آخر 10 مشاركات
خلف الظلال - للكاتبة المبدعة*emanaa * نوفيلا زائرة *مكتملة&الروابط* (الكاتـب : Just Faith - )           »          الإغراء الممنوع (171) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 1 سلسلة إغراء فالكونيرى..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          في غُمرة الوَجد و الجوى «ج١ سلسلة صولة في أتون الجوى»بقلم فاتن نبيه (الكاتـب : فاتن نبيه - )           »          قصر لا أنساه - مارغريت مايلز- عبير الجديدة -(عدد ممتاز ) (الكاتـب : Just Faith - )           »          سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          79 - قسوة وغفران - شريف شوقى (الكاتـب : MooNy87 - )           »          1 - من أجلك - نبيل فاروق (الكاتـب : حنا - )           »          وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          تشعلين نارى (160) للكاتبة : Lynne Graham .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          إلَى السماءِ تجلت نَظرَتِي وَرَنـت (الكاتـب : ميساء بيتي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree5716Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-01-22, 12:31 AM   #3471

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي


الطيف الرابع والاربعون
=======
_أنت؟!
يهتف بها راغب بذهول وهو يميز ملامح حسام التي لم تغيرها السنوات.. رآه مرة أو مرتين عندما كان فهمي يريد الزواج من ابنة عمه تلك..
هو يذكر جيداً أن حسام هو الوحيد من أهلها الذي كان يناصر تلك الزيجة.. هذا بالطبع قبل أن يتهور شقيقه ويهرب بالفتاة ليتزوجها رغماَ عنهم جميعاً.. ما الذي حدث بعدها؟! هو لا يعرف! لم يجرؤ من يومها أن يسأل أخاه عما حدث معها!

يلتفت راغب نحو أخيه لتروعه هذه النظرة على وجهه..
مزيج من الشراسة - التي كاد ينساها على ملامحه كانه عاد ذاك البغيض القديم قبل سفره وهداية حاله - والخوف الذي يستجلب حميته الأخوية ليلتفت نحو حسام الذي رمق فهمي بنظرة محتقرة فيتنحنح ليقول بخشونته التي لم تخل من تهذيب:
_خيراً يا حسام "بيه"؟! ما سبب زيارتك؟!
_زيارة؟! ولماذا أزوركم؟! هل كان بيننا سابق ود وأنا لا أعرف؟!!
يهتف بها حسام بازدراء متعمد وعيناه الخبيرتان تدرسان كل خلجات فهمي الذي أطرق بوجهه ضاماَ قبضتيه جواره..
فيما يردف حسام وهو يشير لسيارته :
_السيارة أصابها عطل ما في الطريق وقد أشاروا عليّ بأقرب ورشة لتصليحها..لم أكن أعلم عن هذه الفرصة "السعيدة".
يقول كلمته الأخيرة كأنه يبصقها بالمزيد من الازدراء المتعمد ضاغطاً على أكبر نقطة ضعف ل(فهمي) كما كان يراها.. غروره!!

لهذا التمعت عيناه بشدة وهو يرى الأخير ينكمش على نفسه بخنوع متحاشياً النظر إليه..

_كرسيين لل(بهوات) يا ولد!
يقولها راغب مخاطباً أحد الصبية شاعراً بالحرج والإشفاق على أخيه من مواجهة الماضي..
يتفرس في ملامح مرافق حسام الذي بدا له مألوفاً..
أين رأى هذه الوسامة الوجيهة من قبل؟!
آه.. لقد تذكر!!
فهد الصاوي!!
زوج صديقة رؤى!!
رآه مرة من قبل مع زوجته في المطار.. ويظن أنه قد رآه قبلها في التلفاز أيام مجد أبيه!!
سبحان من له الملك والدوام!
يتمتم بعبارته الأخيرة بمزيج من ضيق واستسلام وهو يشعر بذبذبات التوتر بين حسام وأخيه وهذا الزائر..
خاصة وحسام يهتف بانفعال وهو يتأهب للمغادرة :
_لن نبقى.. سنبحث عن ورشة أخرى!
_اهدأ يا حسام.. السيارة بالكاد وصلت بنا إلى هنا.. ما الذي بينك وبين هؤلاء؟!
يهتف بها فهد مؤدياً دوره ببراعة ليهتف حسام بحرقة :
_من كانت بيننا ذهبت لخالقها وارتاحت من شرور خلقه.
هنا يرفع فهمي عينيه بنظرة واحدة خانه فيها "ثباته الانفعالي" كأنه يبحث في عيني حسام عن الحقيقة..
هل هي مصادفة حقاً؟!
هل كشف أحدهم حقيقته؟!
والأهم - وما يعنيه حقاَ أكثر من سواه - هل لا تزال حبيبته آمنة في حضنه بعيدة عن عيون الجميع؟!
سيقتل أي أحد يفكر في الاقتراب منها!
نظرة عاد لها المزيج الغريب من الشراسة والخوف للحظة قبل أن يعود لخنوعه المصطنع ببراعة وهو يكاد ينسحب بخطوات مهزومة ليغادر المكان نحو بيته دون كلمة واحدة.. لكن..
_فهمي.. فهمي.. انتظر..
يهتف بها راغب بحمية وهو يمسك ذراعه ليلتفت نحو حسام هاتفاً :
_لا حول ولا قوة إلا بالله! وما الداعي للتقليب في الدفاتر القديمة؟! أنا لا أعفي أخي من المسئولية لكنها كانت "غلطة شباب".. لم نكن نعرف عن موت المرحومة.. رحمها الله وصبّر أهلها.

يشيح حسام بوجهه دون رد متعمداَ عدم النظر لفهمي تاركاَ هذه المهمة لفهد.. ولهذا اصطحبه معه لهنا!
دقائق قليلة مرت تمكن فيها راغب من معالجة عيب السيارة، ينقده حسام الثمن فيرفض راغب بحسم لكن الأول يهتف ولا يزال يتعمد استفزاز فهمي:
_بيننا ديون معلقة كثيرة.. لا تزدها!
يقولها وهو يلقي النقود - بحركة مهينة- في وجه فهمي الذي حافظ بشق الأنفس على ثباته الظاهري وهو يطرق برأسه دون رد منتظراً مغادرتهما..

تنطلق السيارة مبتعدة ولم تكد تخرج من الحي حتى التفت حسام نحو فهد يسأله باهتمام :
_ما رأيك؟!
_بالكاد كنت أمنع نفسي عن تمزيق قميصه لأبحث عن الوشم اللعين.. لا يمكنني الجزم إن كان هو الذي كان في الفيديو أم لا.. لقد مر على الأمر قرابة العشر سنوات.. لا يوجد ما يمنع أن يكون هو.. لكن.. لا يوجد كذلك ما يؤكد أنه كذلك!
يهتف بها فهد بانفعال احمر له وجهه وشيطان الماضي يبسط ظلاله القاسية على ملامحه ليردف:
_لا تعرف كم كنت أضغط علي أعصابي لأنحي مشاعري جانباً وأدرس ملامحه جيداً.. انفعاله كان شديد الوهن.. شديد الخنوع..إما أن هذا الرجل شديد البرود.. أو انه يملك أقوى ثبات انفعالي رأيته في حياتي.
_بالضبط.. هو الأخير! .. ثبات انفعالي يليق بمجرم تمرن كثيراً على المراوغة.. لكن خانته عيناه! خانته لحظة ذكرت (فجر).
يقولها حسام وقد تلاحقت أنفاسه بمشاعر طاحنة تكاد تدهسه بين عجلاتها وهو يتذكر مأساة ابنة عمه.
فيقول فهد بلهفة :
_تماماً! أنا أيضاً لاحظت الأمر.. كل البرود الخانع الذي تعمده تلاشى في نفس اللحظة التي ذكرتها منقلباً لشراسة كأنه سينقض علينا قبل أن يعود لتمثيله..
_هذه هي النظرة التي كنت أحتاجها.. وتأكدت منها اليوم.. فهمي الذي أعرفه بشخصيته المتمردة القديمة كان سيدفعه استفزازي للشجار أو الانتفاضة على أبسط تقدير..لم يكن ليسكت عن إهانتي له.. لكن هذا الذي كان واقفاَ أمامنا كان يدعي البرود.. كأنه يصارع انكشاف حقيقته كي يحافظ على وجهه البليد أمام الناس.. هو الكوبرا.. أكاد أقسم أنه هو.. تماماً كما أكاد أقسم أن أول ما سيفعله أن يذهب إلى فجر كي يرضي هوسه بامتلاكها.. ذاك الوغد!!
يهتف بها بعصبية وقبضته تهوي تباعاَ على مقود سيارته ليردف من بين أسنانه :
_مراقبة داهية مثله لن تكون سهلة..
_دع هذا لي.. لقد وقع في يدي بعد كل هذا العمر ولن أتركه حتى يهلك أحدنا.
يهتف بها فهد بحقد وهو يشعر أن خنجر الماضي الذي ظنه قد انتزع من صدره.. الآن يغرس فيه من جديد..

وفي مكانه كان فهمي يتجه لبيته بخطوات شبه راكضة متجاهلاً نداءات راغب خلفه..
الغضب المستعر داخله يكاد يسلمه لحافة الجنون..
الجنون الذي لو استسلم له لترك كل شيء خلفه ليهرع إليها هي..
هي فجره!!

يصعد الدرج نحو بيته.. يرى "ربى" ابنة راغب تلعب مع أولاده في مدخل البيت فلا يملك نفسه وهو يصرخ فيهم على غير عادته يأمرهم بالصعود للسطح فيطيعونه بخوف وهم يرون هذه الهيئة منه لأول مرة..
يستمر في الصعود ليرى قطاَ بائساً اعتاد البقاء هنا فلم يكترث له..
هذا الذي اقترب منه ليدهس عنقه بحذائه مفرغاً فيه بعض غضبه متلذذاَ بصوت موائه المذعور..

_يا أولاد.. لماذا يموء القط؟! قلت مائة مرة من قبل لا تطعموا هذا القط كي لا يبقى رابضاً هنا في البيت.. هاهو ذا يموء كأنه في محطة إذاعة.. الصداع سيفلق رأسي يا (...)..
يسمع صراخ هيام السابق الذي ينتهي بتوبيخها لأولادها كالعادة من داخل بيتهما الذي يدخله ليغلق الباب خلفه بعنف لم يعد يتحكم فيه..
بينما هي واقفة في المطبخ تقوم بقلي بعض الطعام ولا تزال تصرخ كعهدها مؤخراً :
_ورثتم "الخيبة" و"خفة القلب" من أبيكم.. يا "ميلة بختي" في زوجي وأولادي! كونوا مثله كي ينتهي بكم الحال مجرد "خيال مآتة لا يهش ولا ينش!"
تنتهي عبارتها بصرخة قصيرة لها ما يبررها هذه المرة وهي تجد شعرها كله في قبضته!!
تلتفت نحوه بغضب هاتفة :
_هل جننت؟!
لكن حروفها تختنق في حلقها وهي تشعر بقبضته التي تشد شعرها تخبط رأسها في الحائط خلفها بقوة لم تتصور أنه يملكها..
والأدهى.. قبضته الأخرى تنتزع المقلاة بزيتها المغلي من على النار ليرفعها فوق رأسها متأهباً لإلقائه عليها!

الرعب الممتزج بالصدمة يشل جسدها وصوتها معاً..
بضع قطرات من الزيت المغلي تتناثر فوق وجهها ورقبتها لكنها لا تجد القدرة حتى على الصراخ وعيناها المذعورتان تعجزان حتى عن الرمش!!
تتسعان عن آخرهما برهبة من ترى شيطاناً لأول مرة خاصة وهو يتمتم من بين أسنانه وقبضته تزداد اعتصاراً لشعرها :
_حركة واحدة مني وتنالين أسوأ مصير لم تريه حتى في كوابيسك..
تشحب ملامحها حد الموت لتجد صوتها أخيراً وهي تهمس برجاء ذليل بينما عيناها معلقتان بهلع بالمقلاة في يده :
_آسفة.. آسفة.. اخزِ الشيطان يا فهمي.. ماذا جرى لك؟!
يكاد يتوقف قلبها رعباً لدقيقة كاملة بعدها بدا هو فيها كأنه يحارب شياطينه كلها قبل أن يلقي بالمقلاة في الحوض القريب فتصدر صوتاَ مخيفاَ والزيت المغلي يختلط بالماء..
تتصاعد نيران صغيرة هرعت هيام لتطفئها وهي ترتجف بفزع تتخيل لو كانت الآن على وجهها هي..
لكنه يعاود شد شعرها لتطلق صرخة قصيرة كتمتها وهو يقترب بوجهه منها هامساً بما بدا كفحيح شيطان:
_لم أعد أحتمل لسانك هذا.. ابتلعيه وإلا انتزعته من فمك لتريْ بنفسك كم هو طويل.. وقذر!
تهز رأسها رغماً عنها بطاعة في مشهد مثير للشفقة لكل العيون عدا عينيه هو اللتين ازدادت قسوتهما وهو يردف :
_وإياكِ أن تخبري أحداً بما كان الآن بيننا.. وإلا..
يقطع عبارته دون أن تكملها فتستمر في هزة رأسها المرتعبة وهي تراه يفلتها أخيراً ليغادر المطبخ نحو غرفتهما فتتنفس الصعداء أخيراً وهي تجري لتغلق على نفسها باب المطبخ.. تهمس لنفسها لاهثة وهي تلطم وجهها بكفيها :
_الرجل "اتلبس"! هي "عين المضروبة أم (...) ".. نظرت له مرة وقالت أنه لا يرد لي كلمة.. ماذا أفعل؟! ماذا أفعل؟! لن أفعل شيئاً.. أنا لست مستغنية عن عمري.. من اليوم لن أقول له إلا (حاضر) و(نعم)!

فيما بقي هو يدور حول نفسه في غرفتهما المغلقة كوحش مقيد..
أنياب (الكوبرا) تكاد تبرز من فمه المفتوح تذكره بكل ذكاء أنه يجب أن يتصرف ك(فهمي)..
يبقى هنا منزوياَ مخذولاً كما ينبغي ل(فهمي) أن يكون!
لكنه يشعر أنه لا يقوى على الصبر!!
طاقة هائلة تحرق ضلوعه وتجبره أن يتمرد على كل هذا!!

هل كانت حقاً مجرد صدفة؟!
لقد كان أول سؤال سأله لراغب عقب انصراف حسام وفهد عن حقيقة وجود عيب في السيارة ليجيبه الأخير بعفوية أنه حقاً كان كذلك.. عيب حقيقي عطل السيارة فعلاً ويصعب إحداثه عمداً!
يصعب..
لكن لا يستحيل!!
صدفة؟!
صدفة!!
هل يمكن أن تختل رقعة الشطرنج خاصته بمجرد صدفة؟!!
أكثر ما يكرهه في حياته أن يباغته أحدهم بما لم يتوقعه!!
كيف وهو المسيطر على كل الأمور.. تقهره صدفة!!

يطلق زمجرة عنيفة وهو يوجه غضبه كله لقبضة عنيفة نحو الحائط..
قبل أن يأخذ نفساَ عميقاً وهو يواجه الحائط نفسه كعهده كلما أراد التركيز..
ماذا لو كان حسام القاضي قد شك فيك؟! ماذا لو كانت (صدفته) الحمقاء مجرد وسيلة لاستفزازك؟!
فكر كأنك هو.. ما الذي يبتغيه؟!
بِشر اختفى.. لا أحد يعرف مكانه.. ماذا لو..؟!
يصدر همهمة خافتة وهو يحاول استعادة صفاء ذهنه لتلتمع عيناه بإدراك..

قبل أن يفقد آخر خيوط سيطرته وهو يغادر البيت كله..
لابد أن يراها الآن مهما كان الثمن!!
=======
قبيل الفجر كعهده يجلس داخل سيارته أمام البيت الذي جعله لها..
لقد تعمد أن يزيد تعقيد المراوغة هذه المرة..
كان يمكنه ببساطة ألا يأتي لكنه اراد إثبات تفوقه لنفسه!
لن يمنعه أحد عنها.. هي بالذات.. سيأتيها وقتما شاء وكيفما شاء..
وسيلهثون هم خلفه دون جدوى!

وهاهي ذي ست ساعات كاملة مرت به هنا ينتظر الخبر من رجاله..

صوت رنين هاتفه يمنحه رسالة مطمئنة..

(لا أحد يقترب!)

ورغم هذا لم يخفت الصوت الصارخ داخله..
لقد شعر اليوم بالخوف.. بالتهديد.. بالانتهاك..
الشعور الذي كان قد نسيه منذ صار (الكوبرا)!!

كيف يخرس هذا الغضب داخله؟!
كيف يقنع نفسه أنها كانت مجرد صدفة؟!
يغادر السيارة بحركة عصبية ليدخل البيت..
تستقبله الخادمة مرحبة فيدفعها بعنف دون مبرر لتكتم صرختها وهي لا تفهم ماذا كان خطأها!!
يخلع نعليه بانفعال كعهده ليطرق الباب طرقات سريعة متلهفة كأنه لا يحتمل انتظار إذنها بالدخول..
يدخل أخيراً ليراها تعطيه ظهرها وقد انسدل شعرها الطويل عليه كستار أسود كثيف يشبه ظلمة ماضيهما..
ويناقض بياض ثوبها الشاهق الذي يغطي جسدها كاملاً!!

_عدت ؟!
تلتفت نحوه بلهفة وهي تفرد ذراعيها رغم يقينها أنه لن يمسها..
فيندفع إليها دون شعور فارداً ذراعيه كذلك..
فليعانقها الآن!
بل فليمتلكها كاملة!!
كم كان أحمق وهو يضع تلك الحدود السخيفة بينهما رافضاً أن يمسها!
هي له.. امرأته.. سكن قلبه الثائر الذي لن يهدأ إلا في كنفها!!
عيناه تجريان على ملامحها بعشق مهووس وأنامله تكاد تخونه لتجذبها بين ذراعيه.. لكنه يتوقف في اللحظة الأخيرة..
تحول بينهما صورة!
صورة تجلد حدقتيه كلما أغلق جفنيه وفتح معهما أبواب الذكرى...
صورة لها وهي تنتهك أمام عينيه..
يلوثون جسدها وهو عاجز عن حمايتها!
صورة تجمد أنامله لتمنعه في آخر لحظة من مسها.. يتراخى ذراعاه حولها..

_ولمن سواكِ أعود؟!

الرد التقليدي هذه المرة يمتزج بغضب غير تقليدي.. بعجز غير تقليدي.. بانفعال غير تقليدي وهو يندفع نحو الجوار ليلقي إليها بالعود هاتفاً بنبرة عصبية غريبة علي هدوئه المعهود معها :
_اعزفي. اعزفي.. لا تتوقفي حتى أقول.. بل لا تتوقفي أبداً.. أبداً.. هيا.. اجلسي..

يبدو الخوف على ملامحها وهي تشعر به لأول مرة غريباً عما اعتادته..
يرتجف جسدها وهي تطيعه مضطرة.. تجلس ليجلس قبالتها..
اللحن ينبعث رغماَ عنها مضطرباَ.. خائفاَ مثلها..
فتزداد عصبيته وهو يأمرها بالإعادة..
مرة تلو مرة..
يزداد غضبه.. وخوفها..
لتتوقف أناملها عن العزف أخيراَ.. شهقتها العالية توازي زخة بكاء وجسدها يرتجف بقولها :
_أنا.. خائفة!
_لا.. لا.. لا.. إياكِ ان تقوليها.. إياكِ..

كلمتها تلقي الثلج على لهيب غضبه - وربما تزيده- وذراعاه العاجزان يطوفان حولها كطير قصير الأجنحة..

_طوال هذه السنوات وأنا أعيش كي لا تقولي كلمة كهذه..أبقيكِ هنا في مأمن عن كل العيون كي لا تعرفي الخوف من جديد.. إياكِ أن تلفظيها ثانية.. إياكِ!

صراخه العاجز الغريب عن حلمه المعهود معها يرجف روحها فتستمر دموعها دون توقف رغماَ عنها..
ليستحيل صراخه لآهة عالية..
أنامله المرتجفة تطوف برهبة حول ملامحها وعيناه تشردان بالذكرى :
_يوماَ ما كنت أستطيع مسح دموعك هذه بأناملي.. كنت أستطيع لمسك.. معانقتك.. تقبيلك بكل هذا الحب الذي حملته لك.. تقولين انك خائفة؟! أنا أيضاَ.. لأول مرة منذ زمن بعيد شعرت أنني خائف.. لا يخيفني شيء في هذه الدنيا قدر رهبتي من أن أفقدك.. كل "خطوطي الحمراء" قد تختفي في هذه اللحظة فلا يبقى أمام عيني سواكِ.
تمسح دموعها بنفسها وهي تسأله بتأثر :
_ولماذا تفقدني؟!
_الناس! .. كعهدهم يستكثرون عليّ كل ماهو حقي.. كعهدهم يحرمونني كل ما أرغب فيه.. لكنني أنتصر في النهاية.. أثبت لهم أنني دوماً الأذكى.. الأقوى.. لكن لكي أبقى كذلك يجب أن تبقي أنتِ معي.. أنتِ وحدك من آمنت بي.. من نحتت معي هذا التمثال العظيم بين ضلوعي.. غنيمتي التي نجوت بها بعد احتراق كل شيء.. لهذا أرجوكِ ألا تخافي..أرجوكِ.. أرجوكِ وأنا الذي ما عدت أرجو احداً.. تباَ!! كيف تفعلين بي هذا؟! كيف.. ؟!

همسه المنفعل يستجدي عاطفتها فتكاد تمد أناملها لتلمسه لكنه يبتعد هاتفاً :
_لا تلمسيني أبداً.. لا تطفئي هذه النار التي أعيش بها ولها.. ابقي كما انت.. بيضاء الثوب والقلب والذاكرة.. طفلة لا تعرف عن الحياة سوى عزف عود يطرب روحينا معاً..

_كيف تبدو؟! صف لي شكلك..

_أنتِ بالذات لا يعنيكِ شكلي.. أنتِ الوحيدة في حياتي التي رأتني بقلبها لا بعينيها.. فابقي كذلك.

_إذن قل لي المزيد عنك.. عني.. عن قصتنا.. أو حتى أخبرني باسمك..

_لو أخبرتك سيزيد خوفك.. ابقي جاهلة كي تبقي آمنة..

يقولها وقد عادت نبراته تهدأ نوعاً لتسأله بخفوت :
_وأنت؟! كيف سيهدأ خوفك؟!

يطلق زفرة قصيرة وهو يتفحص ملامحها للحظات قبل أن يناولها العود من جديد بقوله:
_فقط.. كوني معي..
ترتجف شفتاها وهي تعاود العزف.. شيء غريب ينتفض داخل روحها هذه الليلة..
هذه المرة بالذات..
شيء بدا وكأنه أيقظ مارداً لا تعرف مدى خطورته إنما تستشعرها..
هل هو الخوف الذي تحس به لأول مرة هنا؟!
هل هو شعورها أنه كاد يعانقها؟!
هل هو كلامه عن خوفه هو؟!
أين ومتى وكيف شعرت بكل هذا من قبل؟!
أطياف غادرة تزور عقلها المشتت.. تفسد اللحن الذي تعزفه وجبينها الوضاء يتعرق..
أناتها الخفيضة تثير هلعه وهو يتبين حالها الغريب ليسألها بجزع:
_أنتِ بخير؟!
والجواب يجلده على ظهر غروره لتهتز رقعة الشطرنج من جديد بخطوة طائشة غير متوقعة مع جوابها المتقطع :
_أنا.. تذكرت.. شيئاً ما..!!
=======















في زنزانته يجلس إياد مسنداً رأسه على الحائط وهو يشعر بالضياع!
لا يفهم ما الذي يحدث له!
أي "ممنوعات" وجدوها في بيته؟!
من لفق له هذه التهمة؟! وكيف سمح الكوبرا أن يحدث شيء كهذا؟!
لا.. لن يتركه أبداً..
هو طالما كان يخبره عن مودته الاستثنائية له هو بالذات لأنه يذكره بشبابه!

_سيدبر الأمر.. قريباً.. أنا واثق!

يقولها لنفسه بيقين يهتز كلما ازدادت مدة إقامته هنا..
هل نسيه الجميع؟!
أين خديجة؟!
لم يرها منذ دخل هنا أول مرة!
هل منعوا عنه الزيارة أم أنها هي من رفضت زيارته وقد عادت لتراه وزرها الثقيل؟!
وإيهاب؟!
آهة عالية تنفلت منه رغماَ عنه حارة ملتهبة وهو يتذكر ما سمعه منه عبر شرائط التسجيل القديمة التي تركها..
لماذا لم يأتِ لزيارته هو الآخر؟!
هل قطع شجارهما الأخير ما بقي من الخيوط بينهما؟!
أم أن عاطفته المزعومة كانت شجاعة فقط أمام شرائط التسجيل لكنها تراجعت بجبن أمام موقفه الحالي؟!
هاهو ذا عاد منبوذاً من أمه وأخيه من جديد.. والأسوأ أنه يعرف أنه منحهما بنفسه العذر!!

_لماذا تتأوه هكذا كالفتيات ؟!
يهتف بها أحد السجناء معه بتهكم ساخر يستجلب الضحكات الخشنة من البقية فيرمقهم بنظرة زاجرة وهو يكور قبضته أمامه..
لا مجال للوهن هاهنا.. لو أراهم نقطة ضعف واحدة فسيسحقونه..
لهذا افتعل ضحكة شرسة ليجذب الرجل من ياقة قميصه هاتفاً :
_تقصد الفتيات.. مثلك ؟!
تتعالى همهمات السجناء بترقب وهم يرون الرجل يستخرج من فمه شفرة حادة رفيعة بسرعة خاطفة كاد يهوي بها فوق وجه إياد الذي تجاوزها بسرعة من كان يتوقع شأناً كهذا..
ثم يعتصر ذراع الرجل الممسك بها بقبضته ليجبره على التخلي عنها قبل أن يلويه خلف ظهره عدة مرات بقوة جعلت الرجل يتأوه بألم مع هتاف إياد الساخر :
_أجل.. هكذا بالضبط.. أرني تأوه الفتيات كيف يكون!

كان يكره العنف لكنه كذلك لم يكن غراً ساذجاً ليدرك أي جحيم ينتظره هنا لو شعروا بضعفه..
حسناً.. لن يطول مقامه هنا على أي حال!
أو هكذا يطمح!

يسمع صوت أحد الحراس يناديه فيترك الرجل ليهتف مدافعاَ :
_هو من بدأ.
لكن الحارس الذي بدا غريب الشكل عمن يراهم يومياَ يفتح الباب ليرمقه بنظرة طويلة متفحصة أثارت ريبة إياد..
خاصة والرجل يمنحه لفافة ما قائلاً :
_طعام لك.
_من ارسله؟!
_وما أدراني؟!
يهتف بها بخشونة وهو يغمزه غمزة خفيفة فطن لها إياد ليخفق قلبه ببعض الارتياح..
خاصة والحارس يردف قبل أن يغادر ويغلق الباب خلفه:
_كل.. جيداً.. ولا تثر الشغب وإلا نقلناك حبساَ انفرادياَ.

_أريد محامياً.. أو علي الأقل أريد مقابلة الضابط.

يهتف بها إياد لتبقى معلقة في الهواء قبل أن يعود ليستقر مكانه..
لا ريب أنها رسالة من (الكوبرا).
يرى العيون ترمقه برهبة بعدما فعله بالرجل.. يتحاشونه لينخرطوا في مزاحهم الخشن فينزوي في ركن الزنزانة ليفتح اللفافة..
بضع شطائر عادية المنظر لكن إحداها..!!
يالله!!
الورقة المغلفة بها تبدو كانها صورة مطبوعة لامرأة.. امرأة يعرفها جيداَ!!
خديجة!!
مقيدة لكرسي ما وعلي وجهها امارات رعب حاد وتحت قدميها تزحف تلك الأفعى!!
تزداد خفقات قلبه جنوناً وهو يتلفت حوله يطمئن لغفلتهم عنه..
قبل ان تمتد انامله المرتجفة تفض الورقة كاملة..
كتابة غريبة تحت الصورة تبدو كشخابيط طفل لكنه وحده يفهم شفرتها المعدة للطوارئ كما علموه في التنظيم..

(انقطعت صلتك بالتنظيم.. بضع سنوات من السجن لن تضر.. الحكاية تقف عندك.. وإلا.!)

تدمع عيناه بمزيج غريب من قهر وخذلان وهو يعتصر الورقة بقبضته ثم يمزقها لقطع متناهية الصغر كي لا تبدو ماهيتها قبل أن يشيح بوجهه ليخفيه في الحائط بخذلان!
خذلان من أتته الضربة من موضع ما انتظر الغوث!!
الآن يفهم!!
هو صار كبش الفداء كي لا تصل الخطوات للكوبرا الحقيقي..
هكذا إذن كان ينجح الكوبرا كل مرة أن يقطع كل الخيوط التي تصل إليه!!
يلعنه سراً وهو يعاود النظر لبقايا الورقة في يده..
أمه!!
أمه في يد ذاك الوغد!!

ينتفض مكانه بفزع وهو يسمع حارساَ آخر ينادي اسمه فيلقي ما بيده جانباَ ليركض إليه هاتفاَ بانفعال راج:
_أين زميلك الذي أحضر الطعام منذ قليل؟!
_أي زميل؟! أنا وحدي من أؤدي نوبة الحراسة.
يقولها الرجل بدهشة فظة ليسبل إياد جفنيه باستسلام عاجز..
لقد فهم!!

_الضابط يريدك!

يستجيب للحارس الذي يسير به نحو مكتب الضابط..
لا يعرف عدد المرات التي أخذوا فيها أقواله ليصر كل مرة على براءته..
لكنه هذه المرة يعرف أن الأقوال ستختلف!

_ادخل.

يدفعه الحارس بخشونة زائدة لداخل الغرفة فيرمق الضابط بنظرات زائغة ولايزال تحت تأثير صدمته بما عرفه!!
الصدمة التي زادت وهو يلمح مرافقه في الغرفة!

_إيهاب!

يتمتم بها بنبرة تائهة وهو يلمح ملامح أخيه التي حملت غموضاً لم يفهمه إلا عندما قال الضابط بنبرة صارمة :
_أخوك اعترف بالحقيقة.
_أي حقيقة؟!
تشحب بها ملامح إياد وهو يلتفت بحدة نحوه ليرد الضابط:
_اعترف على نفسه.. أنه هو من دس لك تلك الأشياء في بيتك.. وأنها تخصه هو!

يكاد عنقه ينخلع مكانه وهو يلتفت نحو إيهاب من جديد ليتقدم الأخير نحوه بنظرة عميقة هائلة..
كأنه منحها بها ألف اعتذار وألف عوض.. وألف ألف صرخة ندم!!
نظرة حارة ناقضت برود اعترافه الكاذب:
_شعرت بالغيرة منه عندما عاد من السفر ناجحاً محملاً بكل ما حرمت أنا منه خاصة بعد الحادث.. لهذا دفعني الحقد لتلفيق هذه التهمة له.. كل ما وجدتموه في بيته يخصني أنا..
يقولها مخاطباً الضابط ليلتفت نحو إياد بقوله الذي ارتعشت نبرته وارتعد معه جسده كله وهو يميل عليه بعناق بطول افتقاده له :
_سامحني يا أخي.

يكتم إياد آهة لوعته وهو يشعر لأول مرة أنه يشم رائحة الماضي!
لا رائحة أخيه فحسب.. رائحة قميصه.. رائحة مسحوق الغسيل الذي كانت خديجة لا تغيره.. يسمع صوت الغسالة.. يرى نافذة الحمام المفتوحة تدخل منها الشمس.. طبق الغسيل البلاستيكي يحوي ثيابهما النظيفة بتلك الرائحة.. قبل أن يحملها أحد الحبال لترى الشمس..
طوال هذه السنوات وهو يشتاق قميصاَ بتلك الرائحة..
تغسله امه.. ويجاور قميص أخيه.. قبل أن يستقر على جسده هو!!

لهذا تدمع عيناه لأول وهلة وهو يشعر بقبضتي "أخيه" الداعمتين على ظهره..
لكنه ينتفض ليهتف مخاطباَ الضابط بقوله:
_لا تصدقه.. هو يكذب ليخلصني.. انا اعترف أنني المدان.
_بل هو الذي يكذب ليخلصني.. أنا المدان.
_اخرس انت الآن.. لن أقبل تضحية كهذه.
_ليست تضحية أيها الغبي.. أنا ال..

_اخرسا معاً!

يهتف بها الضابط بصوت مدوّ ليجبر كليهما على الصمت مردفاً :
_(بتتعازموا منك له؟! هي حفلة؟!)

يطرق كلاهما برأسه دون رد فيأمر الضابط الحارس بأن يذهب بكليهما للزنزانة حتى ينظر في أمرهما..
ولم يكد إيهاب يدخل للزنزانة حتى تعثرت قدمه الاصطناعية بساق أحد المساجين التي مدها عامداً كرسالة ترحيب قاسية يقدمونها لأي وافد جديد..
يسقط أرضاً لتنكشف ساقه الصناعية فتنطلق الضحكات المتهكمة مع التعليقات المتنمرة التي دفعت إياد لينقض عليهم دون حذر مكيلاً لهم ضرباته..

وفي مكانه جلس إيهاب للحظات شاعراَ بالوهن الطبيعي الذي غزاه بعد الحادث يدفعه للبقاء كما هو غارقاً في رثاء ذاته..
لكنه يعود ليتذكر عهده لعزة ولنفسه قبلها..
الفاجومي سيعود.. سيعود حقيقة لا قناعاَ هذه المرة!!

لهذا يتحامل على نفسه ليقف قبل أن يندفع بكل قوته لينضم لأخيه في معركة قصيرة الأجل فضها الحرس بعد دقائق..

يشعر بذراع إياد على ظهره يسنده حتي يصل به للحائط القريب فيتكئ على ما يصلح للجلوس هناك..
يرى خيط الدم الذي يسيل على وجه إياد فيمسحه له بخفة ليقول بشرود شابه الشجن :
_تماماً كالأيام الخوالي.
_تماماً كالأيام الخوالي.
يكررها إياد بشرود مشابه قبل أن ينتبه لما يجعله يساله بلهفة :
_أين أمي؟! متى كانت آخر مرة رأيتها فيها؟!
يبتسم إيهاب ابتسامة واهنة وهو يميز استخدامه العفوي لكلمة "أمي" كما لم يفعل منذ زمن بعيد.. ليتها كانت هنا وسمعتها كما سمعها.. دافئة ملتاعة ومشتاقة! لهذا يتنهد مجيباً :
_في بيتها بالتأكيد.. لم أمر عليها فقد جئت إلى هنا مباشرة عندما علمت.
يطرق إياد برأسه في جزع ملتاع قبل أن يحيطه بقبضتيه مخفياً فورة مشاعره.. ليسأله بقنوط:
_لماذا فعلت هذا؟!
_أخبرني أولاً.. هل أنت متورط حقاً بهذا الأمر؟!
حنان إيهاب القلق الداعم الذي يمسه لأبعد عمق يجعله يرفع وجهه إليه هامساً بانفعال عبر عينيه المحمرتين :
_بالطبع متورط.. وأكثر مما يمكنك تخيله.. هل تظنه واحدا من شجاراتنا التي كنا نخوضها معاً أيام مراهقتنا فيفتدي كل منا أخاه؟! تغيرت الأمور لقد كبرنا.. كبرنا.. كبرنا وكبرت معنا تعقيدات حياتنا!
_لكنك ستبقى أخي.. هذه هي الحقيقة التي لن تتغير أبداً.
يقولها إيهاب بعينين دامعتين وهو يضرب بقبضته على ركبة أخيه ليردف بندم:
_تسألني لماذا فعلتها؟! لأنني أنا المسئول عما جرى لك.. حتى لو كنت متورطاً كما تقول.. أنا الذي سرقت حلمك.. أنا الذي دفعتك للهرب لتسقط بين أولئك المجرمين.. أنا الذي عجزت عن إدراك كل ما مررتَ أنت به.. وأنا الذي صممت أذني عن الجواب المنطقي للسؤال الذي كان ينبغي طرحه بعدما رأيت حالك عقب عودتك من أين لك كل هذا؟!)..
يشيح إياد بوجهه دون رد ورعدة جسده تفضح بركاناَ هائجاَ يثور بين ضلوعه ليردف إيهاب بصوت متهدج :
_ليس ادعاء بطولة زائفة.. لكن.. دعني أدفع ثمن خطئي هذه المرة.. ألم تكن تعيرني دوماً بالهروب؟! أنا سجنتك كل هذا العمر في قفص من الخذلان.. من الحرمان.. والعدل يقول أن أُسجن اليوم مثلك.
يلتفت نحوه إياد وهو يشعر أنه الآن فقط يسمع كل الشرائط إنما بصوت أخيه الحي.. لا المسجل..
تمر على قلبه لا أذنيه..
كيف أعماه الحقد طوال هذه السنوات ليذره غارقاً في قاع ظلماته؟!
لم يعد يريد عوضاَ ولا رد اعتبار..
لم يعد يريد سوى أن يكون أخوه وأمه بخير!!

دمعة كبيرة تقف عاجزة على طرف عينه.. تزلزل هذا الجالس جواره ليهمس له بانفعال راج:
_سامحني.. سامحني.. آآه.. أخيراً وجدت القدرة على ان أقولها وقد بقيت طوال هذه السنوات تحرق صدري ولا أقوى على البوح بها.. أخيراً..
لكن إياد يشد على كتفه بقبضته مقاطعاً بهمسه:
_أنا سمعت الشرائط.
تتسع عينا إيهاب بصدمة لكن إياد يشدد من ضغط قبضته على كتفه ليردف بانفعال:
_دعنا ننحي كل هذا الآن جانباً.. اسمعني جيداً فحياة أمي الآن في خطر.
_ماذا؟!
يهتف بها إيهاب بارتياع فيقترب أخوه منه بوجهه ليردف بنبرة واشية بخطورة الموقف :
_اقترب واسمعني جيداً.. لن يمكنني الآن الوثوق بأحد غيرك.. سأحكي لك كل شيء.. فلنفكر معاً كما كنا في الماضي.. تذكر؟! عندما كنا صغاراَ وتواجه أحدنا لعبة ذكاء صعبة؟! كنا نفكر معاً كشخص واحد فنكسب أي لعبة.. وهذه المرة ليست استثناء.. سنكسب معاً يا أخي.
=======












=======
*أزرق*
======
تراقبه جنة بنظرات قلقة وهي تراه يحتضن كف (ملك) الصغيرة في نومها وقد انحنى بجسده فوقها يراقب ملامحها بشرود..
تدرك كم كانت قاسية عليه مواجهة كتلك مع ذاك الوغد..

تقترب لتسحبه من كفه برقة فيتنهد بحرارة وهو يهمس بخفوت مخافة أن يوقظ الصغيرة بينما يتحسس ندبة ذقنه التي أحدثتها جنة نفسها يوماً :
_اليوم خفت عليها.. خفت كما لم أفعل يوماً.. قد أمنحها أروع حاضر وأفضل غد لكن ماذا عن الماضي؟! عن ذنوب قصدتها او لم أقصدها.. كيف أحميها منها؟! كيف؟!

تضغط كفه بين راحتيها وهي تغادر معه الغرفة لتتوجه به نحو الأريكة القريبة..
تجلس لتسحب رأسه في حجرها ليمدد ساقيه في جلستهما الأثيرة..
ينقل بصره بتعب بين عينيها البندقيتين وضوء القمر الخافت الذي ينبعث من النافذة..
فتتخلل اناملها خصلات شعره وقبلاتها الناعمة تنثر بتلاتها فوق ملامحه:
_تسأل كيف تحميها من الماضي؟! بنفس الطريقة التي ما عدت بها تخشى الليل؟! أذكر أول ما عرفتك كنت تخاف الليل ونجومه.. لكن الحب والإيمان هما ما أنارا لك ظلمته.. فهد الصاوي ليس فقط رهاني الذي ربحته.. ومعركتي التي كسبت جميع جولاتها.. بل هو بطلي الذي جاورت خطواته خطواتي وصرت أتعلم منه كيف تقهر النفس ظلمة شياطينها وتجلي بريق ماساتها..

يتنهد بعمق وهو يضم ساعديها لصدره بقوة كأنه يخفي قلبه في كنفها هامساَ بمزيج من غضب وألم :
_يقولون أن (في حياة كل منا لحظة لا تعود بعدها الحياة كما كانت أبداَ).. ذاك الوغد كان شاهد تلك اللحظة.. أحياناً أقف لأسأل نفسي كيف كانت حياتي لتكون لو لم يكن هو فيها.. لو كنت عدت تلك الليلة التي كان فيها في فراش أبي لأجده خالياَ إلا من أمي.. لو كنت نمت جوارها في سكون لأكمل حياتي دون ذنوب.. دون تشوه..
_لم نكن لنلتقي.. لم تكن لتخوض معركتك وتنتصر.. لم تكن لتصير فهد الصاوي الذي عشقته بكل ما فيه.. ولم تكن لتقف اليوم هذا الموقف بكل هذا الثبات فتكون دعماً لصاحبك.. أحياناَ تكون أخطاء الماضي هي ما تشكل أحجار جدراننا.. نبنيها فتحمينا!

يبتسم لبلاغة التشبيه لكنه يعاود هز رأسه ليهتف بضيق:
_وددت لو ينتهي اليوم نهاية أفضل.. ذاك الوغد فر من مراقبة رجالي.
_انظر للجانب المضيئ من الأمر.. فراره هذا أكد شكوكنا انه هو.. فهمي البسيط لم يكن ليراوغ كي يهرب بهذه المهارة.. دعه يفرح ويطمئن بنجاحه ودعنا نحن نعمل بصمت حذر.
تقولها بعينين ملتمعتين فينهض من جلسته ليقول بترقب:
_أعرف وهج البندق عندما يتألق هكذا.. ماذا لديك؟!
_طرف خيط آخر.. شكي في (إياد) لم يكن في محله.. الغريب أن إياد الذي كان مصراً على براءته من تهمته عاد يغير أقواله ليدعي أنه هو.. حركة كهذه لم تفتني.. خاصة وكل شكوكنا في نزار أخيه كانت لتقود إليه هو.. لهذا شككت في أمر ما جعلني أزور بيت والدته اليوم..
_ولماذا والدته؟!
_إياد ليس له من أحد سوي اخيه نزار في العراق.. وإيهاب الذي ظن بسذاجة انه يمكنه فداءه بالاعتراف علي نفسه.. وأمه.. لو كان تغيير أقواله عن تهديد.. فلن يخرج الأمر عنها!
يتحفز في جلسته وهو يسألها باهتمام :
_وماذا وجدتِ ؟!
_المرأة مختفية منذ ألقي القبض عليه.. لا أحد من الجيران رآها من وقتها.
تقولها بنبرة ظافرة لينعقد حاجباه بتفكير قائلاً :
_هذا يعني أنه لو أمكننا إنقاذ المرأة فيمكننا ببساطة استنطاق إياد بالحقيقة كلها.
_بالضبط.. خاصة أن الكوبرا لن يفعل شيئاَ كهذا إلا لو كان إياد يعرفه شخصياً أو على الأقل رآه من قبل.
_ولماذا لم يلجأ لتصفيته؟!
_لأن غروره يحبب إليه المراوغة أكثر.. يلقيه لنا ك(طُعم زائف) كي ننشغل به.. يستمتع بلعبة شد الحبل يرخيه ويسحبه كيف شاء.. لكن حدسي يخبرني أن غروره هذا هو ما سيوقع به هذه المرة.

يتنهد بحرارة لتردف هي بضيق مشفق:
_ما يقبض قلبي حقاَ هو رؤى.. لا ذنب لها ولا لزوجها في كل هذا..يالله!! لا أصدق أنها تسكن بيتاَ واحداً مع وحش كهذا!

فيسبل جفنيه بخزي ليهمس بخفوت مرير :
_مهما وصفت لك فلن يمكنني شرح شعوري اليوم وأنا أقف أمام الأخويْن.. أحدهما نال من شرفي.. والآخر نلت أنا من شرفه..

تزدرد ريقها بتوتر وهي عاجزة عن منحه جواباَ يرضيه.. فتقول بضيق:
_رؤى وراغب لا يستحقان فضيحة كهذه.. أنت لا تعرف كم يحترم الناس زوجها في حيهما.. لو انكشفت الحقيقة فلن تسعهما تلك الأرض بعد الآن.
_لن يعرف أحد..
يقولها بحسم لتلتفت نحوه بدهشة فيردف بشرود :
_هذا ما سأحرص عليه.. أن ننال من ذاك الوغد دون أن نكشف حقيقته لأهله.. فليكن هذا رد ديني ل(رؤى).. لعل (سِتر) اليوم يشفع ل(كشف ستر) الأمس.
تدمع عيناها مع هذه الغصة في حلقها وهي ترى القدر يدور دورته بهذه الطريقة..
ترفع كفه نحو شفتيها تقبله بإجلال هامسة :
_كبرت يا حبيبي.
_ما (كبرت) هذه؟! لم تكن ثلاث سنوات فارق سن بيننا تدفعك دوماَ للحديث بهذه الطريقة!!
يهتف بها بسخط مصطنع وهو يخبطها بخفة على مؤخرة رأسها فتبتسم وهي تقبل جبينه تسترضيه لتردف بنبرة جادة تقطر عشقاً :
_كبرت ولا تزال تكبر في عيني يوماَ بعد يوم.. لا تعرف كم أنا الآن فخورة بك.. هاهي ذي الأيام تمر لأدرك أي رجل عظيم أحببته.. بالله لا تقل من جديد أنك تخاف من الماضي مادام ضميرك يقظا هكذا فلا خوف من أمس ولا غد.
========










======
_سمرا..! (عاش من شافك)!

تهتف بها زميلتها في محل ملابس الأطفال الذي عادت للعمل فيه لترد بابتسامة واهنة مستجيبة لعناقها..
يسرا الصباحي عرضت عليها وظيفة أفضل لكنها اكتفت بقبول المسكن البسيط الذي وفرته لها..
اعتبرته تعويضاً عما فعلته بها خاصة وهي لا تستطيع العودة لبيتها القديم كي لا يتعرض لها ذاك البلطجي الذي زادت يسرا من مشاكلها معه..
فلتنتهِ الحكاية عن هذا الحد.. وكفاها ما كان!

_نسقي واجهة المحل.. اختاري لوناً ملفتاً بدرجاته كي يجذب الانتباه.
تقولها زميلتها لتهمس هي بشرود :
_أصفر.

تقولها وهي تتذكر آخر لقاءاتها بيسرا.. وقتها كانت تحتضن منامة صفراء كانت لصغيرها الراحل.. لا تزال تذكر رعشة صوتها وهي تخاطبها بنبرة أخرى غير تلك المتغطرسة التي طالما عرفتها به :
_سامحيني.. لم أكن أظن الأمر سيصل بنا إلى هذا الحد؟! تذكرين كيف كان لقاءنا الأول؟! كنت عندك في المحل.. أشتري منامة كهذه.. ابني كان يليق به كثيراً هذا اللون.. كنت أحبه كثيراً عندما يرتديه فيبدو كشمس صغيرة تعانق السماء ببطء.. ينافس شقرة شعره ويصنع مع حمرة شفتيه مزيجاً رائعاً.. تعلمين ؟! لم أذق في حياتي دفئاً كذاك الذي يغمرني عندما كنت أحتضن شمسه الصغيرة تلك.. شمساً أهملتها فعاقبتني بظلمة أعيش فيها حتى هذا اليوم.. بل.. حتى هذه اللحظة..لا أريد إبكاءك لكنني فقط أريدك أن تفهمي اجتياح شعوري وقتها.. الاجتياح الذي يدفع امرأة لشراء منامة لطفل توقن أنه أبداً.. أبداً لن يرتديها.. ومع هذا تصر على المزيد والمزيد من الشراء حتى تتكدس الخزائن.. تتكدس الخزائن بقدر فراغ حضنها منه.. وبقدر اشتياق قلبها له!

تمسح سمرا دموعها وهي تحاول نفض الذكرى عن رأسها لتتحرك كي تمضي في عملها..
تنسق المنامات فوق بعضها بشكل جذاب لتستقبل زبائن المحل محاولة العودة لحياتها السابقة..
لعلها تعلمت درسها أن حياة هؤلاء الأثرياء أكثر تعقيداً مما كانت تظن!
تنغمس في عملها كنحلة دؤوب.. تعرض الملابس وتساعد الأطفال في القياس.. تحتمل سخافات بعضهن وغطرسة بعضهن وتردد أخريات..
لكنها تنتبه أخيراً على صوت قريب كصوت التقاط صورة مع ذاك الضوء الذي شعرت به في وجهها فتلتفت بدهشة لمصدره..

_أنت؟!

تتمتم بها بذهول وحمرة غريبة تخضب وجنتيها بينما تميز ملامح فادي الذي أعاد هاتفه لجيبه وهو يقترب منها ليقول بنبرة غامضة:
_كان ينبغي أن أستأذن اولاً قبل أن ألتقطها.. لكنني أردتها عفوية غير متكلفة.. تسمحين لي بالاحتفاظ بها؟!

تزداد حمرة وجنتيها لكنها تتحكم في نبرتها وهي تشيح بوجهها قائلة بتهكم :
_ولماذا تحتاج لصورة لي؟! ظننتك تملك الكثير من الصور لامرأة بملامح متماثلة!
_أردتها صورة لك أنت.
يقولها بنفس النبرة الغامضة التي شابتها مرارة لاهبة وهو يردف :
_صورة شبيهتك تخنقني.. لعل صورتك لا تفعل.
لا تجرؤ على سؤاله عما يعنيه مع هذا الجرح الذي يبدو واضحاً في عينيه والذي صارت تدرك سببه..
لهذا تطرق برأسها لتغمغم بخفوت :
_هي أخبرتني بقصتكما.
_كذبت وادعت دور البراءة؟!
يسألها ساخراً لتهزز رأسها نفياً بقولها :
_على العكس.. حكتها وكأنها تتطهر من ذنب آخر اقترفته.. للحقيقة دوماً جانب آخر قد لا نراه لكنه يبقى صادقاً.. مؤثراً.. ومظلماً.
تقولها بعمق استغربه ليسألها باهتمام :
_كم عمرك؟!
تذكره فيتعجب.. قرابة العشر سنوات بينها وبين يسرا ومع هذا تبدوان نفس الشكل!
صوتها ليس رقيقاً مغناجاَ كيسرا بل به بحة خشونة واضحة..
كأن لصوت كل منهما نصيباَ من طبيعة حياتها!
_فتاة في مثل عمرك كانت لتكون الآن مجرد طالبة تدرس.. ما الذي دفعك لقبول عرض مشبوه كذاك الذي عرضته هي عليكِ؟!
يسألها باهتمام استحوذ عليه وهو لا يزال يتعجب الشبه بينهما لترد بخزي :
_لو عشت حياة كالتي عشتها لأدركت أنه لم يكن عرضاً مشبوهاً كما تظن.. بل طوق نجاة!
_وهاهو ذا الطوق كاد يلتف حول رقبتك فيخنقك!
يتمتم بها بسخط فترفع عينيها إليه لتسأله بتردد :
_لماذا ساعدتني ذاك اليوم في المحكمة؟!
_شق عليّ أن أراها تسحب غيرها لمصائبها كما اعتادت.. شق عليّ أن أراها تخرج دوماً كالشعرة من العجين وتترك لغيرها تجرع مرارة خطاياها.. شق عليّ أن أرى ابني يسقط أمام عيني ويموت من جديد..
تدمع عيناها وهي تشعر بحرقة قلبه لتقول :
_عندما قالت لي يسرا هانم أنها ستحكي لي حكايتكما قلت لنفسي (القاضي العدل لا يصدق رواية واحدة وينتظر حتى يسمع من الطرفين).. ظننتها ستنصف نفسها.. لكنها أنصفتك أنت.. اعترفت بذنبها في حقك.. ليتك تسامحها.
تزيغ نظراته بشرود قبل أن يهز رأسه بقوله:
_عندما أتيت إلى مصر تصورتني سأشمت في مصابها.. لكنني وجدتها كما هي.. لا تزال تجيد الخداع.. ولا يزال القدر يمنحها فرصتها في الهروب من العقاب.
_صدقني.. هي تغيرت.. ربما لو قابلتها وسمعت منها.. ربما..
تهتف بها مدافعة بحماس ليقاطعها بشبه ابتسامة وبنظرة تفحصتها كاملة :
_أنتِ طيبة جداً.
حمرة وجنتيها تصل أقصاها فترفع أناملها تداريها كجرم يستوجب العقاب وحروفها تتلعثم :
_حق الله! لا أجاملها.. أنا.. أقصد هي..
تتسع ابتسامته وهو يتعجب المقارنة بين بساطة فتاة كهذه وتعقيد امرأة كيسرا.. والاثنتان بنفس الملامح!
لا يتعجب جنون إبراهيم طليق يسرا.. صدمته لاريب كانت هائلة!!

_أعتذر منك.. موعد طائرتي اقترب.. سأغادر.
يقولها وهو ينظر في ساعته فتضطرب خفقاتها وهي تهز رأسها لترمقه بنظرة طويلة عجزت فيها عن إغماض عينيها كأنها تحفر له داخل روحها خندقاً بطول حلم مستحيل..
خندقاً يجعلها تسأله بمزيج من ترقب وخجل:
_لماذا جئتني اليوم؟!
سؤالها - على منطقيته- يصدمه!
لماذا جاءها هي؟!
ربما لأنه لم يستطع زيارة يسرا كي لا يرى وجهها المنتصر دوماً يسخر من وجعه؟!
ربما لأنه لا يزال طرافة في رؤية امرأة تشبهها كل هذا الحد وتختلف عنها كل هذا الحد؟!
وربما لأن جزءاً خفياً داخله لا يزال يعترف أنه عشق هذه الملامح يوماً بكل عنفوانه.. ولا يزال عاجزاً عن ربطها بروح صاحبتها المشوهة!
(ليت ملامحك هذه لامرأة أخرى غيرك)
يكاد يبتسم ساخراً وهو يتذكر كم كان يقولها ليسرا..
كأنها كانت نبوءة؟!!
لهذا يكتفي بزفرة قصيرة مع إشاحته بوجهه قائلاً بما بدا صادقاً لأبعد حد :
_لا أعرف.

يعطيها ظهره ليغادر بخطوات رصينة تشي بنبل طبقته لكنها تستوقفه..

_انتظر.

يلتفت نحوها بترقب فتمتد أناملها نحو أحد المنامات الصفراء.. تجذبها لتضعها في أحد أكياس المحل.. تمد كفها به له لتقول بابتسامة مرتعشة :
_ربما لن أستطيع دفع أتعاب المحامي الذي أحضرته لي وظني أنه حتى لو عرضتها فلن تقبلها.. لكن يمكنك قبول هذه مني.
يرمق كفها الممدود بنظرة غريبة فتردف بخجل كأنما تفسر حماقتها :
_الحياة تستمر.. يوماً ما سيعوضك الله بطفل آخر.. لعلك ساعتها تتذكر بشرى فتاة مصرية بسيطة كانت أول من أهداك شيئاَ له!

ابتسامة تشبه خاصتها تولد على شفتيه ببطء كشمس صغيرة..
يمد كفه ليتناول منها الكيس فتتلامس أطراف أصابعهما عفوياً لتشعر هي برعدة جسدها كله..
لا..لا.. فات أوان حمرة الخدين.. تظنهما الآن قد تفحما!

_(يسلموا دياتك)
بلهجته اللبنانية يقولها فتقع في قلبها موقعاً يزيد عمق (خندق الحلم) في روحها..
تسمح أخيراً لتنهيدة حارقة ان تغادر حلقها بعدما اطمأنت لخروجه من المحل..
_(دخيل قلبه أنا!)
تهتف بها زميلتها متهكمة بحرارة مصطنعة فترمقها بنظرة عاتبة لتضحك الأولى قائلة :
_الله يسهل له.
تبتسم رغماً عنها وهي تعود لترتيب صف المنامات وعيناها تزوغان بنظرة شاردة..
بدأت قصتها مع يسرا ب"منامة".. وانتهت ب"منامة"!
لكن.. هل انتهت حقاً؟!
=======






*أحمر*
========
_خطبة إبراهيم الليلة!

لا تزال الكلمات المكتوبة تصنع أمام عينيها غشاوة (حمراء) من ذهول..
ذهول يكاد يدفعها للجنون..!
هل رأى امرأة سواها؟!
ولماذا تلومه؟! ألم يعلم أنها كانت لثلاث رجال قبله؟!
الغشاوة الحمراء تتلون بزرقة الألم..
ألم يدفعها للحسرة.. هل ستكسب (الأخرى) المقارنة أمامها؟!
بالتأكيد.. أي امرأة الآن سترجح كفتها في ميزانه مادامت الكفة الأخرى التي تخصها هي ملوثة بخديعتها!!
الغشاوة( الزرقاء) تتلون أخيراَ بسواد الغضب..
غضب يدفعها للرغبة في تدمير كل شيء..
لن تتركه لغيرها.. لن تفعل أبداً.. حتى ولو استعانت بخدمة أخرى من (ابنة الصباحي)!!

_كوثر!

تصرخ بها بانفعال هادر وهي تلقي هاتفها جانباً حيث الرسالة التي أرسلها لها قيس بحسرة بعدما يأس الجميع من إقناع إبراهيم بالعدول عن هذه الخطبة!

تندفع كوثر إليها بخوف من صراخها الهستيري الذي عادت له طبيعتها النارية والذي زادت حدته الآن :
_أريد كل طاقم الأمن بالخارج.. بأسلحتهم.. كلها.. كلها.. قولي لهم أن يستعدوا بسياراتهم.. أريد موكباَ مخيفاً.. مخيفاً.. تفهمين؟!
_اهدئي يا ابنتي.. اهدئي وأخبريني بما حدث!
تهتف بها كوثر محاولة تهدئة جسدها الذي يرتعد بغضب هادر يليق بنبرتها وهي تخبط بقبضتها على صدرها :
_أهدأ؟!!! أهدأ؟!!! سيخطب الليلة!! سترى عيناه امرأة غيري!! هكذا ؟! هكذا انتهت الحكاية؟! هكذا سيتجاوزني كشخبطة قلم مسحها بممحاته لتعود صفحته نظيفة دوني؟ هكذا كنت لديه بهذا الثمن البخس؟!
تهز المرأة رأسها لتقول بتعقل رغم تأثرها:
_لم يكن أحدكما ليناسب الآخر.. عالمك غير عالمه.. انسيه يا ابنتي.. انسيه ودعيه ينسى.
_أنسى ؟! أنسى؟!
تصرخ بها بهياج مستنكر ولا تزال تخبط بقبضتها على صدرها.. تصمت للحظات كأن عقلها الثائر لا يزال عاجزاً عن التصديق.. قبل أن تعاود صراخها :
_نفذي ما قلته حالا..حالاً..
تطيع المرأة صاغرة بعينين دامعتين لأجلها..
ما أشبهها بطير ذبيح يتخبط بين الجدران برقصة صاخبة ظاهرها الجبروت وباطنها الوجع!!

الموكب المهيب الذي ارادته يعد كما أرادت..
سيارتها الفخمة معتمة النوافذ تتقدمه نحو المكان الذي صار أحب الأماكن إليها..
دخلته كثيراً ك(سمرا) فلفظوها بعد طول ود..
والآن تدخله ك( يسرا) وليكن ما يكون!!
لن تتم هذه الخطبة ولو على جثتها!!
تتوقف السيارة في الحي أمام بيت العروس الذي بدا واضحاَ بأنوار الزينة التي علقت عليه..
تلقي على نفسها نظرة أخيرة في مرآة السيارة تزيد هياجها الثائر..
حجابها وثيابها المحتشمة ك(سمرا)..
سطوتها وجبروتها ك (يسرا)..
فمن هي الآن بينهما؟!
مجرد راقصة على السلم يحتقرها من بأعلاه ويزهد فيها من بأسفله!!

نيران الثورة داخلها لا تزال تشوش على كل شيء..
لم تكن مجرد غيرة من امرأة ستأخذ مكانها..
بل كانت انتفاضة لكل ما بقي لها هنا!!

تعطي أوامرها للرجال الذين أثاروا الخوف في نفوس أهل الحي وهم يغادرون سياراتهم بأسلحتهم وهيئتهم التي تمزج القوة بالنفوذ..

_اتبعوني لأعلى.. عندما آمركم تبدأون التنفيذ.. لا تؤذوا أحداً.. إياكم.. بضع طلقات في الهواء تخيفهم لينفض الجمع ويفسد هذا الحفل..

يهزون رؤوسهم بطاعة كانت لتمنحها نشوة السيطرة في أي موضع سوى هذا..
لا تزال الغشاوة السوداء على عينيها تمنعها رؤية أي شيء عدا هذا الغضب الثائر الذي يحرق روحها..
فلتكن هذه رسالتها له.. ولأي امرأة تضع نفسها في طريقها..
لن تسمح له ان يكون لسواها!!

يتزاحم الناس بفضول وهم يرون المرأة التي طالما عاشت وسطهم بصورتها الجديدة التي أثارت مزيجاً من رهبتهم وإجلالهم..
الموكب الغريب الذي تتقدمه هي نحو بيت العروس يتسع أكثر وأكثر وكأن الحي كله الآن صار في طريقه لشقة واحدة..!

وفي مكانه بصالون بيت العروس كان إبراهيم يجلس مكانه مطرق الرأس..
يحاول تكلف ابتسامة على شفتيه ترضي العروس وأهلها لكنهما بقيتا متحجرتين يابستين ك(ورقة نعناع) جافة.. بل محترقة!
يختلس نظرة لجانب وجه العروس..
بارعة الجمال..شديدة التدين.. خجول.. تبدو سعيدة جداً بهذه الزيجة.. يعرفها منذ كانت صبية صغيرة تحضر معه دروس المسجد..
هكذا إذن يمتلئ العالم بالزوجات الصالحات اللائي يأتمنهن على بيته وعرضه و.. قلبه!
قلبه؟!
نظرة مختلسة أخرى تجعل عينيه تلتقيان بعيني العروس في نظرة قصيرة..
سعيدة.. راضية.. تبدو معجبة به حقاً.. إنما..
أين تلك اللمعة في عينيها؟!
لمعة تخبره أن صاحبتهما ليست معجبة به فحسب.. لا تحبه فحسب.. بل (تراه الدنيا وما فيها) ؟!
لمعة لم يرها في حياته سوى في عينين فقط؟!
عينين كاذبتين.. لم يُرِدْ في حياته تصديق كذب إلا كذبهما!!
يغمض عينيه على دمعة كبيرة بحجم هذا الجرح داخله وهو يشعر بالزغاريد حوله تستحيل لصراخ داخل روحه..

هذا الذي شعر به ربيع وهو يشد بقبضته على كتفه مسبلاً جفنيه بعجز..
كان بوسعه أن يمنعه من هذه الخطبة لكنه كان يعلم متى يشد اللجام حول الفرس الجامح ومتى يطلقه..
لعل ابنه يحتاج لأن يجتاز هذه التجربة بنفسه..
لعلها تكون بوابته لأن يفهم نفسه.. لأن يمنحها فرصة التوقف بعد العدو الطويل كي تستريح.. لعلها متى استراحت استمعت.. لعلها إذا استمعت فهمت.. وأعذرت.. ولو لم تملك تمام الصفح!

يفتح إبراهيم عينيه كي ينظر لأبيه لكنه يصطدم بها هي..
(الرامية القرمزية) عادت لتلقي سهماً آخر!!
اشتياق!
اشتياق هادر لم يتصوره بهذا الاجتياح يعصف بروحه فلا يعرف أي قوة امتلكها كي لا يركض إليها..
وغضب!!
غضب لا يقل اجتياحاً وهو يراها زبانيتها خلفها بثيابهم السوداء وأسلحتهم في جيوبهم..
هل فوجئ بها؟!
الغريب أنه كان ينتظرها!!

لهذا كان أول من تمالك دهشته وصخب المكان حوله يستحيل فجأة لصمت مهيب بمجرد دخولها..
يقف مكانه وقفة متحدية تناقض هذه النظرة الكسيرة في عينيه وهو يراها تقترب حتي صارت قبالته تماماً..
الغضب الهادر يوزع قسمته بالتساوي بينهما في هذه اللحظة وهي ترمق عروسه بنظرة كادت تحرقها مكانها..
تعرف هذه الفتاة..
تعرف كم هي شديدة التهذيب.. واضحة التدين.. بالغة النقاء..
صورة تكفي لطمس صورتها هي تماماً في عينيه!!
الغشاوة (السوداء) تزداد قتامة والغيرة تفتت روحها ألف قطعة..
تضم قبضتها بقوة وهي تكاد ترفعها لتمنح رجالها أوامرها..
فلينفض هذا الجمع.. ولتصل الرسالة للجميع..
(هذا الرجل لي.. هذا المكان لي.. ولن أسمح لأحد بأخذه مني)

تكاد تصرخ بها بجنون لكن نظرة لعينيه هو تخرسها!!
نظرة رجل لا يزال ينزف بجرح هي من صنعته.. والآن يجد فرصته ليداويه.. حتى ولو بيد غيرها!!
الغشاوة السوداء تنزاح رويداَ رويداً لتحل محلها غشاوة من دموع وعيناها تدوران في المكان ككاميرا سريعة الصور فقد صاحبها صوابه..!!!
العروس (المثالية).. أهلها (الطيبون).. المكان (النظيف) على ضيق حاله.. ربيع.. أبوها الحقيقي الذي يرمقها بنظرة طويلة صامتة كأنه ينتظر المزيد من نتائج اختباراتها..
و.. مصحف! ..
مصحف كبير موضوع على مائدة منزوية هناك جرت إليه عيناها كأنه يذكرها ب(هويتها الجديدة)!

وأخيراً تنزاح الغشاوة تماماً..
لا تدري أي سيل أطفأ نيرانها تاركاً لها هذا الرماد الخانق داخلها..
رماد يقتلع جذور جبروتها فتعطي أوامرها لرجالها بالانصراف!

يتبادل الحضور نظرات مندهشة.. فقط ربيع يرمقها بنظرة داعمة لم ترها وهو يشعر أنها لم تخيب ظنه فيها..
نظرة لم ترها وعيناها معلقتان بعيني إبراهيم الذي زاد غضبه حد الثورة وهو يصرخ بها بانفعال :
_لازلتِ تحبين الاستعراض يا ابنة أبيكِ.. لازلتِ تتحينين الفرص لتتلاعبي بالناس..


هنا تتحرك عروسه لتقترب منه مهدئة بحركة عفوية فضحت قلقها عليه..
حركة غرست هذا النصل الموجع في قلب يسرا..!!


لكنها وجدت نفسها تحيد ببصرها عنه نحو عروسه قائلة بنبرة لم تعرف كيف غادرت شفتيها :
_اعتني به.. امنحيه ما عجزت أنا عن منحه.
ترمقها الفتاة بنظرة مرتبكة وهي لا تعرف بماذا ترد..
فيما يتجمد إبراهيم مكانه وهو ينتبه للقلادة في عنقها..
ثلاثة قلوب عادت تلتحم معاً على صدرها..
(حبيبة إبراهيم) (الرامية القرمزية) (أم حسن)!
متى أصلحت هذه؟! ولماذا ترتديها؟!
تباً لها..
بل تباً له هو ولهذا الوهن الذي يسري غادراَ بين اوردته!!

أنامله المرتعدة تمتد دون وعي تهم بخلعها عنها ليمزقها كالمرة السابقة لكن كفيها يمنعانه في اللحظة الأخيرة..
لحظات سرى فيها دفء غريب بين الأكف الباردة..!!

لحظات تسربت فيها (رائحته) التي اشتاقتها حد الجنون لأنفها الذي تنشقها ك(نفَس حقيقي) وسط كل ما سبقه وما سيتبعه من (أنفاسها الخادعة)..
وقطعه همسها شديد الخفوت.. شديد الرجاء..شديد العُتب.. وشديد الصدق :
_دع لي بعضاَ منك.. فبعضٌ منك "كلّي"!

يوماَ ما سيحسد نفسه على قوة امتلكها في هذه اللحظة وهو ينتزع كفه من كفيها لكنه الآن سيستسلم لقسوة شعوره بهذا البرد..
تماماً مثلها!

تغادر المكان بخطوات مهزومة رغم شعورها بهذا الانتصار الصغير داخلها..
(ابنة ربيع) هزمت (ابنة الصباحي) هذه المرة في جولة (الأنانية)!

لو كانت سعادته مع سواها.. فليكن سعيداً و"كفى"!
تغادر بيت العروس لكنها تشعر بكف ربيع على كتفها.. كعهده ممزق بينها وبين ابنه.. يهمس لها بأسى :
_هبة لم تحضر الخطبة تعبيراً عن اعتراضها.. اذهبي إليها وسآتيكما بعد قليل.
ترتجف ابتسامتها الباكية وهي تشعر أن حزنها خنق حروفها كلها الآن!
تطيعه لتغادر بيت العروس نحو بيت هبة القريب..
تصعد الدرج نحو السطح الذي استقبلها بغربة تشبه غربة روحها..
حتى زهوره الملونة بألوان قوس قزح بدت لها ذابلة.. أم أن عينيها صارتا الذابلتين؟!
خطواتها المهزومة تنتهي أمام (الباب العزيز) تطرقه وصوتها المختنق أخيراَ يغادر شفتيها..

_افتحي يا هبة.. افتحي.. لا تفعلي مثلهم..

طرقاتها تعلو مع صوتها الباكي والصمت الرافض يغرس نصل الوجع في صدرها أكثر..
فتردف وهي على شفا الانهيار :
_افتحي.. لم أشعر باحتياجي إليكِ كما أنا الآن.. هذا الباب (لم) يُغلق في وجهي أبداً.. ظننته كذلك (لن) يغلق في وجهي أبداً.. أبداً..

تنقطع كلماتها بشهقات بكائها وهي تشعر بهوان نفسها..
لكن الباب يُفتَح أخيراً ليطل منه وجه هبة العاتب..
عيناها الدامعتان بحزن تشفعان لهذه الصفعة الواهنة التي هوت بها على وجنة يسرا هاتفة:
_وهل جعلتِ خاطراً لأجل ما كان خلف هذا (الباب)؟!

تنهار يسرا في بكاء خافت مذنب فتجذبها هبة بين ذراعيها لتشاركها في بكاء قصير.. إنها المرة الأولى التي تراها فيها يسرا تبكي هكذا..

_ماذا فعلتِ بنا وبنفسك يا غبية؟! إبراهيم لن يسامحك أبداً!

تهتف بها هبة أخيراً وهي تبعدها لتتفحص ملامحها باهتمام كأنها تطمئن عليها فتعض يسرا شفتها هامسة بصوت مبحوح :
_هذا يعني أنكِ أنتِ سامحتِني؟!

تعود هبة لتفرس ملامحها للحظات ثم تضمها لصدرها من جديد وقد عادت لبكائها الفاضح لقلبها الرقيق خلف خشونتها الظاهرة :
_غاضبة منك.. غاضبة حد رغبتي في فلق رأسك هذا نصفين.. لكن.. لكن..
تقطع عبارتها دون أن تكملها لكن يسرا تفهم ما خلفها فتربت على ظهرها لتهمس برجاء :
_أنتِ بالذات وددت لو أخبرك بالحقيقة من اول يوم.. لكنني خفت.. ليس كل الناس محظوظين مثلك.. يرون طرقهم الواضحة فيسيرون فيها دون عوج.
ترمقها هبة بنظرة عاتبة طويلة امتزجت بفيض مشاعرها وهي تستعيد ما أخبرها به ربيع عن زيارته لها..
تهم بقول آخر لكن عينيها تتسعان بذعر وهي تميز المشهد خلف يسرا..
تلتفت يسرا بدورها لتشهق برعب وهي ترى بدورها..

سامي (الصغير) كان واقفاً على سور السطح يرمقها بنظرة عاتبة وحزنه الطفولي يجتاح كلماته :
_(را.. را).. نسيتِني مثلهم.. وسندس تركتني.. هي كانت تقول لي لو وقعت من هنا فسألحق بأبي وأمي.. وأنا أريد اللحاق بهما..

_لا.. لا.. لا..

تصرخ بها يسرا بجنون فلا تدري كيف ركضت قدماها إليه كأنها تسابق القدر..
الصورة في عينيها تتبدل..
منامة تتلوث بلون الدم..
وصغير آخر يشبهه يسقط..
لم تره ساعتها.. لكنها الآن تراه!!

_لا يا (شادي).. لا..

تصرخ بها وهي لا تميز واقعاً من خيال..
أكثر من منتصف جسدها يتدلى خارج سور السطح تمسك بالصغير في آخر لحظة..
يختل توازنها وهي تكاد تسقط معه لكنها تجاهد بكل ما اوتيت من قوة لتنقذه..
تنجح.. إنما تسقط هي!

لم تعرف في حياتها (سقوطاً) يشبه (التحليق) كهذا!
هي أنقذت شادي!
منامته لن تعود ملوثة بالدم!
صوت الارتطام يصفع إدراكها لكنها لا تشعر بألم!
فقط ابتسامة شاحبة تغزو شفتيها وهي تغمض عينيها..
تشعر برائحته بين ذراعيها..
وبذاك اللحن القديم يدوي في أذنيها.. إنما مشبعاً بارتياح غريب هذه المرة..
(انا صرت أكبر.. وشادي بعده صغير)

جفناها المثقلان بصعوبة يكشفان عن منظر لأهل الحي الذين تجمعوا صارخين حولها..

_إسعاف.. بسرعة.. تنزف..

فتغمضهما باستسلام لدقائق لم تدرِ عددها حتى وصلها صوته الحبيب يصرخ بلوعة :
_لا أحد يمسها.

هنا تجاهد بكل ما أوتيت من قوة لتفتح عينيها..
تراهم جميعاً وقد سقطت عند ارجلهم كذاك اليوم الذي طردها فيه من بيته..
لكن شتان بين نظراتهم وقتها و.. اليوم..!!
بعدما صرخت فيهم هبة وقد حملت الصغير :
_كانت تنقذ سامي.. أدركته وسقطت هي!

نظراتهم تحمل تقديراً..
ونظراته حملت خوفاً أشفقت عليه منه..!
لا يزال يصرخ بالجميع ألا يمسها أحد حتى يخترق الصفوف فيجثو على ركبتيه لينحني فوقها فتكاد تحترق بلهب انفاسه المتلاحقة..

_وصلت سيارة الإسعاف.. تماسكي..

الرعب في عينيه يخنقهما معاً..!!
لو كان الأمر بيدها لتحاملت على نفسها كي تقف لأجله..

_سامي.. بخير..

تتمتم بها بخفوت وقد عاد لها بعض الإدراك فيهز رأسه وهو يحملها بين ذراعيه ليضعها برفق فوق محفة الإسعاف..
تنهل من نظراته التي اختفت قسوتها لتحل محلها رهبة حقيقية أشفقت عليه منها وهي خير من تدرك عذابه بها..
لكن جفنيها ينغلقان رغماً عنها وأناملها تضغط على بطنها كأنما تستعيد الماضي.. لتتمتم أخيراً بابتسامة خلاص شاحبة:
_لا بأس.. على الأقل.. أنقذت طفلاً لي هذه المرة.
=========
انتهى الطيف الرابع والأربعون.


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 01:26 AM   #3472

Mai aboelmaged

? العضوٌ??? » 454989
?  التسِجيلٌ » Sep 2019
? مشَارَ?اتْي » 119
?  نُقآطِيْ » Mai aboelmaged is on a distinguished road
افتراضي

ايه يا نيمو الفصل ده يا نيمو اييه الجمال ده 💙💙💙💙
انا مش عارفه ابطل عياط و الله علي مشهد يسرا 😭😭😭😭😭


Mai aboelmaged غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 01:35 AM   #3473

مريم ابو السعود

? العضوٌ??? » 477851
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 38
?  نُقآطِيْ » مريم ابو السعود is on a distinguished road
افتراضي

رائع رائع رائع رائع.... دايما رائعه ودايما دايما متفوقه ...⭐⭐⭐⭐⭐👏👏👏👏👏👏👏👏👏👏👏👏 برافو نيمو .... مشاعر كتير اوي اوي عاوزه اكتبها .... سلمت يداك 🌹🌹🌹🌹🌹

مريم ابو السعود غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 01:48 AM   #3474

ميمو٧٧

? العضوٌ??? » 416015
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 700
?  نُقآطِيْ » ميمو٧٧ is on a distinguished road
افتراضي

سيدة المفاجأت بلا منازع يا ويل حالي على سامي

ميمو٧٧ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 02:00 AM   #3475

حنان عبدلي

? العضوٌ??? » 485258
?  التسِجيلٌ » Feb 2021
? مشَارَ?اتْي » 32
?  نُقآطِيْ » حنان عبدلي is on a distinguished road
افتراضي

ايه الجمال دااا
بداية بفهمي و حسام و فهد و جنة
اياد و اهاب 💪❤
و في الاخر يسرا و هبة 😢😢😢
يسرا و سامي 💔💔
و ابراهيم اخيير 😍😍😍
بجد الفصل عظيم تسلم ايديكي ❤❤❤❤


حنان عبدلي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 02:02 AM   #3476

داليا انور
 
الصورة الرمزية داليا انور

? العضوٌ??? » 368081
?  التسِجيلٌ » Mar 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,195
?  نُقآطِيْ » داليا انور is on a distinguished road
افتراضي

لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم 😭😭😭😭😭😭😭😭😭 والله عمرى ماتخيلت احزن عليها بعد إللى شفته منه ابدعتى بجد

داليا انور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 02:39 AM   #3477

ماماسماح

? العضوٌ??? » 495260
?  التسِجيلٌ » Nov 2021
? مشَارَ?اتْي » 76
?  نُقآطِيْ » ماماسماح is on a distinguished road
افتراضي

رهيب رهيب رهيب بجد نيموو تسلم ايدك يا جميل فصل رائع

ماماسماح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 03:06 AM   #3478

Omsama

? العضوٌ??? » 410254
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 867
?  نُقآطِيْ » Omsama is on a distinguished road
افتراضي

مش عرفه اعبرلك بجد عن جمال الفصل تحفه و رووووعه قليله عليه انتى مبداعه يانيمو

Omsama غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 03:13 AM   #3479

amira_adel

? العضوٌ??? » 271425
?  التسِجيلٌ » Nov 2012
? مشَارَ?اتْي » 254
?  نُقآطِيْ » amira_adel is on a distinguished road
افتراضي

مش ممكن مشهد يسرا بكيتيني من قلبي
مش عارفة اقولك ايه كل فصل اقول اكيد ده اقوي فصل و دي اقوي مواجهة يجي الفصل اللي بعده الاقي ان رجوع قوس قزح هيسيب علامة في كل مراحله..
تسلم ايدك و تسلم مرهبتك يا أستاذة 💙💙🥇


amira_adel غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 03:22 AM   #3480

المنيرررة
 
الصورة الرمزية المنيرررة

? العضوٌ??? » 489566
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 162
?  نُقآطِيْ » المنيرررة is on a distinguished road
افتراضي

عن البارت الحادي والعشرون
جبااااااارة
انت جبارة يا نيمو
مش سهله لالا
حبكه اسود صحيح
الا صحيح انا كنت قلت ام بشك ان يحيى هو اياد
طب عشان مزعلش نفسي انا انحرفت شويه بدل يمين رحت شمال
مع ان نزار كان جنبه فى نفس المكان وطلع هو اخو اياد
يغني مبعدتش كتير 🙄😂😂😂


المنيرررة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:18 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.