سرينادة الوداع

[MooNy87]

الفصل السادس



كان الملهى الذى وصلت اليه السيارة التى تقل الفتاتين من أكثر الأماكن المعروفة شهرة وصخبا ,خاطبهما السائق بلهجة رسمية مهذبة داعيا ايّاهما الى الهبوط لملاقاة النجم المعتزل حيث كان عليهما أن يبلغا المسؤول على باب الملهى بأن أحمد صبرى ينتظر حضورهما.
وبالفعل أشار الرجل الى شخص آخر يرتدى بزة رسمية حتى يعرّفهما على الطاولة التى قام بحجزها السيد أحمد صبرى وكان شخصية اجتماعية معروفة للجميع ,حتى بعد اعتزاله الغناء وتفرغه التام لاكتشاف المواهب الجديدة.
ما أن لمحهما قادمتين تتهاديان بدلال فى خطواتهما بدون أن تنتبها لنظرات الحشد من حولهما التى تلتصق بهما فيما بضعة صيحات خافتة دليل الاعجاب ترتفع من حناجر الشباب اللاهى ,حتى هب واقفا فى شرف استقبالهما مرحبا وهو يطبع قبلة خفيفة على وجنة شادن التى غزا الاحمرار وجهها فهى لم تعتد بعد على هذه اللفتات المجاملة التى تبدو شائعة فى الوسط الفنى ,وقد أحسّت باهتزاز مشاعرها بقوة بينما اكتفى بمصافحة تالين بحرارة وهو يهنئهما على النجاح الساحق:
-كنتى هايلة يا شادن ,كسرتى الدنيا كلها ,مفيش حد كلمنى الا فى سيرة صوتك الساحر واداءك العفوى الرقيق.
وسحب لهما مقعدين الى جواره لتجلسا برشاقة وكل واحدة مأخوذة بأفكارها الخاصة ... تالين متأثرة بمظاهر الترف والثراء المحيطة بها ,وشادن سعيدة باشادة الأستاذ لها وأنها لم تخذله كما وعدت.
جاء النادل ليسجّل الطلبات فسألهما أحمد عما تفضّلان ,كانت شادن قلقة غير مستقرة المشاعر لا تدرى سببا لهذا التوتر فتمتمت بصوت خفيض:
-اى حاجة مفيهاش كحوليات هتكون مناسبة.
وتراءت لها نظرات تالين شاعرة باحباط مماثل وهى تقارن بين ثوبيهما وبقية الفتيات العابثات بالمكان حولهما ,بدت الهوّة شاسعة وكأنهما لا تنتميان لهذا العالم ,فأومأت برأسها حينما أدركت أن النادل ما زال واقفا بانتظار اجابتها فارتبكت لتتسع ابتسامة الأستاذ وقال مترفقا باحراجها:
-هاتلنا تلاتة عصير فريش.
-اوامرك يا أستاذ ,حالا.
كان يتحدث ببساطة متناهية وكأنه معتاد على مثل هذه المواقف فيما النادل المسكين انصرف وجسده يرتجف من شدة الاثارة فقد تلقّى طلبا لتوه من نجم الأغنية الأسبق ,لن يصدّق أيا من معارفه أنه قد تبادل هو والأستاذ الحديث منذ قليل ,ولمِ لا وقد كان حديث الاعلام لسنوات طويلة متربعا على عرش الغناء وقد تنازل عنه بارادته دون أى سبب معروف.
بعد أن جاء النادل مرة أخرى بالمشروبات ووضع الكؤوس الزجاجية على الطاولة أخرج دفترا صغيرا من جيبه وقال بصوت منفعل:
-معلش يا أستاذ ممكن تكتبلى فى الاوتوجراف ده , اى كلمة صغيرة بس لو مفيهاش ازعاج لحضرتك.
تناول أحمد منه الدفتر متعجبا وهو يقول باستغراب:
-طبعا يا ابنى بس قولى هو لسه فى حد بيشيل اوتوجرافات ده كان زمان ,دلوقتى السيلفى غطى ع الكل هههههه.
وقّع بطريقة أنيقة واحترافية عالية ثم أعاده للشاب الصغير الذى لم يتجاوز عمره العشرين عاما فتلجلج مرة أخرى وهو يتنحنح مرددا:
-هو لو ممكن اخد مع حضرتك سيلفى ....
-اكيد عادى.
ثم أشار الى شادن التى ظلت تتابع المشهد صامتة تحاول التكّهن بما يفكر فيه الأستاذ الذى كان يتطلّع بدوره اليها مقيّما ,وقال الفتى مرتبكا:
-ممكن تتصور معانا.
قطبّت حاجبيها متساءلة بهدوء يتنافى مع الغليان بداخلها:
-عايز تتصور معايا ليه ؟ طيب الاستاذ وكلنا نتمنى لو بس نقعد جنبه مش ناخد معاه صورة.
-هو مش حضرتك بردو الى كنتى بتغنى فى الحفلة النهارده ؟
التمعت عيناها بمتعة جديدة ألا وهى تعرّف الجمهور اليها ورغبتهم فى التقاط الصور التذكارية معها فأجابت بسرور:
-ايوه انا يلا ايه رأيكم ناخد كانا سيلفى يلا يا تالى.
أخذت تالين تشيح باصبعها دلالة الرفض وقد شعرت بالاحراج يسيطر على الموقف وقالت مشيحة بوجهها بعيدا:
-انا مليش فى الصور وانتى عارفة يا دندن.
بالرغم من جرأة تالين البالغة وروحها المنفتحة على العالم الا أنها لا تفضّل الظهور بالصور ,كانت تتعلل بأن كاميرات التصوير لا تظهرها بشكل جيد ,فيما بقى خوفها الرهيب من التصوير يمثل لغزا قائما حتى الآن بالنسبة لصديقتها .
أخرجها أحمد من ذهولها بأن قال بطريقة عملية منهيا الجدال بشكل فجائى:
-خلاص سيبوها على راحتها يلا يا شادن الولد مستنى بقاله كتير واكيد عنده شغل غيرنا.
كان الأستاذ كما عرفته دوما متواضعا مراعيا لمشاعر الغير ,لا يمكن اتهامه بالغرور والأنانية التى تكاد تكون سمة أساسية للفنانين هذه الأيام.
غادر الفتى منتشيا بسعادة غامرة بعد أن حصل على مراده الا أن الأستاذ حذّره بصورة تلقائية ألا يشيع الخبر بين الحضور لأنهم قد أتوا هنا للاحتفال والاستمتاع بوقتهم ,وقد كانت الاضاءة الخافتة تكفل لهم الاختفاء عن الأعين الفضولية للكثيرين.
-معلش يا بنات هنأجل العشا شوية لانى منتظر ضيوف ..
وبتر عبارته بغموض بينما اكتفت تالين بهزة من رأسها وهى تحتسى مشروبها البارد بتلذذ أما شادن فقد عاد اليها شعورها القديم بالتوتر والترقب على حد سواء فتساءلت بينها وبين نفسها : ترى من هم هؤلاء الضيوف الذين ينتظرهم الاستاذ ؟
-اهم الشباب ... يحيى , شاهر تعالوا هنا.
قام واقفا ليشير الى شابين وسيمين أخذا يقتربان من طاولتهم بخطوات واثقة بتصميم.
قام أحمد صبرى بتعريفهم الى بعض وهو يقول مشيرا نحو شادن وشاهر:
-نجوم المستقبل.
كانت كلا من شادن وتالين تجلس الى جانبى الأستاذ فقام شاهر بانتقاء المقعد المجاور لشادن وقد حذا يحيى حذوه فيما يتعلق بتالين وهو يغمز لها فى غفلة عن الحضور قائلا بصورة تهكمية:
-ما احنا اتعرفنا قبل كده.
-ايه ده بجد ؟
تساءلت شادن بحدة وهى تلقى على صديقتها نظرات نارية من شدة الغضب فابتلعت تالين ريقها غير قادرة على الكلام فيما تابع يحيى مهاجما:
-ايوه لما شفت القمر بس الظاهر ان القمر الى كان لسانه طويل مش عارف يتكلم.
لم يفهم الجميع دعابته الخفيفة الا شاهر الذى طالع صديقه بفضول فأكّد يحيى ظنونه وهو يهمس دون صوت:
-ايوه هى.
فهم شاهر من حركات شفتيه أنه يعني الفتاة التى سبق وحدّثه عنها حينما اصطدم بها فى الحفل.
لم تدرِ شادن من ملامح وجه شاهر اذا كان قد تذكّرها أم لا فهى قد استبدلت ملابسها بأخرى مريحة وعادية وأزالت جزءا كبيرا من زينة وجهها ثم جمعت خصلات شعرها الحريرية برباط مطاطىّ فاختلف شكلها تماما ,ما أن رن هاتف أحمد الخلوىّ حتى استأذن منهم لاستقبال المكالمة فى مكان هادئ بعيدا عن الأجواء المزعجة المحيطة بهم وهو يشير لشاهر بيده:
-اطلب انت ويحيى حاجة تشربوها احنا سبقناكم.
أومأ له شاهر بايجاب والتفت لحظتها نحو شادن ليهمس بأذنها:
-ليه مشيتى بسرعة بعد الحفلة ؟ احنا مش اتفقنا نتكلم سوا؟
-هه ؟ لا مفيش بينا اتفاق ولا حاجة انت قلت اننا لازم نتقابل تانى.
-طيب كويس انك لسه فاكرة , امال عاملة نفسك مش عارفانى ليه ؟
-أنا ؟ ابدا , مش معنى انك عايز حاجة انى موافقة عليها.
-آآآآآه .
وأخذ يدقّق النظر الى ملامح وجهها الجميلة وحسنها الفتّان ثم ضاقت عيناه لحظة وقام من مكانه حينما عزفت الفرقة لحنا موسيقيا ناعما ليمس أصابع يدها بحنان داعيا ايّاها لمشاركته الرقصة:
-تسمحى لى ؟
لم تجد سببا لرفض دعوته فاستجابت له بتلقائية وهى تترك يدها لتستكين بحضن يديه مفسحين المجال للثنائى الآخر حتى يتحدثا بحرية.
-لسه القمر زعلان ولا ايه ؟
-هو فى ايه يا استاذ انت ؟ موراكش حد غيرى النهارده؟
-لأ مفيش .
وتلفت حوله بمغزى لم تدركه قبل أن يقبض على أصابعها التى كانت تضعها بحضنها بعصبية شديدة ,وقرّبها من شفتيه مقبّلا أطرافها بصورة ساحرة جعلتها تشهق متراجعة بمقعدها وهى تحاول تخليص يدها من بين براثنه فرفع حاجبيه متعجبا فيما أشار لما حوله:
-اهدى شوية هتفرجى علينا الناس.
-سيب ايدى حالا والا هفرج عليك الناس.
-وتسببى فضيحة لصاحبتك الى لسه فى اول المشوار ,خلى بالك المكان هنا بيبقى فيه صحفيين ومصورين كتير .
شعرت بالخوف يسيطر عليها ,لا تريد أن تتسبب بمشكلات لصديقتها بلا داعى ,عرف يحيى كيف يضغط عليها لتفضّل الصمت الا أنها سحبت يدها بقوة من قبضته فقد بدأت المشاعر المضطربة تتملّكها وقلبها يخفق بقوة من جراء لمساته الجريئة.
أحكم شاهر لف ذراعيه حول خصر شادن ليراقصها ببراعة وكانت هى ترتجف محاولة ألا تظهر ارتباكها حين لامست أناملها عنقه الطويل فكادت تتعثر بخطواتها حينما أنقذها شاهر وهو يبتسم بطريقة ساحرة أثارت احساسها الداخلى بالانقباض لأنها وجدته شخصا جذابا للغاية ,قال مهدئا:
-فى ايه ؟
-ولا حاجة بس حسيت نفسى نسيت الخطوات فاتلخبطت
-ولا يهمك بس انتى شكلك بتعرفى ترقصى جامد
-اه.
اكتفت بهذه الكلمة المقتصبة ردا على اطرائه ,فأخذ يكثّف من مغازلته لها:
-على فكرة انتى هايلة فى الغنا وكمان جميلة اوى.
-وانت كمان شاطر جدا.
-اكيد مش كنا بنتسابق زمان ايام الكلية مين يطلع الاول؟
توقفت فجأة وقد تشنجت مفاصلها فلم تستطع أن تتحرك الا أنه أعادها الى أحضانه مجددا وهو يعلّمها الخطوات ,تهدّج صوتها وهى تقول:
-انت افتكرت ؟
قال مؤنبا:
-ايوه ,مكانتش حركة جدعنة منك انك تستغلى الموقف وتعملى نفسك مش عارفانى.
-بالعكس انت الى كنت ناسى مش انا.
هل تخيّل رنة ألم واضحة بنبرات صوتها لأنه لم يتذكرها ,أجابها معترفا:
-يمكن فى الاول مخدتش بالى لانك كنتى واقفة بالجنب وكمان الميك اب وتسريحتك غيروا صورتك تماما ,بس بعدها على طول افتكرت ... اصلا ملامحك حلوة ومميزة اوى مش ممكن حد يقدر ينساها.
شعرات بأطرافها تتجمد وهى بين دفء ذراعيه الحانيتين ,بينما طرق شاهر على الحديد وهو ساخن متمتما:
-مكنتش متخيل انى ممكن اشوفك تانى وفين هنا
-الصدفة هى الى جمعتنا
قالت ببراءة فضحك ساخرا وهو يشير برأسه الى الأستاذ الى عاد الى الطاولة وأخذ يراقب حركة جسديهما المتناغمة سويا على أنغام الموسيقى:
-تفتكرى كده ؟ انتى طيبة.
-تقصد ايه؟
-الأستاذ ... أحمد صبرى ... مش هو الى رشحك للحفلة معايا؟
انعقد حاجبيها الرفيعين بعد تفكير متمهل ورنت منها آهة خافتة:
-كان عارف اننا هنكون فى نفس الحفلة؟
-لأ يا ذكية ... هو الى جمعنا مع بعض من تانى.
-ازاى عرفت ؟ ممكن تكون مجرد اوهام فى راسك.
-يوم ما اتفقت معاه ع التفاصيل قالى انه فى بنت هتغنى معايا وهى صوت جديد ,بس مجابش سيرة عنك ولا حتى اسمك ,لانه عارف بماضينا ..ومين عارف يمكن خاف انى ارفض مثلا.
استفزتها رنة السخرية الواضحة بصوته اضافة الى تلميحه الرفض بمشاركتها الحفل فانتصبت بوقفتها مبتعدة بجسدها عنه وهى تقول متحدية:
-وترفض ليه يعنى ؟ مش قد المقام ؟ ولا يمكن بغنى وحش.
جذبها من مرفقها مبتعدا عن المرقص وهو يحذرها بسبابته:
-بلاش تريقة واتكلمى كويس معايا.
-انا بتكلم كويس اوى ,شوف نفسك والغرور الى بقى ماليك كل ده من اغنية سنجل واحدة ,لما تعمل البوم كامل هتبقى شبه البالون المنفوخ
شدّد من قبضته المحكمة حول رسغها وقد أظهر غضبه الأعمى متعمدا ايذائها:
-انا بالون منفوخ ,ماشى يا ست الحسن والجمال بكرة هعرف ازاى اقص لسانك الطويل ,صبرك عليا.
-وباى حق بقى هتعمل كده ان شاء الله ؟ تكونش وصى عليا وانا مش دريانة.
-لأ بس انا الوحيد الى فاهمك اكتر من نفسك وعارف دماغك الناشفة دى هتوصلنا لفين ,انتى بتنسى اصلك ...
-سيب ايدى يا حقير ,ازاى تتجرأ وتعمل كده .
ثم تأوهت متألمة من آثار أصابعه القوية حول معصمها الرقيق ,وقطع عليهما الشجار وصول أحمد الغير متوقع وهو يقول متبسطا :
-ايه يا جماعة هتقضوا الليلة كلها ترقصوا وسايبينا هناك ؟ ابقوا احتفلوا بعدين , المناسبة هتبقى مناسبتين يلا.
ودفعهما أمامه بمحبة غافلا عما كان يدور بينهما من مشاحنات كهربائية ظنا منه أنهما كانا يتناقشان بأمر الحفل المشترك.

*******************

[MooNy87]

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 3 والزوار 3)
‏MooNy87, ‏Shames hrob, ‏موضى و راكان

[MooNy87]

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 7 ( الأعضاء 4 والزوار 3)
‏MooNy87, ‏samam1, ‏Shames hrob, ‏موضى و راكان

[قمر الليالى44]

شاهر تذكرها
وبدات المشاجرة بينهما
وقطعها مجى احمد
يحيي وتالين
يسلموووو وبانتظار القادم

[MooNy87]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قمر الليالى44

شاهر تذكرها
وبدات المشاجرة بينهما
وقطعها مجى احمد
يحيي وتالين
يسلموووو وبانتظار القادم

أكيد تذكرها والا لما اختلفا من جديد
اما نشوف هيحصل ايه معاهم بعد مجئ أحمد
تسلمى يا قمر ومنورانى على طول

[modyblue]

لأ بس انا الوحيد الى فاهمك اكتر من نفسك وعارف دماغك الناشفة دى هتوصلنا لفين ,انتى بتنسى اصلك ...
ما قصدك من كلامك
وبدءت الصواعق مش شحنات بس ههههه
تالي كمان ويوكا ههههه شكلهم حيولعوها
واحمد الطيوب بيجع اتنين ف الحلال ههههلا ف الحفلة
جو جديد يا شادن هل ستنقلبي وماهو احساسه من ناحيتها وهل نسي تماما خطيبته
مستنيينك

[MooNy87]

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 1 والزوار 4)
‏MooNy87

[MooNy87]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة modyblue

لأ بس انا الوحيد الى فاهمك اكتر من نفسك وعارف دماغك الناشفة دى هتوصلنا لفين ,انتى بتنسى اصلك ...
ما قصدك من كلامك
وبدءت الصواعق مش شحنات بس ههههه
تالي كمان ويوكا ههههه شكلهم حيولعوها
واحمد الطيوب بيجع اتنين ف الحلال ههههلا ف الحفلة
جو جديد يا شادن هل ستنقلبي وماهو احساسه من ناحيتها وهل نسي تماما خطيبته
مستنيينك

اكيد يقصد علاقتهم السابقة فى الماضى

هههه لسه الصواعق آتية فى الطريق

وتالين ويحيى هتبدأ حرب التنافس بينهم

أما عن خطيبته فهذه هى المفاجأة

تسلمى عزيزتى فدائما ما تشجعيننى بتعليقاتك الواعية وحضورك الطاغى

[MooNy87]

الفصل السابع

***********


-يلا يا ولاد انتو مش جعانين ولا ايه ؟ تعالوا ناكل الاول وبعدين اشبعوا رغى سوا للصبح.
كان أحمد صبرى يمازحهما بخفة وهو يقود الاثنين نحو الطاولة التى اجتمعوا حولها من جديد ,فأجاب يحيى بخفة ظل وهو يربت على معدته المسطحة:
-انا عن نفسى هموت من الجوع .
رد عليه شاهر وهو يزيح المقعد لتجلس عليه شادن فى لمسة مهذبة للغاية حتى أن ملامح وجهه كانت عادية لا تشى بما دار بينهما من حوار حاد منذ لحظات خلت:
-هو انت ايه على طول همك على بطنك ؟
ابتسم يحيى محرجا وهو يقول مؤنبا:
-ايه يا شاهر مش كده ,احنا معانا ضيوف حلوين ميصحش.
وغمز بعينيه الى الجالسة جواره تكتم غيظها وهى تتضرع الى الله فى سرها أن تنتهى هذه السهرة على خير دون أن ترتكب مصيبة قد تندم عليها فيما بعد الا أن لسانها انزلق دون وعى قائلة بصوت منخفض:
-خد راحتك على الاخر.
نظر لها محدقا ببطء فى تقاطيع وجهها الجميلة بتناسق وهو يجيبها بمغزى:
-اكيد مش هتوصينى ,وكمان هطلب حلو ..
قال أحمد مبتهجا بجو المرح الشائع بينهم:
-ده انت نفسك مفتوحة اوى.
-حد يشوف القمر ونفسه متبقاش مفتوحة.
وحدّق ناظرا الى تالين المنكمشة على نفسها ترد له نظراته بغصب مستعر وهى تحفر يأظافرعا فى راحة يدها دون أن تجرؤ على التفوه بكلمة واحدة قد تفضح مشاعرها , بينما ابتسم شاهر واعيا لما يقصده صديقه ومال نحو شادن المتجهمة وهو يحذرها بصوت هامس:
-افردى وشك شوية لحد ياخد باله ,المفروض انك فى قمة سعادتك الليلة.
رفعت حاجبا وهى تتنهد بحرقة قائلة:
-اكيد هبقى فرحانة لان الحفلة نجحت ودى اول خطوة مهمة.
-لأ قصدى عشان اتقابلنا ,ولا ايه يا ديدى؟
نهرته بعصبية واضحة وقد تملكها الضيق:
-اوعى تنادينى كده تانى أنا اسمى شادن لو مش عارفه احفظهولك.
أجابها ساخرا:
-لأ عارفه بس ديدى احلى وارق وبيعجبنى اكتر.
-مش من حقك !
-هو ايه ده ؟
تساءل ببراءة مزيفة فيما تشاغلت هى بالنظر فى قائمة الطعام بدون شهية حقيقية ,فلقائهما الحافل أفسد متعتها الوليدة بالنجاح والرغبة فى الاحتفال.
همس بأذنيها بصوت ناعم مغرٍ حينما وجدها حائرة لا تقوَ على الاختيار:
-تسمحى لى اختار لك على ذوقى.
فوجئت برقته الغير معهودة وأسلوبه الراقى فى معاملتها فاستسلمت دون رغبة منها فى اعلان الحرب مجددا فقد شعرت بحاجة الى بعض من السلام النفسى بعد مشادتهما وهزت رأسها ايجابا فقال مغمغا:
-صدقينى مش هتندمى هدوقك احلى اكلة هنا.
واختار الجميع أصنافا مختلفة من الأطعمة الشهية التى تكهنت شادن بأنها تكلف ثروة صغيرة ولما تجرأت هى أو صديقتها على تجربتها اذا كانتا بمفردهما.
رن هاتف شاهر بنغمة مميزة جعلت جسده ينتفض وقد أفاق من تحديقه الى شادن الشاردة فنظر الى الشاشة وهو يعلم جيدا من المتصل فسيطر عليه هاجسا ملحا بألا يجيب ,ولكن تغلّب عليه حس اللياقة بالنهاية مع الحاح أحمد عليه قائلا بأريحية:
-رد يا شاهر ,قوم واتكلم بعيد لو المكالمة خاصة.
وكأنه التقط بلمحة خاطفة توتره الزائد وفهم ما يدور بعقله , هكذا هو دوما الأستاذ يلتقط أدق التفاصيل بمهارة وعناية لا يغفل عن شاردة أو واردة مما حوله ,فابتسم شاهر مجاملا وهو يستأذن ليرد على الاتصال الهاتفى:
-عن اذنكم مش هتأخر.
-خد راحتك يا حبيبى.
قالها أحمد وهو يربت على ذراعه مشجعا.
ابتعد عن الجو المزدحم الخانق وانتقى ركنا قصيّا ليتحدث بحرية فأجاب قائلا بصوت حانق:
-آلو ... ايوه يا غيدا

*****************

[MooNy87]

كانت تالين تبحث باستماتة عن عذر يسمح لها الفرار من حصار عينى الرجل المتمردتين اللتين تغازلانها بلا هوادة فهبت واقفة فجأة وتسمّرت نظرات شادن عليها متسائلة فقالت تالين بلهجة مؤدبة:
-اسمحوا لى هروح اظبط الميك اب أنا وشادن.
-طبعا يا بنات اتفضلوا .
رد أحمد بتأنٍ وهدوء مراقبا للموقف بصمت فيما قال يحيى:
-بس متتأخروش عشان الاكل ميبردش.
-اكيد اكيد .
أجابت تالين بنفاد صبر وهى تجاهد لتبتعد عن دائرة حصاره متشبثة بذراع صديقتها التى رافقتها مضطرة بالرغم من عدم رغبتها بمغادرة الطاولة فقد كانت غارقة بأفكارها الخاصة تحاول اعادة ترتيب حياتها بعد أن تبعثرت أشلاؤها بلحظة واحدة منذ قابلت شاهر ,وما ان ابتعدت الفتاتان مسافة كافية عن الطاولة حتى استوقفتها شادن متسائلة بفضول:
-ايه الى جرى يا تالى ؟ ليه قولتى اننا عايزين نظبط الميك اب مع انى شايفة انك مش محتاجة ده.
-كان لازم الاقى اى سبب مقنع عشان اقوم من غير ما الاستاذ يلاحظ.
-ليه ؟
-مش عارفة يعنى ,آه ما انتى سرحانة وفى وادى تانى خالص من ساعة ما رقصتى مع النجم الصاعد.
-متفكرنيش يا تالى.
ودلفتا الى غرفة الحمام الأنيق الخاصة بالسيدات ,وقفت شادن تتطلع الى وجهها أمام المرآة اللامعة وتخاطب نفسها بحدة: فوقى من اوهامك يا شادن ,لازم تبقى قوية وتقفى قصاده ثابتة .. وهعرفه مقامه كويس.
أما تالين فكان جسدها يرتجف وهى تستعيد ذكرى ملامسة يحيى لها وتقبيله أناملها وما اكتفى بل زادها بكلماته المتغزلة والتى تختفى بستار فلا يكاد أحد يلحظ أنها هى المعنية بالأمر أم أنها تتوهم ؟
أخرجت طلاء الشفاه من حقيبة يدها وأعادت تلوين شفتيها بخبرة وادراك ثم قامت بمسح الجزء الزائد بمنديل ورقى ثم كوّرته بقبضة يدها وألقته بسلة المهملات وكأنها بهذا قد استعدت لمواجهة يحيى من جديد وقد استعادت ثقتها بالنفس مع تجديد زينتها أما شادن فاكتفت بغسل يديها بالماء والصابون وكأنها تنفض عنهما أثر ملامستها لشاهر أثناء الرقص ,ثم تركت هواء المجفف الدافئ يزيل آثار المياه المتبقية وهى تشد قامتها لتخرج اثر صديقتها .
اتجهت تالين مباشرة نحو الطاولة البعيدة , أما شادن فقد تلكأت قليلا تبحث بعينيها عمن يقلقها ويثير أعصابها متسائلة :هل تستهوى تعذيب نفسها ؟
تخلّت عن فكرة السعى ورائه وهى تغير اتجاهها لتعود الى مضيفهم المنتظر لمحته واقفا يتحدث بهاتفه بالقرب منها ,كان يوليها ظهره منشغلا بالمحادثة فاقتربت منه ببطء لتسمعه يقول بحنو:
-خلاص حبيبتى ولا يهمك ,كله هيعدى متقلقيش ... مش عايز اشوفك متضايقة ابدا ...
هكذا فله حبيبة يهرب منهم جميعا ليختلى بمحادثته لها وها هو صوته يهمس بلطف ليزيح همومها يهدئها كمن يهدهد طفلة صغيرة ,شعرت بنيران الغضب تتأجج مشتعلة بداخل صدرها فهرعت مبتعدة قبل أن تخترق أذنيها بألم بقية عبارته :هشوفك بكرة يا حبى ...
وما دخلها هى ان أصبح زيرا للنساء يتنقل من واحدة لأخرى ... لا يعنيها شأنه ,فهو حر بتصرفاته.
اكتمل شملهم مرة أخرى بعد أن جاء شاهر مرتسما على وجهه دلائل الارتياح والسعادة ,وقال وهو يأخذ مجلسه الى جوار شادن:
-اسف ان كنت اتأخرت شوية عليكم.
رد يحيى بنظرة فهم:
-مش مهم شكل المكالمة ريحت بالك على الاخر هه؟
ضحك شاهر بصوت مرتفع:
-اه تقدر تقول كنت مستنيها على نار.
-هى مين دى ؟
سأل أحمد وقد انتابه الفضول لمجرى الحديث بين الشابين فأجابه شاهر ببساطة:
-المكالمة طبعا ,يلا ناكل بقى ,, الأكل هيبرد.
قال يحيى وهو يتأمل تالين تكاد عيناه تأكلانها:
-فعلا لأن لذة الاكل وهو سخن , لما يبرد يبقى ملوش طعم.
أخذ الجميع يتناول طعامه بصمت الا أن قطعه شاهر بسؤاله لشادن باهتمام جلى:
-ايه رأيك فى ذوقى بقى ؟
كان يعنى الصنف الذى اختاره لها بعناية فقالت متعمدة أن تسئ فهم معنى كلامه:
-مش بطال ,ولو انى معتقدش ان ذوقك مناسب فى كل حاجة.
عقد حاجبيه بشدة وهو يكشّر بتسلية قائلا:
-متحكميش قبل ما تجربى ...
وترك جملته معلقة فى الهواء لتكملها هى باستهزاء:
-جربت مرة قبل كده ...
قال أحمد شاعرا بتغير الأجواء بينهما وهو يسعى للتلطيف:
-طيب فرصة واحنا بناكل نتكلم فى الجد بقى ... الشغل .
أنصت له الأربعة باهتمام بالغ وهو يستطرد بلهجة عملية :
-بعد نجاح الحفلة الليلة دى ومش هكدب عليكم انا كنت متوقع ليها النجاح ده ,شايف انكم دلوقتى مستعدين للالبوم الاول ولا ايه رأيكم ؟
-ودى عايزة كلام !
أجابه يحيى هاتفا وقد اجتاحته موجة عارمة من السعادة لنجاح صديقه الذى قال بفرح :
-انا مستعد من النهارده للشغل.
نظر أحمد نحو الفتاة ذات الشعر الذهبى المتألق وقد أخذ يراقب ردة فعلها المتحفظة ,ثم قال مشيرا لها:
-وانتى يا شادن ؟ شايفة ايه ؟
ابتلعت ريقها بصعوبة ولكنها نجحت بأن تتحدث أخيرا بعد أن وجدت صوتها قويا:
-نفس الكلام ,مفيش حاجة هتعطلنى من دلوقتى لو حبيت يا أستاذ.
-حلو ,يبقى احنا قطعنا نص المشوار ,وفاضل بس ... انكم تمضوا ع العقد ,الشركة المنتجة هتضمن لكم افضل النتايج .. لأنها هتتكفل بكل حاجة من البومات وحفلات غنائية وكمان اعلانات ... مبسوطين ؟
ردت تالين بحماس:
-اكيد ده فوق الخيال.
كان الانبهار منطبعا على ملامح وجهها فأشاع فى يحيى احساسا من الانجذاب الى تلقائيتها وعفويتها ,فى حين استطرد أحمد بصوت ثابت :
-الشرط الأخير ... لازم تعملوا اغانى دويتو مع بعض ...
تركت شادن الملعقة تسقط من يدها مرتطمة بالصحن الخزفى لتحدث صوتا مدويّا ,فيما نظر له شاهر ببلاهة فاغرا فاه بشكل مضحك ,فابتسم الأستاذ قائلا بمرح:
-حلو اوى , السكوت علامة الرضا , يبقى اتفقنا ...
-ثوانى يا استاذى ...
قاطعه شاهر وقد استطاع تحريك فكه المتدلى ليتحدث قائلا:
-هو ايه لزوم الدويتو ده ؟ يعنى ليه ؟
مط الأستاذ شفتيه بعدم فهم وهو يقول مشيحا بيده فى الهواء:
-وايه المشكلة مش فاهم ؟ انت معترض !
-مش القصد يعنى , لأ مش معترض خالص بسأل عشان اعرف
-هو انا مقولتش قبل كده ان الالبوم ده مشترك بينكم انتو الاتنين.
وأشار بسبابته ووسطاه اليهما مجتمعين فتلاقت نظرات الأعين تتشابك بغضب مستعر ورفض واضح وقالت شادن بتردد:
-مع بعض انا وهو ..
-ايوه ده شئ مفروغ منه , مجرد شكليات أنا متأكد انكم هتتفقوا فى كل حاجة سوا ... ولا ايه يا ولاد؟
ثم استطرد بدون أن يترك لهما فرصة للرد:
-تمام كده , بكرة اشوفكم فى مكتب الشركة فى وسط البلد ... عارفينها طبعا شركة ( الأهرام ) معانا معاد مع المدير التنفيذى عزت الايوبى الساعة 11 الصبح ,اوعوا تتأخروا دقيقة واحدة ,الراجل ده معروف عنه حب الالتزام بالمواعيد والدقة فى التنفيذ.
بالرغم من عدم رضاها عما يحدث لم تصرّح برفضها حتى لا يعتقد أنها تخشى مواجهته ,وهو بالمثل وافق على مضض حتى لا تؤمن بتفوقها عليه.
-اوكى.
نطقا بها فى ذات اللحظة وكأن ما يجمعهما أكثر مما يتخيّلان .
طرح أحمد سؤالا آخر:
-على فكرة لازم كنت أسالكم من بدرى .. مين هيدير أعمالكم ؟
تبادلا النظرات ثانية وكلاهما يشير بأصبعه نحو الاثنين الجالسين قبالتهما وهتفا بصوت واحد:
-تالين.
-يحيى.
ولبرهة ران عليهم الصمت ,ثم رن صوت أحمد مجلجلا فى الآذان:
-خلاص كده كل حاجة اتحددت ,ومش محتاجين كلام .. ان تالين ويحيى هيحضروا معاكم بكرة وقت توقيع العقد مع الشركة.
اعتدلت تالين بجلستها وهى تقول بثقة زائدة :
-طبعا.
حادث يحيى نفسه لاعنا بقوة : مبقاش انا يا ست تالين لو سبتك تنتصرى عليا وتثبتى تفوقك ,بكرة هتيجى على ملا وشك تعترفى بهزيمتك على ايدى ,ثم ابتسم بخفة وهو يوثق كلمته الأخيرة:
-أكيد ,من اليوم ورايح هتلاقينا حاضرين وجاهزين فى اى وقت ...
وصافحوا الأستاذ جميعا وهم يهمون بمغادرة الملهى كل الى دنياه المنفصلة عن الآخر قبل أن يستعدوا للقاء من نوع جديد فى الغد ... وكل يسعى نحو تحقيق هدفه واثبات جدارته واستحقاقه بمنصبه الجديد.


************