آخر 10 مشاركات
287 - كذبة العاشق - كاتي ويليامز (الكاتـب : عنووود - )           »          284 - أنت الثمن - هيلين بيانش _ حلوة قوى قوى (الكاتـب : سماالياقوت - )           »          275 - قصر النار - إيما دارسي (الكاتـب : عنووود - )           »          269 - قطار النسيان - آن ميثر (الكاتـب : عنووود - )           »          263 - بيني وبينك - لوسي غوردون (الكاتـب : PEPOO - )           »          التقينـا فأشــرق الفـــؤاد *سلسلة إشراقة الفؤاد* مميزة ومكتملة * (الكاتـب : سما صافية - )           »          الإغراء الممنوع (171) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 1 سلسلة إغراء فالكونيرى..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          غيوم البعاد (2)__ سلسلة إشراقة الفؤاد (الكاتـب : سما صافية - )           »          ياسميـن الشتـاء-قلوب شرقية(26)-[حصرياً]-للكاتبة الرائعة::جود علي(مميزة)*كاملة* (الكاتـب : *جود علي* - )           »          وريف الجوري (الكاتـب : Adella rose - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree5716Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-05-22, 04:30 PM   #3691

Shadwa.Dy

? العضوٌ??? » 418619
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 627
?  نُقآطِيْ » Shadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond repute
افتراضي


تسجيل حضوووووور ❤️
بالانتظار


Shadwa.Dy غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-05-22, 12:56 PM   #3692

زينا أحم

? العضوٌ??? » 476281
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 194
?  نُقآطِيْ » زينا أحم is on a distinguished road
افتراضي

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

زينا أحم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-05-22, 10:28 PM   #3693

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

موعدنا بعد قليل باذن الله تعالى مع الجزء الاول من الفصل الخمسين(الاخير) للرواية 💙

نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-05-22, 10:28 PM   #3694

دانه عبد

? العضوٌ??? » 478587
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 513
?  نُقآطِيْ » دانه عبد is on a distinguished road
افتراضي

بانتظارك يا دكتوره 💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚

دانه عبد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-05-22, 10:38 PM   #3695

فاطيمه 2000
 
الصورة الرمزية فاطيمه 2000

? العضوٌ??? » 382105
?  التسِجيلٌ » Sep 2016
? مشَارَ?اتْي » 162
?  نُقآطِيْ » فاطيمه 2000 is on a distinguished road
افتراضي

مساء الخير على احلى نيمو فى الدنيا

فاطيمه 2000 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-05-22, 11:30 PM   #3696

سهى ابنعوف

? العضوٌ??? » 482785
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 147
?  نُقآطِيْ » سهى ابنعوف is on a distinguished road
افتراضي

اخييييييرا
اللهم لك الحمد والشكر


سهى ابنعوف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-05-22, 12:53 AM   #3697

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

الطيف الخمسون (الأخير)
الجزء الأول
*********




*أخضر*
======
_الآن فقط تذكرتِني؟! جئتِ كي تشمتي فيّ؟!
تصرخ بها هيام على فراشها في غرفتها بشقتها مخاطبةً عزة التي قدمت لزيارتها..
صوتها المثير للشفقة -بنبرته غير الواضحة وقد التوى فكها مع الشلل الذي أصاب ذراعها بعد علمها بوفاة فهمي- يوخز قلب عزة التي تكتم دموعها وهي تتقدم نحوها ليهتف راغب بصوت لم يفقده الحزن هيبته:
_اهدئي.. الطبيب حذر من انفعالك.. شقيقتك تتفقدك منذ يوم وفاة المرحوم فهمي وأنت التي ترفضين رؤيتها!

_أخرجها من هنا أو سأخرج أنا! تظنونني صرت عاجزة؟! لا كلمة لي هنا؟!! صرت أسيرة إحسانك عليّ وعلى أولادي بعد موت أبيهم؟! اخرجا معاً لا أحتاج لإحسان أحد!!

تخرج كلمات هيام منفرة كعهدها لكن راغب لا يشعر نحوها سوى بالمزيد من الشفقة بعد مصابها..
فيما تقف عزة مكانها تكاد تحترق بكتمان السر الذي تخفيه عن حقيقة زوج شقيقتها المخزية.. وبمصاب شقيقتها التي صارت مثيرة للشفقة أكثر

تحاول الاقتراب منها لكن هيام تدفعها بذراعها السليم هاتفة :
_لو كنتِ جئت تؤدين واجباَ فها أنتِ قد فعلتِ! لا أريد رؤيتك.. اذهبي.. اذهبي..

لا تزال تهتف بها حتى تشنج وجهها أكثر لتتحول كلماتها لنشيج خافت وهي تحاول رفع ذراعها العاجز دون جدوى فتداري وجهها في طرف وشاحها الأسود بقهر يوجع القلب ويجبر راغب أن يشير لعزة بقوله :
_إذن دعيها الأن حتى تهدأ!

يغادران غرفة هيام لتتوجه نحوهما أم راغب بملامح باكية.. العجوز التي فقدت ابنها الأكبر الطيب - بظنها- في غمضة عين لكنها تبدو صابرة على مصابها وهي تخاطب عزة بقولها :
_لا تؤاخذيها يا ابنتي.. الخبر صدمنا كلنا..
تهز عزة رأسها بكلمات مبهمة فيما تبدو المرأة عاجزة عن التماسك أكثر لتنهار فجأة في البكاء بقولها :
_يا حسرة قلبي عليك يا ابني.. من لأولادك بعدك؟!
لكن راغب يضم المراة لصدره بحنان محاولاً تهدئتها وهو يقاوم غصة حلقه هاتفاً بصوته الرجولي الخشن :
_لا تقولي هذا يا أمي.. أولاد أخي في عنقي لآخر يوم في عمري.. يتربون مع (رُبَى) كإخوتها ويشهد ربي أنني لن أفرق بينهم ما حييت.
_خذني لغرفته يا ابني لعل فيها بعض رائحته. . (المسكين) عاش حياته غريباً ساعياَ وراء لقمة العيش.. عاش علي الهامش ومات على الهامش!

تكاد عزة تنفجر غيظاً وغضباً وهي تحترق بالمزيد من الكتمان.. ترى راغب ينسحب بأمه نحو غرفة فهمي وكلمات المرأة تنعي الفقيد (المسكين) ومن داخل غرفة هيام خلفها تنطلق صرخات الأخيرة تارة تنعي حظها وتارة تسبها هي وتطردها..

_تعالي.

كانت هذه رؤى التي جذبتها من كفها وكأنما تشعر بلوعتها لتنسحب بها مبتعدة نحو المطبخ حيث يمكنهما التحدث بحرية، أغلقت بابه خلفهما ولم تكد تفعل حتى قالت عزة بانفعال:
_سأجن! جنازة حارة والميت كلب! لا أصدق أنني عشت مخدوعة في طبيعته الظاهرة طوال هذه السنوات.. لست وحدي بل كلنا! ليس عدلاً أن يموت وغد مثله هكذا! هكذا ؟! دون أن يفتضح أمره للجميع فيلعنه الغادي والرائح!!
_لم يكن وحده من سيفتضح!
تقولها رؤى بتعقل وهي تربت على كتفيها مهدئة.. ثم تتنهد لتردف بشرود :
_فكرت مثلك كثيراَ.. فكرت حتى أن أصارح راغب على الأقل بحقيقة أخيه المخادع الذي كان يعيش بيننا بوجه غير وجهه المجرم.. فكرت كثيراَ وأنا أراه يعطيني ظهره كل ليلة على فراشنا لتبلل دموعه وسادته حزناً على أخيه (المسكين) الذي قتل ظلماً- كما يظن- أن أخبره بجرائمه.. أن أعلمه ان الرجل الذي عاش يحترف القتل والإرهاب طوال هذه السنوات لم يكن يستحق ميتة رحيمة كهذه بل كان يستحق السلخ حياَ لولا رحمة الله بنا.. بنا كلنا.. كلنا لا نستحق فضيحة كهذه.. لكنني أعود لأفكر.. بعض الجهل رحمة من الله..خير له ان يظن أخاه مات في حادث عن أن يعرف انه كان مجرماَ مات مطارَداً.. فليمت فهمي كما اختار العيش بيننا.. ظلاً مهمشاً منسياً!

تهز عزة رأسها باستسلام وهي تحاول التفكير في سلامة منطقها لتطلق أخيراً تنهيدة حارة وهي تسمع صراخ هيام من الخارج من جديد :
_أخرجوها.. لا أريد تلك الجاحدة الشامتة هنا.
_لا بأس.. هي لا تعي ما تقول.
تقولها رؤى بإشفاق مواسية عزة التي هتفت بنفاد صبر :
_لن أستطيع البقاء أطول.. سأنفجر..
تقولها لتغادر المطبخ راكضة فتلحق بها رؤى غافلتيْن عن زوج من العيون كان صاحبهما يقف مختبئاَ في شرفة المطبخ ليستمع مصادفة للحديث..
والآن يترنح بالحقيقة التي تصفعه بقسوتها رغم صغر سنه..
ابن فهمي الأكبر!
=======






تعود عزة لشقتها التي تصفع بابها خلفها بانفعال يرج جسدها..
كم هي مؤذية دوماَ عودتها للحي القديم..
تجلدها ذكريات الماضي فكيف وقد خذلها الحاضر وتوعدها الغد!!
حالة هيام تثير المزيد من غضبها.. وشفقتها!!
تماماَ كحالها هي الآن وهي تشعر أنها تفقد توازنها من جديد!!

تلقي حقيبتها جانباَ بعنف وهي تكتم بكاءها ثم تتوجه نحو غرفتها وهي تخشى الاعتراف بالسبب الأكبر لغضبها هذا..
إيهاب!
لقد اختفى من حياتها تماماَ بعد لقائهما الأخير في غرفة إياد الذي علمت بأنه لا يزال على قيد الحياة..
لماذا لم يبادرها باتصال واحد يطمئن فيه عليها؟!
وهي؟! لماذا لم تفعل؟!

تخلع ملابسها بالمزيد من العنف وهي تكتم بكاءها أكثر..
تطالع شاشة التلفاز المفتوحة..
لم تعد تتابع قناتها القديمة كي لا يخذلها شعورها بأنها سهلة الاستبدال وقد ضاع منها برنامجها..
لكن يبدو أن الظروف تكالبت عليها لتكدرها بالمزيد وهي ترى المذيعة التي أخذت مكانها في لقاء على قناة أخرى تتباهى بالنجاح المتزايد للبرنامج مؤخراً..

تطلق هتافاً ساخطاَ وهي تشعر بدموعها المكتومة كحجر يثقل على صدرها..
تتحرك نحو الحمام القريب لعلها تنعم بماء استحمام بارد يخفف عنها لكنها ما كادت تفعل حتى وجدت المياه مقطوعة!!

هنا تنفجر في البكاء لسبب قد يبدو بسيطاَ لكن هاهو ذا الكتمان يبحث عن أضعف قشرة في براكين تماسكنا ليكتسحها منفجراً بضراوة..

_لن أبكي.. لن أبكي.. أنا تغيرت.. تغيرت.. لم أعد ضعيفة كالسابق.

تصرخ بها وكأنها وحدها الحل قبل أن تمسح دموعها لتخرج ثم تتوجه نحو حاسوبها المحمول..
تفتحه لتناظر إحدى منصاتها الالكترونية الدعائية بنظرات مشتعلة..
ثم تتحرك أناملها على الأزرار تخط شيئاً ما هو أكثر أفعالها حماقة حتى الآن!!
======











_ابني!

تصرخ بها خديجة بعمق لوعتها التي اختلطت بفرحتها في هذه اللحظة بالذات وهي ترى إياد لأول مرة بعد ما سمحوا بزيارته في السجن..
عناقها الحار يطوقه فيترك نفسه له للحظات وهو يراها تحتضن وجهه بكفيها.. تملأ عينيها من ملامحه كأنها لا تصدق معجزة حياته لتهتف بين دموعها :
_أنت حي! أنت هنا.. معي.

تخفي وجهه بين ضلوعها فيشعر بلذة ضمتها تعيد سنوات عمره المفقودة كأنه عاد بين ذراعيها طفلاً لم تخفه مصيبة ولم يروعه حرمان..

_سامحيني.

صوته المتحشرج يحاول إخفاء عاطفته بمزيج من خزي وندم..
يرفع وجهه نحو إيهاب الذي ضجت ملامحه بمشاعره هو الآخر ثم يبتعد قليلاً عن حضن أمه ليشيح بوجهه قائلاً :
_طوال عمري وأنا ألومك لأنك تنبذينني.. أظنه حان الوقت لأكون أنا من يطلبها منكم الآن.. انسوني وعودوا لحياتكم.. أظنه هو الأولى الآن! لتكن هذه زيارتكما الأخيرة.

ينعقد حاجبا إيهاب بانفعال وهو يكز علي أسنانه بصمت كأنه كان يتوقع منه هذا الرد..
بينما لا تسمح له خديجة له بالابتعاد..
تعاود ضمه لصدرها هاتفة بلوعة أم :
_بماذا تهذي؟! لو تعرف كيف شعرت عندما أخبروني أنك على قيد الحياة!! شعرت كأن روحي التي سلبها خبر موتك قد ردت إليّ! شعرت أن القدر يمنحني فرصة لأعوضك عن الماضي.. كنت سأموت بذنبك يا ابني.. لو كان لأحد أن يشعر بالخزي فلعله أنا!

تنهار باكية في كلماتها الأخيرة فيقترب إيهاب ليضمهما معاً للحظات قبل أن ترفع خديجة عينيها نحو إياد بقولها :
_لن ننكر أنك أخطأت الطريق.. من منا لا يفعل؟! لكنك كنت بطلاً في النهاية.. أنت صاحب الفضل في أن يُسلّم ذاك المجرم للعدالة وساعدتهم في القبض عليه قبل أن تقضي عدالة السماء له بالجزاء الحكيم.

_وتقولين للناس أن ابنك مجرم مسجون؟! ستجرؤ (أبلة الناظرة) على فعلها؟!

يغمغم بها إياد بلوعة ساخرة وهو ينتزع نفسه انتزاعاً من دفء عناقها ليبتعد مولياً إياها ظهره..
لكنها تجذبه نحوها من جديد بكل قوتها لتهز كتفيه بقولها :
_سأقول للناس أن ابني اختار الصواب العصيب عندما كان يمكنه اختيار الخطأ السهل.. سأقول لهم أنه خاطر بحياته لأجل أن ينقذني وينقذ البلد كلها من شر مجرم كذاك الوغد.. سأقول لهم أن الشيطان قد يغري أحدنا بحلاوة مذاق الخطيئة لكن العاقل من ينتبه لمرارتها في الوقت المناسب.. سأقول لهم أنني أحسنت التربية فلم أربّ ملائكة لا تخطئ.. بل بشرا مهما حاد عن طريق الصواب تعيده فطرته إليه!

تدمع عينا إياد وهو يلقي برأسه على كتفيها طواعية هذه المرة..
ذراعاه يطوقانها بكل قوته فتربت على رأسه قائلة :
_أنت لم تكن أبداً (العربة الأخيرة) في القطار كما كنت تظن.. بل كنت صف عجلاته المفقود الذي منعه الحركة طوال هذا العمر.. والآن فقط يمكنه الانطلاق.

تقولها مذكرة إياه بعبارته القديمة وهي تبسط كفه على صدرها فيبتسم ابتسامة شاحبة وهو ينحني ليقبل كفها..
يرفع عينيه لوجهها وكأنه أخيراً..
أخيراً.. صالح "تجاعيد وجهها" التي خاصمها طوال هذا العمر!

يشد إيهاب على كتفه وهو يقول مؤازراً :
_موعد الجلسة اقترب.. أثق أن الحكم سيكون مخففاَ كثيراَ بعد شهادة (بِشر) بدورك معه في القضية.. ستمر بإذن الله.. ستمر ونحن معاً.

_ونحن معاً.

تكررها خديجة بحزم حنون وهي تشد على كتفه الآخر فترتجف ابتسامته أكثر لكن صوت الحارس يقاطع المشهد وهو يعلن انتهاء موعد الزيارة.

يغادران المكان ليعود إيهاب أمه للبيت وهو يشعر رغم كل شيء أنهم جميعاً في سبيلهم للتعافي..

_إلى أين ستذهب؟!
تسأله بفضول وهي تراه يحلق ذقنه باهتمام ليرد بابتسامة مطمئنة:
_لدي موعد مع أحد أصدقائي.

تبتسم ببعض الرضا وهي تشعر أنه عاد يتواءم مع أصدقائه القدامى الذين هجرهم بعد الحادث..
قلبها يخبرها أنه لتوه بدأ يستوعب صدمته.. وقد أخذ طريقه ليستعيد ذاته!
(الفاجومي) عاد ليتقبل قدره دون سخط ظاهر.. او باطن!

_سأختار لك قميصاً مناسباً.. أعرف أنك تفضل الأبيض.
تقولها بحنان وهي تتحرك لتحضره له.. تساعده في ارتدائه لتتحسس كتفيه قائلة بشرود وهي تستعيد ذكرى محادثة سابقة بينهما :
_لم يعد جسدك بديناَ.. ما عاد لبس الأبيض مشكلة!
_ومتى اعترفتُ أنا أنها مشكلة؟!
يهز بها كتفيه باعتزاز (الفاجومي) القديم مع ابتسامة واهنة على شفتيه لتتنهد بارتياح وهي تربت على كتفه.
يغادر البيت ليتحرك بسيارته الجديدة المجهزة للمعاقين والتي صار يجيد استخدامها ببراعة زادها الرضا..
يتوقف في المكان المنشود انتظاراَ لصديقه الذي تأخر فيتناول هاتفه..
وكعادته كلما خلا بنفسه يتفحص رسائله القديمة مع عزة..
فيبتسم تارة.. ويعبس أخرى..
لكن خفقة القلب لا تتغير..
دوماً مضبوطة على نغمة خاصة تخصها هي فحسب!!

تتسع عيناه بدهشة وهو يرى أحد الأشعارات ينبؤه عن نشاط بأحد حساباتها على مواقع التواصل وهو ما لم تفعله منذ عهد بعيد..
أنامله تتحرك بسرعة مترقبة وهو يفتح الإشعار لتستحيل الدنيا ناراً في عينيه وهو يميز الخبر الذي بثته هي بنفسها وانتشر بعدها في مواقع التواصل :

_عزة الأنصاري تخرج عن صمتها بعد طلاقها لتعلن الخبر.. أنها تنتظر مولوداً وتناشد الجمهور مشاركتها اختيار اسمه!
========






_ماذا فعلت؟! يا ويلي! ماذا فعلت؟

تتمتم بها عزة لنفسها وهي تنتبه لتوها لما فعلته!!
كانت قد غفت غفوة يسيرة بعد ما بثته على مواقع التواصل بفعل تأثير إرهاقها لليومين الماضيين لتفيق فتتسع عيناها بصدمة وهي تميز التعليقات المتتابعة على الخبر!!

_هل جننتِ؟! لماذا؟! لماذا؟!

تلوم بها نفسها وهي تنكب على شاشة الحاسوب من جديد تكاد بتهور تكذب الخبر لكن أناملها تتجمد وهي تسمع الرنين المتواصل لجرس الباب والذي يوحي بأن صاحبه لا يرفع إصبعه من عليه!!

_لا تكن أنت.. لا تكن أنت..

تتمتم بها برهبة وهي تشعر بسخونة خديها بل جسدها كله..
لكنها تعود لتهز رأسها بقولها بتماسك مصطنع :
_بل كن أنت.. لن أهتم..
ترتدي ملابس مناسبة لتتوجه نحو الباب بخطوات تتعمد اصطناع قوتها رغم ارتجاف ساقيها..
تنظر في العين السحرية ليروعها مشهد إيهاب الذي بدا غاضباً كما لم يكن من قبل..
تخونها قوتها للحظات فتسند ظهرها للباب وقد اتخذت قرارها ألا تفتح..
لكنه يكاد يحطم الباب بقبضته قبل صرخته :
_افتحي.. أعرف أنك هنا!

تزدرد ريقها بارتباك وهي تأخذ نفساَ عميقاَ تتصنع به قوتها قبل ان تفتح الباب لتتلقى إعصاره!!

_ما هذا؟! ردي.. ما هذا ؟!!

يغلق الباب خلفه بعنف وصرخاته الغاضبة كما لم تعهدها من قبل ترجها مكانها وهي تراه يشير لشاشة هاتفه حيث الخبر فتتراجع عفوياَ للخلف حتى تصطدم بأحد المقاعد..
تكاد تسقط فتأخذها العزة بالإثم لتهتف بانفعال:
_وما شأنك أنت بي؟!
_أنت حامل..حقاً؟! كيف؟! مِن من؟!

صرخته تكاد تشق صدرها فتلعن غباءها الذي دفعها لفعلتها..
لماذا تعمدت الكذب بهذه الطريقة؟!
هل هي رغبتها في لفت الأنظار من جديد؟
لا.. لم تعد تهتم بشيء كهذا!!
إذن هي رغبتها في الانتقام منه.. في وخز قلبه بهذا النصل الذي يوجعها والذي ينغرس أكثر في صدرها كلما شعرت بتعمده الابتعاد عنها كما فعل طوال الأيام السابقة..
في قول هذا الذي جرى على لسانها الآن :
_وماذا لو ؟! ماذا لو كنت خنتك كما خنتني ذاك ال... آآه؟!
تنقطع حروفها وقبضته تكمم شفتيها تمنعها إكمال عبارتها مع تمتمته المصعوقة :
_لا.. لا.. مستحيل.. لا تفعليها أبداً.. أشك في نفسي ولا أشك فيكِ!

لكنها تزيح قبضته بكفيها بقوة هاتفة بين دموع سالت رغماً عنها :
_هل جربت شعوري الآن؟! يوجعك قلبك؟! يحترق؟! يسألك بحرقة فيما أخطأت كي تعاقَب بالخيانة؟! ينكر ما يحدث ويقول كما قلت (أشك في نفسي ولا أشك فيك).. فتصفعك الحقيقة على صدرك لتجبرك على التصديق؟!

أصابعه تشتد على كتفيها وهو يرجها رجاً كجمرات من نار تلهبهما معاَ وهو يبحث في عينيها عن الحقيقة..
لكنها تسبل جفنيها أخيراً بقولها :
_هذا بالضبط ما حاولت أنا التكيف معه الأيام السابقة.. وللأسف فشلت.. على العموم أعتذر عما فعلته..كان جنوناً حقاً! لا أعرف ما أصابني!

تنهيدة حارقة تغادر صدره بين ارتياح وغضب وهو يدفعها ببعض العنف فتكاد تسقط مكانها بينما يسقط هو فعلاً متهالكاً على المقعد وهو يبسط راحته مفرودة على صدره :
_الحمد لله.

تشعر بالذنب وهي ترى تلاحق أنفاسه مع تصبب العرق الغزير على جبينه فتلعن غباءها أكثر وهي تتحرك لتحضر له كوباً من الماء ناولته إياه لتجلس جواره على الأريكة وهي تراقب ارتعاش أنامله الممسكة بالكوب وهو يشرب مع إغماضة عينيه المنفعلة..
تود لو كان يمكنها احتضانه في هذه اللحظة باعتذار مناسب لكن تمنعها الكثير من السدود التي صارت بينهما..
فتكتفي بتربيت أناملها التي ترددت بين ركبته "السليمة" و"المصابة" .. فاختارت "الأخيرة" !
كأنما صار يعي قلبها قبل عقلها أن ما يجمعهما يفوق كثيراً ما ظنته يوماً مجرد امتنان..!!

يرتجف للمستها وهو يرفع عينيه إليها بنظرة غريبة مزجت عتابه باعتذاره وكأنه رغم جنون فعلتها.. يتفهم!

لهذا يخرج صوته متهدجاَ بجفاف ولّده شعوره بالكبت في هذه اللحظة بالذات والتي يتمنى فيها اعتصارها بين ذراعيه اشتياقاً وعتباً :
_سأخبرك بحقيقة ما حدث كي تغلقي هذا الباب للأبد .. أجل.. أنا ذهبت لبتول ذلك اليوم لأنها خدعتني بأن المخرج سيكون موجوداً للاتفاق على حلقة تجمعنا كتلك التي شاركنا فيها أنا وانتِ من قبل..ستسألين لماذا لم أنسحب عندما عرفت بخدعتها والجواب لأنني ضعفت.. ضعفت أمام إغوائها وقد كان كل همي أن أرضي كبرياء رجولتي الذي كانت تمزقه صورتك وأنت تتقيئين نفوراَ مني ليلة زفافنا..
تغمض عينيها على خيطين من الدموع ليصلها صوته أكثر حدة.. :
_سألتني يوماَ هل سعدت بخيانتك.. والآن أجيبك.. لم أخنك.. أو على الأقل لم أكمل الطريق لآخره.. انتزعت نفسي في اللحظة الأخيرة وعدت لصوابي وتركتها وأتيت إليكِ.. لو كانت ترضيكِ إجابة كهذه وتمنعكِ من الإتيان بأفعال جنونية كهذه التي اقترفتها منذ قليل!

تفتح عينيها بألف عاطفة تتراقص في حدقتيها بين ثلج ونار.. أناملها تشتد على ركبته فيشعر باشتعال جوارحه وهو يشيح بوجهه عنها قائلاً :
_صدقي أو لا تصدقي.. لم يعد هناك مبرر للكذب في شأن كهذا.

_هل حلقت ذقنك لتوك؟! .. أشم رائحة معجون الحلاقة!

عبارتها العفوية تصدمه لكنها تمنحه شارة بتصديقها إياه.. وإن لم تسامحه كليةً بعد!
تعيده لذكرى قديمة بينهما..
معجون الحلاقة!

"كان أبي يستعمل واحداً رائحته شبيهة بهذه كثيراً ..لا أذكر عنه أشياء كثيرة لكنني أتذكر هذه الرائحة ..ربما لأنها مثلت عندي رائحة الأمان الذي فقدته بعده ..عندما رسبت لأول مرة في دراستي واضطررت لتركها لأعرف معنى أول فشل في حياتي ..عندما فُسخت خطبتي الأولى ..عندما شهر بي ذاك الوغد أيامها ملطخاً سمعتي ..في كل مرة من هذه كنت أشتري أنبوبة كهذه ..أفتح غطاءها وأتشمم رائحتها كأنني أطارد سراب الأمان المفقود ..تعلم؟! عندما تزوجت راغب كان أحياناً يقوم بحلاقة ذقنه في شقتنا ..لكن الغريب أنني لم أشم هذه الرائحة أبداً في "معجون حلاقته" ! لا أدري هل كانت مختلفة حقاً أم أنني كنت أذكى من مطاردة سراب لن يكون لي!"

يتذكرها بصوتها كما باحت له بها ذات يوم فيلتفت إليها وهو يشعر بأنه يبذل ما يفوق طاقة البشر كي لا يضمها إلى صدره الآن..
عيناه تمطرانها شوقاً!
الآن فقط يسال نفسه.. كيف احتمل فراقها طوال هذه الأيام!
تزداد خفقاته جنوناً وعيناه تتعلقان بأناملها على ركبته..
تطفئ نيران وتشعل أخرى..
فينتفض مكانه فجأة وقد تذكر عهدهما..
تقف بدورها بنظرة مندهشة متسائلة ليرد قائلاً :
_لو لم أخرج الآن فلست مسئولاً عما سأفعله! وسأضطر بكل سرور لأن أمنحك جواباَ مثالياَ - وعملياَ - لسؤالك السابق!

عبارته - التي مزجت مرح الفاجومي القديم بطيف من وقاحة أحبتها في موقفهما هذا - تدغدغ أنوثتها برفق..
تعيدها لأحلام يقظتها التي كان هو - رغم كل شيء - بطلها الوحيد!
فتتراقص ابتسامة خجول على شفتيها.. ناقضت جفاء عبارتها الظاهر :
_اخرج.. ومن منعك؟! من أتى بك من الأساس؟!

ابتسامة حقيقية لم تعرفها شفتاه منذ عهد بعيد تولد الآن على شفتيه وعيناه تعانقان كل تفصيلة من ملامحها بعشق هادر ناقض جفاء عبارته هو الآخر كأنه فقط يرد لها بضاعتها :
_ولن تعودي لحماقات أخرى توقف قلبي؟!

تهز كتفيها بدلال واثق افتقده في طبيعتها القديمة.. بعيد تماماَ عن ترددها الذي كرهه..
لهذا تنهد أخيراَ وهو يميل بوجهه ليقترب من وجهها أكثر يقول بجدية شابها حنانه :
_(ما لك؟!)

الحروف على بساطتها تفخمها عاطفة طالما توجت تاريخهما القديم!
وكأنها عندما تخرج من شفتيه هو بالذات لا تشبه مثيلتها ممن سواه!
تفتح كل أبواب البوح المغلقة لتستلقي خباياها آمنة على شطآنه!

لهذا دمعت عيناها بعمق احتياجها إليه وهي ترفعهما نحوه ليردف بنبرة خبير بتفاصيلها :
_لم يكن ليدفعك لجنون كهذا إلا أمر جلل.. ماذا حدث؟!

ترتجف شفتاها واشيتين بقرب البكاء فيرتفع ذراعاه دون وعي نحوها لكنه يمنع نفسه من عناقها ليهز رأسه وهو يغمض عينيه بقوله:
_تعرفين!؟! سأحفظ هذه كإجابة لو سألوني عن أكبر عقاب نلته في حياتي.. ألا أتمكن من عناقك في موقف كهذا!

تطرق برأسها دون رد للحظات لتشعر به يبتعد بقوله الذي عادت له نبرة الفاجومي القديم :
_كنت على موعد مع صديق أظنه الآن يفكر في أفضل طريقة لسلخ جلدي وكسر عظمي دون عقاب قانوني، فهو الموعد الرابع الذي أخلفه معه.. لكن لا يهم.. فداكِ! المهم.. سأتوجه الآن - مصادفة- للمطعم الذي التقينا فيه أنا وأنتِ أول مرة.. فلو فكرتِ أن تذهبي أنتِ الأخرى هناك - مصادفة- فنلتقي هناك - مصادفة- فستكون حقاً أجمل مصادفة!

تبتسم وهي تراه يصفق الباب خلفه دون انتظار ردها شاعرة أن قلبها يتضخم!
روحها تحلق براحة.. تغلفها سكينة لم تعد تنكر انه هو مصدرها!
كعهده لا يزال يمنحها - ما يظنه - حرية اختيار..
وكعهدها تجد نفسها مجذوبة لتقترب كل مرة!

ربما لهذا لم تفكر كثيراً قبل أن تتخذ قرارها لتلحق به..
=======





على نفس الطاولة التي ظلت تجمعهما لسنوات كان ينتظرها في المطعم الذي اعتادا اللقاء فيه قبل زواجهما..
وقف فور ما رآها قادمة بلهفة كأنه لم يكن يصدق أن تأتي..
لهفة أجاد مداراتها خلف ابتسامة هادئة وهو يراها مترددة أن تجلس في المقعد المقابل له "كعهد صداقتهما القديم" أو المقعد المجاور له "كما يحب أن تعنيه رمزية المعنى"..
لكنها اختارت الأول!

يخفي خيبته باقتدار يجيده مكتفياً بفرحة حضورها ليجلس قائلاً بعتاب مرح :

_كالعادة تتعمدين الحضور متأخرة.

تدمع عيناها وهي تتذكر كم كانت تتعمد حقاً التأخر عليه في مواعيدهما القديمة.. لتجد نفسها تقول دون وعي :

_ربما لأنني أثق أنك دوماَ ستنتظر.

_لا تعولي كثيراً على هذا.. أخشى أن يصيبني الملل يوماَ فتأتين لتجدي الطاولة خالية.
لم يدرك قسوة عبارته على امرأة - بتاريخها- إلا عندما رأى الدموع تتكدس في عينيها المصدومتين بمقولته وكأنه قد صفعها!

_لا تصدقي.. بل دوماً سأنتظر حضورك مهما اختطفك الغياب.

يكاد يهتف بها وهو يشعر برؤيتها بعد طول غياب تشعل ما ظن أنه قد أخمده من براكينه..
يكاد يصرخ بها أن "الانتظار" هذا هو ما يمنح عمره الباهت (الأمل) لا (الملل)..
بل يكاد يحطم هذه الطاولة اللعينة بكل ما تعنيه من رمزية ما يقف بينهما..
لكنه يحافظ على وعده لها..
فلتجد نفسها أولاً.. قبل أن تبحث عنه!

لهذا يبتلعها صاغراَ وهو يلتزم الصمت القصير قبل أن يتنحنح ليسألها باهتمام :
_ما الذي حدث اليوم وأوصلكِ لهذا الحال؟!

تأخذ نفساً عميقاً تتمالك به رغبتها في البكاء الآن وهي تظن أنها لن تستطيع الكلام..
لكنها تفاجئ نفسها قبل أن تفاجئه بسيل البوح الذي لم تعرفه هادراً هكذا إلا معه..
تحكي له عن كل ما عانته الأيام السابقة فيستمع إليها صامتاً وعيناه تتسعان بتفهم مدركاً نقطة ضعفها في صراعها مع ماضيها..
وبالذات مع هيام في بيت راغب وحيهما القديم حيث ذكرياتها البشعة مع خطيبها الأول..

لهذا لم يتعجب قولها وهي تلوح بكفيها أخيراً قائلة بانفعال:
_الأمر شديد التعقيد.. أنا ساخطة على هيام لما فعلته بي لكنني مشفقة عليها مما حدث.. أريد البقاء جوارها كي أسندها وأولادها في مصيبتهم لكنني لا أطيق الذهاب هناك حيث أشعر بنظرات الناس تعيرني بالفشل مرة تلو مرة.. أريد الصراخ بحقيقة ذاك المجرم زوجها كي أشفي غليلي مما عانيناه جميعاً بسببه لكنني أحفظ نعمة الله للجميع بالستر.. لا أريد العودة لترددي القديم البغيض..لكن رغماَ عني تقيدني خيوط الماضي.

_اقطعيها كلها..

يقولها بحزم رفيق وهو يحتوي كفها بين راحتيه ناظراً لعمق عينيها باستطراده :
_اذهبي لشقيقتك وكوني جوارها ولو طردتك الف مرة.. ليس هذا خياراً بل واجباً.. أما عن نظرات الناس تلك فليست سوى في خيالك أنت.. ستوقنين من هذا عندما تصنعين نجاحك الحقيقي لتدركي أن قيمتنا الحقيقية تنبع من داخلنا وتنعكس على نظرات الآخرين على العكس.. أنا عايشت هذا بنفسي طوال الأيام السابقة ولازلت أعيشه لكنني أثق أنني سأتجاوزه كما أثق بأنك ستفعلين.

تبتسم وقد صادفت كلماته هوى في نفسها!
ربما كانت ستتخذ وحدها هذا القرار لكن مؤازرته شكلت لديها فارقاً لن تنكره!
خاصة وهي تراه يسألها باهتمام :
_هل فكرتِ فيما ستفعلينه الأيام القادمة بعد ضياع فرصة البرنامج؟!

_البرنامج لم يضع.. أنا من صنعت نجاحه ويمكنني صنع غيره.. لكنني أحتاج وقت..
يرمقها بنظرة متسائلة لتردف بحماس تصاعد رويداَ رويداً في كلماتها :
_سأذاكر! سأحصل على دبلومة في التغذية وأعاود اقتحام المجال على علم.. وفي هذه الفترة سأدرس اهتمامات الناس على وسائل التواصل كي أفهم احتياجاتهم الحقيقية وعوامل الجذب لهم.. سأعود على أرض ثابتة هذه المرة بمحتوى جذاب لكنه هادف.. أنا تعلمت الدرس.. النجاح الرخيص سهل.. لكن النجاح الصعب أبقى.

ابتسامته "الفخورة" وهو يضغط كفها بين راحتيه تبدو لها كشمس أشرقت لها الدنيا حولها من جديد.. لهذا تهمس دون تفكير :
_شكرا..
ثم تسبل جفنيها بخجل مردفة:
_كنت أحتاج ابتسامة كهذه..( أحياناَ) يهيأ إليّ أن لا أحد يمكنه الابتسام بهذه الطريقة إلا أنت.

ورغم ان قلبه كان يحلق بفرحته بعفوية عبارتها التي تقطر صدقاً لكن (الفاجومي) يرفع أحد حاجبيه ليقول بتهكم واثق:
_(أحيانا) ؟! الأصوب ان تقولي (دائماً).

تضحك مرتاحة كأنما أعادت ثقته في نفسه ثقتها هي في نفسها!
أناملها ترتفع نحو عنقها كأنها تتحسس وشاحها الأخضر الذي ما عاد موجوداً.. لكنها - الآن فقط- تشعر برمزيته في روحها..
الحركة التي مسته وجعلته يهمس :

_وأنا أيضاً أقول.. شكرا..
ترفع إليه عينين متسائلتين ليردف وأنامله تتراقص رقصة عاشقة على كفها رغم عتاب نبرته :
_ شكراً لجنونك اليوم مادام أوصلنا - بكرمه - لجلسة كهذه!

حديث طويل تثرثر به العيون بصدق ويجف على شفاههما..
لا يزال بينهما حاجز خفي..
لكن كليهما صار يدرك أنه مهما تقاذفتهما أمواج بحر هادرة فسيجد سكينته أخيراً على شاطئ الآخر!

_والدتك بخير؟!
تهرب بها من فيض مشاعرها المرتبكة وهي ترى النادل قد أتى له بما طلبه من قهوة لكليهما معاً..
فيرتشف من فنجانه ببطء وهو يخبرها عن الأخبار الجديدة لإياد وقضيته وقلق أمه.. لينهيها بقوله الذي حوت نبرته الكثير من الخزي :
_أشعر بالذنب نحوه.. وكأنني أنا السبب في كل ما وصل إليه.
ترتشف من فنجانها هي الأخرى حتى تنتهي فتضعه جانباَ ليكون دورها فتربت على كفيه هذه المرة بقولها :
_دعني أستعير نصيحتك.. اقطع خيوط الماضي واستمتع بفرصة القدر الثانية.. لست وحدك.. بل والدتك وإياد أيضاَ.. محنة صعبة لكنكم لو تجاوزتموها فستكون الجائزة الحقيقية للجميع..

يبتسم وقد عادت عيناه تفيضان بعاطفته ليتناول فنجانها قائلاً بمرح كأنه يتجاوز معها معاناة اللحظات السابقة:
_تعالي نرَ ما يقوله فنجانك.. مممم.. ممممممم.. أمامك طريق طويل.. لا.. لا.. بل قصير.. قصير جداً.. آخره كعك وبسكويت.
_كعك وبسكويت؟! الا تفكر إلا في الأكل؟ أنا اراها زهوراً!!
تقولها باستنكار وهي تختطف منه الفنجان لتنظر لما يشير إليه فيضحك ضحكة رائقة وهو يراها تتناول فنجانه بدورها هاتفة بمرح عفوي :
_دعني أقرأ فنجانك أيضاً.
لكنه يتشبث به هاتفاً :
_لا أحتاج.. أعرف ما فيه..
يقولها وهو يتناول "خلة أسنان" من العلبة القريبة نقش بها على بقايا البن في الفنجان شيئاً ما.. أراه إياها أخيراَ..
_جنية.. تمنحني.. السكينة.

تقرأها بصوت مسموع بطيء لترفع إليه عينين متخمتين بعاطفة لا يمكن نكرانها..
يوماً ما ستخبره أنها دوماَ تحتاجه لتصل لهذا التوازن في روحها..
لو لم يكن هذا هو الحب.. فما هو؟!

_أريد أن أعترف بشيء..

تهمس بها بتردد فيمنحها نظرة داعمة لتردف بالمزيد من التردد :
_شيء.. (قليل الأدب).

ضحكته العالية الرنانة تجذب إليهم أنظار الحضور وتستجلب حمرة خجل قانية لخدّيها لكن (الفاجومي) لا يهتم وهو يقترب بوجهه منها هامساَ بخفوت مرح :
_ربما لم تواتني فرصة مناسبة من قبل لأخبرك أنني أحب الاعترافات (قليلة الأدب) جداً.. جداَ.. لكن لم يفت الوقت بعد.. تفضلي.. اعترفي واشجيني!
_انت لا تشجعني (هكذا) بالمناسبة!
_حاليا لا يمكنني التشجيع إلا (هكذا) بالمناسبة!
يرتفع بها حاجباه بمشاكسة وقحة فتكتم ضحكتها وهي تحس - رغم انتباهها لنظرات الحضور حولهم - انها مثله لا توليها اهتماماً..
تتمالك شجاعتها لتعترف بما ظنت أنها مدينة له به :
_ليلة زفافنا..
_(الله يقطعها)
يقاطعها بها بمرح متعمداً كسر حاجز حرجها فتبتسم عفوياَ وهي تسمعه يردف :
_وهل كانت هذه (ليلة زفاف)؟! (الليلة السوداء) إذن ماذا يكون شكلها ؟! لولا الملامة كنت اقتبست منها قصة رعب وكتبتها على مدونتي..! المهم.. مالها (ليلة الهنا)؟!

يحمر خدّاها أكثر وهي تطرق برأسها تحاول البحث عن كلمات مناسبة :
_عندما تقيأت.. كان هذا بفعل التعب..وبعدها كنت أتمنى مثلك أن ينجح الأمر.. الفشل كان يشعرني أنني أنا المعيبة.. خاصة وقد كنت انا.. أنا..
_هه.. هه..يا مسهل! الأمل في الجملة القادمة!
يقولها مترقباَ بتحفز فتغطي وجهها بكفيها ليصله صوتها بالكاد وهي تلفظها بسرعة تكاد لا تبين.. تكاد تقضمها قضماَ :
_احب.. ما كنت تفعله.
_حسبي الله ونعم الوكيل!
تشهق وهي ترفع كفيها عن وجهها لتسمعه يردف بغيظ وهو يعتصر يديها بين قبضتيه :
_هل اخبرتك يوماَ عن (توقيتاتك المبهرة) ؟! أظنني قد فعلت يوماً !! يا (بنت الحلال) كنا منذ أقل من ساعة - والله أقل من ساعة فقط- في شقة طويلة عريضة مقفولة علينا فكنتِ تحدثينني عن (معجون الحلاقة)! والآن ونحن في وسط العاصمة.. في مطعم لا يقل رواده عن مائة نسَمة.. تعترفين بهذه الأمور فوق ١٨ +؟!!!

تتحرر ضحكتها منطلقة وهي تحاول سحب كفيها منه بينما تسمعه يردف بنفس النبرة المغتاظة :
_حالة مستعصية من التخلف الزماني والمكاني! أقسم بالله! عموماَ لعله خير! اعتراف كهذا كان كفيلاَ ألا أخرج من شقتك إلا وانت غير مضطرة فعلاً لتكذيب خبر الحمل!

يتشاركان الضحك للحظات والمكاشفة الأخيرة تزيل المزيد من الحواجز بينهما..
ورغم السخرية التي كانت تقطر من حروفه لكن كليهما كان يدرك أهمية اعتراف كهذا في (مكان) كهذا..
بل لعل قيمة المكان هي التي منحتها الجرأة لتعترف وهي تشعر بتاريخهما هنا!

_لا اريد ان أحبطك. . لكنني.. لازلت أحتاج لوقت.

تقولها أخيراَ بترقب بعد صمت صاخب بالمشاعر وهي تخشى ان يسيئ فهمها لكنه لا يخذلها وهو يربت على كفها قائلاً بجدية تامة وتفهم نادر :
_خذي وقتك.

تبتسم بامتنان ليردف بتهكم ساخر كانه لم يطق الجدية طويلا:
_لكن استعجلي قليلاً بالله عليك.. أدركي اللعب في شعري قبل أن يقع!

ضحكتها الرائقة تعزف اجمل الحانها على اوتار قلبه فيتنهد وهو يميل عليها بهمسه المشاكس:
_انا أيضاَ لدي اعترافات كثيرة (قليلة الادب) لكنني أذكى منك.. أدخرها لوقت (عوزة).. سأبتزك كثيراً حتى تصلي لأحدها.. (وأنا في (الابتزاز) معنديش عُزاز)

_افتقدت الفاجومي.. افتقدته بهذه الصورة جدا.

تقولها ضاحكة وهي تشعر أنها قبل لقائه "واحدة". . وبعده "أخرى"!!

_وهو افتقدك جداً.. جداً.. جداً..

يقولها بعمق عاطفته وهو يراها تقف تأهباً للمغادرة بعد ما رن هاتفها برقم رؤى ليردف وهو يقف بدوره مشيراً للطاولة :
_لا تصدقي ما قلته منذ قليل عن الطاولة الخالية .. دوماً سأكون هنا.. دوماً.
=======







_فيصل! ما الذي تفعله هنا؟!
يسأل حسام بدهشة وهو يرى الضابط فيصل في المركز الطبي حيث تحتجز فجر - مؤقتاً - على ذمة قضية الكوبرا..
ليصافحه الأخير بقوله المقتضب :
_احد معارفي هنا.
يرمقه حسام بنظرة امتنان مقدراَ لتحفظه وهو يتذكر كيف ساعده منذ عهد طويل عندما احتجزت ديمة في السجن في الصعيد.. بل إنه هو من عاونه في استعادة حقيبة (البروكار) وقتها.. ليس هذا فحسب.. وهو أيضاً الذي خاطر معه ذاك اليوم الذي اقتحما فيه قبو غازي ليعثرا وقتها على الآثار ويعاد فتح القضية.. بل هو الذي ساعده مؤخراً في استعادة (قرط هالة) من أحراز القضية كي يهديه هو لديمة.

يتنهد حسام بحرقة لم يستطع إخفاءها وهو يشير لغرفة فجر القريبة قائلاً :
_غداً ستخرج فجر بعد انتهاء الاجراءات واكتمال التقرير الطبي .. لو كان بيدي أن أقتل ذاك الوغد الف مرة لما ترددت في فعلها.
تبقى ملامح فيصل جامدة لكن هذا لم يخدع حسام الذي تبين في زمة شفتيه ولغة جسده شعوراً أنه يخفي شيئاً ما..
لهذا عاد يسأله باهتمام :
_أنت تتذكر فجر؟! أظنك كنت معها في المدرسة الابتدائية في مدينتنا!

_للأسف لا أتذكرها! كان هذا منذ زمن بعيد.

يقولها فيصل بنفس النبرة الجامدة والتي كانت لتشي بقلة ذوق في موضع كهذا لولا شعور حسام أنه يخفي الكثير خلف الواجهة المتماسكة هذه..
لكنه نفض الأمر عن رآسه مؤقتاً وهو يرى فيصل يمد له يده مصافحاَ بقوله:
_ازمة وتمر يا (حسام باشا)! لو احتجت شيئاَ كلمني.. فرصة سعيدة!

يصافحه حسام بدوره وهو يرد بدبلوماسية ليراقبه حتى يغيب عن بصره داخل اروقة المركز..
يطلق زفرة حارقة وهو يعد نفسه للأصعب..
زيارة فجر التي تخز قلبه كل مرة بنصل من نار!
لقد حمل على عاتقه الجانب الأكبر من الأمر وقد أقنع رجال عائلته - بعد تصريحه الصادم انها لا تزال علي قيد الحياة بعد كل هذه السنوات - أن يكون هو المسئول عنها هنا..
أسرّ رغبته الحقيقية التي دفعته لهذا وهي يقينه انها تحتاج حتماَ لعلاج نفسي بعد الذي تعرضت له..
اجل.. ليس مثالياَ لينكر أن العلاج النفسي لا يزال الناس لا يتقبلونه بسهولة ويفضلون استسهال الأمر ووصف صاحبه بالجنون او الانطوائية..
والمسكينة لا ينقصها المزيد من الوجع!
يغلق صدره على ما فيه كما يجيد فعلها دوماَ وهو يتخذ طريقه لغرفتها..


وعلى فراشها كانت هي جالسة في عمق ظلمتها!
لا تزال تشعر بثقل رأسه على صدرها كما كان يوم وفاته..
لا تزال أناملها تحس بالملمس المعدني البارد للمسدس..
لا تزال تسمع صوته الذي لم يؤنسها غيره طوال هذه السنوات..

(راضية؟!)
تسمعها بصوته!
هل ظنها حقاً سترضى بهذه النهاية؟!
أم انه ظن أن فطرتها تشوهت مثله فأراد لها القصاص الذي كان سيرضيه؟!
هل أرضاها هي أم أرضى نفسه؟!

تسمع صوت الباب يفتح..
ورغماَ عنها يبادر لسانها بالكلمة التي اعتادتها طوال هذه السنوات كانها (مبرمجة)!
_عدت؟!

لكن الجواب يأتيها مخالفاً لما عهدته وهي تسمع صوت حسام يرد بمودة :
_نعم حبيبتي.. كيف حالك اليوم؟!

ورغم العاطفة التي تدرك انه يكنها لها لكن قلبها (المعطوب) كان يترنح بين ضلوعها باشتياق ل(قاتله)..
كل الأصوات تبدو غريبة عليها حتى لهؤلاء الذين يفترض ان يكونوا أولي قربى!

(ولمن سواكِ أعود؟!)
حقاً لن تسمعها بعد اليوم وقد عاشت طوال السنوات السابقة تنتظرها لتفتح لها نوافذ الأمان..
قبل أن تدرك أنها كانت أبواب جحيم!!

غربة!!
قد نتعايش مع غربة نسكنها.. لكن ماذا عن غربة تسكننا؟!

_فجر! سمعتِ ما كنت أقول؟!

صوت حسام الآسف ينتزعها من شرودها فتهز رأسها بما يشبه الاعتذار ليعيد ما كان يقوله ولم تسمعه:
_غداً يمكنك الخروج من هنا.. سنذهب إلى بيتي..عندي خبر سيسعدك.. أنا أعد العدة للزواج في خلال بضعة أسابيع فور ما أطمئن عليكِ .. اسمها ديمة.. ستحبينها كثيراً.. لي معها قصة طويلة سأحكيها لكِ فيما بعد.

لكنها تبدو له غافلة عن كل ما يقول..
تحرك كفيها ببطء.. تفرق بين اصابعها.. تئن انيناَ خافتاً يوجع قلبه وهي تسأله :
_نظيفتان ؟!

_نعم حبيبتي.. جداً.

_عليهما دم؟!

_لا..طبعاً.

لكنها تبدو وكانها لم تسمع الجواب تكرر الطلب الذي دأبت عليه منذ الحادث.. كل ساعتين تقريباَ أو ما يقل.. تطلب نفس الطلب..
_أريد غسلهما!

يتمزق قلبه بين شعوره بالإشفاق عليها وسخطه على ذاك المجرم الذي رحل تاركاَ لها هذا الجحيم خلفه..
يساعدها لتقف ثم يتوجه بها نحو الحمام القريب فيساعدها في غسل يديها جداً كما يفعل كل مرة..
فيرتجف سؤالها بخفوت.. يكاد لا يسمع :
_هل مات حقاً؟!
هنا لم يتمالك نفسه وهو يرجها بين ذراعيه هاتفاً بانفعال :
_نعم.. مات.. مات ميتة رحيمة وأنا الذي وددت لو أقطعه بيدي ألف قطعة.. انسي كل هذا.. انسيه.

تهز رأسها نافية برفض..
ثم تعيد الإطراق به باستسلام!
دموعها تسيل على خديها وابتسامة ذبيحة تترنح على شفتيها :
_حاضر! انسيه.. حاضر! .. ارمي الماضي وراء ظهرك.. حاضر! انظري لمستقبلك.. حاضر! أنتِ المخطئة من البداية.. فعلاً! انتِ من أسأت الاختيار.. معك حق! كل الأجوبة جاهزة.. هل يمكن الآن فقط أن تتركوني لحالي؟!

وجهها يتفاعل مع كلماتها بألم يذبح المزيد من حروفها فيحاول تهدئتها لكنها تنفض ذراعيه عنها هاتفة بخوف :
_هل أرتدي ثياباَ بيضاء؟!

_لا.. منذ طلبتِ مني ألا نلبسك الأبيض وأنا تكفلت بالأمر.. لا تقلقي.

يقولها كاظماَ غضبه والخوف الذبيح على ملامحها يثيره اكثر..
خاصة والمسكينة مستمرة في أسئلتها بنبرة تقطع القلب:
_والغرفة؟! بابها مغلق؟!

_هذه لم أتمكن من التصرف فيها.. يجب ان يغلق باب الغرفة كي..

_لا.. لا.. افتحه.. لا أريد أبواب مغلقة بعد اليوم.. لا ثياب بيضاء.. لا عزف ولا عود.. يداي نظيفتان.. نظيفتان جداَ.. جداً..

صرخاتها خافتة واهنة تفتقر للحدة كأنها لا تريد إيذاء أحد بها سوى نفسها..
أناملها تتحسس موضع علبة الصابون بانفعال تبحث عنها فتسقط رغماَ عنها ليناولها إياها وهو يشعر بأنه مكبلٌ..
لولا أن دكتور كنان طمأنه بشأنها لطار عقله حزناَ عليها!

يحاول التسرية عنها بعدها بحكايات كثيرة بعدما خرج بها لحديقة المركز فتتجاوب معه تارة.. ويختطفها شرودها تارات..
يعود بها لغرفتها وقد حان موعد انصرافه ليعدها بالقدوم في الغد..
فترجوه بلهفة :
_لا تغلق الباب.

_سأتدبر الأمر قدر المستطاع هنا.. وعندما تكونين في بيتي لكِ ما تشائين.

يقولها مهادناَ وهو يؤمل نفسه ان تكون حالتها هذه مؤقتة..
باستثناء إصابتها بالعمى والتي حسم الأطباء أمرها بأنها دائمة!
يقبل رأسها مودعاَ فتمنحه ابتسامة باهتة لينسحب ذهنها رغماً عنها لمتاهات (آمنة) رغم تشابكها..
متاهات ترى نفسها تركض فيها وهي تحمل على ظهرها عوداَ.. عوداً ثقيل الحجم تسقط به في النهاية.. تلتف أوتاره على عنقها فتخنقها.. لكنها لا تمنحها راحة الموت..

وقتٌ ثقيل يمر عليها قبل أن تشعر بأحدهم يدخل الغرفة..
عطره غريب عن عطر حسام أو الممرضة التي اعتادتها هنا..
بل هو عطر قديم..!
(قديم) كأنها شمت مثله منذ سنوات طويلة..
كأنه اختطفها فجأة لسنوات مراهقتها!

_من؟!

هتافها واهن وجل يختض معه جسدها وهي تفرد ذراعيها أمامها بعجز..

عجز يوخز صدر هذا الذي وقف أمامها على مسافة مناسبة وقلبه يكاد يقفز بين ضلوعه..
هي حية إذن!
لم تمت كما زعموا!
كل هذه السنوات كان قلبه محقاً وهو يبحث بين النساء عن طيف يشبهها فلا يجد..
وهاهي ذي بنفسها عادت!

تغيرت ملامحها قليلا بأثر هذه السنوات..
اتسعت عيناها بسعة الجرح الذي تركه مصابها في قلبه..
ضاق جبينها بضيق السرداب الطويل الذي اضطر أن يدفن فيه حبها حتى قبل أن يختطفها ذاك المجرم..
لكن لا تزال شفتاها نديتين كالأمل الذي عاد ينثر بذوره في روحه..

_من ؟!

من جديد تسأل فيكاد يبقى على صمته كما اعتزم قبل حضوره..
لكن رؤيته للدموع التي تكدست في عينيها مع رجفة جسدها التي انتقلت إليه تجعله يتمتم دون وعي :
_أنا.

_من أنت؟!

_أنا الذي لا أحد أسعد منه اليوم بعودتك.. ولا أحد أشقى منه اليوم بمصابك.

صوته كان شديد الخفوت كأنه لا يريدها أن تسمعه رغم أن قلبه كان يتمنى بكل طاقته لو تفعل..
حتى لو رفضته مرة أخرى!

_من؟!

نبرتها هذه المرة أكثر سكينة كأنما تذكرت بالصوت شيئاَ من زمن بعيد..

فيود (فيصل) لو يقترب أكثر..

_آسف لأنني لم اكن موجوداً عندما أصابك كل هذا وأنا الذي عاهدت نفسي يوماَ ألا يصيبك أذى إلا ويصيبني قبلك.

تنفرج شفتاها ولا تزال عاجزة عن تمييز الصوت فتهز رأسها بعجز وهي تحيطه بكفيها..
ليصلها صوته أك ثر قوة :
_سارحل الآن لكنني سأعود.. يوماَ ما سأخبركِ عن قصة أنت بطلتها.

تشعر به يبتعد فتنادي وهي عاجزة عن معرفة من تنادي..
دقائق تمر بها متثاقلة حتى تشعر بالممرضة تقترب فتسألها بلهفة :
_من كان هنا؟!
_لا أحد.
_واثقة؟!
_الباب مفتوح كما طلبتِ.. لكن لا أحد يمكنه الدخول هنا.

تقولها الفتاة مدافعة فتنكمش هي على نفسها وهي تستعيد ما سمعته..
هل كانت تتوهم؟!
هل أصابها الجنون حقاَ؟!

تغمض عينيها وهي تستلقي على الفراش تتوسل النوم الذي يرحمها أخيراً من دوامات أفكارها..
لكن كلماته الأخيرة تبقى عالقة في غياهب اللاوعي..

(يوماً ما سأخبرك عن قصة أنت بطلتها)
========










******
*أحمر*
=======
_إبراهيم..

يناديه بها ربيع مراراً وقد انتهى المأذون لتوه من عقد القران لكنه لا يلتفت..
بل يبدو وكأنه لا يسمع!
فقط قدماه تركضان ركضاً مغادراً شقة أبيه حيث تجمع أهله ورجال الحي بينما تجمعت نساؤه هناك فوق سطح البيت مع العروس حيث يتوجه هو الآن..
عرضت هبة بحرارة أن يكون الزفاف هذه المرة - كسابقتها- على سطح بيتها هي..
لكنه أصر بحرارة أكبر أن يكون الزفاف هذه المرة هنا.. في بيته..
كأنه يعلنها للدنيا كلها أنها.. تنتمي له!

أنفاسه اللاهثة تتوقف على بعد خطوات منها وهو يراها في ثوب زفافها الذي اختاره بنفسه هذه المرة..
عجباً لها من امرأة تشكل من الثياب - مهما تباسطت-كارثة!!
أي ثوب قد يخفي فتنة كهذه؟!
هاهو ذا الثوب زادها جمالاً.. وزادته هي جاذبية وصلت حد السحر !
فيا ويل عينين تكحلتا برؤياها..
ويا نعيم قلب ارتضت سكناه!

يراها تقف ويقف معها الزمن!
بل يقف كل شيء عدا قلبه الذي تتقافز دقاته بجنون..
وذراعاه اللتان تضمانها إليه بلهفة..
لهفة لا يشبهها سوى لهفتها هي!!

أخيراً.. عادت لصدره.. كطير وجد موطنه بعد طول سفر!
كم قالت أنها تعشق رائحته والآن يكاد يقسم أنه تجاوز هذا بكثير..
كيف لا؟! وهو يشعر انه الآن فقط بقربها عاد.. يتنفس!!

هل مرت دقيقة..
اثنتان..
عشر ؟!
هل حقاً تضمها ذراعاه أم يضمه قلبها هي؟!
لم يشعر بنفسه إلا وصوت الزغاريد من بعيد.. من بعيد جداَ كأنه من عالم آخر - ينتزعه من سكرته..
يبعدها قليلاَ.. قليلاً جداَ.. قدر ما سمح به شوقه في هذه اللحظة ليقبل رأسها..
تعلو الزغاريد أكثر مع صدى خفقاته وهو يرفع كفها ليلبسها "دبلته" هذه المرة على مرأى من الجميع..
لكنه قبل أن يفعلها أدارها أمام عينيها يريها ما حفر داخلها ليخرج صوته مثقلاً بعاطفته :
_يسرا.. يسرا وابراهيم.. ليس بتاريخ اليوم ولا الأمس القريب.. بل بتاريخ أول مرة رأيتك فيها.. قد يدعي عقلي أنه أحب نسختك الجديدة لكن قلبي لن ينكر الحقيقة.. يشهد أنه أحبك وتمناكِ له من أول يوم..لم أعد أكره "سواد" ماضينا فلولاه ما وصلنا ل"قوس قزح".

يقبل ظاهر كفها فتفعل المثل..
تحاول البحث عن كلماتها لكنها تذوب على طرف شفتيها..
ترفع إليه عينين.. وقلباَ.. وروحاً..
العندليب في عينيها ما عاد أخرس بل صار يشدو على لحن خفقاته..
غمامة من دمع فرح وردي تحول بينهما فيقبل رأسها من جديد قبل أن يفقد ما بقي له من صبر فيتحرك معها نحو شقتهما بالأسفل..
صوت الزغاريد يعلو أكثر لكن كليهما لا يسمع الآن سوى صوت الأخر..

يتوقف بها أمام "الصبة الأسمنتية" بأثر "قدم حسن" وقد تسمرت قدماه رغماَ عنه كما تسمر قلبه أمام ذكرى الغالي الراحل..
ابتسامة دامعة تتراقص على شفتيهما معاَ وكأن كليهما في هذه اللحظة قرأ ما في قلب صاحبه..

يرفع إبراهيم عينيه فجأة ليصطدم بوجه (جنة) التي جاءت لتحضر الزفاف وقد تكدست الدموع في عينيها وهي الأخرى تشاركهما قدسية الماضي..
تكتف ساعديها وهي تهز له رأسها بحركة ذات مغزى كأنما تذكره بحديثهما معاً ذات يوم..
(حسن) لم ولن يكون مجرد صورة مخفية في درج مكتبها هي..
او أثر قدم مطبوع على أرض صلبة هنا..
حسن سيبقى صوت (الحق) الذي لن يموت.. ابداً لن يموت!

يغص حلقه وهو يهز لها رأسه بدوره فتتنهد بارتياح وهي ترمق يسرا هي الأخرى بنظرة عميقة أغلقت كل دفاتر الماضي وفتحت الباب للعمر الجديد..

ومن بعيد يراقبهم ربيع جميعاً بنظرة متفحصة راضية وقد دمعت عيناه هو الآخر..
يرفع عينيه للسماء بدعاء صامت وهو يتحسس موضع قلبه طالباً الصبر والعوض قبل أن ترتسم ابتسامة راضية على شفتيه وهو يتقدم من العروسين..
ابتسامته تتسع ل(جنة) التي صافحته بحرارة وهي تدعو لهما للبركة.. قبل أن تتراجع لتفسح له الطريق..
يضم ابراهيم بأحد ذراعيه ليقول مخاطباَ يسرا بصوت متحشرج بعمق عاطفته وهو ينظر لأثر قدم حسن :
_الآن أقولها راضياَ ولله الحمد.. قضى الله بحكمته ان أُحرَم ابناً.. لكنه أنعم عليّ بكرمه ومنحني ابنة.

هنا تعجز يسرا عن منع دموعها وهي تخفي وجهها في رحاب صدره..
تسمع من خلفها أصداء الزغاريد لأناس رفع الله مقامها في قلوبكم بعد ذل وخزي..
وأمامها حضن ربيع يعوضها عن سابق عمر قبيح..
وتحت قدميها تشعر بالأرض الثابتة التي لن تخاف بعد الآن أن تتعثر فيها خطواتها..
وفوقها سماء رحبة لم تعد تخشى ظلمة تحول بينهما..
وحولها.. حب..
حب يكفي لتحلق به ما بقي لها من حياة!

لا تزال كلماتها مفقودة وهي تشعر بصدر إبراهيم يضمها من جديد..
من بعيد يلوح لها سامي بفرحة طفولية مع سندس وهبة التي تندفع نحوها الآن لتعانقها بقوة هامسة في أذنيها:
_افرحي وأبشري بعوض الله وكرمه.. تعبتِ كثيراً وجاء وقت الراحة.
تقولها لتمسح لها بقايا دموعها على وجهها.. دموع شاركتها إياها وهي تردف بابتسامة واسعة:
_اكتفينا من الدموع يا (عروس).

تهز لها يسرا رأسها بضحكة قصيرة عانقت غصة دموع الفرح وهي تشعر بإبراهيم قد نفد صبره وهو يجذبها ليقربها إليه أكثر..
يهبط بها الدرج نحو شقتهما تلاحقهما المزيد من الزغاريد..
كل درجة تهبطها تساوي درجة ترفعها في سلم آخر نحو حياة اختارتها بنفسها..
أجل.. هي خرجت من إطار الصورة القديمة لترسم نفسها بنفسها هذه المرة..
فكافأها القدر بإطار آخر أكثر جمالاً ورونقاَ!


يغلق الباب خلفهما فينتفض قلبها انتفاضة ترجفها كاملة وعيناها تطوقان المكان حولها..

كان إبراهيم قد رفض أن تراه قبل أن يعده ثانية بأثاث جديد
أثاث ربما هو أبسط كثيراً من سابقه لكنها لا تزال تشعر بأثر المكان عليها..
أخبرتها هبة أن كل أهل الحي كانوا يتنافسون لإهداء إبراهيم ما يلزمه من إعادة تجهيز البيت.. كلٌ حسب مقدرته..
فكأن البيت الجديد لم يقم على حب إبراهيم وأهله فحسب..
بل ومودة وتقدير أهل الحي كلهم!

_بيتي يا إبراهيم.. بيتي..

أخيراً تجد كلماتها منذ بدأت الليلة ودموع فرحتها تسابق نظراتها الركض حول أرجاء البيت..
ضحكاتها تمتزج بدموعها في مزيج غريب يجعله يضمها بين ذراعيه بتأثر محاولاً احتواء انفعالها..

_بل هنا.. هنا بيتك..

يشير بها ل "صدره" في ثانية خاطفة قبل أن تجد نفسها كلية مغمورة بين ذراعيه طافية على صدره بل.. غارقة فيه!
أحد كفيه يثبت رأسها على صدره والآخر يضغط ظهرها إليه كانه يزرعها بين ضلوعه..

قبلاته طائرة على ملامحها ممتزجة بأنين اشتياقه وأنامله المرتجفة تعانق وجنتيها عناقاَ يشبه ضم نظراته فلا تدري أيهما يمسح دموعها.. أصابعه ام شفتيه..

قبلاتها لا تقل حرارة وهي تشعر أن عناقهما هذه المرة مختلف!
أخيراً تسبح عاطفتها حرة دون قيود ذنب تجرها للقاع!!

_رائحتك..آآه. كم افتقدتها بهذا القرب! أخشى أن يكون كل هذا وهماً.

تهمس بها بعمق اشتياقها وأظافرها تكاد تنغرس في ظهره بتشبث من تخشى الفقد..
لكن شفتيه تعانقان شفتيها بقبلة ناعمة سبقت همسه الحار :
_بل أنتِ الحقيقة وكل ما دونك وهم.

آهة عميقة تسبق فيضاَ من دموعها التي حاولت كبحها دون جدوى لتهز رأسها تتمتم بانفعال :
_سامحني لو بكيت الليلة.. عاهدت نفسي ألا أفعل لكن..لا أستطيع.

فيشدد قوة ضمته لها وهو يسمعها تردف بين طوفان دموعها :
_اعذرني.. كم بكيت وحدي كثيراً.. دموع حزن.. فقد.. خوف.. وحتى فرحة.. والآن أريد أن أبكي كل شيء هنا..في بيتي الحقيقي.. على صدرك.
تدمع عيناه هو الآخر وهو أكثر من يفهم ما تعنيه وكيف لا؟! وقد شاطرها نفس الجرح..نفس الوجع..

لكنه يرفع ذقنها إليه مناجياً (العندليب الصادح) في عينيها بهمسه :
_ابكي كما تشائين لكن بشرط.. أن يكون هذا آخر عهدنا بالماضي وجرحه.
تستسلم لدقائق لنوبة بكاء عاطفية أخرى وهي تكاد تذوب في حنان عناقه..
لتنتفض مكانها فجأة وهي تسمع صوت طلقات نارية بالخارج مع بعض الصخب..
لكنه يربت على ظهرها ضاحكاً بقوله :
_لا تخافي.. إنهم (الحرافيش).. نذروا أن يحيوا الليلة هكذا طوال الليل مع الرقص للصباح..
فتطلق أخيراً ضحكة قصيرة وهي تمسح وجهها هاتفة بحرارة :
_يالله! كم افتقدت كل هذا.. افتقدتكم كلكم!

_صدقيني لو نطقت هذه الجدران لأخبرتك أن كل ما هنا هو الذي افتقدك.
يهمس بها بحرارة بين اشتياق ولوعة لتسأله بتردد :
_منذ عرضتَ عليّ الزواج ك(يسرا) وأنا أؤجل هذا السؤال للحظة كهذه أكون فيها على صدرك.. لماذا سامحتني ؟!

فترتجف ابتسامة رائقة على شفتيه وهو يجذبها من كفها ليتحرك بها نحو بقعة معينة في الشقة..
هذه التي وقف بها فيها مشيراً لأرضيتها قائلاً :
_طالما عرفت ان الأرض تشفع للمرء عند موته فتشهد على سجوده وعبادته.. لكنها شفعت لكِ عندي في حياتك.. تلك الليلة التي سبقت عودتي إليكِ قادتني قدماي إلى هنا.. ظننتني وقتها سأستعيد عهد هناءتنا وحبنا فحسب.. لكنني وجدتني أستعيد ذكرى صلاتك وبكائك هنا في سجودك.. تذكرت تلك الليالي الكثيرة التي كنت أستيقظ فيها من نومي لأجدك هنا وحدك تبكين ولا أعرف السبب.. ساعتها حدثتني نفسي كم تعذبتِ كثيراً بكتمانك.. نمت ليلتها ورأيت رؤيا خير فأيقنت أن المسألة محسومة..

تبتسم بدورها وهي تسمعه يكرر عبارته القديمة :
_وكأن نصيبي في الهوى كان مدخراً بخزائنك.. منتظراً أن يقال له فوق جبينك (كن).. ليكون!

لكنها تشيح بوجهها لائمة :
_ومع هذا طابت نفسك أن تتزوج غيري؟!

يضحك ضحكة طويلة فتلتفت نحوه لتهتف بهستيريتها المعهودة وهي تلكم كتفيه بقبضتيها :
_وتضحك أيضاً؟!
فيقبض بكفيه على كفيها فوق صدره ليهمس أمام عينيها :
_أضحك لأنني كسبت الرهان.. راهنت نفسي ألن تمر هذه الليلة إلا وتعاتبينني على هذا!

تدمع عيناها من جديد وذكرى تلك الليلة تجلدها بسياط من نار..
لكنها تتذكر فجيعته بها هو الآخر وقد اكتشف زيجاتها قبله فتسبل جفنيها على حرقتها لتسأله بصوت متقطع :
_فقط اصدقني القول ولن أناقشك..هل كانت تعجبك تلك الفتاة؟! دق لها قلبك؟!

قبلتاه الناعمتان على جفنيها تجفف الدمع في عينيها وهي تشعر به يلصقها لصدره هامساً بحرارة :
_أي قلب هذا الذي يدق لسواكِ؟!
ثم يتنهد بحرارة تجبرها أن تفتح عينيها لتسمع بقية بوحه:
_والله لم أحب ولن أحب غيرك.

تنتهي بقية حروفه بين شفتيها.. لم تكن تحتاج لأكثر من هذا لتغرقه بموج عاطفتها الهادر الذي اشتاقه..
هل تنجب النيران موجاً؟!
هل ينبت الموج ناراً ؟!
الجواب يصهرهما معاً فلا يعرف أحدهما فارقاً بين موج ونار..
كلاهما في الحب تهلكة.. كلاهما في الحب نجاة!
=======
تستيقظ صباحاً على قبلاته الناعمة التي دغدغت بشرتها لتتمطأ بدلال وهي تحيط عنقه بذراعيها.. تستعير عبارته :
_أجمل منبه في الدنيا.

ضحكته العذبة ترن في أذنيها فتئن باستمتاع هامسة :
_اعذرني لو نمت طويلاً.. لم أنم هكذا منذ عهد طويل.
_انا أيضاً أعاني الأرق منذ عهد طويل.. لكن إحساسي أنك عدتِ بين ذراعي يمنعني النوم.. لا أريد أن أضيع لحظة واحدة أضمك فيها لصدري.
همساته حارة شغوف ربما بأكثر مما عرفته في أيام زواجهما الأولى..
(أنامله) حائرة بين ترتيب خصلات شعرها المتناثرة حولها على وسادتهما وبين تلمس سلسلة عنقها ذات القلوب الثلاث حتى تنقذها (شفتيه) من حيرتها فتشاركانها المهمة!

رنين الجرس يقطع سحر اللحظة فيفكر كلاهما جدياَ في تجاهله لولا علو صوت سندس من الخارج يكاد يسمع أهل الحي كلهم :
_(أجمد) إفطار للعروسين.. هيا افتحوا.. هل ستنامان للظهر؟!

_تجاهليها حتى تمل وتغادر.
يقولها إبراهيم وهو يشدد ضمة عناقه لها فتضحك يسرا قائلة :
_من هذه التي تمل وتغادر؟! سندس؟!! طيب أنت جداَ!! هي على استعداد لان تبقى هكذا طوال النهار دون أن تخبو عزيمتها لحظة واحدة!!

وكأنما سمعتها سندس لتزداد قوة طرقها على الباب مع رنها للجرس في نفس الوقت ليزفر إبراهيم وهو يقوم قائلاً :
_آخذ منها الطعام وترحل.
يغادر الفراش لخطوتين..
خطوتين فقط بدا بعدهما غير صابر وهو يعود إليها ليقبلها بلهفة هامساً :
_واثقة أنتِ أنها لن تغادر ؟!

تضحك يسرا ضحكة رنانة وسندس تمنح الجواب العملي وهتافها يعلو من جديد :
_ستنامان للظهر؟! حتى لو للظهر.. هو قد أوشك أن يأتي وقته!

يتأفف إبراهيم وهو يترك عناقها مرغماَ ليرتدي ملابس مناسبة..
يفتح الباب لسندس بملامح مغتاظة وهو يهم بتناول الصينية منها وطردها شر طردة لكنها تتشبث بها هاتفة :
_أين يسرا؟! اريد أن أصبح عليها.. اعتدت ذلك.

_عودي عصراً.. بل ليلاً.. أقول لك.. عودي غداَ!
يقولها بخشونة وهو يهم بتناول الصينية منها من جديد لكن الفتاة تبتعد بها هاتفة :
_لن أرحل حتى أراها..افتقدتها!
_وأنا أيضاً افتقدتك.

يرمق إبراهيم يسرا بنظرة مغتاظة وهو يراها خلفه قد ارتدت عباءتها وحجابها وكأنها لن تعود للفراش قريبا..
فتتقدم سندس لتضع الصينية على المائدة المجاورة ثم تعانق يسرا بقوة هاتفة بصخب:
_ما شاء الله.. قلت لهم الجواز (يحلي) ولم يصدقوني.. قمر صاحٍ من النوم يا ناس!
ثم تميل على أذنها بهمسة ماكرة :
_كانت ليلة ولا ألف ليلة.. صحيح؟!
تضحك يسرا بخجل وهي تلكزها في خاصرتها زاجرة لتعود الفتاة لثرثرتها غافلة عن تململ إبراهيم:
_هبة أعدت الفطور لكنها استحت من أن تحضر.
_وأنتِ الا تستحين؟!
يهتف بها إبراهيم بخشونة لم تخلُ من مرح لتلوح سندس بكفها وهي تنادي :
_تعال يا سامي.. أعرف أنك وراء الباب..
ثم تلتفت ليسرا مردفة:
_طوال الليل يسأل عنك.. اعتاد النوم في حضنك.

_هذا ما ينقصني!

يتمتم بها إبراهيم بغيظ وهو يرى الصغير يدخل من الباب يندفع كقذيفة نحو يسرا التي تلقفته لتحمله مغرقة وجهه بقبلاتها ومغرقة إياه بدلالها المعهود..

_درويشنا استيقظ مبكراً..

بصوت قيس الذي وقف عند الباب يسمعها إبراهيم فيدفعه للخارج قائلاً :
_لا لم أستيقظ بعد.. أنت يهيأ إليك!

لكن عنتر وروميو يظهران بصخبهما المعهود ليتمتم إبراهيم بسخط:
_كملت!

_اطمئن يا عريس.. لسنا قليلي الذوق لننغص عليك صبيحة يوم كهذا.. مبروك.
يقولها قيس وهو يختطف (دجاجة) من على صينية الطعام ركض بها نحو الخارج..

_لماذا تبدو شاحباَ هكذا يا إبراهيم؟!
يقولها عنتر بقلق مصطنع ليردف وهو ينظر للصينية :
_(حمام) هذا؟! كدت أنسى شكله!!

يختطف واحدة ليركض بها للخارج هو الآخر فيكاد إبراهيم يمسكه من تلابيبه لولا انتباهه لروميو الذي تسلل ليختطف طاجن (الارز المعمر) بخفة لص فيتشتت انتباهه بينهما..

_حفنة لصوص! لست مسامحاَ في طعامي عساكم تغصون به!

يهتف بها إبراهيم بغيظ وهو يلحقهم على السلم لكنهم يختفون بغنائمهم في ثوانٍ..
فيعود ليجد سندس قد تكدس فمها بالطعام وهي تحمل طبقاَ كبيراً من الحلوى.. يرمقها بنظرة مستنكرة فترد:
_ليس لي ميل ل(الحوادق) صباحاَ.. هذه البسبوسة رائعة!
يشير لها إبراهيم بسبابته نحو الخارج وقد بدا من احمرار وجهه المغتاظ أنه قد نفد صبره فتخرج بسرعة.. لكنها لم تنس أن تأخذ قبلها بعض الفاكهة من على الصينية..

_وأنت؟! لن تخطف شيئاً؟!

يخاطب بها إبراهيم الصغير بغيظ فيبتسم سامي وهو يظهر كفيه اللذين كان قد أخفاهما خلف ظهره بغنيمته من بعض أصابع الكفتة!!

_والله؟!

يدفعها بها إبراهيم نحو الباب فتمتزج ضحكات الصغير بضحكات يسرا الهاتفة :
_رفقاً به يا إبراهيم.

يصفق الباب خلف الجميع ليقترب منها زافراَ بقوله وهو يناظر الصينية التي اختفى قرابة نصف محتوياتها :
_الأوغاد سرقوا الأكل!
_(ألف هنا على قلوبهم.. مطرح ما يسري يمري)
تقولها بمودة لا تدعيها فيرمقها بنظرة طويلة متفحصة تجعلها تتساءل وهي تحيط عنقه بذراعيها:
_لماذا تنظر إليّ هكذا؟
_صرتِ تتحدثين بكلامنا يا (يسرا هانم)!
يرفع بها احد حاجبيه فتضحك وهي تسمعه يردف :
_قالها لي (مستر ربيع فاهم كل المواضيع) منذ البداية ولم أنتبه.. قال لي أن شكلك وطريقة كلامك غريبتان عنا فلم أفهم.. هل الحب يعمي القلب حقاَ هكذا؟!
تغيم بها عيناه بنظرة دافئة وهو يكاد يلصقها به لتجيب بدلال وهي تداعب أنفه بأنفها :
_وأكثر من (هكذا)!

يكاد ينصهر بلهب فتنتها لكنها تتفلت من بين ذراعيه وهي تشير للطعام قائلة :
_لا مزاج لي لهذا.. تعرف لماذا أشتاق كفطور؟!
_ممممم.. نقول كوب شاي بالنعناع وبسكويت (بيمبو) مثلاً؟!
يقولها بمكر فتصفق بكفيها بدلال وهي تقبل وجنته لكنه يقرص أذنها بخفة قائلاً :
_لا يا حبيبتي.. (الرومنسية) حلوة لا جدال لكنني عريس وأحتاج لتغذية.. ننتهي من هذه الصينية كاملة اولاً.. ثم نفكر في الباقي!
تضحك وهي تراه يسحب الكرسي ليجلس شارعاَ في تناول الطعام فتسحب كرسياَ بدورها لتجلس جواره قائلة بدلال :
_لن تطعمني بيديك؟!
_ وأنا آكل (بإيه)؟!
يتراقص بها حاجباه بمشاكسة مستعيداَ مشهداَ من مسرحية شهيرة فتضحك ضحكة عالية رنانة تلقي سهامها في قلبه وتجعله يعبس فجاة قائلاً :
_أستغفر الله العظيم.
_ما الأمر؟!
تسأله بدهشة ليهز رأسه وهو يقف قائلاً :
_الأكل لذيذ فعلاً.. لكن..
ثم يجذبها من ذراعها ليخلع عنها حجابها ويفك ازرار عباءتها بلهفة تنذر عن قرب اندلاع بركان وشيك.. مردفاً :
_أنت ألذ.
=======


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-05-22, 01:40 AM   #3698

rasha shourub

? العضوٌ??? » 267348
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 1,873
?  نُقآطِيْ » rasha shourub has a reputation beyond reputerasha shourub has a reputation beyond reputerasha shourub has a reputation beyond reputerasha shourub has a reputation beyond reputerasha shourub has a reputation beyond reputerasha shourub has a reputation beyond reputerasha shourub has a reputation beyond reputerasha shourub has a reputation beyond reputerasha shourub has a reputation beyond reputerasha shourub has a reputation beyond reputerasha shourub has a reputation beyond repute
افتراضي

ايه الجمال ده يا نيمو انا كنت باكره يسرا في الجزء اللي فات بس فعلا حسيت انها كانت محتاجة فرصة ونادرا من يستغل الفرص قبل فوات الاوان. فجر وكره الابيض وعمى دائم فعلا اكتر انسانة عانت بسبب انسان مجرم وغير سوي . هيام وغباؤها وعدم اتعاظها و ضغط رهيب على من يعرف الخقيقة ويرى ان المجرم اخذ اقل من عقابه ولكن الله كان رحيم باهل فهمي وابنه اللي سمع يا ترى هيؤثر عليه ازاي . الفاجومي وعزة وحوار من اجمل مايكون . تسلم ايدك طبعا ده مش ريفيو ولا حاجة وماشاء الله علي اول مرة اكتب كتير كدة بس فعلا الجزء رائع جدا تسلم ايدك

rasha shourub غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-05-22, 02:02 AM   #3699

المشاغبة

? العضوٌ??? » 406852
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 446
?  نُقآطِيْ » المشاغبة is on a distinguished road
افتراضي

نيمو و الفصل جميل جميل جميل جميل فوق الوصف كمية جمال وابداع يعجز اللسان عن وصفها
حقيقى تسلم ايدك الله يسعدك و يعطيك العافيه ❤️ ❤️ ❤️ ❤️


المشاغبة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-05-22, 02:03 AM   #3700

المشاغبة

? العضوٌ??? » 406852
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 446
?  نُقآطِيْ » المشاغبة is on a distinguished road
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 803 ( الأعضاء 68 والزوار 735)
‏المشاغبة, ‏صمت صاخب, ‏اميرته العنود, ‏امل حافظ, ‏Alaa96, ‏نونه بدران, ‏Mai aboelmaged, ‏م ممم ممم, ‏ايمان ربيع, ‏emanmostafa, ‏شروق سمير, ‏Seham elhenawy, ‏esraa soka, ‏دانه عبد, ‏فاطيمه 2000, ‏احمد حميد, ‏ارتميسا, ‏Diego Sando, ‏M.T.A.T, ‏منةالله ياسر, ‏ارام@ح, ‏نيو ستار, ‏Omsama, ‏شاكره لله, ‏دعاء عبدالصمد, ‏lolololy909, ‏مريوم ح. س, ‏ياسمين أمين, ‏عزه2008, ‏حخمغ, ‏legendgoose, ‏فاطمة توته, ‏ءايه ندا, ‏وسام عبد السميع, ‏نرمين نحمدالله, ‏sara_soso702, ‏ربيبة عرابي, ‏داليا انور, ‏Aysl, ‏nourelhayat233, ‏47Asmaa, ‏أمنية محمد أحمد خميس, ‏redrose2014, ‏Sea birde, ‏Soi, ‏eng mony, ‏نورا سحر, ‏ياسمين الليل, ‏هبة كيمو, ‏Malak assl, ‏Nesry, ‏محبة ريم, ‏سموره محمد, ‏Moon roro, ‏عفاف ن, ‏هدى هدهد, ‏بنت أبى وأمى, ‏هالة سلمي, ‏ayaaril, ‏egmannou, ‏فرح**, ‏لايوجد اسم, ‏افاتار مونو, ‏suzan11, ‏زهرة برية, ‏Batol210, ‏منى كامل كامل, ‏جهاد مجدي دودي


المشاغبة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:20 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.