آخر 10 مشاركات
54-لا ترحلي-ليليان بيك-ع.ق ( تصوير جديد ) (الكاتـب : dalia - )           »          رواية واجتاحت ثنايا القلب (1) .. سلسلة ما بين خفقة وإخفاقة (الكاتـب : أسماء رجائي - )           »          تبكيك أوراق الخريف (4) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          للقلب رأي أخر-قلوب أحلام زائرة-لدرة القلم::زهرة سوداء (سوسن رضوان)كاملة (الكاتـب : زهرة سوداء - )           »          هل يصفح القلب؟-قلوب شرقية(33)-[حصرياً]للكاتبة:: Asma Ahmed(كاملة)*مميزة* (الكاتـب : Asmaa Ahmad - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          أغلى من الياقوت: الجزء الأول من سلسلة أحجار كريمة. (الكاتـب : سيلينان - )           »          تشعلين نارى (160) للكاتبة : Lynne Graham .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          39 - ابنة الريح -روايات أحلام قديمة (الكاتـب : فرح - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree5716Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-02-21, 02:47 AM   #2111

ميمو٧٧

? العضوٌ??? » 416015
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 700
?  نُقآطِيْ » ميمو٧٧ is on a distinguished road
افتراضي


في اطيافك يا نيرمين
تسجيل حضور


ميمو٧٧ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-02-21, 04:00 AM   #2112

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

الطيف الرابع والعشرون
======
القلب يعزف ألف لحن للوجع...
الفارس المشهود فوق جواده...وقع!
وأنا المذبوح بين أمسي وغدي ...
أترنح... فارداً يدي...
أدور خلف الطائفين حول صنم الوهم مدعياً خشوعي..
لكن قبس النور لازال يبزغ من ضلوعي...
عودي إليّ حقيقتي فكم مللت خداع المرايا!
(جهاد)
========
على متن الطائرة العائدة من مصر للإمارات وبالتحديد ل"أبو ظبي" يتخذ مقعده ..
أنامله المشتعلة تشد على حزام أمانه وهو يدير وجهه نحو النافذة ..
هاهو ذا يترك "النيل" خلفه ..
النيل الذي ظنه يوماً منبع الأمان والعطاء فلم يكن له إلا فيض غدر !
ينعقد حاجباه بشدة وملامح زهرة تتشكل حتى أمام عينيه المغمضتين ..
تعيره بأنه دوماً مخدوع !
هو الذي ما عشق صورته يوماً كما عشقها في عينيها ..
الآن ..يكرههما معاً!!

تدمع عيناه باشتياق لم يذبحه غضبه وابتسامة مريرة تحتل شفتيه ..
كيف يطمح أن يستعيد وطنه الأعظم إذا كان وطنه الأصغر قد خانه ؟!
كيف يؤمن بالحب من جديد وقد باعته "سيدة الحب" في أول اختبار وبأبخس ثمن "؟!
لو جرت الأمور كما خطط لها لكانت الآن عائدة معه عروسه وأم أولاد الغد ..
لكانت الآن جواره على الكرسي بدلاً من ...!

_تفكر فيها؟!
صوت يولاند "المعتاد" يصله إنما "غريب" ككل شيء صار حوله !!
لا يزال يذكر لقاءه بها ذاك اليوم في بهو الفندق بهيئتها الغريبة على "فدوى" التي اعتادها ..:



_فدوى؟!
_بل يولاند يا جهاد ..يولاند ..

صوتها بلغته الفرنسية وبثيابها المكشوفة يذكره "ظاهراً" بيولاند التي قابلها أول مرة منذ سنوات ..إنما دون تألقها المتوهج وقوتها الظاهرة ..
ونظرة عينيها الكسيرة "باطناً" تذكره بفدوى التي تركها خلفه مع ريان ..
عقله يرسل إليه بالمزيد من "شرارات الخطر" لكنه يتجاوزها وهو يسألها مصدوماً:
_هل أتيت وحدك ؟! أين ريان والأولاد ؟!
_قتلهم !

لوهلة هيئ إليه أنه لم يسمع !!
يقترب منها خطوة دون وعي وهو يكرر سؤاله فتملأ الدموع عينيها الزائغتين وابتسامة عصبية تذبح شفتيها مع كلماتها الفرنسية :
_يقولون ..يقولون إنه قتلهم ..لكنني لا أصدقهم ..أولادي نائمون هناك ..هناك في فراشهم تحت التراب ..أنا غنيت لهم أغنية النوم ..وسيستيقظون عندما أعود ..

تنهار تماماً مع كلماتها الأخيرة لتنخرط في بكاء حاد يجذب إليهما الأنظار فيكتم صرخة خافتة شقت صدره و قلبه ينقبض بعدم تصديق لما ترويه ..
لا ..لا يمكن أن تعني هذا الذي فهمه !!!
يشير لها جانباً كي يجلس أمامها على كرسيين متقابلين ..
يخشى أن يعيد سؤاله عن يسألها بصوت مرتجف :
_اهدئي ..اهدئي وأخبريني ماذا حدث ..كيف تركك ريان تسافرين وحدك ؟!
_كما ترك كل شيء خلفه ! أنا وأولاده وحتى أنت !
تقولها بعصبية وهي تمسح وجهها بأناملها المرتجفة فيزداد انعقاد حاجبيه وهو يتمتم بالسؤال الذي لم يرد تصديق جوابه :
_ماذا تعنين ؟! ريان هو من أبلغ إدارة المشفى حقاً عما حدث معي؟!
_نعم ..تدري لماذا فعلها ؟! لأنه رأى نفسه أحق بالوظيفة منك إذ أنه صاحب عائلة ..عائلة ضيعها بجحوده وغدره ..

يرفع إليها عينين مصدومتين بكل هذا الذي يسمعه فتردف بانفعال :
_صاحبك تزوج بأخرى ..وعندما واجهته قال إن دينه يبيح له ذلك ..يبيح له رميي بطول ذراعه بعدما زهدني ليتنعم مع غيري؟! لو كان دينه يبيح له الغدر بزوجته فهل يبيح له الغدر بصديق عمره كذلك ؟!

يشعر بالخطر وكلامها عن "دينه" يمنحه التفسير لمظهرها العجيب فيهمّ بجدالها لكنها تردف بحرقة وقد عادت دموعها تغرق وجهها :
_كنت أشعر ..كنت شبه متأكدة ..لكن هذا لم يساوِ شيئاً عندما رأيته معها بثياب النوم في شقتهما ..تتحدث عن اغتصاب وطنك يا جهاد ؟! عن شعورك بالظلم وهم يطردونك منه دون ذنب ؟! أضف لهذا شعورك بالغدر وأنت لا تفهم جريمتك في كل ما يجري ..بعدما منحت كل شيء ..كل شيء يمكن أن تمنحه ..فيضيع منك كل شيء كذلك في غمضة عين !

تدمع عيناه بهذه الغصة في حلقه وهو يتذكر شكوكه بشأن ريان ..
قالها يوماً إن صاحبه لا يخون ..فخان ..
تماماً كما قالها إن زهرته لن يجف عطاء نيلها في قلبه ..فجف!

يالله!!
لا يصدق ..ولا يريد التصديق !!
لهذا يبتلع غصته وهو يميل بجذعه للأمام ليسألها بصوت متحشرج :
_أين الأولاد ؟!
تشيح بوجهها والمشهد الدامي لاصطدام سيارتها يعاود قصف روحها فتنفرج شفتاها عن أنة طويلة كأنها تسمع صوت روحها تُذبَح ..

فتشحب ملامحه وصوته يزداد ارتجافاً مكذباً كل ما يصل لعقله :
_الأولاد ..الأولاد يا فدوى!!

_يولاند ! يولاند !!
تصرخ بها بانفعال نفرت له عروق رقبتها وهي تنهض واقفة مكانها لتلوح بذراعيها مردفة :
_أولاد فدوى ماتوا ..قتلهم صاحبك ..
يرتد مكانه مجفلاً ليرتجف صوتها وهو يخفت تدريحياً باستدراكها الملتاع:
_وربما قتلتهم أنا بسوء اختياري ..كنت أقود السيارة بسرعة جنونية كي أهرب بنا معاً ..لم أكن أرى شيئاً أمامي سوى غضبي منه ومن نفسي ..سمعت صوت الارتطام وبعدها سكن كل شيء ..
ثم تصمت لحظة لتغمض عينيها وقد وصل صوتها حد الهمس بقولها :
_وبعدها ..مات كل شيء ..فدوى ماتت مع أولادها !

لم يشعر بنفسه وهو ينحني ليدفن وجهه بين كفيه في نشيج خافت ..
ماتوا !
لم يكونوا صغار ريان فحسب بل كانوا أولاده هو الآخر !!
عائلته الصغيرة اختفت!!
يبكي ..ويبكي ..فلا يدري هل يبكي الصغار فحسب أم يبكي نفسه معهم ..
هكذا في غمضة عين صار وحيداً منبوذاً من جديد ..
شجرة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار !!


_فيما أنت شارد ؟! كل هذا لأني سألتك إذا كنت تفكر فيها ؟!

صوت يولاند ينتزعه من شرود ذكراه فيلتفت نحوها بحدة لتبتسم بمرارة وهي تتذكر ما رواه لها عن تخلي زهرة عنه فتقول بالفرنسية التي صارت لغتها مغمضة العينين :
_الجرح واحد يا جهاد ..الفارق أنني أعرف طريقي ورحلتنا هذه أول خطوة فيه ..فهل تعرفه أنت ؟!

سؤالها يبقى معلقاً بينهما وصوت المذياع الداخلي للطائرة يعلن وصولهما ..
فتشتد ملامحه بحدة قاسية وهو يحرك أنامله ليفك حزام مقعده فتقع عيناه على ميدالية حنظلة ..
ولأول مرة في حياته يحركها ليخفيها في جيبه غير قادر على النظر إليها ..
لا يدري نفوراً ..أم خزياً!
=======
_دكتور جهاد !
يقولها حارس الأمن على بوابة المشفى الذي كان يعمل فيه بود لأول وهلة ..لم يلبث أن تحول للكثير من الحذر وهو يتلفت حوله ليبتسم جهاد بمرارة قائلاً :
_كيف حالك ؟! لديك أوامر بمنعي من الدخول ؟!

يبتسم الرجل بمزيج من حرج وإشفاق ليقترب منه قائلاً بما يشبه الاعتذار :
_عفوا يا دكتور ..الأقاويل كثيرة وتنتشر بسرعة كما تعلم ..أخبروني أنه قد تم فصلك من العمل .. لم أصدق ما زعموه ..لكن اعذرني لن أستطيع ..

_لا عليك ..فقط أخبر دكتور ريان أنني أنتظره هناك في الحديقة المقابلة .

يقولها جهاد بمرارة وقسوة مستحدثة حفرت أخاديدها مؤخراً على ملامحه ليرمق مبني المشفى بنظرة مقهورة قبل أن يتحرك للحديقة المقابلة حيث كان يلتقي ريان وأولاده كما اعتادوا في الأيام الخوالي ..
تدمع عيناه بحزن وهو يتخذ مجلسه على المائدة المعتادة ..
طيف الأولاد الذين تربوا على يده يحلق حوله ..
يراهم بعين خياله يركضون ..يتسابقون ..يتصايحون ..يتشاكسون ..يندفعون نحوه بعناقاتهم الدافئة ..
يالله!
إذا كان قلبه هو يكاد ينفطر فكيف تحملت فدوى هذا الوزر ؟!
فدوي؟!
فدوى ماتت مع أولادها ..من بقيت الآن هي يولاند ..يولاند الشريدة مثله !

تنساب عيناه لمائدة بعيدة ..
هذه التي التقى زهرة هناك عندها يوماً بعدما تركت العمل في المشفى لآخر وقد جلست تكتب ..
ذاك اليوم الذي فضحتها فيه رنة هاتفها بنغمة فيروز ..
كما وشى بها الوشاح الفلسطيني الذي علقته على حبيبة يدها ..
قبل أن تكمل نظراتها الحكاية بينهما ..
كل هذا كان مجرد سحابة صيف؟
قصر رمال هدمته أول موجة عابرة ؟

_جهاد !

صوت ريان المرتعش خلفه ينتزعه من أفكاره فلا يملك الرغبة أول وهلة ليلتفت !
يقف أخيراً على ساقين مرتجفتين بالخذلان ليواجه صديق العمر بالوجه الذي خدشته أنامل القسوة حتى استباحته ..

_كيف حالك يا صاحبي؟!
تهكمه المرير ينضح بعتاب لا جدوى منه ليقترب منه ريان الذي طالت لحيته بإهمال وقد فضحت ملامحه هو الآخر تعباً لا حد له ..

_لماذا جئت يا جهاد ؟! أظنك صرت تعلم ما فعلته أنا بك ؟! جئت معاتباً ؟! أم جئت معزياً؟! أَم تراك جئت شامتاً؟!

نبرة ريان المنهزمة تتخضب بالغضب وقد كره أن يقف موقف المدافع ..
ليلوح بذراعيه مردفاً بحدة :
_جئت لتحدثني عن المبادئ ؟! عن المثاليات التي كادت تلقيك خلف الشمس؟! جئت تلومني لأنني فكرت في بيتي وأولادي قبل تفكيري فيك ..لأنني اخترت من كان يجب أن أختارهم ؟!! أجل ..اخترت مصلحة أولادي . ليست نهاية العالم بالنسبة لك أن تترك المشفى ..يمكنك بسهولة العثور على عمل آخر ..لكنني كيف كنت سأتقبلها بهذه البساطة وأنا مربوط من عنقي بحبال زوجة وأولاد ؟!

يصمت جهاد للحظات فيردف ريان وقد ظن أنه أحرز هدفاً:
_لا ترى الأمور بعينك بل بعيني أنا ..لن تجرب شعوري مالم تضعك الظروف فيه .

لكن جهاد يقترب منه ليتفرس في ملامحه للحظات صامتاً قبل أن يقول بنبرته مستحدثة القسوة :
_تعرف فيما كنت أفكر طوال رحلة عودتي إلى هنا ؟! كيف لم أفهمك حقاً طوال هذه السنوات ؟! كيف تحولتَ بهذه السرعة لهذا المسخ الذي لا أكاد أعرفه ؟! هل كنت أنا المغفل أم كنت أنت المخادع ؟!

يشيح ريان بوجهه وهو يشعر بالمزيد من الخزي يدفعه للمزيد من المكابرة :
_كنت مضطراً لتحمل مسئولية أولادي!
_أنت لم تتحمل يوماً مسئولية ! ليست فقط فدوى التي ضيعتها بغدرك ولا أولادك الذين يحترق قلبي عليهم ولا حتى مسئولية نفسك التي بعتها لامرأة بمسمى زواج ..بل منذ سنوات طويلة عندما تخليت عن شقيقتك "دينا" بدعوى الشرف وهربت بالسفر بدلاً من أن تقف جوارها !

لم يكد يتم آخر حروف كلماته حتى شعر بقبضة ريان تشد على قميصه ليجذبه نحوه بعنف هاتفاً بغضب:
_هل هذا وعد الرجال ؟! تعيرني بشقيقتي؟! عاهدتني من يومها ألا تفتح هذا الموضوع معي أبداً !
_لأنني ظننتك لن تعيد الخطأ ..ظننتك حقاً نادماً ولن تُضيّع من تعول ..لكن هاهو ذا التاريخ يعيد نفسه !!
يهتف بها جهاد بقسوة يدرك كم هي قاتلة لرجولة صاحبه الذي تهدل كتفاه رغم قبضته التي لا تزال تعتصر قميص جهاد وهو يقول من بين أسنانه :
_ما الذي تنتويه ؟! فضحي بعار أختي؟! هه؟! هل هذا ما تريده ؟!

لكن جهاد يحرر نفسه منه بغلظة ليدفعه بعيداً بهتافه :
_لست بهذه الحقارة لأطعنك بهذه الخسة ..لكنني سأريك ..سأريكم جميعاً أنني لست الغر الساذج الذي تظنونه ..سألتني في أول المقابلة لماذا جئت ؟! وهاك الجواب! جئت منتقماً يا ريان ! قسماً بربي سأوجعك قدر ما أوجعتني ..سأذيقك مرارة الخيانة عندما تأتيك من قريب .

يحتقن وجه ريان وهو يشعر أنه يقف أمام رجل آخر غير الذي عرفه طوال عمره ليشير له بسبابة مرتجفة هاتفاً :
_هذا ليس كلامك ! إنها فدوى ! هي كلمتك ؟! هي من حرضتك عليّ بهذه الطريقة ؟!

_لا فائدة ! أخبرتك أن فدوى ماتت يا ريان ..ويولاند تعيش فقط لتذيقك أسوأ كوابيسك !

الهتاف الفرنسي يأتيه من خلفه بصوتها فيلتفت نحوها وهو يشعر أنه محاصر بينهما ..
يرى بعض الناس منهم وجوه مألوفة لأناس يعملون في المشفى وقد تجمعوا يراقبون من بعيد فتأخذه العزة بالإثم ليهتف بأول ما تبادر لذهنه:
_أرى أنكما على وفاق ولا أظن الأمر حديث العهد ..يبدو أنني فقط كنت مغفلاً فلم ألحظه طيلة زواجنا ! لماذا تلومينني إذن ؟! لم أكن وحدي الخائن!

_اخرس!
صفعة يولاند تأتي في نفس اللحظة التي تحرك فيها جهاد ليصفعه هو الآخر على وجهه فيرتجف جسد ريان بالمزيد من الغضب وهو يصرخ فيهما باتهامات لم يعد يتحكم فيها ..

تهم يولاند بصفعه من جديد لكن جهاد يبعدها ليقترب منه بملامح جامدة هاتفاً ببرود قاس :
_(روق يا ضاوي)

عبارته المعتادة -بلهجته الفلسطينية- التي كان يهدئه بها في عهد صداقتهما القديم ..
الآن حملت تهديداً خفياً صرخ في عينين كانتا يوماً بزرقة سماء صافية والآن تتوهجان بهدير بحر هائج !!

يتقدم نحوهم بعض الحرس ليبعدهم ويفض الجمع فينقل ريان بصره بين الاثنين لتشتعل النظرات بينهم للحظات قبل أن يتحرك جهاد ليغادر جوار يولاند ..
كلاهما كان يعطيه ظهره لكنه كان غارقاً في نظرة كل منهما الأخيرة المتوعدة فيعلو صدره ويهبط وهو يشعر بالأرض تميد تحت قدميه ..
ماذا يخبئان له ؟! وهل بعد خسارته خسارة ؟!
=======











خطواته تتثاقل وهو يتوجه نحو غرفة إلياس المغلقة ..
كأنها بركان خامل يوشك أن تنفجر نيرانه عبر فوهته الخادعة ..
هل آن الأوان لكشف السر ؟!
أم لا يزال العمر يتسع للمزيد من المواراة ؟!

يتوقف أمام الباب ليرفع أنامله يهم بطرقه لكنها تتوقف مكانها في الهواء ..

زجاجة العطر المكسورة ..
حقيبة السفر المفتوحة ..
الباب المغلق الذي سقط بظهره عليه ..
الحقيقة التي غرزت النصل الغادر في ظهره ..
فهل يملك الجرأة الآن لفعل المثل بإلياس؟!

عرق غزير يكاد يغرق جبينه فيتراجع خطوة تلو خطوة وهو يهز رأسه نفيا كأنما يمنح نفسه الجواب ..
لكنه يتوقف مكانه وهو يرفع رأسه لأعلى ..
لا بديل عن المواجهة يا يحيى !
السندباد كسر سفينته ..وانتهى الأمر ..
خذ رحلتك وسط الموج فأدرك الشاطئ أو اغرق دونه ..
لا مفر ..لا مفر ..!!

خطواته تزداد رسوخاً وهو يعاود التقدم ليطرق الباب بقوة هذه المرة دون أن يتردد في الدخول بعد سماعه صوت إلياس ..

_أهلاً بالعريس .

يقولها إلياس بود عاطفي يميز شخصيته امتزج بالكثير من العتاب الذي لم يلمه عليه وهو يتقدم نحوه وقد أغلق الباب خلفه ..
ليجلس جوار عمه فوق الأريكة الجانبية فيرمقه إلياس بنظرة متفحصة وهو يردف رافعاً هاتفه :
_عفواً ..اعذرني لو انتزعتك من عروسك ..لكنك لا تدري كم مكالمة تلقيتها من استبرق منذ مغادرتي بغداد تتساءل عن سبب سفري المفاجئ ..المسكينة ! كأن قلبها يشعر ! لكنني على وعدي لك ولم أخبرها .

ابتسامة مريرة تذبح شفتي يحيى الذي رمق الهاتف في يد إلياس بنظرة غريبة كأنه يخافه ..ويشتاقه!!
يشتاقها؟!
كاذب لو ادعى العكس رغم كل ما كان !!
كيف يقتل هذا الحنين الذي يكاد يشطر قلبه وهو يسمع اسمها من بين شفتي الياس ببساطة كما كان الأمر في سنوات عمره الأولى ..
يالله!!
كأن الأيام لم تمر !!
طوال هذه السنوات وهو يكتفي بمراقبة صورها هي وسراب ..
كبرتا ..لتكبر معهما حرائق الخطيئة في صدره ..
لكنه وسط كل هذا لا يستطيع اقتلاع عاطفته الفطرية نحوها من صدره ..
فعلها مع سراب قسراً ..فعلها مع عمه ثأراً ..لكنه توقف أمامها هي ..
بقيت كالجبل الشامخ في روحه تتحداه أن يؤذيها ..أو حتى يكرهها ..
فاكتفى بكراهية نفسه وادعاء النسيان فحسب؟!

_كيف هي؟!
حروفه المتحشرجة تفضح شتات روحه ليجيبه إلياس بعتاب وهو يستدير نحوه بكامل جسده:
_تسأل؟! الآن تسأل؟! تعرف كم تحبك استبرق؟! أنت لست ابنها فحسب ..أنت كنز عمرها الذي ادخرته لما بقي من أيامها بعد وفاة أبيك رحمه الله !

(أبيك!)
الكلمة على بساطتها تؤجج حرائق روحه فيكز على أسنانه بقوة تكاد تحطمها كأنه يحبس لسانه كاتماً بوح حرائقه ..

وجهه يكاد ينفجر من فرط احتقانه فيشعر إلياس بالشفقة نحوه ليربت على كتفه قائلاً بالمزيد من الود العاتب :
_ليست استبرق فقط من تحتاجك ..العائلة كلها تحتاجك ..خاصة بعد مصابنا في عمك .

يغمض يحيى عينيه بقوة ليسيئ إلياس تأويل حركته فيردف بأسف:
_أعرف أنك حانق عليه بعدما رفض زواجك من سراب ..لكن الأمر مر عليه سنوات ..أنت لا تعرف ماذا حدث له ..
_بل أعرف .
يقولها بحسم من بين أسنانه لينعقد حاجبا إلياس بسؤاله :
_تعرف أنه سجن ظلماً؟!
لكن يحيى يهز رأسه ليقف قائلاً :
_ليس ظلماً ..هو كان يعمل خلف غطاء مشبوه طوال هذه السنوات .

يقف إلياس بدوره ليزداد انعقاد حاجبيه وهو يواجهه بهتافه:
_ماذا تقول؟! وكيف عرفت أنت؟!
فيطرق يحيى بوجهه للحظات قبل أن يرفعه بجوابه :
_لأنني أنا من تسببت في سجنه .

تتسع عينا إلياس بصدمة للحظات وقد شحب وجهه تماماً ..
قبل أن يعود إليه الدم ليحتقن بشدة وهو يتمتم بذهول :
_سجنت عمك .
_ليس عمي يا إلياس ..غيث الأمين ليس عمي ..

تشتعل عينا إلياس بغضب هادر وهو يهتف به باستنكار :
_تبرأت من عمك ؟!
فترتجف شفتا يحيى بشبه ابتسامة ساخرة ..وهو يشيح بوجهه ..
عيناه تدمعان من فرط الثقل الذي يجثم على صدره ..
لكنه يحسم تردده ليفجر قنبلته :
_غيث الأمين أبي ..أبي الحقيقي ..استبرق خانت أحد شقيقيك مع الآخر .

صمت رهيب يسود في الغرفة لدقيقة كاملة بعد عبارته ..
قبل أن ينفجر الموقف كله فجأة بهذه الصفعة التي هوى بها إلياس على وجنته قبل أن يدفعه بقوة ليرتطم يحيى بالجدار خلفه فيغلق عينيه من جديد وهو يشعر بقبضتي إلياس تطوقان عنقه بقوة مع هسيس صوته المشتعل بغضبه وصدمته :
_اخرس ..سأقطع لسانك لو أعدتها! ليتك مت ولم أسمعك تهذي بهذه الافتراءات ..من تتهم يا حقير ؟! استبرق؟!!أنت تخوض في شرف أمك وشرف شقيقيّ؟! أنت ..أنت ..

تنقطع كلماته وقبضتاه تعتصران عنق يحيى بالمزيد من الغضب ليحتقن وجه الأخير بألم روحه الذي فاق بكثير ألم جسده ..
تتحشرج أنفاس يحيى وهو يشعر بقرب اختناقه لكن إلياس يطلقه أخيراً لتتراخى قبضتاه حول عنقه متمتماً بغضب هادر والدموع المتحجرة تملأ عينيه:
_القتل خسارة في كلب مثلك ..حتى لو كنت تستحقه ! هل هذا انتقامك من غيث لأنه رفض تزويجك من ابنته ؟!

هنا يهتف يحيى بانفعال وهو يلوح بذراعيه :
_ولم تسأل نفسك لماذا فعلها؟! أنا سمعتهما بأذني في غرفة مكتبه يعترفان بخيانتهما وسبب رفضه لزواجي بابنته ..سراب أختي ..أختي يا إلياس..

_اخرس ..اخرس ..لا أريد أن أسمع ..
يكمم إلياس فمه وهتافه يلتحم بدموع الغضب والصدمة على وجنتيه لكن يحيى يحرر وجهه منه ليهتف به بانفعال:
_انظر إليّ يا إلياس ..انظر ليحيى الذي تربى معك وأخبرني ..ما الذي كان سيجبرني على ترك العائلة والبلد كلها لو لم يكن أمراً جللا؟! ما الذي منعني من اختطاف سراب التي كنت انت نفسك شاهداً على مدى حبي لها والزواج منها رغم أنف الجميع؟ أخبرني عن يحيى الجسور الذي تعرفه ..كيف قبل أن يحضر زفافها هكذا باستسلام دون مقاومة قبل أن يترك كل شيء خلفه هكذا طوال هذه السنوات ؟!

يهز إلياس رأسه بغضب يتحول رويداً رويداً لصدمة تقترب من التصديق ويحيى يضع أمامه كل التساؤلات التي سألها هو لنفسه منذ غيابه ..
لكنه في أقصى خيالاته جموحاً لم يتصور أن يكون الجواب ..خيانة!
خيانة بهذه البشاعة !!

_أنت تتحدث عن استبرق ..استبرق يا يحيى ..استبرق التي ربتني وتكاد تكون أمي كما هي أمك !

الغضب ..الاستنكار ..الوجع ..الغدر ..الصدمة ..
نفس الخليط البشع الذي عانى منه لسنوات ..والآن يشاركه فيه عمه ..

_تذكر أنك أنت من طلبت الحقيقة ..لو لم أسمع بأذني لما صدقت ..أعذرك في صدمتك ..أظنك الآن تفهم أي جحيم عشته طوال هذه السنوات !

يرفع إليه إلياس عينين مصعوقتين ليردف يحيى بمرارة خزيه:
_بقي الجزء الأخير من حكاية عاري ..ابن أخيك سليل عائلة الأمين بكل ثروتها ونفوذها عاش هذه السنوات يشتغل بالنصب ..الأرصفة الباردة كانت أحن عليّ من دفء بيت قامت جدرانه على الغدر والخداع ..فقلت لنفسي ما الفارق ..عندما ترتشف مرار الخديعة ببطء قاس يسهل عليك أن تسقيها لغيرك غير مهتم .

_اخرس يا يحيى ..أنا اكتفيت من سمومك لهذا اليوم ..اخرس واتركني وحدي ..

يهتف بها إلياس بقهر وهو يعطيه ظهره فيزفر يحيى بغضب مدركاً أنه لم يصدقه ..

_لماذا طلبت الحقيقة مادمت لن تصدقها؟! الوزر ثقيل ؟! تعجز عن تحمله ناهيك عن تصديقه؟! انظر إذن أي جحيم عشته وحدي طوال هذه السنوات !! لو لم تكن تصدقني فعد من حيث أتيت ..قل لهم أن يحيى الأمين مات وكنت تحضر عزاءه ولن ترى وجهي بعدها أبداً !

يهتف بها بحدة انفعاله وشعوره بالقهر ليخفي إلياس وجهه الدامع بين كفيه قبل أن ينهار جالساً على الأريكة من جديد فيما يتحرك يحيى ليغادر الغرفة صافقاً الباب خلفه ..
=======
*أبيض*
=======
طيري يا طيارة طيري ..
يا ورق وخيطان
بدي أرجع بنت صغيرة
ع سطح الجيران ..

تغمغم بها ماسة وهي تجلس داخل "التعريشة" الجديدة في حديقة بيت عاصي الجديد وهي تصنع طائرة ورقية ..
تبتسم بحنين جارف دمعت له عيناها وهي تستعيد ذكرياتها هنا ..
يالله !
كم تغير الزمان ولم يتغير عشقها لسيد الأضداد ..
وهاهي ذي تعود لنفس القصر ..لنفس المكان ..تغني نفس الأغنية ..
لكن الجديد هنا هو :

_جميلة جداً يا أمي .
_أنتِ الأفضل دوماً ..ماسة !
الأولى بصوت نور الحنون والثانية بصوت ضياء المتحمس وهو يكور قبضته ملصقاً إبهامه بسبابته كما يفعل أبوه لتضحك بهناءة وهي تضمهما نحوها بقوة قبل أن تتأوه ببعض الألم وهي تتحسس بطنها ..

_حبيبة أخيكِ! هل أتعبكِ هذان؟!
يهتف بها فهد بحنان وهو يندفع نحوهم ليتقافز الصغيران حوله فيقبلهما بسرعة ثم يلقي ب"كرة"كان يحملها خارج المكان هاتفاً:
_"لوكا" تنتظركما لتلعبا معاً ..لا تتشاجروا .

يعدو الصغيران مبتعدين ليبتسم برضا وهو يراقبهم من بعيد قبل أن يتقدم ليجلس جوار أخته فيمسد بطنها بحنان ثم يقبل جبينها وهو يضمها إليه هامساً بامتنان:
_لن انسى صنيعك بشأن ديمة .
_وأنا لن أسامحك لأنك جعلتني أخفي الأمر عن عاصي ..أنا كذبت عليه وأخبرته أنها وقعت في طريق عودتها من المقابر وهذا سبب جروح وجهها ..
تهمس بها عاتبة ليتنهد بقوله:
_تعرفين حساسية وضعي بين الاثنين ..حسام وعاصي .
تمط شفتيها باستياء وهي تشيح بوجهها لكنه يعاود جذبه نحوه ليهمس أمام عينيها بصدق حار :
_من فينا بلا ذنوب يا ماسة؟! أنا الشاهد الوحيد علي عذاب صاحبي بذنبه الذي يجلد به نفسه كل يوم ..بل كل ساعة .
_وديمة هذه هي علاجه ؟!
تهمس بها باستنكار فيطرق برأسه دون رد لتردف بانفعال:
_لا تحفُّظ لي على المرأة لكنها بالفعل غير متزنة ..بالكاد تتولي شأن نفسها ..هي تحتاج لمن يعيد لها توازنها ..لا رجلاً معقداً كصاحبك ..كما أن عاصي لن يتسامح في هذا أبداً .
_وهل سيحبسها عاصي هنا لأجل سند للأبد ؟!
_حتى لو لم يطلبها عاصي هي ستفعلها من نفسها ..أنت لا تعرف كم هي متعلقة بالصغير وتعتبره ابنها فعلاً .
يتنهد فهد بحرارة وهو يشيح بوجهه هامساً:
_على العموم ..لا تشغلي بالك ..حسام أخبرني أنه لم يلتقها بالأمس إلا كي يودعها ..ورغم أني أعترض مثلك على علاقتهما لكنني تمنيت صدقاً لو وجد قلب صاحبي راحته .

_هل فاتني شيء؟!

صوت عاصي المهيب عند مدخل التعريشة يقاطع همسهما المختلس فتغتصب ماسة ابتسامة واسعة وهي ترفع ما بيدها قائلة :
_طائرة ورقية! تذكر؟!
ابتسامة وقور ترتسم علي شفتيه رغم جموح عاطفته فيتنحنح فهد وهو يقف قائلاً:
_هنا يأتي دوري لأنسحب كي لا أؤدي دور "العزول" في الفيلم .

تضحك ماسة وهي تخبطه بخفة على كفه بينما يكتفي عاصي بابتسامته وهو يسمع قوله قبل أن يغادر :
_أروح أنا الآخر للأستاذة نجتر الذكريات ..ناس لها طائرة ورقية وناس لها ندبة ذقن بمدية ! حظوظ !

تضحك ماسة من جديد لقوله بينما تلتمع بحار فضتها وهي تراقب وجه عاصي المرتاح الذي تقدم نحوها ليجلس جوارها ثم يضمها لكنفه فتضع ما بيدها جانباً ثم تمرغ وجهها في صدره وهي تتنشق رائحته هامسة:
_طوال هذه السنوات وأنا أسأل نفسي كيف تفعلها !
يرفع ذقنها إليه بنظرة متسائلة لتنظر ل"زيتونيتيه" حبيبتيها مردفة:
_كيف تجعل عناقك لا يشبهه عناق؟! كيف تجعل ضيق ذراعين يتسعان بقدر الدنيا ؟! كيف تجعل من صلابة صدر سند العمر ؟! عندما تعانقني يا عاصي فأنت لا تحتضنني فحسب بل أنت تغلفني ..تخترقني ..تزرعني ..وتحلق بي ..لا أفهم كيف يمكن أن يجتمع كل هذا معاً ..لكن هذا عهدي بك ..يا سيد الأضداد !

تتسع ابتسامته وشموسه الزيتونية تلقي ظلالها فوق بحار فضتها ..
أنامله تلامس وجنتيها بعاطفة هادرة يستشعرها قلبها بضراوة ..
قبل أن تحط شفتاه على وجنتها بقبلة عميقة سبقت عناقه التالي لها ..

_لماذا تركت القصر ؟! ألم تكن على موعد مع أبناء عمومتك؟!
تسأله ببعض الدهشة ليرد باقتضاب غامض:
_أنا طلبت من الخدم إخلاء القصر .
_لماذا؟!
تسأله ببعض القلق ليرد :
_يحيى ذهب للقاء عمه ..فأردت أن أهيئ لهما مساحة من الخصوصية ..تعلمين حساسية الأمر .

تشحب ملامحها للحظة وهي تسأله بترقب:
_تظنه سيواجهه بالحقيقة ؟!
_سنرى.
يقولها بنفس الغموض فتتنهد بحرقة لتتمتم :
_موقف عصيب ..تظن عمه سيصدقه؟!
_حتى لو صدقه ..أمر كهذا يهد أكتاف الرجال ..ليس بهين !
يتمتم بها بوقاره الخبير فتتفحص ملامحه الغارقة في التفكير ثم تبتسم قائلة:
_هل أنت ضائق بعودتنا إلي هنا ؟! بعد طول عزلتنا وانفصالنا عن الناس نعود إلي هنا ؟! القصر مزدحم بالناس ..ديمة وسند ..طيف وزوجها ..فهد وجنة ..إلياس عم يحيى ..ونزار صديق يحيى ومجد ..وحسناء وزهرة .

يغص حلقها بمرارة خفية وهي تتذكر مصاب الأخيرة ..بينما تراه يهز رأسه نفياً بقوله :
_على العكس ! هكذا أشعر أنني أحيا لأواجه لا لأهرب ..نفس الدرس الذي وددت لو يتعلمه ذاك العراقي .

تهز رأسها بتشتت لتقول بشرود :
_زهرة لن تمكث هنا طويلاً ..هي انتظرت فقط كي تحضر زفاف طيف .
تدمع عيناها مع كلماتها وهي تخفي وجهها في كتفه فيضمها إليه مقدراً حزنها ليهمس بحنانه الخبير :
_لا تجزعي ..لعل القدر أرحم بنا مما تبديه ضرباته .
ترفع رأسها للسماء فيما يبدو كتضرع دعاء بينما يشرد هو ببصره وهو يتساءل سراً بترقب ..إلامَ ستؤول مواجهة يحيى مع عمه ؟!
======
*برتقالي*
=====
تجوب الرواق ذهابا وإيابا ..ورغم مظهرها البارد لكنها كانت تشتعل ترقبا وخوفا..
خوفا عليه ..

_لن تخذلني يا يحيى ..لن تخذل نفسك ولن تخذلني ..

حديث نفسها ينقطع وهي تراه يظهر أمامها وقد بدا من أنفاسه اللاهثة أنه صعد الدرج ركضا ..
تتسمر مكانها وهي تواجه ملامحه المشتعلة بنظرات مترقبة بتساؤل لكنه يتجاهلها ليعدو كالإعصار نحو غرفة مجد الخالية فيغلقها خلفه ..بالمفتاح!!

ينعقد حاجباها بمزيج من قلق وغضب وهي تخبط الباب ببعض العنف :

_افتح!

لا يصلها منه رد فتخبط الباب خبطة أخيرة أعنف من سابقاتها وقلبها يكاد يتوقف انفعالا ..
قبل أن تستخرج من جيبها مفتاحا احتياطيا وقد توقعت حركته هذه قبل حضوره فاستعدت لها ..
هذا الذي فتحت به الباب لتغلقه خلفها قائلة ببرود مشتعل:
_ظننتك تعلمت الدرس! لا أبواب ستفصل بيننا متى أردت أنا ..

لكنه يلتفت نحوها بقوة مفاجأته لتبتلع بقية كلماتها وهي تميز مظهره الصادم ..
وجهه شديد الاحتقان ..بروز عرق جبينه ..هذه الدموع التي تكدست في عينيه الحمراوين كالدم ..
وأخيرا ..هذا الأثر لأصابع على وجنته !!

يخفق قلبها بجنون عنيف وهي تشعر بالحمية نحوه تجتاحها ..
لحظة من اللحظات القلائل التي شعرت فيها نحوه بالأمومة ..
ولوهلة تخيلت أنها يمكنها مسك يده لتهتف به بحمية أم :
_أرني من فعل بك هذا وسأحطم رأسه!

لكنها عادت لواقعهما بسخرية مريرة ..
ليت الأمور بهذه البساطة !!
كلاهما ورقة شجر زهد فيها غصنها فرماها ..وستعيش عمرها تفتقد صلابة الجذع وأمان الجذور ..

تنقطع أفكارها وهي تراه يتقدم نحوها بمظهره الرهيب ليعتصر زنديها بقوة مؤلمة ..
كلماته العاصفة كالرعد تدوي في أذنيها بلكنته العراقية فلا تكاد تعي منها شيئا ..
شوشها غضبه ..ولهفتها ..!!

تشعر بالقلق أكثر وقبضتاه تزدادان اعتصارا لبشرتها فتدمع عيناها بين خوفها عليه ..ومنه ..!
شفتاه تهذيان بالمزيد من الكلمات كأنه يعنفها على اقتحامها لخلوته ..
يعنفها بالمزيد من الاهانة وهو يرجها بين ذراعيه فيزداد شعورها بالألم ..والغضب ..
كانت المرة الأولى في حياتها التي تقف فيها موقفا كهذا ..
لو تصرفت بطبيعتها المعهودة فلن تهدأ بالا حتى تكيل له المزيد من الاهانات بل ..وربما صفعته عقابا على تطاوله ..

لكنها وسط كل هذه الفوضى من الألم ..الغضب ..الترقب ..اللهفة ..
لم تر سوى هذه النظرة الضارعة في عينيه ..

وكعهدها الذي منحته إياه ..
سمعته بقلبها ..لا بأذنيها ..!

_اخرجي من هنا ..دعيني وحدي ..لا أريد أن أراك..لا أريد ..

صراخه يكاد يزلزلها مكانها يرج الأرض تحتها بل الدنيا كلها حولها ..
لكنها تفاجئه وهي تميل على وجنته حيث موضع الأصابع المحمر بقبلة دافئة طويلة !!!
قبلة؟!
قبلة جعلته يسكن أمامها بلحظة متسمرا بصدمة كأنما سكبت على نيران غضبه دلوا من ماء ..
قبلة بدت وكأنها نزعت فتيل تماسكه ليسيل خيطا الدموع على وجنتيه وهو يكتم نشيجه ..
لكنها هي تضم رأسه لصدرها بقوة تخفي بين ضلوعها القوية وهنه الذي لا يليق برجل مثله ..
لكن إن لم يظهر في موقف كهذا ..فمتى ؟!

تعض على شفتيها بقوة تكاد تدميهما وهي تكتم شهقات بكاء ودت لو تشاركه إياه لكنها تعلمت بالطريقة الأقسى كيف تجف دموع العين عنادا في بكاء القلب!
هو الآن يحتاج قوتها ..وهي له!

دقائق الصمت تهدر بينهما بصخب مشتعل ..أنفاسه تكاد تنفث النيران على عنقها ..فلا ترد سوى بضمتها التي تزداد قوة ..
لتهمس أخيرا :
_ماذا حدث؟!

يرفع إليها عينيه ..
فقط عينيه تبوحان بما عجز عنه لسانه !!
هي تفهم هذا الشعور جيداً ..شعور القهر ..الخزي ..الخذلان !!

_لم يصدقك؟!
تسأله بين تقرير وضيق ليشيح بوجهه دون رد فتهمس له بيقين :
_سيفعل ..امنحه الوقت فالصدمة ليست سهلة .

يعاود التفاته نحوها وقد انتقل يقينها منها إليه ..ليهدأ بعض من حريق روحه ..
فأمالت رأسها لتسأله بذكاء:
_عندما طلب منك عاصي أن تحضر واحداً من أهلك ..لماذا اخترته هو ؟!
سؤالها يحمل الجواب في طياته كأنما كلماتها تُربت على جرح رجولته بكف غير مرئي لتطفئ المزيد من نيرانه وتبعث فيه بعض الأمل ..
إلياس الذي تربى معه منذ الصغر لن يكذبه ..
سيدعمه بكل روحه كما اعتاد منه !!
صحيح أن الصدمة غادرة ..لكنه يثق بإلياس كما يثق بنفسه !
صمت قصير يسودهما للحظات احتوى جلّ غضبه ..
وقرأتها في عينيه بطمأنينة أم ..قبل أمل عاشقة ..لتهدأ روحها هي الأخرى فتغمغم أخيراً بنبرة حيادية وقد استعادت "وجهها الخشبي" بينما تبعده عنها:
_أنت ساخط عليّ لأنني من ورطتك في هذا !
فيرفع إليها عينيه بحدة هاتفاً من بين أسنانه :
_أنتِ لم تورطيني في شيء ..لو أردت الهروب من كل هذا لكنت الآن في آخر العالم ..لو أردت مراوغة إلياس كنت سأجد ألف حيلة ..لكنني اخترت المواجهة ..صدَّقني إلياس أو لم يصدقني ..مضى زمن الهروب .

تكتم ابتسامة رضاها بهذه الطريقة التي تثير جنونه أكثر من ابتسامتها الكاملة ..
سديم عينيها يفضح اعتزازاً داعماً بخلت به شفتاها ..
ثم تتحرر منه لتنهض من مكانها قائلة ببرود كأن ما سبق منذ دقائق لم يكن :
_مجد تنتظرني ..لا أريد أن أتأخر عليها .
يرمقها بنظرة طويلة حارة أرجفتها ليقف معترضاً طريقها بنظرة ممتنة قرأها قلبها قبل عينيها ..
هذه هي المرأة التي كان يحتاجها حقاً رجل مثله ..!!
امرأة تعرف كيف تكون ملكته تارة ..وكيف تكون كل جنده تارة أخرى !!
امرأة تجيد ترويض غضبه -كما الآن- لتزرع بين حقوله سنابل أمان..
امرأة تجيد توجيه طاقته لتقوّم ..لا لتدمر !
الغضب الهادر في عينيه يسكن رويداً رويداً ليلتحف بسحر عاطفته ونظراته تتجول فوق ملامحها وقد هدأت حدتها ..
كأنما انقلبت بعصا ساحر من فرط الغضب ..لفرط لسكينة ..!
فتزدرد ريقها بارتباك لم يظهر على ملامحها الساخطة وهي تحاول تجاوز جسده ..

_المفتاح! لم تعد له فائدة .
يقولها ببطء متثاقل وهو يمنحها مفتاح الغرفة فتبتسم ساخرة وهي تهم برد لاذع لكنها تشهق بصدمة وهي تشعر به يطوقها فجأة ليقبل وجنتها بحرارة مشتعلة لم تسمح لها باعتراض ..
قبل أن يفلتها من بين ذراعيه هامساً ب"شبح ابتسامة":
_لا أحب ترك ديوني معلقة ..لو تقبلين الربا فيمكنني أن أزيدك !

تكتم سبة ساخطة وهي تدفعه في صدره بقوة لتغادر الغرفة شبه راكضة ..
لكنها ما كادت تفتح الباب حتى وجدت الخادمة في وجهها تقول بارتباك :
_السيد عاصي يريد رؤية السيد يحيى.
======
ينعقد حاجبا يحيى بشدة وهو يميز المكان الذي أرشدته إليه الخادمة في الساحة الخلفية للقصر والذي يبدو كمضمار رماية ..
بل إنه حقاً كذلك !!
لماذا أتى به عاصي لهنا ؟!
كي يرهبه؟!
تنقطع أفكاره وهو يسمع صوت رصاصة مدوية أصابت هدفها ليمنحه أحد رجال عاصي الواقفين سدادتي أذن تناولها بضيق ليتقدم من عاصي الذي خفض عن أذنيه سدادتهما ليلتفت نحوه قائلاً بنبرة محايدة :
_تجيد الرماية ؟!

يشيح يحيى بوجهه وسؤال عاصي يعيده لذكرياته العامرة في بغداد ..فردوسه المفقود ..
ليرد بفتور :
_كنت أجيدها .

يناوله عاصي سلاحاً ثم يشير لأحد حراسه إشارة خاصة فيتحرك الرجل لينصب هدفاً بعيداً أشار له عاصي بقوله :
_يمكنك المحاولة .

يرمقه يحيي بنظرة متفحصة وهو يشعر بالغرابة ..
هذا الرجل لا يبدو كارهاً له كما يفترض ..
بل إنه يلمح في عينيه بريق تقدير لا يفهمه !
لكنه ينفض عن نفسه تساؤلاتها وهو يرفع السلاح في مواجهة الهدف ..
لعل هذا ما يحتاجه الآن كي يفرغ انفعالاته بعد مواجهته الأخيرة مع إلياس ..
النقطة الحمراء تبدو له واضحة مكانه فيصوب نحوها مضيقاً عينيه بشدة ..ليطلق النار ..
فيصيبها !

ابتسامة ظافرة تشق شفتيه وهو يلتفت نحو عاصي الذي بادره بقوله :
_خطأ !

ينعقد حاجبا يحيى بتساؤل فيتحرك عاصي نحو الهدف البعيد ليلحق به يحيى وما كادا يقتربان من الهدف حتى انتبه يحيى لما يريد عاصي قوله قبل أن يغادر شفتيه:
_الهدف لم يكن النقطة الحمراء ..الهدف الحقيقي هو الأسود هنا في المنتصف ..اللون الفاقع شتت انتباهك ..صحيح ؟!

يلتفت نحوه يحيى بنظرة متفرسة وقد شعر أن كلماته تحمل له رسالة مبطنة خاصة باستطراد عاصي ببطء كأنه يغرس كلماته في روحه:
_سر النجاح أن تحدد الهدف أولاً دون أن يشتتك صراخ الألوان حوله ..لو أجدت تحديد الهدف فقد اختصرت نصف الطريق .

تضيق عينا يحيى بذكاء وهو يحاول قراءة لغة جسد عاصي لكن الأخير لم يمنحه الفرصة وهو يشيح بوجهه عنه وقد شعر أنه أدى واجبه نحوه بتمهيد مناسب قبل أن يلقي قنبلته:
_الرجال أخبروني أن السيدة والدتك وصلت المدينة ..لن تحتاج الكثير من الوقت لتصل إلى هنا ..أظنها أمام القصر الآن .
======
*نيلي*
======
(اسمي شادية ..وصوتي حلو )
أكمل على هذا المنوال ..


تقرأها زهرة كمنشور على أحد الجروبات الشهيرة مناقشاً ارتباط الاسم بقدَر الشخص فتبتسم ابتسامة شاحبة وهي تتابع التعليقات ..
(اسمي بسمة ..وخفيفة الظل )
(اسمي جميلة ..وملامحي فاتنة )
(اسمي ريم ..وعيناي واسعتان)

فتدمع عيناها لتجد نفسها تشارك :
(اسمي زهرة ..وعمري قصير )

تغمض عينيها بعدها وهي تغلق هاتفها لتتحسس سلسلة عنقها بدبلته التي كذبت عليه زاعمة أنها احتفظت بها في صندوق ذكرياتها .
طالما كانت تشعر بالحنق عندما كانت تقرأ الروايات او تشاهد الأفلام التي ترى فيها البطلة تشوه صورتها بنفسها في عيني البطل زاعمة أنها تضحي من أجله ..
لكن الآن وقد وضعتها الظروف نفس الموضع لا تجد نفسها تفعل سوى هذا !!

(أسميتك الرفيق رغم طول الفراق ..وبين "رفقة" و"فرقة" تظل أجمل قدر !)
تهمس بها لنفسها سراً وهي تعانق طيفه عبر عينيها المغمضتين ..
منذ علمت بمرضها عقب خروجها من السجن وهي ترددها بينها وبين نفسها كنبوءة ..
ربما لم يكن قدرها أن ترافقه لآخر الطريق ..
لكنها توقن أنه هو سيكون رفيقها لمنتهى طريقها الأخيو ولو لم يكن بجسده فكفاها شعورها اللا محدود به ..
هي عاشت لسنوات تحبه دون أمل ..فماذا يضيرها لو لفظت آخر أنفاسها وهو غائبها الحاضر ..تشتاقه عينها وهو حي بين ضلوعها !

تشعر بكف حسناء على كتفها فترفع عينيها إليها ..كانت جالسة على إحدى الأرائك في بيت عاصي الرفاعي حيث حضرت لتكون جوار طيف في حفل زفافها ..
طيف التي لم تكد تعلم بمصابها حتى ساعدتها بمالها ..بل بكل طاقتها !!

_جهاد عاد ل"أبو ظبي"!
تقولها حسناء بحذر وهي تتحرك لتجلس جوارها على الأريكة فتقول زهرة بلهفة غلبت حزنها على رحيله:
_قبلوا أن يعود للمشفى ؟!
تهز حسناء رأسها نفياً لترد :
_يتحدثون في المشفى أنه تشاجر مع ريان النذل .

تغمض زهرة عينيها بألم وهي تمسك صدرها الذي صارت تعلم علته لتهمس بخفوت:
_كل هذا كثير عليه ..يشهد ربي أنني لم أشأ أن أكون عبئاً جديداً عليه ..رغماً عني .

_لماذا فعلتِ هذا يا زهرة ؟! حتى لو كان مرضك خطيراً ..كنت دعيه يبقى معك كي ..
تهتف بها حسناء بأسى لتقاطعها زهرة بقولها المنفعل:
_كي ماذا ؟! أنا عشت كل هذا من قبل مع خالتي -رحمها الله-!! رأيتها كيف تذبل أمام عيني يوماً بعد يوم ..رأيت شعرها يسقط ..سمعت صوت صرخاتها التي لا تكاد تتوقف ..كل هذا عشته لحظة لحظة فكيف أرضى له المثل ؟!

تطرق حسناء برأسها لتسيل دموعها بصمت فتردف زهرة بشرود :
_جهاد كان يخشى الحب ..كان يخاف أن يضيع منه وطنه مرتين ..ربما تركت له جرحاً غائراً لكنه أهون من أن يعيش جواري يترقب موتي في أي لحظة ..لن تعلمي قسوة هذا الشعور ..أنا عشته من قبل ..أنا عشته !

_بالله عليكِ لا تكوني بهذا اليأس ..طيف حجزت لك مكاناً بأفضل مشفى لعلاج السرطان ..ربما ..
تهتف بها حسناء محاولة زرع بعض الأمل فيها لكن زهرة تغمض عينيها على وجعها الصامت هامسة :
_حتى "ربما " هذه ستكون مؤلمة فيما بعد ..اليأس أرحم بنا من الأمل أحياناً .

تعانقها حسناء بقوة فتتحامل زهرة على نفسها لتسألها باهتمام :
_ماذا فعل جهاد مع ريان ؟!
تزدرد حسناء ريقها بتوتر فتتفحص زهرة ملامحها لتقول بقلق:
_أنا أعرف هذه النظرة جيداً ..أرجوكِ لا تكذبي عليّ..جهاد بخير ؟!

تتردد حسناء قليلاً ثم تحسم أمرها لتقول :
_لا أدري إن كان من الصواب أن أخبرك أم لا ..أنتِ جعلتني أقسم على المصحف ألا أخبره بحقيقة مرضك رغم أني لا أوافقك على ما تفعلينه ..لهذا ربما كان من الأفضل أن تعلمي ما يقولونه لعلك تغيرين رأيك ..

_ماذا تقصدين؟!
تسألها زهرة بشحوب لتتنهد حسناء وهي تهرب بعينيها منها قائلة:
_الرفاق في المشفى يقولون أن يولاند عادت معه وصارت ترافقه كظله ..والشائعات قوية أنه ينتظر انقضاء عدتها ..ليتزوجها !
======










*برتقالي*
======
لم يدرِ يحيى كيف حملته قدماه نحو بهو القصر من جديد عندما تأكد الخبر ..
استبرق هنا !
أمه !
لعلها الحقيقة الواحدة التي بقيت ثابتة من عالمه الأول !
استبرق أمه !

يتقدم نحوها وهو يراها تقف ببهو القصر تعطيه ظهرها فيتوقف مكانه وهو يخشى لحظة التفاتها ..
هو لم يرها منذ ذاك اليوم الذي اكتشف فيه خطيئتها إلا في الصور ..
حتى عندما حضر زفاف سراب تعمد ألا يلتقيها هي وابتعد قبل أن تراه ..

تلتفت فتلتقي عيناهما ليترنح مكانه للحظة لكنه يشعر بكف عاصي في ظهره بحركة أرادها الأخير أن تبدو عفوية وهو يتقدم به نحو المرأة التي تفحصها عاصي بدوره بنظرة خبيرة ..
النظرة الأولى لملامحها الفاتنة الطفولية كدمية -رغم سنها- تعطي انطباعاً بالبراءة ..
لكن منذ متى انخدع عاصي الرفاعي بانطباع النظرة الأولى؟!

_يحيى!
تهتف بها استبرق بلهفة حقيقية لا تدعيها وملامحها تصرخ بالشوق ...
عيناها تجريان فوق ملامحه التي تغيرت نسبياً منذ آخر مرة رأته فيها كأنما كل نظرة عناق !!
جسدها يرتجف بانفعال هادر وهي تفرد له ذراعيها فيرتعد جسده مكانه وهو يغمض عينيه بقوة !!
الآن فقط يتمنى لو تنبت لقلبه ألف يد ..
يدٌ واحدة منها تقتلها ..تقتص منها على خطيئتها ..
والبقية؟!
البقية كلها تعانقها !!!
ألهذا هرب طوال كل هذه السنوات مفرغاً غضبه منها هي في كل النساء؟!
ألأنه أدرك أنه مقيدٌ فطرياً بحبها وأنه لن يمكنه أبداً أن يؤذيها ؟!!

_يحيى؟!
تهتف بها من جديد بصوت أقوى ..وأدفأ ..
فكأنما تعيده لعمر قديم ..وعهد قديم ..وجرح قديم !
كأنها تطفئ نيراناً وتشعل أخرى!

_يحيى!
هذه المرة كان الصوت أقرب ما يكون وهو يشعر بصدرها يلاصق صدره ..
ذراعاها يطوقانه قبل عطرها الذي لم تغيره طوال هذه السنوات وإن فاح منه الآن خبث الخيانة !
لا يزال يغمض عينيه بقوة وهو يشعر بالأرض تميد من تحته ..
قبلاتها الحارة على وجهه تذكره بلقاءاتها العاصفة المرحبة عندما كان يعود من أسفاره في الزمن القديم فيجدها تنتظره والشوق في عينيها يحكي ألف حكاية والحب في عينيها يحكي ألف حكاية و..الفخر في عينيها يحكي ألف حكاية ..
الفخر الذي انطفأ كقنديل قديم لا يظنه سيعود يضيئ في شوارعه أو شوارعها!

أحد ذراعيه يخونه فيضبطه متلبساً وهو يرتفع نحو خصرها ببطء متسلل بينما بقي الآخر متجمداً جواره كأنه ..فارق الحياة !

وعلى أعلى الدرج وقفت طيف تراقب المشهد بمزيج من غضب وغيرة ..
غيرة برية تليق بامرأة مثلها وهي تظن نفسها الأولى بهذا العناق الآن من هذه "الدخيلة"!
فاتنة ؟!
كثيراً في الواقع !!
ليس فقط جمالها الصارخ الذي يبدو أن ابنها ورثه عنها بل مظهرها الذي يبدو أصغر سناً بكثير وهذه البراءة الكاذبة التي تنضح على ملامحها ..
لم تتعجب العداوة الكارهة التي ملأتها نحوها في هذه اللحظة بالذات وهي تراها تحتضن يحيى بهذه الحميمية وكأنه ابنها -هي طيف- وليس ابن تلك "الغريبة"..
لكنها تعجبت شعورها هي ب"الضآلة" في موقف كهذا ..
كأنها محت تاريخ كل هذه السنوات التي عاشتها تتسلق سلم مجدها درجة درجة وعادت مجرد خادمة تمسك جلباب أمها تتسول الرزق ..
هذا الشعور الذي زرع غصة هائلة في حلقها وهي تهبط الدرج نحوهما لتتوقف على بعد خطوات منهما ..
لم تعرف كيف تحرك عاصي ليكون فجأة جوارها لكنها عرفت متى تحرك كفها هي ليعانق كفه ..!
حركة خطيرة لامرأة بتاريخها لكنها الآن توقن أن عاصي الرفاعي يستحقها ..
أن عاصي الرفاعي حقاً أخوها!!

يفتح يحيى عينيه فجأة بين ذراعي استبرق وكأنه شعر بوجود طيف فلا يدري هل شم أنفه عطرها أم أن قلبه كعهده سمعها قبل أذنيه ..
يستمد من سديم عينيها قبساً يحتاجه في هذه اللحظة ليعود بظهره للخلف فيكون أول ما يلمحه من أمه ..سلسلة عنقها باسمه ..

_أبوك أهداني إياها بعد ولادتك ..كانت حديث النساء كلهن في بغداد بثمنها الباهظ وقد حرص أن ترصع كلها بالماس ..وضعها حول رقبتي فشعرت أنها -مثلك- أمان عمري كله ..أجل يا يحيى ..لم تكن فقط أماني من معايرة الناس لي بعدم الإنجاب ..ولا أمان أبيك الذي كان يخشى ألا يرى من يحمل اسمه ..لكنك كنت أماننا معاً من انهيار زواجنا الذي كان قد بدأ تصدعه تحت وطأة ضغوطنا ..فأتيت أنت لتنقذ كل هذا ..لهذا لن أخلعها عن عنقي أبداً ما حييت .

يذكرها بصوتها كما سمعها منها منذ سنوات طويلة فتشتعل حدقتاه بغضب حارق وهو يواجه عيني استبرق بهذا القرب ..
عينيها التي تبدلت أطيافها في ثوان بين اشتياق.. لذنب.. لترقب ..
ثم لبرود تام أسدل الستار على حدقتيها وهي تهرب بنظراتها منه نحو عاصي لتختاره أن يكون أول من تحدثه بقولها :
_عفواً سيد عاصي ..أعتذر أنني جئت دون موعد ..لكن لهفتي للقاء يحيى بعد كل هذه السنوات غلبت كل شيء .

_مرحباً بك سيدتي ..السيد يحيى صار منا وما يخصه يخصنا .
يقولها عاصي بوقاره المهيب ولهجته المهيمنة تتراقص بين إجلال وتهديد خفي استشعرته حاستها الأنثوية ..
لتنتقل عيناها بسرعة نحو هذه "الخطيرة" التي استشعرت خطورتها من أول نظرة ..
تضيق عيناها بتفحص وهي تتفرس ملامح طيف العادية محدودة الجمال ..شعرها القصير ..جسدها النحيل فقير الأنوثة رغم رشاقته ..تقارن عفويا بينها وبين جمال سراب ..هل صارت هذه مواصفات يحيى في امرأته ؟!
ابتسامة مريرة لم تصل شفتيها وهي تتذكر ..يحيى الذي تعرفه لم تكن له مواصفات جمال تعنيه في امرأة ..يحيى الذي تعرفه لم يكن يرى من النساء سوى سراب فحسب ..!


عيناها تدوران بنظرة سريعة على ملابس طيف وطرازها شديد الأناقة بهذه الماركات العالمية التي خالفت فكرتها عن المكان قبل حضورها خاصة وقد جاءت فجأة دون موعد قبل أي فرصة لتجهيز ..فتعاود رفع عينيها لوجه طيف ليقشعر بدنها برجفة خفيفة وهي تميز هذه الشرارة الخاطفة في عينيها ..
هذه المرأة ربما ليست جميلة..
لكنها تمتلك جاذبية خطيرة في زوج من عينين بريتين ..
يزداد شعورها بالخطر وهي ترى هذه النظرة الخاصة التي امتد حبلها بين ابنها وهذه المرأة لكنها تتمالك نفسها بحنكة لتقترب من طيف بابتسامة شديدة العذوبة زادت فتنة ملامحها لتمد لها يدها في مصافحة استجابت لها طيف على مضض بملامح جامدة لتعانقها استبرق بخفة مع قولها:
_مبارك يا ابنتي ..تسمحين لي بقولها ؟!
تكز طيف على أسنانها مانعة لسانها السليط بالقوة من الحركة لكن تشنج جسدها يبدو واضحاً وقد اضطرت لترك كف عاصي فزادها هذا عصبية ..
لكن استبرق تلتفت نحو يحيى مردفة:
_لن أسامحك أبداً على أنك ضيعت فرحتي بحضور زفافك على امرأة .."مميزة" ..كهذه!

ثم تعاود الاستدارة نحو طيف بكامل وجهها لتستخرج من جيب حقيبتها علبة صغيرة مخملية فتحتها امامها ليلمع البريق الماسي للخاتم الصغير في الأضواء واشيا بقيمته مع قولها :
_عفوا ..حضرت بسرعة فلم أتمكن سوى من إحضار هذا ..اعتبريها هدية مؤقتة حتى نعد لكما عرسا آخر يليق بكما في بغداد ..مرحبا بك في عائلة الأمين ياابنتي .

ترفع طيف عينيها إليها بحدة خاطفة تتفحص ملامحها التي بدت لها متناقضة ..هذه البراءة على وجهها لا علاقة لها بهذا البريق المتملك في العينين الجسورتين ..ما الذي تنتويه هذه المرأة بالضبط ؟!
تتناول منها العلبة قسراً بشكر جاف لتغلقها بعنف متعمد ..
ورغما عنها وجدت نفسها تقارنها بأمها ..أمها التي عاشت عمرها تحمل وزرا لم يكن لها ذنب فيه فلم يحمله عنها سوى القبر ..أما هذه المرأة فتبدو لها رغم هذا اللطف الظاهر كأنها تملك جبروت حماد الرفاعي نفسه ..
لو كانوا يطلقون عليها هي لقب (أنثى عنكبوت) فهذه المرأة (أنثى عقرب) بلا منازع!

وفي مكانه لم يكن يحيى أفضل حالا وهو يشعر بالتخبط كأنما يصارع موجا غير مرئي ..
كابوس آخر يود لو يستيقظ منه ليعاود الهروب مع نزار ومجد فلا يوقفهما شاطئ ولا يحتجزهما بر..
بغداد؟
تتحدث عن العودة لبغداد ؟
هل صار الأمر وشيكا حقا إلى هذا الحد ؟!
يالله !!
كل هذه الضربات المتتالية تكاد تفقده صوابه !!

_بل مرحبا بك أنت في بيت الرفاعي يا سيدتي .

صوت عاصي المهيب يفرض نفسه بسلطته القاهرة فوق الجميع فتلتفت نحوه استبرق بنظرة طويلة متفحصة ثم تقول بابتسامة :
_شكرا سيد عاصي ..لدينا المزيد من الوقت للتعارف بالتأكيد ..لكن اسمح لي أولا أن أعتذر بالنيابة عن يحيى لأن بقية العائلة لم تتمكن من الحضور .

_من أخبرك ؟

صوت يحيى المتحشرج يخرج أخيرا لكن عينيه بقيتا عاجزتين عن التطلع نحوها ..
ولم تكد تفتح فمها لتجيب حتى ظهر إلياس بصوته المصدوم :
_استبرق.

يرمقه يحيى بنظرة متهمة عاتبة لكن استبرق تبرئه بقولها :
_لا تلم عمك يا يحيى ..هو لم يخبرني عن شيء..لكنني سمحت لنفسي بتتبعه عندما غادر بغداد هكذا فجأة كي أطمئن عليه ..

تقولها لتلتفت نحو يحيى مردفة :
_تعلم أن إلياس بمكانتك عندي تماما ..وأنا لا أفرط في شأن عائلتي .

يكز يحيى على أسنانه بغضب مكتوم ..
هذه هي استبرق التي يعرفها بقوتها وقدرتها على التحكم في جميع الخيوط ..
كان يجب أن يعلم وهو يستدعي إلياس فجأة بهذه الطريقة أنها لن تمرر موقفا كهذا لكنه لم يحسب حساب تحركها بهذه السرعة ..

فيما تستمر هي بالحديث وهي تتحرك برشاقة وذراعاها يلوحان بحركة هيمنة ارستوقراطية رقيقة نحو عاصي لتقترب منه كثيرا بقولها:
_سيد عاصي! من جديد أطلب منك ان تعذرنا لأن الوضع قد يبدو لك عائليا غريبا ..لكن إذا عرف السبب بطل العجب كما يقولون ..ابني يحيى انفصل عن العائلة منذ سنوات وترك بغداد كلها بسبب خلاف عائلي مع عمه لأنه رفض تزويجه بابنته التي كان يعشقها حد الجنون ..

تقول كلمتها الأخيرة وهي تختلس نظرة جانبية نحو طيف التي بدت في وقفتها كجواد هائج يقيدونه قسرا ..
فيما تردف استبرق بنفس النبرة :
_كان هذا في الماضي طبعا ..تعرف نزق الشباب ..وأظنه تجاوز هذه العثرة بدليل زواجه من أختك .

هنا تسمح طيف لشهقتها الساخرة المعهودة الذي تطلقه شفتاها بتميز يكاد يخصها وحدها وقد فطنت لما تريد استبرق فعله ..فاقتربت منها لتضع علبة الخاتم جانباً ببعض العنف قائلة بفظاظتها المستفزة :
_تبدين وكأنك تسكبين الكلام دفعة واحدة كأنك تخافين أن يقف في حلقك ..اجلسي أولاً والتقطي أنفاسك واطمئني ..لن يذهب أي منا بعيداً في وقت قريب .

تشتعل عينا استبرق بغضب للحظة ..غضب تحول لوعيد لم يظهر على براءة ملامحها وهي تبتسم لتجلس بحرج قائلة بصوتها الرقيق:
_شكرا لدعوتك ياابنتي ..رحلة السفر كانت متعبة حقاً .

_بابا! ماما !

صوت مجد الرقيق يقاطع الحدث وقد ظهرت مع نزار الذي تقدم بكرسيها وعيناه مسلطتان فوق ملامح يحيى بدعم صامت وتوبيخ خفي ..كأنه يلومه على سابق قراره بالبقاء ..

تقترب مجد لتمسك كف يحيى بأحد قبضتيها وكف طيف بالآخر بينما تنظر لاستبرق ببعض الخوف الغريزي الذي بقى لديها من الغرباء ..
فتنحني طيف لتعانقها بقوة قبل أن تمد كفيها أحدهما لمجد والآخر ليحيى ليشكلوا معاً مثلثاً ثم تقول بخفوت حان مع غمزة خفيفة:
_قيمر .

يختلج قلب يحيى وهو يشعر بأن هذه الكلمة لا تخص مجد وحدها هذه المرة ..بل تعنيه هو الآخر ..لهذا يشد على كف طيف في قبضته بقوة ليصله صوت استبرق الحذر:
_من "الحلوة"؟! هلا يفهمني أحدكم ؟!

تقولها وهي تذكر ما قاله لها العم مؤيد سابقاً عن الطفلة التي تلازم يحيى وصاحبه لكنها أرادت المزيد من الفهم فادعت الجهل ..

لكنه كان دور إلياس ليتدخل مخاطباً استبرق بقوله:
_أنا سأتولى الأمر ..سأفهمك كل شيء ..
يقولها ثم يلتفت نحو عاصي مردفاً :
_ عفواً سيد عاصي ..أعرف أن الوضع مربك قليلاً ..لكنني أريد الاختلاء بزوجة أخي قليلاً .

تضيق عينا يحيى بغضب يائس وهو يرمق إلياس بنظرة متفحصة ..إلياس الذي اكتفى بإشارة عاصي له ليتجه مع استبرق نحو الغرفة التي خصصها له عاصي..
ليتابعه يحيى بعينين مشتعلتين لولا هذه الحركة التي بدت عفوية وإلياس يكور قبضته ليخبط بها فخذ يحيى بخفة بينما يغادر ..فيطبق يحيى شفتيه على آهة خافتة ويغلق عينيه على دمعة شقها الوجع نصفين بين حنين وغضب!

_بابا !
هتاف مجد يمنحه بعض السكينة وهي تفتح له ذراعيها لينحني لها معانقاً قبل أن يسمعها تسأله :
_من تلك المرأة ؟!
يصمت للحظات يشعر فيها بالمزيد من الوجع يشق روحه ليهمس لها بصوت متحشرج :
_أمي .
_حقاً؟!
تهتف بها بفرحة طفولية لكنه يستقيم واقفا شاعراً بالاستنزاف لتقول طيف وقد شعرت بما يعانيه فآثرت ابتعاده :
_تبدين ناعسة ..يمكنكما الصعود للأعلى والنوم قليلاً .

يربت نزار على كتف يحيي بنظرة دعم صامتة أغنته عن الكلام قبل أن يزفر زفرة مشتعلة وهو يغادر القصر نحو الحديقة مدركاً أن صديقه الآن يجتاح أقسى معاركه ..

ولم تكد طيف تشعر بخلو المكان إلا منها ومن عاصي حتى التفتت نحوه ..تقترب منه بخطوات متثاقلة وامتنانها يدفعها دفعاً لإخباره بالحقيقة ..لكنها كانت لا تزال تخشى العواقب وسط ضبابية كل هذه الأحداث ..
هل من الأفضل أن تخبره أن يحيى ليس سيئاً كما أخبرته ؟!
أم من الأفضل أن تترك الأمور كما هي لعلها تحتاج كذبتها فيما بعد ؟!

_كنت أريدك أن تعلم شيئاً ..بخصوص ..يحيى ..

ترددها الهامس يبدو غريباً على طبيعتها المعهودة لكنه يقرأ بخبرته حيرتها في عينيها فتلتوي شفتاه بشبه ابتسامة :
_لا أحتاج لأن تخبريني بشيء!
ترفع إليه عينيها بحدة وهي تحاول فهم ما يعنيه لكنه كعهده أجاد السيطرة على عينيه وهو يردف :
_قولي فقط أنك راضية ومطمئنة ألا أحد يجرؤ أن يمس ظفراً منك بأذى .
تدمع عيناها دون رد وكفها يمتد نحو كفه ببطء لتقبض عليه بقوة تمنحه الجواب فتكتسي شفتاه بابتسامة حقيقية وهو يقول بصوته المهيب الذي يمزج هيمنته بعاطفته:
_زوجك صار من عائلة الرفاعي ..قيمته هنا من قيمتك وقيمتي .

كل كلام الدنيا لن يمكنه وصف شعورها في هذه اللحظة !

يحسدونها علي نعمة الكتابة وقدرتها على وصف المشاعر لكنها في هذه اللحظة كانت عاجزة عن الفهم ..ناهيك عن الشرح ..
كأنه ب"جرة قلم" شطب سنوات حرمان طويلة !
ولأول مرة تجرب معنى غصة الحلق عن اكتفاء رضا لا عن مرارة ألم !
يشير لها عاصي للأعلى إشارة ذات مغزى فتعبث بأناملها في شعرها بحركة عصبية وهي تختلس نظرة نحو الغرفة الجانبية حيث اختفى إلياس مع تلك "العقربة" قبل أن تزفر بسباب خافت وهي تصعد الدرج للأعلى ..

تفتح غرفة مجد لتجده مستلقياً جوارها على الفراش فتتحرك مقتربة لتستلقي علي الطرف الآخر من الفراش جوار مجد التي بدت غارقة في نعاسها ..

تصمت قليلاً ثم تسأله بغتة:
_ما الذي كانت تعنيه هذه الحركة من عمك ؟!

يبتسم رغماً عنه لذكائها وقد انتبهت لحركة إلياس رغم تعمد الأخير إظهار عفويتها ..ليهمس بشرود متعَب عبر صوته الكسير :
_حركة اعتدنا عليها عندما كنا صغاراً..إلياس ليس عمي فحسب ..إلياس أخي وصديقي ..طالما كانت هذه حركتنا السرية التي كان يطمئنني بها بعد كل مرة يداري فيها أخطائي السرية عن والديّ ..عندما كنت أتهرب من دروسي ..عندما كنت أشاهد مباريات الكرة علي التلفاز أوقات اختباراتي ..عندما كنت أغافلهما بالسفر مع رفقائي ..وعندما كنت أواعد سراب ..

همسه يصبح شديد الخفوت في عبارته الأخيرة فيشتعل قلبها بين ألم غيرة استسخفته ليتحول لحرقة كاوية وهي تحاول تصور شعوره في هذه اللحظة ..
كانت تظن نفسها عاشت مأساة حتى عرفت حكايته هو ..
على الأقل ..هي ارتشفت كأس مرارتها ببطء حتى اعتادته ..
لكنه هو عاش عمراً أميراً فوق قمة جبل أجبروه في لحظة غدر أن يهوي من فوقه !

_كانت هذه حركته دوماً ليخبرني أنه معي حتى لو أخطأت ..تتصورين معنى أن يعيدها اليوم ..الآن بالذات ؟!

تبتسم رغماً عنها وهي تشعر ببعض الارتياح ..
لم تلتفت نحوه وكذلك هو ..
لم يكن أحدهما في هذه اللحظة بحاجة لرؤية صاحبه رؤيا عين ..
فالقلوب الآن أبصر !

_لماذا تظنها جاءت ؟!
تسأله عن إستبرق ليرد بصوته الخافت الذي يتباعد أكثر وأكثر ..:
_غداً ..غداً ..غداً أستعيد صفاء ذهني ويمكنني التفكير ..الآن ..لا أريد سوى ..

صوته يتلاشى فلا تدري هل استسلم للنوم تعباً أم هروباً ..
ولا تلومه كثيراً في الواقع بعد ما لاقاه من هذه الصدمات المتتابعة ..

تبقى متيقظة لساعة كاملة بعدها مكتفية بعناق مجد لكنها كانت تسمع أنينه المكتوم في نومه لتنهض من رقدتها بحذر ..ترى العرق وقد تجمع فوق جبينه فلا تحتاج لكثير من الذكاء كي تدرك أنه يرى كابوساً ..
تباً!
كيف يمكنها أن تقاوم ؟!
تتنهد بحرقة لتطلق سبة خافتة ثم تنهض لتزيح مجد جانباً برفق شديد كي لا توقظها ثم تتخذ مكانها بينهما ..
تفرد ذراعها ببطء لتسند رأسه النائم على صدرها !
تغمض عينيها وهي تتذكر هذا العهد البعيد عندما كانت أمها تضمها بهذه الطريقة فتتلو علي مسامعها آيات بسيطة من القرآن ثم تحذرها من تقبيلها بعدها زاعمة أن القبلة تفسد الرقية !
فتدمع عيناها بفيض عاطفتها وأناملها تداعب خصلات شعره الناعمة على صدرها مرددة تلك الآيات ..بينما أناملها الحرة تمسد جبينه تمسح عرقه الخفيف دون غضاضة حتى تستسلم للنوم بدورها ..

يستيقظ بعد ساعات مهدود الجسد ليرفع رأسه بآهة توجع قبل أن ينتبه لوضعهما ..
رأسه على صدرها وراحتها الدافئة تغفو بحنوّ قوي يشبهها فوق وجنته فتغلبه ابتسامة عاطفته وهو يراقب ملامحها النائمة بعشق جارف ..
يعرف كم كلفها الأمر من عناد كبريائها أن تختار نومة كهذه لكنها كانت توقن أنه يحتاجها .. تماماً كما يوقن الأن هو !
يتناول راحتها يقبلها بعمق ثم يعيدها لوجنته حيث أرجع رأسه ليستقر على صدرها مستسلماً لنوم أهدأ هذه المرة ..
يوماً ما سيشكرها على كل هذا كما يليق ..
فقط عندما يستعيد كينونته !
======









*أحمر*
=======
_را...را ..!
يناديها إبراهيم وقد قدم لتوه بعد يوم عمل طويل مستخدماً هذا اللقب الطفولي الذي يناديها به سامي الصغير وقد شعر أنها تعشقه أكثر من اسمها فصار يدللها به ..
يشعر ببعض القلق ولا رد يصله خاصة وقد اعتاد أن يجدها في انتظاره كل يوم ..كانت تفعلها في الشرفة لكنه نهاها عن هذا غيرةً ..فصارت تنتظره هنا في صالة شقتهما بهذه اللهفة المغالية التي اعتاد مبالغتها ككل شيء فيها ..

يضع ما بيده جانباً وهو يعيد نداءه ثم يتنهد ببعض الارتياح وهو يدخل غرفتهما لتقع عيناه عليها جالسة على فراشهما تعطيه ظهرها لكن رجفة جسدها المتتابعة تجعله يهرع إليها لتتسع عيناه بارتياع وهو يميز وجهها الغارق في الدموع فيجلس جوارها ليحتضنها بقوة هاتفاً :
_ماذا حدث؟! لماذا تبكين هكذا ؟!

ترفع إليه كفها بما تحمله فينعقد حاجباه بشدة وهو يميز شريط اختبار الحمل الذي أشار لخط واحد فقط كناية عن عدم حدوث حمل ..ليهمس بخفوت ضائق وهو يتناوله منها ليضعه جانباً:
_لا حول ولا قوة إلا بالله ..ظننت الأمر جللاً!

تزداد رجفة بكائها بين ذراعيه وهي تهمس بألم :
_لن تفهم ماذا يعني هذا الأمر لي ..لن تفهم ..

عاطفته نحوها تغلبه فتزداد قوة ضمه لها وهو يقبل وجنتها هامساً بحنان :
_والله لا أكف عن الدعاء بهذا الأمر ..لأجلك لا لأجلي ..لكنني لا أريدك أن تدوري في هذا الفلك وحده ..لا يزال زواجنا في أوله ..أمامنا العمر كله .

_العمر كله!
تتمتم بها بحسرة ملتاعة وهي تخفي وجهها في كتفه ..
ماذا عساها تخبره عن هذا الرعب الذي تعيشه هنا والذي يزداد في كل تقضيها هنا ..؟!
كل دقيقة تساوي عمر ..وكل دقيقة تساوي الخوف من موت سيصرعها في أول لحظة تنكشف فيه الحقيقة!
ربما ..ربما لو حظيت منه بطفل كان هذا تذكرة عفو !
حتى ولو لم يكن ..كفاها ستحتفظ منه بجزء من روحه يكبر معها فلا يتركها أبداً حتى ولو تركها هو !

_حبيبتي ..
يهمس بها مدللاً بحنان وهو يربت على رأسها ..
يالله!
حتى حنانه صار يخزها بالألم ..يحشوها بالذنب ..
لهذا تبتعد بجسدها عنه لتخفي وجهها بين كفيها فيترك لها مساحة حزنها الخاصة وقد كان يرى ربيع يفعل هذا مع أمه ..مكتفيا بالصمت للحظات وهو يربت على ركبتيها ..

_لن تكفي عن البكاء؟!
يسألها أخيراً بحنان عاتب وهو يضمها إليه لكنها تعجز عن منع دموعها فيميل بها فوق الفراش بسرعة خاطفة ..
ليحرك سبابته ووسطاه تباعا في خط سير طويل من كعبيها مرورا بساقيها وعلى طول جسدها في دغدغة لطيفة انتزعت ضحكاتها قسرا وهي تحاول التملص من ذراعه المقيد لها عبثا ..

_ابراهيم ..لا ..لا ..لا احتمل الدغدغة ..لا ..

صرخاتها الضاحكة ذات الدلال الفطري تصيب سهامها في قلبه فتتلقفها روحه قبل أذنيه وهو يضمها إليه بقوة وشفتاه مشغولتان بين ضحكات وقبلات ..

لينتهي بها المقام فوق صدره النابض بخفقاته وقد شرعت أنامله تمسح بقايا دموعها على وجهها ..

_أحضرت لك هدية باسمك ..

تلتمع عيناها بفرحة ملهوفة وهي تميز السلسلة التي استخرجها من جيبه ..
فرحة تحولت لخيبة لم يفهمها وهي تشعر بحبل خطيئتها يضيق حول عنقها أكثر ..
أي اسم ؟! أي اسم ؟!! سمرا ؟! بالتأكيد سمرا !

لكن خيبتها تستحيل لشعور غريب وهي تميز الاسم الذي كان على دلاية السلسلة ..!!!!!

لتتسع عيناها بانفعال طاغ وهي ترفع نظراتها نحوه ..

_(حبيبة إبراهيم)

تضحك من قلبها وهي تود لو تشكره ألف مرة أنه لم يحدد الاسم ..
ليتها تبقى هكذا فحسب ..فلا يعنيه اسمها هي مادامت أولاً وأخيراً هي حبيبته ..وكفى!

_هكذا أنتِ دوماً ..حبيبة إبراهيم ..

يقولها بحماس عاطفي وهو يضغط الدلاية الفضية بشكل القلب قليلاً لتنزاح كاشفة عن أخري بلون معدني وردي ..وقد نقش عليها ..

_(الرامية القرمزية)

تنطقها بغرابة فيرفع ذقنها نحوه هامساً بشرود حانٍ:
_هكذا كنت أراكِ في الماضي ..رامية سهام قرمزية الثوب تجيد تصويب سهامها نحو ما تشاء ومن تشاء .

تسبل جفنيها ببعض الذنب وهي تتذكر لعبة النرد التي بدأتها معه ..
لكنها تفيق على صوته وهو يزيح الدلاية الثانية التي تشابكت مع شبيهتها "الذهبية" بنفس شكل القلب ..والتي نقش عليها اسمها الثالث :
_(أم حسن)

_وهكذا أنتِ في غدي ..أم حسن ..عوض الله لي ولأبي ..وفرحتك أنتِ.

يهيأ إليها أنها لم تسمع صوته أكثر عذوبة مما كان في هذه اللحظة ..
لا تستطيع أن تمنع دموعها الآن إنما ليست دموع ألم أو خوف ..بل دموع حب وأمل !

تراه يعيد تنسيق الدلايات الثلاث لتبدو كدلاية واحدة ظاهرها (حبيبة إبراهيم).. هذه التي تراقصت على جيدها بعدما ألبسها إياها ..
فتضم رأسه لصدرها تتنشق عبيره بقوة ثم تردد همسها المعهود الذي لا يمل منه كلاهما :
_أحب رائحتك .

يضحك لها ضحكة قصيرة عاطفية وهو يقبل شفتيها بنعومة هامساً :
_وأنا أحبك كلك ..فقط لو تكفين عن هذه "الدراما"!
_تراني كئيبة ؟!
تهمس بها بين دلال وخزي فينثر قبلاته على وجهها كأنه يمحو أثر دموعها ثم يهمس أمام عينيها :
_أنا فقط أشفق عليكِ من كل هذا الخوف ..لا أحتاج لطفل ليجمع بيننا ..أنت صرت حبيبتي وابنتي وأمي ..لا تعرفين كم أعد الدقائق في غيابك كي أعود إليك .

تبتسم أخيراً ابتسامة مرتاحة وهي تريح رأسها على كتفه للحظات لكنه يقف ليوقفها معه هاتفاً:
_تعالي وانظري ماذا أحضرت لك معي !

يتحرك بها نحو الخارج وبالتحديد نحو هذه اللفافة الورقية التي أحضرها معه ليفتحها أمام عينيها اللتين اتسعتا بتساؤل وهي تميز أقراص الحلوى بشكلها المميز ..

_"مشبّك" ! تحبينه؟! أحد الزبائن طلب مني توصيله في مشوار خاص لدمياط ..أحضرته من هناك ..ف"مستر ربيع" يحبه .

يقولها بانطلاق فتبتسم وهي تفكر بشرود ..سمعت عنه لكنها لَم تذقه يوماً ..فادي طليقها الأخير كان يحب حلوى شامية تشبهه لكنها لا تذكرها تماماً كما هي -بالكاد- تذكره ..
يالله ..كأنما كل ما فات من ماضيها عمر رمته خلف ظهرها كخرقة بالية وعمرها الحقيقي هو حياتها هنا !

تضحك متفاجئة وهي تراه يقطع من قرص "المشبك" قطعة صغيرة يقربها من شفتيها فتقضمها بتلذذ ثم تفعل المثل معه فيسيل بعض من عسل الحلوى علي ذقنه لتتلقفه شفتاها بشقاوة عاطفية حارة لم يعد يتعجبها منها ..بل أدمنها بكل طريقة !

كأنما هوسها المبالغ فيه به قد عوض سابق شعوره من قبل بالزهد في كل البشر ..
الدرويش صار أسير عشقها متى أدرك أنها هي الأخرى صارت أسيرة قبله !

_نحن لم نسافر بعد زواجنا كما يفعل الجميع ..ربما هذا ما يؤثر على مزاجك خاصة وأنت لم تعودي تذهبين للفرن مع أبي كالسابق ..يمكنني حجز ليلة أو ليلتين في أحد الفنادق بإحدى مدن الساحل..ما رأيك ؟!

تشعر بكراهة الفكرة وهي تخشى الخروج من هذا الحي فيتعرف إليها أحدهم ..لهذا تبتسم له قائلة :
_لا ..لا أحب هذه الأماكن ..أقصى سعادتي أن أبقى هنا معكم ..لكن ..يمكنني أن أطلب ..

تتردد قليلاً فيحفزها بنظرة عينه لتردف بتنهيدة حارة :
_ربما أحتاج فعلاً نزهة قصيرة لساعة على الأكثر ..لو لم تكن متعباً يمكننا الخروج بسيارتك الآن .

_تأمرين يا (أم حسن)!
اللقب يدغدغ عاطفتها خاصة بلهجته فائضة الرجولة ..وافرة الحنان فتعانقه بقوة وهي تتلقف كفه الذي يربت على شعرها لتقبل ظاهره بامتنان .
تدمع عيناها وهي تفكر .."يسرا الصباحي"لم تقبل يد رجل من قبل ..
لم تفكر في فعلها حتى في أوج عاطفتها مع أحد من أزواجها السابقين ..
لكن مالها ويسرا ..
هي معه سمرا التي تود لو تقبل يده كل ساعة ..بل كل لحظة دون غضاضة ..
لا قبلة خضوع بل قبلة انتماء ..
انتماء! هذا الشعور الذي لم تعرفه حقيقة إلا هنا !

تتحرك لتبدل ملابسها ..تختارها محتشمة بعناية ثم تخرج إليه فيبتسم لها وهو يثني لها ذراعه لتتأبطه ..
يغادر معها نحو سيارته فتستقلها جواره ليقطع بها شارعهم البسيط ..

_أفهم من جو "الصعبانيات" الذي وجدته عندما عدت ألا عشاء ينتظرني بعد عودتنا ؟!
يقولها مشاكساً فتضحك وهي تشير لصدرها بفخر :
_بالطبع لا ..أنا أعددت لك "المحشي" الذي تحبه بطريقتك ..وصنعت نصيب مستر ربيع "ني في ني" لأجل صحته .
_"نيّ في نيّ"؟!
_هم يقولونها هكذا ..تعبيراً عن عدم "تسبيك" الصلصة كي تكون خفيفة وصحية أكثر !
_"يا سيدي"! صرت خبيرة !
يقولها بين مرح واعتزاز فتضحك بفخر حقيقي وهي تسند رأسها للمقعد لتنظر لجانب الطريق ..فتتسع عيناها لما تراه ..
ينعقد حاجباها وهي تمد رأسها قليلاً خارج زجاج النافذة تتأكد مما تراه قبل أن تزم شفتيها بقلق غاضب ..
سندس!
واقفة مع أحد الشباب في شارع جانبي مظلم في هذا الوقت !

_ماذا بك؟!
يسألها لتلتفت نحوه بابتسامة مصطنعة تهز رأسها ألا شيء ..
لكن عقلها بقي مشغولاً بتلك الفتاة التي تلاحظ غرابة تصرفاتها مؤخراً ..
لا بأس ..ستنظر في هذا الأمر غداً!

_تذكرين ركوبك معي هذه السيارة أول مرة ؟!
سؤاله ينتزعها من أفكارها لتتركز مشاعرها تماماً معه وهي تتذكر بدورها هامسة :
_كانت أغرب ..وأجمل صدفة !

_أنا أدين لهاتفك ..لو لم يسقط هنا في سيارتي لما دخلتِ حياتي .
يقولها بهدوء عفوي لتميل رأسها على كرسيها فتكون أقرب ما تكون منه ثم تقول بتردد :
_هل أعترف لك بشيء ؟!
تتسع عيناه قليلاً وهو يقرأ ملامحها ثم يضحك قائلاً بين تعجب ومرح:
_لا تقولي أنك تعمدتِ إسقاطه هنا كي تلتقيني من جديد .

تدمع عيناها باعتراف صامت فتمتزج ضحكته بضيق خفي وهو يخفف سرعة السيارة بينما يسمعها تغمغم :
_ولو لم يسقط هاتفي كنت سأجد ألف طريقة أخرى ألتقيك بها .

_ألم أدعوك "الرامية القرمزية"؟!
نبرة الضيق تزداد وتيرتها في كلامه رغم مرحه فتبسط راحتها على ساعده لتسأله بوجل:
_لماذا أشعر أن اعترافي هذا ضايقك ؟!
فيهز رأسه ليغمغم بشرود :
_لا شيء غير أني ضائق قليلاً أنك لم تخبريني إلا الآن .. لا أحب أن يفاجئني خبر بشأن من أحبهم ..أي خبر ..خاصة بعد شأن حسن ..أبي ربانا في بيئة منغلقة بسيطة ..لم نعرف من الدنيا سوى العيش بوتيرة واحدة منتظمة هادئة ..فاجعة حسن كانت أول مفاجأة في حياتي ..أن أستيقظ فجأة لأجده غير موجود ..حدث واحد غير حياتنا كلها ..اضطررنا بعدها للسفر ..ثم ماتت أمي ..الوتيرة المنتظمة صارت فجأة سلسلة من التغيرات ..وبعدما عدت إلى هنا وجدت كل شيء تغير ..حتى الناس ..حبيبة حسن تزوجت غيره ..الناس الذين ملأوا الميادين ثورة على الظلم عادوا لينسوا ..بؤر الفساد التي ظننا أننا كشفناها وأوردناها السجون عادت لتظهر بتبجح ..كل هذه المفاجآت جعلت مني زاهداً في كل شيء ..أخاف التعلق من فرط ما أخاف الفقد ..وأنتِ بالذات يشق عليّ أن أعلم أن هناك ما تخفينه عني .

تتكدس الدموع في عينيها والغصة هذه المرة لا تكون في حلقها فحسب ..بل في روحها كلها ..
ليتها تستطيع مصارحته بكل شيء ..
لكن ..لو كان هذا ضيقه بشيء بسيط أخفته ..فماذا سيصنع بها لو علم ما تخفيه ؟!
صمتها يطول وشفتاها ترتجفان بهذه الطريقة الواشية بكتمانها البكاء فيلتفت نحوها لتغلبه عاطفته نحوها فيضمها إليه بذراعه الحر قائلاً بابتسامة طيبة:
_لا بأس ..أخبريني إذن ..لماذا فعلتها ؟!
تغمض عينيها بقوة وحنانه يخزها بالمزيد من شعورها بالذنب ليصلها صوته المشاكس:
_حب من أول نظرة مثلاً؟!

تخفي وجهها في كتفه مخفية عنه حديث عينيها فيضحك ضحكة متسامحة وهو يرصف سيارته قريباً من كورنيش النيل ثم يترجل منها ليفتح لها الباب فتغادر بدورها لتتأبط ذراعه كي يسيرا ببطء ..
تملأ صدرها بالهواء وهي ترفع عينيها نحو السماء بضراعة ..
لم تشعر يوماً بالسعادة كما هي الآن ..
ولم تشعر يوماً بالخوف كما هي الآن ..
تشد على ذراعه بقبضتها دون وعي لكنه يربت عليه بحنان وهو يحاول التسرية عنها بسرد بعض المواقف التي حدثت له أثناء عمله ..
يقطع حديثه وهو يرى علبة كرتونية قطعت الطريق فيتحرك ليضعها جانباً في صندوق القمامة ..
تبتسم له بتعجب وهي تتأبط ذراعه من جديد فيقول ب"بساطته الفخمة":
_تعرفين القصة الشهيرة لذاك الرسام الذي رسم لوحة وتركها علي قارعة الطريق وقد كتب فوقها (من رأى فيها عيباً فليضع عليه نقطة حمراء ) ..عاد مساء ليجدها كلها ملطخة بالأحمر حتى أنهم أفسدوا ملامحها كلها ..عاد لأستاذه فأشار عليه أن يعيد رسمها ويتركها من جديد على قارعة الطريق ليكتب عليها (من رأى فيها عيباً فليصلحه) ..فعل كما أمر أستاذه ليعود ويجد لوحته كما هي ..أبي كان يحكي لنا هذه القصة في صغرنا كي يعلمنا أن الناس يستسهلون اصطياد الأخطاء لكنهم لا يسعون لإصلاحها ..ربما لهذا نشأنا أنا وحسن على ما صرنا عليه .

تتسع ابتسامتها وهي تشعر بالمزيد من الإكبار له ولوالده معه ..
ولا تدري لماذا ربطت الحكاية بقصتها معه لتجد نفسها تسأله بوجل:
_وأنت تطبق هذا في حياتك كلها ؟! لا تتعجل الحكم على الخطأ وتسعى لإصلاحه ؟!

_قدر استطاعتي! لا يكلف الله نفساً إلا وسعها!
يقولها بعفوية فتغمض عينيها بالمزيد من الوجع الذي تحاول التغلب عليه ببعض المرح :
_تعرف ..لو كان صاحب هذه اللوحة هنا الآن وتركها على قارعة الطريق ..لم يكن ليجدها آخر اليوم أصلاً !
يضحك ضحكة عالية وهو يشاركها المزاح قائلاً:
_صحيح! كانت ستسرق بمجرد ما يلتفت بظهره .

تشاركه الضحك والمشي للحظات ثم تتنهد لتقول بخفوت وهي تتأمل منظر النيل وقد تراقصت الأضواء فوق مياهه المظلمة :
_لا ..إحقاقاً للحق البلد ليس بهذا السوء ..تعرف؟! أنت جعلتني أحب هذا البلد أكثر ..وأنظر إليه نظرة أخرى ..عندما أسمعك أنت او مستر ربيع تتحدثان عن التاريخ أشعر بفخر حقيقي بعيداً عن شعارات الكتب والتلفاز الزائفة ..هذا البلد جميل حقاً ..جميل بمن هو مثلك ومثل أبيك ومثل أخيك ومثل هبة ..جميل بناسه المظلومين المتوارين في ظل العوز والحاجة لكنهم يكافحون لأجل الأفضل .
_وجميل أيضاً بالأغنياء الذين لا يبخلون بما آتاهم الله من فضله ..لا أحب الفكرة التقليدية لشرف الفقير ودناءة الغني ..الفكرة التي أرادوا زرعها فينا منذ الصغر (الغني يملك المال لكنه غير مرتاح البال وأولاده سيئو الخلق والفقير لا يملك المال لكنه سعيد وأولاده مهذبون !) الفكرة التي ينافيها الواقع كل يوم ..كأنهم يريدون تخويفنا من المال ! أنا رأيت فقراء أوغاد ورأيت أغنياء كرماء ..لا أدري سر ربط الوطنية والخلق بالفقر!

يقولها بحماس لتبتسم قائلة بإعجاب حقيقي:
_ظننتك تكره الأغنياء على المطلق ..أذكر أنك قلت لي شيئاً كهذا بعد زيارتي تلك لبيت الصباحي .
يتحشرج صوتها رغماً عنها وهي تتذكر ذاك اليوم لكنه لا يلحظ هذا وقد تغيرت ملامح وجهه بغضب ناسب كلماته:
_السلطة الفاسدة وليس المال ! النفوذ الذي يهيئ للبعض الظلم والقتل بدم بارد ! هذا هو ما قصدته يومها وليس مجرد الغنى .

تشحب ملامحها رغماً عنها وهي تميز الحقد الغريب في عينيه على طبيعته المتسامحة فتؤثر تغيير الموضوع وهي ترى المرأة التي جلست قريباً تشوي الذرة لتقول بلهفة مصطنعة :
_أريد منه ..لم أتناوله منذ تلك المرة يوم كنا على السطح .

تتبدل ملامحه في لحظة لحنان جارف وهو يتحرك نحو المرأة لتردف بنبرة آمرة :
_انت لن تأكل كي لا تفسد شهيتك للطعام الذي أعددته في البيت .
فيضحك وهو يرد :
_تذكرينني بأمي كانت هكذا تقول مثلك عندما ..

يقطع عبارته وهو يسمع صوت رنين هاتفه برقم قيس فيفتح الاتصال وقد ظنها مشاكسة من ابن عمه كالعادة لكن وجهه يحتقن بقلق وهو يستمع ليهتف بجزع :
_أبي !
======
انتهى الفصل الرابع والعشرون


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-02-21, 05:05 AM   #2113

Mummum

? العضوٌ??? » 441364
?  التسِجيلٌ » Feb 2019
? مشَارَ?اتْي » 462
?  نُقآطِيْ » Mummum is on a distinguished road
افتراضي

ابداع يا نيموو كالعادة تسلم ايدك يا جميل

Mummum غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-02-21, 05:44 AM   #2114

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 10,549
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي

مرحبا".وعد واحتواء".يوما ما سيشكرها كما يليق.تلك العبارة التي اختتمت بها الاقتباس تحوى كل الوعود وليس وعدا واحدا نحو طيف وما ينتظرهما معا.
حقا البداية بينهما كانت غريبة والهروب المفتعل منه أغرب واجباره علي العودة بقوة أخيها أغرب لكن ما أراه الآن ليس اقتصاصا مما أصابها منه ولا محاولة لهروب سندباد ولا أخا يقتص لأخته.
الاقتباس كله مباراة للمشاعر حتي تلك الأم الاشبه بالعقربة ولهفتها علي ابنها ومشاعره بين رغبة في اقتراب واغتراب يجعله يتمني لو لقلبه الف يد حتي لا تمسها يداه فإن احتضنها بقلبه فلن يلوم نفسه.
ايحاءك بإحساس طيف في دعمها ليحيى كانها أم تخشي علي وليدها درجة أن تستعيد ذكرى امها وهي تائهة ضالةمعها يعبر عن منتهي الاحتواء.
لم أرى سوي لمحة ندم واحدة فقط من واستبرق تبعها جبروت سيدة الأعمال وليس الأم التي حرمت من ابنها فالمرأةشعورها بالإثم والخزى ضئيل جدا إذ تقارن بين طيف وسراب بدلا من ان تخجل من الذكرى وتنتهج أسلوب رجال الأعمال في تقييم الموقف والخصم أمامها وتلقي بشظاياها بكل احتراف نحو طيف والجميع.
ان يصل بطيف الحال أن تحاول شرح حقيقة الأمر العاصي كي يكون داعما ليحيى لهو دلالة علي منتهي الصدق والرغبة في مساندة يحيى في موقفه هذا.
احتواء عاصي لكف أخته وعدم اتاحة الفرصة لها في البوح جاء اقوى من اعترافه بهويتها أمام أهل بلدته فاعترفت به اخا لا يبغي سوى رضاها وشعورها بالأمان كلها وعود غير منطوقة حتي حركة الياس المعهودة بينه ويحي واستخدامها كلمة واحدة" قيمر "هي سره ومجد كلها وعود ودعم.
احتواء طيف لكابوس يحيى هو تربيتة علي كل ما يعتريه ولا يستطيع ترتيبه أو حتي تحديد ماذا عليه أن يفعل فتصرفها جاء وعدا واحتواءا.
استبرق امرأة خطيرة جدا أدركت من أول لحظة أن طيفا ليست ندا سهلا لها وعاصي ذلك الشخصية القوية داعما لها ولابنها في وعد غير منطوق وغير محدود المدى فماذا هي فاعلة؟لا أقول ماذا يحيى فاعلا لانه بالفعل في صدمة افقدته التوازن والقدرة علي التفكير واتخاذ القرار السليم الذى لا يجعله يقع في شركها.
اقتباس شامل يمهد للعديد من المتاهات خاصة إذا كان الخصم يتلون بالف لون ويلتحف برداء الأمومة الخادع.الي لقاء دمتي بخير ومبدعة بكم هذا الصراع المبهر الذى جسدتيه بكل باقتدار.


shezo متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-02-21, 07:18 AM   #2115

المشاغبة

? العضوٌ??? » 406852
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 446
?  نُقآطِيْ » المشاغبة is on a distinguished road
افتراضي

فصل جميل جميل جميل ي نيمو الله يسعدك و يعطيك العافيه ❤️ ❤️ ❤️ ❤️
أبدعت تسلم ايدك ❤️ ❤️ ❤️ ❤️


المشاغبة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-02-21, 11:16 AM   #2116

Mrmr8822

? العضوٌ??? » 408330
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 28
?  نُقآطِيْ » Mrmr8822 is on a distinguished road
افتراضي

فصل روعة ملئ بالمشاعر تسلم ايدك يا نيمو

Mrmr8822 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-02-21, 12:56 PM   #2117

شروق الموده

? العضوٌ??? » 391226
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 174
?  نُقآطِيْ » شروق الموده is on a distinguished road
افتراضي

رائع يا نيمو طيف وعاصى ويحيي واليأس واستبرق
ابراهيم وخائنته وأبوه وسندس
جهاد وزهره وفدوي والخاسيس
سيد الأضداد وماسه
تركيبه لها العجب
شكرا ليك يا جميل


شروق الموده غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-02-21, 04:39 PM   #2118

داليا انور
 
الصورة الرمزية داليا انور

? العضوٌ??? » 368081
?  التسِجيلٌ » Mar 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,195
?  نُقآطِيْ » داليا انور is on a distinguished road
افتراضي

فصل اكثر من رائع دومتى مبدعة 💓

داليا انور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-02-21, 08:51 PM   #2119

شيرين الفاتح

? العضوٌ??? » 473676
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 72
?  نُقآطِيْ » شيرين الفاتح is on a distinguished road
افتراضي

تسلم ايدك يا نيمو فصل ملياااان جدا😍

شيرين الفاتح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-02-21, 10:43 PM   #2120

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 10,549
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي

مرحبا."الغربة وطن".ان يخذلك صديق العمر ،أن تتخلي عنك حبيبة القلب بعد أن فقدت وطنا تصير الغربة وطن والغربة فقط فهي صادقة لا تعد وتخلف، لا تعطي امان فهى جدران من هواء لا تحتوى وحدة والم أحد ولكنها تضع شروطها بكل أمانة فهي الوطن بلا مواطنة هي جدران الصمت التي لا تحتضن وحشة احد ولا تطبب جرحا.
فليتقبل جهاد ومن مثله مصيره ولا يعتب علي صديق يتبجح بأنه له الحق في خيانته لان عائلته أولي فأين هي عائلته التي خانها أيضا وقوض أركانها ويتجاوز فوق ذلك فيتهمه بالتواطؤ هو وفدوي بعلاقة مريبة بينهما بمنتهي التبجح إذ أنه لا يجد مبررا يستند عليه فيما فعله.
حتي موت أبنائه وموت فدوى بتحولها ثانيةالي يولاند لم يوقظ ضميره فيعترف بذنبه بل يلقي بتهمه جزافا وهو يعلم انهم منها براء.
وكأن جهاد كتب اسمه في صفحة الفقدان بفقدان الوطن وفقدان الصديق وبفقدانه لزهرة والتي خذلته تحت اسم التضحية ذلك السلوك العبثي الاحمق الغير مبرر فإن تحيا مع من تحب بكل الاحوال في الصحة والمرض، في السعادة والشقاء في الشباب والهرم يحيامعه بكل عذاباته لا أن يتركه يعاني الم الخيانة والتخلي بكلمة يذبح بها كل امانه .
ولماذا هل هذا من أجل إلا يتألم بل العكس هو ما يحدث فالخذلان والتخلي وفقدان الثقة بكل معاني الوفاء هو اقسي من مشاركة الحبيب المه.
مرافقة جهاد لفدوى بدعوى الانتقام هي التي لا مبرر لهافاذا كان كلا منهما يسعي للانتقام فهما ليسا بحاجة لتوحيد جهودهما فالانتقام بالمشاركة معاسيفقد صفة النزال الشريف فكلا منهما دوافعه مختلفةوبالاخير من هو ريان ؟يكفيه ما تحول إليه من مسخ لا يشعر بتأنيب الضمير أو لوم الذات علي ما اقترفته يداه.
"خداع وخوف من الغد".لتوها شعرت يسرا بحجم تبعات الكذبة التي بدأت حياتها بها فالخوف من الخسارة يكون علي حجم السعادة التي لم تجدها بقصر ابيها.
اخفاء شئ بسيط عن ابراهيم يجدد احساسه بالفقد فما بال إخفاء ليست حياة واحدة بل حيوات مهما كان مبررها وا ن كنت اتعاطف معها ولكنها تحتاج الكثير من الإيمان ومساحة كبيرة من الغفران حتي يستطيع ابراهيم المتابعةمعها كما وعدها بأن يسمعها حين لا يسمعها الناس في وعد بالا يتوقف عن حبها لكن الوعد عن جهل شئ أما الواقع فيصطدم مع قناعات المرء وقتها سيتم اختبار صدق وعد ابراهيم لها إذ ما يزيد موقفها سوءا أنها ابنة الصباحي قاتل أخيه كما أن كذبتها ليست بيضاء علي الاطلاق وأن كان الكذب كله غش وخداع ايا كان لونه.
اساسا هي تجلد نفسها وترتعب مع كل كلمة تحبب يلقيها علي مسامعها فهل ستبقي دائما حبيبة ابراهيم وراميته القرمزية أم حسن اماذا ينتظرها جراء الوهم الكبير حتي لو كانت مشاعرها صادقة فالبداية الخاطئة تعقبها غالبا نهاية قاسية.
سلمت يداك علي الفصل المبدع الذى احتوى علي الكثير وانتقل بنا من مكان لآخر ومن حالة لاخرى بمنتهي السلاسة معبرا عن المشاعر بشكل مجسم وكأننا نشعر بخلجات قلوب اصحابها.الي لقاء دمتي بكل الخير والود.


shezo متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:32 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.