آخر 10 مشاركات
أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          كلوب العتمةأم قنديل الليل ؟! (الكاتـب : اسفة - )           »          52 - عودة الغائب - شريف شوقي (الكاتـب : MooNy87 - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          أسيرة الكونت (136) للكاتبة: Penny Jordan (كاملة)+(الروابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          605-زوجة الأحلام -ق.د.ن (الكاتـب : Just Faith - )           »          غيث أيلول -ج5 سلسلة عائلة ريتشي(121)غربية - للكاتبة:أميرة الحب - الفصل الــ 44*مميزة* (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          ترافيس وايلد (120) للكاتبة: Sandra Marton [ج3 من سلسلة الأخوة وايلد] *كاملة بالرابط* (الكاتـب : Andalus - )           »          أترقّب هديلك (1) *مميزة ومكتملة* .. سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree5716Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-03-22, 05:09 PM   #3651

صل على النبي محمد
 
الصورة الرمزية صل على النبي محمد

? العضوٌ??? » 404607
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,174
?  نُقآطِيْ » صل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond repute
افتراضي


اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد

لا تنسوا الباقيات الصالحات

سبحان الله

الحمد لله

لا إله إلا الله

الله أكبر

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


صل على النبي محمد غير متواجد حالياً  
التوقيع
لا إله إلا الله وحده لا شريك له
له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
رد مع اقتباس
قديم 24-03-22, 10:13 PM   #3652

دانه عبد

? العضوٌ??? » 478587
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 513
?  نُقآطِيْ » دانه عبد is on a distinguished road
افتراضي

بانتظارك يا دكتوره وكل سنه وانتي وعائلتك بخير وصحه وسعاده 💚💚💚💚💚

دانه عبد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-03-22, 11:28 PM   #3653

MerasNihal
 
الصورة الرمزية MerasNihal

? العضوٌ??? » 410863
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 252
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » MerasNihal is on a distinguished road
افتراضي

مساء الخيرات
تسجيل حضور لأحلى أستاذة
في إنتظار الفصل بشوق
🔥♥️🔥♥️🔥♥️🔥


MerasNihal غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-03-22, 11:38 PM   #3654

Omsama

? العضوٌ??? » 410254
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 867
?  نُقآطِيْ » Omsama is on a distinguished road
افتراضي

فى انتظار الفصل يا ملكة الالوان

Omsama غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-03-22, 12:45 AM   #3655

فاطيمه 2000
 
الصورة الرمزية فاطيمه 2000

? العضوٌ??? » 382105
?  التسِجيلٌ » Sep 2016
? مشَارَ?اتْي » 162
?  نُقآطِيْ » فاطيمه 2000 is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور فى انتظار الوانك الجميله يانيمو💙💙💙💙💙💙

فاطيمه 2000 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-03-22, 12:53 AM   #3656

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

الطيف الثامن والأربعون
=======
*أحمر*
======
_أنت حقا هنا؟! أخاف أن ألمسك فتختفي كما يختفي كل شيء جميل تظن أناملي أنها يمكنها عناقه.

كانت هذه أول كلمات وجدتها تترنح على شفتيها وكفها الحر يتحرك بالفعل كأنه يهم بلمسه قبل أن يتوقف في الهواء..!

يضطرب قلبه بين ضلوعه وهو يشاركها (اللهفة) لكنه يبقى على حاله مكتفاً جسده بذراعيه فتعود لتفعل المثل..
كأن كليهما الآن مقيد بقيد غير مرئي لكنه يكفي ليمنع كل منهما عن صاحبه!

_لماذا عدت تكرر الوعد القديم؟! هذه ليست هيئة رجل يجدد عهده إنما يريد أن يتحلل منه..

لا تزال نبرتها الحنون (الخبيرة بتفاصيله) تقصف حصونه فلا يملك لها ردعاً..
يكتفي بالاستماع لها وقد سقطت على وجهها إضاءة عمود الكهرباء القريب ليبدو وجهها واضحاَ منيراً فيما جعله وضعه في وضع معتم لا يبدو من وجهه سوى مجرد ظل!

_تشعر بالذنب ؟! الوعد الوحيد الذي قطعته في حياتك وتعجز عن الوفاء به؟! تشعر بالغربة؟! أبي ربيع وهبة والحرافيش ولا أبالغ لو قلت الجميع صاروا يتفهمونني.. يقتربون مني.. فيما تبقى أنت بعيداً لا تفهم كيف فعلوها ولازلت انت واقفاً مكانك؟!

كلماتها تزلزله مكانه..
كل حرف في موضعه يملأ خانة.. يفتح جرحاً.. يعري ذنباً..
فلا يملك سوى الصمت!

بينما يراها لا تزال تنظر أمامها متحاشية النظر إليه لتردف بنبرة مجروحة لكنها لم تفقد قوتها:
_لو كنت جئت لأحلك من هذا الوعد الصعب فأنا أفعل.. أرِحْ ضميرك المثقل.. أعرف كيف يفكر من مثلك.. كيف تبدو أتفه الخطايا جرائم في نظره..فما بالك بما فعلته انا؟!

تقولها لتلتفت نحوه غارسة نظراتها في عينيه :
_كنت محقاً يوم قلت أنك منحت وعدك ل(سمرا).. سمرا أخرى قد ماتت.
_يوماً ما ظننته أسهل وعد أمنحه.. لم أكن أعرف أن الوفاء به يساوي كل هذا الثمن.
نبرته الجامدة غارقة في مرارة جرحه فتدمع عيناها وهي ترد بنفس النبرة القوية وهي تشير حولها :
_الأمر بسيط.. لو كنت تجد هنا الآن بقايا من (سمرا) التي منحتها وعدك.. فابقَ ونفذ ما تيسر من وعدك.. ولو لا تجد فارحل غير نادم ولا مُلام!

ينظر خلفهما لأسوار البيت التي بدت في الظلمة النسبية للمكان كأنها وحوش تغرس مخالبها في أنيابه..
لقد قضى الساعة السابقة كلها يدور حول البيت يريد الدخول لكنه عجز عن فعلها!!
لهذا لم يصدق عينيه وهو يراها هي تغادره لتجلس هنا!
تماماً كما ظن.. لن يجمعهما أبداً بيت الصباحي!
الصراع داخله يجعل الدماء تفور في عروقه وهو متردد بين أن يرحل أو أن يبقى..
كيف يسمع؟!
كيف يلج هذا الباب الخادع؟!
هل يمنحها فرصة الكذب من جديد؟!

حركة جسده تفضح رغبته في الهروب لكنه يبقى مكانه مطلقاً آهة عالية مع هتافه الذي ذبحها بصدق لوعته وعجزه الحارق:
_ماذا فعلتِ بي؟! أعيدي لي حبيبتي.. زوجتي.. أم ابني..! ليتني أعرف أنها ماتت فأسترجع وأحتسبها عند الله.. لكن أن يكون الأمر هكذا.. أن تكون أمام عيني إنما.. مشوهة.. غريبة.. بل عدوة..!! ماذا تظنينني قد أفعل؟!

خيطان من الدموع على وجنتيها يبدوان له كذراعين يعانقان قلبه!
يعتذران.. يربتان.. ويرجوان!!
كل (ريشة بيضاء) تركتها خلفها الأيام السابقة تناقض (سواد) ثوبها الحالي..
تغزل لها (جناحاً) يجاهد كي تحلق به من جديد نحو (علياء) هبطت منها بذنبها!!
تسأله إن كان يجد هنا بقايا من (سمرا)؟!
قلبه يصرخ انها كلها.. كلها هنا!
فليزح عقله بعيداً الآن إذن .. وليمضِ فيما جاء لأجله!

_جئت.. أسمع!

يلفظها وكأنه يطلق معها روحه فيشعر أن (العندليب الأخرس) الذي طالما أرقه في عينيها.. يتحرر..
يحلق..
يصدح.. أخيراً يجد فرصته ليصدح..!!

تنهيدتها الحارقة تلهبهما معاً وهي تعود تنظر أمامها..

_أعددت كلاماً كثيراً لهذه اللحظة.. دفاعاَ طويلاً يجعل مني ضحية في عينيك.. لكنني الآن أشعر أن لساني - كقلبي- يتحرران من قيودي أمامك.. اسمعهما يا إبراهيم .. اسمعهما حرّيْن دون مبالغة أو زيف..

ينعقد حاجباه بشدة وهو يراها دون وعي قد عادت لحركتها القديمة..
أحد كفيها يربت على الآخر كأنها تعي أن لن يفعلها سواها..!

فيتحرك كفه دون وعي ليتوقف على بعد عدة سنتيمترات من كفها.. ويتجمد مكانه هناك!
حركة بسيطة لكنها منحتها الدعم الكافي لتحكي..!

_لا أعرف إن كنت ستفهمني أم لا فمن لديه والد كأبيك يصعب عليه تخيل والد ك(رفعت الصباحي).. لكن.. دعني أحاول.. ترى هذا القصر خلفك؟! ولدت فيه طفلة لرجل متجبر وامرأة مستسلمة.. طفلة تعلمت من صغرها أن كلمة (الأب) لا تساوي سوى (ألف الألم) و(باء البطش).. أجمل الألعاب.. أفخم الثياب.. أرقى المدارس.. أفضل النوادي.. أروع الأسفار.. كل هذا لم يمحُ قسوة الشعور في داخلها وهي تشعر أن ثمة فجوة ما بين ضلوعها.. لا يمكنها شرحها لكنها تتسع يوماً بعد يوم.. من يراها من بعيد يظنها أسعد بنات الأرض.. هي نفسها كانت تحاول إقناع صورة مرآتها بهذا.. لكنها كانت تزداد يقيناً بالحقيقة يوماً بعد يوم.. أنها ليست سوى رسمة خرقاء على هامش الحياة.. (عروس ماريونيت) أدركت أن خيوطها كلها في يد القائد الذي تموهت صورته كأب.. كبرت (العروس) واختار القائد لها حسام القاضي كعريس مناسب.. ضابط ذكي له أصول عريقة في الصعيد وله من الثراء ما يصلح لنسب عائلة الصباحي.. (عروس الماريونيت) لم تعترض.. لم يكن لها ان تعترض.. لكنها عندما عرفت أنه عقيم أدركت أنها فرصتها لتقطع الخيوط.. استغلت الأمر كما تعلمت بكل أنانية.. قذفتها في وجهه صريحة أنه ليس سوى (نصف رجل) وأنها تستحق الأفضل..

صوت زفيره الملتهب جوارها يتلاحق بسرعة واشياً بجحيم تكتوي به ضلوعه..
فتلتفت نحوه قائلة بإشفاق غريب :
_كرهتني أكثر؟؟ أتوقف عن الحكي؟!

يكاد يقول (نعم)!
لكنه يتذكر وعده.. على الأقل فليفِ بما استطاعه منه..
فليسمع!

_أكملي.

جموده البارد لا يخدعها وكفه المعلق بينهما يعود جواره مانحاً المعنى المفهوم..
فتعود للنظر أمامها قائلة :
_عروس الماريونيت كانت مخطئة.. الخيوط لم تنقطع كما ظنت.. هي فقط ارتخت.. لهذا بحثت عن طريقة أخرى تقطعها بها.. زوج جديد تختاره هي تلك المرة.. اختارته أصغر منها كأنها تلغي سنواتها السابقة وتفتح باب عمر جديد.. (فهد الصاوي).. شاب حديث التخرج.. ناجح طموح ويصلح كواجهة اجتماعية ممتازة أرضت غرور (القائد) للمرة الثانية.. لكن المفاجأة أنه كان يحب غيرها.. هنا جن جنونها وهي تشعر بالنبذ.. ربما كانت تلك أول خطواتها للإدمان وربما بدأت ذاك المشوار قبلها.. لم تعد تذكر.. تلك الأقراص الساحرة كانت تمنحها (العالم الموازي) الذي كانت تحلم به.. العالم الذي ينسيها قسوة أبيها وسفر أمها هرباَ منه..العالم البعيد عن رفقة السوء وزيف التصنع.. العالم الذي تضحك فيه وتنسى.. وكم كانت تحتاج لأن تنسى.. ورغم أن فهد ساعدها كي تقلع عن الإدمان لكن العروس بقيت تطمح في قطع الخيوط.. بقيت تطمع في أمل الحب الذي ظنت قلبها يحمله له.. وبدلاً من أن تحفظ له معروفه بمساعدتها على العلاج من الإدمان خططت لتقتل زوجته.. لكن القدر كان أرحم بالجميع من أن يتأذى أحد.. لفظها فهد من حياته وعادت لأمها.. (مرتخية الخيوط) أيضاَ تلك المرة.. لكنها صارت تكره نفسها أكثر وأكثر..

تصمت قليلاً مطرقة الرأس تلتقط أنفاسها وكأنها تمنحه فرصة المغادرة لو أراد.. وتمنح نفسها فرصة التماسك للحديث عن الأصعب..

لكنه لم يبرح مكانه فقط أنفاسه تزداد اشتعالاً جوارها فيزداد تربيت أحد كفيها على الآخر تمنح نفسها المزيد من الدعم..

_سافرَت العروس بعدها لأمها التي كانت قد استقرت في بيروت.. التقت بالطبيب اللبناني اللامع في لبنان (فادي).. اسم عائلته وحده كان كفيلاً بأن يسيل لعاب (القائد) من جديد خاصة وقد ساءت الأوضاع في مصر وقد كان يخطط أن يصفي أعماله بعد تقاعده ويهرب تاركاَ تاريخه الأسود خلفه.. لم تحاول (العروس) التملص من الخيوط تلك المرة.. تركتها تلتف حول عنقها بصبر لعلها تجد الأمل.. تزوجَت الطبيب الحالم الذي أحبها لكن بقيت هناك فجوة بينهما زادتها الأيام اتساعاً.. ربما هي غيرته الخانقة.. ربما هي رغبتها المبالغ فيها في الانفلات.. في التحرر من كل القيود التي تركتها خلفها في مصر.. وربما هو خوفها الذي ازداد بمجرد حملها منه.. خوف غريب اكتسى بالأمل وهي تشعر أنها تنتظر معجزة.. توقفت عن تناول الأقراص وقد عاهدت نفسها أن تتغير.. أن تصلح العطب بروحها.. وضعت طفلها الذي أحبته كما لم تحب شيئاً في حياتها.. لكنها وبعد شهور من وضعه علمت عن مرض أمها الذي بدأت أماراته في نسيان الأشياء والأشخاص والذي صارحها الأطباء أن نهايته محسومة.. لا أحتاج لأن أخبرك الكثير عن (فوبيا الفقد) فأظنك خير من تعلمها.. وقتها تأزمت الأمور بينها وبين فادي الذي زادت أسفاره ومشاغله.. فوجدت نفسها تنحدر من جديد نحو الدرك المعتاد.. (الأقراص السحرية).. عرف زوجها فثار أول الأمر ثورة عارمة وهددها بالحرمان من طفلها وتطليقها.. لكنه عاد يهادنها محتملاً لأجل ابنه.. خدعته وهي توهمه أنها ستتوقف عن تناول الأقراص.. لم تستطع أن تشرح له أنها تخاف العودة للواقع.. تخاف أن تواجه مرض أمها الذي بدا لها مخيفاً أكثر مما كانت تحتمل.. تخاف أن يفشل زواجها فتعود خيوط الدمية للقائد من جديد.. وتخاف أن تصارحه أنها ليست راضية.. شيء ما ينقصها لكنها لا تعرفه.. صدّقها ومنحها فرصتها الأخيرة حتى كان ذاك اليوم الذي خرجت فيه تسعى خلف تلك الأقراص تاركة ابنها الصغير وحده.. وأظنك تعرف الباقي..

يرتعش صوتها رغماً عنها ليعلو صوت نشيجها بعدها هاتفة بين دموعها :
_كرهتني أكثر؟! ليس أكثر من كرهي لنفسي وقتها!! والمثير للسخرية أن (القائد) مات بعدها بقليل.. انقطعت الخيوط أخيراً وصارت العروس حرة.. حرة لتفعل ما تشاء.. كيف تشاء.. لكن المفاجأة أنها اكتشفت أن الخيوط لم تنقطع كما ظنت.. بقي حول عنقها طوق غليظ من خوف.. من جرح.. من ذنب.. ابنها خلفها وأمها أمامها وبينهما جسر طويل ممزق لن يحتمل ثقل خطواتها..فقررت أن تهرب.. ماذا ينقصها كي تفعل؟! البديلة موجودة والمال والنفوذ إرث (القائد) يسهلان كل الأمور.. كانت هذه خطتها وهي تستبدل حياتها بحياة سمرا.. البنت البسيطة التي تعمل في محل ملابس أطفال.. حيث ظنت نفسها ستعيش الحياة السهلة وسط من يشبهون ابنها الراحل فحسب.. تشم فيهم رائحته.. تاركة خلفها إرث الصباحي القبيح.. كادت تسير الأمور هكذا لولا أن قابلتُك.

يلاحظ أنها كانت تتحدث بضمير الغائب طوال الوقت كأنها تتحدث عن أخرى حتى جاء ذكره فصارت تتحدث بضمير المتكلم كأنها حقاَ وجدت نفسها :

_صدفة! صدفة غريبة جمعتنا أول مرة وجعلتني أرى صورة جنة على هاتفك.. ظني السيء وقتها جعلني أتصور أن هناك علاقة بينكما فدفعني الفضول لملاحقتك.. وبدأت الحكاية..
يتحشرج صوتها وهي تلتفت نحوه أخيراً..
تغرس نظراتها في عينيه مشعة بصدق إحساسها:
_أولاً أحببت أباك وتمنيته أبي.. (قائد) حقيقي ماهر حنون لا أمانع لو كان هو من يمسك خيوطي.. أحببت حبه لك وفهمت معنى (الأب) الحقيقية هذه المرة (ألف الأمان) و(باء البرّ).. كثيرون يفهمون معنى أن يبر الواحد أباه لكنني - وأنا المكتوية بها- معكم فهمت كيف يبر الواحد ابنه..وبعدها أحببتك أنت.. أحببت العالم الطاهر الذي جذبتني إليه يداك.. وجدت نفسي يوم وجدتك.. تلك الفجوة التي طالما شكوت وجودها بين ضلوعي ملأها حبك.. أعرف أنني ظلمتك.. خدعتك.. قد ترى أنك تستحق من هي أفضل مني.. لكن من هي من أفضل مني؟! أي امرأة قد تمنحك جسداً وقلباً وبيتاً وأطفالاً لكنني أنا..أنا.. أنا ولدت بك ومعك ولأجلك من جديد! أي امرأة قد تضع خاتمك في إصبعها لكنني أنا وضعت قلبي خاتماَ في إصبعك.. أي امرأة قد تجد فيك دنيا تعيشها.. لكنني أنا ربحت بك دنياي وآخرتي؟! من مثلي تستحقك؟! أقولها ليست غروراَ ولا أنانية بل يقيناً.. ألا أخرى ستجد فيك ما وجدته.. وتعشق فيك ما عشقته.. لم تكن لي رجلاً.. بل كنت عالماً بأسره.. عالماً دخلته بروح أخرى غير التي عشت بها طوال عمري.. لا تحاسبني على ماضٍ ندمت عليه وتبت منه.. حاسبني على أيامي معك أنت.. هل قصرت يوماً في حقك؟! هل مضت عليّ ساعة، دقيقة، ثانية واحدة أشعرتك فيها أنك أقل من دنياي كلها؟! هل تجرؤ الآن وبعد كل ما سمعته وعرفته أن تنكر أنني.. أنني أحببتك بكل ما فيّ؟!

تنقطع أنفاسها أخيرا بتحشرج كأنما أفرغت روحها الكلام قبل لسانها فتدمع عيناه هو وهو يشعر بهذه الغصة في حلقه!
تحرر العندليب في عينيها ولم يعد أخرس!
صدحه الصادق سيبقى صداه مدوياً في صدره ما عاش!
يصدقها؟!
نعم.. يصدقها!
لكنه لا يزال عاجزاً عن الصفح!

الصمت الطويل بينهما يغزل ألف ثوب من حيرة وألم..

الآن يفهم وهو يمرر شريط ذكرياتهما الطويل سر تصرفاتها معه..!



_يسرا..

تتسع عيناها بصدمة وهي تسمع اسمها من شفتيه لأول مرة!
كأنه الآن فقط يراها دون عباءة (ابنة أبيها) التي كان يلقيها دوماً فوقها بعدما سقطت عنها غلالة (سمرا) الخادعة!

ينهض مكانه ليتحرك قليلاً فيقف قبالتها..
كلاهما الآن في (النور) وقد تخلص وجهه من (ظلال العتمة)!
خلفهما أسوار القصر المظلمة التي صار هو يدرك أن كليهما يكرهها!!
_ارفعني إليك!
تكاد تقولها وهي ترفع كفها نحوه كما كانت تقولها قديماً لكنها الآن صارت توقن أنه دورها هي.. أنها هي من سترفع نفسها لتحلق!

تقف مكانها ببطء لتتواجه نظراتهما فيقول بصوت مرتعش وعيناه معلقتان بسلسلة عنقها ذات القلوب الثلاث :
_سامحيني..

ترمقه بنظرة تساؤل مترقبة فيردف :
_سامحيني على ما فعلته يوم عرفت الحقيقة.. سامحيني على أنني تأخرت كثيراً في سماع أعذارك.. وسامحيني.. لأنني..
يطلق زفرة قصيرة ورأسه يتحرك يمنة ويسرة كأنما يتجاذبه الصراع بين جانبين متضادين وقد ضج ّ بحيرته..
صوته يتقطع أخيراً بمرارة شقت قلبيهما معاً :
_لأنني - ورغم تصديقي لكِ - لا أزال عاجزاً عن المزج بينكما.. أنا عشقت سمرا التي كانت أول امرأة دق لها قلبي وظننتني كذلك أول رجل دق له قلبها. . قد أتفهم يسرا.. قد أعذرها.. قد أسامحها يوماً على ما فعلته.. لكنني.. لكنني لن أحبها.

تدمع عيناه في عبارته الأخيرة وجسده كله يرتعد رعدة هائلة وصلتها مكانها كأنه استنزف بها طاقته كلها..
فتبتسم ابتسامة واهنة وهي تهز رأسها وكتفيها بقولها:
_لا ألومك.. يكفيني أنك سمعت.. وصدقت!

يلقي عليها نظرة أخيرة وهو يشعر بصدع عظيم داخله..
لقد ظن أنه سينهي الصراع داخله يوم يستمع إليها فيصدّق أو يكذّب!
لكنه الآن حتى وهو يصدقها يشعر بالغربة عنها!

تتحرك قدماه بتثاقل ليعطيها ظهره مبتعداً بخطوات بطيئة فيشعر بخطواتها خلفه بطيئة مثله..
يوقن أنها لن تلاحقه بعد الآن مهما بدا طريقهما واحداَ..
فهل يشعر بالارتياح أم بمزيد من الغربة؟!

_ستحبها!

صوتها يقطع الصمت بينهما بعد لحظات فيلتفت نحوها بدهشة لتلتمع عيناها بقولها الواثق:
_ستحب يسرا كما أحببت سمرا وربما أكثر.. فقط عدني وقتها ألا تكابر كثيراً قبل أن تقرر الاعتراف.

تقولها دون ان تنتظر رداً كأنما وصلها وعده وهي تتجاوزه لتمضي في طريقها نحو البيت الذي ابتلعتها ظلمته فينعقد حاجباه بشدة وقد تسمر مكانه للحظات قبل أن يتخذ طريقه هو الآخر نحو سيارته التي استقلها وهو غارق بكليته في كلماتها الأخيرة..
لا تزال (الرامية القرمزية) تصوّب سهامها نحو أهدافها..
فهل تحكم التصويب هذه المرة أيضاً؟!
والجواب يتوه بين قلب حائر وعقل رافض وروح بينهما ممزقة!
=======












*بنفسجي*
=======
_ديمة.. تسمعينني؟!

تسمع الهتاف باسمها من الصوت المألوف فتحرك رأسها محاولة فتح عينيها..
حلقها جاف وجسدها كله مخدر لكنها تسمع الطبيب يطمئنه بارتياح على حالتها..
نجت!
نجت بعدما سمعت منه اعتراف الحب!
لقد ظنت أنها آخر كلمات ستسمعها قبل أن تفارق الحياة لكن هاهو ذا القدر كان أكثر كرماً مما ظنت!

_ديمة.. تستطيعين فتح عينيكِ؟!

نفس الصوت المألوف يصلها من جديد فتحاول فتح عينيها بقوة أكبر..
ليس حسام..
هذا ليس صوته!
إنه..!

_بشر!
تتمتم بها بوهن وجفناها يعانقان المرئيات أخيراً.. تميز ما حولها بصعوبة تبحث عن فارسها لكنه.. غير موجود!

_أين حسام؟!

صوتها الشاحب بالكاد يغادر حلقها بجزع فيتنهد بشر مغمغماً بارتياح :
_الحمد لله.. أنتِ بخير.. ستكونين بألف خير.

لم تسعدها لهفة ارتياحه ولا اليقين بنجاتها فكيانها كله محتل بغيابه..
أين هو؟! هل آذوه؟!

_حسام.

تتمتم بها عدة مرات متتالية برجاء جزوع تتلمس عنه خبراً وملامحها تضج بلهفتها فيشير لها مهدئاً :
_لقد تلقى رصاصة في كتفه ورفض بعناد مكابر أن يستريح بعد إسعافه.. طوال الساعات السابقة وهو واقف على قدميه أمام غرفة العمليات ينتظر الاطمئنان عليكِ.. ولم يكد يراكِ تخرجين بعد نجاح إنقاذك حتى انهارت قوته فجأة كأنه كان يدخر ما بقي منها فقط.. لأجلك!

يرتعش صوته في كلمته الأخيرة فاضحاً مشاعره هو الآخر!!
لم يكن سهلاً عليه أن يتقبل خسارته لها من جديد وقد صار يوقن أنها.. أبداً لن تكون له.
لكنه يتمالك نفسه بقوة تليق به وهو يردف مطمئناً إياها :
_لا تقلقي.. كلاكما تجاوز مرحلة الخطر.

ترتخي ملامحها رويداً رويداً وهي تسبل جفنيها شاعرة أنها تستعيد وعيها تدريجياً..
تشعر ببعض الحرج من وجوده معها مع ماضيها - العامر- معه.. خاصة وقد رفضت عرض زواجه عن قريب..
وكأنه قرأ أفكارها ليغمغم بين حسم وأسف :
_ما بيننا بابٌ قد أغلق للأبد! لا أظنني أحتاج المزيد لأعرف عن حقيقة مشاعرك.. لن تضحي امرأة بحياتها لأجل رجل إلا لأنها تحبه.. بل تذوب فيه حباً.

_ليته يصدق!

تتمتم بها بحسرة ليرد بابتسامة واهنة :
_أظنه الآن يفعل.
ترمقه بنظرة طويلة وكأنها تراه ب(عينها الجديدة)..
غازي كان يسميه (طائر الظلام) وكم يليق عليه الاسم!
من مجرد خادم داعم يساندها ويسمعها.. مروراً بصدمتها بحقيقته كضابط مهم يفهم خبيئتها ويجيد تعرية ذنوبها.. وانتهاء بموقفه الحالي كرجل يتنحى بكبرياء عن "موقع" في حياتها يوقن أنه لم - ولن- يكون له!
رحلة طويلة لكنها منحتها حقيقة واحدة أنها..
(يمكنها الوثوق به)

لهذا ترددت قليلاً و (فكرة ما) تكتسح كيانها بقوة..
تجعلها تسأله بصوتها الشاحب:
_اصدقني القول.. هل أثرت إصابتي على شيء؟! أي شيء؟!

يرمقها بنظرة متسائلة عما تعنيه بالضبط ليرد مطمئناً :
_أبداً.. الإسعاف جاء في الوقت المناسب.. ولا تحتاجين أن أخبركِ أن الأمر تم بأقصى ما استطعناه من كفاءة.

ترتجف شفتاها و(الفكرة الغريبة) لا تزال تجتاحها..
لعلها طوق النجاة الذي ترتجيه..!

_هل يمكنني أن أطلب منك شيئاً.. أنت الوحيد الذي قد تمكنه سلطته من فعل شيء كهذا..

يهز رأسه بترقب لتستجمع المزيد من قوتها وشجاعتها قائلة برجاء :
_دع الطبيب يخبر حسام أن الإصابة أثرت على الرحم.. دعه يقنعه أنني لن أكون قادرة على الإنجاب.

_ماذا؟!
يهتف بها باستنكار لأول وهلة ثم تتسع عيناه بإدراك وقد تفهم أسبابها حتى قبل أن تصله كلماتها مفعمة بعاطفتها الحارة :
_كذبة بيضاء! أرجوك.. لا أريد لشيء أن يقف بيني وبينه بعد الآن.. حسام شديد الحساسية لهذا الأمر.. يريد أن يهجرني كي لا يحرمني أطفالاً وعائلة ولا يفهم أنني اكتفيت به هو وسند كل عائلتي..يرى نفسه ناقصاً وأنا والله لن أكتمل إلا به.. أرجوك .. اعتبره المعروف الأخير بيني وبينك قبل أن يغلق ذاك الباب الذي قلتَ عليه.

يصمت قليلاً يفكر في كلماتها بحيرة..
إلى هذه الدرجة تعشقه؟!
ربما كانت محقة.. ربما كان هذا هو ما تحتاجه علاقة كهذه كي تنجح!

_لا تحتاجين لهذا.

الصوت الحازم عند باب الغرفة ينقذه من حيرته ليلتفت بحدة نحو حسام الذي بدا في أشد حالاته إرهاقاً لكن عينيه الصقريتين لم تفقدا بريقهما النافذ وهو يتقدم نحوهما..
يقف بشر مكانه وقد أدرك أن ليس لوجوده معنى الآن خاصة وقد بدا من ملامح حسام الهادرة أنه قد سمع حديثهما..
لهذا يربت على كتفه برفق ليغادر الغرفة تاركاً لهما مساحة الخصوصية..

ولم يكد يفعل حتى تهاوى حسام على طرف فراشها بإنهاك جعلها تقول بجزع وعيناها معلقتان بضمادة كتفه :
_أنت بخير؟!

لكنه يتجاهل سؤالها و(فوضى مشاعره) أمامها الآن تكاد تقتله!
لا يصدق أنها كانت تخطط لأن تكذب كذبة كهذه فقط لتبقى جواره!
هل بقي له من عذر في الهجر؟!
هل بقيت له أسباب؟!
هل بقيت له طاقة وهي تصر كل يوم أن تزيد (بياض) وجهه معها هي..
أن تصرخ بكل طريقة.. (أنا أراك.. كل عيون قلبي تراك)؟!
لا.. لم يبقَ!

لهذا يتنهد أخيراً ليقولها بحسم عاتب:
_إياكِ أن تفعليها ثانية.. إياكِ أن تفكري في الكذب عليّ من جديد.

تسبل جفنيها شاعرة بالذنب فيتناول راحتها في كفه مردفاً بحرارة :
_أولاً.. لأنني سأعرف! (حلقة الزعفران) في عينيك هذه لن تخدعني.. لن تضللني وأنا المسترشد بها..
ترتجف ابتسامتها بخزي وهي ترفع عينيها إليه ليردف بنبرة أكثر اشتعالاً :
_وثانياً.. لانني قد أحرق الدنيا كلها لو عرفت ان هناك ما تخفينه أو أن هناك من هو أقرب اليك مني حتى نفسك ..
تشد بأناملها الواهنة على يده كأنها تستغفره فيتنهد بحرارة قائلاً :
_وثالثا لأنكِ حمقاء..
تتسع عيناها وهي تراه يرفع راحتها نحو وجهه يكاد يخفيه بين خيوط يدها مردفاً بهمس عزيز على رجل مثله:
_حمقاء لو ظننتِ اني بعد الرعب الذي عشته الساعات السابقة ساسمح لك بان تغيبي عن عيني يوما واحدا .. وأنا أكثر حماقة منك لو تركت اي شيء يفصل بيننا بعد الآن.

آهة عميقة تغادر حلقه وهو يمرغ وجهه في راحتها بين قبلاته التي طالما بدت لها كدغدغة الفراشات..
فتبتسم بارتياح وهي تتحسس ملامح وجهه لتنحدر أناملها نحو (عقدة حنجرته) تستقر هناك مع نظرة عاشقة من عينيها صار هو خير من يفهمها..
يمد إبهامه يمسح دمعة فرت من طرف عينها لينحني مقترباَ منها بوجهه بهمسه:
_ستعودين لتخافي من البحر؟! غدر بكِ من جديد هذه المرة؟!
لكن نعومة أناملها تصنع حول عنقه طوقاً من ورد ولا تزال تتحسس (عقدة حنجرته) هامسة بقوتها المستحدثة :
_مستحيل! ..مهما حدث لن أعود للخوف منه أبداً.. سيبقى دوما بعيني مزينا بصورتك ..هادرا بنكهة الحياة ..وغامضا بهيبة الموت ..لكنه دوما شهي بمذاق الحب.. آمنٌ بسكينة عناقك.
_لم أكن أعرف أنك تجيدين (الغزَل).. كما تجيدين (الغزْل).
_لأجلك أفعل.

تهمس بها بعمق عاطفتها مردفة :
_كنت محقاَ.. (الكونزيت) يزهو في العتمة أكثر.. كحبنا.
_ك"حبنا".
يهمس بها مؤكداً وهو يهز رأسه ليقبل كفها من جديد فتتأوه بخفوت هامسة:
_"حبنا! ".. أخيراً تجمعنا هذه الكلمة! أخيراَ تقولها بهذه السلاسة يا (مغرور)!
_كوني بخير ولن أتوقف أبداً عن قولها.
يقولها وهو يقترب بوجهه أكثر منها..
يرتعش صوته حد الزلزلة وأنفاسه تعانق أنفاسها:
_تعرفين كم أشتاق الآن لأن أعانقك؟! .. لأن أنثر شعرك على كتفي مطارداً رحيقه الذي طالما أرقتني رائحته.. أفترش صدرك العاشق.. الخافق بنبضات شوق أجد صداها في صدري.. أمطركِ وابلاً من قبلات تدق وشم عشقي أبدياً على بشرتك .. أحملكِ.. وآخذك بعيداً.. بعيداً عن كل شيء.. فلا سماء إلا جبينك.. ولا أرض إلا شفتيكِ.. ولا شمس إلا شعرك.. ولا قمر إلا بين عينيكِ.. أنتِ.. أنتِ فقط.

تدمع عيناها بعمق فرحة شعورها في هذه اللحظة وهي تشعر أنها تشاركه إحساسه..
الآن فقط توقن أن كل السدود بينهما تهاوت فلا مكان إلا ل(حب) و(حب) و(حب).

تشعر بوهن جسدها يعاودها فتتأوه بألم يجعله يقبل راحتها هامساً :
_نامي واستريحي.
_وستبقى معي؟!
تسأله بلهفة لكن عينيه تغيمان بغموض يجعلها تردف بقلق راجية:
_لا تعرض نفسك للخطر.. أرجوك.. لأجلي.. لأجل سند.. (ابننا).
ورغم رجفة خفيفة بعثتها كلمة (ابننا) - هذه التي نطقتها بعفوية - لكنه همس بحسم :
_الخطر موجود على أي حال.. أنا فقط أحاول منعه.
يزداد القلق على ملامحها لكنه يميل على وجنتها بقبلة ناعمة هامساً بحنان يبدو وكأنه قد ولد في قلبه لأجلها هي فحسب:
_لا تخافي.. لا يزال بيننا عمر طويل أشتاق لأن أعيشه بين ذراعيكِ.

ترتخي ملامحها بارتياح مؤقت لوعده فيتحرك ليطلب الممرضة التي أعطتها دواءها والذي استجاب له جسدها بالمزيد من الاسترخاء..

تنتظر خروجها لتتشبث هي بكفه هذه المرة هامسة بصوت واهن:
_النوم يغلبني.. دعني أرَ ابتسامتك.. أغمض عليها عينيّ.. يحضنها جفناي كما يحضنها قلبي.

يكاد يرتج مكانه بأثر هذه العاطفة التي تشع من بين حروفها..
يبتسم!
يبتسم أخيراً!!
يبتسم ملء شفتيه بل.. ملء قلبه!
يبتسم كأنه ما عرف الفرحة قبلها..
كأنه كان يدخر ابتسامة كهذه لفرحة عمره بعدها!
يبتسم فتشرق الشمس في قلبيهما عن فجر طويل لن يقطعه غروب ولن يهدده ليل!
يقبل جبينها قبلة عميقة تهزها بعمق عاطفتهما معاً فتبدو شفتاه مترنحتين في محرابها بطواف خاشع تتسع معه ابتسامته بهمسه:
_(شو أمرت ست راسي)!

تضحك فتؤلمها إصابتها لكنها تتجاهل ألمها وهي تهمس أمام عينيه بحروف تقطر عشقاً:
_قبلاتك مثل غزْلي.. كلاهما من حرير.
يضحك عفوياً وأحد حاجبيه يرتفع بغرور أصيل فيه.. غرور يناقض تنهيدته الأخيرة وهو يقبل وجنتها هامساً أمام حلقة زعفران اتسعت لتكون أكبر ساحة عشق وسعتهما معاً.. :
_وأنا مفتونٌ بكِ.. يا آسرة (الغزْل) و(الغزَل).
======









*أصفر*
=======
_ما الأخبار؟! عرفت عنه شيئاً؟!
تسأله رؤى بقلق وهي تفتح له الباب..
كان الجميع يجلسون في شقة والدته يترقبون عودته من تلك المدينة البعيدة التي يعمل فيها فهمي..
ليرد راغب وقد بدا متعباَ بعد رحلة السفر :
_لا أحد يعلم عنه شيئاً.. منقطع عن العمل دون أسباب!

تلطم أمه خديها منهارة في بكاء مرتفع شاركها فيه أولاده..
يحاول راغب تهدئتها لكنه لا يعرف ماذا يفعل!
أخوه اختفى تماماَ دون سابق إنذار..
هاتفه مغلق ولا أحد يعرف عنه أي خبر..
وهاهو ذا قد ذهب لمقر عمله لما يأس ليجد النتيجة واحدة!

_أنا أعرف أين هو!

تهتف بها هيام محمرة الوجه زائغة العينين ليهتف بها راغب بلهفة :
_أين؟!
تتردد قليلا ثم تخرج من طيات ثيابها ما يشبه ورقة مطوية طياَ صغيرا مربوطة بخيوط متشابكة رفعتها في وجوههم قائلة :
_خطفته جنية سفلية! بسم الله الرحمن الرحيم.. يجعل كلامنا خفيف عليهم!
يزفر راغب بسخط وهو يخبط وجهه بكفيه فيما تردف هيام بحرارة منفعلة:
_كنت أعرف! ذاك الرسم الغريب الذي ظهر فجأة على ذراعه لثعبان كبير! تخيل! أخوك الذي يخاف من خياله يظهر له رسم كهذا! وعندما سألته اخبرني وهو يكاد يبلل ثيابه خوفاَ أنه لا يذكر وأنهم رفقة السوء! ومؤخراً تغيرت تصرفاته معي.. تصور أنه كاد يلقي مقلاة الزيت المغلي على وجهي ذاك اليوم! عيناه كانتا حمراوين كأنهما مسكونان بشيطان! لكنني لم أسكت..

تقولها ملوحة ب(الشيئ) في يدها مردفة :
_ذهبت للشيخ المبروك وطلبت منه الحجاب.. أخبرني أن هناك جنية سفلية تريده لأنه يعجبها.. يبدو أنها خطفته!

_أمي! أنا ذاهب لغرفتي لأنني متعب ولا ينقصني سماع هذا الهراء!

يهتف بها راغب بنفاد صبر وهو يغادر الشقة مع رؤى التي تبعته يلاحقه صوت هيام المنفعل:
_لا تستهزئ بهم كي لا يؤذوك.. سامحوه يا أسيادنا.. غداًأذهب للشيخ من جديد يدلنا أين خطفته عاشقته من الجن.

يتمتم راغب بعبارات ساخطة وهو يصعد الدرج نحو شقته ولم يكد يغلق بابها خلفه حتى ضمته رؤى لصدرها قائلة بمزيج من قلق وحنان :
_أعرف أنك متعَب.. كل ونام.. وغداً يدبرها الله.. سنجده بإذن الله.

تدمع عيناه بحزن حقيقي وهو يرد :
_من يدري ماذا حل به؟! أصيب في حادث أو آذاه أحدهم مستغلاً طبيعته المستسلمة!! في أوقات كهذه أتمنى لو لم يتغير لطبيعته الخانعة هذه! أتمنى لو كان بقي كما هو يجيد أخذ حقه ممن يظلمه! غداً سأذهب لأقدم بلاغاً عن اختفائه في قسم الشرطة.

تهز رأسها باستحسان للفكرة وهي تتحرك معه نحو غرفتهما حيث استقر جسده المكدود على الفراش ليستسلم للنوم بمجرد ملامسة رأسه للوسادة وشاية بمدى إرهاقه..

تراقبه رؤى بقلق حنون لتشرد ببصرها وهي تتذكر ما أخبرها به راغب عن قدوم حسام وفهد له في الورشة وتغيّر فهمي المضطرب بعدها!
تحاول تصديق أنها كانت مجرد صدفة لكن ظهور فهد في مشهد واحد مع راغب يكاد يوقف قلبها رعباَ من أن ينكشف المستور!

لهذا تستغل استغراقه في النوم لتخرج نحو الغرفة الأخرى، تغلق بابها خلفها لتتصل برقم جنة ولم تكد ترد بعد تحية تقليدية حتى بادرتها بسؤالها :
_اسألك بالله أن تصدقيني القول.. هل كانت زيارة زوجك لورشة زوجي حقاً مجرد مصادفة! ؟
تصمت جنة قليلاً وهي تلاحظ تحرج رؤى من ذكر اسم فهد مع ماضيهما القديم فيخزها ضميرها بينما تردف رؤى بنبرة متحشرجة :
_لا تكذبي عليّ.. أنا أشعر بشيء غريب يجري.. في البداية كان يخص عزة وطليقها..ثم يجيىء زوجك إلى هنا.. تعرفين كم أنا مرعوبة من مجرد التفكير أنهما كانا معاً!

تتنهد جنة بحرارة وهي تتردد بين إخفاء الحقيقة أو إخبار رؤى على الأقل لعلها تأخذ حذرها من ذاك الوغد..
لتعاود رؤى رجاءها :
_أرجوك يا جنة.. أنا لا أحتمل المزيد من القلق.. البيت كله في حالة طوارئ بسبب اختفاء شقيق راغب المفاجئ.. ولا ينقصني المزيد من الخوف!
_لعنه الله أينما ذهب!
تهتف بها جنة بسخط فينعقد حاجبا رؤى بدهشة وهي تسألها عما تقصده..
دهشة تحولت لصدمة ذهول وهي تستمع من جنة لحقيقة فهمي!
تستعيد ما أخبرها به راغب عن ماضيه لتتضح الحقيقة في رأسها تدريجياً..
هي أيضاً تعجبت كيف لم يبحث الجميع عن حقيقة تغيره هكذا من النقيض للنقيض!!
كيف دفعتهم رغبتهم في التخلص من سوء خصاله لتصديق الوجه الخانع الجديد الذي أجاد التظاهر به!!
المجرم!!
هذا المجرم كان يعيش بينهم!!
الرعب يملأها من جديد وهي تسمع جنة تخبرها عن سبب اختفائه بعدما انكشفت حقيقته لتغمغم رؤى بتشتت:
_ماذا سيفعل راغب لو عرف؟! وأمه وزوجته وأولاده؟! مجرم!! يالله!! هل من الممكن أن يؤذينا؟! حتى لو لم يفعل سنوصم به العمر كله!!
_لا تخبري زوجك.
تقولها جنة برفق مردفة :
_الأمر حتى الآن في غاية السرية ولا نعرف إلى أين ستمضي الأمور.. فهد وعدني أنه سيبذل قصارى جهده كي تبقوا أنتم بعيداً عن كل هذا.. فدعي الأمر لله يدبره كيف شاء.. ومن جديد أنصحك ألا تخبري زوجك.. الجهل نعمة أحيانا!

يوافق قولها هوى في نفس رؤى التي أشفقت على زوجها من خبر كهذا..
تغلق معها الاتصال لتتوجه من جديد نحو غرفة راغب النائم لتتفحص ملامحه بإشفاق..
يخفق قلبها بلوعة وهي تشعر ببعض الذنب لأنها تخفي عنه شيئاً..
لكنها تتذكر قول جنة..
(الجهل أحياناً نعمة.. ورحمة)
ربما هو من لطف الله الخفي أن يحجب عنه ما يؤذيه فلا يسوؤه فيما يحب.. ومن يحب!

تسكن روحها للخاطر الأخير فتنحني لتقبل جبينه بإجلال ولو استطاعت لقبّلت هذا القلب النابض بين عروقه والذي تزداد له عشقاَ واحتراماً يوماً بعد يوم..
وكعهدها كلما همّها أمر فزعت للصلاة!
تناجي الله أن يكشف هذه الغمة عنهم ويحفظهم من شر المستور..
لتختم صلاتها بدعائها
(اللهم أتم علينا سترك وكفى بها نعمة)
========












برتقالي*
======
وقد صار قبرها هو (الخامس)!

يقف أمامه يحيى وهو ينقل بصره بينها جميعاَ بينما يستعيد ما أخبرته استبرق به ويربط بذكائه الخيوط لتجتمع أحداث القصة كلها في عقله..

قبر أبيها (جده) على بعض المسافة ، قبر الأمين الكبير، الأمين الصغير، قبر غيث، ثم قبرها هي!
طالت القصة كثيراً لكنها انتهت بعدالة!

دمعة كبيرة تشوش الرؤية في عينيه ولا يزال مذاق عناقها الأخير له طازجاً بين ذراعيه..
بقعة الدم الكبيرة التي تركتها له ليس فقط على ثيابه.. بل على قلبه!

_كفاك يا يحيى!

كف (إلياس) الداعم - دائماً- يحط على كتفه فيلتفت نحوه بنظرة زائغة :
_تظنني أحمل ذنبها؟! ربما لو..
_هي من تحمل ذنب نفسها..
يقاطعه بها إلياس بحسم وهو يشد بقبضته على كتفه مردفاً :
_هي اختارت الطريق المعروفة نهايته! هي من وضعت يدها في يد الشيطان فخنقتها قبضته آخر الأمر.. أنت تعرف كم كنت أحبها.. هي لم تكن أمك أنت فحسب كانت كذلك بالنسبة لي أنا الآخر.. لكنها - ولا أدري كيف استساغت نفسها فعلها - محت تاريخها القديم كله.. سرقت الشركة وقتلت شقيقي وفعلت الفاحشة ونسبت ولداَ لغير أبيه وكادت تضيع مستقبلك ومستقبلي أنا الآخر.. هي لم تفسد الطبخة التي عاشت تصنعها طوال عمرها فحسب بل وضعت فيها السم كذلك.. فمن الذي يتحدث عن الذنب هاهنا؟!

يومئ يحيى برأسه بأسف موافقاً فيجذبه إلياس نحو سيارته القريبة..
يلقي نظرة أخيرة على القبور الخمسة قبل أن يتنهد بحرقة وهو يستقل السيارة جوار عمه الذي انطلق بها ليقول بنبرة عملية كأنه يحاول إخراج يحيى من حزنه بكل طريقة:
_لو كان يسعدك أن تعلم أننا أخذنا ثأرها فاعلم أن السيد (...) سقط في قبضة السلطات هو وكل من خلفه..سينال عقابه.
يلتفت نحوه يحيى باهتمام ليردف إلياس بانفعال:
_الوغد ظن أنه بقتل استبرق سيطمس كل أثر خلفه لكن تلك الوثائق التي وجدتها شجون في خزانة غيث قامت بالمطلوب على أكمل وجه.
_والمؤسسة؟! وسمعتنا؟!
يهتف بها يحيى بلهفة قلقة ليرد إلياس بزفرة ارتياح قصيرة :
_أنت تصرفت في الوقت المناسب تماماَ عندما فسخت عقود شراكتنا مع ذاك الرجل.. وأنا سعيت عبر شبكة من العلاقات لعمل تسوية مناسبة مقابل عدم النبش في الدفاتر القديمة..
يقولها ليلتفت نحوه مردفاً بحسم لم يخلُ من أسى:
_راحت استبرق وراحت معها نقطة سوداء كبيرة كانت لتلوث تاريخ مؤسسة الأمين للأبد.. لكننا أنقذنا "العائلة" بأقل خسائر ممكنة و-الأهم- دون فضائح!

آهة عميقة تشق صدر يحيى وهو يغمض عينيه مسنداً رأسه للخلف..
الذكريات تتقاذفه بجنون كما البحر الهادر..
(سندباد) طالت رحلته كثيراً لكنه استقر أخيراَ بسفينته فوق شاطئ الأمان!


يرن هاتفه باسم مألوف لرقم أجنبي فتتغير ملامحه وهو يفتح الاتصال :
_يحيى؟!
صوت (سراب) الذي دار معه في متاهات عدة الآن يستقر في أذنيه بالنبرة (المضبوطة) تماماً وهو يسمعها تردف بصوت متهدج :
_(أخي)!
يغمض عينيه بتأثر فيصله صوتها المتهدج فاضحاً بكاءها :
_لا تخف! انا أتذكر اتفاقنا.. لن أقولها من جديد كي لا يفتضح السر الذي اخترنا ستره.. فقط دعني أقلها اليوم وأنا أعزيك في مصابك.. دعني أقلها كما أشعر بها.. وسأبقى أشعر بها.. (أخي)..

تلتوي شفتاه بشبه ابتسامة وهو يرد :
_هذا ما يعنيني.. أن تبقي تشعرين دوماَ بها.. أنا في ظهرك دوماَ مهما ابتعدتِ.. مكانك هنا حاضر مهما غبتِ.
صوت بكائها العالي وسط آهات عالية يفضح تأثرها هي الأخرى فيردف بحنان :
_لم تكبري يا (بنت)! لا تزالين تبكين بهذه الطريقة المثيرة للضحك كما كنتِ طفلة.
يقولها وهو يشعر لأول مرة أن (الحنين) توظفه (الفطرة) في الاتجاه الصحيح..
الآن يشعر أن ذكرياته معها صارت مجرد عهد طفولة وصبا قديم ولن ينغص - بعد اليوم- العهد الجديد!
نفس الشعور الذي وصلها وضحكتها القصيرة المختنقة تصله بقولها :
_لم أستطع السفر لأكون جواركم..اعتن بأمي يا يحيى.. هي أمانتك وأنا أثق أنك خير من يؤدي الأمانة.
_في عيني وعلى رأسي.
يغلق بها الاتصال ليعاود إلياس التربيت على كتفه قائلاَ بارتياح:
_أظنك الآن أغلقت كل دفاترك القديمة.. ارتح إذن يا يحيي.. ارتح..

وبمجرد ذكر (الراحة) يجد اسماَ واحداَ يلح على ذهنه..
اسم صارت صاحبته تشكل كل واحات الراحة التي ترتجيها قوافل قلبه الضالة..
(طيف)

تستقبله على باب بيت الأمين الداخلي بعد انصراف إلياس لشأنه فيعانقها بقوة وهو يخفي وجهه في حنايا عنقها ويخفي معه كل أوجاعه..
أناملها التي تمزج خشونة الشقاء القديم بنعومة الترف المستحدث تجيد التربيت على وجهه الذي رفعته إليها..
لم تقل (كيف حالك)..
فقلبها العاشق كان أعلم بكل حاله!
لم تقل (شد حيلك)..
فقد وهبته من قوتها (ألف حيل)!
لم تقل (لا تحزن)..
فمثلها تفهم كيف يمكن أن يكون الحزن توأم القلب اللصيق الذي يهادن أحياناَ لكنه لا يختفي أبداَ!

لكنها قالتها أخيرا :
_أنت.. رجلي!

بضعة حروف كهذه من امرأة (مثلها) كانت كافية لزلزلته مكانه!
يتذكر يوم صفعته بها قاسية لكنها كانت مُستحَقّةلست رجلي!)

والآن تشد بقبضتيها على كتفه هامسة :
_هذا هو الكتف الذي أثق انه لن يخذل رأسي أين ومتى وكيف احتاج اللجوء إليه..
تهبط أناملها نحو صدره مردفة :
_هذا هو القلب الذي أوقن أنه لن تخونني دقاته.
تقبل جبينه باعتزاز لتهمس أمام عينين طالما عشقتهما والآن تعشقهما أكثر وقد تهاوت قضبانهما كاملة.. لتردف:
_هذا هو الجبين الذي يستحق أن أعيش لأراه أبداً مرفوعاً..
ترتفع أناملها نحو (خصلة الشعر البيضاء) التي تعشقها في شعره بابتسامة رقيقة:
_هنا.. هنا ركض حلم طفلة رأت فيك طيف (أب) رحيم..
تنحدر نحو وجنتيه..
_وهنا.. استقر حلم أم رأت فيك طيف (ابن) ضال..
ثم تحيد نحو أنفه بنبرة أكثر انفعالاً..
_وهنا.. تلاعب حلم عاشقة بين أن تكسر أنفاَ مغيظاَ كهذا.. أو تجبره ألا يشم عبير امرأة أخرى سواها فاختارت الثانية!

يبتسم رغماَ عنه وهو يضمها إليه بقوة وقد غلبته طبيعته المشاكسة رغماَ عنه :
_وبالنسبة لشفتي؟! "هواء "مثلاً؟! ليس لهما أي نصيب من الرحلة هذه؟!

تحمر وجنتاها بخجل نادر وهي تلكزه في كتفه قائلة بنبرة عادت لها فظاظتها الفطرية :
_وتتهمني بأنني (ملكة الفصلان)؟!
تتسع ابتسامته وهو يلصقها به، يعانق سديم عينيها الذي يعد بألف ألف نجمة وليدة تتهيأ لترسم لهما سماء عشق جديدة لم يعرفها قبلهما ولا بعدهما أحد..
ليهمس بصوت متهدج:
_كان هذا أعظم اعتراف بالعشق سمعته.. ولم أكن أنتظر منكِ الأقل.

شفتاها تشاركانه ابتسامته للحظات لكنه يرفع أحد حاجبيه مردفاَ :
_لكنني لن أعتبرك امرأتي قبل ان أفعلها..
ترمقه بنظرة متسائلة ليردف باعتزاز :
_فقط عندما تنتهي أيام الحداد.. سأقيم لكِ أجمل عرس تحكي عنه العراق كلها! عرس حقيقي هذه المرة.

تملأ الدموع عينيها بتأثر وهي تتذكر عرسهما القديم في قصر الرفاعي..
ذاك الذي رد لها (كرامتها)..
لكن العرس الذي يحكي عنه الآن هو حقاَ ما تحتاجه..
كي يرد لها (قلبها)..
_إلا دموعك حبيبتي!
يقبل بها عينيها فتشعر بها أكثر دفئاَ من كل مرة.. وكأنه كل مرة يقولها يودعها بعضاَ من حرارة عشقه!

قبل أن تتعلق عيناه بسلسلة (يحيى) التي كانت لاستبرق على صدرها!

_ارتديتِها؟!
يهمس بها مصدوماً وهو ينتبه لها لأول مرة تطل من خلف ياقة قميصها المفتوح فتتلمسها أناملها قائلة بقوة تليق بها :
_أنا أحق بها.. لا تقلق.. أنا أعرف قدر أن تكون هذه في عنقي.

يضطرب قلبه بحزن غادر يجاهد كي يتجاوزه فتعانق كفيه بكفيها بصلابة داعمة ليحتويهما صمت قصير صاخب بالمشاعر..
قبل أن يهز رأسه مغمضاَ عينيه بهمسه :
_وأنا أيضاَ أعرف.
تشد بقبضتيها على كفيه لتهتف بحرارة :

_عندي لك مفاجأة.
تقولها وهي تشده من كفه نحو الطابق العلوي فيخفق قلبه بترقب وهو يراها تفتح باب إحدى الغرف ليطل من خلفه الوجه الحبيب :

_بابا.. افتقدتك كثيراً!

_مجد!
يصرخ بها بفرحة ملهوفة وهو يندفع نحوها ليعانقها بقوة مغرقاَ وجهها بقبلاته ثم يرفع عينيه نحو نزار الواقف خلفها بقوله:
_أنت من أحضرتها؟! وأنا الذي قلت أنك تركتني في هذه الظروف!!

_عيب عليك! أخوك رجل عملي وليس له في جو (المواساة) الثقيل هذا! (السيدة عنكبوت) اقترحت الفكرة وأنا طرت إلى مصر كي أنفذها!

_سيدة عنكبوت؟!
تتمتم بها طيف بسخط لتنظر إليه شذراً مردفة:
_ومن الذي يتكلم؟! فرقع لوز نفسه!

يبتسم لها نزار ابتسامة صفراء مغيظة فتجذب كرسي مجد للخارج قائلة :
_تعالي حبيبتي كي نبدل ملابسك ونتناول (ثلاثتنا) الطعام.
_(أربعتنا) يا سيدة عنكبوت من فضلك.. أعرف انك كريمة وترحبين بوجودي لكن لا تتعبي نفسك في الضيافة كثيراَ.. هذا بيت أخي يعني بيتي.
يهتف بها بسماجة فتصفق الباب في وجهه بعنف مقاطعة عبارته لتعيد له ذكرى (صفع الأبواب) في البناية أيام (ابو ظبي) ليبتسم وهو يهز رأسه بقوله :
_لو كنت تفكر جدياَ في ان تعيش مع تلك المرأة فوفر مخزوناَ كافياً من الأبواب.. أو اجعلها مصفحة.

يبتسم يحيى وهو يعانقه بامتنان ليجذبه نحو أريكة قريبة يجلسان فوقها..
_كيف حالك يا صاحبي؟!
يسأله نزار بجدية ودود وهو يربت على كتفه ليرد يحيى بامتنان حقيقي:
_بعض المعروف لا يمكننا رده مهما فعلنا.. دينك في رقبتي أبد الدهر.
_منذ متى يدور كلام كهذا بيننا؟!
بمزيج من استنكار وود يقولها نزار ليردف مغيراً الموضوع بقوله:
_ماذا تنتوي للفترة القادمة؟!
_سأغير سياسة المؤسسة.. أريد دراسة السوق الحديث هنا كي أصل بها لأعلى مستوى..
يقولها يحيى بحماسة ليردف وهو يربت على ركبة صديقه:
_وأنت ستكون معي.. كالعادة.

يبتسم له نزار بما يشبه الوعد لكنه يقول بحسم :
_لا مانع لكن بقيت لي مهمة واحدة في مصر..
يرمقه يحيى بنظرة متسائلة ليرد باقتضاب:
_أخي إياد يحتاجني.

=======





صرخاته الغاضبة تتوالى هادرة وهو يقف في صالة بيته يدور حول نفسه كوحش جريح!!
وشم (الكوبرا) على ذراعه يبدو له وكأنه (مقطوع الأنياب)!
بل وكأنه فقد عقله فصار ينفث السم داخل عروقه هو!!
جلدات السوط تهوي على ظهره تباعاً فلا يعرف كيف يوقفها!
سقط ذراع (التنظيم) في العراق بسقوط السيد (...) مما دفعهم لتجميد الأمور في بقية الدول مؤقتاً!
حسام القاضي نجا من محاولة اغتياله ولاريب أنه يترصده مع بشر!
فهد الصاوي لابد أنه صار يعرف أنه هو من كان مع أمه منذ سنوات ويتوعده بالثأر مع صديقه حسام!
وهو صار مقيد الحركة والنفوذ بعد ما حدث!
وهي..
هي..

_أكرهك..

لا تزال تدوي في أذنه بصوتها منذ آخر مرة زارها فيها في بيتها فتلهبه ب(أقسى) جلداته وهو يرى نفسه عاجزاً عن رؤيتها من جديد!
صار يخافها كما صارت تخافه وربما أكثر!!
وكيف لا وهو يرى في صراخها النافر آخر انهيار لحصونه؟!
أجل..
بعد كل ما عاشه في حياته نجح بأعجوبة في أن يبقى على الحافة الرفيعة محافظاً على توازنه..
والآن.. صارت هي اليد الناعمة - التي برغم هشاشتها- هي الوحيدة القادرة على دفعه للسقوط!

_لا! لن يحدث أبداً! سأنتصر في النهاية كعهدي.. ستعود كل الخيوط في يدي.. الأمر فقط يحتاج لصبر وتخطيط.. ولا ينقصني أحدهما.

يقولها لنفسه بصوت مسموع وهو يتوقف لاهث الأنفاس ليتحرك نحو الجدار القريب..
يسحب كرسياً ليجلس أمامه محاولاً استعادة صفاء ذهنه كعادته أمام الجدران المصمتة..
يفرد رقعة الشطرنج ليرص القطع ملاعباً نفسه كعهده لكن..

_أكرهك!

تدوي برأسه من جديد بصوتها كقذيفة تمنعه التركيز وتجعله يطيح ب(الملكين) معاً يسقطهما أرضاً قبل أن تطيح قبضته بعدها بالرقعة كلها وهو ينتفض واقفاً مكانه..
لكنه ما كاد يلتفت حتى فوجئ (بهما) أمامه!

تشحب ملامحه حد الموت وهو يميز ملامح الرجلين اللذين وقفا أمام الباب الداخلي للبيت..
كلاهما يحمل عنده ثأراً.. وعمراً.. وقصاص شرف!

_كيف عرفت بيتي؟!

ذكاؤه يدفعه للمماطلة بهذا السؤال وهو يحاول الاقتراب من مكان سلاحه الذي يخفيه..
يقولها ببرود متعمد كأنه يفسد عليه فرحته بمفاجأته في عقر بيته..
لكن حسام يتقدم منه بحذر مع فهد الذي بقي صامتاً وإن وشت ملامحه المشتعلة بما يعانيه من جحيم ماضيه..
قسوته الساخرة تلقي بالرد :
_إياد يبلغك السلام.

تتسع عينا (الكوبرا) بصدمة تحولت لغضب هادر وهو يشعر بالمزيد من الصدمة تكاد تورده للجنون..
خدعوه!!
إياد لا يزال حياً!!
متى أفلتت من يده كل الخيوط هكذا؟!!

_بشر كذلك يرسل لك تحياته مؤقتاً حتى يأتي ويبلغك إياها بنفسه.. أظنه هكذا رد لك الدين القديم.. هاهو ذا يفعلها مع إياد كما أجبرته على فعلها قديما مع (فجر)..

الاسم الأخير يشعل ما بقي من فتيل الأمان الظاهر لتنفجر القنبلة أخيراً في وجوه الجميع..
(فهمي) الذي ما كاد يسمع اسمها حتى انقض فوق حسام بحركة مفاجئة أفقدته توازنه ليسقط كلاهما أرضاَ لكنه صرخ بألم وهو يشعر بذراع فهد خلفه تطوق عنقه وهو يسحبه من فوق حسام بصرخة غاضبة طويلة، يقلبه على ظهره جاثماَ فوقه فيوجه له (الكوبرا) لكمة عنيفة تجعله يتحرك رغماَ عنه للوراء لكن فهد يحافظ على توازنه وهو يكبل ذراعيه بقوة لا تنقصه..
صراع قوة يثبت فيه كلاهما لدقائق وكل ما يحاول فهد فعله أن يبقيه هكذا تحته مكبلاً ذراعيه بكل قوته..
يطلق (الكوبرا) عدة صرخات متوعدة وهو يحاول التخلص منه.. لكن فهد يقيد ساقيه برجليه بنفس القوة..
يفكر في مناداة رجاله لكن ذكاءه يجعله يدرك أنها لن تزيده إلا ذلاً في موضعه هذا فما كان حسام وفهد ليصلا هنا إلا وقد تخلصا من الجميع بالخارج..

_تعرف كم انتظرت هذه اللحظة منذ سنوات أيها ال(...) ؟!

يهمس بها فهد من بين أسنانه وهو ينحني فوقه بوجهه غارساَ نظراته الحاقدة المشتعلة في عينيه..
لكن الكوبرا يتعمد استفزازه ليجد له نقطة ضعف تصلح لاختراقها فيهمس بابتسامة مستفزة ناسبت فجاجة عبارته الوقحة:
_وما ذنبي لو كانت الست (الوالدة) متفجرة الطاقات ولم يكن أبوك يكفيها؟! هي التي ..؟!

تنقطع عبارته بقبضة فهد التي هوت على فكه ورغم عنف الضربة لكنها كانت فرصة الكوبرا ليباغته فيحرر إحدى ذراعيه ليصفعه بطرف يده على عنقه..
يصرخ فهد بألم لكنه يتجاوزه بسرعة وهو يعيد السيطرة على الوضع بسرعة فيكيل للكوبرا عدة لكمات متتابعة أفقدته توازنه ليسقط رأسه ارضاَ شاعراً بالتشوش..
هنا يستخرج فهد من جيبه زجاجة من سائل حارق، نزع فوهتها ليلقي بعضاً منها علي سجادة الأرض القريبة فينصهر نسيجها بفوران مرعب..!!


تتصاعد رائحتها نفاذة بالمزيد من سحب الخوف فتتسع عينا الكوبرا ولا يزال عاجزاَ عن الحركة وهو يرى فهد يقربها ببطء من ذراعه حيث وشمه القبيح متمتماَ بصوت مرتجف:
_لولا بقية من عقل لقتلتك كما تستحق.. لكن أظن هذا يكفي ليشفي غليلي منك.

يطلق الكوبرا صرخة وجع رهيبة والسائل الحارق يسقط على أعلى ذراعه..
الألم الرهيب يكاد يذيب مخه وهو يشعر بمزيج من العجز والهوان.. يتلوى مكانه وهو يحاول كتمان صرخاته دون جدوى..
(الكوبرا) التي طالما تراقصت على ذراعه باذرة الخوف في العيون الآن تتلاشى.. تذوب..كأنها تختفي داخله هو.. تنهشه هو.. تغرس نابيها السامين في جوفه صارخة.. (ذق ما طبخته!)

ينهض فهد أخيراَ وهو يلقي ما بيده، يبصق على وجهه وهو يمسح الدم النازف من أنفه هاتفاً بسخرية حادة :
_نسيت ان أخبرك أن بتول قبل وفاتها - أقصد قتلها- أعطتنا الشريط الذي كنت تهددني به.. لو..

تنقطع عبارته وقد استغل الكوبرا الفرصة ليعرقل ساقه فيسقطه أرضاً بمهارة مقاتل خبير. . يغالب الأول ألمه بقوة وهو يحاول لكمه بذراعه السليم فيهوي فهد على رأسه بكلا قبضتيه بضربة عنيفة تفقده توازنه من جديد قبل أن يشعر بحسام يجذبه هاتفاً :
_يكفيك هذا.. دع ما بقي من حسابه لي!

يقولها وقد تمالك نفسه بأعجوبة منذ بدأ الصراع كي يمنح فهد فرصته في نيل بعض ثأره من هذا الوغد..

_أين فجر؟!
يصرخ بها حسام هادراً كأنه ضج بفرط صبره وهو يجذب (فهمي) نحوه ليوقفه أمامه فيترنح الأخير وهو يتجاهل الألم الرهيب في ذراعه بل وكل جسده متمتماَ بابتسامة باردة :
_لن تعرف أبداً.. حتى لو قتلتني!

يقولها وهو يستغل إصابة كتف حسام ليهوي بقبضته العنيفة فوقها فيصرخ حسام بألم وهو يشعر بالدم يتفجر من جديد من إصابته الطازجة.. يكاد فهد يتدخل لكن حسام يصرخ به وهو يعاود انقضاضه على الكوبرا :
_لا تقترب.. دعه لي.

كلاهما الآن يدور حول الآخر بحذر مدركاَ نقطة ضعفه..
يستغل الكوبرا ذكاءه كعهده وهو يتعمد جذب حسام لنقطة بعينها محافظاَ على مسافة بعيدة نسبياً ..
هذا الذي نجح في فعله وهو يتظاهر بالتعثر ليسقط لكنه يقف بسرعة مدهشة وهو يحمل سلاحاً استخرجه بسرعة من مخبئه..
هذا الذي رفعه في وجه حسام هاتفاَ بين انفاسه اللاهثة:
_تظنني فهمي القديم الذي يمكنكم حرمانه منها؟! الذي سيتركها لكم فقط لأنكم تريدون هذا؟! فجر لي.. لي أنا.. رغماَ عن أنفك وأنف الجميع.. وسأسحق كل ما ومن يقف بيني وبينها!

يطلق رصاصة واحدة يتفاداها حسام بخبرة تليق به وهو ينحني برأسه قبل ان يندفع بمنتهى السرعة نحو الكوبرا في مخاطرة جريئة لينازعه على سلاحه.. عدة رصاصات طائشة تصيب السقف والجدران قبل أن ينجح حسام أخيراَ في السيطرة على السلاح الذي هوى بكعبه على فك الكوبرا قبل أن يلقيه بعيداً، ليطلق الأخير صرخة ألم وهو يتراجع للخلف فيدفعه حسام نحو الحائط القريب يلصقه به..
كلاهما يلهث بقوة وهو يتحمل ألماَ يفوق قدرة البشر في هذه اللحظة..
يستخرج حسام من جيبه مدية حادة يرفعها في وجهه متمتماَ بين أنفاسه اللاهثة:
_ستعترف أيها الحقير.. ستعترف بكل شيء..

يطلق الكوبرا صوتاَ مستهزئاَ يناقض هيئته المستنزَفة وهو يكاد يسقط مكانه متمتماَ ببرود :
_ولو قطعتني ألف قطعة لن أعترف لك بمكانها.. مادامت لن تكون لي فلن تعود إليكم..
ثم تقسو نظراته وهو يردف بنبرة تشتعل رويداَ رويداً :
_أنا التقطتها بعد الحادث الذي دبرته كي أنتقم منكم.. لم اكن أعرف أنها معهم.. لكن النتيجة واحدة.. أنها معي! حافظت عليها طوال هذه السنوات أشوش عقلها كي لا تتذكر ما فعلتوه بنا..
_نحن من فعلنا يا (...) ؟!
يطلق حسام سبة بذيئة مع هتافه المستنكر وهو يخبط دماغ الرجل في الحائط خلفه بقوة فيطلق الكوبرا صرخة متوجعة وهو يشعر أنه يكاد يفقد وعيه ألماَ عندما هوى حسام بالمدية نحو بطنه هامساً :
_هذه لأجل ديمة!

تتسع عينا الكوبرا من فرط الألم لكنه يكتم صرخاته وحسام يهوي من جديد بالمدية على وجهه مشوهاَ ملامحه :
_وهذه لأجل عائلتي..
ثم يرفعها من جديد لأعلى باستطراده الشرس:
_وهذه لأجل فجر.. حرفياَ (العين بالعين)!

يقولها وهو يهوي بالمدية نحو..
عينيه!!

_حسام!

الصرخة الهادرة توقفه في اللحظة الأخيرة وهو يسمعها بصوت بشر الذي ظهر وبرفقته مجموعة من رجاله ليتراجع حسام وهو يرى رجال بشر يطوقون الكوبرا ليحكموا السيطرة عليه فيتفحصه بشر مميزاً حرق ذراعه والجروح التي نالته مما جعله يسحب حسام الذي لم يكن أفضل حالاَ والدماء تنزف من جرح كتفه لينزوي به جانباَ متمتماَ بغضب لم يعرفه من قبل:
_ماذا فعلت؟! هل تظننا في غابة؟!
_الجواب إجباري؟!
يتمتم بها حسام ساخراَ بمرارة منحت كلامه المغزي المطلوب ليلوح بشر بكفه قائلاً:
_ماذا تركنا لهم إذن؟!
يشيح حسام بوجهه فيردف بشر وهو يتطلع نحو فهد الذي انضم إليهما بقوله الغاضب:
_لماذا تسرعتما ؟! كدتما تفسدان كل شيء!! كان سيسقط في أيدينا لا محالة!!
_كنت تظنني سأقف متفرجاً على ذاك الوغد بعد كل مافعله.. خذوا منه حقكم كيف شئتم.. لكن ثأري معه شان آخر!
يتمتم بها حسام بحدة ناقضت وهن جسده بعد الدماء التي فقدها ليسنده فهد داعماً وهو يواجه بشر بقوله :
_لم نكن سنقتله ولو أنه يستحق.. كنا فقط..
_كفى!
يقاطعه بها بشر بصرامة وهو يرى رجاله يحملون الكوبرا الذي فقد وعيه في سيارة الإسعاف التي وصلت لتوها مردفاً بحسم :
_انقطعت صلتكما بالقضية من هذه اللحظة..! هو الآن لنا.
_مستحيل! ليس قبل أن أعرف مكان فجر!
يتمتم بها حسام بما بدا كالهذيان وهو يكاد يسقط مكانه فيهم بشر برد عنيف عليه لولا مراعاة حالته فيكتفي بزفرة مشتعلة وهو يتابع سيارة الإسعاف التي تحركت بالكوبرا تحت حراسة مشددة..
والسؤال يفرض نفسه..
هل انتهى الأمر حقاً؟!
هل انتهى خطر ذاك الوغد؟!
أم لا تزال هناك جولة أخيرة؟!
=======








_هرب؟!
يصرخ بها حسام بغضب وهو يواجه بشر الذي وقف جامد الملامح في مكان لقائهما ليردف وهو يقترب منه بانفعال:
_كيف تركته يهرب من المشفى؟! كيف؟! كيف؟!

_اهدأ!
يشير له بشر ملوحاَ بكفيه قبل ان يقول توتر :
_أنا احتملت المخاطرة.. لأجل ابنة عمك.

ينعقد حاجبا حسام وهو يحاول الفهم ليردف صاحبه بانفعال:
_الوغد مهووس بها.. لم يكذب حين قال إنه لن يخبر أحداَ عن مكانها حتى لو قطعناه إرباَ إرباً.. لو كان الأمر يخص قضيتي فقط لاكتفيت بما سأناله منه من معلومات عن ذاك التنظيم هانئاَ بنجاح مهمتي وإسقاط ذراع تلك الشبكة في مصر.. لكنني فعلتها لأجل فجر.

يزم حسام شفتيه محاولاً تمالك غضبه وهو يسأله بصوت ارجفه انفعاله:
_تعني أنك أرخيت له الحبل كي يهرب فتتبعه؟!
يومئ بشر برأسه موافقاَ بقوله:
_هو يظن أنه قد خدعنا بالتواصل مع أحد رجاله خارج المشفى.. نحن يسرنا له الأمور حتى هرب بخطة - أعترف- انها كانت شديدة الذكاء والتعقيد.. وهو الآن تحت سيطرة مراقبتنا.

لم يكد يتم عبارته حتى صدح رنين جهاز اتصال خاص في جيبه..
هذا الذي فتحه ليستمع قليلاً قبل أن يحمر وجهه حد الاشتعال وهو يغلق الاتصال بصرخته:
_اللعنة!

_قل إنه هرب منكم.. قلها وسأقتلك وأقتلكم كلكم!
يصرخ بها حسام بنفاد صبر وهو يمسكه من ياقة قميصه ليدفعه بشر بعصبية مماثلة وهو يصرخ فيه بدوره :
_تظننا كنا نلعب؟! أنا لم أذق النوم من ثلاثة أيام.. هذه القضية تساوي عمري كله.. أنت تسعى خلف قريبتك.. وأنا في رقبتي عدد من الأرواح لا يمكنني عدها سيزهقها ذاك الوغد لو أفلت من يدي!

يدور حسام حول نفسه بمزيج من غضب وعجز وهو لا يستطيع التصور أنه سيعود لنقطة الصفر من جديد!!
كيف سيجد ذاك المجرم؟!
كيف وقد صار كإبرة في كوم قش؟!

اليأس يلبي غمامه فوق كليهما وهما يطرقان بوجهيهما في أسى بينما يخبره بشر كيف تمكن الكوبرا بذكاء من الإفلات من مراقبة رجاله، بل كيف اكتشف جهاز التتبع الصغير الذي زرعوه بين ضماداته واثقين أنه لن ينتبه له.. لكنه فعل!

_هل سنستسلم ؟! هكذا؟! هكذا انتهى كل شيء؟!
يهتف بها حسام بحدة وهو يشعر برغبة عارمة في تحطيم كل ما حوله..
ليردف بشر بحدة مشابهة:
_الوغد لن يعود أبداً لعائلته ولن يمكننا الضغط عليه بأي منهم فمن الواضح انه لا يهتم.. ليس له أي نقاط ضعف.. ولم يبقَ لنا خيط آخر نتتبعه منه.. فقط لو حاول الهرب جواً أو بحراً أو حتى براً يمكننا ساعتها أن نوزع نشرة بأوصافه ونمنعه من السفر.. لكن متى سيلجأ لهذا الحل؟! وحتى وقتها ما الذي يمكن لمجنون مثله أن يفعله؟!

يزداد انعقاد حاجبي حسام محاولاً تجلية ذهنه..
لا يمكنه الإفراط كثيراً في لوم بشر فما فعلها إلا لأجل فجر!
لكن.. ماذا بوسعه الآن ان يصنع؟!

صوت رنين هاتفه يقاطعه فتتأهب حواسه وهو يميز رقم المتصل..
(عاصي الرفاعي)
لماذا يتصل عاصي الآن؟!

_اطمئن.. لم نفقد أثره..

كعهده كلماته مقتضبة.. مسيطرة.. واثقة.. لكنه لم يكرهها في هذه اللحظة وهو يسمعه يردف :
_كنت أراقب الوضع من بعيد كما وعدتك.. لم يقصر رجال السيد بشر لكن خبرة رجل كهذا لا تضاهيها إلا خبرة واحد دخل هذا العالم من قبل ويعرف مسالكه.. لا يفلّ الحديد إلا الحديد والحقيقة ان نزار - أخا إياد - ساعدني كثيراً..

_تعرف مكانه؟!
يرتجف بها صوت حسام بنفاد صبر وقد صار عاجزاً عن سماع المزيد ليرد عاصي بحسم :
_هو لك.
=======








_عدت؟!
لسانها يغافلها بها وهي تنتفض مكانها عندما شعرت بوجوده..
فيصلها صوته مهزوماً كما لم تسمعه من قبل :
_للمرة الأخيرة أقولها.. (لمن سواك أعود)!
يرتجف قلبها بشعور كرهته وهي تميز رائحة الخوف الحزين في صوته..
ألا يزال هناك متسع لشفقة على من هو مثله؟!
ربما ليست مجرد شفقة.. لعلها لا تزال تحبه؟!

_لماذا؟!
تهز رأسها بسؤالها عبر بركتين من الدموع وهي لا تعرف عن أي شيء تسأل..
فتردف بزفرة حارقة:
_لماذا صرت هكذا؟!
لكنه يقترب منها أكثر بجوابه :
_لأنني فهمت الدنيا بأكثر مما فعلتِ أنتِ.. لأنني اخترت الطريق الذي يناسبني.. لأنني أردت أن أثبت لكِ وللجميع ولنفسي أنني جدير بالسطوة وأنهم كلهم كانوا مخطئين عندما همشوا دوري.
صوته يزداد انفعالاً مع كل خطوة يقتربها منها فتزداد هي خوفاِ وهي تسمع صراخه :
_لماذا كسرتِ العود؟!
تنكمش على نفسها وهي تتذكر ما فعلته بالعود الذي تركه لها قبل رحيله..
مجنون هذا؟!
أي عزف يريدها أن تؤديه وسط هذه المأساة؟!
ألا تزال تسأل عن جنونه؟!

تسمعه يحطم الأشياء في غرفتها مع صرخاته الغاضبة فتزداد انكماشاَ على نفسها وهي تكتم شهقات بكائها..
تشعر به يقترب فتبتعد عفوياً رغم يقينها انه لن يؤذيها!

_لماذا قلتِ أنك تخافين مني ؟! لماذا جعلتِني أشعر بالخوف؟! أنتِ من هزمتِني قبل أن يفعلوا هم! أنتِ من غرستِ الضعف بقلبي!

_بل أنت من كتبت نهايتنا معاَ عندما اخترت هذا الطريق.. كنت مستعدة أن أحارب الدنيا كلها معك.. أن أنتظرك حتى آخر العمر.. أن أراهن على ما بقي مني ومنك بكل ما أملك.. لكنك أنت.. أنت قتلتنا معاً!

شهقات بكائها تقذفه بالمزيد من الحمم ولأول مرة في حياته يشعر بكل هذا العجز!
هل مات الكوبرا حقاً بعدما طمسوا وشمه على ذراعه؟!
هل عاد فهمي الضعيف الذي لا يعرف ماذا يصنع معها؟!
هل يحملها على كتفيه ويركض بها بعيداَ.. يهرب بها من كل من يريدون حرمانه منها؟!
أم يبقى هنا معها حتى يموت أحدهما في كنف صاحبه فيرضى بها هي وحدها النهاية كما كانت البداية؟!

والقدر يعصمه شقاء الاختيار فيمنحه الخلاص والهلاك في آن واحد!!
أجل.. الآن وهو يسمع صوت سارينة الشرطة بالخارج مع أصوات تبادل إطلاق النار بالخارج يدرك أنها حقاً.. النهاية!!
عثروا عليه إذن!!

_ماذا يحدث؟!
تصرخ بها فجر برعب وهي تسمع صوت إطلاق النار لا تعرف من يفعلها!
فيتحرك نحو النافذة القريبة يفتحها لينعقد حاجباه بشدة وهو يميز المعركة الدائرة بالخارج..
لن يصمد رجاله مع كثرة عددهم..
هو الخاسر!

يضحك ضحكة طويلة جعلته يبدو كمجنون حقيقي وهو يعاود الاقتراب منها قائلاً :
_تسمعين؟! جاءوا ليأخذوكِ مني؟! جاءوا ليعيدوا التاريخ؟؟! لينتزعوكِ من بين ذراعيّ وأنا أقف متفرجاَ عاجزاً أرى قلبي يتمزق وأنا عاجز حتى عن الصراخ!! لكن هيهات.. لن أعيش هذه اللحظة من جديد أبداً.. أبداً.. أبداً..

صرخاته تعلو تباعاً فتنتفض مكانها مرتعبة وهي تراه يجذب كفها!!
مجرد تلامس زلزلهما معاً!!
لأول مرة منذ سنوات تشعر هي بهذه " النار" التي تسري على جلده..
ويشعر هو بهذا " النعيم" الذي حرمه على نفسه..

_الآن أسمح لكِ بلمسي.. الآن وقد حانت النهاية! نهاية عظيم مثلي لن يكتبها غيري! أنا.. وأنتِ!

ترتجف وهي تشعر بالجسم المعدني البارد الذي لا تفهم ماهيته يلامس كفها فتصرخ محاولة نفضه لكنه يصرخ بها آمراً :
_اضغطي الزناد.
_لا!
_اقتليني! أليس هذا ثأركِ؟!
_وأصير مجرمة ؟! لا.. لا..
_ولماذا صرت أنا مجرماً؟! افعليها.. افعليها..
_لا.. لا..
لا تزال تصرخ بها رافضة وجسدها كله ينتفض لكنه يحكم السيطرة عليها.. يضغط كفه على كفها..
يجبرها أن تضغط الزناد لتنطلق الرصاصة كما أراد نحو صدره!!

_لا.. لا.. فهمي.. لا..

تصرخ بها بانهيار وهي تشعر به يسقط فتسقط معه..
_لم يهزموني.. أنا من انتصرت.. أنا من كتبت نهايتي.. بيدكِ أنت..انت لا غيرك ...انت وانا ..دوما انت ..وانا ..
شهقاته قوية لكنها تفضح وهن روحه في هذه اللحظة وهو يشعر بها تضمه لصدرها هاتفة بين دموعها:
_لا تفعل بي هذا.. لا تجعل النهاية تأتي هكذا.
_هكذا أكون قد أخذت لكِ بثأرك من كل من آذوكِ.. كلهم.. وآخرهم أنا! ....راضية؟!
تنهار باكية وهي تشعر به يتشبث بها بين ذراعيه فتهتف باسمه دون وعي وهي تهز رأسها بعجز.. فيردف بين أنفاسه المتقطعة:
_اليوم بالذات لم أخلع نعلي علي بابك.. جئتك بكل دنسي معترفاً مستغفراً.. اليوم لا أبالي لو تلطخ ثوبك بدمي بعدما حرصت على بياضه طوال هذه السنوات..
_فهمي!
لا تزال تكرر اسمه بعاطفة لا تعرف لها مسمى!
طوال هذه السنوات وقد تموه دوره بين (الحارس) و(السجان) فلما عادت إليها ذاكرتها وجدت القلب يتوه بين ماضيه وحاضره..!!
فيبتسم وسط أناته المتألمة.. يتكلم بسرعة كانه يخشى ان يباغته الموت قبل أن يبوح بها :
_بعد كل هذا العمر أنتِ الوحيدة التي تمكنت من هجاء اسمي بطريقة صحيحة ..هذا التمثال العظيم الذي بنيته انت داخلي لم اكن لاسمح ان يكسره احد غيرك..لم يعد هناك وشم كوبرا على ذراعي يرهبكِ فعانقيني ولا تخافي.. وجهي مليئ بالندوب لكن لن تراها عيناكِ.. قولي أنك راضية! أنكِ أحببتِ هذه النهاية.. فلا غيرها يليق برجل أحبك كل هذا الحب وأذاقك كل هذا العذاب.. لا غيرها يليق.

تنقطع كلماته مع أنفاسه ورأسه يسقط على صدرها فتصرخ بلوعة وهي تشعر أنها الآن تراه وسط كل هذه الظلمة..
قاربٌ بعيد غرها بالسفر فلم يزدها العوم خلفه إلا غرقاَ!!

_فجر!

تسمع صوت حسام الذي اقتحم الغرفة لتوه..
صوته الذي لم تغيره السنوات يمنحها من الأمان ما يعيد الخفقات لصدرها..
يقترب منها بسرعة ليستكشف الجثمان الغارق في دمه بين ذراعيها..
يخلصها منه ليتفحصها بعينيه بسرعة يتأكد من سلامتها..
تغيرت ملامحها قليلاً بفعل السنين إنما لا تزال براءة هالتها حاضرة كما عهدها..
يجذبها بين ذراعيه بقوة حانية وهو يشعر أنه يشهد معجزة عودتها للحياة هامساَ :
_أنا حسام يا حبيبتي.. لا تخافي.. لا تخافي.. انتهي الكابوس.. أنتِ الآن آمنة.
فتغمض عينيها وكأنها ستشكل فارقاَ!!
وكأنها لو فعلت فلن ترى الظلمة حولها ملطخة بالدم!

تسمع صوت سارينة الإسعاف لكن الصوت يتوه..
يتشوش في عقلها ويختلط بصوت عود قديم.. مات صاحبه بعدما كسره في قلبها!
هو صوت المأساة عندما تبدأ ب(أمل) وتنتهي ب(ألم)
صوت العمر عندما يترنح بين (حبو رضيع) و (بوح عجوز)..
صوت القلب عندما يوصد الأبواب كلها آمناً فيأتيه الغدر من تحت أعتابها..
صوت بنكهة الحب والكراهية والحياة والموت والأمن والخوف لو كان لكل هؤلاء أن يجتمعوا يوماَ معاَ!
========
انتهى الفصل الثامن والأربعون


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-03-22, 12:55 AM   #3657

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

الطيف التاسع والأربعون
=======
*أحمر*
========
_لازال حياً!

تهتف بها هبة بفرحة وهي تستمع ليسرا التي جلست معها في حديقة قصر الصباحي.. والتي قالت بصراحة:
_كان متهماَ بالانضمام لتنظيم إرهابي.. لفقوا موته كي يخدعوهم ويمنعوهم من إيذائه خاصة وقد أعلن استعداده للاعتراف بكل ما يعلمه وهو ما سيحسن وضعه كثيراَ في القضية.. لكنه سيبقى في السجن فترة على أي حال.

تتلون ملامح هبة بين ارتياح لكونه لا يزال حياَ وضيق مما عرفته تتمتم :
_تنظيم إرهابي؟! لهذه الدرجة؟!
فتربت يسرا على كتفها قائلة :
_ربما لو كنت أنا واحدة أخرى لشاركتك الحكم السيئ عليه لكنني صرت أوقن أن الواقف على البر لا يمكنه أبداً الحكم على من يصارع الموج.
_ابن (أبلة خديجة) الست الناظرة مجرم؟!
تتمتم بها هبة ولا تزال تحت تأثير صدمتها فترد يسرا بشرود وهي تراقب العمال الذين يعملون على قدم وساق في واجهة البيت :
_بالله لا تحكمي بهذه الطريقة.. تعلمي شيئاً من قصتي.
_أمركِ مختلف!
تقولها هبة بعناد وهي تعدل وضع نظارتها فوق أنفها..
تهز كتفيها لتنفض عنها مشاعرها المختلطة قائلة بصوت مرتجف:
_أظنني هكذا قد انتهيت من قصته.. هداه الله لأمه وفك سجنه!

_تذكرينني بإبراهيم!
تتمتم بها يسرا بابتسامة عاتبة فتتجاوز هبة الحديث متعمدة وهي تشير للعمال حولهما قائلة :
_هل تجرين تعديلات في البيت؟!
_نعم.. تعديلات.. بسيطة.
تقولها يسرا بغموض وابتسامة هادئة تعرف طريقها لشفتيها..
ابتسامة تبدو وكأنها تنبع من قلبها حقاً!
هاهي ذي لم تجد الطريق فحسب بل صارت تركض فيه ركضاَ مسترشدة بضيّ قلبها..
ضي يبزغ من إيمان.. ويقين.. ورغبة عارمة في السعي!

_سامي!
تفتح له ذراعيها وهي تراه قادماً من بعيد مع سندس حيث يقيمان في الملحق الخارجي للبيت مؤقتاً حتى ينتهي العمال من عملهم..
_شفيت ذراعك..صرتِ قادرة على ان تحتضينني بكلتا ذراعيكِ!

يقولها الصغير بمرح وهو يعانقها فتضحك وهي تقبل وجنتيه قائلة:
_بل بقلبي.. دوماَ أعانقك بقلبي!
_ياللدلال!!
تقولها سندس بضحكة رائقة وهي تقبل رأس يسرا التي جذبت ذراعها برفق لتجلسها جوارها قائلة :
_تعالي وخذي نصيبك من الدلال يا طويلة اللسان!

ترمقهم هبة بنظرة راضية وهي تشعر أن يسرا وجدت عائلة حقيقية.. وكذلك سندس وشقيقها!!
سبحان من يدبر الأمر فقضى بحكمه أن يجعل لكل منهما حاجة عند الآخر..

_آه كدت أنسى! خالي ربيع يرسل لك هذه..
تقولها هبة وهي تستخرج من حقيبتها الكبيرة حزمة نعناع خضراء.. فتضحك سندس وهي تشير حولها قائلة :
_وهل تحتاج وسط الجنة هذه لحزمة نعناع؟!
تخبطها يسرا على مؤخرة رأسها بخفة زاجرة لتهتف بحرارة :
_هدية ابي تساوي الدنيا كلها!
_طيب! سأعد أنا الشاي.. لا.. لا.. بل أجلس مستريحة وأنتظر الخادمة.
تهتف بها سندس باسترخاء وهي تعود بظهرها للخلف في كرسيها لتهتف هبة مستنكرة :
_قومي يا بنت! صدقتِ نفسك؟!
_من يجد الدلال ولا يتدلل يكون سفيهاَ..
تقولها سندس بنفس المرح وهي تتمطأ مكانها فيقفز سامي ليقف على قدميه قائلاَ :
_انا سأعد الشاي.
يركض نحو الداخل فتركض سندس خلفه هاتفة :
_تعال يا ولد.. قد تكسر شيئاَ.

تراقبهما يسرا مبتسمة وهي تشعر أن القدر كان كريماً معها إلى أبعد حد..
سعيدة بل شديدة السعادة بهذه الحياة الجديدة التي تفتح لها ذراعيها..!
قد تكون قد خسرت (قلباً عاشقاً) لإبراهيم لكنها كسبت قلوباً كثيرة تبادلها الود..
قلوب ترجو أن يرزقها الله نعمة الإخلاص فتزداد حولها يوماَ بعد يوم!

_لو رأيتِ كيف كان إبراهيم ينظر إليها عندما أعطاني إياها خالي!
تقاطع بها هبة أفكارها لتلتفت نحوها بلهفة فتبتسم هبة بإشفاق مردفة:
_كأنه كان يحسدها!

تضم يسرا جسدها بذراعيها كأنما تحتوي رجفة قلبها..
كل ذرة فيها تفضح اشتياقاَ كاسحاَ رغم يأسها من عودته!
فتتنهد هبة قائلة :
_هو يسألني عنك في كل مرة أعود فيها من عندك.. لا يفعلها مباشرة بل يتعمد اللف والدوران حتى تأتي سيرتك.. تعرفين أنه أغلق شقتكما التي كنتما تسكنان فيها بعد ما حدث؟! بالأمس رأيته يفتحها خلسة.. لو رأيتِ نظرة عينيه وهما تطوقان المكان قبل أن يغلق الباب خلفه؟!! توجع القلب!

فتدمع عينا يسرا وهي تطرق برأسها قائلة:
_هو ألقاها في وجهي صريحة.. قد يتفهم (يسرا).. قد يسامحها..لكنه أبداً لن يحبها!

فتهز هبة رأسها نافية لتقول بيقين:
_بل هو أحب يسرا.. أحبها في (وجه) واحد رآه باسم (سمرا) .. وبقي فقط أن يرى بقية وجوهها.

_أخبرك سراً؟!
تتمتم بها يسرا بلوعة ولا تزال تحتضن جسدها لتردف مغمضة عينيها:
_تعرفين كم ليلة مرت عليّ تمنيت فيها عودته؟! كم ليلة انتظرته؟! كم ليلة منعت فيها نفسي بصعوبة من الذهاب إليه؟! ومنذ ليلتين فقط كففت عن فعلها!
تقولها لتفتح عينيها الدامعتين باستطرادها :
_يأسي منه فجّر داخلي طاقة جديدة.. صرت أثق أنه لن يعود ل(يسرا).. لكن يكفيني أن يسرا عادت لنفسها.. لا أخفيكِ أنني كثيراَ أخاف خاصة بعد وفاة أمي.. أخاف أن أنتكس.. ان تغلبني نفسي.. أن تغرر بي زيارة إحداهن من الرفيقات القديمات.. أو تزيغ عيني بخبر أعرفه.. أو أحن للهروب من كل هذا ببضعة أقراص!! أخاف حتى أنني أحياناَ كنت أغلق عليّ باب غرفتي وألقي مفتاحها من النافذة كي أقطع على نفسي طريق الخروج! لكنني أعود لأتذكر عطايا الله في كل ما حولي.. أدرك أن السلوى الحقيقية في الأنس به.. أستشعر معيته.. أتلمس رضاه.. أوقن انه يحبني لهذا هداني لما صرت إليه.. وأثق أنه أبداَ لن يضيعني.

تدمع عينا هبة بفخر وهي تنهض من مكانها لتقبل رأسها باعتزاز قائلة :
_إياكِ أن تظني أنك وحدك.. كلنا معك.. أنا وخالي ربيع.. وسندس وسامي والحرافيش.. بل وكل أهل الحي الذين ما عادوا يذكرون اسمك إلا بكل خير.

تبتسم يسرا برضا وهي ترى سندس قد عادت بالشاي لتضع لها الكوب أمامها..
فتتسع ابتسامتها بشرود وهي تتناول - بنفسها- ورقة نعناع خضراء تضيفها للشاي وقد أدركت أنه أحياناً قد نمنح نحن السعادة لأنفسنا عندما نملك القدرة على التغيير..
عطايا الآخرين لذيذة المذاق بنكهة التلقي والدلال..
لكن عطايانا لأنفسنا ألذ بنكهة القوة.. الاستغناء.. وفرض الكينونة!
======













*أزرق*
=======
_توأم؟!!
تهتف بها جنة باستنكار وهي تستلقي على فراش الكشف بغرفة الطبيبة التي فحصتها لتوها فتبتسم الطبيبة قائلة:
_نعم.. واضح جداً.. مبارك!

_لا.. لا.. لا.. هناك خطا! أعيدي الكشف! حمل ؟!! وتوأم أيضاَ ؟!! كيف؟!! أنا أستخدم وسيلة لمنع الحمل!
تهتف بها بانفعال احمر له وجهها فتتنحنح الطبيبة بحرج قائلة :
_عادي! هذه الأشياء تحدث!
تعدل ثيابها وهي تنهض مكانها فيطلق فهد ضحكة شامتة وهو يهتف بها :
_دعوة واستجاب لها ربي! منذ رأيت توام ماسة وانا تمنيتها!
_وأنا مالي؟!!
تهتف بها مصدومة بنفس الانفعال المستنكر لتردف وهي تتوجه نحوه بحدة :
_أنت تتمنى وأنا أحمل وألد اثنين!! اثنين!! أنا بالكاد أقدر على ابنتك!!
يضحك مستمتعاَ بثورتها لتقترب منه اكثر مردفة :
_انت تعمدت هذا!! اعترف!!
_وهل هناك تعمد في اشياء كهذه؟!
يتراقص بها حاجباه بمكر فتطلق صيحة مغتاظة وهي تلكمه بخفة في كتفه صارخة :
_نعم.. تذكر تلك الليالي السابقة عندما كنت..
يكتم بقية حديثها بكفه ويكتم معها ضحكته وقد بدت وكأنها بعصبيتها المعهودة نست الزمان والمكان..
بينما عادت الطبيبة تتنحنح من جديد لتقول بحرج :
_ساكتب لكِ بعض الفيتامينات.. وتعاودين زيارتي بعد أسبوعين لنطمئن على (الجنين).. أقصد.. الاثنين!

تكز جنة على اسنانها بقوة وهي تنتزع منها الورقة التي كتبتها ببعض العنف.. تسمعها تلقي لها بالمزيد من النصائح كأنها المرة الأولى!!
لتغادر الغرفة كقذيفة يلحقها فهد الذي بدا عاجزاَ عن التحكم في ضحكاته وهو يهبط خلفها السلم ركضاَ بقوله :

_تمهلي يا أم (الاثنين)!

تلتفت نحوه بنظرة مغتاظة فيلف ذراعه على كتفيها وهو يسير بها نحو سيارته، يفتح لها الباب لتجلس مكانها مصدومة قبل أن ينطلق هو بالسيارة..
يضحك فجأة ضحكة طويلة تستفزها أكثر فتلتفت نحوه هاتفة :
_تعرف لو..
_تعرفين أنتِ كم افتقدت وهج البندق هذا في عينيك؟!
يقاطع بها عبارتها فتطلق زفرة قصيرة وهي تحيط وجهها بكفيها..
يتهدل كتفاها واشيين ببكاء خافت فيوقف السيارة ليضمها إليه برقة، يزيح كفيها عن وجهها ليقبل وجنتها برقة قائلاً :
_أعرف فيما تفكرين..(الأستاذة) مدمنة التخطيط ترهبها المفاجآت.
_أنا لست مستعدة..
تهتف بها بين دموعها وهي تتحسس بطنها مردفة:
_أنا بالكاد التقطت أنفاسي بعدما خضعت (لوكا) للعلاج وصارت تتكلم بطريقة طبيعية.. المكتب مزدحم بالقضايا.. وكلانا لا يزال مرهقاَ بعد قضية الكوبرا الأخيرة وضغط الأعصاب الذي عشناه.. كيف أجد نفسي فجأة هكذا أستعد لحِمل جديد؟؟
_اثنين!!
يشير بها بسبابته ووسطاه مغيظاَ لتطلق صيحة غاضبة تحولت رغماَ عنها لابتسامة وهي تراه يقبل وجنتيها من جديد قائلاً :
_ولماذا تحسبينها هكذا؟! لماذا لا تقولين انها هدية الله لنا بعد توتر الأيام السابقة؟؟ ومنذ متى تركتك انا تعانين وحدك؟! لا تحملي هماً.. نحن معاً سنتدبر كل شيء!
حنانه المرح يهزمها فتتنهد بحرارة وهي تعاود تلمس بطنها فيبسط راحته على كفها مردفاً بعاطفة هادرة :
_لم أستطع عيش هذه المرحلة معك أيام حملك في (ملك).. الآن أشهدها معك من البداية.. تعرفين قيمة هذا عندي؟!

تدمع عيناها وهي تفاجئه بان تضم رأسه لصدرها هامسة :
_أنا أسفة.. بالغت في انفعالي.
فيضحك وهو يقرص وجنتها بخفة قائلاَ :
_لا.. لا.. أبداً.. تعرفين كيف أتلقى اعتذاراتك..أنتظر اعتذاراَ خاصاَ بطريقتنا.
يغمزها بها عابثاَ لتمط شفتيها وهي ترد له بضاعته تقول ببراءة مصطنعة:
_كنت أتمنى! لكنك سمعت نصائح الطبيبة! (اعتذاراتي الخاصة) قد تشكل خطراَ على الجنين.. أقصد.. الاثنين!
تقلد حركته وهي ترفع سبابتها ووسطاها في وجهه فيطلق ضحكة عالية وهو يغمزها بقوله:
_لا بأس.. أنا (أب) مُضحٍّ.. شمعة تحترق لأجل اطفالي!

تلكزه في خاصرته وهي تتناول هاتفه ليطلق زفرة مصطنعة بقوله:
_وهاقد بدأنا حملة التفتيش! استر يارب!
_ششش! هاتفي فرغ شحنه.. أحتاج الاتصال ب..
تقطع عبارتها وهي تميز الرقم أمامها على سجل الاتصالات لإحدى الشخصيات المهمة ذات النفوذ الكبير من أصدقاء أبيه السابقين.. لتغمغم بتوجس:
_ظننتك قطعت علاقتك بكل هؤلاء!
فيرد فهد بزفرة قصيرة وهو يتناول منها الهاتف ليعيده لجيبه قائلاً :
_لعلها آخر مرة ألجأ لهذا! كما وعدتك وعاهدت نفسي.. سيبقى أمر ذاك الكوبرا بيننا ولن يصل الخبر لعائلته..سيعتقدون أنه مات في حادث على الطريق.. القضية ستغلق بشكل نهائي هكذا خاصة بعد اعترافات إياد التي ساعدت كثيراَ في الإيقاع ببقية أفراد التنظيم في مصر.
_دعني أنا أخبر رؤى أولاً قبل أن يصلهم الأمر.. أثق أنها ستحفظ السر.
يهز لها رأسه موافقاً ليغمغم بشرود :
_لا تعرفين قدر ارتياحي ان انتهى الأمر هكذا.. لعل فعلتي هذه تشفع للذنب القديم!
تربت على كفه بمزيج من عاطفة وفخر..
لتغمغم بتردد:
_بمناسبة (التوأم).. أفكر في شيء أظنك ستوافقني عليه!
فيبتسم وقد قرأ أفكارها ليلتفت نحوها مردفاَ بمزيج من غموض ومكر :
_أظنني أعرفه! وأفكر منذ فترة كيف أسعى إليه!
==========










يقود إبراهيم سيارته شارداً وقد انتهى لتوه من توصيل (الزبون) الأخير، يتابع شاشة هاتفه منتظراً تلقي الأمر الجديد بخصوص المشوار القادم..
يتوجه نحو المكان المطلوب وهو يتبين أن وجهة صاحبه في تلك المنطقة حيث قصر الصباحي!
متى صارت هكذا كل مشاوير عمله تذهب به حول ذاك المكان؟!
أم أنه هو الذي صار متحسساً من كل ما يذكره بها؟!

يتوقف حيث يفترض ان يلتقط (الزبون).. يتصل به ليخبره عن مكانه فتتجمد ملامحه وهو يرى فهد أمامه!

_أنت ؟!
يتمتم بها مصدوماً وهو يرى فهد يستقل السيارة جواره مبتسماَ بقوله :
_فرصة سعيدة!

يحمر وجهه بانفعاله وهو يتذكر آخر مرة رآه فيها في بيت حسام..
تشتعل الدماء في عروقه وهو يميز الوجهة التي أشارت لها الشاشة حيث موقع بيت الصباحي ليهتف به بحدة فضحت غيرة لم يملكها:
_لماذا تريد الذهاب هناك؟! هل عاودت اتصالك بها؟!
لكن فهد يراعي غيرته وهو يرد بهدوء :
_لن أذهب وحدي.. سنذهب معاً.. أريد أن أريك شيئاً.
يفتح إبراهيم الباب المجاور لفهد هاتفاً بحدة :
_انزل.
_لهذا بالضبط تعمدت أن أقابلك هكذا.. اعتبرني مجرد (زبون) ستحمله لوجهته كما تمارس عملك العادي!
يهمّ إبراهيم بالصراخ في وجهه من جديد لكن شيئاَ بداخله يمنعه!
هل هي رغبته في معرفة سبب زيارة فهد لها؟!
الا يزال يغار عليها؟!
أم هو فضوله ليعرف ما الذي يريد أن يريه إياه هناك؟!
أم هو وحش الحنين الغادر الذي ينشب مخالبه في روحه يوماَ بعد يوم..
والذي يتلهف لمعرفة أي خبر عنها؟؟

يرى فهد يعاود إغلاق بابه بحركة ذات مغزى فيطلق زفرة حانقة وهو ينطلق بالسيارة بأقصى سرعته كأنه يريد الطيران لهناك..
_منذ متى أعرف (يسرا الصباحي)؟!

يقولها فهد بصوت خفيض كأنه يخاطب نفسه فيلتفت نحوه إبراهيم بحدة لكن فهد يردف بهدوء:
_أعرف كم هو صعب أن تدور محادثة كهذه بيننا.. لكنني أطلب منك أن تستمع فقط.. اسمع ولا ترد.

ربما لو كانت دار حوار كهذا أول ما عرف الحقيقة لكان رفض بأقسى طريقة..
لكنه الآن وهو يشعر بوهن روحه يوماَ بعد يوم خاصة بعد ما سمع منها قصتها يجد نفسه يستسلم للاستماع..
وهل بقي له سوى الاستماع؟!

_لنعد للسؤال..منذ متى أعرف يسرا الصباحي؟! منذ كانت زوجة لحسام وربما قبلها.. أبوها كان صديق أبي.. كلاهما للأسف كان يحمل نفس الصفات تقريباً.. أعترف أنني رأيت أسوأ وجوهها.. ليس فقط وجهها الأناني مع حسام صديقي.. لكن وجهها معي أنا وقد كادت تؤذي جنة.. لكنني كذلك أعترف أنني رأيت منها وجهاَ يشبهني وقتها.. كلانا كان يصارع شيطاناَ بداخله.. كلانا كان يريد التمرد على عباءة أبيه التي ألقاها على كتفيه قسراً.. كلانا كان يواجه ماضياً أسود ويجاهد كي لا يبقى مستقبله أيضاً كذلك..
ثم يتنهد ليردف بحسم وقد اقتربا للوصول لبيت الصباحي:
_وأظن أن كلينا قد نجح.

يسكت إبراهيم دون رد لكن عينيه تتسعان بصدمة بمجرد ما وقف أمام البيت المنشود..
ما كان (بيت الصباحي)..
والآن صار..
(جمعية ربيع الخيرية)

تتسارع خفقاته وهو يميز في ظلمة الليل حوله ما يشبه تلك الليلة التي قابلها فيها هنا!!
لكنه - على العكس- يجد كل ما دون ذلك مختلفاَ.. بل متناقضاَ!!

هل كان هذا ما تعنيه بأنها وجدت الطريق ووجدت نفسها؟!

يضغط على قبضتيه بقوة وهو يسمع فهد جواره :
_يسرا تغيرت حقاَ.. حولت أغلب إرث الصباحي لمشاريع خيرية.. اختارت حياتها الجديدة كما فعلت أنا.. أعرف أنك طالما كنت ناقماَ على جنة لزواجها مني.. لكن جنة كانت معجزتي.. عصاي التي توكأت عليها حتى نجوت بي وبها.. لهذا وقد رأيت يسرا تسلك نفس الطريق وجدت من الواجب عليّ أن أخبرك.. أظنها لم تعد تحتاجك لتجد الطريق.. لكن ربما كنت انت جائزتها في آخره.

يلتفت نحوه إبراهيم بنظرة زائغة وقد بدت روحه الواهنة طافية في حدقتيه..
ليربت فهد على كتفه بقوله :
_أعتذر لو كنت اقتحمت خصوصيتك بهذه الطريقة.. لكنني وجدته واجبي نحوك ونحوها.. ونصيحتي الأخيرة لك لو كان ما ألمحه في عينيك صحيحاَ أن استفتِ قلبك)!

_(استفتِ قلبك)

تبقى تدوي في أذنيه بعدما تركه فهد ليجد نفسه يعود لبيته بسرعة..
هدير عاصف من مشاعر متباينة تكتسحه..
لو كان حقاً غير قادر على العفو والتجاوز..
فلماذا لا يرتاح وقد تركته وانتهى كل شيء؟!

_لماذا لم تخبرني أنها حولت قصر أبيها لجمعية خيرية؟!

يبادر بها اباه بانفعال طاغٍ بمجرد ما استقبله ليرفع العجوز حاجبيه بمكر وقد فهم ما يقصده:
_ظننتك لا تهتم.

يزم إبراهيم شفتيه وهو يشيح بوجهه هارباَ من نظرات أبيه التي تفضح خبيئته..
لكنه يستسلم لوهنه فيجلس جوار أبيه مطرق الرأس بقوله :
_فعلتها لأجلك؟! يبدو أنها تحبك حقاً.
_لا لأجلي ولا لأجلك.. (ابنتي) فعلتها (لله).. أحسبها كذلك ولا أزكيها عند الله.. فعلتها لأنها وجدت أول الطريق وتجدّ السعي لتصل لآخره.

لا تزال (ابنتي) التي ينطقها أبوه بهذا الفخر الحميمي تخز قلبه فينتفض واقفاً مكانه يهم بالذهاب لغرفته لكن ربيع يستوقفه بقوله:
_لو أخبرتك أن لك عندي عروساً اسمها (يسرا الصباحي).. تختلف كثيراً عن زوجتك السابقة.. شكلها أنت تعرفه.. ماضيها أظنك كذلك صرت تعرفه.. أذنبت لكنها صدقت في توبتها.. تحبك كما أظنك توقن.. توافق عليها؟!

يلتفت نحوه إبراهيم ببعض الدهشة وهو يراه يصوغ الأمر بهذه الطريقة..
ينقله ببراعة خبيرة بين مقارنته (سمرا) ب(يسرا)..
إلى إزاحة سمرا نفسها من المعادلة والتفكير في (يسرا) فحسب!
يسرا!
كيف هو شعوره نحوها؟!
الآن.. بعد كل ما عرفه!!

يهز رأسه بحيرة وهو يدلف إلى غرفته بخطوات متثاقلة..
متجاهلاً الجواب ربما لأنه إلى الآن حقاَ لا يعرفه!!

ليلة طويلة قضاها يستخير الله في أمرها وهو يشعر أن حجراَ ثقيلاً بقلبه.. قد انزاح!
ساعة واحدة نامها قبل الفجر ليرى فيها هذه الرؤيا ببزوغ الشمس..
(وليعفوا وليصفحوا.. ألا تحبون أن يغفر الله لكم)

يتردد صداها في جوفه تباعاً فيستيقظ من نومه ليجد هذه العبارة معلقة على طرف لسانه بحلاوة افتقدتها مرارة أيامه منذ زمن بعيد..
_(بلى يارب أحب) .
=======












*أحمر*
=======
(جمعية ربيع الخيرية)!

يقف إبراهيم أمام اللافتة يتأمل وهجها الذهبي الذي سطع في نور الصباح أكثر لكن بريقه الذي وقع بقلبه منذ رآه مع فهد ليلة أمس لا يفرق بين ظلمة ونور..
كلاهما له نفس الأثر على روحه!

_ستحبها!
يذكرها كما سمعها بصوتها تلك الليلة فيدور حول القصر ليجلس على نفس الرصيف..
الآن تغمر الشمس المرئيات فتبدو له واضحة جلية عكس ليلتها التي آواهما فيه الظلام مع إضاءة خافتة بالكاد لمح فيها ملامحها صادقة.. إنما بعيدة!

ا
لكنه لا يزال يجد في صدره رهبة لا يملكها..
رهبة نفور..
وربما.. رهبة اشتياق!

_لا لأجلي ولا لأجلك.. (ابنتي) فعلتها (لله).. أحسبها كذلك ولا أزكيها عند الله.. فعلتها لأنها وجدت أول الطريق وتجدّ السعي لتصل لآخره.


لا يزال الفخر الذي نطق بيه أبوه كلمة (ابنتي) يدوي في أذنيه هادراً..
يزيد زلزلة قلبه بنفس الرهبة..
بين اشتياق ونفور!

يرفع يديه أمام وجهه يتأمل (الشيء الذي تحملانه) ببعض الدهشة..
لماذا جاء ب"هذا" إلى هنا؟!
أو ربما "هذا" ما جاء به؟!
ترتجف أنامله المحتضنة ل(الكيان المهيب) وهو يشعر في جلسته هذه أنه محاصرٌ بها..
وعدته أن ترحل من حياته..
تظن نفسها قد فعلت؟!
كيف وقد تركت خلفها كل تلك الخيوط غير المرئية التي تجره إليها كلما ظن أنه ابتعد؟!

_ستحبها! ستحب يسرا كما أحببت سمرا وربما أكثر!

يذكرها بصوتها فتلتوي شفتاه بابتسامة تعجب..
(سمرا).. كم تبدو له الآن أشبه بطيف رائع لكنه غير حقيقي!
(يسرا).. الآن كيف تبدو له؟!

تنكشف كل الحجب التي طالما حاول بها ستر عقله طوال الأيام السابقة فيستعيد ما أخبرته به هنا..
(عروس الماريونيت) التي تعلمت بعد مشوار طويل ألا تتحرك مثقلة تجر بقايا خيوطها المقطوعة..
بل توقفت لتجيد قصّها كلها قبل أن تسرع الخطى حرة دون أذيال!


(اهه ده اللي صار
وادي اللي كان
مالكش حق تلوم عليا)

ينتفض مكانه غير مصدق وهو يسمع الكلمات تنبعث من داخل القصر نفسه!!
أغنية حسن!!
هنا؟!!
من بيت (قاتله)!!
من هنا بالذات ينبعث صوت حسن كأنه هو من يغنيها!
كأنه يبلغ الدنيا رسالته أن التراب لم يساوِ بين الرؤوس..
مات (قاتله) تلاحقه اللعنات وبقي هو رمزاً حياَ لا يموت!

يتحرك كالمجذوب يعاود الدوران حول القصر من جديد في الاتجاه المعاكس هذه المرة فلا يشعر أنه قد دخل فعلاً إلا وهو يرى انعكاس صورته في إحدى النوافذ الداخلية التي تطل على إحدى القاعات..
تتجمد أنفاسه وهو يراها تغنيها مع الأطفال

(مصر يا أم العجايب..
شعبك أصيل والخصم عايب
خللي بالك من الحبايب
دولا أنصار القضية)

لم تكن هناك موسيقا سوى صوت خفقات قلبه وهو يسمعها بصوتها مع الأطفال..
صورتها بهيئتها الجديدة تخطف قلبه من جديد.. كأنه يراها لأول مرة!!

_ستحبها!

من جديد تدوي في روحه بصوتها كذاك اليوم فيرفع (ما يحمله) أمام عينيه وقد بدا أنه أخيراً..
قد حسم أمره!



=====
_كوثر! هل دخل أحد هنا؟!

تهتف بها يسرا وهي تدلف لغرفتها الخاصة بإدارة الجمعية في الطابق الأرضي من القصر فتهز المرأة كتفيها بابتسامة غامضة:
_الباب كان مغلقاَ.. لماذا تسألين؟!

ينعقد حاجبا يسرا مع رجفة خفيفة في جسدها وهي تشعر أنها تشم رائحته هنا..
هل ستخطئها بعد كل هذا؟!
تدور بعينيها في المكان بلهفة لكن نظراتها تعود خائبة فتتنهد بحرارة قائلة :
_لا بأس.. لعلي أتوهم كالعادة.

ترمقها المرأة بنظرة مشفقة غامضة وهي تتطلع لشيئ ما في الجوار قبل أن تتحرك لتغادر الغرفة مغلقة بابها خلفها فتتوجه يسرا نحو مكتبها بشرود..
لكنها ما كادت تجلس حتى أطلقت صيحة خافتة وهي ترى ما وضع فوقه..

(بأي حرف تبدئين؟!)

_إبراهيم! دفتر إبراهيم!!

تتمتم بها بلهفة جعلتها تضم الدفتر لصدرها بقوة قبل أن تنتفض مكانها من جديد لتركض نحو الباب تفتحه لتسأل الحارس عن دخول أحدهم لكنه يهز رأسه بجهل فتعود مكانها حائرة ببعض الخيبة لتجلس على مكتبها من جديد وهي تفتح الدفتر بأنامل مرتعشة..
تحفظ كل كلمة "مكتوبة" فيه..
بل "كانت مكتوبة" فيه!!
الدفتر مزقت أوراقه كلها!!

تزدرد ريقها الجاف بصعوبة وهي تقلب الصفحة الوحيدة المتبقية..

(حبيبتي ياء..
الآن فقط أوقن بأي حرف تبدئين!
كيف أخذلكِ وقد أنصفتكِ الأبجدية ذاتها؟!
فلا حرف بعد جلال (يائك).. ولا نطق بعد تمام بهائك!
حبيبتي (ياء)
ياؤك خاتمة.. تغلق أبواب العين والقلب عما سواكِ.. . و(نقطتاها) قمران يلهوان وسط ظلمة الليل بضياكِ.
حبيبتي (ياء)
(ياقة) ذهبية الخيوط أحيت ما بلا من قميص العمر..
(ياقوتة) منسية طوتها الرقائق في حنايا الصدر..
(ياسمين) أبيض غازل جبيني وفضح بين خيوطه السر..
حبيبتي (ياء)
(يدٌ) من مخملٍ صافحت جرحاً قد عاش عمراَ غريباً بشكواه..
و(يمامة) بيضاء حطت على بابي فوجد فيها القلب سلواه..
هاكِ قلبي حلقي بجناحيه.. لا خير في عشق لستِ ليلاه)

شهقات تأثرها تسابق دموعها على وجنتيها لا تصدق أن هذا مكتوبٌ هنا..
لها.. لها هي!!

فتسمع الصوت الحبيب أخيراً..

_لا تبكي.

تنتفض مكانها مرتعدة وهي تراه يغادر مكمنه خلف الجدار القريب يبتسم أروع ابتسامة رأتها تزين شفتيه..
نظراته العاشقة ملهوفة تشبه جياداَ جموحاَ تركض نحوها دون توقف وتناقض رسوخ قدميه مكانه..
تندفع نحوه هاتفة باسمه في اشتياق جارف وحروفها المرتعشة تتراقص بجنون مشتت يشبه الهذيان على صدى خطواتها:
_أنت هنا! كنت أعلم! رائحتك! رائحتك لن يخطئها قلبي أبداً!

_لا تقتربي خطوة واحدة أخرى ..إياك! ..أنا بالكاد أمنع نفسي من عناقك.
صوته المتهدج يفضح لوعته أشهر فضيحة وهو يفرد ذراعيه بينهماً ..لكنها تبتسم وسط دموعها لتفتح له ذراعيها دون أن تقترب هامسة بعمق عاطفتها :
_ومنذ متى يحتاج حضنك أنت بالذات للمس؟! طالما ضمتني روحك دون عناق.

يرتفع حاجباه مع دمعة تأثر وكل ذرة في جسده تضج بعاطفة تشبه عاطفتها وأكثر..
خاصة وهو يراها ترتجف ببكائها تشير بسبابتها نحو دفتره النائم على صدرها كأنه وليد وجدته أمه بعد طول تيه..
_هذا لي؟! كتبته لي؟! لي أنا؟!
فيأخذ نفساً عميقاً وعيناه معلقتان بسلسلة (الثلاثة قلوب) على جيدها.. تتراقص بجنون مع هدير صدرها المنفعل فيبدو له طرف كل (قلب) منها واشياَ بمكان صار يوقن أنه لم ولن يملأه سواها..
هي (الرامية القرمزية)
هي (حبيبة إبراهيم)
وهي من يرجو أن تكون (أم حسن)

_(الرامية القرمزية) ألقت سهماَ صائباً جديداً هذه المرة.. قالت لي آخر مرة التقينا فيها: (ستحبها).. وهأنذا!

تكتم صيحة شفتيها بكفها الحر ولا تزال أناملها المحتضنة لدفتره متشنجة على صدرها..
عيناها متسعتان معلقتان بشفتيه في كلمته الأخيرة كأنها تناشده المزيد..

ذراعاه يحولان بينهما - كما يظن - لكن كليهما يشعر أنهما فقط جسر تمر عليه خفقات القلوب تسابق الأنفاس في هديرها المشتعل..
لا تزال عاجزة عن استيعاب أية معجزة تحدث هنا الآن!!
هو.. هنا..
بهذه النظرة.. ؟!!
بهذا الشعور.. ؟!!
بهذا الكلام؟!!

_سامحتني؟!

تخرج من شفتيها مرتجفة فيعيد ذراعاه جواره كأنه لا يريد أن يفصل بينهما الآن شيء.. أي شيء..
والجواب تمنحه عيناه وهما تعانقان (العندليب) في عينيها..
العندليب الذي ما عاد أخرس..
تشاركانه تغريده على نفس النغم..

_يسرا الصباحي ..

ينعقد حاجباها بتوجس وهي تسمعه يردد اسمها كاملاً كأنه يؤكد لها أنه يعي أي امرأة الآن تقف أمامه..
ليطلق قلبها زغرودة فرح وهي تسمعه يردف بمزيج طالما اشتاقته منه هو بالذات.. مزيج من (عشق) و(احترام) :
_تتزوجينني؟!
======
انتهى الفصل التاسع والاربعون


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-03-22, 12:57 AM   #3658

Soi

? العضوٌ??? » 428398
?  التسِجيلٌ » Jul 2018
? مشَارَ?اتْي » 49
?  نُقآطِيْ » Soi is on a distinguished road
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 147 ( الأعضاء 35 والزوار 112)
‏Soi, ‏ياسمين أمين, ‏ريحان يحيى, ‏اولدى حياتى, ‏لولو73, ‏نولا ٢٠٠٠, ‏Moon roro, ‏نرمين نحمدالله, ‏سبنتي أسعد, ‏Somaya Ahmed, ‏safsf, ‏زهرة الرحمن, ‏Tuo, ‏dodoalbdol, ‏مريم المقدسيه, ‏فاطيمه 2000, ‏التوحيد, ‏توتى على, ‏rasha shourub, ‏شيماء صبرى, ‏وظني فيك يارب جميل, ‏klarahawa, ‏bottajojo, ‏دريموند, ‏redrose2014, ‏سيلا عاصى, ‏نوره ام عبدالمجيد, ‏Omsama, ‏دانه عبد, ‏ريناااات, ‏Haisan, ‏romiakoke, ‏الوفى طبعي الوفى, ‏leria255
لا نطيق الانتظار كلناااااااااا 💃💃😌😌
في الانتظار يا دكتورة ❤️


Soi غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-03-22, 04:16 AM   #3659

حنان عبدلي

? العضوٌ??? » 485258
?  التسِجيلٌ » Feb 2021
? مشَارَ?اتْي » 32
?  نُقآطِيْ » حنان عبدلي is on a distinguished road
افتراضي

اقول ايه ؟
جمال بداية الفصل 48 او عظمة نهايته او روعة البرتقالي الي فيه او قوة البنفسجي الذي يتوسطه 😍😍😍
طيب ماذا عن الفصل 49 😍😍😍😍
الفراشات تحلق في قلبي مش بطني 😍😍
قلبي الصغير لا يتحمل ❤💜💛💚💙
ماشاء الله بتاخدينا لعالم تاني، شكرا كثير سلمت يداكي و عقلك و قلبك و خيالك و عبقريتك و جمالك و جمال كلماتك و جمال روحك ❤❤❤
هشتاق كتير لكل الابطال من هنا للعيد و راح توحشيني كتير 😘💙💙💙


حنان عبدلي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-03-22, 04:36 AM   #3660

ماماسماح

? العضوٌ??? » 495260
?  التسِجيلٌ » Nov 2021
? مشَارَ?اتْي » 76
?  نُقآطِيْ » ماماسماح is on a distinguished road
افتراضي

روعه روعه روعه تسلم ايدك يا نيموو فصلين إبداع يا قمر 👏👏👏👏👏👏👏👏👏👏👏

ماماسماح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:34 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.