آخر 10 مشاركات
آسف مولاتي (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          فلتسمعي أنين إحتضاري *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          77. متى تذوب الثلوج - سارة كريفن - دار الكتاب العربي (الكاتـب : بلا عنوان - )           »          440 - أبحث عن قلبي - هيلين بروكس ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          لا ياقلب - مارغريت ديلي -كنوز أحلام القديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          عندما ينتهي الكذب - هيلين بيانشين - روايات ديانا** (الكاتـب : angel08 - )           »          الهاجس الخفى (4) للكاتبة: Charlotte Lamb *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )           »          78- الآمال الضائعة - فيوليت دينسبير - دار الكتاب العربي (الكاتـب : أناناسة - )           »          زهرة صباحية - آمى لورين - روايات ديانا - (حصرياً) (الكاتـب : Gege86 - )           »          قبل الوداع ارجوك.. لاتذكريني ! * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : البارونة - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree30Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-03-18, 03:17 AM   #471

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل السادس







حينما نظلم بعضنا بعضاً يأتي من يظلمنا، وحاشا لله أن نعدل فيما بيننا ، ثم يأتي من يأخذ أموالنا...... محمد راتب النابلسي.


مدينة الجبل ..... المشفى .....

تسابقت خطواته نحو المجهول، أفكاره في تلاحم مع الهموم، لا يدري بأي قلب يُقبل على رجل أنجبه يوما فكُتب عليه حقا وواجبا الى يوم يبعثون.
كل ذرة من عقله يحتم عليه الإدبار، الجفاء، النكران.
لكن في المقابل، كل منبع للعاطفة فيه يصرخ طالبا الرحمة، التفهم، الحنو، الإشفاق.
فإن هجرته جل معاني الرباط، بقيت صلة واحدة، نطفةٌ كان أساسها ماء ذلك الرجل القابع في المشفى عليلا.
وعى من عاصفة أحشائه على طول أخيه الفاره، يزرع الرواق بخطوات لا تحمل معنى سوى أنه ساهمٌ في عاصفته هو الآخر أم تراها عاصفة واحدة تضم كل همومهم بشتى اختلافاتها.
(يونس!!)... اسم ثَقُل على لسانه، مذ تعرف على أخيه أول مرة لكنه تعود عليه، متجاهلا تلك الغصة التي تعبر حلقه في كل مرة ينطق به.
توقفت خطوته ثم ترددت ليعلم ابراهيم أن الذي دخل السجن شابا وخرج منه رجلا، تغيرت نظرته.
ذلك الخزي تحول لشيء آخر، ارتباك!! ربما، تشكك ظاهر! دهشة كُلية!
قد يكون خليطا من كل شيئ لكن اليقين أن النظرة في مقلتيه تغيرت.
بسط ابراهيم ذراعه تجاه أخيه، يقول بهدوء.
(كيف حالك؟؟).... نظر إلى كفه بقلق ثم عاد إلى مقلتيه ليمد يده أخيرا مستسلما، يضعها داخل راحة الدافئة، ليتسلل ذلك الدفئ من ملمسه الحاني عبر أوردته وينتهي في صلب قلبه مباشرة فلم يستعجل سحبها وأخوه يضع عليها كفه الأخرى، متشبثا بها، يرميه بلمحات الحنو والرأفة.
بلع ريقه غير قادر على الحديث فما صفع إدراكه أمر جلل، هذا الرجل أمامه أخوه الذي لم يتخل عنه حتى وهو في السجن، من قدم له العون والإعانة، حتى بعد رفضه المستمر.
إنه ابراهيم آل عيسى، فخر الجبل والجبال حولها، أخوه هو ولن يقبل بغير ذلك بل يرفض غير ذلك. فغر فمه مدهوشا من احساسه الثائر تجاه من فر منه بكل قوته، ليسأل بصدمة مما كان يهرب؟!، فتأتيه الردود تباعا، يهرب من حضنه الأخوي الدافئ، من احتوائه اللامشروط، من تفهمه وتقبله لوضعٍ لطالما أشعره بالخزي والعار.
بكل بساطة، كان يهرب من أخوة صادقة، رابط دم قوي ذو أصل عريق. اتسعت مقلتيه ودب في قلبه الرعب، وهو يذكر رابط الدم الذي اكتشف مدى فخره لانتمائه له، بل مدى بهجة على ما يبدو كانت سرا خفيا هناك في أعمق نقطة في أحشائه، لا لسبب سوى أن الرجل أمامه يكون أخاه الأكبر.
)أ...... خي .....)... نطق بأحرف يكتشف حق معانيها لأول مرة، متذوقا حلاوة شهدها بين شفتيه، فقطب ابراهيم يرد بحيرة طغت عليه بسمته هادئة ....
)أجل أخي .... كيف حالك؟).... شهق بخفة يسلك حنجرته، يقول بتوتر ....
)بخير... على ما أظن ...).. زادت حيرة إبراهيم بينما يعلق..
)ماذا تقصد؟).... سحب يده بتمهل ليمسح على وجهه ويستنشق عبير الحنو كيف يكون، ثم قال بتردد..
)حالته كانت مزرية .... وما قاله ....)... بتر كلماته غير حاسم أمره في قرار إبلاغه، بما نطق به والده بوضوح مقيت، فقال إبراهيم بريبة ....
)لماذا زرته يا يونس؟)... بادله نظراته المرتابة، بأخرى مرتبكة ومشتتة، وهو يجيبه .....
)كنت أبحث عن الحقيقة وكان يجب أن أعود الى الأصل ... وهو الأصل...).... ضم شفتيه بضيق، يسأل بصبر قرب على النفاد ....
)يونس .. كن واضحا ... ركز وفسر ...ما الذي أخذك لزيارة من اتفقنا أنك ستنساه؟.... لقد رفضت العودة إلينا نحن عائلتك .... فلماذا تعود إليه هو؟)... لاذ يونس بالصمت حياءً، ظنه الآخر خجلا، فشتان ما بين الاثنين، حين يكون هو مستحيا من كرم أخيه بينما الأخير يظنه خجلا من وضعه ككل.
(بالله عليك يونس ... ألم يئن أوان ترك الماضي لحاله؟... العائلة تنظرك ليكتمل أفرادها.... وتغريد لا تريد الزواج...يصيبها الارتباك بذنب تحمله جورا .... فلماذا لا تندس بيننا لتكتمل سعادتنا .... بك ...وبتغريد؟)... نطق ابراهيم بنبرة لطيفة، مستجديه، فقابلته مقلتي أخيه بدموع حبيسة لمعت بها ظلمتيهما.
لم يتحمل كم المشاعر المفاجئة بشدة سيولها، فتدحرجت واحدة نجحت في الفرار من قضبان الحديد، أزالها بسرعة خاطفة واستدار عنه.
أخوه يحبه بصدق، يشتاق لجمع أسرة يعلم يقينا أنها مكتملة حتى من دونه هو ومن دون والدهم الظالم، من دون تغريد، بل من دون أحد آخر سوى ابراهيم..... إبراهيم آل عيسى لحاله عائلة ذات فخر ودم أصيل، لحاله ملجأ نابع للحنان والاحتواء، لحاله نهر متدفق لرجولةً حسبها اندثرت وانتهت.
أداره إبراهيم فرفع إليه ظلمتيه المرتبكتين....
إن كان رباط أخوة بُتِرت أواصله إلا في العشر السنوات الأخيرة، ترك في أحشائه الأثر العميق، فماذا لو كان والدا له؟!.. ماذا لو منحه القدر نعمة النشوء بين أحضان رجل مثله؟!.. هو هكذا ليس لكونه يحمل دماء ذلك الرجل الراقد بين الحياة والموت وليس لكونه منتميا لسلالة آل عيسى، بل الفخر للقب ذات نفسه وحتى فخرا للجبل بكل زهوه.
فخرا لهما أن رجلا ندُر وجوده في زمن الذكور، رجلا يحمل من الشهامة والأخلاق الكثير، ينتمي لهما سواء بالدم أو الأصل.
(يونس .... ما بك؟.... أخبرني...)... أجفل على سؤاله القلق بينما يهزه من كتفيه، محاولا لفت انتباهه فقال بهدر ...
(لا يهمني .... لا يهم من تكون ومن أنت ... صدقني لا يهم .... أنت أخي أنا ... أخي ....).... هزه إبراهيم مجددا وقد أصابه القلق والحيرة على أشدهما من حالته الغريبة، يهتف بحزم ....
(يونس.... اهدأ .... ما بك؟؟)... ارتفعت وتيرة أنفاسه وهو يكمل هدره ....
(أنا آسف ...سامحني أخي .... كنت أريد ان أعرف الحقيقة ... سامحني ... أرجوك سامحني ....).... مطط ابراهيم شفتيه بيأس ثم تلفت حوله يبحث عن شيئ ما، قبل ان يسحبه إلى باب، دفعه وتفقد خلو الغرفة قبل أن يُدخِله وهو من خلفه، مقفلا الباب عليهما.
أوقفه وربت على لحيته النامية يطالبه بلطف ....
(انتبه يونس ....أنظر إلي....)... شهق يونس بعمق وهو يرمقه بتركيز، فاستدرك ....
(ما الذي حدث بينك وبينه؟.... لتصبح بمثل هذه الحالة؟).... حرك رأسه في كل اتجاه، رافعا يده يمشط بها رأسه الحليق، ليزفر ابراهيم بنفاد صبر يهتف ....
(قل ما عندك يونس !!....).. تجمدت أطرافه بالعاً غصته، يرمقه بصدمة كما ينطق ....
(ك... كنت في زيارة له ... ك ...كي ... أسأله عن كلمات الدرويش... وإشراق ....)... قطب ابراهيم، مضيقا مقلتيه في حيرة وعدم فهم بينما هو يكمل .....
(عاتبني كعادته... حالته مزرية ... أصبح عجوزا مريضا ...وهِناً .... اتهمني بالخيانة ... فأجبته أنني فعلت ذلك ... كي انقذه من ذنب قتل ابنه... بكريه ..... فقال .... قال .. )... فغر شفتيه كما وسع مقلتيه ينظر إليه بتردد، ليحثه ابراهيم بلهفة أخفاها فطغت عليها الحيرة ....
(ماذا قال؟).... فتح فمه مرات عدة وأقفله، قبل ان يرمي ما في جعبته مرة واحدة .....
(قال انك لست ابنه .....)... تغضنت ملامح ابراهيم بهم قديم، تعالت أجراسه لتصم أذنيه، يرد بوجوم ...
(أجل ...وماذا سيقول؟.. فنحن في نظره لسنا أبناءه إن لم نطعه ....حتى في جوره .....).... أومأ يونس مستنكرا حين لمح عدم فهمه، يعبر بانفعال ....
(أنت لم تفهم .... لقد قال .... بالحرف ... ابن تلك الخائنة لم يكن يوما ابني .....)... فجأة خلت ملامح ابراهيم من كل تعبير، تنفسه فارغ، نظراته جامدة، ذراعيه وقعتا منه الى جانبيه، فخطى إليه يونس بسرعة، يستطرد بوجل ....
(سامحني أرجوك.... لهذا أنا مصدوم ..... كلامه لا يصدق .... إنه....).... رفع ابراهيم كفه يسكته، ليسأل بنفس الملامح الجامدة ....
(هل أنت متأكد مما تقوله؟)... هز رأسه مرات عدة، فبلل ابراهيم شفتيه مفكرا، غارقا في السراب.
(ابراهيم .... هل أنت بخير ...).. نظر إليه ثم قال بما يشبه بسمة شاحبة باردة ....
(أجل .... على ما أظن ....)...
......................

المشفى ...... القسم النفسي ....

أوصلها لغرفتها ثم توقف عند بابها، يقول بهدوء ....
(اتفقت مع الدكتورة ... ستكملين أسبوعا آخر هنا بينما أنهي التزاماتي..... بعدها سآخذك إلى المدينة السياحية .... لا تخشي شيئا ... لقد وضعت حارسين يراقبان المشفى .... غير عناصر الشرطة .... سيُقبض عليهم بإذن الله .... هي مسألة وقت فقط ....).. هزت رأسها بتفهم وتلقائية اعتمدتها في تصرفاتها طوال اليوم وهما في المحكمة لعقد قرانهما، حتى حين ظهر والدها الذي حضر على مضض، مرغما من شقيقه الأكبر لم تبدي أية ردة فعل، فقط صمتٌ رهيب صاحبها وهي توقع كلما طُلب منها فعل ذلك.
لينصرف والدها مسرعا، يتمتم بسخط بينما هو أخذها إلى مطعم رغم رقيه ولذة الطعام المقدم فيه، لم يلمساه كلاهما.
(حاولي الاسترخاء... ولا تفكري في شيئ آخر سوى علاجك ... )... أومأت مجددا، فتشنجت قسماته الواجمة، يشعر بنفسه فاشلا في إخراجها من حالة الغم والكئابة وهو الذي وعدها بالحماية لكن أنّى له المساعدة بينما يفقدها.. صدق من قال ... فاقد الشيء لا يعطيه.
كان ينتظر دخولها إلى الغرفة، حين تشبثت به فجأة تشد على جانبيه بقوة وصوت حسبه قد نسيه وغاب عن ذاكرته، يصدح في الرواق الخالي بعد انتهاء ساعات الزيارة.
(جارح.... بني ....)... استدار باحثا عنها بلهفة جُبل عليها، أوليست والدته!! المرأة التي أنجبته وربته وربتت عليه بحنان وضمته إلى صدرها وهي نفسها من تبرأت منه بقسوة وازت قسوة والده، لتكون فاجعته فيها أكبر وأعظم.
تسللت تلك القسوة إلى عينيه، فوعى على جمود مقلتيها هي الأخرى، ترمي التي خلفه بسهام حاقدة.
عاد الى بلسم ورفع كفيه ليمسك بيديها، فلمح قفازيه ليتذكر أمرا في غاية الأهمية، أن اقترابها وتشبثها به لم يثر قرفه كما فعل كل شيئ قبلها، لا يعلم إن كان بسبب يخصها أو أنها فقط رهبة الموقف.
ترك أمر التحليل لوقت لاحق وربت على قبضتيها قبل ان يحركهما بخفة، يهمس بلطف..
(ادخلي ونامي ...سأعود غدا بإذن الله ....)... رمقته بشك، فرفع حاجبيه مؤكدا، لتزفر أخيرا باستسلام وترخي كفيها عنه ثم تختفي خلف الباب الذي أغلقه بخفة.
تقدم إليها بخطوات متمهلة حتى وقف أمامها، فقالت بجفاء ألجمت به لهفة جارفة، الله أعلم كيف قامت بطمرها....
(والدك محق ... لقد تزوجت بتلك ال ...)... نطق قاطعا إياها بسخرية مريرة ....
(كيف حالك..... أمي؟)... زمت شفتيها، لا يفضح توترها سوى تنفسها العنيف وهو يبعث لها بنظرات، تحمل لها الكثير من رسائل الخيبة، والحسرة، ومتمعنا في قسمات وجهها التي أضافت إليها السنون لمساتها السحرية، دون أن تغير من حدة مقلتيها ووقفتها المتأهبة في جلبابها النسائي.
(ظننت أن الغربة ستُقَوِّم اعوجاجك بعيدا عن دلال أهلك .... لكنني كنت مخطئة.....).... نطقت بخيبة تخص فكرها ومنهاجها ليميل برأسه تجاها فلم يفصله عن رأسها سوى القليل.
أخذ أنفاسا متتالية وهي جامدة مكانها تقاوم بشراسة ما يموج به صدرها من أمواج عاطفة الأمومة ثم استقام بعد برهة، يهمس بنبرة عميقة فيها من المرار ما طعن قلبها المحروق على فلذة كبدها ....
(لا تملكين أدنى فكرة عما علمتني إياه الغربة .... بعيدا عن دلال أهلي ..... ولا أي فكرةٍ بائسةٍ واحدة ....)...
تجاوزها مسرعا، وكأنها ستمنعه عن فراره لو فقط كانت مثل باقي الأمهات وأطلقت سراح لهفتها الجارفة ونطقت بكلمة واحدة، تعبر عن اشتياقها او ندمها لتخليها عنه بكل سهولة كأن لم يكن من رحم بطنها.
……………………




كل الشكر والتقدير للحبيبة رويدا على تصاميمها الخلابة...




المشفى ..... غرفة يونس الأب ...

لمحه هناك على السرير الضخم بجثته الضئيلة، المتصلة بأسلاك شتى وتقدم بروية كما أقفل الباب.
استقام هناك قربه بصمت يراقبه.
لقد تغير كثيرا، صار عجوزا أكبر من عمره، حتى أنه يشبه جده إبراهيم، بذلك الشعر الأبيض والتجعيدات المتفرقة حول المقلتين والفم والجبين لكنه لم يفقد صرامة ملامحه أبدا.
تنفس بقنوط وهو ينظر إليه بتمعن، معترفا لنفسه بعمق تأثره به رغم كل ما حدث منه وخير دليل على ذلك، مدى الراحة التي شعر بها بعد جمود شمل مراكز أحاسيسه من وقع المفاجأة.
والده يظنه ابن حرام، نتيجة خيانة والدته. أخيرا وجد لحيرته الازلية مرسى، أخيرا انزاح عليه ثقل أهلك كتفيه وأخيرا وجد لكراهية والده اللامحدودة وشخصيته الشاده سببا يعدو عن كونه متعلقا به هو، ابراهيم.
فلكم أحرقه ذات الشعور بفشله في كسب حب أبيه ولكم ثارت حمية بنوته التي حرمت من حنان واهتمام أبوي، فلم يلقى منه سوى القسوة والجفاء.
تحرك جفني والده فرمش بدوره مجفلا....
)ذلك الجبان .... أخبرك وأحضرك على وجه السرعة ...)... اكتست ملامح إبراهيم البرود وهو يرد ....
)لا أحد من أولادك يتصف بالجبن.... والدي ....)... نطقها متعمدا، فضحك والده بسخرية، لتتخلل ضحكاته حشرجة جراء صدره المعلول....
)أجل جبناء ....وأولهم والدهم ... الذي كان أجبن من أن يعترف بخيانة زوجته وقتلها مع ابنها الحرام ....فكيف لخليفة آل عيسى ...أمير الجبل أن يعترف بخيانة زوجته مع أقرب أصدقائه؟!...)... قبض ابراهيم على كفيه وأنزلهما على السرير جوار والده ثم مال بجذعه نحوه، يقول وهو يزرع عينيه البنيتين داخل ظلمتي والده .....
)أنظر إلي بالله عليك..... أزل الغشاوة من على بصرك ... غشاوة الظلم والضلال ..... افتح عينيك واترك لنور الحق إليهما سبيلا .... ثم تمعن في ملامحي جيدا ... وحينها فقط أخبرني أنك لست والدي .....)... بلع ريقه بمشقة، ينظر اليه مقطبا، مستنكرا، رافضا، بينما ابراهيم يستدرك بحرقة ....
)على قدر بهجتي لفهم أسباب كرهك لي أخيرا .... على قدر حسرتي على عمرك الذي ضيعته هباء... فأنا يا والدي ابنك من صلبك ... وحتما أمي لم تخنك .... لكنك كنت أعمى البصيرة قبل البصر كي لا ترى حب زوجتك لك ...حبا مسموما اقتات على كبرياءها وكرامتها .... وكي لا تستمتع بحب أبناء كانوا بارين بك ... محبين .. وكي لا ترى ملامحي التي اشْتُقَّت من ملامحك.... حتى أنني كنت ألمحك في مرآتي كل مرة أنظر إليها.... وكم من مرة تجنبت النظر اليها بسببك ..... كما فعلت ونظرت أخرى شوقا إليك …..).... احتد تنفس ابراهيم لاهثا، فقال والده بغضب يرفض الاعتراف بما هو ظاهر، يرفض الندم ....
)لقد فعلتها وخانتني .... وانت.... أنت لست ابني ....كح ...كح......ل...ست ...كح....).... اجتاحته نوبة سعال جديدة، فأسدل ابنه جفنيه بأسى، وانتظر سكون صدره ليقول بتصميم.....
)سأثبت لك أنك والدي.... يا والدي .... فقط لأمر واحد ...)... رمقه يونس بنظرات تسلل إليها الخوف مرغما وابراهيم يكمل بحزم .....
)من أجل أحفادك يا والدي .... فقط من أجلهم... سأبحث عن الحقيقة بكاملها .... علَّ قلبك يستكين من حيرته وشكه ....فتمنح أحفادك نظرة حب لم يحصل عليها أبناءك ....شفاك الله والدي .... وهداك لطريقه ....)... انصرف، متلافيا رجلا جحظت مقلتيه فجأة، يفكر في سؤال واحد لا غير ....ماذا لو كان ابراهيم محقا وكل قرارته السالفة بنيت على باطل؟!
………. ..........

في الرواق خارجا ...

لم تنصت إليه بل تبعته بتصميم، ليجدا يونس يقف مسندا ظهره إلى الحائط خلفه ساهما في السراب ...
(يونس!!)... وعى المعني من غفلته ليلمح اسماعيل المقبل عليه بنظراته القلقلة، من خلفه زوجته..
(أين ابراهيم؟.... كيف حاله؟).... ضم يونس شفته السفلى ثم قال ببسمة حزينة مريرة ...
(تسأل عن ابراهيم والراقد بين الحياة والموت يكون والدك؟.... حقا لا أستغرب ... فليسامحني الله .... )... قطب اسماعيل وهو يتبادل نظرة حيرة مع زوجته، قبل أن يعود لأخيه، يسأل بريبة ....
(ماذا تقصد؟...... أين هو ابراهيم؟)... لم يكد ينهي سؤاله، حتى لمحوه خارجا من الغرفة فأسرعا إليه كل بلهفته الخاصة، ليقول بجمود...
(حالته مريعة .... يونس .. يجب أن نتحدث ....)... هز الأخير راسه بتفهم، بينما اسماعيل يمسك ذراعه ويسأله بحيرة وقلق ...
(ما بك أخي؟؟)... ربت على كفه، يجيب وهو يرمق طائعة ...
(لا تقلق .... غادر برفقة زوجتك .... لا تنسى هناك ضيوف على العشاء ..... لا يجب أن نغفل عن تغريد .... وكذلك عيسى حين يعلم عن مرض الوالد .... سيعود عليه الحزن بظلاله ....)... تجمدت ملامح اسماعيل، يقول بإصرار....
(لن أتركك وأنت في هذه الحالة الغريبة .... ولا تحاول ...لأنني لن أغادر ....)... زفر ابراهيم بنفاد صبر، فتدخلت طائعة، تقترح بهدوء.....
(يمكنني المغادرة وتدبر أمر العائلة... لكن حاولا عدم التأخر.... لتخبراهم بنفسيكما ..... ).... حلت لحظة صمت على الجميع، فيهم من يفكر وفيهم من تسللت الغيرة إلى قلبه، لائما نفسه عن روابط حقيقية حرم منها نفسها ليقول ابراهيم مستسلما ....
(شكرا لك طائعة ... حق تعرف بالأمر... تدبرا الأمر حتى نأتي بإذن الله ....)... أومأت بتفهم وانصرفت بعد أن ألقت التحية ورافقها زوجها ليوقف لها سيارة أجرة....
طلب ابراهيم من شقيقه التوجه نحو مكتب الأخير في القسم النفسي، كي يجتمعا في عزلة عن الأعين الفضولية، ففعلوا.
أشار ليونس كي يجلس فأطاعه، وجلس قبالته، يستفسر بجدية ...
(أريد كل التفاصيل .. لكن بروية ....ولا تغفل شيئا مهما كان صغيرا....)... اتخذ اسماعيل مقعده خلف المكتب بينما بدأ يونس بالتحدث قائلا .....
(الأمر بدأ في السجن حين تعرفت على رجل ادّعى معرفته بأبي .... في البداية لم أصدقه ...ولم أكثرت .... لكنه كان يحكي لي عن أمور ... تدل على معرفته به قديما ... وأدخل في عقلي شكوكا ... حول هويتي ... وبأن يونس آل عيسى قد يكون طماعا جشعا ...لكن ليس بمن يعاشر النساء في الحرام ... لأنه متكبر فخور ... ولا يرضى بنسل ... أصله الزنى .... )... نظر إلى ابراهيم، يكمل بألم ....
(رغما عني أردت تصديقه .... أردت التخلص من عار التصق بي كالغراء .... لذا قبلت بصحبته وشاركته الخبز ... وفي خضم حكاياته.... تحدث عن بئر السواد ... وعن ظلم يلجم العديد من الأفواه عن التحدث ...وإزالة الظلم ....وأن لي علاقة مباشرة بالأمر.... فقط لو بحثت جيدا...)... صمت فقال ابراهيم يحثه ....
(ماذا بعد؟)... لاذ إسماعيل بالصمت كعادته، صبورا ينتظر ويونس يستأنف حديثه...
(حاولت معرفة المزيد ... لكنه قُتل في حمامات السجن.... فقابلني المفتش طارق حين علم بصحبته لي أثناء التحقيق...)... اندهشا كلاهما من مسار الحكاية بينما يكمل مفسرا ....
(أخبرني أن والدتي قد عادت واستقرت في بئر السواد ... في نفس البناية التي أنجبتني فيها .....وأنها فرصة ذهبية للشرطة .... كي يدسوا مساعدا لهم هناك ....لعلهم يصلون إلى الرئيس الجديد للبئر .....)... مسد على عنقه، ليتدخل اسماعيل قائلا بغموض ....
(هل تعرف فتاة اسمها سترة؟)... رفع أخاه راسه بدهشة ونبض قلبه بعنف يهتف ....
(و هل تعرفها؟)... صمت اسماعيل، يرمقه بنفس الغموض حين قاطع نظراتهما هتاف ابراهيم الحانق ...
(كلاكما تحدثا حالا لنضع كل قطعة مكانها .... لأن رأسي على وشك الانفجار.... )... أشار اسماعيل إلى يونس، يعقب بكياسة ....
(لن اقاطعه .... هو الذي بدأ ... حين ينتهي ...سأتحدث أنا ...)... التفت إبراهيم إلى يونس الذي زفر بوجوم قبل ان يبدأ مجددا ....
(اتفقت معه ... وعدت إلى بئر السواد كي أجمع معلومات علّني أصل الى نتيجة لما يلف الأمور من غموض.... وطبعا إشرا....أقصد ...والدتي رفضت التفسير ... مع أن لديها الكثير في جوفها ... أنا متأكد.... وطلبت مني العودة إليكم.... ).... هزا رأسيهما فأضاف ببعض من التوتر ...
(هناك تعرفت على سترة ... فتاة تسكن برفقتها ...والأغرب أنها تخرج وتدخل من بئر السواد تحت أنظار العصابة ... دون أن يقربها أحد ... استغربت وحاولت الاستعلام عنها ... كل ما علمته ... أن امرأة اسمها آمنة وجدتها تائهة عن أهلها ..... وأحضرتها إلى البناية التي اتضح ان ملكيتها تعود لرجل يلقبونه بالدرويش ...)... بلع ريقه حين جف حلقه، فقال ابراهيم عاقدا جبينه بحيرة ....
(من يكون هذا الدرويش؟؟).... رد يونس بامتعاض ...
(هو سبب البلاء .... كل مرة يظهر من العدم... يلقي بكلمات غريبة .... كغرابة هيئته .... ثم يختفي ....وهو من قال أن حيرتي لها ألف باب ... وباب ... مفتاحها واحد فوق انفي .... وإن تهت .... يجب أن أعود إلى أصلي.... ولهذا قمت بزيارة والدي.... لأساله .... ويا ليته أمهلني .. بل رماني بصاعقة أخرى ... جعلتني أتوه اكثر ...)... مسح ابراهيم على وجهه، فقال اسماعيل بحيرة ....
(ماذا قال؟).... لم ينطق اسمه او حتى لقبه، فنظر يونس إلى ابراهيم باضطراب صامت، ليرد عنه المعني بنفسه يقول بوجوم ...
(قال أنني لست ابنه .... وأن امي خانته ...)...
(ماذا؟!)... انتفض اسماعيل يصيح بطريقة لا تشبهه بالمرة، فاستدار إليه شقيقه دون أن يتزعزع عن مكانه، يخبره بحزم ....
(عد إلى مكانك اسماعيل واخفض صوتك! .... لا تنقصنا فضائح ... يكفي ما سيروجه الناس من إشاعات قديمة بسبب مرضه ....).... جلس دون أن يهدأ فعليا، يقول باستنكار ...
(لكن ما قاله مستحيل .... )... زفر ابراهيم، مجيبا بيأس ....
(أعلم .... كله هراء .. ... لذا يجب ان نكشف كل الأوراق.... والأدوار ... كي نعرف كل شيئ .... هناك لغز ما ....أطرافه على ما يبدو ... من أنجبونا .... حتى تغريد ...)... نظرا إليه بعدم فهم، فاستدرك ينظر الى اسماعيل بثقة ..
(هل نسيت اسم من أنجبتها .... حين قررنا استخراج أوراق رسمية؟.... )... رفع حاجبه منتظرا بينما اسماعيل يرد بسهو ....
(آمنة .....على ما أظن... هل تظنها نفس المرأة؟).... جعد ابراهيم دقنه يرد باستغراب .......
(قد تكون ... سنتأكد ... اسمها لزال علاقا في دهني ... آمنة آل منصور ....)... جحظ اسماعيل بمقلتيه، يهتف ....
(آل منصور؟)... أومأ ابراهيم بدهشة من فزعه، فقال بصدمة ....
(يا إلهي .... آل منصور .... لا حول ولا قوة الا بالله.... كيف لم انتبه؟؟... كيف؟!)... قاطعه شقيقه حانقا ....
(اسماعيل كُف عن هدرك وأخبرنا.... لما تعيد لقبها بهذه الصدمة ؟؟)... أزال عويناته وأخفى وجهه يتنفس بانتظام للحظات بينما الاثنين يراقبانه بصبر يحسدان عليه حتى تنهد وقال بغضب ....
(ذلك الرجل ...الدرويش ....إنه محق.... المفتاح فوق أنوفنا ... ونحن عنه غافلون ....)... همّا الاثنين بالتحدث لكنه استدرك مكملا ....
(والدة تغريد ... تسمى آمنة آل منصور .... وهناك مريض كنت أباشر حالته .... اسمه مصطفى آل منصور .... لم يدع أحد يعرفه لم يوصيه على شقيقة له ضاعت منهم في صغرها ... اسمها سترة ....الغريب في الأمر.. أن الفتاة تعمل هنا في النظافة ....).... قاطعه يونس، يعقب بجدية واهتمام ...
(بلى ... لكن ليس بشكل رسمي .... فالفتاة ليس لها أوراق هوية ....وأمية ايضا ....)... ابراهيم يتلقى المعلومات بصمت مركز واسماعيل يقول بانزعاج ....
(كانت بالقرب مني طوال الوقت .... بل ودخلت بيتنا أثناء عرس عيسى وقضت ليلتها هناك .... ولم افكر يوما في سؤال طائعة عن اسمها ... إلى أن التقينا بها صدفة اليوم ... ولو لم تناديها زوجتي باسمها لظللت على جهلي... ومع وعدي الذي قطعته على المفتش طارق .....)... صمت يتنهد بتعب، فأشار له ابراهيم بما معناه أنه لم يفهم شيئا، ليستأنف الشرح وهو يمسد على اعلى أنفه ....
(مصطفى آل منصور .... ترك أموالا بعد وفاته.... قسّم أغلبها على غرباء ... وبقيت حصة من نصيب شقيقته الضائعة سترة آل منصور .... وترك مجموعة من الناس للبحث عنها .... على راسهم ... شاب اسمه جارح .... يتتبع كل خيط يشك فيه ... وبعد سنوات من البحث ....وعدد من محاولات للابن الأكبر لآل منصور في اثبات وفاة ستره ... اهتدينا إلى أن نراقبه .... بعد ان استنتجنا .... ان سعيه لإثبات وفاتها يتجاوز الطمع في إرثها .... إلى امر آخر نجهله ....).... قطب يونس يسأل باهتمام بالغ، احتل كل ذرة من كيانه ....
(كيف ذلك؟؟.... الطمع سبب قوي بالفعل..)... أومأ اسماعيل سلبا، يمنح مزيدا من التفسير ....
(أعلمته اللجنة المكلفة في أول محاولة .... أن مصطفى قرر التبرع بنصيبها لجمعية ضحايا الاعتداء ... في حالة وفاتها ...ولا منفد قانوني له ....كي يحصل على الأموال.... )... نطق ابراهيم بإقرار....
(إن كان كذلك ... فلماذا يصر على اثبات وفاتها؟)....
(تماما...)...نطق اسماعيل بظفر، فتدخل يونس يستفسر بريبة ...
(ومن يكون شقيق سترة الذي يحاول اخفاءها ؟؟).... نظر إليه اسماعيل يرد بوجوم ....
(ما أعرفه .... انه اعتدى على شقيقه مصطفى ... حين كان صغيرا ... مرات عدة ... وفي النهاية لم يتحمل ففقد وعيه ...وهو ينزف ... ليفيق في المشفى والشرطة تسأله عن مصابه .... أخبرهم الحقيقة ... فقبضوا على المعتدي ...لكن العائلة لم تصدقه ...تبرءوا منه ... وطردوه من البيت .... ضاع هو في الأزقة ...... وأطلقوا سراح شقيقه المعتدي بسبب عدم توفر شاهد .... تعرض المسكين رحمه الله لاستغلال فظيع .... إلى أن تلقفته جمعية حقوقية قامت بمساعدته ....وهناك تعرف على عجوز اجنبي ... تبناه وعلمه وترك له نصف أمواله ... طورها وضاعفها .... لكن للأسف كان المرض قد تمكن منه ... بسبب العدوى من احدى الممارسات قديما .... فتك به ...ولم يمهله .... )... همس ابراهيم بصدمة ....
(يا إلهي الرحيم .... )... ضم اسماعيل شفتيه ثم استدرك بينما يونس يفكر بصمت ....
(ما استنتجته من حديث طارق الغامض ....أنه ينتمي إلى عصابة بئر السواد .... وبما أنه يخفي سترة... فما يخشاه يتعلق بها ....)... لا زال يونس على صمته وابراهيم يراجع كل ما اكتشفوه إلى اللحظة .....
(إذن ... هناك والدنا ووالدتنا إيجة... والدة يونس إشراق ... ووالدة تغريد آمنة آل منصور.... سترة التي حسب ما قيل الآن إذا صح ... فهي خالة تغريد وهي مفتاح لغز آخر ... لا اعلم ما علاقته بمشاكلنا .... لكن هناك حلقة اخرى .... خال تغريد ....)... رمقاه بتركيز، وهو يكمل ....
(صديق والدنا الذي خانه واغتصب شقيقته .... التي هي آمنة آل منصور ..... من هو يا ترى؟)...
(هل هو نفسه ذلك المعتدي على شقيقه؟)... قطب ابراهيم يجيب بانزعاج واضح ....
(لا اعلم .... لكنني على الأقل فهمت ...لماذا اغتصب شقيقته آمنة؟... مع انه عذر أقبح من ذنب .... لكنه منطقي بعض الشيء ...)... سأل اسماعيل....
(كيف ذلك؟؟)... حك خلف رأسه، يجيب بنفس الاشمئزاز ...
(أخبرني قبل قليل ... انه كان أجبن من ان يعترف بخيانة زوجته مع أقرب اصدقائه.... هذا يعني ... أنه عقاب لصديقه ...على خيانته المزعومة .... ).... حل الصمت قليلا، قبل ان يقول يونس وهو يضم رأسه بين يديه ....
(لا افهم شيئا اشعر بالتيه اكثر ... لمَ لسنا كغيرنا من الناس الطبيعيين ؟؟.... لماذا كل هذا الحقد ....والانتقام ؟؟.... أنا تعبت ....).... زفر إبراهيم بوجوم، ثم ربت على فخد أخيه، يقول بمهادنة .....
(هون عليك ... سيتضح كل شيئ في النهاية ... عد إلى والدتك ... وحاول معها مرة أخرى ..... وإن قابلت الدرويش... استدرجه في الحديث اكثر .... وأنا سأستفسر من والدتي وجدي....ولنبقي كل شيئ بيننا ... حتى نصل لنهاية الأمر....).... أومأ بتفهم، فاستدرك ابراهيم بحنو ...
(لولا اتفاقك مع طارق وما يخص تلك الفتاة ... لطلبت منك ترك كل شيئ والعودة إلى البيت حالا ... لكنك من أردت الحقيقة ... لتكمل الطريق ... لكن وأنت معنا .... اعطيني رقمك ... وحين أهاتفك أجبني مهما حدث ...أحذرك ... إن لم تفعل ... سأنسى كل شيئ ... وإلى الجحيم بخطط الشرطة .... وبئر السواد بأكمله....)...
نظر إليه يونس بتأثر، ترك أثره الدافئ على شفتيه ببسمة صادقة وقام وهو، يجيبه بامتنان ....
(سأفعل... سجل رقمي ....)... سحب ابراهيم هاتفه يسجل رقمه، ليلمح يونس اسماعيل يفعل نفس الأمر، فشعر بانتفاخ في قلبه، إنهما أخواه ويهتمان به حقا، أخوة له هو، عائلة وسند.... إنه ليس وحيدا بعد كل شيئ.
هم بالرحيل فسأل ابراهيم حين تذكر ....
(هناك ما يحيرني .... )... استدار إليه بجسده، وابراهيم قد استقام فعلا هو الآخر....
(إذا كانت سترة تشكل خطرا على شقيقها الأكبر ... لمَ لم يقتلها وينتهي من الأمر؟).... فكر يونس لوهلة قبل ان يعود بخطوات نحوهما وهو ينطق آخر حديث الدرويش.....
(ليست سوى حلقة ... وسط ألف غيرها .... إنها الحرب ... حين تختلط فيها الجرائم... فلا يعلم البعيد عنها .... من الظالم ....ومن المظلوم ؟!... بل كل ما يلمحه ... سواد عظيم ... يخلف ضحايا .... ليس لهم ذنب ... سوى حمل دماء ... الظالمين .... ومنهم... من يكون ذنبه ... رؤية الظلم بعينه ... فيكتب له الحفظ .... بسبب شاهد آخر قاهر ومقهور ....)....

رفع كفه يعدد بتركيز، شملهم واستولى على عقولهم ....
(أنا .... وتغريد ... وأنتم... نحمل دماء الظالمين ... لكننا لم نرى ذنبا بعينه .... بقيت سترة ... هي من رأت ذنبا ... وهي من كتب لها الحفظ ... بسبب شاهد آخر ... قاهر ومقهور .... أي أن هناك فرد آخر بسببه ... سترة في أمان من شقيقها الأكبر ... )... مال اسماعيل على مكتبه، يسأل بانزعاج تمكن منه ...
(من يكون؟).... لينطق إبراهيم، قائلا بسهو ....
(يجب أن يكون قريب من الفتاة ...يرعاها ... وليس ببعيد عنها ... )... قفز حاجبي يونس، يطلق الكلمات تباعا حتى وصل إلى ضالته ....
(والدتي قالت .... الدرويش جلبها برفقة آمنة .... وسترة نفسها قالت .... الدرويش يرعاها من بعيد ....)... فغر شفتيه يلاحق أنفاسه المسرعة بحروف كلماته الأسرع ....
(الدرويش..... هو الشاهد الآخر.... القاهر والمقهور ....)...
.....................

منزل آل عيسى ......

نفخت تغريد بسخط وهي تتفقد هاتفها تخفي به غلها، بينما رواح تخفي بسمتها بمشقة، توشك على الانفجار ضحكا.
حق يغلبها قلقها، مظهرة للعيان استغراقها في تحضير السلطة، مثلها طائعة التي تساعدها وترمقها بين الفينة والأخرى فتتبادلان النظرات القلقة بصمت.
وضعت الخالة صحون التقديم الكبيرة، ذات رسمة الطاووس الأزرق على سطح الطاولة، تقول بحنق ....
(ضعي الهاتف من يديك ...وتعلمي شيئا ينفعك ... لا أعلم أي قدر ينتظره ذلك المسكين برفقتك ؟!...).. زمت تغريد شفتيها بعبوس ترمقها دون أن تتحرك من على كرسيها فتدخلت رواح بمرح ساخر ....
(لا باس يا خالة ... منصف سيطبخ لها .... إنه طباخ ماهر ....)... حركت الخالة شمة رأسها بشكل دائري، إشارة إلى الحسرة والحرج، فضحكت رواح بينما تغريد ترد بحنق متوعد ...
(هل يعلم أخي أن زوجته تتحدث عن صديقه! ... وتمدح بصافته أيضا ؟)... أخرجت رواح لسانها تغيظها بمرح...
(أخوك من أخبرني .. وهو من مدح في صفاته ... )... زفرت وهي تنهض، قائلة بنفاد صبر ...
(سأذهب لغرفتي ..... بما أن الجميع شكل حلفا ضدي ... يمنعونني عن مقابلة خطيبي ووالده.... )... قاطعتها الخالة وهي تشير لها بحزم ...
(اجلسي مكانك ولا تتحركي ... حتى يغادرا ...)... (ماذا؟؟... )... صاحت تغريد بذهول، فتخصرت الخالة ورواح تغطي فمها كي لا تجلجل ضحكتها في الأجواء وحين سمعن صوت دخول السيارات تنهدن جميعهن باستثناء رواح التي أزالت يدها تسأل بحيرة ....
(ما بكن؟...)... لم تجد من يجيبها وقد أسرعن مغادرات، لتلتفت إلى الخالة التي جلست قبالتها، تجيب بامتعاض ...
(على الأقل حضر إبراهيم كي يلجم أخته الحمقاء .... آه يا ربي ... ستشلني تلك الفتاة قبل أن تتزوج .... )... قامت رواح تقبل أعلى رأسها، تعلق قبل أن تخرج هي الأخرى...
(لا قدر الله خالتي .... تغريد طيبة وستعقل قريبا لا تقلقي ....)...
.............

قبل لحظات ....في غرفة الضيوف ....

مال على أذن صديقه يهمس بمزاح ....
(أرخي عضلات وجهك يا رجل .... تبدو كمن أصيب بعسر هضم ولم يجد الحمام ....)... التفت إليه يمطط شفتيه مفغرا إياهما حتى ظهرت أسنانه كلها، فادعى صديقه الخوف ساخرا، يرفع كفيه ويرتد إلى الخلف بخفة يستدرك ...
(يا ماما .... أنت مخيف ....).... ضحك عيسى بمرح، فأومأ منصف بيأس وهو محافظ على صمته، لا يجد في نفسه رغبة في مجاراة صديقه، مع علمه بما يفعلونه لمصلحته، لكنه يشتاقها حد الحزن والوجوم لمجرد توقعه لعدم رؤيتها.
تنبها على حديث والده للحاج ابراهيم الذي انضم إليهم رغم تعبه الواضح، يقول بلطف ....
(كيف حال صحتك يا حاج؟).... ابتسم الحاج ببشاشته المعتادة، يرد بود وهو يتكئ على المخدة .....
(الحمد لله يا ولدي ... إنها السنوات ... تلاحقت ...وتراكمت ... وجسدي يبدو عليه التعب من سباق الزمن .... اللهم أحسن خواتمنا ....)... ربت والد منصف على كتف الحاج، يجيبه بمجاملة ....
(أطال الله في عمرك يا حاج .... وبارك في صحتك ...)... أمنوا على حديثه، فسأل الحاج ابراهيم حفيده عيسى والحيرة بادية على محياه الوهن....
(أين شقيقيك يا ولدي؟! ..... ليس من عادتهما التأخر هكذا دون سبب!! ....)... فتح فمه للرد، فسمعوا صوت السيارات ونهض يجيب باسما ...
(ها هما قد وصلا .....عن اذنكم ...)....
.......

الحديقة .....
ترجلا من سيارتيهما، كلاهما يخطو بصمت وعقل مليء بالأفكار العاصفة. أول من وصلت إليهما تغريد التي تهتف بسخط وهي تمسك ذراع إبراهيم...
(أخي .... ما الذي يحدث؟! ... لماذا تمنعونني عن مقابلة منصف ...وعمي؟).... ضم شفتيه وجوما، يربت على يدها، مجيبا بحزم غير قابل للنقاش ...
(تغريد ... تحدثنا من قبل ... وتعلمين السبب ... فالأجدر أن تفكري جيدا ....وتحددي اختياراتك ....)... قطبت بريبة تستشعر أمرا ما فيه غير باد لكنه حاضر ليترك يدها وهو يتقدم إلى زوجته المنتظرة على الباب برفقة طائعة.
صافحها برقة وأومأ للأخرى التي أمسكت بيد زوجها، تسأل بهمس، فيهز لها رأسها ان لا بأس، فتهتف تغريد في نفس اللحظة التي وصل بها عيسى ورواح من الجهة الأخرى....
(ماذا يحدث بحق الله؟).... تنفس ابراهيم بحزن، بينما اسماعيل يتولى دفة الحديث بروية ....
(هناك خبر ... يجب أن تعلموه قبل أن يصلكم من الغرب ....)... اقتربت تغريد وكذلك عيسى الذي قطب بدوره، يشعر بقلبه منقبضا من ملامح شقيقيه التي لا تُفَسر، ليكمل إسماعيل بجمود احتل نبرته قسرا ...
(والدنا يونس .... في المشفى ....وحالته غير مستقرة ....)... انتشر الصقيع عبر الأوردة، فشُلّت الأطراف عن الحركة، للحظات فقط قبل أن يكون رد الفعل مشابها وإن اختلف في طريقة ادعاء التجاهل....
هزت تغريد كتفيها بإهمال وقد احتدت النظرة في مقلتيها وعبرت القسوة بطيفها، تقول بتجاهل متعمد وهي تبتعد ...
(لا يهمني .... سأكون في غرفتي ...).... زفر إبراهيم بتعب، يشيعها بنظرات لا تقل عن خاصة الآخرين حزنا بينما عيسى يعبر بملامح فارغة ....
(الضيوف في انتظاركما .... لا يصح التأخر أكثر من هذا ... رواح أخبري الخالة ....أننا سنتعشى الآن...)... هزت رأسها بذهول وانصرفت كما انصرف زوجها، فربتت حق على أعلى ذراع زوجها، تقول برقة ....
(انضما إلى الضيوف.... سيكون كل شيئ بخير .. بإذن الله .... )... أومأ لها مبتسما بتأثر، وسأل بشوق حاني ...
(أين الصغار ؟؟...عند أمي ؟؟)... ردت وهي تحثه على التقدم بينما طائعة تمنح نظرة مساندة لزوجها كي يتبع شقيقه ....
(بلى ... هيا .. اذهب .....)....
..............

بئر السواد ..... بناية الدرويش ...

ضمت سترة شفتيها الصغيرتين وضيقت مقلتيها، جالسة متكومة في الزاوية، تراقب بحيرة واضحة.
سهر تسند دقنها بكفها التي وضعت كوعها على ركبتيها المضمومتين إلى صدرها، ملامحها تنم على دهشة من نوع قوي جعل عقلها يعمل بسرعة غيّبْتها أو بالأحرى أخرست لسانها الثرثار.
رباب تجلس نفس جلستها، ساهمة في السراب بمقلتيها المحمرتين، قسمات وجهها فارغة وكأن إحباط شديدا ألم بها جعلها تركن إلى بئر عميق من التيه.
إشراق هذه حاله مختلفة، ابتعدت عن قططها حتى البني مدللها وضمت ذراعيها إلى صدرها في سابقة لم تحدث من قبل والأغرب أن قططها احترمت المسافة التي وضعتها، كأنهم يفهمون رغبتها، حتى الأسود المتوحش ساكن على غير عادته يفترش الأرض على بعد خطوتين من الباب، هيئته كمنتظر لأحد ما. عند تلك الفكرة اقشعر بدنها خوفا واحساسا آخر شعرته ملأ قلبها بالفراغ. شخص ما لم تلمح له طرفا منذ الصباح.
حين عادت كان قلبها ينبض حماسا، اكتشفت أن الأشواق حملتها على بساطها دون وعي منها، حين صفعها الوجوم بسبب غيابه.
تنهدت بحزن لا تريد السماح لعقلها في الاستغراق بأمر كله ضباب ووهم، فيسرح قلبها المحروم في خيالات لن تتحقق.
همت بالتحدث فرار من أفكارها، لتنتفض بدلا من ذلك على اثر دخوله العاصف، ويقفز القط الأسود على مخالبه متأهبا، يزمجر بوحشية .....
(اخرجن حالا ... أريد التحدث مع والدتي ....)... نطق بهدوء خطير، كخطورة ملامحه المسودة، فقامت سترة بصمت وأشارت لهما وتسللن هربا منه بعد أن منحت هي اشراق المحافظة على هدوءها بشكل تحسد عليه، نظرة متفحصة.
خطى نحوها ثم وقف للحظة، ليجلس على الأرض غير مكترث يربع رجليه ويشبك كفيه، باحثا عن مقلتيها حتى سجن الظلمة فيهما بظلمته الأشد قتامة، يطرح سؤالا في باطنه إقرار ....
(كنت تعلمين ...أليس كذلك؟).... حافظت على صمتها، وإن اقتنص ذلك الخوف البعيد، تهتز به حدقتيها عميقا ....
(ارسلتني إليه ليخبرني ذلك الهراء ... ما كان هدفك من ذلك يا إشراق؟؟)..... حركت شفتيها أخيرا، تقول ببرود ...
(أخبرتك.... .... لا خير في كلمة تصدر من غير أهلها....لم تكن لتصدقني ...).... رفع حاجبه، يقول بتحذير ...
(لكن ما قاله كذب .... أو لنقل ... كذب صدقه هو .... ومع كل ما توصلنا إليه من تحليلات أنا وأخواي ....)... شدد على حروف الكلمة الأخيرة بتعمد، يكمل ....
(استنتجت أمرا لم أرد طرحه أمامهما .... حتى أتأكد منك ....).... ها هو ذلك الخوف العميق عبر في العمق، دون ان تسمح له بالظهور، لكنه كان أشد تركيزا من ان يفوته ذلك ....
(يونس آل عيسى يتهم زوجته أنها خانته مع صديقه ...الذي لا نعلم بعد من هو بالضبط .... وهذا يجعلني أفكر في أمر مهم.... من يهمه التفريق بينه وبين زوجته؟.... والتشكيك في نسب أبنائه؟!... ).... أمال رأسه يستطرد بهدوء مغيض ....
(أحد ما ... كان يجاهد لينسب ابنا ليونس آل عيسى... ربما؟!.... إلى درجة تسميته باسمه .... وإلصاقه به بكل طريقة ممكنة؟؟... أنت مثلا؟!).... لمح تكوم ملامحها وتحولها إلى غضب، فتحمس يزيد من جرعة الاستفزاز .....
(لطالما ظننت ان إصرارك على اثبات نسبي كان بسبب الخطيئة التي كنت نتيجتها وأنك لست سوى باغية ... تسعى لإثبات نسب ابنها من احد زبائنها ... فمن سيصدقها؟؟)...
(لست عاهرة !!.... ولا باغية !!.... يكفي لقد تعبت ...تعبت!!)... صاحت بهستيريا واهتز بدنها، وهي تكمل بغضب أسود ....
(عشت بينهن ... لكن لم أكن يوما منهن ..... وحتى والدك ... تزوجته .... لم أعاشره في الحرام .... لم يحدث !!.... وأنت ابنه من صلبه ..... ولم اكن في حاجة لإثبات ذلك ....على الأقل له هو!!)..... سكنت تلهث بعنف، فابتسم بنصر لم يمهله المرار ليحتفل... يقرر بتهكم .....
(ليكسب من كسب في العلن ... ويكسب من كسب في الخفاء ... والحقيقة أن لا أحد... كسب ولا انتصر ....حتى الأمير... ... أنت ووالدة ابراهيم ... من كانتا تتنافسان على الأمير.... وهي كسبت في العلن وتزوجته أمام الناس ... وأنت كسبت في الخفاء وتزوجت به سرا .... ).... مسح على وجهه يطرد التهكم وأي اثر آخر سوى المرارة وهو يضيف قبل ان يقوم وينسحب بكتفين متهدلين انهزاما ....
(أتعلمين ماذا؟؟.... لقد فقدت لهفتي لأعرف الحقيقة حين فقط اكتشفت .... أن والدتي قد كرهتني لدرجة تركي أتلظى في جحيم عذابي بسبب العار .... ولم يأتي ولا مرة في بالها ....بأن تلفت نظري .... لا هي ولا والدي العزيز .... أن يا يونس... على فكرة.... انت ابن شرعي ... ولست ابن زنى... ولا نتيجة ليلة حمراء من الخطيئة ...... )... بلعت ريقها وبللت شفتيها بينما يقف قرب الباب يضيف بحزن تجف له العروق ....
(لقد كانت بالفعل حرب ..... حرب سوداء ... رقصت فيها الشياطين بنصر ... وكل بني انس خرج منها ذليلا ... مصغرا .... يا ...... والدتي ....).....
حبست أنفاسها وهي تبسط يدها للقطط التي استجابت لها تلتف حولها، فجمعتها بيديها وضمتها الى صدرها حتى الأسود اندس بينهم واستدارت بهم إلى الحائط تستلقي وهناك فقط سمحت لبحريها المظلمين بفيض ماءهما المالح ليغسل منحنيات وجهها التعبة.


...............


قبل لحظات .... أمام الغرفة ....

(ما به نكدا هكذا؟)... نطقت سهر بسخط فلم تجد ردا، لتستدرك وهي تشوح بكفيها ....
)أنا ناعسة ... سأذهب لغرفة شقيقي ....)... حركت رجلها فأوقفتها رباب تطلب بلطف غريب عليها ....
)من فضلك سهر ... هل يمكنني الانضمام إليك؟).... استدارت إليها ترمقها بريبة مقطبة، فضمت ملامحها في استجداء واضح ..
)من فضلك ... لن أزعجك ... فقط أتوق للنوم ....)... حكت سهر رأسها من فوق طرحتها، تجيب باستغراب ...
)لكن شقيقي ... مهما تأخر سيأتي لينام ... )... اقتربت منها، تطلب بإلحاح....
)أينما تنامين ... سأنام جوارك .....)... هزت كتفيها تجيب وهي تخطو نحو الغرفة ورباب في أثرها....
)على العموم ... هو يأتي مع انبلاج الفجر ...لا يميز أمامه ... فقط يرتمي على السرير الوحيد في الغرفة ... وينام كالميت .....)... تنهدت سترة تراقبهما حتى اختفت، مستغربة من أحوالهم ككل، فحملت قدميها الى زاوية بعيدة في الحوش وجلست ترمق القمر البعيد.
وضعت كفها على قلبها النابض، فسألت بهمس حزين ..
)تراك يا قلبي لما كل هذا الحماس؟؟... لم تكن يوما ممن يوجع صدري ... فما الذي استجد؟؟... )... زفرت متنهدة وراحت في رحلة تأمل للقمر وسط النجوم المتلألئات....
)لا يغرنك جماله .... يقولون أنه مجرد أرض بور .... كلها حفر ولا حياة عليها .... ).... أجفلت على نبرته العميقة، و .....الرقيقة نوعا ما، كأن نغمة حنان شابتها أو ربما إشفاق، فأخفضت رأسها لتجده جالسا بالقرب منها، يرمقها بنظرات عبّرت عن النبرة في صوته.
توترت ففرت منه تنظر إلى ما دونه، ولولا بهوت ضوء القمر، لكان لمح الاحمرار يلتحم بالسمرة على وجنتيها ...
)لا يهمني ماهيته ..... ما دمت اتمتع بجماله الذي يصلني ...)... ردت بخفوت مرتعش، فقال بقلق ....
)لماذا ترتعشين ؟؟).... (ها؟؟)... ردت ببلاهة، تفغر شفتيها فاستدرك ....
)صوتك يرتعش.... فهل أنت مريضة ؟؟... أم تعبة من عملك؟؟...).... أومأت تجيب محاولة اخفاء تأثرها الذي بات يشكل خطرا عليها ...
)لا ...الحمد لله ... أنا بخير ...)... هز رأسه وصمت قليلا، فصمتت هي الأخرى.
تأملها بعين مختلفة وتخيلها فتاة صغيرة شهدت فظاعة ما، دمرت حياتها، أضاعتها عن عائلتها وجعلتها تهيم في سجن واسع حُبِست فيه دون علمها.
هل يخبرها أنها طير حبيس، مهدد بالقتل في اي لحظة؟!. هل يخبرها أنه يعلم عنها ما لا تعلمه عن نفسها؟!، وأنها تملك من المال ما يجعلها ترحل عن هنا وتبني لحالها حياة مترفة، لا تمت للمحيط حولهما بصلة؟!.
للحظة وجيزة شعر بالأنانية حولها وتجاهها، يتساءل لماذا لا يأخذها من هنا، ويرحلان معا؟!، فلاهي ولا هو ينتميان لذلك البئر الموحل.
كلاهما ظلم وانسحب مع طواحين حرب ظالمة، هما بريئين منها وفيها.
لكنه توقف وتراجع، فكيف له أن يكسرها ويخبرها بوفاة أثنين من أشقاءها ووالديها؟ ويجهل المزيد.
كيف يخبرها بفعلة شقيقها الأكبر الفظيعة، غير كونه من يحبسها بينما يدعي موتها في العلن؟!... تاركا إياها بلا هوية، بلا أهل، بلا سند.
تنفس بعمق وأجفل على تململها حرجا بلغ مداه من تمعنه الساهم فيها.
)تصبح على خير...)... نطقت بخفوت مستحي، فسألها بجدية يمنعها من تركه وحيدا، لا يعلم لمَ لا يريد البقاء وحيدا في تلك اللحظة بالذات، قلبه يغوص في ألم ووجع حزين يختلف عن كل ما عاشه قبلا ....
)ماذا تذكرين عن أهلك .... يا سترة؟).... قلبها يضرب بقوة أصمت أذنيها، واسمها بنبرته الرجولية الخاصة به جعلته منفردا، نادرا بالفعل.
سلّكت حنجرتها، ترد بنفس الرعشة التي لم تغادر صدرها قبل منابت نطقها لتجيب بحزن ...
)ليس الكثير .... والداي ... وجهيهما لا يكادان يتضحان ... لكنني أذكر دفئ حضنيهما .... )... تشكلت بسمة امتزجت بالحزن على ثغرها، فاهتز قلبه وسط صدره وشوق كبير ألح عليه ليسحبها بين ذراعيه، فكتفهما بنفسيهما كي لا ينسلا منه إلى مأربهما.
)هناك أربع وجوه...لا اعلم مدى قرابتي بهم ..... أحدهم وجهها قد أكون نسيته لدرجة ان اختلط عليّ بوجه أمي آمنة ... ربما لأنها كانت فتاة ... اذكر حنانها كحنان أمي آمنة .....)... تظن شقيقتها امرأة تبنتها بعد ان وجدتها، حقا غريبة هذه الحياة، فكر يونس قبل ان يتنحنح ويسأل بهدوء ....
)والباقي؟؟).... نظرت إليه، وأخذت نفسا دخل صدره هو، ترد ببعض الارتباك والخوف ...
)وجه لفتى في سن صغير ... تعدى العشر بأربع او تلات سنوات ... هو أيضا بدأت ملامحه في الاضمحلال .... وآخر لرجل اذكره جيدا .. قسمات وجهه واضحة جدا .... )... قطب يونس وقد سلبت مكامن ذكاءه، يسأل بانفعال ....
)هل تذكرين ... أمرا ما ... سيئا يتعلق بذلك الرجل ؟؟)... شهقت بخفوت تملأ صدرها بالهواء، ثم نطقت بوجوم ....
)لا أعلم إن كانت ذكرى ؟؟.... لكنه كابوس يزور منامي بين الفينة والأخرى.... كلما ظننته قد تلاشى من خيالي.... عاد فارضا نفسه في أحلامي... وصوت ما يحذرني من النسيان ....)... لجم نفسه كي لا يخيفها يطالبها بلهفة غريبة ....
)أخبريني عن الكابوس ....).... هزت كتفيها وجعدت دقنها ترد بتلقائية ...
)كل ما اذكره ... احتمائي خلف باب ما .... أتلصص منه على مشهد مخيف يجعل قلبي يضرب هلعا... والعرق يغرق ثيابي .... ذلك الرجل يفعل بالفتى ... أمرا لم أفهمه حتى كبرت ....)... رفعت رأسها تكمل بقرف ....
)يرتكب الفاحشة رغما عن الفتى ... لأنه كان يئن ألما .... ويستجديه بأن يتوقف .....)... مسحت على وجهها، تضيف، بينما يونس يعض على شفته السفلى كاظما أحاسيسه العنيفة فاليوم كان له سيلا عرم، حمل إليه الكثير والكثير، غير عالم بمدى قوة تحمله.
)أكره حين يزورني ذلك الحلم .... لأنني استيقظ فزعة
….. واشعر بذنب ما .... وكأنني أدين لأحد ما ... بشيء ما...).... قاطعها بحزم ....
)أنت لا تدينين لأي أحد بأي شيئ .... هل تفهمين يا سترة؟).... تفاجأت من حميته فقامت تخفي ارتباكها وضعفها بسبب كل ما نطقت به، تقول بتوتر ....
)لقد تعبت ... سآوي إلى فراشي ....)... زفر لاعنا حمقه، فرد بهدوء مزيف ....
)قلت أربعة وجوه؟؟).... استدارت إليه تجيب بحيرة تخللت أحشاءها ..
)الوجه الرابع ... هو أيضا لرجل لا أذكره جيدا .... أنا لا اعلم حتى من فيهم يقربني ...ومن هو غريب عني ...)... ابتسم لها بأسى، غير قادر على اخبارها، مع غضبه لعدم مقدرته، فمن غيره يعلم بحرقة الجهل بالنسب، لكنه لا يستطيع من أجلها هي، على الأقل ليس الآن.
أرخى ذراعيه في نفس اللحظة التي عادت تستدير فيها، و تضيف بحنو جعل من وجهها كالقمر الذي كانت تراقبه قبل لحظات ويظلل جلستهما، لتنتقل اليه الرعشة متسللة عبر جسده حتى استقرت عمق قلبه المتضخم، في ليلة خاصة بها يشعرها جاءته من ألف ليلة وليلة بعبير المسك السابح بين أنوار القمر.
)بطريقة ما ... أراه في الدرويش..... لا اعلم لمَ .... لكنه نفس احساسي تجاه أمي آمنة ..... ربما بسبب حنوه علي هو الآخر.... رغم غرابته واختفاءه المستمر .... لكنني أحبه... تصبح على خير...)... فغر شفتيه مذهولا بضحكتها الشقية، والدافئة في نفس الوقت، فلم يشعر بكفه ترتفع الى موضع قلبه على صدره، وتستكين هناك ممسده عليه برقة، فكلمة *أحبه* تلك، غاصت بقلبه وإن لم تكن له.
لم يوقظه من ليلته السحرية سوى نسيم بارد ينبئ بقرب حلول فصل الشتاء، فأقفل فمه مبللا حلقه الجاف بريق بلعه مرتين.
استقام واقفا، ومطط أطراف جسده رافعا ذراعيه المتشابكين، إلى السماء، ومتنهدا كي ينفض عنه قشعريرة البرد الكاسحة لحرارة جوفه الذي يغلي.
وفجأة تجمد على وضعيته يهمس بصدمة ....
)ماذا قالت .... تراه في الدرويش؟.... يا ربي رحماك ..... الدرويش شقيقها الرابع ... وحاميها ...)...
……………………..

منزل آل عيسى ....

غرفة ابراهيم .....

مسدت على شعره بحنو كما نطقت .....
)لماذا لم تسأل والدتك وتنهي حيرتك؟)... مرغ رأسه في حضنها مطوقا خصرها، وهو يرد بتعب ....
)سأفعل غدا بإذن الله ... فصِحّة والدتي وهنة ... حالها من حال جدي .... والليل للسكون والرقود ....لا للمشاكل ...)... وضعت قبلة على رأسه، تهمس برقة ....
)أنا أيضا لا أصدق ما قيل ... إنه الشيطان .... نزغ بين الصديقان بسبب حضوره الدائم بينهما ... هكذا هي العلاقات المبنية على باطل .... الصحبة التي لا تجتمع على الحق ونصرته ... تنتهي بالمصائب ....والفرقة ... )... رفع وجهه إليها يرد بحزن ....
)انت محقة ... لكن ما يشغل بالي ... هي تغريد ...وعيسى... وحال يونس ....)... ضمت وجهه تقربه من وجهها، تجيب بحب ...
)عيسى سيركن لزوجته وتخفف عنه .... أما تغريد ويونس ... سيجدان مرسى لحيرتهما ... قريبا بإذن الله .... فأنا أثق بك .. وأعلم انك لن تتنازل عن اخوتك مهما حدث ... )... ابتسم لها، فقبلت ارنبة أنفه تضيف برقة ....
)إن كنت سامحت والدك... بمجرد ان وجدت له دافعا .... قد لا يقتنع به الكثير .... فما بالك ... بإخوتك المظلومين؟! ....)...
غامت مقلتيه بتأثر وعشق عميق، يسأل......
)كيف علمت أنني سامحته ؟؟).... تعمدت مداعبة أنفها بأنفه، تخفف عنه رغما عن خجلها، تجيب بثقة ....
)كم من مرة سأخبرك أنني أراك عبر مقلتيك ؟!... رغم كل ما تحملانه من انزعاج وحزن ... إلا أنهما توقفتا عن البكاء .... )... تلمست بأناملها مقلتيه وهي تنهي حديثها، فهمس بإحساس صادق، حملهما على غمامة حبهما الخالصة....
)احبك .... حق ...احبك ...)....
…………………

غرفة تغريد .....

استلقت تمسح دموعها والهاتف على أذنها، فتنساب نبراته الحانية مع دمعاتها المتدفقة ...
)اتفقنا أنكِ لن تبكي ... توقفي حالا!....)... شهقت بخفة، فاستدرك بألم يخصها ويشعر به هو ....
)اهدئي ... واحكي لي .... )... بللت شفتيها تجيب بحنق طفولي ...
)لا لن أخبرك.... اتفقت معهم علي ....ولم تصر على حقك في مقابلتي ....)... ابتسم بحزن يقول بمهادنة كأنه يحدث طفلة ....
(حقي فيك أنت من تحرمينني منه .... أهلك محقون .... وأنا أكثر منهم أخاف على سمعتك .....)... اعتدلت تجلس مربعة رجليها على سريرها تهتف بحنق، وجدت له منفد ...
)سمعتي لن تشوه بسببك .... لقد أساء إليها من أنجبني قبلك ... فلا تقلق ....)... قطب منصف يسأل بحذر، فقد غادر بيت أنسبائه وهو شبه متأكد من حدوث خطب ما.....
)تغريد ..... صغيرتي ... ما بك ؟؟)... (لست صغيرة !!)... قاطعته بغضب، فقفز حاجبيه دهشة أعادته إلى تغريد الطفلة الغاضبة من الجميع.
ظهرت التجعيدة على جبينه مجددا وهو يقول بمزاح باطنه الحذر .....
)تغريد .... هل عدنا الى عهدنا الأول؟؟.... أريد أن أتأكد كي احضر نفسي للمعارك ....)... نفخت بيأس وهي تكبت بسمتها، لا حيلة لها مع هذا الرجل، يعرفها جيدا، بل يحفظها ...
)طريف!! ...)... (جدا !!...)... نطقت، فرد بمرح، لتقول بتهكم منفعل ...
)أجل من ضمن صفاتك الحميدة الكثيرة التي يمدحك بها الناس... خصوصا النساء ... ).... اتسعت بسمته وهو يناور الصغيرة في عقلها ومشاعرها ....
)وما الذي يثير حنقك بالضبط؟.... كَوْني بصفات حميدة؟... أم مدح الناس خصوصا النساء؟)... زفرت فضم شفتيه قبل أن يستدرك بنبرة أجشه....
)هل تغار علي صغيرتي؟ ... أوووووه .. آسف .... كبيرتي ....)... ضحكت بقلة حيلة، فضحك معها إلى أن هدأت ضحكاتها، فسأل برقة ....
)صدقا تغريد .... ما بك؟...).... منحها وقتا لتتنفس قليلا، فعادت تستلقي مكانها، تجيب بوجوم ....
)والدي أصابته وعكة صحية ... وهو في المشفى ... حالته غير مستقرة ... لهذا تأخر إبراهيم واسماعيل....)... هز رأسه بتمهل، ثم قال بهدوء....
)كيف تشعرين صغيرتي؟).... مسدت جبينها، تنطق ببكاء سالت به عيناها ....
)أرفض أن أشعر منصف .... أرفض البكاء من أجله ... أرفض الشفقة عليه .... وأرفض حتى الغضب بسببه ... أرفض أي شعور يخصه ... هل فهمتني ؟؟)....
تحدث بأسى، يجيب ...
)سأكذب عليك لو اخبرتك أنني أعرف ماهية شعورك ... لكنني أتفهم حاجتك للانسلال من دور الابنة .... لقد صرت أضعف ... لأنك عاشرت اخوتك ...وتشبعت من عطفهم ... وحنانهم ... وهذا يجعلك مثلهم .... مُحِبة ... معطاءة ... لكن ليس مع من.... جُرْحك منه لم يبرء بعد .... )... ابتسمت من بين دموعها، تعقب بحب ....
)هل هناك ما لا تعرفه في هذه الحياة؟).... انتقلت اليه بسمتها وهو يلقي بنفسه على سريره، يجيب بنفس الحب الرابط بينهما ....
)ليس ما يخصك على أيّ حال .... )... صمتت سوى من أنفاسها التي تنساب مع هسيسها فتجد طريقها إلى صدره، ليستدرك بعد برهة ....
)لا تفكري في شيئ الليلة .... ظلمة الليل تُضخم من حجم الأمور.... وتُهوّلها .... دعي التفكير إلى الغد بإذن الله .... ونامي .... ولا تنسي.... احلمي بي ...)... احمرت تبتسم بحياء، فقالت ....
)هل تظن أنني سأنسى يوما ما؟).... ضيق زرقتيه مفكرا للحظة ثم انفرجت أساريره، يقول بشقاوة .....
)تزوجي بي وسأنسيك نفسك ... إذا أردتِ...)... قطبت جبينها، تسال ببراءة ....
)وكيف ستفعل ذلك؟)... ولدهشتها ضحك عاليا، يرد بمرح ...
)آسف صغيرتي .... ليس قبل الزواج ...)... أكمل ضحكه، ليستدرك حين قابله الصمت .....
)تغريد؟؟ .. لازلت معي ؟).... نظر إلى الهاتف، وهو يستأنف قهقهته، فصغيرته تستحي رغم كل جرأتها.
وقد كان محقا، فالصغيرة قبضت على وجنتيها تُبَرّد من حرارتهما جراء الخجل، تهمس بعتاب طفيف ....
)وقح .... قليلا ... لكنني أحبه كثيرا ...)....

...................................

المدينة السياحية ...... شقة أسامة.

أرخى ظهره على مسند السرير الجديد، شاكرا ربه على فطنته التي ألحت عليه تجهيز غرفة أخرى غير الرئيسية فالغبي وحده من يتوقع له ولنوران زيجة طبيعية بوضعهما الغريب.
رفع ذراعيه خلف رأسه وشبكهما، مفكرا في حال عروسه فهو كأغلب أفراد عائلته ومعارفهم، يعلم بمدى برود تعاملها وجفاء ردودها، مما جعلها منعزلة ومحدودة التعامل مع البشر، حتى في العمل، صنعت لنفسها هالة صقيع حاوطت به نفسها، فجعلت كل من يتجرأ على القرب منها يعيد التفكير ألف مرة.
لكن بعدما حدث بينهما أصبح فضوله يطرح عليه تساؤلات عديدة، غابت عنه في خضم معركته الشخصية التي لم تترك له مجالا ليفكر بغيره، من أفراد عائلته، حتى عمته سترة أمانة عمه مصطفى وأسرار كثيرة يعلم يقينا أنها ستنكشف بظهورها، فكيف يفكر بنوران التي كانت دوما ابنة خالته الثقيلة الظل التي يتجنبها الجميع.
زفر قانطا، يفكر أن والدته شغلت باله حين لفتت نظره لكونها حالة شبيهة به. جعد دقنه علامة على تعجبه من تحليله، فهي الأخرى تنفر من الزواج، باردة و نكده. لكن ماذا لو كانت تنفر منه هو شخصيا؟!... عاد يومئ سلبا يفند ظنونه، أن لو كان الأمر كذلك، ما كانت لترفض كل من تقدم لها، آخرهم ابن صديق والدها وهذا يصب في نفس النهر، أنها تنفر من الرجال عموما، فماذا سيكون السبب سوى؟!... اتسعت مقلتيه منتفضا بجذعه إلى الأمام، يشهق بخفة ويهمس ...
(هل من الممكن؟؟... لا!!... لا!!... ليس زوج خالتي ... إنه إنسان تقي ... ثم علاقتها بوالدها دافئة ...لا تخطئها العين ....)... عاد يرخي ظهره، ويكمل همسه ...
(إذن من ؟؟.... وماذا فعل لها ؟؟).... زفر بضجر، ونظر إلى هاتفه ثم إلى الساعة، ليسحبه ويطلب رقما ما بعد تردده.
انتظر لنصف دقيقة قبل ان يأتيه الرد بنبرة مسترخية ناعسة .....
(انتظرتك يا غريب حتى غفوت .... لماذا لا تتصل باكرا قليلا؟).... أمال رأسه، يرد بنبرة معتذرة ....
(آسف .... لم أستطع ازعاج الصغيرة في وقتها الخاص مع والدها... )... مسح البروفيسور على مقلتيه واعتدل فوق مخدته، يرمي زوجته النائمة بنظرة متفقدة ثم قال بخفوت ....
(هل تعلم أنني في العادة نزق؟.... فلا تجرب صبري يا غريب... )....
(أنت وافقت على معالجتي عبر الهاتف .... هل ستغير رأيك؟؟)... نطق اسامة ببعض من المرح، ليرد البروفيسور بجفاء مزعوم .....
(ليس البروفيسور من يتراجع عن وعد قطعه .... لكن على الأقل أظهر رقمك ... لاتصل بك حين لا أكون مع ابنتي ....) ... صمت قليلا يقلب شفته السفلى، مكملا .....
(مع أنني لا أعلم متى يكون هذا؟! ... لكن رغم ذلك .... قد أجد وقتا حين تأخذ قيلولتها ....)... لا يعلم أسامة متى تتسلل البسمة الدافئة إلى صدره، كلما تطرق البروفيسور لما يخص صغيرته بذلك التعلق والرقة.
(على العموم... لم أكلمك من أجل نفسي الليلة..... )... عقد البروفيسور جبينه بحيرة، بينما أسامة يستطرد بارتباك....
(في الحقيقة .... أريد التحدث عن ابنة خالتي .... أقصد ...زوجتي....)... أجابه البروفيسور يقول ....
(ما دمت ستتحدث لا مشكلة لدي .... تفضل ...وقل ما في جعبتك ...).... انزلق بجسده مستلقيا وهو يقص عليه ظروف زواجه وأحداث ليلته الأولى مع عروسه دون أن ينسى او يتجاهل أي تفصيل، منهيا حديثه باستنتاجه الشخصي ....
(فهل تظنها تنفر مني .... أم من الزواج عموما ؟؟)....
فتحت صباح مقلتيها بتعب، فقبل جبينها اعتذارا، لتمسد على صدره بتفهم قبل ان تعود لنومها، وهو يقول بهدوء ....
(الصراحة ...أنها تعاني من خطب ما... لكن سؤالي لك ... لماذا تريد أن تعرف؟؟)... ضم شفتيه مميلا رأسه بتفكر، قبل ان يقول بعدم يقين ....
)لا أعلم ... فضول غريب أصبح ينتابني تجاهها .... اعترف بتقصيري نحو العائلة بأكملها .... فلو كنت سأبدأ بالاهتمام ...هناك من يسبقها في الأهمية.... لكن الآن حين أصبحت زوجتي ... سلوكها أثار ريبتي ... فهي تقريبا تضعني تحت التهديد ....)... تحولت نبرته في آخر حديثه إلى امتعاض، فانسل البروفيسور من مكانه بخفة متوجها نحو المطبخ يقول بكياسة ....
(وهذا يجعلني أطرح سؤالا آخر ... لماذا استجبت لتهديدها؟؟... بما أنك لا تهتم بالآخرين؟!... )...
أجاب أسامة بسرعة فائقة ....(من قال أنني لا أهتم؟؟).... ابتسم البروفيسور وهو يسحب كأسا، بينما يرد ....
(أنت قلت لتو ...معترفا بتقصيرك ....).... نفخ اسامة يقول بأسى ...
(أنا في فوضى عارمة .... لا تدع لي مجالا لأي أمر آخر... هل تفهمني؟؟)....
(صدقني انا أفهمك .... أكثر منك .... لذا أوجهك لتفهم نفسك ... وها أنت صححت أول مفهوم في ظنك بنفسك .... أنك تهتم ... لكن مشاكلك النفسية ...تحول بينك وبين اهتمامك ... لهذا أنت وافقت والدتك على زواج ...تراه من كل النواحي فاشلا .... ولهذا أنت وافقت زوجتك في هراءها .... هل فهمت أنت الآن؟؟).... هز رأسه كأنه يراه ثم استدرك البروفيسور معتبرا صمته إيجابا.....
(لننتقل إلى أمر آخر .... الإشاعات... هل هي صحيحة أم خاطئة؟؟ ...).... عبس اسامة، يجيب بوجوم ....
(قلنا سنتحدث عن زوجتي ....)... ارتشف البروفيسور من الماء، قبل ان يرد ....
(أنت من قلت .... لكن مع ذلك هو نفس الموضوع .... )...
قطب أسامة....(كيف ذلك؟؟).. وضع الكأس على السطح الرخامي قائلا ...
(كل ما توضحت الصورة أكثر .... كل ما استطعت مساعدتكما كلاكما .... فهيا أخبرني ... هل ما هددتك به صحيح ؟!).... أمال رأسه إلى الخلف يرمق السقف وتشنجت ملامحه من الخزي، يرد بخفوت خجل ...
(بعضها ... لكن ليس حديثا .. ليس بعد أن تقرب مني عمي رحمه الله .... ).... مسد البروفيسور على جبينه يعقب باحترافية، يمهد بها طريقا للثقة بينهما .....
(اسمعني يا غريب ... حين يتعرض الطفل لإساءة في الصغر ولم يتعالج بطريقة صحيحة ... تترتب على ذلك مجموعة من النتائج .... منها شذوذ في السلوك ... وانحراف عن الفطرة ....)...
(لكنك تعيش بشكل طبيعي ....)... قال أسامة بيأس، فزفر البروفيسور، يجيب بتهكم .....
(أرجوك !!.... أنا رجل ينعته الأغلبية بالمجنون النزق ... لم يتزوج حتى تعدى الاربعين بكثير... ولم ينجب حتى تعدى الخمسين .... ولم يصدق حظه لدرجة التعلق المرضي بصغيرته.... وزوجته .... لكن !!....).... تلكأ مبتسما بدفئ، يكمل ....
(الحمد لله .... بعد رحلة طويلة من البحث عن الذات ... وجدتها ... وأنا أعيش أحلى اللحظات في حياتي .... ولن أنكر ان لوالدي بعد الله ...الفضل الكبير ....رحمه الله وغفر له ...)... لم يرى تلك البسمة الحالمة التي ارتسمت على ثغر أسامة وهو يسأله ....
(كيف بحثت عن ذاتك ؟؟)... خرج البروفيسور من المطبخ ليستلقى على الأريكة في غرفة الجلوس، قائلا .....
(إنها رحلة طويلة جدا....بين الدراسة ...والتجارب ... والرحلات للبحث عن الأجوبة... فأنا كتوجيه من والدي ... لم أصدق أن أمًّ قد تفعل بابنها ما فعلته بي والدتي ... يعزز ذلك في رأسي قتلها لنفسها.... فكانت لهفتي لا توصف .... لأحصل على التفسيرات المقنعة .... وبين دراسة لعلم النفس... و اختلاط بالأطباء النفسين وجدت التفسير العلمي ... لتبدأ رحلة بحث عن العلاج لنفسي .... هل تعلم ماذا اكتشفت في النهاية ؟؟)... صمت كي يختبر تركيزه، فأتاه الرد المستفسر بفضول ....
(ماذا؟).... ابتسم يجيب بثقة ....
(أن جميع العلاجات تنتهي إلى أصل واحد ..... الله ... فأنا احتككت بأمهر الاطباء النفسين الغربيين ... الذي كانوا يحاولون استدراج الجانب الإيماني للمريض بمختلف دياناتهم ... فيكون الفشل من حظهم في أغلب الحالات... واستغربت ... لأجد في المقابل ... أناس ليس لهم علاقة بالطب النفسي ... لكنهم مُنِحوا حكمة التعرف إلى الله .... فعلموا السر في معالجة النفس .... فحققوا نجاحات مبهرة تفوق نسب الأطباء النفسين ... نحن طبعا نتحدث عن الأمراض النفسية ...وليس الأمراض العقلية ....)... سأله عن الفرق فاستمر مفسرا ....
(المرض النفسي هو كل اضطراب يصيب النفس فيخرجها عن طورها ... أي عن الفطرة بعلم صاحبها ....وهذا يستلزم التقويم النفسي كعلاج ... كي تعود الى فطرتها ... أما المرض العقلي ... فهو مرض يصيب الدماغ مثل اي عضو آخر في جسم الإنسان ....صاحبه يكون غير مدرك بمرضه ....وهذا يحتاج الى دواء ليشفي بإذن الله ..... مع ان الاثنين في حاجة إلى أن يكون صاحبهما مقرب من ربه ... ليستمد منه القوة ...ولكي يهتدي إلى طريقه الطبيعي .... لكن المرض العقلي يستوجب تدخل طبي بالدواء ... )... تنهد أسامة، يعقب بحزن ...
(قلت أنك وجدت تفسيرا لفعلة والدتك .... وبما أنها قتلت نفسها ... فهذا يعني أنها مريضة عقلية لا محالة ...أليس كذلك؟؟).... انتقل الحزن إلى ملامح البروفيسور بينما يجيبه ....
(بلى .... كان مريضا عقليا ... في مراحله المتقدمة جدا ... نوع من الفصام .... يجعلها تتقمص مجموعة من الشخصيات ... منها المعتدية الكارهة للأطفال.... لكن هذا لا يمنع أن قلة الايمان بالله .... تدفع بغير المرضى العقليين.... من اليائسين والمكتئبين لإنهاء حياتهم ...وهذه كارثة ...لأنه لو سأل سيعلم أن قتل النفس حرام ....وصاحبها موعود بالنار....فماذا بعد خسران الآخرة؟!... كل ما يحدث في الدنيا له مخرج ...فهي تبقى دنيا ... ).... نطق أسامة بوجوم، وندم اقشعر له بدنه.....
(بلى أنت محق .... الحمد لله ....الحمد لله .... هل تظن أنني سأجد ردا أنا الآخر يوما ما ؟؟).... زم البروفيسور شفتيه بتفكير ثم قال .....
(هل تريد خوض تجربتك الخاصة بتخبط حتى تصل لبر الأمان؟؟!.... أم أنك تفضل اختزال الوقت والسنين.... وتأخذ مني الخلاصة التي ستفيدك ؟!...).... غطى أسامة عينيه بذراعه، يقر بتعب ....
(لا طاقة لي صدقني .... كل ما أسرعت في خروجي من هذه الظلمة .... كان أفضل لي ... )... عاد البروفيسور للابتسامة وهو يقول محذرا ...
(لكنك يجب أن تمنحني ثقتك كليا .... وتنفد كل ما أطلبه منك ...).... بلع ريقه واعتدل في نومته يرد بثقة .....
(سأفعل .... أعدك ... )... قام البروفيسور من على الأريكة متوجها الى غرفة صغيرته كي يتفقدها قبل العودة إلى سريره، بينما يجيب ....
(إذن انسى والدك .... وابحث عن نفسك ... حين تجد نفسك ...سترى جميع الأمور بوضوح أكثر... وتفهم أوسع ....)....
(وكيف أفعل ذلك ؟؟)... قبل جبين صغيرته وعاد أدراجه، مجيبا ..
(يجب أن تنسى كل ما فات .... لكن أولا تعترف بنجاسته ... فإن كنت مارست أمورا نجسة ... كفاحشة قوم لوط .... اعترف لنفسك أولا أنها فاحشة وذنب عظيم ... وعقابه أعظم واخطر..... لدرجة انه ذُكر في القران مرات عدة ... وعوقب أهلها السابقين إليه بدمار أرضهم ومحوها ... إلى يومنا هذا ...فمكانهم انقلب الى بحر مالح لا يصلح لحياة ...ومجموعة من الظواهر التي أقر على اثرها علماء الجيولوجيا ... أن دمار جد خطير أصابها .... وبالتالي اصاب ساكنيها... ثم تعترف لنفسك أنه سلوك خارج عن الفطرة... أُصِبت به نتيجة الإساءة التي تعرضت لها في صغرك.... وتؤمن أن الذي خلقك على فطرة قبل أن يفسدها الإنسان قادر على اعادتك إليها .... فهل أنت مستعد لهذا يا غريب؟؟).... انتفض أسامة من مكانه يجلس على ركبتيه بتأهب، يهتف بلهفة وحماس هائج ...
(أقسم برب العزة الذي تؤمن به ... أنني مستعد.... )... كان البروفيسور يستلقي مكانه وهو يقول ببهجة غمرته .....
(إذن ....يا غريب .... أخبرني ..... كيف حالك مع الله؟؟)....





انتهى الفصل .... أتمنى ان ينال إعجابكم... لا تبخلوا علي بآرائكم ولو كلمة ....ومناقشاتكم ... أحبكم في الله.... أستغفر الله وأتوب إليه.....












.

noor elhuda likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 12-07-20 الساعة 03:43 PM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 18-03-18, 04:53 AM   #472

**sweet girl**
alkap ~
 
الصورة الرمزية **sweet girl**

? العضوٌ??? » 68402
?  التسِجيلٌ » Dec 2008
? مشَارَ?اتْي » 745
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » **sweet girl** has a reputation beyond repute**sweet girl** has a reputation beyond repute**sweet girl** has a reputation beyond repute**sweet girl** has a reputation beyond repute**sweet girl** has a reputation beyond repute**sweet girl** has a reputation beyond repute**sweet girl** has a reputation beyond repute**sweet girl** has a reputation beyond repute**sweet girl** has a reputation beyond repute**sweet girl** has a reputation beyond repute**sweet girl** has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله
يا الله علي الجمال والابداع يا مني بجد كل مرة بتبهريني بكمية الحكمة والابدااااع الراقي اللي في فصولك... البروفيسور ده شخصية يجب ان تدرس فعلا من اكتر الشخصيات اللي اعجبت بيها في رواية فعلا احسنتي.. حبيت اعقب سريعا والتعليق المفصل بعدين ان شاء الله


**sweet girl** غير متواجد حالياً  
التوقيع
الكلمة الطيبة مثل الريح الطيب .... تترك اثر في النفس ... وتعطر صاحبها بحسن الخلق

رد مع اقتباس
قديم 18-03-18, 06:10 AM   #473

مريم الحميري

? العضوٌ??? » 417539
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 50
?  نُقآطِيْ » مريم الحميري is on a distinguished road
افتراضي

فصل أكثر من رائع ،يونس وجد أجوبة لتساؤلاته وسترة لم تزل ،حال آل منصور بشكل عام فظيع وسببه أخ ظالم فتك بإخوته ،سترة ومارأته ومصطفى المسكين وأسامة وآمنة والدرويش ،إبراهيم وجب عليه مواجهة امه اخيرا ،أحسنتِ منى.

مريم الحميري غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-03-18, 07:21 AM   #474

Malak assl

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وقاصة وقلم مشارك في منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات ونجمة كلاكيت ثاني مرة و راوي القلوب وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية Malak assl

? العضوٌ??? » 387951
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,870
?  نُقآطِيْ » Malak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond repute
افتراضي

الرائعة منى التي تفك الخيوط ببراعة تحسد عليها ..
الان اتضحت الرؤى كلها ..
وبانت تشابك الخيوط ..وفهمنا الامور المعقدة ..
يالله على عقلك وجمال نصحك ..
دوما ارائك وعبرك ونصائحك تجعلني افهم الحياة اكثر ..
ابدعتي ابدعتي


Malak assl غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-03-18, 08:21 AM   #475

بيبووووو

? العضوٌ??? » 398371
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 41
?  نُقآطِيْ » بيبووووو is on a distinguished road
افتراضي

فصل رائع رائع رائع
سلمت يداك حبيبتى


بيبووووو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-03-18, 08:40 AM   #476

Eman12

? العضوٌ??? » 416487
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 143
?  نُقآطِيْ » Eman12 is on a distinguished road
افتراضي

الفصل أكثر من رائع يامنمن بالتوفيق حبيبتى ..إنجلى الغموض وطلع الأبطال ليهم كلهم علاقه ببعض

Eman12 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-03-18, 08:42 AM   #477

Eman12

? العضوٌ??? » 416487
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 143
?  نُقآطِيْ » Eman12 is on a distinguished road
افتراضي

طلع الدرويش هو أخو ستره التانى وامنه اختها اتفقو يحمو اختهم من اخوهم الكبير رأس الحيه المغتصب الى إعتدى على اخوه

Eman12 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-03-18, 08:44 AM   #478

Eman12

? العضوٌ??? » 416487
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 143
?  نُقآطِيْ » Eman12 is on a distinguished road
افتراضي

أسامه خلاص بدأ االعلاج مع البريفيسور ورب هون ..أم جارح ديه ربنا ينتقم منها هى السبب فى الى حصل لنوران وهى السبب فى جهل امها عملتلها عمل وخلت امها المجنونه تروح لدجال اهو ابنها اجوزها عندا فيكى

Eman12 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-03-18, 09:20 AM   #479

نجاه فاروق

? العضوٌ??? » 414888
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 250
?  نُقآطِيْ » نجاه فاروق is on a distinguished road
افتراضي

بجد الفصل فوق عن رائع والاول والاخير ان الله هو المفتاح لكل حق وجميل وغيره على باطل
اتمنى لك التوفيق والتقدم الدائم


نجاه فاروق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-03-18, 09:58 AM   #480

suhair soso

? العضوٌ??? » 383667
?  التسِجيلٌ » Oct 2016
? مشَارَ?اتْي » 276
?  نُقآطِيْ » suhair soso is on a distinguished road
افتراضي

اسلوب رائع ماشاءالله. ..طريقتك في مناقشه المواضيع من ناحيه دينيه وإنسانية طريقه جميله وسلسه ...يسلمواايديكي حبيبتي فصل جميل وبانتظارك 😍😍

suhair soso غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:48 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.