آخر 10 مشاركات
زوج لا ينسى (45) للكاتبة: ميشيل ريد .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          جدائلكِ في حلمي (3) .. *مميزة و مكتملة* سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          ألـمــــاســة الفــــؤاد *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          كلوب العتمةأم قنديل الليل ؟! (الكاتـب : اسفة - )           »          52 - عودة الغائب - شريف شوقي (الكاتـب : MooNy87 - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          أسيرة الكونت (136) للكاتبة: Penny Jordan (كاملة)+(الروابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          605-زوجة الأحلام -ق.د.ن (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree5716Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-03-22, 01:39 AM   #3611

فاطيمه 2000
 
الصورة الرمزية فاطيمه 2000

? العضوٌ??? » 382105
?  التسِجيلٌ » Sep 2016
? مشَارَ?اتْي » 162
?  نُقآطِيْ » فاطيمه 2000 is on a distinguished road
افتراضي


تسجيل حضور فى انتظار 💙💙💙💙💙💙💙💙💙

فاطيمه 2000 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-03-22, 01:54 AM   #3612

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

الطيف السابع والأربعون
=======

*بنفسجي*
=========

تراقبه ديمة من خلف زجاج شرفة البيت المطلة على حديقته بعينين ملهوفتين.. ومسجونتين بقيود غير مرئية!
تراه يلاعب سند وقد أحضر له أحد جراء سلطانة ليعلمه كيف يعتني به فتشعر وكأنه هو..
هو هو لم يتغير..!
لكنها تتذكر انه لم يسأل الخادمة عنها هي ولم يطلب رؤيتها..
كأنه سيكتفي بزيارة سند ككل مرة منذ طلاقهما ويرحل دون أن يتحدث إليها فتهمس لنفسها بحسرة هي للخوف أقرب :
_لم يعد هو!

تتحرك نحو مرآة قريبة لترى صورتها..
سلسلته التي أهداها لها بحجر الكونزيت الذي يبدو جماله في الظلام أكثر..
تتحسسها اناملها ببطء وهي تراها تصنع مع قرط هالة بوهجه "الجديد" مزيجاَ صار لا يمنحها جمالاً او أناقة فحسب.. بل هوية!!

لا تزال تنقسم في حضرته اثنتين!
واحدة تريد أن تهرع إليه معترفة بعشق لم تعرفه إلا معه..
وواحدة تريد أن تهرب منه ومن كل شيء راضية بركضها الحر دون قيود.. أي قيود!!
ولا تزال عاجزة عن الاختيار!!

وبهذه الحيرة الخانقة تتحرك نحو المطبخ القريب لتحضر له ما يشربه..
لو كان هو زاهداً في رؤيتها فهي أبداً ليست بزاهدة!

(موز باللبن دون سكر)

تبتسم دامعة العينين للذكرى وهي تستعيد ما سمحت به ذاكرتها (المشوشة) من تفاصيل..
كيف أخرجها من السجن يومها .. كيف قاد بها سيارته لبيت أمه..كيف أطعمها بيديه.. وكيف أعاد لها حقيبة البروكار..
الذكرى تتخضب بحمرة ذنب وهي تستعيد طيبة أمه..
ذنب يكاد يودي بها في دوامات تكرهها لكنها تتذكر نصائح دكتور كنان فتهز رأسها بقوة كأنها تمنع نفسها من المزيد من الانزلاق في هذا الجرف المهلك..


_سيدتي.
نداء الخادمة ينتزعها من شرودها فتصب العصير بسرعة وهي تسألها عما تريد لتخبرها وهي تحتضن سند الذي بدا ضائق الملامح أن حسام يبلغها برسالته :
(لن يستطيع زيارتهم قريباً).

لم تشعر بنفسها وهي تحمل الكأس لتركض نحو الخارج.. يسقط قرابة نصفه منها كما تسقط دموعها وهي تستوقفه عند باب البيت بنداء اخترق قلبه قبل أذنيه..

(حسام)

يتجمد مكانه وهو يعد نفسه لمعركته القادمة التي ود لو استطاع تأجيلها..
لكن لا بأس.. جرح قريب أرحم من جحيم الانتظار!

يلتفت نحوها متحاشياً النظر لعينيها.. تتعلق عيناه بأناملها المرتجفة التي احتضنت الكأس وهو يسمعها تهتف عبر انفاسها اللاهثة :
_أعددته لك.. اجلس فقط.. حتى تشربه.. أعتذر لو سقط مني بعضه.. خشيت ان ترحل قبل ..قبل.. قبل..

تكررها عدة مرات بدوي مرتفع وجد صداه في روحيهما معاً.. حروفها تتلعثم بين حيرة واحتياج لتتهدج حروفها ويتراخى كتفاها باستسلام وهي تلفظها حارقة.. ومحرقة :
_خشيت أن ترحل فحسب!

يتناوله منها محاذراً أن يستجيب لرغبة قلبه الصارخة في أن يمس كفها.. يطوف فوق بشرته بشفتيه ساكباً فوقه أنهار عاطفته..
تشير له نحو مائدة قريبة في الحديقة يجلسان امامها.. تلاحظ هروب نظراته منها وهو يرتشف مشروبه ببطء فتبادره بسؤالها :
_ماذا قلت لسند؟! يبدو ضائقاً!
_لن أتمكن من زيارتكما لوقت ما.. لا يمكنني تحديده بالضبط.
_لماذا ؟!
لهفتها المستنكرة تروع قلبه لكن نبرته الجامدة لا تتأثر :
_بدون أسباب.. أنا تكلمت مع سند وأظنه سيتفهم الأمر.
_وأنا ؟!
تتمتم بها بخشية لكنه كان يعد كل الأجوبة مسبقاَ :
_بالنسبة إليك أنا رحلت فعلاً منذ تم طلاقنا.. ما الجديد ؟!

_ما الجديد؟! ما الجديد؟! الجديد أنني.. أنني..

استنكارها الصارخ ينقطع بفيض من دموعها وهي تخفي وجهها بين كفيها.. فتنفلت منه زفرة مشتعلة وهو ينحني بجذعه نحوها وقد غلبه شعورها ب(ابنة قلبه) ليهمس بها بنبرة لانت قليلاً:
_لماذا تبكين الآن؟!
_وهل تهتم؟! أنت حتى لم تسألني (كيف حالك)!
لا تزال تخفي وجهها بين كفيها لتبدو له كطفلة غاضبة يتعلق قلبه في شباكها أكثر وأكثر..
هدنة!
فقط مجرد هدنة!
هدنة يستريح فيها من كل هذه الحروب التي وجد نفسه وسطها..
هدنة لن يجد أفضل منها في حضرتها هي..
هي (ابنة قلبه.. وسيدته)!
_كيف حالك؟!
ارادها فقط أن تخرج مهادنة لنبرتها البائسة لكنها غادرت شفتيه حارة ملهوفة هادرة..
كقافلة عشق ضخمة ضلت الطريق في واديها هي..!
ربما لهذا مسحت دموعها وهي ترفع عينيها إليه هامسة بانفعال حار :
_أي (حال) تقصد؟! حالي الذي أحكيه لدكتور كنان؟! حالي الذي أطمئن به طيف وماسة والسيد عاصي؟! حالي الذي أخدع بمرحه سند؟! أم حالي وأنا أقف وحدي - دونك- أمام مرآتي؟!

حلقة الزعفران في عينيها تلقي لقلبه الغريق ألف طوق نجاة لكنه يرفضها جميعاً مغمضاً عينيه بقوة كأنه اكتفى ب(هدنته القصيرة)..
ليخرج صوته متحشرجاَ مختنقاَ بعاطفته:
_كما تريدين.. قولي ما تريدين.

_انا بخير..
تهتف بها بانفعال وقد استفزتها عبارته لتنتفض مكانها تلوح بذراعيها هاتفة :
_بالف خير.. سأقيم مشروعي الخاص.. مصنع صغير للمشغولات اليدوية الحريرية.. ستكون لي علامة تجارية خاصة باسمي (ديمة ضرغام).. سأنجح ولن أكون بحاجة لأحد.. اي أحد.
_جيد.

بروده يستفزها أكثر..!
تود لو تقتلعه من فوق هذا الكرسي الذي يجلس فوقه او تلقي بنفسها هي بين ذراعيه..!
تكاد تصرخ به من جديد أن يرحل وأنها لا تهتم..!
لكن نظرة لهذا الألم الغائر في حدقتيه تخرسها!
هو يحتاجها.. حتى ولو لم يعترف!
حتى وهو يتظاهر بالهرب بعيداً متشحاَ بجفاف قسوته!

تجلس على ركبتيها أمامه لتجبره على النظر إليها فيشعر بالدم يفور في عروقه وهو يكاد يقسم ان هذه أقسى معركة يخوضها!!
يقبض كفيه جواره وهو يخشى عاقبة إطلاقهما خاصة وحالها المشتعل يتبدل من أحمر انفعال لأزرق سكينة..
(أنا معك) تغزل غزلاً رقيقاَ بين العيون وإن لم ينطقها لسانها أو لسانه..
فقط عندما وجدت حروفها تمتمت :
_وأنت كيف حالك؟!

_لا تجلسي هكذا أمام أي أحد.. ولا حتى أنا!
جفاف رده وهو يقف ليوقفها معه يقطع سحر اللحظة بينهما عامداً خاصة وهو يتجاوزها ليعطيها ظهره..
.لكنها لا تستسلم بل تدير كتفيه نحوها لتهتف بحرارة عبر خيطين من الدموع عادا يشقان وجنتيها :
_لا تزال لا تنام حتى يطلع الفجر؟!
يشيح بوجهه دون رد ولما عجزت عن جعله يبوح بمكنون صدره صارت تهتف بانفعال هادر :
_يبدو أنني أنا الأخرى أصابتني العدوى.. صرت مثلك لا أنام قبل الفجر.. أشعر بالخوف فأرش - ما أسميتَه أنت- عطر الأمان على وسادتي.. .. أنظر لمرآتي بصورتها الجديدة.. سلسلة الكونزيت.. قرط هالة.. وفراشاتك التي تزين شعري.. أتخيل ذراعك الدافئ تحت رأسي.. ساعتها فقط أشعر أنني مطمئنة.. لكنني عندما أستيقظ نهاراً ..

_تلعنين حماقاتك!!
يكملها لها مقاطعاَ بوحها العاطفي ليردف بانفعال مشابه وذراعاه يلوحان حولهما بمزيج من عجز وغضب:
_عندما تستيقظين نهاراً تدركين أن شعورك بالحرية الان اهم من اي شيء. . تخافين قيود سجن قديم وآخر جديد.. تفهمين انني كنت على صواب عندما اخترت فراقنا وأن العمر ليس بخسا قدر أن نلقي به قربانا لشعورنا نحو أحدهم بالامتنان.

_ليس امتنانا فحسب.. ليس..
تهتف بها باستنكار لكنه يقاطع عبارتها بحزم يمنعها إكمالها وهو يلقي سهمه الأخير :

_بِشر كلمني بشأنك.
ترمقه بنظرة متسائلة عمن هو بشر هذا الذي يقصده فيردف باستدراك ساخر أخفى مرارته:
_كنتِ تعرفينه باسم اديم..أظنه لديه حكاية طريفة تصلح لك بعد انتهاء عدتك..حكاية قد تجعلك تنسين خوفك الليلي هذا وتأملين في بداية جديدة وحياة كاملة معه.

صفعة!!
عباراته تصلها كصفعة.. بل عدة صفعات فتتجمد مكانها مصدومة للحظات تحاول استيعاب ما خلف كلماته..!!
لتتمتم بما بدا كالهذيان :
_ما الذي تحدثني عنه؟! ماذا تعني بأنه كلمك بشأني؟! كأنه خطبني مثلاً؟! خطبني منك؟! خطبني منك؟!! انت؟!!

استنكارها الغارق بصدمتها يرضي جانباً من غرور قديم برجولته.. غرور يسحقه هو الآن سحقاً في سابقة لم يفعلها في حياته سوى لأجلها هي.. وهو يعود ليعطيها ظهره مردفاً بتماسك خادع :

_نصيحتي لك فقط ان تتريثي.. الرجل مؤتمن ومستعد ان يمنحك وقتك كاملاً.. وأنا أراه مناسباً لكِ.
_ماذا تقول؟!
استنكارها يتحول لتشتت ضائع كأنها طفلة فقدت لتوها أبويها في الزحام..
هذا الذي طعن روحه في مقتل لهذا أشارت سبابته المرتجفة نحو ما بقي من كأس العصير ليردف بحدة من يكتم مشاعر لا طاقة له بكتمانها.. وبنبرة ذات مغزى:
_هذا العصير سيسودّ لونه قريباَ.. قصير العمر كأشياء كثيرة يفقدها الزمن صلاحيتها بأسرع مما نتوقع.. تفهمين؟!

كفها يطيح بالكأس بعصبية ليتهشم محدثاً دوياً مرتفعاَ يشبه الصخب داخل روحيهما لتقترب منه صارخة :
_وأنت ستحتمل؟! ستحتمل أن يضمني صدر آخر؟! أن ياوي رأسي آخر الليل على ذراع آخر؟! أن..
قبضته تكمم شفتيها بانفعال هادر بدا وكأنه قد تحرر من كل قيود سيطرته..
أنفاسه المشتعلة تكاد تحرقهما معاً للحظات فتنحدر دمعاتها على وجنتيها لتلهب بشرة كفه وعيناها تتعلقان ب(عقدة حنجرته) في نظرة قتلته وأحيته في لحظة ألف مرة!!


ولوهلة كاد يلقي كل حساباته جانباَ فيعتصرها بين ذراعيه مفرغاً في رحابها فيض مشاعره كلها.. فيضاً يكفي ليغرقهما معاً للأبد!
لكنه يتمالك نفسه بقوة يحسد عليها..
النظرة القاسية في العينين الصقريتين تخفي دموع عجزه وهو يتمتم ولا يزال يكمم فمها بقبضته:
_منذ أول يوم في زواجنا وأنا وضحت لك أسبابي التي دفعتني إليه..منذ أول يوم وأنا أشرت لكِ نحو الباب الذي كنتِ ستخرجين منه كما فعلتِ.. لم أقل يوماً أني أحببتك.. وليس ذنبي أنكِ كنتِ تتوهمين!

_أتوهم؟!
تصفع بها كفه وهي تزيحه عن شفتيها بقوة نمرة شرسة..
(أحمرها) يبدو له هذه المرة أكثر هياجاً وإثارة حدّ استحالة مقاومته..
لكنه يفعل المستحيل!

يهرب منها ومن نفسه وهو ينطلق بخطوات مندفعة نحو الخارج ليسمع صراخها الهادر خلفه والذي لم يعد يوقن هل تعنيه حقاً أم هو نوبة انفعال عابرة :

_من أنت لتقرر لي مصيري؟! من أنت لتحدد إن كان مناسباَ لي أم لا؟! كن شجاعاً وأخبرني :هل ستحتمل حقاً؟! أنا لن احتمل.. ولن ارضى .. لا لي ولا لك.. ألست مجنونة ؟!! اذن معي رخصة لسحق أي رجل يحاول الاقتراب من محيطي غيرك.. ولسحق اي امرأة كذلك تقترب من حدودك سواي .. ولنر ما سيهزم الآخر جنوني ام عقلك!

يغلق الباب بينهما بعنف ليستند على ظهره وهو يسمع صرخاتها تنتهي ببكائها على نفس الباب..

_أهلكتِني يا صغيرتي..أهلكتِني ككل ما ومن يقف بيننا.. ليس هذا الباب أولها ولا آخرها.. لا بأس.. غداً تنسين وتُشفين مني.. ومن كل شيء.
يهمس بها دون صوت وهو يشعر بدقات قلبه تخزه حد الوجع..
كم من قوة امتلكها في هذه اللحظة وهو يقتلع قدميه اقتلاعاً ليتوجه نحو سيارته القريبة فينطلق بها مبتعداً.. مدركاً أنه لن يعود إلى هنا قريباً على أي حال..
ليس قبل أن يقضي على الكوبرا أو يقضي هو عليه!
========
_وماذا بعد؟! هل ستبقين هكذا تنقسمين في حضرته لاثنتين؟!
يسألها كنان بنبرة محايدة غير عاتب ولا ضائق بعدما سمع منها ما حدث بينها وبين حسام.. فتتنهد ديمة بحرارة وهي ترفع كفيها بقلة حيلة..
فيردف بنبرة واثقة :
_لم تعودي تحتاجينه.. أظنكِ شفيتِ من هلاوسك تماماَ.. صرتِ امرأة حرة.. آمنة.. مستقلة.. لديك من المال الكثير.. لديك مشروع للمستقبل.. فلماذا - برأيك- هذه الحيرة التي تعيشينها؟!
ترمقه بنظرة مترددة ليبتسم بقوله :
_عن نفسي.. لا أعرف لحيرتك سوى سبب واحد.. أنك حقاً تحبينه.

تسبل جفنيها وهي تضم قبضتيها على صدرها كأنها تخفي هدير خفقاته..
تود لو تصرخ بنعم.. لكن (لا) حائرة لا تزال عالقة في المنتصف!

_ألم أقل لكِ منذ زمن بعيد أنك تذكرينني بالمرأة التي أحببتها؟!
_مزن؟!
تقولها محاولة تذكر ما حكاه لها عن حبيبته التي تقاربها في عمرها وظروفها فتتسع ابتسامته وهو ينهض من أمام مكتبه ليتوجه نحو النافذة القريبة.. يفتحها وهو يردف :
_صدفة سعيدة.. هي تنتظرني بعد الانتهاء من جلستك كي نخرج سوياً.. هاهي ذي في الحديقة تلاعب ابنتها (روح).
_ابنتها؟!
تسأله ببعض الدهشة وهي تقترب منه لتنظر حيث يشير فترى الشابة الفاتنة بشعرها الكستنائي الفاتح وعينيها العسليتين تركض بحيوية مرحة في حديقة الألعاب المقابلة لبناية كنان خلف طفلة لا تشبهها إطلاقاً في ملامحها..
_ليست ابنتها بالضبط.. ربما في هذه النقطة أيضاً تشبهك.. (روح) عندها ك(سند) عندك.

ترمقها ديمة من بعيد بنظرة فضولية لتسأله بتردد :
_ يمكنني التحدث معها؟
_يمكنني أن أدعوكما للتعارف ولا بأس بتأجيل موعدي أنا معها.
يقولها مرحباً باقتراحها وهو يغادر معها مكتبه نحو الحديقة حيث جلست مزن شاردة تراقب روح التي انشغلت في ركوب إحدى الألعاب..
يعرفها كنان إلى مزن لتقرأ ديمة تفاعلات وجهها بدقة فضولية..
وللعجب.. ترى في عيني مزن نحو كنان نظرة غريبة تشبه نظرتها هي نحو حسام..
تبدأ متلهفة.. ثم تتحول لممتنة.. لتنتهي حائرة!

_لم يُعرّفني كنان من قبل لأحد مرتادي عيادته.
تبادرها بها مزن ببعض الدهشة وقد جلست جوارها على أريكة الحديقة بعدما آثر كنان تركهما وحدهما..
لترد ديمة بتحفظ :
_أظنه يعتبر لقاءنا خطوة أخرى في علاجي.
_لا تبدين لي مريضة.
تقولها مزن مبتسمة بطيبة تليق بملامحها الطفولية لتردف وكأنها تذكرت شيئاً ما جعلها تستطرد :
_آآه.. تذكرت.. أنتِ ديمة ..لقد ذكركِ لي كنان ذات مرة.. كلمني عن مشروعك الخاص بالمشغولات الحريرية اليدوية على الطريقة السورية.. وجعلني أتابع صفحتك على مواقع التواصل.. الأمر لي بدا مثيراً خاصة و (كليو) تدير مشروعاً مشابهاَ لكن لتصميم الأزياء بالنكهة الفرعونية.. هي الأخرى أبدت إعجابها بمشغولاتك.
_من (كليو)؟!
تسألها ديمة لتكتسي ملامح مزن بشجن مؤقت غلبته بسرعة وهي تضحك بارتباك متصنعة البساطة :
_هي.. كنت أظنها ابنة عمي.. لكن.. لا أعرف ماذا أقول.. حسناَ.. فلأعتبرها الآن جارتي ورفيقة طفولتي فحسب.

ترتبك ديمة قليلاً وهي لا تعرف كيف تبدأ معها حواراً.. هل تخبرها ان كنان حدثها عنها؟! لا.. لعلها ستحرجه لو فعلت!!
يكاد يدفعها ارتباكها لتركها والرحيل.. لكن فضولها يغلبها فتقترض عبارة (طيف) في موقف مشابه..

_تقايضيني ؟! قصتك بقصتي؟!

ترمقها مزن بدهشة للحظة قبل أن تطلق ضحكة طفولية لم تفقد براءتها رغم قسوة ما عانته..
لتتنهد أخيراَ قائلة :
_تبدين عملية جداَ ولا تضيعين وقتك.. لا بأس.. قبلت المقايضة.. لكن ابدئي أنتِ.
تلوح بسبابتها في عبارتها الأخيرة فتتردد ديمة وهي تشعر برهبة البوح.. لكنها تعود لتتذكر قول كنان عن كونها تشبهها في ظروفها..
تراها قد تضع حداً لحيرتها؟!

فضولها يغلب رهبتها فتبدأ في سرد قصتها لها من البداية.. من أول عهدها بسوريا الحبيبة وانتهاء بطلاقها من حسام وحيرتها بشأنه..
تلاحظ تغير ملامح مزن التي غاب عنها مرحها ليجتاحها حزن شارد وكأنها تاهت في دوامات ماضيها هي الأخرى..
لتتمتم أخيراً وهي تهز رأسها بإدراك :
_فهمت.. لماذا أراد كنان أن نلتقي.

ترمقها ديمة بنظرة متسائلة لترد :
_انا مثلك فقدت وطناَ.. لكن وطني كان رجلاً.. رجلاً رباني منذ كنت طفلة.. كبرت بين يديه واول ما وعيته أنني سأكون عروسه..كان أبي ومعلمي وصديقي وحبيبي..
_وكيف فقدته؟!
_هو الذي ضيعني.. هوسه بامتلاكي جعله يخسرني ويخسر نفسه.. عندما علم بعدم قدرته على الإنجاب خاف أن يكون هذا سبب فرقتنا.. فحرمني من الإنجاب طيلة عمري!

تتسع عينا ديمة بارتياع من التفاصيل التي مضت تحكيها مزن باقتضاب.. لتسألها باستنكار :
_وسامحتِه؟!
_هذا هو السؤال الذي أسأله لنفسي كل يوم عندما أفيق من نومي.. كل شهر قبل زيارتي له في المشفى حيث لا يزال غارقاَ في غيبوبة لم أعد أثق انه سيخرج منها.. وكل دقيقة أراني فيها أجاهد الماضي بكل قوتي.. فيهزمني مرة.. وأهزمه مرات!

تقطع عبارتها وهي ترى (روح) تلوح لها من بعيد فترسل لها قبلة طائرة من مكانها لتلتفت نحو ديمة مردفة :
_تعرفين معنى أن تعيشي العمر كله محرومة من طفل يحمله رحمك؟! قد أمضي في طريقي كما فعلت.. أنجح وأجد عملاً أفرغ فيه طاقتي.. أحصل على العديد من الصداقات بل وربما أقابل رجلاً يحبني فتحدث - المعجزة - وأوافق على الزواج منه.. لكن.. سيبقى داخلي مكان شاغر.. اشتياق لقطعة مني أثق أنها لن تخون ولن تغدر ولن تتخلى.. عطش لعائلة لا تربطني معها مصالح ولا مشاعر مؤقتة بل دم ونسب.. أنا أعيش هذا الحرمان مضطرة فليس لي إلا الصبر.. لكن.. أنتِ.. ما الذي يجبرك؟!

ينقبض قلب ديمة بوجع وهي تتخيل ما تحكي عنه مزن..
فتسألها بصوت مرتعش وهي تتذكر سند :
_و(روح)؟! ألا تكفيكِ ؟! ألا تشعرين معها بالعوض؟!

تبتسم مزن بعمق عاطفتها وهي تهز رأسها إيجاباً لكن الجرح لا يزال يصبغ نبرة صوتها :
_تسد جزءا من الفراغ بروحي لكن لا يزال ما بقي منه يوجعني.. لن أكون يوماً كاملة.

تطرق ديمة برأسها وهي تشعر بألم مزن الصادق يخز روحها..
لا تزال تنقسم (اثنتين).. الأولى التي تختار كفة القلب تنزوي جانباَ لتفسح المجال للعقل..
تحتاجين أطفالاً وعائلة!

_كلامي أثر فيكِ؟!
تسألها مزن بإشفاق وهي ترى رجفة جسدها جوارها فتردف وهي تربت على كتفها:
_لم أقل هذا لأدفعكِ بعيداَ عن رجل تحبينه.. لكنني فقط اردتك ان تفهمي أي أرض ستطؤها قدمك بعيداَ عن المثاليات والرومنسيات الخادعة.. لا أخاف عليكِ بقدر ما أشفق عليه هو لو قررتِ أنتِ يوماَ ان تتراجعي بعدما تمنحينه بعض الأمل..

ترفع ديمة عينيها إليها بحذر فتردف مزن بضحكتها القصيرة الطفولية :
_يبدو أن صداقتي ل(كنان) أثرت عليّ.. أحاول دوماَ تحييد مشاعري عندما أتحدث مع الآخرين مكتفية بطرح الأمر بموضوعية وتاركة الخيار الأخير لهم بعد سرد العيوب والميزات.

ترتجف ابتسامة ديمة على شفتيها وهي ترى روح قادمة إليهم وقد انتهت من لعبتها فتنهض مزن لتصافح ديمة بقولها بنبرة ذات مغزى:
_أغبطك كثيراً على رجل آثركِ على نفسه.. تركك خلفه كي يمنحك حياة أفضل.. كتم ألمه كي يعصمك انت من الوجع.. رفض أن تعاني انتِ الحرمان حتى ولو كان المقابل أن يكتوي هو به.. قليلٌ من العشاق يفعلونها.. يجيدون التفرقة بين الحب و (هوس الامتلاك).

كلماتها تصيب سهماً خاصاَ في قلب ديمة التي تعود كذلك تنقسم (اثنتين).. لكن الغلبة هذه المرة تكون لهذه التي تختار كفة (القلب)!

لا تزال ابتسامتها مرتجفة وهي تنهض بدورها لتبادل مزن مصافحتها فتميل الأخيرة على أذنها قائلة :
_السؤال الذي ينبغي ان يشغل بالك الآن بعد كلامنا والذي لن يمنحك أحد إجابته هو.. (هل يستحق؟!)

_ماما.

تهتف بها روح وهي تعانق مزن لترمقهما ديمة بنظرة عميقة وهي ترى في عناقهما شيئاً مألوفاً.. يشبه تعلقها بسند..
هل يكفي؟!
هل يستحق؟!

السؤالان يبقيان يؤرقان خاطرها منذ رأت كنان يعود إليهم ليصطحب مزن بابتسامة عشق - بدا واضحاً تماماً أنها لا تزال عاجزة عن مبادلته إياه- وحتى عادت لمنزلها ليستقبلها سند الذي بدا مندمجاَ تماماً مع خادمته لكن هذا لم يمنع عناقه الملهوف لها وهو يهتف بالكلمة السحرية :
_ماما.
قبل تساؤله الملهوف :
_بابا؟!

_سيعود قريباً.
تتمتم بها بشرود وهي تريه ما جلبته له من ثياب وألعاب..
صار الشراء لديها هوساً وكأنها تعوض حرمان العمر القديم!

ينام الصغير على ذراعها هانئاَ بعد حكاية قصيرة روتها له فتمنحها ابتسامته عناقاَ بحجم القلب..
(هل يكفي؟!)
(هل يستحق؟!)

يعود السؤالان يجتاحان عقلها فتتوجه نحو مرآتها التي صارت تأنس لصورتها فيها..
نظراتها تتأرجح بين (قرط هالة) و (سلسلة الكونزيت) هديته هو!


_تعرفين معنى أن تعيشي العمر كله محرومة من طفل يحمله رحمك؟! قد أمضي في طريقي كما فعلت.. أنجح وأجد عملاً أفرغ فيه طاقتي.. أحصل على العديد من الصداقات بل وربما أقابل رجلاً يحبني فتحدث - المعجزة - وأوافق على الزواج منه.. لكن.. سيبقى داخلي مكان شاغر.. اشتياق لقطعة مني أثق أنها لن تخون ولن تغدر ولن تتخلى.. عطش لعائلة لا تربطني معها مصالح ولا مشاعر مؤقتة بل دم ونسب.. أنا أعيش هذا الحرمان مضطرة فليس لي إلا الصبر.. لكن.. أنتِ.. ما الذي يجبرك؟!


تذكرها بصوت مزن فترتجف أناملها على سلسلته..
لتجد نفسها تخلعها لتضعها أمامها كأنما تفك عنها آخر قيوده!!

ما الذي يجبرك ؟!
ما الذي يجبرك؟!

دمعة خلف دمعة تسقط على جدار القلب قبل وجنتيها وهي تشعر أنها قطعت آخر خيوط قيدها..
لكن هل كان (قيداً) .. أم (هوية)؟!

(هل يكفي؟!)
(هل يستحق؟!)

تنكشف الحجب عن ذهنها مع كل ذكرى لها معه تأتيها الآن طازجة حميمية دافئة دفء العمر القصير الذي عاشته معه..

فتأخذ نفساً طويلاً وهي ترمق سلسلته من مكانها فتراها بعيدة بُعد السماء..
الآن فقط يمكنها أن تستريح من الركض..
أن تجلس هادئة تحت شجرتها تفكر فيما تركته خلفها..

تعاود الاستلقاء جوار الصغير لتضمه إليها ولا تزال منقسمة لاثنتين..
كلتاهما ترددان نفس السؤالين..
(هل يكفي؟!)
(هل يستحق؟!)

والجواب يبدو واضحاَ في ظلمة الغرفة كلمعة حجر الكونزيت الذي تزيد العتمة جماله!
======












_لا تزال ترفض تناول الطعام؟!
يسأل فهمي بغضب بدا كارثياً مخاطباَ الخادمة التي تنكمش على نفسها بذعر وهي تلوح بكفيها قائلة بضراعة :
_ليس ذنبي.. والله حاولت معها بكل طريقة لكنها ترفض.

يدفعها بعنف وهو يدخل غرفة فجر في محبسها الجديد الذي اختاره كذلك جوار البحر..
الفجر.. البحر.. السكون.. المثلث الذي لا يليق بسواها وبقصتها معه..

يخلع نعليه على عتبتها كعهده وهو يغلق الباب خلفه..
يراها متكورة على نفسها في زاوية الغرفة على الأرض ترفع رأسها عندما تميز حضوره لكنها لا تسأله السؤال الاعتيادي (عدت؟!)
ربما لأنها عندما استردت ذاكرتها صارت توقن حتمية الجواب..

لكنه مع هذا يتقدم منها ليقولها بنبرة لا يدري كيف خرجت منه لينة طائعة :
(ولمن سواكِ أعود؟!)

ملامحها تبدو شاحبة واهنة بعد يومين تقريباً بلا طعام رفضته عامدة..
فيرتجف صوته وهو ينحني ليجلس قبالتها على الأرض.. يشير لوشم الكوبرا على ذراعه :
_تعرفين ماذا وشمت هنا أعلى ذراعي ؟! رسم (كوبرا).
تنكمش مكانها أكثر وهي تزم شفتيها وعيناها المفتوحتان لا (تبصران) شيئاً.. إنما (تريان) كل شيء..

_للجميع هو رمز القوة.. الدهاء.. البطش.. ولكِ أنتِ.. هو رمز الخضوع.. أجل.. طالما شعرت معكِ كما تشعر الأفعى وهي ترقص لينة طائعة أمام عزف ناي ساحرها.. كنتِ وستبقين ساحرتي التي لن أتمرد يوماً عن إيقاع عزفها.

تسبل جفنيها على فيض من الدموع وهي تئن أنيناً خافتاَ يقرع ضلوعه كمطرقة ثقيلة..
فيهتف بها بعجز :
_لماذا لا تتناولين طعامك؟! تريدين قتل نفسك؟!
_وهل أنا حية حقاً؟!
تتمتم بها دون أن ترفع رأسها إليه فيهتف بحدة :
_نعم.. هذه هي الحياة التي تليق بكِ.. بعيداَ عن كل ما ومن يؤذيكِ..
ثم يتحشرج صوته وهو يردف كانه يكتوي مثلها بماضيهما:
_ألم يكن هذا ما خططنا له من البداية عندما بعتِ الدنيا كلها لأجلي؟! .. عندما هربنا معاً من ظلم الناس؟! .. لكنني وقتها كنت مستضعفاً غير قادر على حمايتك.. اليوم صرت قادراً على البطش بكل من يفكر حتى في مس شعرة منك.. فماذا تغير؟!

_ماذا تغير؟!
تقولها باستنكار وهي ترفع عينيها المظلمتين إليه لتردف وهي تتحسس الفراغ حولها بعجز :
_أنا التي أريد منك ان تخبرني ما الذي تغير؟! كيف وصلنا إلى هنا؟؟! أريد أن أعرف! حقي أن أعرف!

_ما الذي تريدين معرفته؟!
يهتف بها بنفس الانفعال مردفاَ :
_كم مر من عمر؟! وما يعنيكِ من الوقت والسنوات ما دمنا معاً؟! كيف صار شكلك؟! لا يزال شعرك اسود كليل تجيدين السطوع فيه كقمر لا تخفيه غيوم.. لا تزال عيناك كما عشقتهما تفيضان ببراءة لم يلوثها الوجع.. لا يزال جسدك..
يرتعد صوته رغماً عنه فتصل رعدته إليها وهو يكمل عبارته كأنه يرجوها السماح :
_لا يزال جسدك أرضاَ طاهرة لا يضيرها ما وطأها من أقدام موحلة ما دامت لا تزال تزهر.

تنشج نشيجاً خافتاَ و هي تتذكر رغماَ عنها أحداث ذلك اليوم الذي انتهكت فيه أمامه فيتأوه بخفوت هاتفاَ بها :
_لا تبكي.. لا تجعليني أشعر أن كل ما فعلته في حياتي يساوي صفراً وأنا عاجز عن منحك ما يضمد جرحك.. طوال هذه السنوات وأنا أحميكِ من الذكرى.. من الناس.. كل الناس.. حتى من نفسي.

يخفق قلبها بعاطفة لا تنكرها نحوه وهي تتمنى لو تراه..
لا تزال تذكر ملامحه الوسيمة بخشونة وعرة أخافتها عندما رأته اول مرة في محل أبيها.. لكنها ألفتها بعدها لتغزو قلبها في كل مرة كانت تلقاه حتى تجرأ ليحدثها..
رأت فيه وقتها شاباَ مكافحاَ ذكياً - بل عبقرياَ - لا يحتاج سوى فرصة لتفتح له الدنيا أبوابها..
لم يكن فقره عيباً.. بل زاد من هالة فخرها به وهي تستمع منه يوماً بعد يوم فينتقل طموحه إليها..
كانت تعلم أنه ليس على وفاق مع أهله.. يشعر بالغربة بينهم.. فتهيأت لتكون له كل داره وأهله..
آمنت به حد أنها تركت كل شيء خلفها ورضيت بالهروب معه..
لا.. لم تكن تراه هروباً.. بل استعادة حقها المشروع في اختيار من خفق له قلبها..
عاشت معه أياماَ من جنة قصيرة في بيتهما المنعزل رغم بساطة حاله.. قبل أن تخترق العزلة وحوش البشر..
فتجد نفسها بين عشية وضحاها موصومة به.. موجوعة به وله..
أهلها أجبروه ان يطلقها وسجنوها هي حتى ينسى الناس عارها..
عاشت بعدها سنوات تتخبط بين جدران غرفتها كفرخ ذبيح ينتظر راحة الموت.. منبوذة بين الجميع بعار صارت تدرك ثقل وزره على كتفها قبل أكتافهم!
كانت ترجوهم مراراَ ان يقتلوها كي يستريح الجميع لكنهم بقوا يرمقونها بنظراتهم مشفقة تارة.. ومحتقرة تارة.. لكنها دوماً كانت تلسعها بسياط الغضب!
حتى كان ذاك اليوم الذي سافرت فيه معهم دون ترتيب ليمنحها الحادث راحة من كل تلك الذكريات..
كم مر من سنوات؟!
تشعر به وقد قرب الطعام من فمها.. تشم رائحته قبل أن يصلها صوته يغمرها بذكرى لطيفة من أيام زواجهما الأولى..

_(كباب الروبيان).. صحيح أنه ليس جيداً كما تعدينه أنتِ.. لكنني أعرف أنك تحبين طعمه.

صوته المتحشرج يفضح لوعة حقيقية بصدره وكأنه هو الآخر يشاركها الذكرى.. آهة عنيدة تجاهد لتغادر صدرها وقلبها يترنح بين ألفة.. ونفور!!

_أخبرني بما حدث أولاً.. وإلا فلن أقرب الطعام.

عنادها يمتزج برقة فطرية وجد طريقه لقلبه لكنه يهتف بخشونة فجرها خوفه عليها :
_بل كلي أولاً.. ستفقدين وعيك ضعفاً.

تهز رأسها رفضاً فيزفر قائلاً :
_كلي.. وأعدك أن أخبرك.

تطيع أخيراً وهي تشعر بالطعام رغم لذته - المتوقعة- مر المذاق في حلقها..
تكاد تلفظه وهي تشعر بأمعائها تشارك عقلها فوضاه لكنها تتمسك بوعده..
لن يخلفها وعده.. هذا ظنها فيه!!

تكتفي ببضع لقيمات ثم تشير له بكفها رافضة فلا يرغمها على المزيد..
يسقيها بعضاَ من عصير يعرف أنها تحبه كذلك فتتلقفه بنهم يثير المزيد من غضبه العاجز وهو يميز كم كانت تضغط على نفسها..

يكاد يصب لها المزيد لكنها تهتف بقوة ضارعة :
_تكلم الآن.. أنا اكتفيت!

يضع ما بيده جانباً وهو يشعر في هذه اللحظة بالذات بحاجته لأن يمسها..
يحتضن كفها بين راحتيه.. يخفي رأسها بين ضلوعه..
يلقي بثقل جسده فوق جسدها..
أي شيء يؤكد له انها هنا.. وستبقى هنا!
لكنه يتمالك نفسه بقوة لم تخنه وهو يحافظ على مسافة مناسبة بينهما ثم يبدأ في الحكي..
لا.. لم يكذب!
أخبرها بكل شيء فعله.. ولا يزال يفعله!!
بداية من انضمامه للتنظيم.. مروراً بالحادث الذي كان هو مدبره دون علمه بأنها معهم.. وانتهاء بتلفيق موتها وجلبها لبيته السابق!

لم يكذب.. ولم يتكلف تجميل حقائق!
هل هو غروره النرجسي الذي جعله يظن أن ماضيهما سيشفع له عندها؟!
هل هي رغبته في الفخر بما آل إليه حاله من منتهى الضعف لمنتهى القوة؟!
أم هي بقايا عهد قديم قطعه على نفسه ألا يكذب في حضرتها؟!
نعم.. هي ملاكه الذي يستنكف أن يخدعه رغم كل شيئ..
النقطة البيضاء الشاحبة الوحيدة وسط سواد صحيفته!!

تستمع إليه مفتوحة العينين وقد انفغر فاها بمزيج من دهشة وارتياع..
تنكتم أنفاسها فلا تشعر إلا وهي تشهق أخيراَ شهقة عالية كأنما نسيت في غمرة انغماسها كيف تتنفس!!
دموعها تتحجر على وجنتيها لدقائق طالت كأنما تحاول فقط استيعاب كل ما سمعته..
قبل أن يغادر سؤالها شفتيها مترنحاَ :
_أين فهمي؟!

هاهنا فقط تعاود دموعها الفيضان من جديد فيغمض عينيه على عجزه للحظات وهو يود لو يخبرها أنه.. قتله!
قتله ودفنه في ركن مظلم من ذاكرته منذ سنوات ولم يبقَ منه شيئاً حياً سواها هي..!!
هي وحدها من تقف على الحافة الرفيعة بين (فهمي) و (الكوبرا)!

_أين الرجل الذي ائتمنته يوماَ على نفسي؟! دعه يعد ويحكي لي عما كان وأنا سأصدقه.. أما أنت فلا تقربني ..أنت شيطان.. دعني.

هذيانها يتحول لصراخ هائج وهي تقف مكانها..
تترنح وهي تحاول التشبث بأي شيء يحفظ لها توازنها..
قدماها تتعثران بصينية الطعام تحتهما فتكاد تسقط..
لكنه يقف مكانه محاذراَ أن يمسها..
تكاد تسقط لكنها تتشبث بحافة الفراش صارخة :
_دعني أغادر هذا المكان.. دعني أخرج..

_افعلي لو استطعتِ.

كانت هذه أغرب نبرة سمعتها بين وعيد.. وخوف!
تطلق صرخاتها تباعاَ وهي تمد ذراعيها أمامها بعجز تحاول تحسس الطريق..
تتعثر في طرف السجادة تارة.. وفي قطعة أثاث أخرى..
تدور حول نفسها بالمزيد من العجز وهي تشعر أن ظلام عينيها يتمخض عن المزيد من العتمة..
تتلاحق أنفاسها وهي تشعر بالوهن يتملك منها أخيراً فتسقط مكانها مستسلمة وهي تصب عليه لعناتها :
_ما دمت أنا عاجزة عن المغادرة فارحل انت.. ارحل انت.. ارحل ولا تعد.. لا تعد..

تصرخ بها مراراً وهي تكتف جسدها فيصرخ فيها بدوره :
_إلا هذه! دوماَ سأعود.. دوماَ سأعود..
ثم يتهدج صوته باستطراده :
_لمن سواكِ أعود؟!

تهز رأسها بنفور ولا تزال عاجزة عن تصديق الجحيم الذي زلت فيه قدماها دون إرادة..
هو صار مجرماً!
هو قتل عائلتها وكان سبباَ في فقدها لبصرها!!
هو لفق موتها ليحتجزها سجينة طوال هذه السنوات!!

_يا الله! كابوس! هذا كابوس!
تصرخ بها بهياج لتردف وهي تلوح بذراعيها :
_لولا خوفي من أن أخسر آخرتي كما خسرت دنياي لقتلت نفسي.. أنا اكرهك.. أكرهك وأكره اليوم الذي صادفتني فيه لتكون لعنة عمري كله!

وكأنما طعنته في مقتل!
زمجرته الغاضبة تصلها كوحش يوشك على الانقضاض عليها وصراخه يكاد يرج جدران الغرفة حولها:
_أبداً.. لا تكرريها أبداً.. أنتِ تحبينني.. حتى في عز غضبك ستصفحين.. ستفهمين وتتفهمين.. ستعودين امرأتي التي تزوجتها منذ سنوات وحافظت عليها كي لا يعتني بها غيري.. أنتِ لي.. وستبقين لي.. اغضبي واصرخي كيف شئتِ لكن روحك توقن أن امانك معي.. أنا فقط.

_حسام!

تهتف بها كمن وجدت طوق نجاة وهو الوحيد الذي تذكرته من عائلتها.. ربما لطبيعة عمله.. وربما لأنه الوحيد الذي كان شاهداً وداعماَ لقصتهما قبل فعلتها الرهيبة بالهروب..
لتردف بين صرخاتها :
_أين هو؟! كيف تركني؟! هل صدق موتي هو الآخر؟! أم أنك آذيته! ؟

ينعقد حاجباه بغضب عارم فيبدو كشيطان مسلسل ينتظر الفرصة للفكاك من الأسر..
يتركها لنوبة صراخها ليخرج ويغلق الباب خلفه صارخاً بالخادمة أن تدخل إليها وتحاول تهدئتها..
يبقى واقفاً خلف الباب كتلميذ مذنب يؤدي طقوس عقابه وهو يوقن أنه قد حرم عذوبة عزفها لوقت ليس بقريب..
ينتظر حتى يهادن الصمت أذنيه فيطمئن لاستسلامها..

يتحرك ليغادر البيت بخطوات مهزومة تناقض التحصين القوي للمكان برجاله فكانه قلعة غير قابلة للاقتحام أو الهروب..
لن يجازف كالمرة السابقة بأن يصل إليها أحد..
يعرف أنه بقتله ل(بتول) وبرسالته التي تركها لأديم وحسام قد صار مكشوفا فلا مجال للعودة لحياته ك(فهمي)!
وكم يثير هذا غيظه!!
(لعبة التحدي) التي كان يمارسها طوال هذه السنوات ببراعة يثبتها لنفسه وهو يرى تمكنه الرهيب من الفصل بين الدورين المتناقضين ل(فهمي) و(الكوبرا)
الآن يجد نفسه مضطراً لتركها!
لكن لا بأس.. مادامت هي غنيمته من حرب كهذه فلا مانع!

يصل لسيارته فيستقلها لتضيق عيناه وهو يخاطب صورته في المرآة بقوله:
_لم تعد هناك خطوط حمراء.. سأسحق كل ما ومن يقف بيني وبينها.
=======











_عادت.. ماما عادت يا اولادي.

تهتف بها يولاند أمام قبور أولادها الثلاث ب(اللغة العربية) دون وعي.. كأنما وعت فطرتها أنها اللغة التي ربطت وستبقى تربط بينها وبينهم..

تبدأ في الغناء..
تلك الغنوة الفرنسية التي كانت تنيمهم بها والتي بقيت تذكرها طوال تلك السنوات بالفجوة بين (يولاند) و(فدوى)..
الآن فقط يمكنها الصراخ أنها أخذت بثأرها لهم..
الآن وقد عادت لتوها من زيارة ريان في السجن..
رأت سواد الخسارة على ملامحه..
تبينت كفيه اللذين صارا خاويين من كل شيء..
ميزت في عينيه ذاك الاعتذار النادم الذي طالما سعت لتسمعه منه..
صفعته!
صفعته تلك الصفعة التي أرادتها تماماَ وهي تقف أمامه بكامل زينتها واناقتها وبهائها..
وصّلت له الرسالة..
(يولاند عادت لنفسها.. وأنت خسرت نفسك)

لكن هل عادت لنفسها حقاً؟
لماذا تشعر إذن بهذه الفجوة بين ضلوعها؟!
لم يمنحها الانتقام لذة العوض التي طالما اشتهت مذاقها..
لماذا ؟!

تشعر بالكف الداعم على كتفها فتلتفت نحو إيلان الذي بادرها بابتسامة هادئة :
_حان وقت الرحيل حبيبتي.. أظنكِ الآن مرتاحة.

(مرتاحة) ؟!

المعنى يبدو بعيداَ جداً عن لسعات الجمر الذي تضطرم حرائقه في روحها..
لكنها أجبن من أن تعترف بهذا!!
لهذا ترتجف ابتسامتها وهي تسير جواره حتى يستقلا معاَ سيارته نحو شقتها حيث تقيم مع لارا..

_ألم يحن الوقت لنكون معاً؟!

همهمته تبدو لها رومنسية مشتاقة لولا نبرة الظفر التي فاحت من حروفه وضخمها شعورها بالخسارة الذي لا تفهم سره..
خاصة وهو يرفع كفها ليقبله بقوله :
_أنتِ أعظم انتصاراتي.

تغمض عينيها على صورتهما..
طبيبة فاتنة أنيقة رشيقة ناجحة تحمل مركزاً مرموقاً في مشفى مميز..
وطبيب لا يقل عنها نجاحاً ووسامة بل يزيد..
ما الذي ينقص صورة كهذه ليمنحها الكمال؟!
لماذا لا تستطيع إذن الشرب نخب النصر؟!

_حبيبتي..
يهمس بها وهو يتوقف بالسيارة أمام بيتها.. يستقل معها المصعد نحو شقتها..
تحاول التخلص من رفقته فتغمغم بنبرة مرهقة :
_أنا متعَبة.. هي فرصتي أن لارا ذهبت للتسوق من اول اليوم.. اريد النوم دون صخب.
لكنه يتناول منها مفتاح شقتها ليفتح الباب بنفسه يجذبها ليدخل معها ويغلقه خلفه في شارة واضحة للملكية..
تشعر بمزيد من الوهن والخوف من سيطرته التي يحكم طوقها حول عنقها يوماَ بعد يوم..
تماماً كما يفعل الآن وهو يتحرك بها نحو الأريكة القريبة، ينزع عنها سترتها غير مبالٍ باعتراضها الواهي.. يجلس جوارها ليضمها إليه مربتاً على رأسها بحركات هادئة تناسب قوله:
_ارتاحي حبيبتي.. انا معك.. لن يؤذيكِ شيء.
يتشنج جسدها رغماَ عنها وهي ترفع إليه رأسها بنظرات وجلة نافرة..
عيناه الذكيتان تسبران أغوارها بمهارة فيسألها :
_لماذا لا تبدين سعيدة؟!

تغتصب ابتسامة مصطنعة وهي تشيح بوجهها :
_امرأة عادت لتوها من زيارة قبور أولادها! أي امرئ ذي شعور سيتفهم حالتي الآن.

لا تعجبه طريقتها في الرد فيصدر همهمة قصيرة وهو يدير ذقنها نحوه ليغرس نظراته في عينيها قائلاً :
_أي امرئ ذي شعور سيقدّر قيمة ما فعلته أنا لكِ.. لولاي لكان قبرك هو الرابع.. لا أتحدث هنا عن حرفية التعبير لكن عن حقيقة وضعك عندما التقينا من جديد.. مجرد جثة ساكنة بخواء تنتظر من يكرمها بالدفن..

تتكدس الدموع في عينيها وهي تشعر كأنها قارب تتقاذفه أمواج حيرتها..

لكنه يمسح طرف عينيها بإبهامه مردفاً :
_حبيبتي العنيدة التي طالما أرهقني عنادها.. حان الوقت لتأخذي هدنة من كل حروب الماضي..
تئن بألم يسيء فهمه فيقترب منها اكثر وهمسه يصير أكثر إغواء :
_استسلمي.. استسلامك الآن بين ذراعيّ هو الأمان الأخير.. اشتقتك حبيبتي.. اشتقتك حد الألم.. لكنني ما كنت لأسمح لنفسي بتذوق ثمارك حتى أفي بوعودي كلها.. وها قد فعلت!

لا تدري كيف غابت عن وعيها بين ذراعيه.. كدمية انقطعت خيوطها كلها فجأة!
هل هو مجرد احتياج جسدي لامرأة مهجورة؟!
هل هي آخر خطواتها للانتقام من ريان؟! لتلوين جسدها بغيره كما خضّب هو جسده بغيرها؟!
أم هو (ضلال التيه) الذي تعرف أنه قد عوقب به قومها يوماَ والآن تجربه بأقسى صوره؟!!

لمساته تبدو شديدة النعومة لكنها تخزها كالشوك..
انينها الخافت لم يكن عن نشوة بل عن وجع..
تريد الصراخ ب(لا) لكنها تبدو بعيدة تماماَ عن لسان خنقته مأساته!!

تشعر به يحملها نحو الفراش في الغرفة القريبة..
يلقيها ببعض العنف المثير لكنه يبدو لها الآن..
الآن فقط..
على حقيقته!

على ملامحه يتراقص مكر الغاصب وغواية السحرة..
وبين ذراعيه هذا الفخ الذي لن ينجو المار على حافته!

_لا!

تجدها أخيراَ على طرف لسانها الذي انحلت عقدته وذراعاها يقفان حائلاً بينهما لكنه ينحني فوقها وكانه غير مصدق..
أوغير مبالٍ!

لا
لا
لا

لا تصرخ بسواها وكأنها فقط راضية انها تحررت من قيود (تبعيتها)..
تحاول التملص منه بكل قوتها لكنه يخضعها بطريقته الملتوية..
بالرفق مرة..
وبالغصب مرات..!!

حتى إذا ما انتهى منها قبضت أنامله على شعرها ليرفع وجهها إليه هامساً بعينين متقدتين كالجمر :
_هذه - تماماَ- هي الطريقة التي تمنيت بها نيلك منذ سنوات قطيعتنا.. حتى (لا) هذه التي تصرخين بها بدت لي مثيرة.. هذا الألم على ملامحك ثمن لرفضك القديم.. وهذه النشوة المكتملة في عينيك برهان رضا عن العهد الجديد .. أحب دوماً ان انال (حقي) بهذه الطريقة.. بين مهادنة وقهر.. وأنتِ حقي.. حقي الذي نلته - وسأناله- دوماَ كما أريد.

تمد كفها لتصفعه لكنها تشعر بوهن جسدها يخذلها بعد معركة (غير متكافئة القوة) .. معركة قهرها فيها لينال ما يريد..
يترك شعرها أخيراً ليربت على وجنتها برفق :
_الآن يمكنك ان تستريحي حبيبتي.. لا يستريح إلا من يعرف أين تودي به خطواته.. وخطواتك حتماَ ستقودك دوماَ إليّ!

تشعر به يغادر وصدى عبارته يتردد في أذنها..
(لا يستريح إلا من يعرف أين تودي به خطواته)
فهل تعرف هي؟!

تكتم أناتها في وسادتها بقهر وقبضتها الواهنة تهوي على جسدها كأنها تعاقبه!
علامَ تعاقبه؟!
على ضعفه في الرفض؟!
أم على متعته في القبول؟!
هل اغتصبها إيلان؟!
أم نالها راضية؟!
هل هذه طريقته التي يتحدث عنها؟!
(سياسته) التي يتبجح بأنه يحب نيل (ما يراه حقه) بها؟!!
لم تكن سياسته وحده..
بل ديدن كل من ينتمي لهم !
زعزعة الثوابت وفرض الوهم!!
هو اغتصبها!!
اغتصبها (بالقوة) ويريد أن تصدق وهمه انها هي من (سلمت جسدها)!

يهدا بكاؤها اخيراَ بعد وقت لا تعلمه فتنهض بصعوبة وهي تشعر رغم وهنها بحاجتها لتطهير جسدها..
شلالات الماء التي تتعمد جعلها شديدة السخونة حد احمرار جلدها لا تمنحها (الطهر) المطلوب..
لكنها تخرج من تحت الماء تحاول التقاط أنفاسها وهي تشعر بالمزيد من (ضلال التيه) يشوش حتى صورة مرآتها!!

لن تبقى هنا!
لو بقيت ساعة واحدة اخري هنا فستصاب بالجنون!!
لمن تشكو ؟!
لارا!!
لارا لن تفهم!
ستحسبه فقط عاشقاَ مجنوناَ أغرقها في عاطفة مثيرة وهي فقط التي اعتادت برودة الشرقيين كريان!

يزداد إحساسها بالوحدة فتتحرك خاوية الخطوات نحو خزانة ملابسها..
تفتحها لتختار ثوباَ ساتراَ بأكمام طويلة.. لا تدري هل تفعلها لأنها تكره رؤية جسدها بعد ما حدث..
أم لتداري أثر احمرار جلدها المتورم بفعل الماء شديد السخونة الذي ارغمت نفسها علي البقاء تحته!!

ستخرج!
إلى أين؟!

هذا البلد الذي عاشت فيه سنواتها الأخيرة كلها..
والآن لا تجد مكاناَ واحداً يمكنها الذهاب إليه.. لعلها تجد فيه راحتها!!

تكاد تغادر شقتها بخطوات بطيئة وقد غطت رأسها بوشاح قديم.. لم تفعلها بدافع الستر.. إنما كرهت تكرر المشهد امام عينيها وقبضة إيلان تعتصره بتملك!!

_أريد التحدث إليك.

الهتاف امامها بالصوت المألوف!
كانت تفتح باب الشقة في نفس التوقيت الذي كان هو فيه يهم بضغط الجرس..

_جهاد!!
=========
_جهاد!!

كانت رؤيته الآن صاعقة بعد ما كان منه في المؤتمر خاصة وهي تعلم انه قد سافر لزهرة منذ زمن كي يعتني بها في مرضها!

تدعوه للدخول لكن نظراته النافرة تمنحها اعتذاراَ حاسماَ وهو يشيح بوجهه مكرراً طلبه:
_أريد التحدث معك.. لكن بالتأكيد ليس هنا.

لهفتها لا تبدو خافية عليه وهي تغلق الباب خلفها لتسير جواره..
ولولا خوفها من سوء تفسيره لتعلقت بذراعه!!

دموعها الصامتة تغرق وجهها وهي تستقر قبالته أخيراَ في أحد المطاعم القريبة ..
لكنه يبقى صابراَ حتى تقرر هي الكلام من نفسها..
وهاقد فعلت أخيراَ بعدما مسحت دموعها لتسأله بصوت مبحوح :
_لماذا عدت؟!
_لأجلك.. ولأجل صديقي.
لا يدهشها الجزء الأول من عبارته بطبيعة الحال فقد كانت تعلم مكانتها لديه..
لكن الجزء الثاني من كلامه يجعلها تهتف باستنكار :
_تقصد من كان صديقك؟! السبب الوحيد الذي أتقبله ان تكون قد عدت شامتاَ في مصابه..
يهز رأسه نفياَ بحسم ونظراته ذات المروءة تمنحها الجواب الصحيح..
فتردف باستنكار :
_عجباَ!! لا تقل انك بهذه الدرجة من المثالية حد أنك عدت لتساعده في محنته؟!

_ليست مثالية.. لكنها تعلمت بالطريقة الأقسى أن أحافظ على (هويتي).. على (انسانيتي).. لو جازيت كل مسيئ بإساءته فماذا سيتبقى لي من حسن خصال نفسي؟!

تتسع عيناها كانها تتشرب كلماته بكل ما فيها وهي تراه يردف بنفس الحرارة :
_أسوأ ما يدفعنا إليه الانتقام ان يجعلنا صورة منسوخة ممن آذونا! أن نصير انذال جبناء انتهازيين مثلهم.. فتسودّ قلوبنا كما اسودت قلوبهم ونصير في الظلم سواء!
تطرق برأسها في خزي يقرأه جلياَ فيطرق الحديد وهو ساخن :
_راضية أنتِ؟! مرتاحة لما سيؤول إليه مصيره؟! هل منحكِ الانتقام شفاء سقمك؟! زال أثر ظلمه من قلبك عندما ظلمته أنت الأخرى؟!

_كفى! كفى!

تتمتم بها بين دموعها وهي تخفي وجهها بين كفيها فيهتف باسمها :
_يولاند.. كنت مخطئاً عندما اخترت لكِ اسم (فدوى)..واحدة مثلك لم يكن مناسباَ لها أن ترتدي عباءة غيرها بدافع الحب فحسب.. كنتِ على صواب عندما قلتِ أنكِ لم تعتنقي الإسلام بل اعتنقتِ ريان.. وعندما كفرتِ به عدت تكفرين بكل شيء.. لكنني لم أعد لأناقشك في عقيدتك.. بل في (انسانيتك).. أنتِ وحدك من يمكنه مساعدة ريان الآن.. أنتِ التي تعلمين لماذا قتل زوجته.. أنتِ الشاهدة على ما كان.

يحمر وجهها بغضب وهي تعود لتتذكر خيانة ريان لها مع تلك المرأة..

فتهتف بمكابرة :
_هو جزاؤه.. ثمن دم اولادي.. ثمن عمري الذي ضاع معه!

_بل دليل ما بقي من (انسانيتك) بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى!

يقولها ببعض الصرامة محاولاَ منعها من رثاء الذات لتتجمد ملامحها كأنما فتحت لها كلماته نفقاَ آخر..
فيردف بنبرة أرق:
_احياناً نحتاج الصفح عن الآخرين لا لأجلهم بل لأجل السلام لأنفسنا نحن.. السلام يا يولاند..السلام!.. راحة قلبك..كم تدفعين ثمناَ لها؟!

تتردد ملامحها بين رفض وقبول ولا يزال (ضلال التيه) يشوش على عيون قلبها..
تقف مكانها بانفعال لتتحرك نحو نافذة المطعم المطلة على حديقته.. تشبك ساعديها بشرود وبصرها معلق بالمنظر حيث مضى بعض الأطفال يلعبون..
ضحكاتهم تقصف قلبها بمزيج من اشتياق ووجع!
ورغماَ عنها ترتسم ملامح أطفالها فوق وجوههم..
ملامح تدعوها براءتها للصفح.. لا للانتقام!


(لا يستريح إلا من يعرف أين تودي به خطواته)

تذكرها كما سمعتها منذ قليل بصوت إيلان فيرتجف جسدها نفوراً لكن قلبها يتلقفها ك(شارة طريق)..
السلام يا يولاند.. السلام!

_أسوأ ما يدفعنا إليه الانتقام ان يجعلنا صورة منسوخة ممن آذونا! أن نصير انذال جبناء انتهازيين مثلهم.. فتسودّ قلوبنا كما اسودت قلوبهم ونصير في الظلم سواء!

تذكرها بصوت جهاد الجالس خلفها فتتلون روحها بين غضب وخزي..
السلام يا يولاند.. السلام!

_احياناً نحتاج الصفح عن الآخرين لا لأجلهم بل لأجل السلام لأنفسنا نحن..
يختم بها قلبها رحلته ولا تزال قدماه تقفوان الأثر الطيب..

السلام يا يولاند..السلام..
راحة قلبك..كم تدفعين ثمناَ لها؟!

لم يكن الخيار سهلاً وهي تدرك علامَ تقامر!!
شهادتها مع ريان ستكون (إعلان حرب) على إيلان بكل ما يعنيه لها من دعم!!

تري أحد الاطفال يتقدم نحوها وقد قطف زهرة ليمنحها إياها..
تبتسم وهي تنتبه أخيراً لبكائها المرتفع فتمسح دموعها وهي تتناولها منه..
تأخذ نفساَ عميقاً كأنما تريد للعبير المؤقت أن يزيل أثر وجع القلب المكلوم..
(ضلال التيه) تذروه (رياح السلام) التي ودت لو تجرف أثر الجروح في ماضيها لتتركه بعدها تربة خصيبة لزرع وثمر..!

الآن صارت تدرك أين تودي بها خطواتها!!
ولن تندم على الاختيار!

لهذا تعود بخطوات واثقة نحو جهاد لتقول بحسم :
_لم يفت الوقت بعد.. دعنا نرى ما يمكننا فعله لأجل (صديقك).. انا سأشهد بكل ما أعرفه.
========













*أحمر*
=======
_ماذا تعني بأنك تركت لها سامي؟!
يهتف بها إبراهيم باستنكار مخاطباً ربيع الذي يتنهد بحرارة محاولاً احتواء غضب ابنه بقوله الهادئ:
_هي تحتاجه يا ابني كما يحتاجها.
_كلام فارغ!!
يهتف بها إبراهيم بنفس الاستنكار العاصف ليصطدم بنظرة عاتبة من أبيه تجعله يطرق برأسه مغمغماً بنبرة اعتذار مرتبكة :
_لا أقصد يا أبي.. لكن.. سامي شأنه يخص شقيقته.. هي التي تحكم فيه.
_شقيقته لا تزال تعالج في مصحة الإدمان.. يسرا هي من تتولى نفقات علاجها من البداية كما أخبرني مدير المصحة لكنها طلبت منه أن يخبرك أنها مجانية.
_هذه أيضاً كذبت فيها!!
يتمتم بها إبراهيم بحسرة غاضبة وهو يتذكر ما كان من (سمرا القديمة) ليقبض كفه بقوة كأنه يمسك به قلبه مسلسلاً إياه بقيود من نار كي لا يركض خلف سراب الحنين لها..

_لا تزال صلباً كعصا يسهل كسرها.. لا تزال لا تفهم طغيان الرمادي عندما يراوغ بين الأسود والأبيض.. لن أدافع عنها ولن أصف ما فعلته ب(الصحيح) لكنني فقط أذكرك بما فعلته أنت عندما تملكك وحش الغضب منها..

يحمر وجه إبراهيم بمزيج من غضب وندم وهو يتذكر ما فعله بها أمام أهل الحي.. إلى الآن لا يصدق أي شيطان تملكه وقتها..
يوماً ما ظنها أعظم (نِعمه).. فصارت أعظم (خطاياه)!
يقرأها أبوه في عينيه دون أن يتفوه بها فيربت على كتفه مردفاً برفق حازم :
_في حياة كل منا لحظات يتوه فيها عن نفسه.. يفقد السيطرة على أفعاله.. يغيب عقله.. تجذبه الدوامات فلا يبالي أي صرخة يطلقها ولا أي ذراع يتلقفه.. وليس عدلاً أبداً أن نحاسب غريقاً يصارع الموت وسط الموج.. بل ننتظره حتى يرسو على شط النجاة فيقيم هو اختياره في ساعة اختيار حرة دون قيود.

يشيح إبراهيم بوجهه فيما بدا كمكابرة لكنه كان يدرك أنها حرب!
حرب يخوضها كل يوم منذ يفتح عينيه صباحاً على فراشه الخالي منها وحتى يغلقهما آخر الليل على حلم خائن بها!!

_وكيف ستعتني بسامي وهي في حالتها هذه؟! صحيح أنها فكت جبيرة ساقها لكن ذراعها لا يزال على حاله.. وكدمات ظهرها وكتفيها تمنعها مغادرة الفراش!
_وكيف عرفت انت كل هذا؟! ظننتك لست مهتماً!!
يغمغم بها ربيع ببعض المكر ليطرق إبراهيم بوجهه وقد احمرت أذناه بانفعاله المكتوم..
لن يخبر أحداً أنه يذهب للمشفى كل يوم يسأل الأطباء عن حالتها خلسة دون أن يراها!

لكن أباه الذي بدا خبيراً ببواطنه لم يضغط عليه أكثر وهو يردف بنبرته الحانية :
_ستغادر المشفى اليوم لبيتها.. لهذا تريد سامي معها.. أنت لا تعرف كيف يكون شعور المرأة عندما تفقد طفلاً.. وهي لم تفقد واحداً بل اثنين..

يغمض إبراهيم جفنيه المثقلين بشعوره بالذنب نحوها فيتجاوز ربيع الحديث عن الأمر ليغير الموضوع لآخر :
_هناك مشوار ضروري أحتاجك معي فيه..واجب عزاء
يمط إبراهيم شفتيه باستياء ولو استطاع نطقها لفعل..
(اللعنة على مشاوير العزاء وما يأتي من خلفها)
يتذكر كيف فتحت عليه زيارته لحسام القاضي معزياً كل أبواب الجحيم!!
لكن ربيع يبدو غافلاً عن هذا وهو يردف بأسى:
_إياد ابن السيدة خديجة مديرة المدرسة التي كنت..

صوت تكسر زجاج يقطع حديثه فيلتفت جانباً نحو المطبخ القريب حيث هبة التي بدت في غاية الارتباك وهي تنحني لتجمع الشظايا المكسورة قائلة بتلعثم :
_اعذرني يا خالي.. سيرة الموت هذه مقبضة.
_لا عليك يا ابنتي.. الخبر كان مفجعاً حقاً.
_كيف مات؟!
حروفها المتحشرجة تحاول ان تداري خبيئتها ليرد ربيع وهو يبسط كفيه بجهل..
_لا أحد يعرف.
_سأذهب معكما.. أريد تعزيتها انا الأخرى.
يمنحها إيماءة موافقة فتكتم دموعها وهي تترك ما بيدها لتعود لشقتها كي تبدل ملابسها و.. تؤدي واجب العزاء!
========
_ابني لم يمت.. لم يمت.. في من تعزونني؟! ابني حي.. حي..
تصرخ بها خديجة وسط جموع المعزين في بيتها..
يحاولون تهدئتها لكنها تطردهم حرفياً وهي تصرخ فيهم كأنها فقدت عقلها..
تحتضنها عزة بقوة وهي تحاول التسرية عنها فيما يقترب منها إيهاب وقد بدا بملامحه البائسة كأنه زاد عمراَ فوق عمره..

_قل لهم يا إيهاب.. أخوك لم يمت.. هو بالكاد رجع لحضني.. قل لهم..
لا تزال تصرخ بها بوجع فيمسك كتفيها بقوة راجياً :
_أرجوكِ يا امي.. لأجل صحتك.. اهدئي.

يغادر الحضور وهم يدعون لها بالصبر تزامناً مع دخول ربيع وابنه وهبة التي بدت مرتجفة على عكس طبيعتها الصلبة بينما تتأمل المكان حولها..

_كان هنا.. هنا معي.. منذ أيام فقط.. كنت أريه غرفته حيث الشرائط التي سجلتها انت له.. خرج منها سعيداً.. لا.. لم يكن سعيداً بل راضياَ.. لم أره يوماَ سعيداَ..تخيلوا! منذ ولدته لم اره يوماَ سعيداً!!

تتمتم بها بما بدا كالهذيان لكنها تلمح ربيع فيدور بين عينيهما حديث طويل غامض كأن بينهما تاريخاَ قديماً..
ربما لهذا بدت عبارتها أكثر حميمية مما يفترض وهي تقترب منه قائلة بين فيض دموعها :
_هل ضيعت ابني حقاً يا ربيع؟!

يمنحها ربيع نظرة غامضة بدت وكأن كليهما فقط يفهمان مغزاها قبل أن يطرق برأسه قائلاً :
_لله ما أعطى وما أخذ.. هوني عليكِ.

تراقبهما هبة بقدر الدهشة التي سمح بها إدراكها الواهن لما حولها وهي تراهما ينسحبان لركن قريب فتجلس جواره لتسرّ له بما عجزت هي عن سماعه.. فيما جلس إيهاب جوار إبراهيم يتبادلان العبارات التقليدية في مثل هذه المناسبات!
مثل هذه المناسبات؟!!
تكاد تبتسم بمرارة ساخرة وعيناها تدوران في الشقة دون تحفظ..
تقعان على صورة مؤطرة قديمة لكنها هي تعرفها..
بل حفرت في قلبها منذ سنوات..
صورته صغيراً جوار أخيه وفي عينيه هذه النظرة التي لن تنساها أبداً..
(نظرة من يرغب لكنه يعرف أنه لا يستحق!)
نفس النظرة التي لم تغادر عينيه حتى عندما كبر!!
مات؟!
حقاً مات!!
ما هذا العبث ؟!
تستغفر الله كثيراً للخاطر الشيطاني الأخير وهي تشبك كفيها بقوة غير قادرة على منع ارتباكها..
ارتباك هو أقرب منه للحزن!!
لا تصدق.. لا تفهم.. لا تفهم نفسها وما أقساه من شعور على فتاة ببساطتها!!

لهذا ما كاد ربيع يقف بعد ما أنهى حديثه الجانبي مع خديجة ليتقدم نحوهم حتى وقفت بدورها بسرعة تهرب من هذا الشعور الغامض الذي لا تفهمه..
يغادرون بيت خديجة فتبقى شاردة للحظات وهي تشعر أنها تفتقد سمرا..
من سواها ستفهمها!!
تباَ! لقد صارت يسرا الآن.. لكن.. هل يشكل هذا فارقاً؟!
_عفواً يا خالي.. اذهب انت مع إبراهيم.. سأتوجه للمشفى.. يسرا ستغادره اليوم ويجب أن اكون معها.
تختلس نظرة خاطفة ببعض الذنب نحو إبراهيم الذي اشتعلت عيناه كجمرتين من نار.. فيما يهز ربيع رأسه قائلاً :
_سأذهب معك.. توصلنا يا إبراهيم؟!

(هذا كثير.. كثير حقاً!)

يكاد يصرخ بها بحدة لكنه يكتمها داخله موقناَ أن طلب أبيه أمر!!
لهذا يبقى صامتاَ طوال الطريق مشتعلاً بأفكاره حتى يصل بهم للمشفى ولم يكادا يترجلان من سيارته حتى انطلق بها بسرعة شديدة كأنه يهرب من شيطان!!
========



*أخضر *
========
تراقب عزة خديجة بإشفاق بعد انصراف المعزين وقد استسلمت أخيراَ للنوم بعد قرص من الأدوية المهدئة..
ترى إيهاب يرفع عليها غطاءها برفق ثم ينحني ليقبل جبينها قبل أن يخرج من الغرفة وكأنه لا يراها هي..
يتجاهلها؟!
هل يفعل حقاَ؟!
تخرج من الغرفة خلفه لتراه يتوجه نحو غرفة إياد فلا يضغط زر إضاءتها بل يبقيها شبه مظلمة إلا من ضوء خافت يصل عبر النافذة المفتوحة لقمر بائس يختبئ خلف غيومه..
.. تقف مكانها حائرة لا تعرف ماذا تفعل..
هل ستعود ل(حافة التردد السخيفة) من جديد؟!

صوت قاهر داخلها يخبرها انها أدت واجبها نحو هذه العائلة كما ينبغي..
فما الذي يبقيها هنا حتى الآن؟!
فلترحل ولتغلق هذه الصفحة كما كان ينبغي لها قبل ان تجد الأمور الخطيرة الأخيرة فتضطر للتراجع..!!

هل تذهب وتغلق الباب خلفها بهدوء أم تذهب وتخبره أولاً؟!
عديمة الإحساس؟!
على العكس ربما هي.. (فائضته)!!
تكتم نزيف مشاعرها بصلابة لا تدري من اين أتتها!
هل هي كثرة الفقد ما تمنحنا زهد الامتلاك؟!
أم هو فرط الحزن عندما يحفر في القلب أخدوداً يقيه عبور المزيد من الألم؟!
هل تخاف مواجهته؟!
هل ترهب أن يؤثر حزنه على أخيه في عاطفتها؟!
هل تخشى الوهن من جديد أمامه؟!
هل تخاف أن تصرح بخسارته؟!

لن أخاف بعد الآن..لن أخاف!

تهمس بها لنفسها بحسم قاهرة (ترددها) لتتوجه نحو الغرفة التي كانت نصف مفتوحة..
تهم بطرق الباب لكنها تتجمد وهي تراه من مكانها جالساَ على كرسيه جوار الكاسيت القديم وشرائطه المسجلة التي عرفت حكايتها من قبل..
يعطيها ظهره مسنداً رأسه بإرهاق على ظهر كرسيه وقد استقرت ساقه الصناعية جواره فينقبض قلبها بإشفاق وهي تدرك أنه اضطر لارتدائها فترة طويلة حقاً.. لابد أنه يشعر الآن بالتعب!

ظله في الظلام يبدو لها غريباً غرابة شعوره نحوه..
تخشى الظلام.. لكنها تأمنه هو!!
تقترب أكثر وهي تشعر بالحزن العنيد يغافلها ليمزق قناع تماسكها!
مات إياد حقاً؟!
الغريب أنها تسخر من نفسها الآن وهي تتذكر كيف كانت تراه صورة (إيهاب) المثالية!!
الآن وقد انكشف المستور لم تعد تراه سوى (صورة باهتة).. ممسوخة لرجل تمنته كاملاً.. ومن فينا الكامل؟!

السؤال الأخير يصفعها ببساطته كأنما يذكرها أي طفلة حمقاء كانت وهي تعقد مقارنة كهذه؟!

تقترب أكثر وأكثر لتتعلق عيناها ب (ساقه الصناعية).. أول درجة - ظنتها- في سلم التنازلات!!
ولأول مرة تراها بعين أخرى..
ليست (دليل نقص) و لا (درجة تنازل) بل (برهان عشق)!
برهان عشق رجل لم يتردد لحظة وهو يفتديها كل مرة بنفسه ليحميها من الخطر!!

تهز رأسها بذهول والحقائق - على بساطتها- تجلو أمام قلبها فتتعجب أي غشاوة كانت تضلل عينها؟!
لم تشك يوماَ في حبه لها.. إنما شكت في (كمال صورتها) في عينيه..
كانت تنتظره ليخطو الخطوة الأولى.. وكذلك هو - كما اعترف لها- فبقي كلاهما مكانه يعطي الآخر ظهره!!

تقترب أكثر وأكثر وهي لا تعرف ماذا تقول أو تفعل..
فقط تكتفي بأن تضع كفها على كتفه فتشعر برجفة جسده تكاد تصعقها مكانها!!

وفي مكانه كان هو لا يزال عاجزاً عن تصديق ما حدث..
طفل بليد تأخر في آداء واجبه فلما فعل فوجئ بالمعلم قد رحل!
جندي كسول تأخر في حمل سلاحه فلما فعل فوجئ بالجيش قد أبيد!
قمر بطىء تلكأ في الصعود حتى سبقته شمس الفجر!

مات إياد!!
مات ولم يشبع من حضن غفرانه بعد!!
_لماذا لا تزالين هنا؟!

يسألها دون أن يرفع عينيه إليها مردفاَ بنفس النبرة الخاوية :
_كنتِ مدينة لي بمعروف (ساق) فقدتها وصرت مديناَ لك بمعروف (عودة أمي).. تساوت الكفتان إذن.. وحققتِ ما كنتِ تريدينه.
لا تحرك ساكناً وكفها لا يزال على كتفه فيكتسب صوته نبرة ساخرة ذكرتها ب(الفاجومي) القديم رغم مرارتها :
_خذيها نصيحة من صديق قديم خبير بتفاصيلك.. هو أنسب وقت للرحيل دون تأنيب ضمير.. كأس خسارتي مملوء لآخره حتى فاض بالفعل ولن يشكل فقدك فارقاً أكبر!

كلماته تصدع قلبها نصفين فتهتف به بانفعال مرير يشبه سخريته:
_هل هذا ما يفتي به (الصديق القديم) الخبير بتفاصيلي؟! أن ما بيننا فقط كان بدافع من ضمير؟!
_بل أحببتني..
لا يزال بروده الموجع يقصف صدرها وهو يردف بنفس النبرة :
_أحببتني حتى ولو لم تعرفي أنتِ.. أحببتني وأنا خير من يقرأها في صفحة مشوشة كصفحتك.. لكن منذ متى كان الحب وحده يكفي؟!

منذ متى كان الحب وحده يكفي؟!
تتردد داخلها صارخة وهي تشعر بقربه أنها تشرب من بحر..
لا يرويها ولا يكفيها أي مزيد!!

صوت رنين هاتفه يقاطع أفكارها..



تراه يتناوله من جيبه يستمع قليلاً..
شهقته تشق صدره تثير فضولها وخوفها فتهم بسؤاله لكنه يغلق الاتصال فجأة وزئير انفاسه يوحي بالخطر !!
ينتفض واقفاً بانفعال بدا صارخاَ ناسفاً لكل بروده السابق كأنه سيغادر الغرفة كقذيفة،لكن المفاجأة كما يبدو أنسته حقيقة وضعه ليترنح مكانه..
يكاد يسقط فتسنده عفوياً لكنه يسقط بثقل جسده فوقها على الفراش المجاور لتتلاحق أنفاسهما معاً فتفاجأ به يجذبها لصدره متشبثاً بها بقوة كأنه يحتمي بها.. أو.. يحميها!!

(إياد حي.. ليبقَ هذا سراً.. لا تحتاج لأن أخبرك عن خطورة إفشاء سر كهذا ولا عن ضرورة ما فعلناه لحمايته.. قابلني في المكان السابق)

يتذكرها كما سمعها بنبرة أديم المقتضبة لتوه على الهاتف فيكاد يعتصرها بين ذراعيه ورجفة جسده تشي ببكاء خافت دفنه بين حنايا عنقها!!
يود لو يخبرها..
لو يصرخ بها أن أخاه لا يزال حياً..
لو يشرح لها كيف رد له الخبر روحه..
وكيف صار يخشى فقداَ جديداً لا عودة بعده!!
لكنه يكتم كل هذا مكتفياَ بضمته القوية غير الواعية لها!!

يرتجف جسدها بانفعال مشابه وهي تسأله بقلق :
_ماذا حدث؟! من كان على الهاتف؟! إيهاب.. أخبرني..
ولما يأست من نيل جوابه وجدت نفسها تضمه إليها عفوياً وهي تشعر ببكائه - كالطفل هكذا - يفقدها صوابها..
لا يمكن لذراعيها أن تكونا أشد قوة من الآن وهي تتعجب إحساسها به!
ربما هو محق في أن الحب وحده لا يكفي.. لكنها الآن تشعر أنه يسند.. يطبب.. يضمد.. يمحو أثراَ وينقش آخر!
وتد يكفي وجوده لتتشبث به الكفوف فيمنعها الانزلاق على منحدر الألم!

لحظات مرت بهما في غفلة من الزمن وكلاهما غائب عن الدنيا إلا من شعوره بصاحبه..
لحظات قطعها هو وهو يرفع رأسه أخيراً ليشرف على وجهها بعينين لم تجدهما يوماً أكثر لمعانا من الآن..
_إيهاب..
تهمس باسمه بغرابة وكأنها لأول مرة تنطقه.. كأنها برغم كل الانتماء الذي يمنحه وجوده لها تحس أنها تستكشفه لأول مرة..
وربما.. تستكشف نفسها هي الضائعة!

أما هو فكان في وادٍ آحر وهو يشعر بخبر أخيه يزلزله!
يذكره بمذاق الاسترداد بعد الفقد!
يبلل شفتيه بقطرة الماء التي ظن - قبلها- أنه سيبقى ظمآناَ للأبد!
ويحذره من أن ينال مصيراً مشابهاً معها هي!!
لكن.. ماذا عساه يصنع؟!
هل يعيدها للطوق القديم الذي كسره؟!
كيف يخسرها؟! وكيف يبقيها؟!

لا تزال تكرر اسمه بمزيج من رهبة وقلق ليصلها صوته المرتجف يناقض قوة ذراعيه حولها :
_(لأني أحبك..!
ترمقه بنظرة متسائلة عما يقصده فيردف بحروف من نار :
(لأني لم أخشَ شيئاَ في حياتي كخشيتي من فقدك..لأنني ظننت أني قد أغفر لنفسي أي خطيئة إلا أن أضيعك من يدي)

همساته الحارة بهذا الإحساس الهادر تكاد تشعلها مكانها..
لكنها ترمقه بنظرة متسائلة وهي لا تفهم..
أي سؤال يستحق إجابة كهذه؟؟!

تهز رأسها بعدم فهم فيشدد ضغط ذراعيه حولها هامساَ :
_أعرف أن لديك الكثير من الأسئلة عما كان بيننا.. ضعي ما قلته جواباَ لها كلها.. هي وحدها ولا أفهم سواها.. (لأني أحبك وأخاف فقدك).

تدمع عيناها شارحة أنها الآن فقط تفهم فيخفف ضغط ذراعيه حولها وهو ينهض كأنما أفاق لتوه من غفوة عقله..
لحظة ضعف لن يتوقف أمامها طويلاً وقد منحها جواب السؤال الذي كان يشغل رأسها.
أي قوة امتلكها كي يمضي في طريقه ويمنع نفسه عنها الآن؟!
يتحرك ليرتدي ساقه الصناعية فتنهض بدورها وهي تشعر كمن كانت في حلم غريب..
لا يزال لديها الكثير من الأسئلة..
لا تزال تحتاج للمزيد من المواجهة..
لا تزال تحتاج أن..!

_تجدي نفسك أولاً..
كأنه يقرأ أفكارها.. بل ويكملها لها!!

ترتجف وهي تسمعه يردف بنفس النبرة:
_لسنا حمقى لنعود للوراء متجاهليْن ذاك الشرخ الذي حدث بيننا.. لم أقلها لكِ كي أطلب الصفح لكن لأمنحكِ السلام الذي تستحقينه..لو كان هناك ما يستحق أن تذكريه من ماضينا فهو أنني لم أكن يوماً زاهداً فيكِ لكنني فقط تخبطتّ عندما كرهت صورتي - وقتها- في عينيكِ.. لن تفهمي كم كان هذا قاسياً على رجل مثلي.. رجلٌ أكثر ما كان يعشقه فيكِ من البداية هو صورته في عينيكِ تلك!

تفهم!
تفهم!!
الآن تفهم!!

لكنه محق!
ليست ساذجة لتدرك أن الأمور بينهما قد تعود بهذه السهولة!
فلتجد نفسها أولاً كما قال.. لكن وهي توقن أن (الوتد) الذي تركه هو خلفه لن يخذل كفها متى انزلقت قدماها!

_تأخر الوقت.. هيا لتعودي إلى بيتك فلدي مشوار مهم.

عبارته تعود لتضع الحدود بينهما فتهز رأسها وهي تتحرك معه ليغادرا البيت..
يستقل معها سيارتها ليسودهما صمت قصير قطعه بقوله :
_ارسلت في طلب (ساق صناعية) بمواصفات خاصة ستمكنني بعد انتهاء تمارين العلاج الطبيعي من قيادة سيارتي.. وبدأت أشعر بالرضا -حقيقةً - عن عملي الجديد.. ربما هو ليس برونق عملي السابق لكنه أكثر هدوءاً بما يجعلني أتفرغ أكثر للعناية بأمي.. الحمد لله.. الآن أقولها وأنا أشعر بها حقاً.. لم أعد ساخطاً على قدري.. لعل هذه بداية الطريق.

تبتسم بفخر حقيقي وهي توقف سيارتها أمام بيتها لترمقه بنظرة اعتزاز طويلة لم تمد جسورها بينهما منذ عهد طويل..
هذا هو (الفاجومي) الذي تستحق عودته كل الصبر!
نظرة وجدت أثرها في قلبه وهو يغادر السيارة معها..لكنها لم تمنع قوله الحاسم :
_وداعاً.. جنيتي!

رسالته تصلها كوداع واجب لا تعارضه بل تثق بحتميته الآن!
تتحرك لتصعد نحو شقتها فيقف مكانه منتظراَ أن يطمئن عليها..
تلتفت لتمنحه نظرة أخيرة تغزل ثوباً واهياَ من أمل قبل أن يمضي كل منهما في طريقه وقد تعلم الدرس..
فليجد نفسه أولاً.. قبل أن يبحث عن الآخر!
========





*أحمر *
======
_كنت أشعر دوماَ أنني أنتظره.. حدس داخلي كان يخبرني أنه.. انه ليس كغيره.. أنه.. سيكون لي..
تغمغم بها هبة بين دموعها مخاطبة يسرا التي استلقت على أريكة مريحة في حديقة قصر الصباحي الذي عادت إليه بعد خروجها من المشفى..
لتربت الأخيرة بكفها السليم على كفها قائلة بإشفاق:
_أعرف كيف تشعرين!

تبتسم هبة بصعوبة وسط دموعها وهي تقترب منها كانما تخشى ان يسمعها أحد :
_عندما عرفت بالأمر شعرت بحاجتي للحديث معك.. ماذا كنت سأفعل لو لم تكوني معي؟! أي أحد يسمع كلامي ويرى بكائي الآن سيصفني بالجنون ولن ألومه.. لا أعرف ما الذي أصابني.. لماذا هو.. هو بالذات ؟! هو حتى لم يكن يعرفني!!

تتنهد يسرا بأسى وهي تتحامل على نفسها لتضمها إليها بذراعها غير المجبر.. تربت على رأسها لتهمس بشرود :
_أحاديث القلوب - مهما بلغت غرابتها - صادقة.. لحن عفوي لا يهم مدى نشاز نغماته..

_هل يمكنني ان اطلب منكِ شيئاَ؟!
تسالها هبة بتردد لتمنحها نظرة عاتبة كأنها تستنكر ان تستأذن قبل الطلب فتردف هبة وهي تمسح دموعها :
_سمعت أنه كان في السجن عندما مات.. أريد أن أعرف السبب.. وأظنكِ تعرفين من يمكنه الإفادة.
_لماذا ؟!
تسألها يسرا بإشفاق وهي لا ترى جدوى من الأمر لترد هبة بانفعال:
_لا أعرف سبباَ.. أنا فقط اشعر.. أشعر انه من حقي ان أعرف.. هل مات مظلوماَ؟! كان مذنباَ ام ضحية؟! يالله!!

تغلبها دموعها من جديد فاضحة رقة قلبها الطيب وهي تهز رأسها مردفة:
_نظرته لا تفارق عيني.. أحاول إبعادها من رأسي بكل الطرق دون جدوى..نظرة من يرغب لكنه دوماَ يرى انه لا يستحق!.. ربما لو أيقنت أنه مجرم.. أنه حقاَ كان يستحق مصيره.. لاستطعت نزعه من قلبي.. آآآ.. أقصد من رأسي..

ارتباكها الأخير يشي بعمق معاناتها فتمنحها يسرا ابتسامة داعمة ناسبت قولها :
_سأرى ما يمكنني فعله.. لا أظنها قصة صعبة.

تبتسم لها هبة بامتنان وهي تربت على كفها لتنهض مكانها قائلة :
_قومي انتِ لتستريحي في غرفتك.
_سأبقى هنا.. مللت الجدران المغلقة.
تقولها يسرا وهي تعيد رأسها للخلف بينما تأخذ نفساَ عميقاً..
فتقول هبة بتردد :
_سأتصل بإبراهيم ليأتي ويأخذني.. لن أخاطر بركوب المواصلات وحدي في وقت كهذا.

_وهل سيرضى؟!
استنكارها الساخر يوازي تنهيدة هبة وهي ترسل رسالة لإبراهيم قبل ان تنحني لتقول امام عينيها بصدق:
_هو من وصلنا أنا وخالي ربيع منذ قليل.. لم يكف عن الاهتمام بأمرك طوال الأيام السابقة ولو بسؤال في الخفاء..
_لن يسامحني أبداً.
تقولها يسرا بقنوط فلا تقوى هبة على الإنكار لكن الأولى تردف بابتسامة هادئة :
_سأكف عن السعي إليه..انا وجدت طريقي يا هبة.. سأعيش كما اردت ل(سمرا) لكن وأنا يسرا.. سأعود لأحب اسمي وأفتخر به.. يكفيني مكسب كهذا وسط كل خساراتي.
_را... را..

يهتف بها سامي الصغير وهو يخرج من باب البيت الداخلي ليركض إليها فتفتح له يسرا ذراعها لتعانقه هاتفة بحنان :
_لماذا استيقظت الآن؟! ظننتك ستنام للصباح؟!
_خفت عندما صحيت ولم اجدك جواري!
يقولها الصغير ببراءة فتضمه يسرا إليها بذراعها السليم وهي تتنشق رائحته بعمق..
ثم تقبل رأسه لترفع وجهها إلى هبة قائلة بنبرة ذات مغزى :
_وهذا مكسب آخر.

_كف عن الشقاوة يا سامي.. يسرا لا تزال مريضة ولن تحتمل الإرهاق.
_أعرف ولن اضايقها أبداَ.
يقولها الصغير بتعلقّ طفولي وهو يخفي وجهه في صدر يسرا التي رفعت عينيها للسماء بنظرة حامدة..
سبحان من منعه عطاء وابتلاؤه رحمة!

_إبراهيم وصل.. سأذهب إليه.

تقولها هبة بحرج فيخفق قلب يسرا بجنون وهي تكاد تركض إليه..
وصوله السريع هذا.. هل يعني شيئاً.؟!

تبتسم ساخرة من الأمل الذي بدا لها مستحيلاَ في هذه اللحظة وهي تتجاهل فيض مشاعرها لتغير الموضوع بقولها :
_لن أنسى ما تحدثنا بشأنه.. غداَ أخبركِ لو عرفت شيئاً عنه.

ترمقها هبة بنظرة ممتنة وهي تمسح بقايا دموعها قبل ان تتحرك لتغادر الحديقة..


وفي سيارته كان إبراهيم يشتعل بين نيران غضب.. واشتياق!!
هذا البيت!
اليافتة باسم صاحبه!
الحديقة التي شهدت معرفته بالحقيقة..
سمرا.. فادي.. دوامة الخديعة التي قذفته وقتها لأقسى حواف جنونه..
تمثالان هنا انكسرا وقتها كما انكسر قلبه!

لا يصدق انه عاد إليه!
مرة ليوصل أباه إليها ومرة ليستعيد قريبته!!
كأنه صار الوحيد الغريب بينهم..
و(الرامية القرمزية) كعهدها تجيد تصويب سهامها نحو القلوب!!

يسمع صدى ضحكات سامي العالية القريبة فتشتعل المزيد من الحرائق بصدره.. والخيال يطعنه بألف رمح!!
هل تلاعبه ؟!
تدغدغ بطنه بأنفها بهذه الطريقة التي تكاد تذهب بعقله؟!
تضحك له هذه الضحكة التي تتراقص على إيقاعها القلوب؟؟
تضمه لصدرها وهي تتنشق رائحته فكأن الكون كله صار بسعة عناقها وسحر أنفاسها؟!
يرى هبة قادمة من بعيد فيختلج قلبه وعيناه الخائنتان تغافلانه بالبحث عنها خلفها..
الأمل الذي خاب أخيراً وأنكر الاعتراف بمرارته..
هي وعدته أنها لن تجعله يراها ويبدو أنها ستفي بالوعد!
ملامحه الجامدة تناقض ذوبان روحه فيشغل السيارة بسرعة وينطلق بها بسرعة هارباَ من نفسه ومن كل شيئ!!

وفي مكانها خلف أسوار القصر كانت هي تراقبه من ركن مظلم وهي تضم سامي إليها مشيرة له بالصمت..
عيناها تتفحصانه من بعيد بشوق عاشقة.. وحنان أم..
بعتاب مظلومة.. واعتذار ظالمة..
بقهر مهجورة.. وحسم هاجرة!

حتى إذا ما رحل بعيداً تنهدت بحرارة وهي تسير مع سامي نحو الداخل..
تصعد لغرفة أمها التي ساءت حالتها أكثر فلم تعد تميز حضورها كثيراً..
لكنها تجلس على طرف فراشها.. تقبل كفها قائلة :
_سامحيني على كل الوقت الذي أضعته أركض في الاتجاه الخاطئ.. سأكون دوماً معك يا أمي.. سأكون يسرا التي تفتخرين بها.. لن أهرب من نفسي بعد اليوم.. لن أهرب.. بل سأواجه.. سأختار وأدافع عن اختياري.. سأحب نفسي.. سأفعل ما بوسعي كي أستحق الحب.
حرارة كلماتها تبدو وكأنها وصلت المرأة التي رفعت إليها عينين شبه واعيتين بابتسامة كأنها الجائزة..
فتقبل يسرا رأسها وهي تشير لسامي قائلة :
_ابني.. ابني يا أمي.. أنقذته هذه المرة.. أنقذته وأنقذت نفسي من السقوط.

دموعها تختلط بحروفها فتتسع ابتسامة المرأة وهي ترمقها بنظرة غريبة طويلة..
_سأنيم سامي وأعود إليكِ.. أريد ان أنام الليلة في حضنك.

لم تكن تثق في أنها تعي ما تقول لكنها تفي بوعدها وهي تعود إليها بعد وقت قصير..
تدثر نفسها معها بالغطاء ثم تلقي رأسها على صدرها هامسة :
_افتقدت هذا الشعور يا امي.. شعوري أنني هانئة في حضنك دون إحساس بالذنب.. طوال عمري وأنا أعرف أنني (مسنودة).. مسنودة باسم الصباحي ونفوذه ووماله وعلاقاته.. لكنني الآن أشعر أنني مسنودة سنداً أخر.. سند لن يميل بي ولن يخذلني..

تقولها وهي ترفع رأسها لأعلى بدعاء قصير قبل أن تقبل وجنة أمها لتستسلم لنوم هادئ لم تعرفه منذ زمن بعيد..
=========
يقف ربيع في شرفة بيته وقت الضحى شارداَ بأفكاره..
خديجة!
منذ رآها في العزاء وهو يشعر أن ما بينهما عاد لعهده القديم..
وكأن العمر لم يمر!
وكأنها لا تزال المدرسة الشابة التي دق لها قلبه فور ما رآها..
والتي رفضت طلب خطبته بأدب زاعمة وقتها أنها مرتبطة بآخر!
آخر انفصلت عنه بعد سنوات أذاقها فيها صنوف العذاب حتى أخذ ابنها منها وسافر للعراق..
وعندما كاد يكرر عرضه بالزواج وجد غيره يسبقه من جديد ليفقد أمله فيها للأبد ويقنع نفسه انها مجرد زميلة عمل..
رضي بنصيبه الذي دفعة لخطبة أم حسن رحمها الله بعدها ليكمل معها الطريق.

يشهد الله أنه لم يخنها ولو في خياله..كفاه ما ناله منها من نصيب المودة والرحمة وقد حفظته وحفظت بيته وانجبت له اثنين من البنين..

ومضى العمر ليلقي ركامه على ما كان من ماضٍ..
لكنه عندما رآها في أشد حالاتها وهناَ يوم العزاء شعر بأن مارداً داخله ينتفض..
مارداً لا يليق بسنه ولا شيبة شعره!

_ضيعت ابني يا ربيع؟! ابني ضاع؟!

هل هي عبارتها تلك التي قالتها وقتها بكل تلك الحسرة؟!
هل هو شعوره أنه يشاركها وجعه في ابنه الوحيد الذي يكاد يضيع في دوامات نفسه هو الآخر؟!
أم هو شعوره الخاص أنها الآن تحتاجه وهو الذي لم يستطع يوماَ أن يكون جوارها عندما كانت تحتاجه؟!

يلوم نفسه على خواطره بعجز وهو يخشى أن يكون يحمل الأمور فوق ما تحتمله..
العمر صار أقصر من المخاطرة في ولوج متاهات كهذه!!

_خيراَ يا أبي..فيما كنت تريدني؟!

ينتزعه بها إبراهيم من شروده فيلتفت إليه ليقول بنبرة غامضة :
_هات هذه وتعال.

_ما هذه؟!

يقولها إبراهيم ببعض الدهشة وهو يميز الشيء الغامض الذي بدا مسطحاَ ومغطىٍ بأكمله بارتفاع يقارب طوله..

ليرد ربيع بنفس الغموض :
_ستعرف عندما نصل.

يحمل إبراهيم بغيته ليتحرك خلف أبيه الذي هبط الدرج نحو الأسفل..
لم يكن يلمح أحداَ من اهل الحي حتى كان يطلب منه أن يتبعهما فيطيعون مندهشين..

وأخيراً يصل!!

_ألقِ ما في يدك.. وانزع هذه يا إبراهيم!

تتسع عينا أبراهيم بصدمة وهو الآن يفهم ماهية ما كان يحمله!

_أيها الناس..تجمعوا هنا.. اشهدوا أن جزءاً من حق حسن قد عاد..

تدمع عيناه رغماً عنه وهو يرى أهل الحي يتجمعون في تلك الأرض التي علقت عليها يافتة تثبت ملكية (المستشار)..
أحدهم يناول إبراهيم مطرقة تساعده على خلعه من مكانها..
ضربة خلف ضربة خلف ضربة..!!
تسقط اليافتة أخيراً ليهلل الناس وهم يرون ربيع يزيح الغطاء عن اليافتة الجديدة..

_ضعها مكانها يا ابني.. الحق رجع لأصحابه!

يرتجف جسد إبراهيم برهبة لم يملكها وهو يميز ما كُتب عليها..

(هذه الأرض ملك لحسن وإبراهيم ربيع)

كتب اسم حسن قبله كانه يعلنها للناس انه لا يزال حياَ بينهم وقد مات لأجلهم..

يكتم دموعاَ تحرق قلبه قبل عينيه بصلابة وهو يكاد يكتم أنفاسه..
يغرسها بقوة في الأرض ليساعده الجميع وهم يمدونه بالمواد اللازمة..

كان يعلم أن الأرض قد عادت إليهم..
لكن أن يعيش الآن هذا الموقف!
ان ينتزع بيديه لافتة الظلم ويغرس لافتة الحق..
أن يرى اسم أخيه هنا.. كانه يهتف في وجوه الناس أنه لم يمت.. فمثله أبداً لا يموت..
كل هذا كان يزلزل روحه وهو يشعر بجسده كله ينتفض..!!

ينتهي أخيراً ليشعر بكف ربيع على كتفه..
ربيع الذي لم يكن أقل منه تأثراً لكنه يهمس له بنبرة ذات مغزى :
_كلما تذكرت جلال لحظة كهذه.. تذكر أيضاَ أنها كانت - بعد الله- سبباَ فيها!
يغمض إبراهيم عينيه بقوة وهو يشعر بالغصة الحارقة تستحكم حلقه..
يترك الناس الذين تحلقوا حول أبيه مهللين وداعين ل(الشهيد) بالرحمة.. ويركض نحو البيت من جديد..
يصعد طابقاَ خلف طابق بخطوات متعثرة حتى يصل للسطح..

يقف متهدل الكتفين امام التبة الأسمنتية التي لا تزال تحمل أثر (قدم حسن)!

هنا تنهار كل مقاومته وهو يخر علي ركبتيه بنشيج خافت..

_لو كنت هنا بماذا كنت ستنصحني يا حسن؟! أبوها قتلك لكنها هي من أعادت ارضك.. مزقت قلبي لكنها منحت جزءاً منها لأبي.. خدعتني بأبشع طريقة لكنها أعادت الدرويش الزاهد للتعلق بالحياة.. طالما كنتَ وستبقى بيننا يا حسن.. زرتني في منامي ليلة زفافي منها وبيدك طفل لي يحمل اسمك.. ماذا كنت تقصد؟!

يضحك وسط بكائه بمنظر يثير الشفقة وهو يتلفت حوله قائلاً :
_لم يعد لي إلا الحديث إليك.. كلهم يلومونني لأجلها.. تظنني متمادياَ حقاَ ؟! تظنني ظلمتها؟!

_نعم.

يلتفت بحدة للصوت الغريب الذي صدح خلفه لتتقدم صاحبته منه..
ملامحها شاحبة تناسب موقفها وهي تقترب منه أكثر قائلة :
_عذراَ لأنني اقتحمت خلوتك يا (شيخ إبراهيم).. لكنني أردتك أن تسمعها مني.. مني انا قبل أن أغادر الحي.

سندس!
متى خرجت من المصحة؟!

_خرجت اليوم.. وعرفت ما كان بينكما.. أعرف أنك انت بالذات لم تسامحني على ما كان.. وأنا أيضاً لن أسامحك.

_علامَ تسامحينني؟!
يسألها باستنكار لتقترب منه كاشفة عن معصمها حيث ندبة واضحة..
لتغمغم بنبرة واهنة :
_عشت أسوأ أيامي في المصحة.. رغم انهم كانوا يعاملونني جيداَ لكن صورتك أنت بقيت أمامي.. كنت أقول لنفسي أنني حتى لو تعافيت فلن يسامحني أحد.. إذا كان (الشيخ) الذي كان يؤثر فينا بخطبه عن العفو والإحسان رفض حتى أن يسمعني دون أن يفهم عذري.. أتفهم أن يكون العفو عن مقدرة.. أتفهم أن بعض القلوب لا يناسبها التسامح في بعض الأشياء.. لكن ما لم أفهمه حقاَ أنك حتى لم تحاول أن تسألني عن الدافع.. عن الظروف.. لفظتني ككلب اجرب ورفضت الكلام معي قبل ذهابي للمصحة.. تعرف منذ متى أحضر دروسك في المسجد؟! أراك القدوة والمعلم والضمير؟! هواجسي في المصحة لم تتركني.. كنت أقول لنفسي أنني سأخرج لسجن كبير لن يتفهمني فيه أحد.. صورتك أنت بالذات كانت تجلدني كل ليلة.. حتى ضقت ذرعاً بكل هذا يوماً وقررت أن أتخلص من الحياة كلها لكنهم أنقذوني..

يعطيها ظهره وهو يشعر أن كتفيه ثقيلين بالوزر..
هل أنقذته رحمة السماء ان يحمل ذنباَ كهذا؟!

_تعرف من زارني وقتها؟! يسرا التي عرفتها أنت كسمرا.. عناقها الدافئ كان أبلغ من ألف خطبة تلقيها عن العفو.. عن الأمل.. عن الطمع في رحمة الله.

يتهدل كتفاه أكثر وقد فقد كلماته لتردف هي :
_سأغادر الحي كله مع أخي.. أشكرك لأنك سترت ذنبي .. لكن يبدو أن العفو أبعد من الستر كثيراً.. تماماً كما هو الكلام أيسر من الفعل كثيراً.

تقولها لتغادر المكان بخطوات يتردد صداها في قلبه قبل أذنيه..
هل كان ينقصه المزيد؟!
ماذا كان خطأه؟!
هو مجرد رجل أحب امرأة وأراد ان يعيش معها عيشة بسيطة..
كيف يظنون العفو بهذه السهولة؟!
لكن..
لو كان العفو بتلك الاستحالة.. فماذا عن السماع؟!
لماذا لا يعتبرها شارة القدر؟!
الآن بالذات..
فليستمع إليها ولو لم يصفح.. ولو لم يعد..
فقط يعرف عذرها فيما كان!!

يرمق تذكار حسن بنظرة أخيرة قبل ان يهبط الدرج نحو الأسفل ولم يكد يصل لباب شقة ربيع حتى وجد هبة تلحقه لتخاطب ربيع بقولها الباكي :
_إنا لله وإنا إليه راجعون.. أم يسرا ماتت.
=====





















*بنفسجي*
=========
يفتح حسام باب بيته الساحلي حيث يقيم مؤخراً وقد عجز عن العودة لبيته القديم الذي يحمل إليه ذكرى وفاة أمه وسلطانة..
تصطدم عيناه بالنول اليدوي الذي بقي من أثر ديمة هنا..
ببعض ألعاب سند التي تركها..
ببعض القطع من ملابسهما والتي أصر أن يتركها ملقاة بعشوائية على الأريكة في مواجهة الباب كي تستقبله - عوضاً عنهما - فور دخوله!!
يالله!!
يوماً ما ستقتله هذه التفاصيل اشتياقاً.. لو لم يقتله الكوبرا أولاً!!

يكز على أسنانه بغضب وهو يغلق الباب خلفه..
ذاك الوغد تبخر!!
لم تفدهم معرفة هويته وقد اختفى من حياته ك (فهمي) تماماَ!!
لكنه سيعثر عليه ولو كان هذا آخر ما سيفعله في حياته كلها!!

يزيح ستائر نافذة الشرفة ليقف أمام البحر الذي تلون بين حمرة الغررب وزرقة الموج بأرجوانية تشبه حبيبته..
افتقدها!
كيف يفتقدها وصورتها عالقة بين رمشه وحدقتيه؟!
كيف ودقات صدره ذات الصدى الهائل تذكره كل لحظة أن ضلوعه خاوية من قلب هجره إليها؟!
كيف وهي الحلم العنيد البعيد المراوغ الذي يعيره دوماً بفقر خطواته هو!

كنان يخبره انها تتحسن.. عادت لحالتها الطبيعية..
فتحت مصنعها الصغير منذ أيام والذي توقع أن تطلب منه مساعدة لتنال بعض تراخيصه واوراقه لكنها لم تفعل..
يبدو أن عاصي الرفاعي أغناها عن خدماته!!
نسيته في غمرة انشغالاتها؟!
ليتها تفعل!
بشر؟!
لا يعرف ما الذي يدور بينهما وقد صرح له مراراً أنه.. (لم يعد يهتم)!

ينقطع شروده فجأة وهو يرى ذاك الخيال أمامه!
ظل امرأة ترتدي ثوباَ طويلاً بنفسجياً فاتح اللون ووشاحاَ بنفس اللون يتطاير خلفها وهي تتمشى على الشاطئ أمامه..
لم تكن تسير حذاء البحر كما يفترض بل كانت تتوجه نحوه فاردة ذراعيها كأنه يناديها.. وهي فقط تلبي النداء!

(ديمة)

يتمتم بها بمزيج من دهشة وخوف.. خوف ضربه في مقتل وهو يخشى أن تكون خيالاً..
ويخشى أكثر أن تكون حقيقة!!

يغادر البيت ركضاً ليتوجه نحوها..
يقترب من ظهرها لتلفحه رائحة العطر الذي أهداها إياه يوماَ!
يناديها بصوت مرتجف بين اشتياق وغضب من حضورها المفاجئ هذا فتلتفت إليه بنظرة عاتبة يتجاهلها وهو يهتف بها بخشونة :
_ما الذي جاء بكِ إلى هنا؟!

تطيل النظر إليه بغموض لم يفهمه لتغمغم باقتضاب:
_أحدهم تحرش بي اليوم.

_ماذا؟! من فعلها؟!
يصرخ بها بهياج بين غضب وغيرة وهو يجذبها من مرفقها مردفاً بحمية مشتعلة:
_هيا.. احكي لي في الطريق.. سنذهب إليه وأقتلع عينيه أمامك.
يجذبها لتتحرك معه كي يغادرا وقد أساء فهم قدومها لكنها تنزع مرفقها منه تتشبث بمكانها..
تعاود النظر للبحر وهي تعود للتوغل فيه سامحة للموج أن يبلل طرف ثوبها الطويل قائلة :
_أنا أخذت حقي بيدي.. هو أحد رجال الأعمال طلب مني شراكتي في المصنع الجديد.. قابلته بحسن نية عدة مرات في مكتبي هناك.. لكنه اليوم تجرأ لتتطاول يده على جسدي.. لا أعرف بماذا قذفته يدي لكنه خرج من مكتبي ووجهه مغطى بالدم.

تشتعل عروقه بغيرة لم يستطع التحكم فيها..
وإشفاق يستصرخه أن يضمها إليه.. أن يعتذر لأنه لم يكن هناك كي يحميها..
ورفض كاد يعلنه قاطعاً لعملها مادام سيجعلها عرضة للرائح والغادي..
لكنه يعود ليتذكر أن لم يعد له حق في كل هذا..
يكتم صرخة وجعه في قلب اعتاد مثلها ليرتعش صوته القوي رغماَ عنه وهو يهتف :
_ما اسمه ذاك ال(...) ؟! وسأتكفل بالباقي.
لكنها تتجاهل قوله وهي تمضي في خطواتها البطيئة نحو عمق البحر أكثر قائلة :
_كنت محقاً.. لم أعد أحتاجك لتحميني.. صرت قادرة على حماية نفسي.

يغمض عينيه على فيض شعوره وهو لا يدري هل يشعر بإهانة من تصريح (أنثى) تعلن استغناءها عن خدماته..
أم بفخر (ابنة) عبر هو بها الموج حتى تعلمت السير على الشط دونه؟!

_لم أعد (أحتاج) نومتك جواري فقد غادرتني كوابيسي.. لم أعد (أحتاج) بيتك يؤويني فقد صار لي بيتي.. لم أعد (أحتاج) نظرة الفخر في عينيك وقد صار حولي الكثيرون يمنحونني إياها.. لم أعد أحتاجك..

تبتعد المسافة بينهما نسبياً وهي لا تزال تتقدم نحو البحر كأنما تمنحه برهاناَ على قوتها الجديدة..
لم تعد تخاف البحر.. لم تعد تخاف الناس.. لم تعد تخاف الوحدة..
هي استردت نفسها التي تركتها فوق ذاك القارب في وطنها..
استردتها هنا!

_لم أعد أحتاجك..

تكررها بضع مرات فتبدو له كل مرة كتلويحة وداع..
لكنها تلتفت نحوه من مكانها لتقطع كل المسافة بينهما بحجم خطوة قلب مشتاق..
وما أسرع خطوة قلب مشتاق!!
لمعة حجر (الكونزيت) في سلسلتها التي قررت ألا تخلعها من جديد أبداً تزداد وهجاً مع غروب الشمس حولها..
أخيراَ..
لم تعد تنقسم اثنتين!!
صارت داخلها روح واحدة أقسمت أنها ستبقى له العمر كله!
واحدة صارت تعرف الجواب الحاسم للسؤالين اللذين سيحددان مصيرها..
_(هل يكفي؟!)
_وما الدنيا سواه!
_(هل يستحق؟!)
_ومن غيره يستحق!

تلقي نفسها بين ذراعيه لتهمس وعيناها سراجين معلقين في ظلمة عينيه :
_لم أعد أحتاجك.. لكنني أحبك!

قلبه يسقط بين قدميه للحظات يفقد فيها شعوره بكل شيء عدا إحساسه بها بين ذراعيه..
متى صار قلبها بهذا القرب حد أنه يسمع صوت خفقاته بين ضلوعه هو؟!
متى صار جسدها بهذه الخفة التي يشعر معها أنه قادر على حملها والركض بها لآخر العالم؟!
ومتى صار ذراعاها هي بكل هذه القوة التي تسندهما معاً؟!

_تعرف ما الفارق بين الاحتياج والحب؟! بين (العربة) و(رفيق السفر).. بين (العطر) و (الأنفاس).. هو ذا الفارق.. أنا.. لا.. أحتاجك.. أنا.. أحبك.

تهمس بها بطيئة.. متقطعة.. واثقة.. كأنما تنفي بها أي شبهة أو شك..
لكنه يبقي ذراعيه بمعجزة جواره وهو يبتعد عنها قائلاً بقسوة يجيد تصنعها:
_لماذا لا تفهمين؟! لماذا تصرين على هذه التخاريف؟! تظنين نفسك في فيلم قديم.. تدخلين حياة البطل لتنتقمي منه فتقعين في غرامه؟! أفيقي يا صغيرة.. فليس..
_رأيت هالة في حلمي اليوم..
تقاطعه بها بحسم وعيناها تلتمعان بقوة كأنهما تنافسان الشمس التي أخذت طريقها للغروب حولهما..

_لم تكن ذاك الشبح الأبيض الذي يثير ذعري.. بل طيفاَ أبيض ضمتني هالة سكينته.. ضحكت لي كما لم تفعل من قبل.. أوصتني بسند.. وبك.. تدري ماذا قالت لي عنك..
يرتجف جسده لا يدري ببرودة الجو حوله..
أم بأثر شعوره الرهيب بعظم الذنب..
لتردف دون ان تنتظر رده :
_( أعيدي له النظرة التي أحببتها في عينيه والتي لا أدري أين اضاعها.. أحبيه الحب الذي لم أستطع البوح به له.. أحبيه لأنه يستحق الحب)

_كفى!
كفه الكبير يلوح بينهما بقسوة تناقض هشيماَ بقلبه وهو يصرخ بها بانفعال..
يهرب منها ومن نفسه:
_لا أحبك.. لا..
_تحبني.. تحبني.. أنت تحبني.. سمعتها منك تلك الليلة بينما كنت أتظاهر بالنوم.. تحبني ولا تريد ان تظلمني لأنك ترى نفسك لا تستحق.. لأنك تريد لي عائلة وأطفالاً لن تستطيع منحي إياها..

_اسكتي.. اسكتي..

غضبه المهول يمتزج بخوف في مزيج غريب وهو يتراجع بظهره عنها..
كيف تعريه هكذا بهذه البساطة؟!
كيف تكسر التمثال الذي عاش عمره يصقله؟!

_أمك أخبرتني بكل شيء.. أرتني ألبوم الصور الذي يخصك.. فهمت لماذا تغيرت نظرتك كما كانت تصفك هالة.. عرفت ماذا فعل بك الماضي وماذا فعلت أنت بنفسك.. كلانا كان يكره صورة مرآته لكنك جعلتني أحبها.. فلماذا لا تمنحني الفرصة لأفعل المثل؟!

تقترب منه بقدر ما يبتعد..
يشعر برغبة عارمة في صفعها!
في إخراس هذيانها هذا!
(نصف رجل) بصوت يسرا تكاد تقف بينهما كجبل عظيم يكفي كي لا يرى أحدهما صاحبه..
لكن عبارتها التالية تنسف هذا الجبل..

_لن أكتمل إلا بقربك.. أنت.. أنت بالذات.. لا أقولها احتياجاَ ولا مثالية ولا سذاجة.. بل عشقاً.. عشقاً ما عرفت معناه إلا معك.

يتوقف مكانه فجأة وقد تلاحقت انفاسه كأنه كان يركض في سباق..!!
كيف يرفض عطاء كهذا؟!
وكيف يقبله؟!
كيف وقد رأى معها أنقى (وجوهه البيضاء) يلطخها بسواد أنانيته؟!
فلترحل..
فلترحل ولتجد من هو أفضل!!

_لا أهتم بكل ما تقولينه.. اذهبي ولا تعودي.

يهتف بها لتتسع عيناها بخوف فينتبه لتوه لما أثار ذعرها..!!
ثلاثة رجال أشداء يحملون أسلحتهم بدوا وكانهم نبتوا فجأة من ظلمة الليل الذي أسدل أستاره فجأة حولهم..

_ابتعدي..
يصرخ بها بقوة وهو يتحرك ليقف أمامها مفتدياَ جسدها بجسده لكنها تسبقه لفعل المثل في نفس الوقت الذي ينطلق فيه وابل الرصاص..

_ديمة!

يصرخ بها برعب وهو يرى الدماء تتفجر من إصابة بطنها بينما تسقط أمامه. .
لا يبالي برصاصة تصيب كتفه وهو يستخرج سلاحه من جيبه..
يرى رجال بشر الذين ظهروا فجأة كذلك يشتبكون مع المعتدين فيحمل جسد ديمة بسرعة لمنطقة آمنة عن محل الصراع..

يتصل بنجدة قريبة وهو يتفحص إصابتها متجاهلاً إصابته هو .. ليصرخ بها برعب ترجمته طبيعته لهذا :
_لأنك غبية.. غبية..كانت لتصيبني أنا! لماذا افتديتني ؟! بل لماذا أتيتِ من الأساس؟!
كلماته تناقض ضمة ذراعيه الحنون لها فتبتسم وسط دموع ألمها هامسة بين انفاسها المتلاحقة :
_هل يكفي هذا كبرهان مناسب أنني لا أتوهم.. أنني .. حقاً.. أحبك ؟!
تتكدس الدموع في عينيه وهو يشدد ضمته الحانية لها مع صرخة عالية يطلقها وهو لا يكاد يميز ما يقول :
_لن يصيبك مكروه بسببي .. لن أحتمل ذنباً جديداً.. لن أحتمل فقداً جديداً.. ليس أنتِ..! فليعاقبني القدر في أي شيء إلا أنت!!
يتثاقل جفناها رغماَ عنها فيصرخ بها بين عجز وخوف:
_لا تغمضي عينيك..إياكِ! ابقي معي.
_قلها.. قلها ليس همساً مستتراً كما سمعتها تلك الليلة.. بل واضحة عالية.. قلها..
همساتها واهنة بين شهقات ألمها لكنها راجية بقوة عاطفتها فيزم شفتيه بقوة وهو يكاد يعتصرها بين ذراعيه كأنه يفر بها من معركة لا يعرف مصيرها..
( أحبك.. أحبك كما لم أظنني قد أفعل يوماَ.. أحبك ولم أحب نفسي إلا عندما أحببتك)
لا يعرف كيف خرجت مصطبغة بلون عزيز لدمعه..
فتشهق عدة شهقات متتالية وابتسامتها تقاتل دموع الألم على وجهها..
أحد كفيها يتشبث بساعده والآخر يربت على وجنته بينما تجتاحها ذكرى "غنوة قديمة" جمعت بينهما ذكراها يوماَ..
فتتمتم وهي تشعر أنها تجاهد كي تبقى على وعيها:
_(ريته يسلملي الزعلان.. اللي عامل حاله مو سألان).

ابتسامتها الواهنة تنتقل إليه وسط زخات الدمع الحارق ونفس الذكرى تراوده..
لكن جفنيها ينسدلان فجأة بعدها فيصرخ باسمها بجنون وهو ينتبه لوقف إطلاق النار بالخارج تزامناَ مع صوت سارينة سيارة الإسعاف..
=======








*أحمر *
=======
لم يبق أحد!

تتكرر هادرة في روحها بعد انتهاء مراسم العزاء لليوم الأول..
انفضت الجموع وصارت وحدها..
تتأمل جدران القصر الخاوية والتي شعرت بها تجثم على أنفاسها فتحركت دون تمييز لتغادره..

تقف على بوابة البيت كطفلة ضالة ترمق السيارات الرائحة والغادية بشرود قبل ان تدور حوله لتجلس على الرصيف الخلفي الذي يطل على أرض خالية..
تكتف ساعديها وهي تنظر للسماء بشرود..

لو كانت يسرا القديمة لتذمرت ساخطة من مصيبة تتلوها مصيبة..
لكنها الآن صارت تتقن فهم الابتلاء..

_لا يبتليك ليعذبك.. بل ليصطفيك.. ليطهرك.. لتوقن أن ليس لك سواه فتتضرع وتخشع..ومتى وصلت هاهنا يطمئن القلب وتنكشف الحجب وتنهمر العطايا.

تتذكرها من درس قديم لإبراهيم فيقشعر جسدها وهي تشعر أنها رسالتها..
تحمد الله أنها عادت للبيت تلك الليلة التي قضتها نائمة في حضن أمها ليكون وداعهما الأخير..
ان أمها ماتت دون ان تتألم..
أنها هي رأت ابتسامتها آخر مرة..
الآن فقط تفهم سر نظرتها الطويلة الغريبة لها ليلتها!!

تنتحب عند الخاطر الأخير وهي تشدد ضمة ذراعيها لجسدها..
تشعر بالبرد ينخر عظامها لكن هذا لم يكن شيئاً مقارنة برجفة جسدها وهي تسمع الصوت الحبيب شديد الخفوت حد الهمس خلفها..

(أعدك أن أسمع حين يسد الجميع آذانهم.. أن أحنو عندما يقسون.. أن أرحم عندما يرجمون.. أن أبقى.. أن أبقى حين لا يبقى أحد)

تلتفت خلفها بحدة وهي تراه يقترب..
لا ينظر إليها.. يكتفي بالجلوس جوارها على مسافة مناسبة..
تلعن الظلمة التي لا تمكنها من تبين ملامحه..
ينعقد لسانها وهي تراه يطرق برأسه مكتفاً ساعديه مثلها ليردف بصوت خافت بالكاد يُسمع..
وبنبرة ذابلة لم تستطع فهم مغزاها لكنها اخترقت صدرها كنار.. ونور :
_وأن أحبك كما لم يحبك أحد.
==========
انتهى الفصل السابع والأربعون


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-03-22, 03:38 AM   #3613

amira_adel

? العضوٌ??? » 271425
?  التسِجيلٌ » Nov 2012
? مشَارَ?اتْي » 254
?  نُقآطِيْ » amira_adel is on a distinguished road
افتراضي

ايييه اللي حصل ده!!!!!
أروع و اكبر من اي وصف يتوصف
مشاهده بتتنافس ايهم الأهم.. كل المشاهد بلا استثناء أيقونية
مش ممكن الجمال و المشاعر و التعبير و الحوار
قلبي بيدق بطريقة مختلفة مع كل مشهد

هل يستحق؟
هل يكفي؟
يا الله علي وقع الجمل و جمال الوصول للخلاصة

"_ليست مثالية.. لكنها تعلمت بالطريقة الأقسى أن أحافظ على (هويتي).. على (انسانيتي).. لو جازيت كل مسيئ بإساءته فماذا سيتبقى لي من حسن خصال نفسي؟!"

"_أسوأ ما يدفعنا إليه الانتقام ان يجعلنا صورة منسوخة ممن آذونا! أن نصير انذال جبناء انتهازيين مثلهم.. فتسودّ قلوبنا كما اسودت قلوبهم ونصير في الظلم سواء!"
حقيقي تتبروز و تتعلق لكل شخص بيسعي لانتقام ممكن يفقده أجمل ما يميز روحه..

يعجز لساني انه يوصل احساسى بالفصل
فعلا مش محتاج ريفيو ده محتاج احساس و استمتاع بكل كلمة فيه
فصل في حتة تانية تفوقتي فيه علي نفسك و عديتي بمشاهد أجمل من خيالنا
أستاذة 💙💙💙💙
شكرا من قلبي ❤️


amira_adel غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-03-22, 03:43 AM   #3614

المشاغبة

? العضوٌ??? » 406852
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 446
?  نُقآطِيْ » المشاغبة is on a distinguished road
افتراضي

❤️ ❤️ ❤️ ❤️ ❤️ ❤️ ❤️ ❤️ ❤️

المشاغبة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-03-22, 04:01 AM   #3615

موناليزا ابو الفتوح

? العضوٌ??? » 482460
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 43
?  نُقآطِيْ » موناليزا ابو الفتوح is on a distinguished road
افتراضي

كقافلة عشق ضخمة ضلت الطريق في واديها هي..!
ما أروع التعبير ❤


موناليزا ابو الفتوح متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-03-22, 04:14 AM   #3616

ماماسماح

? العضوٌ??? » 495260
?  التسِجيلٌ » Nov 2021
? مشَارَ?اتْي » 76
?  نُقآطِيْ » ماماسماح is on a distinguished road
افتراضي

تسلم ايدك نيموو فصل إبداع ياجميل

ماماسماح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-03-22, 04:47 AM   #3617

مريم ابو السعود

? العضوٌ??? » 477851
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 38
?  نُقآطِيْ » مريم ابو السعود is on a distinguished road
افتراضي

مابين ديمه وديمه معاناه لتصل ... ما بين يسرا ويسرا وجع لتصل ... ما بين حسام وحسام تلاشي ليصل ... مابين ابراهيم وإبراهيم ايمان ليصل ... ما بين عزه وعزه تردد لتصل ... ما بين ايهاب وايهاب يقين ليصل ....... ما بين يولاند وفدوي سلام لتصل .... ما بين الكوبرا وفهمي فجر لن يراه ...
ما بين المقدمه والطيف 47 ...حياه...معاناه .. انگار ... انانيه... ضعف ... خضوع
.. عنفوان ...عذاب .... طمع ... حب....ايثار ..تضحيه ... سلام ... يقين ....
سلمت يداك ... لقلمك المميز .. كاتبتي العظيمه ومزيدا من النجاح .. يليق بك ... شكرا جزيلا....


مريم ابو السعود غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-03-22, 05:15 AM   #3618

شيرين الفاتح

? العضوٌ??? » 473676
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 72
?  نُقآطِيْ » شيرين الفاتح is on a distinguished road
افتراضي

الله عليكي... كل فصل بتبهريني حقيقي الله يسعدك يارب

شيرين الفاتح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-03-22, 07:08 AM   #3619

DelicaTe BuTTerfLy

مصممة منتدى قلوب احلام وقصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية DelicaTe BuTTerfLy

? العضوٌ??? » 378544
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 742
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » DelicaTe BuTTerfLy has a reputation beyond reputeDelicaTe BuTTerfLy has a reputation beyond reputeDelicaTe BuTTerfLy has a reputation beyond reputeDelicaTe BuTTerfLy has a reputation beyond reputeDelicaTe BuTTerfLy has a reputation beyond reputeDelicaTe BuTTerfLy has a reputation beyond reputeDelicaTe BuTTerfLy has a reputation beyond reputeDelicaTe BuTTerfLy has a reputation beyond reputeDelicaTe BuTTerfLy has a reputation beyond reputeDelicaTe BuTTerfLy has a reputation beyond reputeDelicaTe BuTTerfLy has a reputation beyond repute
?? ??? ~
I was on a ship thinking of you.when i looked down i droped a tear in the ocean.Then i promised myself that until someone finds it.I wont forget you…
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

كل مرة اقول فصل استثنائي..
بجد ابداع وروعة وتنقل سلس بين الابطال والاحداث
مشاعر كتير الواحد بيدور جواها زي الملاهي بترفعينا وتنزلينا وتارجحينا بين مختلف المشاعر
سلم ايديك الحلوة على التميز دة


DelicaTe BuTTerfLy غير متواجد حالياً  
التوقيع
قد يمرُّ العمرُ والأحلامُ من حولي ضَبابْ
تخنُقُ الأنفاسَ في جوفي بسُؤلٍ لا يُجابْ

أيُّ سَعْدٍ؟ وجهُ أمّي غَائِبٌ
تَحْتَ التُّرابْ ..

رد مع اقتباس
قديم 11-03-22, 10:47 AM   #3620

حنان عبدلي

? العضوٌ??? » 485258
?  التسِجيلٌ » Feb 2021
? مشَارَ?اتْي » 32
?  نُقآطِيْ » حنان عبدلي is on a distinguished road
افتراضي

فصل بكل ما فيه من مصايب بس حسيته لطيف مليىء بالمشاعر و الحب
فصل عاطفي بإمتياز
حاجة كدة تخليك تحلق فوق الغيمات💙💙 تحت سماء صافية تسودها زخات من امطار الرحمة الي تحقق كل الاماني 😍😍😍
يسلمو ايديكي المبدعة ❤❤❤


حنان عبدلي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:52 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.