي ..سأكلمكِ لاحقاً !

تلتمع عيناها بنظرة شرسة وهي تدور في الغرفة كأسد جريح ..
تنتظر عودته كي تقذفه بكل هذه الحمم التي تقذفها براكينها !

لكنه لم يعد !!
ساعة مرت خلف ساعة ولا تزال روحها تغلي على مراجل الغضب لتأتيها أخيراً هذه المكالمة بصوت امرأة لا تعرفها:
_علمت أنك كنت في المشفى اليوم ..لا تتعبي نفسك في البحث عن دليل على خيانة زوجك ..هذا هو العنوان ..اذهبي وشاهدي بنفسك !
=========
_لدي أخبار جيدة ..بخصوص جهاد !
يقولها حسام عبر الهاتف لتهتف جنة بلهفة :
_قل بسرعة !

تكتسي ملامحه بغموض غريب وهو يستعيد لقاءه الأخير الكارثي في المشفى بذاك الذي أسمى نفسه أديم ..
اللقاء الذي كشف الكثير من الأمور لكليهما ..
وإن بقي الأكثر معلقاً بينهما !!
لكن أهم فائدة وجدها فيه هو يقين أديم من براءة جهاد وكون التهمة ملفقة له ثم وعده إياه أن يساعده -وزهرة- في التخلص من هذه الورطة في مقابل ...!!

_قل يا حسام ! ماذا عندك ؟!
تهتف بها جنة بالمزيد من اللهفة لتنتزعه من شرود أفكاره ليعاود القول بحسم :
_سأخبركِ عندما نلتقي ! المهم الآن أن تطمئني زهرة وجهاد ..من حسن حظهما أن هناك ضابطاً من جهة أمنية عليا يتولى القضية ويثق في كونها ملفقة .

_الحمد لله ! لن أطيق صبراً على معرفة التفاصيل ..ألقاك غداً !
_ليس كل التفاصيل ! عفواً ..بعضها سري للغاية !
يقولها حازماً لتهتف باستنكار:
_ماذا تعني؟! نحن شريكان في القضية ..لا يمكنك إخفاء معلومات عني !
_ما أخفيه لا يتعلق بكوني الآن محامياً !
_إذن بماذا يتعلق؟!
تهتف بها بانفعال يقابله صمته الطويل لتغمغم أخيراً بإدراك:
_فهمت.

يشكر لها تفهمها قبل ذكائها لينهي معها الاتصال بقوله :
_أخبري فهد ..حاولت الاتصال به لكن هاتفه مغلق .

يغلق الاتصال ليطلق تنهيدة حارقة ثم يعود ببصره لجسد دينا الساكن على الفراش أمامه ولاتزال غارقة في غيبوبتها ..
كأنما صارت ترفض هذا العالم كما يرفضها !
يزورها كعهده كل مساء قبل عودته إلى بيته لعل جديداً يطرأ على حالها ..لكنها تبقى كما هي ..
أحد وجوهه البيضاء النادرة التي يوشك أن يفقدها !
يرمقها بنظرة مودعة أخيرة قبل أن يتحرك ليغادر المشفى نحو سيارته التي استقلها نحو بيته ..
شروده يبتلع المزيد من تركيزه وهو يحاول تجميع بعض الخيوط ..
الكوبرا!
متى سمع هذا الاسم لأول مرة ؟!
منذ سنوات .
قضية تسلمها بحماس عندما كان اسمه كضابط كفء يؤهله لتولي قضية صعبة كهذه ..
شبكة إجرامية تتوغل خيوطها في مجالات عدة ويتزعمها رجلٌ كالشبح لا يكاد أحد يعرف عنه شيئاً سوى لقبه المرعب ..
"الكوبرا"!

يذكر أنه وقتها أحرز تقدماً كبيراً في القضية وأسقط بعض الرؤوس في زمن قياسي قبل أن يصدر له رفعت الصباحي -حماه السابق- أوامره بسحب القضية منه !

رفعت أخبره وقتها أن سحب القضية لمصلحته وأنه سيتولاها بنفسه ليفاجأ بعدها بأنها قد حفظت لأسباب غير منطقية -كما رآها وقتها- والأغرب أن بعض الأدلة القوية فيها كانت قد اختفت !!

كان قد نسي هذا الأمر تماماٌ لتبقى هذه القضية هي الوحيدة التي لم تغلق في ملفه الوظيفي حتى فوجئ بما حدث مع دينا !

تنقطع أفكاره عندما يتوقف بالسيارة أمام بيته ..
نظرة ألم تفترش عينيه وهما تدوران على نفس المكان الذي سقطت فيه دينا ..
ومضات خاطفة من ماضيه تجتاحه ..
تجلده بسوط الذنب تارة ..وبسوط الجرح أخرى ..
طيف ..يسرا ..دعاء ..وأخيراً دينا ..
المزيد من الحطب فوق الحطب يشعل النيران داخله أكثر!!

يغمض عينيه بقوة كأنه يحبس هذا البركان بداخله ثم يعاود فتحهما ليترجل من السيارة نحو الحديقة الخارجية لبيته ..

_سلطانة !
يفتح لها ذراعيه وهو يجثو على ركبتيه أمامها ..
يضم رأسها إليه متلقياً نباحها كأدفأ رسالة ترحيب يتلقاها عالمه البارد ..
ثم تدمع عيناه وهو يمسد جسدها متذكراً الخبر الذي وصله بالأمس من طبيبها البيطري:
_أنتِ حامل ! قريباً تضعين صغارك هنا ..ترينهم بعينيك ..قطعة منكِ يهديكِ إياها القدر دون حول منك ولا قوة ..قطعة تكبر أمامك يوماً بعد يوم تمنحكِ امتداد العمر ..

تأنس الكلبة للمساته كأنما تفهم هذا الذي يقول ..
لتغيم عيناه بنظرة داكنة ولايزال يمسد جسدها بأنامل ازدادت ارتجافتها ..

(نصف رجل ! نصف رجل!!)

من جديد تقذف المزيد من الحطب فوق نيرانه فيغمض عينيه بوجع ذرفته همساته :

_لا تستطيعين الكلام لكنني أفهم ..وسأفهم ! سأكون جوارك وأنتِ تضعينهم هنا أمام عيني ..ربما ..ربما وقتها يمكنني اقتراض تلك الفرحة في عينيك ..لو كان لمثل فرحة كهذه أن تُقترض!!
==========
*بنفسجي*
==========
فرط الكراهية يوشك أن يتحول لتقديس!!
هاهي ذي "الأرجوانية" تستيقظ من نومها لتتناول هاتفها بلهفة تبحث عن صوره وأخباره ..
نفس اللهفة التي قضت بها ليلتها السابقة تنقب في صوره وكلامه عبر مواقع التواصل الاجتماعي حيث لا يبخل رجل مثله بهذه العطايا التي تكاد تكشف كل حياته ..
أو هكذا كانت تظن !!

_سلطانة حامل!

كتبها ليلة الأمس على حسابه مرفقة بصورة ضاحكة له مع كلبته ..
لينعقد حاجباها بقوة وهي تكز على أسنانها ..
الوغد وقف يتفرج على هالة تموت مع ابنها والآن يتظاهر بفرحته لأن "كلبة" ستلد !!
أي منافق هو!!
أي ضمير يملكه وهو يعيش حياته بهذه الصورة الباذخة المغالية في الاستمتاع غافلاً عن الجحيم الذي تعيشه هي وسند بعد فعلته بهالة ؟!
ورغماً عنها تتبدل صورته في عينيها ..
تمر بصورة كل من آذوها ..
مروراً بذاك الرجل الذي أردى أباها في سوريا ..
قائد ذاك القارب الذي هاجر بها لهنا ..
وجوه كل أولئك الذين طاردوها في الطرقات كي ينالوا منها كصيد سهل ..
وأخيراً غازي الذي كفت صورته القبيحة لتطغى بسوادها على كل هؤلاء!!

صوت رنين الجرس يطغى على أفكارها فتترك هاتفها مكانه لتهرع نحو الباب بلهفة تستقبل سند كعهدها كل صباح وقد أتت به ماسة التي ابتدرتها بسؤالها :
_كيف حالك اليوم ؟!

_بخير.
اقتضابها المتحفظ لايزال يقف حائلاً بينهما لكن ماسة تحاول تخطيه بقولها الودود:
_يبدو وكأنكِ استيقظتِ من النوم لتوك ..ما رأيك لو نتناول فطورنا معاً ..أنا وأنتِ وسند ..عاصي خرج مع نور وضياء .

تشير لها ديمة بكفها نحو الداخل بجواب مقتضب يخلو من أي لباقة بينما تبدو وكأنها لا ترى في الدنيا الآن سوى سند الصغير الذي تعلق بها وعيناه تكادان تلتصقان بملامحها ..
فتجدها ماسة فرصتها لتتفحص بيت ديمة من الداخل ..
كل شيئ على حاله منذ رأته أول مرة كأنها لم تكلف نفسها عناء تغيير أي شيئ فيه ..
عدا ..!!

رباه!!
المرايا !!
المرايا كلها مكسورة !!

ينقبض قلبها برهبة ممتزجة بالإشفاق وهي تعود ببصرها نحو ديمة التي بدت لها في هذه اللحظة مثيرة للرثاء..
لا أهل ولا أصدقاء ..
لا ريب أن ذكرياتها السوداء تخنقها في وحدتها لهذا حطمت المرايا!!

تراها تضاحك سند بهذه الطريقة النادرة التي لا تفعلها إلا معه ..حتى مع طفليها هي!
كأنها مع سند وحده تعود لها طبيعتها الآدمية بعيداً عن جمود تصرفاتها مع من سواه !!
فقط لو تمنحها الفرصة لتكون صديقتها !!
لو..!!

وصول الخادمة بالإفطار يقاطع أفكارها فترى ديمة تنشغل بإطعام الصغير دون أن تأكل ..
ثيابها المكشوفة تكشف فقدانها الكثير من الوزن!!
تصنع لها ماسة شطيرة ثم تناولها إياها فترفع إليها ديمة عينين مندهشتين ..
حدقتاها ترتعشان كأنها لا تريد تصديق هذا الود فتغمغم بارتباك:
_لا شهية لدي!

هنا تفاجآن معاً بسند الصغير يتناول الشطيرة من ماسة ليطعم ديمة بنفسه !!
تتسع عينا ماسة بتأثر من هذا التواصل النادر الذي لا يبديه الصغير إلا مع ديمة ..
بينما تزداد كثافة الدموع في عيني ديمة وهي تستجيب له فتأكل من يده ..قبل أن تضمه إليها بقوة !!

تربت ماسة على كتفها برفق ثم تنتظرها كي تنهي طعامها لتسألها أخيراً مباشرة :
_أنتِ كسرتِ المرايا؟!

تتسع عينا ديمة برعب غير منطقي وهي تعود للنظر حولها حيث المرايا المكسورة ..
صراعها الأبدي وسط "مدينة أشباحها" التي تسكنها !!
لماذا كسرتها؟!
هل رأت فيها شبح غازي الأسود يتوعدها؟!
شبح هالة الأبيض يعاتبها؟!
أم شبحها هي الأرجواني يستصرخها بالعجلة في الانتقام ؟!
هي لا تذكر !!
لم تعد تذكر !!
كل لياليها صارت متشابهة ..تقذفها في دوامة الجنون!!

لهذا تتلاعب أناملها بشعرها في حركة عصبية قبل أن تعود ببصرها نحو ماسة لتهتف بصوت مرتجف:
_لا! مجرد صدفة ! تعثرت ..سقطت !

كلماتها واضحة الكذب لكن ماسة تشفق عليها من هذا الخوف المغلف بالحرج فتبتسم بلطف:
_سأخبر عاصي .
_بماذا ستخبرينه ؟!
تهتف بها ديمة برعب لترد ماسة بسرعة مشفقة عليها:
_سأخبره أن يحضر من يغير المرايا ..لا يجوز أن تبقى هكذا مكسورة .

تقولها لترقب ملامح ديمة التي تشتتت بين خوف وضياع وهي تضم سند إليها بقوة لتشعر بالمزيد من الإشفاق نحوها ..
الصمت يظللهما لدقائق طالت حتى تشعر ديمة برأس الصغير يتثاقل على كتفها فترتجف ابتسامتها وهي تربت على رأسه :
_تريد النوم ؟!

_لم ينل كفايته من النوم فعلاً ..وعندما استيقظ أشار نحو "بطته" الصغيرة الصفراء فعلمت أنه يريدك لهذا جئت به إلى هنا .
تقولها ماسة بابتسامة لطيفة انتقلت منها لديمة التي بقيت تربت على ظهر الصغير حتى استسلم للنوم تماماً فرفعت رأسها لماسة قائلة :
_أنا أيضاً لم أنل كفايتي مع النوم ..هل تسمحين لي بالنوم معه في غرفتي؟!

تومئ لها ماسة برأسها موافقة وهي تنهض من مكانها لتتوجه معهما نحو غرفة ديمة التي تبعتها وهي تحمل الصغير لتضعه على الفراش ..

_انتبهي! هاتفك!!

تهتف بها ماسة وهي تراها تكاد تضع الصغير فوق الهاتف الذي سحبته لتنظر إليه بعفوية ..
فقالت ديمة وهي ترفع الغطاء فوق الصغير متفحصة ملامحه الساكنة :
_لا بأس! أخفضي صوتك كي لا يقلق !

تقولها فلا يصلها رد من ماسة لترفع عينيها إليها فتجدها تنقل بصرها بينها وبين شاشة الهاتف بشك للحظات ..
قبل أن تسألها بضيق:
_تعرفين حسام القاضي؟!
==========
_يعجبكِ المكان ؟!
يهتف بها حسام مخاطباً أمه التي جلست أمامه في هذا المطعم الشهير لتجيبه بحنان لم يخلُ من عتاب:
_يعجبني أكثر أنني أجلس معك ..صرنا كالغرباء نلتقي بين الحين والآخر ولولا موعدي غداٌ لدى الطبيب لما رأيتك .

يبتسم لها معتذراً لتردف بإشفاق:
_لازلت مصراً أن تبتعد ؟! مضت سنوات ولم تنسَ؟!

تقولها متذكرة إصراره أن يبتعد هنا في العاصمة عن كل ما يمكن أن يثير شجونه في بلدته بالصعيد ..
منذ ذاك الحادث الذي ترك لأجله عمله وهو يتحاشى زيارته تماماّ !
مدينته لم تعد لديه سوى ماضيه بخذلان طيف ..ومعايرة يسرا ..وذنب دعاء ..وضغينة عاصي وذنب زوجته وابنه ..
فكيف له بعودة ؟!

ورغم الألم الذي سكن عينيه لكن ملامحه حافظت على جمودها المقنع وهو يتجاهل سؤالها ليرد :
_الأكل هنا رائع ..أعرف أنك تحبين الأسماك ..تريدين ..

يقطع عبارته فجأة وهو ينتبه لهذه التي دخلت المكان لتوها ..
يخفق قلبه خفقة خاصة وهو يشعر بجفاف حلقه فجأة ..
يستحضر حلمه الأخير بها فلا يتعجب أثرها الخطير على نفسه هذه المرة !!
ثوبها الأسود القصير يحتضن جسدها بإحكام يثير الغيرة ..
شعرها الأحمر القصير يحيط وجهها بهذه الفتنة النارية ..
شفتاها ترتجفان كعهدهما بهذه التمتمة الخافتة كأنها تحدث نفسها فتنتابه رغبة عارمة في إسكاتهما "بطريقته"!
فردة القرط "المغيظة" تترنح على أذنها فتذكره بفضوله لمعزفته سرها ..
وأخيراً ..عيناها!!
آه من عينيها!!
"حلقة الزعفران" تتوهج وسط زرقتهما القاتمة كأنها تعويذة سحر تعرف طريقها لقلبه !!
تفاصيل حلمه الأخير بها تزداد تكاثفاً أمام عينيه ..
طفلته نارية الشعر تغفو بين ذراعيه ..
ثم تكبر فجأة ..
مذاق قبلتها لايزال طازجاً فوق شفتيه !!

_حسام! من هذه ؟!
تقولها أمه بفضول قلق وهي تشعر بأثر تلك الفتاة على ابنها الذي تعلق بصره بها منذ دخلت المكان ..
فتاة؟!
أجل لم تزد في نظرها عن مجرد فتاة في الثامنة عشرة على الأكثر بهيئتها هذه !!

بينما يتمالك نفسه وهو يخفض بصره قاهراً شعوره بقوله :
_زبونة !
_أشعر أنني رأيتها من قبل!
تقولها بحيرة ليتذكر ما يجعله يقول مدعياً البساطة :
_من بلدتنا! كانت زوجة رجل يدعى غازي خضر!

_أعوذ بالله ! تذكرت !! تغير شكلها كثيراً لهذا لم أتعرف عليها ..فقدت الكثير من وزنها وخلعت حجابها !
تقولها أمه بإشفاق وهي تراقب ديمة التي جلست على منضدة بعيدة نسبياً تراقب الليل عبر الزجاج الجانبي لواجهة المطعم ..
فيتنحنح حسام ليسألها باهتمام:
_ماذا تعرفين عنها؟!
_مسكينة ! لاجئة سورية جاءت إلى بلدتنا واستغلها غازي ليتزوجها على زوجته ..
كل هذا كان يعرفه وود لو تمنحه أمه المزيد من المعلومات ..
خاصة وهو يتذكر ذاك الذي قاله له أديم في لقائهما الأخير ..

_ديمة ضرغام ! ابتعد عنها ولا تسأل عن السبب !
ورغم دهشته من قوله لكن ابتسامته الساخرة ناسبت رده باستهانة وقتها :
_تظنني هذا النوع من الرجال الذي يؤمر فينفذ دون أن يفهم ؟!
لكن أديم لم يمنحه تفسيراً ..فقط قست عيناه بقوله :
_ابتعد عنها لمصلحتك ومصلحتها.


لماذا قال أديم هذا ؟!
وما علاقته بها ؟!
وما ضرره أو ضررها لو اقترب منها ؟!
لهذا عاد يسأل أمه بإلحاح :
_ماذا تعرفين عنها أيضاً ؟!
لكن المرأة هزت كتفيها قائلة :
_لا شيئ أكثر مما يعرفه الناس ..غير أنها ..

تقطع عبارتها وهي تهم بإخباره أنها كانت صديقة هالة لكنها تتراجع مدركةً كم يثير هذا الأمر شجونه فتكتفي بقولها :
_مسكينة ! يقولون إن زوجة غازي الأولى وأقاربها استغلوا ضعفها ليزوروا بعض الأوراق ويحرمونها إرثها ..لو كنت تملك مساعدتها يا ابني فلا تتأخر !

يهز رأسه وعيناه تغافلانه بنظرة أخرى نحو تلك التي بدت غافلة عن العالم كله في جلستها البائسة هناك ..
جسدها يتحرك بهذه الطريقة الرتيبة للأمام والخلف وكفاها متشابكان بقوة فوق المنضدة بينما وجهها شارد عبر زجاج المكان كأنها تفر من كل العيون التي تعلقت بجمالها الصارخ عقب دخولها المكان !

إنها المرة الثانية التي يلتقيها صدفة !!
ومع تحذير أديم أي رجلٍ مكانه كان ليبتعد..
لكنه لم يملك إزاء هذا الحدس في عقله ..
والخفقة المختلفة في قلبه ..
إلا أن يقترب!!

وفي مكانها كانت ديمة تشعر أنها عادت ..تنقسم!!
جزأها الأحمر ..المشبع بانتقامه وغضبه ..
وجزأها الأزرق ..المشبع بخذلانه وخوفه ..
وبينهما سحبها الأرجوانية تمطرها بسيول تغرق ولا تثمر !

لقد جاءت إلى عندما رأته وقد نشر على حسابه موقع المطعم بتباهٍ معلناً عن نيته بالذهاب هناك ..فلم تشعر بنفسها إلا وهي تبدل ثيابها لتأتي إلى هنا ..خاصة وهي تشعر بالرعب بعدما سألتها ماسة عن علاقتها به وقد رأت صورته على هاتفها ..
لقد كذبت زاعمة أنها لا تعرفه وأنها مجرد صورة لا تدري كيف ظهرت على هاتفها..فهل صدقتها ماسة ؟!
لو لم تفعل وأخبرت عاصي كيف سيكون رد فعله ؟!
المزيد من التوتر يسكب الدموع في عينيها وهي لا تدري ماذا تصنع ؟!
يجب أن تنتقم من حسام هذا بسرعة !!
لأجلها ..ولأجل سند !!
سند الذي ترى على وجهه حسرة تشبه حسرتها ولن تهدأ حتى تطفئ حسرتهما معاً !!

وأخيراً تجد الجرأة لتلتفت إليه فتلتقي عيناهما عبر هذا البعد ..
يرتجف جسدها بهذه الرهبة التي لا تملكها كعادتها في كل لقاء لها معه ..
هذه "النظرة الآدمية" في عينيه تسقي هذه النبتة العطشى في جديب روحها ..
إنما لا تزال هويتها تحدد سكنها في مدينة أشباحها !!

قدماها تتحركان نحوه وهي تحاول رسم خطة ..
لو خذلها ذكاؤها ..فلعل فتنتها لا تخذلها !!
من هذه المرأة معه ؟!

_مساء الخير!
تقولها بابتسامة مصطنعة وهي تقف أمامه ليقف بدوره ثم يعرف لها أمه التي ابتسمت لها بحنان قائلة :
_أهلاً يا ابنتي ..ألا تعرفينني؟!
تتجمد ملامحها بخوف لم تخفه ملامحها !!
أمه !!
إذن هي من نفس البلدة !!
هل تعرفها ؟!
ماذا تراها أخبرته عنها ؟!

تهز رأسها نفياً للسؤال فتعرفها المرأة بنفسها لتعاود هز رأسها بجهل لا تدعيه ..
ياللحظ !!
لماذا تأتي أمه هذه الليلة ؟!

_تفضلي بالجلوس!
تدعوها المرأة بطيبة فترفض أول الأمر لكنها تلح بإصرار لتشاركهما المائدة ..

_لا أحب الأكل الجاهز لكن حسام يقول إن السمك هنا رائع ..

تغيب عنها بقية تفاصيل كلام المرأة وهي تشعر بالمزيد من الارتباك ..
فلتنسحب هذه المرة ولتعاود هجومها في وقت لاحق !!

تقف مكانها فجأة تهم بالاعتذار كي تنصرف لكنها تصطدم بالنادل الذي أتى لتوه فتسقط منه الأطباق بمحتوياتها !!

لم يكن الموقف كارثياً لكن ردة فعلها كانت الكارثة !
فما كاد النادل يمد يده ليتناول بقايا الطبق المكسور حتى ظنته سيضربها !!
تتهاوى مكانها محيطة رأسها بذراعيها صارخة باعتذارات متتالية ودموعها المنهمرة تخنق بقايا حروفها !!

يعتذر النادل وتحاول أم حسام احتضانها بينما يقف هو عاقداً حاجبيه بشدة وفكرته السابقة عنها تزداد عنها يقيناً ..
ليست متزنة !!

لا يحتاج لكثير من ذكاء كي يدرك أي معاملة كانت تنالها من زوجها الوغد ذاك لتأتي بردة الفعل هذه في موقف بسيط كهذا !!

_ابتعد عنها ..لمصلحتك ومصلحتها !

من جديد يسمعها بصوت أديم فيختلج قلبه بين ضلوعه برفض ..
لم يتصف يوماً برقة القلب ولم يعهد نفسه بهذا الضعف يوماً أمام دموع النساء ..
لكنه في هذه اللحظة يتمنى أي مسوغ ..أي مبرر ..أي صفة ..تمنحه الحق في احتضانها هكذا كما تفعل أمه!
لا ليس حضن رغبة رجل في امرأة ..
بل حضن احتواء بهذا المفهوم الذي لن يعرفه يوماً وإن تمنى الشعور به كما الآن ..
"الأبوة"!

أجل ..رغم فتنتها الأنثوية التي تدير أعتى الرؤوس ..
لم تزد في عينيه في هذه اللحظة عن طفلة خائفة ترتجف رعباً من العالم ..
تماماً كما رآها في حلمه !

_صلي ع النبي يا ابنتي واهدئي! لم يحدث شيئ!

تهتف بها أمه في حنان مسها لتفيق ديمة من غيبوبتها الشعورية وترفع عينيها إليها ببطء ..
"نظرة آدمية" أخرى!!
نظرة تخبرها أنها حقاً مرئية !!
أن لها هوية خارج "مدينة الأشباح"!!

_اهدئي ولا تخافي!

وهذه الأخرى كانت منه هو!!
لايزال واقفاٌ مكانه بطوله الفارع يشرف عليها من علو كجبل يوشك أن ينقض فوقها ..
أو ..
ربما ..كشجرة تعدها بالمزيد من الظل!
تغمض عينيها بقوة وهي تحيط وجهها بكفيها ..
رغبة في الفرار ..
رغبة في البقاء ..
كلتاهما تتصارعان داخلها تماماً ..كصراع الأحمر والأزرق!
لو كانت الآن أمام مرآتها لسخر منها شبح غازي ..
ولعاتبها شبح هالة ..
ولخذلها شبحها هي !!
_اجلس يا حسام ..الرجل سيحضر طعاماً غيره ..وهي ستكون بخير !

تقولها الأم بحنان وقلبها يستشعر بحدسه أن هذه النظرة في عيني ابنها تعني الكثير ..
هي ليست نظرة حبه الغريزي لطيف ..
ولا نظرة فخره الطموح بيسرا ..
ولا نظرة تملكه المرضي لدعاء ..
هي نظرة ربما تراها لأول مرة في عينيه ..
نظرة من يود المنح ولو لم ينل في المقابل عطاء !!

لهذا تعجبت لكنها تفاءلت !!
ربما لأنها تدرك أن علة ابنها تكمن في هذه المعضلة !!

ينتهون من تناول الطعام بعد وقت ليس بالقليل حاولت فيه أمه احتواء ديمة بحنان لا ينقصها بينما بقي هو صامتاً يرمقها بنظراته المتفحصة ..
لأول مرة رغم خبرته العظيمة في النساء خاصة والبشر عامة يشعر أنه غير قادر على قراءة أحدهم !!
أبواب مدينتها موصدة أمامه بألف مفتاح !!
مخادعة ؟! نعم
صادقة؟! نعم.
بريئة؟! نعم.
مذنبة ؟! نعم.

كيف يمكن أن تحمل امرأة كل هذه المتناقضات دون أن يكون كاذباً في حدسه ؟!
وجه "الضابط" ووجه "المحامي" يتصارعان داخله رغبة في استكشاف غموضها هذا ..
فيدين الأول ..ويدافع الثاني ..وكلاهما يعلن أخيراً عجزه !

أفكاره تنقطع وهو يشعر بنبرة صوت أمه تتغير ليجتاحه بعض القلق مع شعوره بتلاحق أنفاسها ..
هو يعرف هذه الأعراض جيداً !!

_أنتِ بخير؟!
يهتف بها بجزع وهو يراها تؤكد شعوره عندما بسطت كفها على صدرها لتطلق صرخة ألم ..
=======
_لماذا أصررتِ على القدوم ؟!
يقولها لها حسام وهو يقف جوارها أمام غرفة أمه في المشفى لترتجف شفتاها وهي تهز رأسها دون رد ..
لقد فقدت آلية التواصل مع الناس منذ عهد بعيد ..
نسيت كيف يمكن أن تتكلم في موقف كهذا ..
فما بالها أمامه هو ؟!

_يمكنك الانصراف الآن ..سأوصلك!

يقولها ببعض الحزم ولازال يتفحص ردود فعلها الغريبة لترفع إليه عينيها برجاء هاتفة :
_دعني قليلاً ..حتى تفيق!

يتنهد باستسلام وهو يدعوها للجلوس على المقعد القريب فتجلس جواره ..
تراقب جانب وجهه لتلمح هذا الألم الذي يستعر فوق ملامحه ..
الألم الذي يشعرها بالتشفي ويرضي هذا الجانب "الأحمر" داخلها ..
ربما لهذا تصر على البقاء !
لكنه ينظر إليها فجأة ليربكها من جديد وهو يرمقها بهذه "النظرة الآدمية " ..
فتحاول الهروب من ارتباكها بسؤاله :
_هل هي المرة الأولى التي تصيبها فيها نوبة كهذه ؟!

يطرق برأسه ليرد باقتضاب:
_لا !..تصيبها كثيراً ..على الأقل أنا هذه المرة معها !

ينعقد حاجباها وهي تشعر بظاهر عبارته القاسي يؤكد فكرتها عنه ..
إنما شعورها بتشنج جسده جوارها واحمرار وجهه المنفعل يكشفان لها حقيقة إحساسه ..

_والدتك تبدو طيبة جيداً ..لماذا لا تقيمان معاً ؟!
تسأله بوجل ليجيب بنفس الاقتضاب:
_هي ترفض الإقامة معي هنا في العاصمة..وأنا لا أريد الإقامة هناك في بلدتنا .

_لماذا؟!
سؤالها يبقى معلقاً بينهما للحظات قبل أن يرفع إليها عينيه الخطرتين مستكشفاً ما خلف سؤالها ..
قبل أن يقرر إدارة دفة الحديث بذكاء لا ينقصه :
_تفكرين في العودة لبلدك بعدما تكسبين القضية ؟!

تتسع عيناها لوهلة بصدمة مع سؤاله كأنها لم تتوقعه ..
بل لم تفكر فيه !!
شعورها بنفسها أنها مجرد عابرة سبيل في هذه الحياة ..
ذبحها الأمس وشلّها اليوم ..فكيف تفكر في غد ؟!

_لم يعد لي هناك من أعود إليه .

تقولها مطرقة برأسها ليسول لها "شبحها الأرجواني" استمالته بقصتها التي لا تدعي مأساتها :
_والداي متوفيان..وما بقي من عائلتي انقطعت عني أخبارهم بعدما كتبت علينا الفرقة بين البلاد .

لكنها ما كادت تنهي آخر كلماتها حتى توالت عليها ذكرياتها تباعاً تقصفها برصاص الفقد ..
من جديد يلون عيناها لون الدم ..
وتهتك سترهما الدموع !!

الدموع التي لم تتكلفها وهي تجد كلماتها تنساب دون وعي:
_أمي ماتت أمامي ..ماتت وهي تدفعني نحو القارب وقد ظنت أنها لآخر لحظة في عمرها تمنحني النجاة ..لو كانت تعلم ما سيؤول إليه مصيري لرضت بأن أموت جوارها ..نحن لا نموت فقط عندما تنقطع أنفاسنا ..نحن نموت عندما تختنق أرواحنا داخل جسد أجوف ..عندما تعجز الدموع عن منحنا الراحة ..عندما يعجز الصراخ عن منحنا السلوى ..عندما يعجز الزمن عن منحنا العوض ..فيبقى الألم ..فقط الألم ..الألم الذي من فيضه تود لو تمنحه لغيرك لعلك فقط تزيح عن كاهلك بعضه !

ينعقد حاجباه بشدة مع كل كلمة تتفوه بها ..
يكاد يقسم أنه لم يسمع يوماً وصفاً لوجع يشبه هذا !!
حتى عبارتها الأخيرة التي بدت له شديدة العدائية ..
منها هي بالذات خرجت مثيرة للشفقة !!

وجواره كانت هي تعود لصراع أشباحها من جديد ..
شبح هالة الأبيض يأتيها مواسياً هذه المرة ..يربت على كتفها برفق ..فتمد له كفها ..
شبح غازي الأسود يأتيها ساخراً من ضعفها رافعاً كفه ليصفعها فترفع ذراعيها مدافعة ..
شبحها هي الأرجواني ينقل بصره بينهما بتشتت ..
فتمد كفها تدفعه ..
يراقب هو بكاءها ملاحظاً حركة ذراعيها الغريبة حولها بتفحص ليجدها تحتضن نفسها بذراعيها أخيراً في وضع حمائي يشعل شعوره نحوها أكثر ..
لو كان التوقيت مناسباً لسألها المزيد عنها ..
أين تسكن ؟! مع من تقيم ؟! ولماذا تركت البلدة للعاصمة ؟!

لكنه مع حالتها هذه لم يشعر بنفسه وكفه يمتد ليربت على كتفها برفق فتنتفض مكانها بشهقة مذعورة قبل أن تتمالك نفسها وهي تنظر للمكان حولها بغرابة كأنما لا تدرك حقاً أين هي !

يقف بدوره محاولاً تهدئتها لكن الممرضة تخرج من غرفة أمه لتقول بنبرة عملية :
_لقد صارت أفضل .
_هل يمكنني رؤيتها؟!
يقولها حسام وهو يتقدم نحو الغرفة لتلحقه ديمة بعينين زائغتين ..
تراقب المرأة التي شحبت ملامحها فيروعها من جديد شبح الموت ..

_ستفيق بعد دقائق .
_أريد التحدث للطبيب .
يقولها حسام بقلق فتتحرك معه الممرضة نحو الغرفة المجاورة بينما تبقى ديمة مكانها ترمق المرأة بنظرات مشتتة ..
تقترب منها خطوة تلو خطوة ..

صراع "لونيها" يزداد داخلها ..
الأحمر يسول لها أنها فرصتها للانتقام ..
ماذا لو حرمته أمه كما حرم هو سند من أمه ؟!
إن كانت هي قد عجزت عن قتل غازي فلن تعجز عن فعل هذا بالمرأة الآن؟!
لن يخف الألم إلا لو ألقت بعضه على غيرها كما قالت له منذ قليل !

خطوة تلو خطوة ..

الأزرق يستصرخها الرحمة ..
المرأة لا ذنب لها فيما فعله ابنها ..
لقد عطفت عليها في هذه الدقائق القليلة التي التقتها فيها ..
منحتها "النظرة الآدمية" التي لم يمنحها لها سوى القليلون ..

خطوة ..
ترى شبح هالة يعاتبها بجفاء ..

خطوة ..
ترى شبح غازي يسخر من ضعفها العاجز ..

خطوة ..
ترى فيها شبحها الأرجواني يتعجلها فلم يعد هناك وقت ..

عيناها تنتقلان بسرعة نحو تلك الأسلاك الرفيعة التي تعلق بها جسد المرأة والتي لا تفهم كيف تعمل إنما تدرك أهميتها ..
لتمتد نحوها أصابعها بسرعة قاسية كي ..
ينتصر "الأحمر"!
=======
انتهى الفصل


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-10-20, 02:43 AM   #1334

Omsama

? العضوٌ??? » 410254
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 867
?  نُقآطِيْ » Omsama is on a distinguished road
افتراضي

لا ديمه مش هتموت ام حسام هى مش مجرمه تعمل كده والفاجومى هو حصل ليه عجز من الحادثه ولا ايه لوحصل ده دى هتكون نهايته

Omsama غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-10-20, 02:56 AM   #1335

المشاغبة

? العضوٌ??? » 406852
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 446
?  نُقآطِيْ » المشاغبة is on a distinguished road
افتراضي

فصل بمنتهى الجمال و الروعة الله يسعدك و يعطيك العافيه 🌹 🌹 🌹

المشاغبة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-10-20, 06:43 AM   #1336

شيرين الفاتح

? العضوٌ??? » 473676
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 72
?  نُقآطِيْ » شيرين الفاتح is on a distinguished road
افتراضي

وااااااو فصل قنبله حقيقي.. عندك حق لما قلتي مزنوق.. تسلم ايدك حبيبتي ويسلم ابداعك

شيرين الفاتح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-10-20, 06:46 AM   #1337

amira_adel

? العضوٌ??? » 271425
?  التسِجيلٌ » Nov 2012
? مشَارَ?اتْي » 254
?  نُقآطِيْ » amira_adel is on a distinguished road
افتراضي

الفصل رااائع و فيه تفاصيل كتير..
و القفلة طبعا كارثية...
ليا رجعة بإذن الله بريفيو بس كان لازم اقولك تسلم ايدك 💙💙


amira_adel غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-10-20, 08:26 AM   #1338

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 10,552
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي

صباح الخير.قاس جدا فصل اليوم يا ملكة الوان قوس قزح وكأنك ابيتي إلا أن تصبغيه باللون الاسود لونا واضح وصريح وأن احتوى كل الالم في جنباته،اسعدني في البداية عودة ظهور رؤى فقد كانت أكثر شخصية اثرت في وتعاطفت معها في "ماسة الشيطان" وهي تتقبل عقابها برضاها بكل ما تعرضت له من قسوة وهوان في بداية زواجها من راغب علقت ساعتها بأن من ليس له سندوظهرا يلتجئ إليه فلا يتوقع من الدنيا خيراولكن ها هي باحتمالها وصبرها نالت عفو زوجها بعد حبه فإذا بهذه البداية تؤول إلي ما لا يحمد عقباه فالثقة جدار من فولاز يحتاج الكثير والكثير لبنائه ومع ذلك يسهل أنصاره جدا بكذبة أو كتمان أو خذلان ويبدو ان رؤى ستخطو هذه الخطوة في هدم جدار الثقة ببدء كتمانها ما يجب البوح به علي حد قولك في رغبتها بالعمل مع عدم موافقة راغب،وهذا يوصلنا مرة أخرى إلي هيام والتي لم تغيرها السنون فما زالت تستغل ضعف شخصية زوجها وتتمادى في امتهانها له وتوصمه بأنه لا قيمة لها وهذا أسوأ ما تفعله زوجة مع زوجها حتي لو كان في فورة غضبتها لزواج عزة دون دعوتها ولزواجها ممن تراه غير لائقا بها فتذهب وتفسد حفل عرسهم علي الملأ وللأسف ليس هذا رأيها وحدها بل هو ما استقر في ضمير عزة حتي ولو لم تعترف به وهي ترى في عقد زواجها بيع لما بقي من عمرهاوالمشكلة ليس في ساق ايهاب المفقود ولكن المشكلة تكمن في نفسها الجريحة من قبل اصابة ايهاب والتي أرادت أن تسترد كرامتها وكبريائها من الدنيا بزوج يشار له بالبنان وترى فى اعين الناس الانبهار الذى يمحو سنوات اريقت فيها كرامتها وانوثتها مرة بخطوبتها لهذا البلطجي ومرة بزواجها بمن لم يشعر بها اساساوكأن خلاصه منها طوق نجاة لحياته مع من يحب فهي في الحالتين كانت اضحية تندر عليها من حولها لا أدرى أ اتعاطف معهاواشفق عليها أم أشفق علي ايهاب ؟وهو يشعر بكل مشاعر العجزفيلجأ لقلب امه طالبا ان ينام جوارها وتحكي له حكاوي الطفولة وتفيض عيناه بكاءا في حضن امه وما اقساها دموع الرجال فعندما لا يبقي امامنا سوى أن نرمي بهمومنا في أحضان الام معناه أن الوهن والألم والضعف وصل منتهاه فمن منا لم يفعلها عندما خذلته الدنيا ووقف مكبل اليدين والقدمين لا يجد ما يقيله من عثرته سوى حضن امه تربت علي جروحه والامه واجدك قد لخصتي المشكلة كلها في كلمتين عندما قال لها المهم اننا معا وكأنها الحل بينما تراها هي المعضلة بينما تتهادى اغنية "ضميني وانسي الدنيا ...ضميني وانسي الناس" فالناس هنا هم المشكلة بنظرتهم ،بشفقتهم ،بقصر نظرهم ،بسطحيتهم يحيلون حياة المرء إلي جحيم ويغزوا مخاوفه حتي تصير وحشا يقتات علي يومه وغده.يبقي السندباد ورغم ما مر به واوصله لهذا الحال إلا أني لا أجدله ما يبرر تصرفه مع طيف إذ كان يجب ان يقاوم انجذابه لها ولا يرى فيها وطنا فقده من زمن كما لا يجب ان يراهن علي قوتها وصمودها وقدرتها علي النهوض من جديد فالقوة التي تتجلي علي البعض تخفي ورائها ضعفا واحتياجا ينوء المرء بحمله وهو يظهر خلاف ما يبطن وهو يواجه الدنيا وحده في استغاء تام عمن يستطيع الركون إليه لانه ببساطة لم يصفح ولم ينسي فليمضي إذن وحيداشامخا،ديمة وحسام حكاية أخرى واظنني اطلت عليك ولكن ابهرني تعبيرك علي لسان حسام وهو يمني نفسه باحساس حرم منه وسيتشاركه مع سلطانة كلبته المخلصة الحامل احساس الأبوة الذى حرم منه،واسرني أيضا تعبيرك علي لسان ديما نحن" لا نموت فقط عندما تنقطع انفاسنا نحن نموت عندما تختنق أرواحنا داخل جسد اجوف."......فلا يبقي إلا الألم.ابكاني الفصل كثيرا يا استاذة واختصرت قدر الإمكان وأن كنت اريد الاستفاضة أكثر فعذرا للاطالةولكن ابداعك اليوم كان بطعم الألم والدموع.بانتظار الفصل القادم دمتي بخير.

shezo متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-10-20, 11:32 AM   #1339

TotaMahmed

? العضوٌ??? » 459799
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 39
?  نُقآطِيْ » TotaMahmed is on a distinguished road
افتراضي

الفصل رهيب بمعنى الكلمه اعصابى كانت مشدوده طول ما انا بقرأ الفصل زواج عزه والفاجومى كان لازم يتأجل لانهم هما الاتنين مشاعرهم ناحية بعض مش واضحه هى الجوازة بالنسبه لها رد جميل مش اكتر من كدا وهو بيقنع نفسه انها بتحبه هى اكيد بتحبه وارفض يشوف الحقيقه وبعدين فى مشكله تانيه عجزه الأخير كل من اللى الضغوط اللى حصلت له فى حفلة الزفاف ولا بسبب الحادثه ربنا يستر لان دا يسوء العلاقه بينهم اكتر💖
تسلم ايدك حقيقى الفصل كان ملحمة 👏👏👏


TotaMahmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-10-20, 01:18 PM   #1340

Mai aboelmaged

? العضوٌ??? » 454989
?  التسِجيلٌ » Sep 2019
? مشَارَ?اتْي » 119
?  نُقآطِيْ » Mai aboelmaged is on a distinguished road
افتراضي

فصل لا تعليق بجد زي ما حضرتك قولتي
ابدعتي يا نيمو بجد
تفاصيل الفصل ملحميه بجد
دمتي مبدعه 💙💙


Mai aboelmaged غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:04 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.