آخر 10 مشاركات
قــصـــة قــــســـم وهـــــرة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : عيون الرشا - )           »          موسم الورد* متميزه * مكتملة (الكاتـب : Asma- - )           »          الــــسَــــلام (الكاتـب : دانتِلا - )           »          وداعا.. يليق بك || للكتابة : إيناس السيد (الكاتـب : enaasalsayed - )           »          والروح اذا جرحت (2) * مميزة ومكتملة * .. سلسلة في الميزان (الكاتـب : um soso - )           »          دموع زهرة الأوركيديا للكاتبة raja tortorici(( حصرية لروايتي فقط )) مميزة ... مكتملة (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          عندما تنحني الجبال " متميزة " مكتملة ... (الكاتـب : blue me - )           »          همسات حروف من ينبوع القلب الرقراق..(سجال أدبي)... (الكاتـب : فاطمة الزهراء أوقيتي - )           »          الشمس تشرق مرتين (43) للكاتبة:Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : najima - )           »          رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > منتدى قلوب أحلام غربية

Like Tree8Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-04-20, 12:16 AM   #4941

zsubbgok
عضو موقوف

? العضوٌ??? » 463457
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 1
?  نُقآطِيْ » zsubbgok is on a distinguished road
افتراضي الرواية


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



zsubbgok غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-04-20, 01:54 AM   #4942

فادية زكار

? العضوٌ??? » 381886
?  التسِجيلٌ » Sep 2016
? مشَارَ?اتْي » 435
?  نُقآطِيْ » فادية زكار فادية زكار فادية زكار فادية زكار فادية زكار فادية زكار فادية زكار فادية زكار فادية زكار فادية زكار فادية زكار
افتراضي

I'm so excited to read this wonderful story

فادية زكار غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-04-20, 08:56 PM   #4943

بساط

? العضوٌ??? » 3043
?  التسِجيلٌ » Feb 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,131
?  نُقآطِيْ » بساط is on a distinguished road
افتراضي

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

بساط غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-04-20, 10:14 PM   #4944

kartakouni
alkap ~
? العضوٌ??? » 148971
?  التسِجيلٌ » Dec 2010
? مشَارَ?اتْي » 907
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي tunis
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » kartakouni is on a distinguished road
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

kartakouni غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-04-20, 06:23 AM   #4945

Dj83

? العضوٌ??? » 302899
?  التسِجيلٌ » Aug 2013
? مشَارَ?اتْي » 556
?  نُقآطِيْ » Dj83 is on a distinguished road
افتراضي

merciiiiiiiiiiiiiiiiiiii

Dj83 غير متواجد حالياً  
التوقيع
Miracles always happen..love your dream..hope
رد مع اقتباس
قديم 02-04-20, 08:30 AM   #4946

سارونه2222

? العضوٌ??? » 98746
?  التسِجيلٌ » Sep 2009
? مشَارَ?اتْي » 563
?  نُقآطِيْ » سارونه2222 is on a distinguished road
افتراضي

مشكوووره روايه جميله

سارونه2222 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-04-20, 02:28 PM   #4947

وداد79

? العضوٌ??? » 4094
?  التسِجيلٌ » Mar 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,112
?  نُقآطِيْ » وداد79 is on a distinguished road
افتراضي

السلام و عليكم ورحمه الله وبركاته، رواية رائعه شكراً لك لأني استمتعت بها كثيرا

وداد79 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-04-20, 04:48 PM   #4948

karmen83
 
الصورة الرمزية karmen83

? العضوٌ??? » 242283
?  التسِجيلٌ » May 2012
? مشَارَ?اتْي » 613
?  نُقآطِيْ » karmen83 has a reputation beyond reputekarmen83 has a reputation beyond reputekarmen83 has a reputation beyond reputekarmen83 has a reputation beyond reputekarmen83 has a reputation beyond reputekarmen83 has a reputation beyond reputekarmen83 has a reputation beyond reputekarmen83 has a reputation beyond reputekarmen83 has a reputation beyond reputekarmen83 has a reputation beyond reputekarmen83 has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم كيفكم ان شاء الله تكون بالف صحة و السلامة خصوصي مع هاد الفيروس ، انا بقالي كثير مدخلتش المنتدي و مش عارفة اذا جزء ليال صقلية خلصت في فصل 48 ؟ مش قادرة اوصل للفصول الأخرى مع انه لسى مكملتش وكنت منتضرة داركو كيف راح يصلح فلور 😥😥

karmen83 غير متواجد حالياً  
التوقيع
:elk
رد مع اقتباس
قديم 02-04-20, 05:37 PM   #4949

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كيف حالك ؟ راه ممكن تنزليها كاملة كرواية

أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 02-04-20, 05:54 PM   #4950

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل التاسع و الاربعين
ما لن ينشئ بيننا...

في جو الايمان مجددا يجد نفسه، امام زوجين يتطلعان اليه بنفس التعبير، يختبرانه،رباه... كم سيتحمل هذا الإختبار؟.. لا صبر له لهذه التفاهات، برأئية يقوم بتضيع وقته الثمين، بلع قلة صبره و حط عليهما نظراته المظلمة، يعرف بأن العاصفة فيه تختمر، ان انفجرت فلن يعجب ' آيا' ذلك وقد يتسبب مجددا بأزمة جديدة قد تفقدها حملها هذه المرة، القى نظرة الى عشيقته السابقة و أم طفليه المستقبلية، كانت شاحبة لدرجة أنه لم يعد هناك فرق بين وجهها و شفاهها... يبدو أن الوضع يرهق أعصابها التالفة سلفا.
" كما نرى لا أحد منكما يرغب بالانتظار.." سمع والدها يقول ببعض الخيبة.
" لما يجب الانتظار؟" سأل خوسيه بصوت تمناه طبيعي... بإمكانه اخدها من يدها و ارسالهما الى الجحيم، لكن ما يراه ان من امامه عائلة متحدة بحق... عائلة تبحث عن الجوهر قبل اي شيء آخر, غريب... ظن أن هذا النوع من الناس انقرض تماما مع الدايناصورات.
" لدينا عائلة في تركيا..." شرحت الام، كلما التقت نظراتهما تتلون خدّاها " هناك تجهيزات و دعوات لحضور الزفاف..."
" أملك فريق خاص سيقوم بكل شيء و يمكنني حجز طائرة كاملة لعائلتكم كي يحضروا الزفاف في مدريد"
أظلمت نظرات الزوجين، هل قال شيء يزعجهما؟ انه يجهل طريقة التعامل مع هذا الثنائي الغريب، القى نظرة الى آيا التي حطت عليه هي ايضا عينان ممتلئتان بالاتهام، يشعر و كأنه يمشي على طريق مليئ بالبيض، يخاف كسره تحت نعليه.
" لا نجهل امكانياتك سيدي" قال والدها بجفاف" تتعامل مع زفاف ابنتي و كأنه صفقة سيقوم موظفيك بتنفيذها... انها ابنتنا الوحيدة..."
تدخلت 'آيا' للمرة الأولى، تركت مكانها كي تجلس بجانبه، تمسك فجأة بيده لتشبك أصابعهما، دفئها جعله يتشنج مكانه... هذا التواصل يشعل النار فيه.
" لم يقصد هذا أبي... من كرم خوسيه أن يتكبد كل هذه المشقة... في الواقع نحن مستعجلين جدا... لا نطيق البقاء بعيدين عن بعضنا... هيه حبيبي... والداي رومانسيان جدا..." شرحت له بإبتسامة مثيرة للشفقة، رومانسيان؟ ابتلع عاصفة الضحك الهستيري التي تهدد بطنه، يريد رؤية وجوه اصدقائه عندما يخبرهما بهذا اللقاء الغريب، مالذي تتوقع منه هذه الطفلة؟ أن يلعب لعبتها ببساطة؟ يجهل كيف يكون محبا او رومانسيا... لا يمكنه مسايرتها، لأن كل شيء فيه يفوق حدود التعقل" علاوة على هذا علي التسجيل في جامعة مدريد لاتمام دراستي... سأحصل على الدكتوراه كما وعدتكما... الزواج لن يلهيني على اهذافي ان كان هذا ما يقلقكما"
من تكلم عن اتمام الدراسة؟ هل تظن بأنها ستكون حرة بالدخول و الخروج متى يحلو لها؟ عاد ليبلع اعتراضه، قد تكون عملة تبادل بين الجامعة و بين دورها كأم، سيقنعها بأنه من المستحيل التركيز على دراستها و في الوقت نفسه لعب دور الام متفرغة ليس لابن واحد و انما اثنين.
انزلقت نظراته مجددا على اصابعهما المتشابكة، لم تكن اظافرها مقلمة كما يحبها، بل مقصوصة حتى اقصاها، بشرتها البيضاء متناقضة مع لونه الاسمر، كانت رائحتها تشبه رائحة شامبو الاطفال، لا تضع عليها اي عطر فاخر، لا مستحضرات التجميل، شعرها الناعم بطبيعته، بظفيرة طفولية على كتفها، يمكنه تخيل ما يفكر به الزوجان امامهما، تبدو مراهقة بجانبه، طفلة يقوم هو بإختطافها من مهدها و اغتصاب حريتها.
ابعد يده عنها، لا يتحمل قربها منه، كان خطأ جسيم استسلامه لرغبته العنيفة بالحصول عليها بأي ثمن، اليوم لا يرى اي متعة ... هذه الطفلة لا تناسب مطلقا رجل مثله.
" انا تحت امركما في اي اقتراح عدا انتظار يوم اخر بدون 'آيا' " يريد فحسب ان ينتهي هذا اللقاء المريب و ان يعود لروتين حياته و يضع اكبر مسافة بينه و بين هذه الصغيرة... يعرف ان 'دونيا سيسيليا' ستهتم بها ككنز ثمين الى ان تضع هذه الاخيرة وريثي المارتينيز.
" اعرف بأنك رجل مشغول جدا و تؤجل اعمالك من اجلي" غمغمت 'آيا ' وهي تعود لتمسك بأصابعه، تنوي الدخول معه في حميمية لتقنع والديها بحب شغوف بينهما" أريد الذهاب معك الى مدريد..."
حولت اهتمامها لوالديها اللذان تبادلا نظرة سريعة، لا يبدوان سعيدين بكلام ابنتهما، ولا يبدوان مقتنعين بهذا الحب الشغوف الذي لا يتكبد هو مشقته... لأنه لا يحبها ببساطة، توقظ غرائزه ككل رجل، لكنها لا تملك ما يمكن أن يثير اهتمام رجل مثله:
" أرجوكما... وافقا..."
{ أرجوكما وافقا...} أعادته النبرة المتوسلة الى الماضي، فجأة أصبح ذلك الماضي أمامه، رآها تجلس في نفس المكان الذي كانت تجلس عليه 'آيا' قبل لحظات، تبدو مشرقة وسط فستانها الأبيض، نفس الفستان الذي كانت ترتديه وهي ممدة في نعشها، عيناها تلمعان بتسلية، تتحداه في هذا الموقف الذي يعرف كلاهما بأنه يمقته، التقت نظراتهما، ابتسمت له تلك الابتسامة التي تتردد على شفاهها بعد تبادلهما الحب، ووضعت يدها فجأة على بطنها، الألم الذي سحقه مجددا لم تنقص حدته منذ العشرين السنة الماضية...
هرب بعينيه عنها وحدد حدائه، يريد أن يخرج من كابوس شروده مجددا، اختفى بعقله من المكان لثوان قبل أن يستعيد عافيته بسرعة و ينظر مباشرة نحو الكنبة الخالية الأن... لقد رحلت... ترك أنفاسه تعود لرئتيه مرة ثانية.
" تريدين العيش معه في نفس المنزل حتى يحين زفافكما؟ هذا يخالف تقاليدنا" سمع والدتها تقول.
طفح الكيل... تفاوضات فارغة...
" فليكن... سنتزوج في البلدية غدا صباحا و أخدها معي الى ان يحين موعد الزفاف... هل هذا الحل يرضي كل الاطراف؟"مرة اخرى يهرب من قبضة اصابعها، منزعج بشدة في دوره و فاقد الصبر، يريد الخروج من هذا المكان... يريد الانفراد بنفسه، و ربما بها... كما انه بحاجة لاصبعي ويسكي ليتمكن من السيطرة على اعصابه التي تهدد بالانفجار في اية لحظة، وقف بقامته الممشوقة و أسرعت اليه النظرت المتفاجئة بهذا الاقتراح القاطع، اسرعت أصابعه لازرار سترته الكحلية لإغلاقها، ينوي شغل أصابعه بأي شيء كي لا تعود 'آيا' للمسه مجددا." فلنقل غدا عند العاشرة في البلدية؟"
" لا يمكنك الحصول على موعد بهذه السرعة" قال والدها بتردد.
" لا تهتم لدي طرقي للحصول على ما اريد..." وقف الجميع مثله، الصغيرة متوثرة بشدة بجانبه.
" الن تبقى للعشاء؟" سألته حماته المستقبلية.
" علي الذهاب الان ان رغبت بترتيب موعد الغد... كنت سعيد برؤيتكما... ليلة سعيدة"
" سأرافقك" اقترحت ايا.
" لا" استوقفها، عليه تقبيلها و تمنى ليلة سعيدة لها، الشيء الذي لم يفعله و لا ينوي فعله بالتأكيد" ابقي مع والديك سأراك غدا"
دون ان يترك لها فرصة الاعتراض قصد الباب، خارج تماثيل العذراء و صور المسيح تمكن من التنفس اخيرا بحرية، رجاله قصدوه فور ظهوره، اخرج هاتفه بينما يفتح له السائق باب السيارة كي يدلف اليها، محاميه الخاص رد في ثاني رنة:
" هيئ فورا عقد زواج من حديد و إرسله لي..."
" اعتبر العقد جاهز سيدي..."
" علي رؤيتك فور عودتي الى مدريد... هناك تغييرات جذرية في وصيتي..." تابع خوسيه بينما يرى السائق ينطلق مبتعدا عن الحي البسيط الذي يضم مسكن العائلة الغريبة التي اتى على هجرها اللحظة.
" سأكون بإنتظارك سيدي... أريدك أن تبعث لي بالمعلومات الخاصة بالمعنية بالأمر..."
" نفسها 'آيا ماريا أذاروفا' التي وقعت عقد التستر في علاقتي القبل الأخيرة..."
" كل المعلومات عنها و عن عائلتها معي سيدي... سيكون معك العقد بعد انتهائه مباشرة"
أغلق الخط مع محاميه قبل أن يدير رقم داركو، مجددا يسقط في علبته الصوتية:
" لا تدفعني للمرور الى ايطاليا و أجب على رسائلي اللعينة لأنني بالمقابل بمزاج سيء للغاية... 'كوستافو الونسو' غير رأئيه بشأن الصفقة الأخيرة بالأندلس لأنه وجد مشتري أهم، انه نيوس ليونيداس... بحق السماء... ان كنت تحب زوجتك الفاثنة لهذه الدرجة اذهب اليها و جرها من شعرها الى بيتك مباشرة كي تتمكن من الوقوف على أعمالك بصلابة... أنت تخلي المساحة لرجل يكرهك و مهووس بفكرة تدميرك" ضغط بأصابعها على جبينه، يحاول التخلص من بداية آلامه المبرحة الاعتيادية:" أرجوك أيها الأمير... أجب... أنا قلق بشدة عليك"
* * *
وجد اليخاندرو بمشقة طريقة لرؤية بيانكا، على ما يبدو وضعها لا يسمح لها برؤية الا فرد من عائلتها، أمكنه منح اسمه كاملا و اقناع الممرضة أنه حبيبها، وجد فلورانس بجانب غرفة بيانكا التي يبدو أن الطبيب معها في هذه اللحظة، هزت عينيها الخضراوين نحوه، تبدو الدهشة على وجهها، وصل بعد وقت قليل من مهاتفتها له و هذا يصدمها، كانت تجهل بأنه في لندن، بصدد البحث عن بيانكا بدوره، لم تكن في الحرم الجامعي و لا في شقة والدها، غادر المجر رأسا الى لندن، بعد أن توقفت عن الرد على مكالماته، أدرك بأن رحيل فلورانس أثر بها لذا قرر ترك كبريائه جانبا و المجيئ اليها ليصتدم بالفراغ.
" كيف وصلت بهذه السرعة؟؟" سألته وهي تقبل وجنته.
" أنا هنا منذ ساعات... مالذي أصابها؟؟"
الخوف أثقل لكنته الاسبانية، يشعر بأن قلبه سيتوقف عن النبض، منذ اتصال فلورانس وهو في حالة نفسية مزرية، امكانية فقدانها كليا قسمته نصفين، ترك غيرته مؤخرا تسمم علاقتهما، لم يكن بجانبها بينما تمر بأسوأ ظروف في حياتها، تعرف كم هي متشبثة بزواج والدها الأخير، كم هي متعلقة بنيكولاي و فلورانس، كان عليه الرحيل من تركيا فور معرفته بالفضيحة، لكنه فضل مد يد العون لآيا و الضغط على خوسيه لإيجاد حل للوضع و تجنيب الصغيرة أي سوء و ضر، لقد اخلى بوعد حبيبته بأن يكون دوما الى جانبها و الا يتركها أبدا.
" توقفت عن أخد الأدوية..." كلمات فلورانس وجدت طريقها فورا الى أحشائه، الألم كان بقوة شديدة الى أن شعر بنفسه ينطوي لنصفي:" اهدأ اليخاندرو..."
كانت تتطلع اليه بعينيها الكبيرتين، و مدته بمنديل ورقي و هي تشير الى يده:
" أنت تنزف..."
التقط المنديل ليضعه على مكان الألم و يوقف النزيف، متى ضرب قبضته بالحائط؟؟ متى فقد الاحساس بالواقع؟دنت منه لتضغط على يده بكلتا يديها:
" تملك نفس ردود أفعال داركو... لستما صديقين للاشيء اليس كذلك؟؟"
" لا أريدها أن تُصاب بسوء..." تمتم بغصّة، ضباب الرعب ملئ مقلتيه الرمادية:" لقد أهملتها مؤخرا... ما يحذث لها بسببي"
ظهرت ابتسامة تعسة في زاوية شفاهها، العذاب انتشر في ملامح وجهها الفخورة:
" ان بدأنا بإلقاء اللوم ..." بلعت ريقها ببعض الصعوبة:" مدينة لك بالاعتذار أنا... كنت على دراية بمشاعرك نحوها، ورغم ذلك... أردتها لدافيد... بكل انانية استعملت كيفن لإثارة غيرة أخي... بدل فتح عينيها على الرجل الذي يُحبها حقا أبعدتها عنه... اللوم لا يقع عليك... ابق معها اليخاندرو... الليلة سأرحل و للاسف لا أملك الوقت للبقاء، سأتصل بك لأخد أخبارها..."
"لا فلورانس... " ضغط على اليدين اللتين تمسدان عليه بلطف" تعرفين كما يعرف الجميع بأن الأمير لا يطيق تلك المرأة، انت تمنحينها حرية العبث بزواجك..."
" لا يهم حقا ما حذث بينهما أو ما سيحذث لاحقا... لكنني محطمة القلب و أحتاج لنقاهة فورية، أرجوك عزيزي... اهتم ببيانكا... أخبرها بأنني أحبها و بأن تهتم بنفسها و تُشفى بسرعة"
كيف سيغير رأئيها بينما تحملق له بصلابة ما لن يتنازل عن قراراته، زفر بحرقة مؤكدا:
" إنه يحبك...."
" وهل كان ذلك كافيا؟" سألته مبتسمة بحزن قبل أن تعانقه بسرعة و تحرره، متحرقة لهجر المكان، فجأة رآها تتسمر في مكانها قبل أن تدير رأسها نحوه " أخبرتني ... أخبرتني بيانكا بأنه مختفي و لا يرد على مكالماتها... هل احدكم يعرف مكانه ..؟؟"
هز اليخاندرو رأسه بالنفي، عندما يختفي الأمير هكذا فلكي يعود الى السطح بمصيبة، انه يحفظه عن ظهر قلب، الحزن الساكن في نظراتها مزق روحه بينما تلقي عليه نظرة أخيرة و تقرر هجر المكان.
الطبيب لم يكن سعيدا بتلاعب بيانكا بصحتها، الصق وراء ظهرها طبيبة نفسية و هذا ما شرحه له بينما يغادر غرفتها، أخبره بأنها قد تخسر كليتها ان لم تحترم مواعيد أدويتها، عندمل دخل الى غرفتها أخيرا، كانت محقونة في الوريد بأنبوب التقوية، تبدو شاحبة، رموشها السوداء تظلل وجنتيها،رائحة الادوية ذكرته بمعاناتها السابقة، كم يكره رؤيتها ممددة مجددا في هذا السرير:
" بيانكا"
كانت خائرة القوى لدرجة انها جاهذت لفتح عينيها دون القدرة على تحريك رأسها، جلس على الكرسي بجانب سريرها ليبحث بسرعة عن يديها من تحت الاغطية ليضمهما بين اصابعه و يحط شفاهه على البشرة المتجمدة:
" ا... اليخاندرو؟... " بدى صوتها المبحوح متفاجئا.." هل هذا انت حقا؟؟"
" لا.. لا تتحركي ابقي مكانك..." وشوش برقة وهو يدفع شعرها بعيدا عن وجهها " طفلتي الصغيرة ... كم أتمنى أخد مكانك"
شعر أن دفئها يسخنه، قلبه بالكامل انقسم لأجزاء في صدره و شعر بالذنب، تصرف بأنانية مؤخرا و لم يُفكر سوى في نفسه و غيرته من حبيبها السابق، الغضب أضعف بكثير من وصفه للعاصفة التي هزت كيانه برؤيتها في حال صحي متدهور،كانا بالضبط على نفس الموجة من الألم.
" اين فلورانس؟" سمعها تسأله بصوت متكسر.
" رحلت..."
" اه لا لا لا لا..." حاولت الجلوس مصابة بنوبة هلع" لما تركتها ترحل اليخاندرو... سوف تهجر أبي... لن ارى اخي مجددا"
" اهدئي..."
" أنت لا تفهم..." اختنقت في دموعها و حطت عليه نظرت حيوان جريح" ارفض أن ينفصلا... على أبي أن يعرف بأنها سترحل الليلة الى لوس أنجلس... كما أنني... لم أخبرها بشأن هوس كيفن بها"
" طلبت منك الهدوء..." وضع يديه على كتفيها ليعيدها الى مكانها، ينحني عليها ليلفها بنظرات عميقة" داركو ليس بعيدا... لا تظني أن كل مناوراتك بالتخلص من حارسك تنجح، انه على علم بكل ما يحذث معك و معها... لن يتأخر بالظهور في هذا المكان..."
أشاحت بوجهها بعيدا، شفاهها ترتجف بحدة بينما تبلع الكلمات التي تهدد بالخروج، يتكهن ما تنوي قوله، بأنها ليست بحاجة لمواساة داركو، لكنه يعرفهما جيدا، لا أحد منهما يمكنه العيش بدون الأخر، وهي تموت شغفا به و تنتظر وصوله على أحر من الجمر... لن يمكنها الغضب منه طويلا.
" ما يحذث بين داركو و فلورانس يخصهما وحدهما بيانكا... لما تشعرين بالذنب؟؟"
" لأنني تركته يذهب معها ذلك المساء مع الاحساس بأنها تهيئ لمصيبة قادمة، رأيت الجوع في نظراتها و هي تحطها عليه... لم أتمكن من قول الحقيقة لفلورانس بشأن كيفن وهوسه بها... بشكل أو بآخر ساعدت في هذه المصيبة"
" الاثنين بالغين و لا علاقة لك بمصابهما ارفض قطعا ان تحملي نفسك المسؤولية بشكل أو بآخر لأنك في الحقيقة غير مرتبطة بشيء ..." كان صوته حازم لدرجة ان دموعها توقفت و تطلعت نحوه ببعض التردد.
" فراقهما يُعذبني اليخاندرو... أريده أن يفعل شيئا و الا يختفي هكذا، أريده أن يتسعيد زوجته قبل أن يفوت الأوان"
" ماذا عما يريده هو بيانكا؟؟ انت تتصرفين كطفلة مدللة... أتركيه يفعل ما يناسبه و ليس ما ترغبينه أنت"
لم يكن الوقت مناسب لهذا النوع من الدروس، لكنه يرفض رؤيتها تتعذب دوما بسبب علاقات والدها، طفح الكيل فعلا، دخول الممرضة دفعه للابتعاد قليلا عن محميته، دفع اصابعه الى وجهها ليمحي آثار الدموع، ترك مكانه بينما الممرضة تتفقد مريضتها و تدون بضع معلومات في ملفها الصحي، دنى من النافذة العالية ليمنحهما بعض الحميمية الا ان الممرضة اعترضت، تبتسم له ملئ فمها:
" عليك الخروج سيدي..."
أقطب جبينه:
" لماذا؟؟"
" فحص داخلي"
القى نظرة أخيرة على المريضة، رؤيتها شاحبة لهذه الدرجة بمثابة سكين ينغرز في أحشائه، دنى منها مجددا و انحنى عليها ليقبل جبينها الدافئ:
" سأبقى بجانبك..."
" شكرا لك..."
أجابته برسمية، الشيء الذي لم يروقه، اليس هو من طلب منها مساحة.؟ و أن تتوقف عن مطاردته؟ حاولت اصلاح الأمر و شراء غفرانه في مدريد، لكنه أغلق كل الأبواب أمامها و أبقاها بعيدا، خرج من الغرفة و أغلق الباب خلفه، يعد الدقائق ليعود قربها و يكسر الجليد بينهما.
* * *
لا يعجبه بالمرة الا يرد عدوه على ضرباته، انه يحب شراسته في المواجهة، الأمير ليس ضعيفا و لم يظهر له يوما هشاشة، لكن السهولة التي ترك له فيها مجال اللعب مفتوح لا تستهويه، يريد رؤية الخسارة في عينيه و ليس أن يبتعد عن الميدان و يتركه الاعب الوحيد، المعركة لم تنتهي بعد، داركو تركه يربح، لأي هذف؟ بسبب الاشاعات التي تحوم حول انفصاله الأخير عن زوجته؟ ذلك الرجل لا تهمه امرأة، و لا يظن هذا سبب كافي لتركه يتلاعب بأعماله كما يشاء، ام أنه سئم ملاحقاته فحسب؟ جو كاليفورنيا اليوم دافئ، منذ أن ترك التوسكانا و عاد الى أمريكا و هو يتردد بالعروج على الشقة التي تتقاسمها زوجته مع توأمها التي تشق طريقها نحو الشهرة كالسهم، لا يرغب مجددا برؤية اللوم في عينيها، قرر أن ينهي موضوع الأمير قريبا و أن يعود بعائلته الى اليونان كي يبدأو حياة طبيعية، منذ موت جده و مصيبته بلا أي حدود، انه يفتقد بشدة سبيروس، آخر فرد من اليونيداس، كان الشريك و الصديق و السند، يتوقع رد فعله لو مازال على قيد الحياة، لم يكن ليسمح لحفيده بالابتعاد عن جزيرته، و لا محميته الشقراء التي بفضلها عاش مدة أطول مما اعتقد الاطباء، تلك الفترة الذهبية التي كان فيها سعيدا للمرة الأولى في حياته، صور من الماضي وجدت فجأة طريقها لعقله. زوجته تمسك بيده وهما يشاهدان أمواج البحر تلحس الصخور الرمادية على الشاطئ البهيج للجزيرة ، وهما يتمشيان . وجهها المنشرح وهما يركبان الخيل في الأرياف الانجليزية، احمرار خديها بينما يذكرها بأن ابتسامتها رائعة، ثم لحظات أكثر حميمية،تحط رأسها الأشقر على صدره عندما ينتيهان من تقاسم الحب، في غرفتهما أو تحت نجوم سماء الجزيرة منعزلان تماما عن بقية العالم... ثم انتهى كل هذا ذات ليلة عندما قررت الهرب منه و اخفاء حملها معرضة نفسها و ابنهما للخطر، منحت داركو فرصة السخرية منه... وهو عاجز عن مسامحتها بالرغم من أن السماء شاهدة عن محاولاته بنسيان الموضوع برمته و استعادة زوجته دون منح الأهمية لأي شيء غيرها... خرج الى الحديقة و في يده فنجان قهوة آخر، يراقب طلوع شمس جديدة على سماء المدينة، البحر الممتد أمامه مختلف عن مياه بحر جزيرته، لم يعد الى هناك منذ هجرانها له... لا يطيق البقاء هناك بينما الجميع رحل... و من السبب؟؟ نبهه صوت داخلي... آه كلا... لن يدخل مجددا بمواجهة مقيتة مع ضميره.
أخرج هاتفه، صورة آريوس بإبتسامته الشبيهة جدا بإبتسامة والدته على الخلفية المشتعلة، شعر بقلبه يعتصر من الألم، انه على مقربة منه، لكنه يكابر للذهاب، لا يريد رؤية حزن و ملامة ديامانتي... لكن الحقيقة انه ملّ حربه مع الأمير و مع نفسه، ملّ عمله المكثف و ملّ أوجاعه الداخلية، البيت المنسي في 'فينيس بيتش' أصبح فجأة ملاذه و اقامته الرئيسية، فقط ليشعر بأن لا شيء يبعده عنهما، دخل على ايمايلاته ليتفقدها، رسالة من البنك نبهته لاستعمال ديامانتي لأحد بطاقات اعتماده، شعر بالراحة لأنها تستعمل نقوده أخيرا، هي التي ترفض منه المال بحجة ان ما يجمعها به يفوق الماديات، المبلغ رمزي، لكن ما أثار انتباهه ليس هذا، بل اسم المؤسسة التي استلمت المبلغ، شعر بالدم ينسحب من شرايينه، انه لا يحلم... تم دفع المبلغ لمؤسسة طبية.
فورا دخل عقله في صراعات عنيفة بينما تمكن الخوف منه، هل هي بخير؟؟ هل آريوس أصيب بسوء، في هذ الحالة لما لم يعلمه أحد؟؟ حصل فورا على رقم المستشفى و اتصل بالاستعلامات، ما ان أعطى شهرة اليونيداس حتى أخبروه ان النزيل هو ابنه و لا يمكنها اعطائه معلومات أكثر لأنه خارج سياسة المستشفى...
لا يعرف كيف استطاع الوصول الى العنوان، الخوف الذي اعتراه تحول ببطئ الى غضب، كيف لها أن تخفي عنه شيء مماثل؟ أم انه لم يعد له اي لزوم في حياتها كي تتصرف على هذا النحو؟؟ بغض النظر عما يحذث بينهما الا انه والد أريوس... يرفض أن تخفي عنه أشياء مهمة مماثلة.
كان المكان غارق في الهدوء في هذا الوقت من الصباح و الأروقة خالية، خمسينية من استقبلته في احد الأشكاك و شرحت له كيفية الوصول الى الطوابق حيث الأجنحة الخاصة، كان له الحق بالزيارة مادام والد النزيل عندهم، بدت له المسافة بعيدة جدا و شعر بالاختناق وسط المصاعد الضخمة، تجاوز الأروقة الامعة و الهادئة، يصتدم ببعض الممرضات اللواتي اهتممن به ليقدنه الى الجناح المقصود، عندما دخل سقطت عيناه فورا على المرأة الشقراء التي تضم الجسد الصغير اليها، كانا نائمين، أثار التعب واضحة على وجهها،بقي يرمقهما للحظات دون القدرة على التقدم أكثر في المكان، ثم قرر الحصول على أجوبته من الطاقم الطبي مباشرة.
* * *
" تم تفتيش كل المخازن السرية و العثور على الأسلحة... معلوماتك كانت من الدقة بحيث أنه تم القبض فورا على صاحبها... ماهي الخطوة الثانية؟؟ نيوس ليونيداس؟؟"
هز داركو نظراته نحو فرانكو، لا ضغينة في كلامه نحو ليونيداس و يعرف بأنه يبقى مخلصا لديامانتي رغم كل شيء، لا يعرف ان كان سريا مغرم بها، و كم يتحرق احيانا لطرح هذا السؤال عليه فقط من باب التسلية و رؤية ردة فعله، كان فرانكو ليحمي ديامانتي حتى من الشيطان، مستعد للموت لانقادها، انه يوفي لها حتى وهي مع رجل اخر... يتجاهل الكلام عنها بالسوء و لا يرد مطلقا على انتقاضاته بشأنها.
" نيوس ليس مشكلة فرانكو... "
" متفق معك في هذا..."
" كيف حال بيانكا؟؟" سأله بصوت محايد.
" اليخاندرو معها... لا أفهم لما ترفض الذهاب لرؤيتها أو حتى الرد على مكالماتها؟"
"ستقتلني ما ان تسقط عيناها علي... أعرف بأنني السبب وراء توعكها، كما أعرف أنها تكرهني.. هي بحاجة لأليخاندرو أكثر مني... سعيد أن موضوع فكتوريا انتهى... انها شريكة باستيان، الفخ سيُغلق عليهما معا... "
" من أين لك بهذه المعلومات؟؟" سأله فرانكو، غير قادر على اخفاء فضوله.
"أملك صديق وفي ... "
استرخى في المقعد الخلفي للسيارة، عيناه حالمتان على البوابة الضخمة لستار هاووس، انها الخطوة الأخيرة و ينتهي من هذا الكابوس، ثم ظهرت السيارة الفضية، 'ممتلكات آل ديكاتريس' مهددة على اللوحة الأمامية، الجميلة كانت وحدها ولم يكن معها نيكولاي، كما توقع و هذا أفضل :
" نتبعها؟؟" سأل فرانكو وهو يفرك ذقنه.
" قم بحصرها ما ان تبتعد قليلا عن المكان..."
لكن زوجته ليست غبية، انتبهت لهم على بعد أمتار قليلة، رآها تحاول قلب عجلة القيادة و العودة من حيث أتت، لكن فرانكو تمكن من حصرها كما طلب، توقفت السيارة على حافة الطريق و نزل هو منها في الوقت نفسه الذي غادرت فيه هي مقعدها، كانت رائعة وسط فستانها الأبيض و كأنها تنوي دخول كتدرائة لأعادة العهود مع شخص غيره، لقد اتصل بها أكثر من مرة و اكتفت بالرد برسالة قصيرة تنبهه بها بحالة ابنته، عندما اخبرها بأنه قادم الى ستارهاووس لرؤيتها فضلت هي الخروج فورا، و لأنه يعرفها جيدا فقد انتظرها خارجا.
استنشق عبير شعرها المتطاير حولها بينما تتصلب أمامه، نظراتها مشتعلة و شفاهها مزمومة، كثفت ذراعيها فوق صدرها، تعزز تدويرة نهديها الرائعتين:
" تتصرف كقطاع طرق..."
" لما تتجاهلين الرد علي؟؟" اقترب منها الى ان انعكس خياله في عينيها الخضراوين:" لما تفعلين هذا بي؟؟"
ابتعدت بينما يحاول لمسها، انسحق قلبه و هو يرى نفورها، دفعت شعرها المتمرد بعيدا عن وجهها، لمح الدموع في عمق المقلتين الشاسعتين:
" أريد فحسب مكالمتك..."
" قلنا ما لدينا آخر مرة في صقلية" أجابته بصوت تحاول أن يكون حازما، لكنه يتمكن من رؤية معاناته الشخصية في وجهها،أول ما التقطته عيناه شحوب الوجنتين المتوردتين عادة، هل هذا من ثمالة أمس مع قريباتها و رقصها على طاولات الملهى الليلي بفستانها الجريئ؟ التقت نظراتهما، التعاسة على وجهها سحقت قلبه، لم يجد حل لمشاكله في قعر زجاجات الكحول التي أفرغها، انزوى مع نفسه ليواجهة شياطينه و ليخطط و قد أوقع بفكتوريا كما تأمل خاطره بمساعدة من روكو الذي اكتفى بترك عنوان له بكلمة موجزة' أشكرني لاحقا'، ربما فكتوريا لا تعرف شيئا عن تلاعب باستيان بسلطة عائلتها و استغلالهم لإخفاء اعماله الأخرى، لكنها شريكته، و ستقع معه في نفس الحفرة، ولا يشعر بأي ذنب في تسليم أسرار شريكها الى 'مكافحة الاتجار الغير مشروع بالأسلحة'، لقد حاول اخراجها من حياته بطريقة أسلم من هذه، لكنها تعمدت استغلاله و الاساءة لزواجه، الشيء الحقيقي الوحيد في حياته البائسة، تردد أمام رغبته العارمة في التقدم أكثر و أخدها بين ذراعيه، لكنه رآها ترفع دقنها ببعض التحدي:" انت تضيع وقتك داركو... يمكنك العودة لأحضان عشيقتك فلم أعد أريدك"
" لا تريدينني؟..."
لكنه يعرفها جيدا، عندما تتسع قزحة عينيها بهذه الطريقة فهي تتصارع أمام رغبة القفز على عنقه و الغرق معه في رغبة متوحشة... سقطت نظراته على شفاهها، تمضغهما بعصبية، ثم الى حنجرتها الانيقة تصعد و تنزل ببعض الصعوبة، كي تخفي ارتباكها استطردت بهدوء:" أنصحك بالذهاب الى المشفى الخاص لأن ابنتك هناك في حال مزر..."
" " بيانكا مع اليخاندرو و لست قلقا على حالتها لأنها مستقرة بفضلك... لا تتوقفين عن اثارة دهشتي فلورانس، تهتمين بأمرها و قد أتيت على تحطيم قلبك..."
" أحب بيانكا...لحسن حظها أنها لم ترث جيناتك السافلة.."
تجاهل ملاحظتها، انها تبحث لاستفزازه و ليس هنا ليضعها على ركبته و يشبع مؤخرتها الجميلة ضربا، في الماضي أحب تجاوزاتهما و حواراتهما المشبعة بالتحدي لكنه اليوم يعرف أن جراح حقيقة وراء هذه النظرات الشرسة التي تخفي تعاسة تمزق كيانه:
" أحتاج لأكون بمفردي معك..."
" لا..."
مد يده نحوها:
" لا تصديني فلورانس..."
" لا تلمسني..." هددته من بين أسنانها كنمرة مستعدة للانقضاض على عدوّها:" لا تجرؤ مطلقا على لمسي مجددا..."
تهديدها دفعه تلقائيا لتحديها، فتلقى اللكمات العنيفة على صدره، اندفعت قبضتها فجأة الى وجهه، وضع يده على عينه اليسرى التي تلقت الضربة لتخفض أسلحتها كما توقع و تدنو منه، أصابعها الناعمة عليه كلمسة قادمة من عدن:
" هل أنت بخير؟؟" حاولت ازاحة يده عن عينه " أنا آسفة... آسفة، دعني أرى... "
تركها تتفحص اصابته الواهمة، يتجرع ملمسها الحريري، كل شيء مقروء على محياها، القلق، الخوف، الحزن و اللهفة، ارتطمت ظلال رموشها على نظرات شفافة متدرجة الألوان على طيف الضوء المرئي، شفاهها الممتلئة انفرجت على اسنان ناصعة البياض مصففة بعناية، وضع كفه على وجنتها يلامس بشرتها الدافئة بإبهامه، التقت نظراتهما و رأها تحبس أنفاسها، كالمعتاد تطرطقت الكهرباء من حولهما، و شعر بأنه يضيع وقته بتركها تبتعد عنه، لا يمكنه العيش من دونها بكل بساطة، انه مستعد للالتحاق بها الى آخر الدنيا.
" لم... لم أفقع عينك لحسن الحظ.." سمعها تهمس بصوت أجش.
" و هل هذا سيحذث الفرق؟؟" حط جبينه على جبينها و تنفسها بالكامل:" تعالي معي 'كارا'... أعرف بأنك عاجزة عن العيش من دوني..."
تكمشت تحته والتهبت انفاسها، ادرك بان كلماته أغضبتها ، يعترف بأنه فاشل في استعمال الكلمات المناسبة لإقناع امرأة، في كل حياته لم يضطر لتبرير شيء مع النساء، من حقه ارتكاب كل المعاصي و الحصول العفوي على كل المغفرة، زمجرت به بشراسة:
" أنت مخطئ داركو... يمكنني العيش من دونك و سأثبت لك ذلك.. و الأن أتركني "
شد قبضته أكثر بدل تحريرها كما تأمل، كانت تنظر اليه بنظرات مجنونة، حدقتيها متسعة، بدت عيناها سوداء تقريبا:
" انا لست شيئا خاصا بك..."
" أنت زوجتي... لن ينتزعك مني شئ أو أحد هل هذا مفهوم؟لا تنسي ابدا الى من تنتسبين و لا ملك من تكونين... " بدت مثل قنبلة على وشك الانفجار غيضا" اريدك.. لدا تعالي معي برضاك.."
" و ان لم آتي برضاي عزيزي؟؟ مالذي ستفعله؟؟ تظن نفسك...آه.."
لم يدعها تكمل، انحنى ليحملها على كتفه و كأنها لا تزن شيئا،هذا اللقاء عكس ما تمناه، ظن بأن الأيام جعلتها تلين قليلا، لكنها تصر على تحطيم قلبه، تخبطت بعنف كي تتحرر منه، فلور قوية، مقاتلة عنيفة، و كلما زادت مقاومتها كلما ازدادت رغبته بها.
" أيها السافل... هل تظن نفسك في صقلية؟؟ "
" تعرفين ما أفعله عندما تعاندين فلورانس... " لمح فرانكو خارج السيارة، ينظر اليه بنظرات محايدة، لكنه لمح شبح ابتسامة في زاوية شفاهه، الوضع برمته يسليه على ما يبدو، أمره بجفاف" خد السيارة الى ستارهاووس و أخبر الكونت أن زوجتي معي..."
" لا..." صرخت به وهي تضربه على ظهره " لا يمكنني الذهاب معك...سوف أسافر هذا المساء و لا وقت لي أضيعه في تفاهاتك"
" تهربين مني بينما يمكننا اصلاح الوضع بيننا؟؟" وضعها في مقعد سيارته، شعرها سقط على وجهها، نفخت على خصلاتها المتهدلة بهيجان بركان ثائر، لو كانت النظرات تقتل لمات فورا ، زمجرت من بين اسنانها:
" لا يمكنك اجباري ..."
" أعرف بأنك غاضبة، حانقة، و بأنك تكرهينني... لكنني أريد فقط ان نتكلم كبالغين"
دفعت بعنف شعرها الى الوراء، بشرة وجهها قرمزية، يعرف انه سيحترق ان وضع يده عليها:
" فقدنا الحوار منذ أن أنزلت بنطالك لتلك الساقطة..."
" لم أنم معها..." علا صوته بنفاذ صبر..." أعرف بأنه من المستحيل أن المس غيرك فلورانس لأنك الوحيدة التي أرغب بها حقا هل هذا يكفي بحق الجحيم؟"
توقفت عن المقاتلة، أنفاسها الثائرة تتلاعب بخصلاتها المتمردة، كانت تجاهذ لمناصرة نظراته، بأن تظل قوية، متحدية، صلبة كالصخر، ضحية صراع داخلي عنيف، مترددة أمام الخيار الأصح، حكت بعصبية جبينها و كأنها مصابة بصداع:
" فليكن ... ستحصل على هذه المحاذثة التي ترغبها بشدة، لكن لا أضمن لك أن يتغير شيء في الموضوع..."
* * *
" ششت... ماما هنا..."
تنهذ أريوس بخفث قبل أن يعود لنوم قلق، تأملته ديامانتي بينما سحقت التعاسة شرايينها، منذ ولادته لم يتسبب لها بأي قلق نفسي، طالما كان طفل طيب و لطيف، رؤيته بهذه الحالة، يحاول رغم كل شيء بلع آلامه الجسدية تدمي قلبها، دفعت أصابعها بين خصلات شعره الكستنائية الغامقة، عاد يفتح عينيه الفيروزيتين، يخرج مجددا من كوابيسه.
" أحبك بشدة... طفلي الجميل..." همست له وهي تضمه أكثر الى صدرها و تلتقط قبضته الصغيرة لتضع عليها شفاهها المرتجفة:" عندما تُشفى... سنفعل الكثير من الأشياء معا..."
ابتسم لها متجاوبا مما دفع الدموع الى عينيها، ان حذث له أي مكروه فستموت، انه الشيء الجيد الوحيد الذي حذث لها في كل حياتها، فقط لو يكون والده بحنانه... ذلك الوالد الذي تشم رائحته في الجناح، برهان آخر على أنها بصدد فقدان عقلها.
لاوقت لنيوس ليونيداس بقضاء بعض الوقت مع عائلته، اولوياته تضخيم ثروة أسلافه، كيف يمكن أن تكون معمية على أنانيته؟؟ أصابها فايروس الاستغباء الناجم عن الحب الأعمى... و اليوم يطير منها الحب لتصتدم فحسب بالعمي... طفل يحتاج كل دعمها و آخر في الطريق تجهل في أي ظروف سيرى النور... وضعت يدها على بطنها، عليها أخد موعدها الأول مع الطبيب للاطمئنان على صحة الجنين... تحتاج للكثير من الشجاعة لمواجهة القادم... وهي طالما كانت شجاعة و صبورة... غبية ايضا و لا تتعلم الدرس.
" ماما..."
أخرجها آريوس من أفكارها..
" نعم يا قلبي؟؟ هل تنوي أخيرا اتمام رضاعتك؟؟"
لكنه كشر بينما يراها تحمل مجددا زجاجة الحليب، تملكها اليأس، لا يتغذى جيدا و تشعر بأنه فقد القليل من وزنه، هذا غير جيد في عمره..." أتوسل اليك... حاول اتمامها حتى و ان تقيأتها لاحقا..."
لكنه طفل يرفض مطلقا رشوته أو شرائه، يرفض أن نفرض عليه ما لا يرغبه... ابن والده.
اخدته بين ذراعيها لتتطلع الى عينيه تحاول فهم ما يريد اخبارها به، توثره و انزعاجه يزدادان حده، منذ امس و هما محبوسان في هذا المكان، هو الطفل الطليق الذي اعتاد العيش في جزيرة خاصة بين البحر و الرمل و الهواء الطلق،اعتاد رؤية جده اكثر من والده، ادخلت روبي سريعا مكان سبيروس كي لا يشعر كلاهما بالفراغ الذي تركه العجوز في حياتهما، ربما يرغب الخروج قليلا من الغرفة ليرى وجوها اخرى و يشم هواء نقي غير رائحة المطهرات، كيف يمكنها تحقيق ذلك بينما شريانه ما يزال متصلا بحقنة الأدوية.؟؟
" فقط لو ان هناك امكانية استبدال الأوضاع بني؟ كنت لأسعد بأخد مرضك... يستنفذ طاقتي رؤيتك تعاني..."
صوت يد على الباب جعلت آريوس يلتفت نحو القادم، لابد أنها روبي، أقطبت... الوقت مايزال باكرا جدا و قد رحلت متأخرة بالأمس، عندما انفرج الباب لم تكن روبي ولا حتى الممرضة أو الطبيب المشرف، شعرت بالدم يهجر وجهها وهي تواجه وجه نيوس المتحجر و عيناه المحمرتان كثور هائج، لم تبتعد بنظراتها أمام هجومه الصامت، لم تخطئ بعدم اخباره عن مرض آريوس، و لا تعرف بأية طريقة عرف، و لا يهمها أن تعرف عنه شيئا بعد اليوم... أو بعد الأيام الرائعة التي قضياها معا كعاشقين حقيقين و والدين محبين لإبنهما كي يهجرهما مجددا نحو حبه الأكبر... انتقامه من الأمير.
" بابا..." حماسة آريوس تؤلم القلب و تؤذيه، كل انزعاجه اختفى لتنير ابتسامة شاسعة وجهه، اقتحم نيوس الغرفة مستجيبا لنداء ابنه، ابتعدت عن السرير أكبر مساحة ممكنة كي لا يتم أي تقارب بينهما.
" مرحبا أيها الرجل الصغير... كيف تشعر الأن؟؟"
أخده من حضنها، أو بالأحرى انتزعه منها، رأته يحضنه الى صدره ببعض اليأس، حركته مشحونة بالخوف و القلق، لابد أنه استعلم عن حالة ابنهما من الطبيب المشرف، نيوس أمام حقيقة أن الوقت وحده ما سيشفي ابنهما و يعرف بأنه بلا أي سلطة أمام ارادة الله.
بقيت تراقبهما دون أن تنبس ببنة شفة، واقفة بجانب السرير، دراعيها مكثفتين على صدرها، تشاهد حماسة ابنهما التي ساعدته في الاسترخاء و دفعت تلقائيا رموشه الكثيفة جدا مقارنة بطفل بعمره الى الهبوط، انطفأت شرارته وعبرت الكلمات اليونانية الحلوة شفتيه دون ضبط النفس، المعجزة حصلت و تمكن الصغير من النوم بين ذراعي والده، هل هذا ما كان يقلقه؟؟ يرغب بوالده معه في هذه المحنة؟ هل أخطأت بعدم اعلام نيوس؟؟ أه كلا... لن تبدأ بالشعور بالذنب... يستحق أن تبعده عنهما... طفل آخر في الطريق و ما تزال علاقتهما كما كانت أول مرّة عندما رأته في التوساكانا... علاقة ميؤوس منها.
مرت العشر دقائق على وصوله... عشرين دقيقة، ثلاثين... رغم استسلام آريوس في النوم الا انه يرفض تركه، كان صامت... لك الصمت المدوي و الصاخب، لم يتبادل معها كلمة واحدة، بقي فحسب على السرير، جسد ابنهما بين يديه، اصابع الصغير الرقيقة متشبثة بقميصه المقلمة، قميص رجل اعمال يرى نفسه فجأة مهزوما.
" هل تريد قهوة.؟" سألته ببعض الحذر بعد أن يأست من أن يترك السرير أو حتى الغرفة برمتها ليعود الى جريه وراء عدوه الرقم واحد.
لم يرد على سؤالها، بقيت عيناه السوداء تائهة في الفراغ، تجهل فيما يفكر، أو رؤيته للموضوع برمته، عموما علاقتهما دوما كانت بهذا البرود المريع، لم يتناقشا يوما كأي ثنائي طبيعي، و لن يبدآ اليوم... قد لا يغير مرض ابنهما شيء من الحقيقة.
بعد أن أجاب سؤالها الصمت قررت أن تخلي المكان لتبحث لنفسها عن القهوة التي تثوقها بشدة، لم تلمس شيئا من الفطور الذي أتت به اليها الممرضة، أغلقت الباب خلفها تاركة ورائها زوجها و ابنها بمفردهما، الحقيقة عادت تضربها كالصاعقة... لا تزال عالقه في هذه العلاقة الميؤوس منها ، الخالية من الثقة والمشاركة و التبادل... تمنت لو ما يحذث مع آريوس يكسر واجهة نيوس الجليدية، إلا أنه بدا الآن بعيدًا أكثر من أي وقت مضى.. لن ينجحا يوما... عليها الإعتراف بأن زواجهما كارثي.
كافتيريا المستشفى كانت مجهزة بشكل جيد جدا، بدل الاكتفاء بقهوة معلبة حصلت على واحدة حقيقية، الموظف ابتسم لها ببعض الخجل، أحيانا تنسى تأثير جمالها على رجال، أعادت له ابتسامته كي يحمر وجه هذا الأخير بشدة، كادت أن ترفع عينيها الى السماء لكنها اكتفت بأخد طلبها و الانزواء في طاولة منفردة بعيدا عن مجموعة شباب أخرين تمكنت من اثارة اهتمامهم على ما يبدو.
لصدمتها رأت نيوس يدخل الكافتيريا أيضا بنفس الملامح المهددة، لكنه في هذه اللحظة حط غضبه على أحد الشباب الذي كان ينوي التوجه الى طاولتها، بعد أن طلب القهوة لنفسه و التحق بها في طاولتها.
" تركت آريوس بمفرده؟..."
"يقومون بفحصه ستبقى الممرضة معه... كان يجب أن أكلمك على انفراد..."
رأت أصابعه الطويلة السمراء تلتف حول كوب القهوة، خاتم الزواج الفضي في أصبعه، رمز ليس الا... لا شيء حقيقي فيما بينهما، عاد قلبها يُسحق من اللأم.
" عاملتني مثل غريب..." سمعته يقول بلكنة غريبة تسمعها منه لأول مرّة.
" أنت غريب... منذ مدّة طويلة فقدت مكانك بيننا..."
أبقت تركيزها على دبلته، تشعر بنفسها فارغة تماما من الداخل، اذن فهو واع جدا بالمسافة بينهما، و رغم كل هذا، لا يغير مصائر الأشياء، لابد أن كلماتها أوجعته، سمعته يأخد نفسا حادا قبل أن يقول .
" أصبت بنفس المرض في طفولتي و كل جرح كان يكلفني الكثير و ظن الاطباء ان عمقي بسببه... تعالجت منه مع مرور الزمن، لكن لا انوي تركه يواجه كل هذا بمفرده، أنا والده وهو... الابن الذي لم احلم به يوما..."
هذه حقيقة كانت تشك بها أيضا، آريوس ورث مرض والده، وربما الطفل في بطنها سيرثه أيضا، أبقت لسانها في فمها، الابن الذي لم يحلم به يوما لأنه كان عقيم، مالذي سيفكر به عندما تخبره ان هناك طفل آخر قادم في الطريق؟ بأن جسمها رغم عن انفها و انفه يحقق المعجزة للمرة الثانية؟ رأت أصابعه تترك فجأة فنجانه و يجرؤ على اتصال أولي، أبعدت يدها قبل أن يتمكن من التقاطها، هزت أخيرا نظراتها اليه، العذاب جعل عينيه أكثر سوادا:
"أريد اصلاح الأمور..."
" ما الأمر نيوس؟؟ هل عدت مجددا لتلهو معي أسبوع قبل أن تهجر آريوس و معه هذه الغبية أمامك؟؟ صرت اعرف ضميرك... يستيقظ لمهلة قصيرة قبل ان يخمد لاشهر طويلة.."
" ديا اسمعي.."
" هذا يكفي نيوس حان دورك لتسمعني أنت..." قاطعته متجاهلة التصغير المحبب لإسمها و الذي يستعمله دوما للتأثير عليها:" أظن أنني فعلت المستحيل لأنجح هذه العلاقة السامة و أتقدم بها و حدي الى الأمام، اليوم فقدت كليا الصبر أو حتى الرغبة في المحاولة...لم يعد بإمكاني تحمل الوضع... منذ البداية لم يكن هناك اي ثقة أو تواصل بيننا، زواجنا منهار كليا بفضل زوجي السابق الذي آذاني سابقا و يبدو أنه يستمر بإيذائي من خلالك..." فكرت قليلا، تفقه لمعنى كلامها قبل أن تستطرد: " لا... اعذرني... ليس خطأ داركو... أنا فحسب أحجب للمرة الثانية الحقيقة الواضحة... المشكلة فينا نحن الإثنين، لم نتزوج كباقي الناس، لم نحب بعضنا بطبيعية... بنينا شيئا هشا فوق ارض مهتزة لم تقاوم حياة الواقع... أنت أذيتني أكثر مما فعل زوجي السابق، على الأقل هو لم أكن أحبه حقا... الوجع كان أقل قوة مما ذقته معك..."
" لم أكن حقا أنا مؤخرا..." سمعته يقول بصوت منخفض بعد صمت مبهم.
" عذرك سخيف... الأمر يتعلق بإبنك و زوجتك و ليس عشيقة ترفض منحها وقتك" كزت على اسنانها " الامر يتعلق بعائلة برمتها نيوس... بحياتنا"
نيوس الجارح دوما اصبح اصم فجأة، العديد من المشاعر انعكست على وجهه، انها المرة الاولى التي يعري على روحه امامها بهذه الطريقة، يبدو ان مرض آريوس اثر عليه اكثر مما توقعت... رأت العاطفة في نظراته بينما يحطهما عليها:
" انتما اجمل ما حذث في حياتي ... 'ديا' أغابامو' لا تقاتليني أرجوك فأنا و اع تماما بما تكبدته منذ تعارفنا في التوسكانا... اريد فحسب فرصة اخيرة، سأثبت لك بأنني أب و زوج جيد"
انها المرة الأولى التي يترجاها... بالكاد تصدق أذنيها، بقيت على حذرها:
" تظن بأنني سأصدق مجددا هذه الوعود؟؟"
هز رأسه بالنفي و التمعت خصلات شعره الحالكة السواد تحت نور الكافتيريا الشاحب:
" لا أظن شيئا ديامانتي ... ما أعرفه بأنني سأموت ان أصاب ابني مكروه..."
الموضوع كله يدور حول ابنه، الخيبة آلمتها لدرجة أنها تمنت لو لم تلتقي هذا الرجل يوما في حياتها:
" سيكون بخير... أنا ممرضة و سأهتم به جيدا، سأكرس حياتي له... أما فيما يخصنا معا... الوضع منتهي نيوس... أريوس ما يجمع مصيرينا"
"من يسمعك يظن بأن كل شيء انتهى... بدون أمل"
" لأنه كذلك..." دفعت فنجانها الشبه منتهي " كرجل أعمال ناجح تعرف بأنه يتوجب عليك استغلال بعض الفرص التي سيتعدر ايجادها لاحقا... و انا منحتك الكثير من تلك الفرص... استنفذت طاقتي نيوس..."
" تنوين معاقبتي اليس كذلك؟؟..." سألها بصوت منخفضن كتلميذ مذنب أمام أستاذه.
" أعرف بأن وضع آريوس وراء هشاشة هذه النظرات... ستعود لعاداتك ما ان يتحسن... مللت جمع بقايا قلبي الذي تتلذ بتحطيمه في كل مرة... نحن هنا اليوم، معا... نتكلم ... أطول حذيث تناولناه منذ زواجنا... افضل أن أصارحك بأنني لا أنوي خفض أسلحتي فقط لأنك قررت العودة مجددا لحياتنا... آريوس ابنك... ابقى بجانبه في هذه الأزمة، أما فيما يخصني... أفضل ان أبقى فقط والدة ابنك... لا أكثر"
كان ينوي قول شيء لكنه صمت، ركض بيده على وجهه المهزوم. لم تره منقطع النظير هكذا، حتى بموت آخر أفراد اليونيداس،الوضع أصعب مما يمكنها تحمله، غادرت مقعدها، تتمنى لو يستوقفها ليخبرها بأنه يتعدر عليه العيش بدونها لأنه يحبها بكل بساطة، كل شيء ليتغير ان قام بالامور بالطريقة الصحيحة، لا... آريوس يحي أمل استمرار اسم اليونيداس على وجه الارض هذا كل ما في الموضوع... دون أن ننسى بلا أدنى شك أبناء عمه.
" عدت كي أبقى ديامانتي" سمعته يقول قبل أن تبتعد.
" العالم لا يدور محوره دوما حول ما تريده أنت نيوس... و الان اعذرني... سأذهب لأرى ابني"
* * *
لا تعرف آيا ان شعرت بإذلال أكبر مما عاشته خلال هذه السهرة الغريبة، بعد رحيل خوسيه لم تحتفظ والدتها بملاحظاتها الاذعة، الكل انتبه للطريقة التي كان يرفض بها خوسيه لمستها، الكل انتبه الى المسافة التي وضعها بينهما، انها تصدق ادعائاته بأن يترك زواجهما بكر، صوري، بلا أي تواصل، و بما أنه يستعجل الزواج و يضع الجميع أمام الأمر الواقع فعليها رؤيته قبل موعد الغد أمام القاضي العدلي، مثل المعتاد، ينزل في فنادق لا تتوفر لأناس بمكانتها، و مثل المعتاد يضربها الفرق بينهما مثل الصاعقة، مالذي اتى بها الى هذا العالم المهيب و المرعب؟؟
عندما فتح لها الباب، كان في يده سيكار كولومبي و كأس ويسكي، كان قد تخلص من سترته، شعره فقد تسريحته، عيناه الكسولتين حطتا عليه دون أن تبرزان أي رد فعل، لا بد أن رجاله أعلموه بوصولها، تعرف بأنها مراقبة ليل نهار، يخاف أن تختفي و معها وريثيه.
" مالذي أتى بك؟؟"
" يجب أن نتكلم ..." قالت وهي تدخل جناحه دون اذن منه، المكان بفخامة نزيله، رأته يقترب بساقيه الطويلتين نحو طاولة عليها قنينات الكحول و يطفئ سيكاره في مرمدة مزخرفة، خوسيه يخاف على حملها من دخان سيكاره... كيف لرجل يتصرف بهذه الطريقة أن ينسى أمرها ذات يوم؟؟ دخلت فورا في الموضوع بينما تراه يدلف يده في جيب بنطاله و يقرب كأس الويسكي ليرتشف الشراب الذهبي:" أريد الاطلاع على عقد الزواج الذي هيئته بلا أدنى شك..."
رأته يهز حاجبا كثا، ابتسامة متهكمة تتلاعب على زاوية شفته:
" آيا الصغيرة ليست بهذا الغباء..."
" شعرت بك تتصلب مثل الصخر و تفقد لسانك عندما اشرت الى انهاء دراستي و حصولي على الدكتوراه... انه شرطي المهم جدا و الذي لا يقبل أي تفاوض"
تلاشى تهكمه سريعا ليحل محلها تعابير شيطانية دفعتها للوراء تلقائيا:
" لست بوضع يسمح لك بالتفاوض... هذا الزواج لا أريده... لكنني و للمرة الأولى أفعل كرها ما تجبرني عليه الأوضاع، لذا أنصحك بالوقوف بعيدا عن اليم الذي قد يجرفك في طريقه..."
انه ليس يم، بل الجحيم مشخص نعم، هي مدركة للمخاطر القادمة عليها، مدركة للأدغال الشائكة التي ستدخلها ابتداءا من الغد:
" لا أريد شيئا منك غير دراستي خوسيه... "
" لا..." زمجر ببرود.
" لماذا؟؟" سألته بعدم فهم.
" لأنني متملك جدا و أرفض أن تختلطي بالرجال..."
شعرت بالغضب يشتعل مثل النار داخلها:
" ما أفهمه اذن... أنه في هذا الزواج، مسموح لك بمعاشرة كل النساء اللواتي يلتقين طريقك، بينما أنا لا يحق لي الذهاب الى الجامعة لأن بها طلبة من الرجال؟؟"
" فهمتي جيدا الموضوع نعم... ان رغبت بالدراسة فسيكون ذلك بعد طلاقنا... لا يمكنك الاهتمام بتوأمين و الدراسة بالوقت نفسه... "
بعد أن حجمها بنظرة رجل لا يمكنه التراجع عن مبادئ انقضت منذ قرون توجه نحو ركن به مكتب من الاكاجو الأحمر و عليه حاسوب، حمل ملفا بلاستيكيا به أوراق، عاد به ليدسه تحت أنفها:
" عقد الزواج... اقرئي بنوذه جيدا..."
أخدته بيد مهتزة من العصبية و الغضب، كان رأسها يدور، احتاجت كل طاقتها لمواجهة هذا الرجل، تراقصت الكلمات الاسبانية أمام عينيها، في بداية الصفحة شهرة المارتينيز بحروف ذهبية رسمية، un contrato matrimonial
المادة 1: يختار الزوجان الزواج بموجب نظام الفصل بين الممتلكات المنصوص عليه في المواد {....} إلى {...} من القانون المدني.

المادة 2: يحتفظ كل زوج بملكية الممتلكات المملوكة له بعد الزفاف ويديرها بحرية. يمكن للزوج الذي هو المالك الوحيد للسكن الزوجي التخلص من الزوجة حتى دون موافقتها.
المادة 3: يُفترض أن يكون كل زوج هو صاحب الممتلكات المنقولة .................
المادة 4: وفقا للمادة {...} من القانون المدني ....... .
المادة 5: تعتبر الملكية التي لا تكون عضويتها في أحد الزوجين مبررة ............
المادة6:
المادة 7
المادة 8
.
.
.
المادة 100
لا بد انها تحلم، توقفت أنفاسها أمام هجوم الكلمات عليها، خوسيه لا يمنحها أي سلطة في زواجهما سوى الرخاء ، في حالة الوفاة يمكنها العيش بجانب الاطفال الذين سيرزقون بهم و سيتم الغاء حقوقها ان فكرت بالزواج يوما بينما لم يتجاوز الاطفال الثامنة عشر، في حالة الطلاق... وحده خوسيه من يحصل على الحضانة مقابل أن ترى الاطفال مرتين في الشهر تحت المراقبة، المادة الثلاثين تتكلم عما ستحصل عليه من رخاء بعد الانفصال، شهريتها تتعدى الحد المعقول، بمعنى آخر... هذا العقد يبيعها طفليها ببساطة مقابل العشرات من آلالاف اليورو شهريا.
" هل تعتقد بأنني سأمضي على هذا غدا؟" جاء صوتها مرتجفا، يفضح مشاعرها المتفجرة في هذه اللحظة.
" لا يعجبك الا تتقاسمي ثروتي في حالة الطلاق؟" سألها ببرود
" نقودك لا تعنيني مطلقا..." اشارت الى العقد الذي يحوي اكثر من اربعة اوراق" لم يتم اتفاقنا على شيء و يمكنني الاعتراف ان محاميك لم يترك شيء للصدفة... لن اتزوجك غدا ان لم تقم بالتعديلات التالية:
المادة ثلاثين التي يكتبها بالخط العريض ليثير انتباهي الى السبعين الف شهريا و التي لا تسوى ثمن بدلتك الفاخرة ... المادة السابعة عشر التي تنص على حرماني اطفالي في حالة الطلاق بينما يعلم كلينا ان هذا الزواج بيننا لن يدوم، المادة الخامسة و العشرين التي تحرمني عيش كريم بجانب رجل يحبني في حالة وفاتك، لا اوافق على كل مادة تضهد حقوقي الشرعية خوسيه... "
" لا أتزوجك لأنني مغرم بك آيا... بل لأضمن بقاء ما في بطنك بجانبي..." قاطعها بنبرة متسلطة و حادة.
من السخف أن تشعر بالألم لهذا التوضيح، تعرف بأنه لا يرى فيها سوى رحم زرعه و ينتظر حصد ما يأمله، لكن أن تسمع الكلمات المباشرة بهذه القوة تشعرها بالاشمئزاز و رغبة في التقيئ، وضعت الأوراق في يده، استعادها بنفس التعابير المتعالية التي صارت تحفظها:
" أخطأت المجيئ... أخطأت قبول كل هذا الجنون منذ البداية..."
" لا خيار أمامك... ان لم توافقي فسأخبر عائلتك بكل الحقيقة..."
و الان يهددها؟
" ان فعلت هذا فلن ترى أطفالك لمى تبقى من حياتك البائسة أيها السافل"
ازدادت عيناه احمرارا ، عندما يغضب خوسيه تنتفخ جفونه لحد الانفجار، صارت تعرف هذه العلامات التي تنبهها بالحذر و الاستعداد للهجوم:
" لا تتحدينني... سأجدك حتى و ان اختبئتي تحت الأرض حتى و ان عدتي لبطن أمك آيا..."
" لا أتحداك... لا يمكنني الاختيار بين عائلتي أو طفلاي" صرخت به ملئ رئتيها و قد تملكها اليأس" أنت تستغل ضعفي و قلة حيلتي... لا تترك لي نعمة الاختيار... لن أوقع على عقد مماثل خوسيه أفضل الموت"
" لن أتفاوض معك بشأن ما في بطنك لأنه ملك المارتينيز... سيحصلون على كل شيء ما ان يقذفهما رحمك خارجا... لا تعرفين ما يعنيه أن تكوني حاملا مني آيا... أنا مستعد لسحقك ان وضعتي العقبات بيني و بينهما..."
انه لا يمزح، آه كلا... ترى التهديد المبطن في مقلتيه الذهبيتين و اللتين فقدتا لونهما الجميل لتتحولا الى بركتي جحيم، كيف يمكنها العيش مع هذا الشيطان؟ ما تعيشه اللحظة هو مأساة حقيقية، ستفقد ابنيها في يوم ما لأن خوسيه كتب في عقد الزواج أنه يمكنه رميها خارجا متى راقه ذلك، و ان تحدته... سيعمل على ان يعرف الجميع بشأن حملها و سينتقم منها شر انتقام هي تعرف... اليأس جعل أنفاسها ثائرة، تجمعت الدموع في عينيها... لن تتزوجه... لا ... لن ترمي بنفسها الى التهلكة، لن تمنحه السيف الذي سيبقيه على رقبتها بتوقيعها هذا العقد المخيف و الذي يجردها كليا من كل حقوقها... و بالمقابل... لن يمكنها طلب مساعدة والديها لمواجهته و محاربته، هم أول ما سيرمون بها خارجا في حال اكتشافهما الحقيقة.
دارت بعينيها نحو المكان تبحث عن منفذ لمصيبتها، لمحت فجأة الشرفة المطلة على مدينة مسترخية وسط الليل المخملي، من سيفتقدها ان قررت وضع حد لحياتها؟؟ بهذا لن تجلب العار لوالديها و في الوقت نفسه لن يحصل خوسيه على مراده الغالي جدا منها، دون ثانية تردد واحدة ركضت نحو الشرفة، كل آمالها بلقاء حتفها الذي سيخلصها أخيرا مما تعيشه من جحيم، سترحل مع لا يمكنها التفريط فيه... شرف عائلتها و طفليها.
* * *
" أنظري الي... أنا قبيحة..."
تمتمت صوفي وهي تتطلع الى الباروكة السوداء التي وضعتها على رأسها، بعد خصلاتها الحالكة السواد و الرائعة تجد رأسها عاري، سوى من خصلات صغيرة تشبه قصة الصبي المتشرد، رغم عنها ترقرقت عيناها بالدموع و هي تتطلع الى الشعر المستعار االذي يصل الى كتفيها، اقتربت منها والدتها كي تجلس بالقرب منها و تلامس الخصلات السوداء المستعارة:
" أنت جميلة صوفي... مثل العادة.. تحتاجين لبعض الوقت كي تستعيدي عافيتك صغيرتي " انعكس وجه والدتها على المرآة أيضا من خلفها:" ستعودين الى صقلية قريبا"
"و كأن العودة الى صقلية و لسيما الى العرّاب انجاز و حرية..." تمتمت بصوت جليدي وهي تسحب باروكتها و تعيدها الى العلبة الكارتونية التي استلمتها من موظف المحل في مدخل المشفى.
" روكو يحبك عزيزتي... ربما هو فائق الحماية لكنك كل حياته"
" فليوجه حمايته و اهتمامه للمجنونة التي قبلت برجل مثله... أتمنى أن ينسى أمري ما ان يتزوجها... هذا اذا تزوجها يوما"
" أنت ظالمة بحقه..." تنهذت والدتها بضيق بينما هزت صوفي عينيها الى السماء.
" هو المتسبب بالحاذثة التي تتركني بلا حراك في هذه المشفى..." بصقت بكره:"بسبب حمايته المبالغ بها دمر حياتي... هل ترغبين بقائمة لكل أخطائه دونا سابرينا؟؟ أم أنه يبقى ابنك المفضل و القابل للتقديس؟؟"
" لا فرق بينك و بين شقيقيك صوفي... أحبكم بنفس الطريقة..."
" آه كلا" ضحكت صوفي متهكمة:" لروكو العظيم مكانة خاصة ... هيا أمي... اعترفي بأنه يتعدّر عليك التنفس بدون إذنه... لا تنسي بأنه ليس زوجك كي تخشينه بكل هذا القدر..."
" لا أخشاه... أنا أحترمه" صححت لها سابرينا بجفاف و هي تغادر مكانها و تربث عليها الأغطية التي ملتها من قلبها، شعرت باليأس مجددا لوضعها، أصبحت لا تطيق هذه الغرفة.
"بسببه لم أعش يوما بحرية كباقي الفتيات بعمري... مازلت عذراء بينما من هن بعمري تجاوزن المرحلة منذ سنوات...الكل يصاب بالرعب عندما يعرفون بأنني ابنة يانيس ايميليانو و شقيقة روكو ايميليانو، الكل يهرب و يبتعد و كأنني مصابة بالجذري، لا أحد يرغب بإغضاب قيصر تاورمينا... بسبب اسمعي اجد نفسي منبوذة من كل الشباب بعمري"
" ستعثرين على من يقتسم عواطفك و يحصل على احترام شقيقك..."
" لا يوجد من سيحصل على احترام شقيقي..." توجعت صوفي وهي تلتقط هاتفها لتدخل على أخبار النجوم كما هي عادتها دوما:" أريد استعادة عافيتي للخروج من سيطرته أمي... سأحصل على إرث والدي ما ان أتجاوز الرابعة و العشرين و بعدها... لن يوقفني شيئ حتى العرّاب نفسه... قد أرحل الى أمريكا عند اليساندرو... هو على الأقل انساني و متفهم عكس جبل الثلج"
لم تعلق والدتها على كلامها، التقطت الكريم المرطب لتدعك قدميها الجافتين، أقطبت صوفي و هي ترى صورة ديل ماريا على أولى صفحات الفضائح:
" تم القبض على دوقة مورغو ديل ماريا..."
توقفت سابرينا على دعك قدميها، انها صديقة مقربة لتلك العائلة:
" ماذا؟؟"
" انها متورطة في تهريب الأسلحة... شيء لا يُصدق..." ظهرت أسنانها في ابتسامة متهكمة" الأبله وحده لا يدرك أن الأمير وراء هذه المصيبة لسيما بعد أن تركته زوجته بسببها... كم أرغب برؤية وجه بيانكا... كانت فخورة بزواجه من امرأة ذات تأثير مثل فلورانس ريتشي..."
" لما أنت ساخرة هكذا؟؟" سألتها سابرينا متنهذة.
" أنا واقعية... بيانكا تحصل على كل الامتيازات في صقلية ووالدها يتركها تفعل كل ما تريد حتى أنها حصلت على حب اليـ...." توقفت فورا على اتمام جملتها، الألم و الغيرة عادا الى صدرها بقوة مزقت روحها، القت بهاتفها بعيدا، اليخاندرو اتصل للاطمئنان عليها من خلال والدتها، يضع أكبر مسافة بينهما... كل اهتمامه بالأميرة الغبية." حصلت على حب الكل..."
" الكل يحبك أيضا عزيزتي..." وشوشت لها برقة وهي تعود لتجلس بجانبها و تمسد على شعرها القصير:" أرى أن مزاجك سيئ منذ استلامك لتلك الباروكا... ما رأيك أن آخدك في جولة قصيرة في كرسيك المتحرك الى..."
" لا..." قاطعتها صوفي و هي تنام على جنبها مبتعدة عن يدها التي تداعب شعرها" أريد النوم... أتركيني و شأني"
* * *
" كيف هذا لا تنوين العودة معي الى صقلية؟؟"
لهجته الصارمة تُشعرها بالفشل مسبقا بإقناعه، تنهذت متفادية النظر الى عيناه القاتمتين اللتين تثبتها بحزم شديد، شعرت بأنها ستفقد شجاعتها ان لم تتمم الى النهاية:
" والدتي أذرفت الدموع... أخبرتني بأنني لم أبقى طويلا... انها مسألة يومين و الحق بك..."
" لا"
" روكو..."
" لا..."
هذه الـ'لا' الأخيرة كانت جليدية لدرجة أنها شعرت بجلدها يتنمل،كان جازم و قاطعا، يعرف كيف يُصمت الأخرين عندما يرفض كلامهم، لكنها ليست الأخرين... انها خطيبته، رسميا.
" أبي مريض... و والدتي بمفردها، أنا ابنتهما الوحيدة، هما بحاجتي روكو..." قالت بنفس الحزم وهي تحملق له بنفس الطريقة" أنا لا أخد اذنك... سأبقى"
رأت نظراته تتصلب أكثر، لو كان فكه حجارة لإنفجر تحت ضغط أسنانه، ظاهريا يبقى سيد المواقف، السماء تلونت بألف لون المغيب، يبدو خطيبها أكثر جاذبية مع الخلفية الجميلة، أثر تهديدا أيضا، جلبته الى الحديقة لتكلمه على انفراد بعد أن عاد ليقلها الى اليخث، والدتها لم تتوقف عن التذمر و نجحت بإشعرها بالذنب:
" يومين آخرين روكو... لن يؤذيان أحد..."
" سيؤذياني أنا... لا يمكنني البقاء بعيدا عنك" شعرت بقلبها ينصهر تحت الكلمات الحلوة، اذن ليس لتسلطه و تملكه دخل، هو فقط لا يرى أيامه بدونها؟ وهي التي شعرت بالغضب لأنه ينوي التحكم بها و كأنها بلا أي شخصية؟ سمعته يقول بمرارة" الأمر لا يفرق معك كما أرى..."
" لا تكن ظالما" همست له.
" ان كان الموضوع يتعلق بوالديك فسأعمل على أن يأتيان الى صقلية منذ المساء، سيكون والدك تحت رعاية طبية فائقة و والدتك سيناسب اكتئابها جو صقلية..."انه مستعد لصرف ثروة مقابل الا يتركها ورائه؟" بريانا... اما هذا او لا شيء..."
أمام صمتها بدى و كأنه يناظل للحفاظ على رباطة جأشه، رأته يلتقط نفسا عميقا و يقول:
" لا يمكنني النوم ليلا دون وجود جسمك بالقرب مني... تخلصت من أدويتي بفضل وجودك في حياتي و لم أعد أعاني من الأرق الذي أصابني منذ موت طفلي المزعوم..."
لا يتوقف هذا الرجل عن مفاجئتها، من هي كي تؤثر على وجوده لهذه الدرجة؟؟ و من هو كي تنسى مأساتها مع ديميتريس و تغرق في حبه روحا و جسدا؟؟ أم أنهما بكل بساطة توائم الروح التقيا في الوقت المناسب؟ رأت أحد حراسه يخترق الحديقة ليقترب منهما، ليس سانتياغو الذي يلاصق العرّاب دوما كظله.
" سيدي.." سمعت الرجل الضخم الجثة يقول.
" ماذا؟" نبح روكو بنفاذ صبر.
هي من تضعه في هذه الحالة؟؟ الرجل الجليدي الذي لا يتأثر بشيء أو أحد؟؟
" مكالمة من...."
" لا حقا..." قاطعه روكو دون أن يبتعد عنها بنظراته.
" 'دون فالكوني'..." أتمم الحارس ببعض الاصرار.
رأت عضلة في فكه تعود للارتجاف بعنف، بدى لها و كأنه يقوم بإختيار مصيري بين البقاء مكانه و اتمام كلاهما أو الرد على شقيق الروح فالكوني.
" يجب أن أرد على المكالمة... لا تتحركي"
كانت لتتفاجئ لو فعل العكس، مطلقا لم ترى شلة أصدقاء مخلصون لبعضهم البعض لهذه الدرجة، راقبته يدنو من حارسه و يأخد هاتف لا يشبه مطلقا الهواتف التقليدية، هاتف لا يعمل بالشبكات العادية على ما يبدو... ضمت ذراعيها اليها بينما تراه ينزوي بنفسه و يتكلم بشكل سريع، خيال في الواجهة الزجاجية أثار انتباهها، أدارت راسها على روكو لتركز على المرأة الستينية و التي تقف مثل التمثال، تنتظر بلا أدنى شك أن توافق على عرضها بالبقاء، ابتسمت لها والدتها و أعادت لها هي ابتسامتها بينما قلبها يتمزق لملامح التعاسة على وجهها النبيل و الارستقراطي، مازال روكو غارق في كلامه مع الأمير و كأن العالم تلاشى و لم يبقى غيره و محاوره، تركت الحديقة لتعود الى الصالون، بادرتها والدتها:
" هل ستبقين؟"
" روكو لا يقبل التفاوض بشأن وضع مسافة بيننا..."
" انه يحبك... انا سعيدة لأن القدر عوضك خسارة ديميتريس"
شعرت بالكلمات تلكم معدتها بشدة:
" خسارة ديميتريس؟ هل تقارنين حقا خطيبي بذلك الرجل؟ أمي... لا مثيل لروكو في كل الدنيا، أحبه كما لم أحب يوما ديميتريس، كما لم أحب يوما نفسي " اتسعت ابتسامة والدتها، كل كلمة خرجت من اعماقها، انها تضع روكو فوق أي شيء في الدنيا، تحطه في مكان عالي جدا لن يصل له أحد " أتى اقتراحه كالأتي: سيأخدكما الى صقلية و سيوفر لأبي كل العناية المطلوبة"
هزت والدتها حاجبيها، تبدو متفاجئة:
" هل ستوافقين؟؟"
" سيسعدني الخروج من البيت و استنشاق هواء جديد، و التعرف على حماتك المستقبلية لكن ليس في هذه الظروف بريانا... والدك مريض جدا... سيتعبه الانتقال من مكان لآخر"
انتبهت الى ان روكو ينهي مكالمته و ينزعج من عدم وجودها بجانبه، لابد انه لمحها في الصالون مع والدتها، رأته يختفي ليلتحق بهما:
" روكو رجل متزن و عاقل..." سمعت والدتها تقول متنهذة" شخصه اثار التسؤلات في العائلة و ظنت قريبتك بأنها قادرة على اثارة اهتمامه و قد وضعها - بشكل مذل - مكانها"
أقطبت بريانا، لا تفهم الى ما تلمح والدتها:
" تقصدين بقريبتي'لانا'؟ مفترسة الرجال؟ "
" لاحقته مرتين بإصرار اثار ريبتي، لم يترك الايطالي لي فرصة التدخل... يملك طرق رائعة في تقليص امرأة"
شعرت بالغيرة رغما عنها، انها تثق جدا في روكو،لماذا تتثق به.؟ لأنها رأت عشيقاته السابقات، رأت بأم عينها انها لن تدخل مطلقا معهن في سباق الجمال، 'لانا' رغم جمالها و اغرائها الا ان روكو عرف أجمل و عاشر أشد الاغراء و لم يعطي تتمة لمغامراته قبل ان يلتقيها هي... و الله وحده يعلم ما يجده فيها.
" سيدتي" اتى صوت مغريا، ابتسمت داخليا، انه ينوي كسب موافقة والدتها" لا تأخدى رفضي بترك ابنتك ورائي اجحافا... لكنني شرقي التفكير و الطباع، لا يمكنني البقاء بعيدا عنها لساعة واحدة... لذا سأعمل على ارضاء كل الاطراف... سأجهز لكما انت و زوجك اقامة لا تنسى تساعده على استعادة صحته فورا و بالوقت نفسه اضمن بقاء خطيبتي الفاثنة بجانبي"
عندما رأت ابتسامة والدتها ادركت ان روكو ربح المعركة سلفا.
* * *

{ كيف سأخبرك بهذا خوسيه؟... اليونور... توفيت في المستشفى بعد أن فشلوا بإنقاها... }
تلاشى صوت سيسيليا من عقله بينما يرى اليونور المبتسمة ابتسامتها المتهكمة على الشرفة حيث وضعت آيا قدمها كي تنتحني بقسمها العلوي الى الأمام، عاد ليعيش نفس الكابوس المرعب مرة اخرى، بينه و بين المأساة ثوان وهية.
" ابتعدي عنها" امر اليونور التي انفجرت في الضحك بينما آيا تنظر اليه بعيين متسعتين من الخوف.
" هذا مصير كل نسائك خوسيه... دعها ترمي بنفسها... ليست بالشجاعة التي ظننتها، لن تصبر على سفالتك يوما آخر" قالت اليونور الجالسة على حافة الشرفة، فستانها الابيض متطاير من حولها " سيكون الأمر مسليا 'مي أمور'"
تمكن من امساك ذراع آيا و ابعادها عن الوضعية الخطرة التي كانت عليها، تطاير شعرها حوله و لفته ثنورة فستانها الطفولية القصة، كان قلبه يضرب بحدة في صدره لدرجة انه حسبه سيخرج من قفصه الصدري، احكم ذراعيه عليها الى ان شعر بها تجاهد الالتقاط انفاسها، رباه... كان بصدد قتلها بنفسه.
كانت ترتجف بين ذراعيه، انفاسها ثائرة مثل انفاسه، يتقاسمان نفس الرعب الذي شلهما معا، كانا على خطوة من مآساة حقيقية، اليونور اخدت ابنه معها و يبدو ان 'آيا' تريد تكرير فعلتها بلا ثانية تأخير.
" لم تأتي في الوقت المناسب"
الكلمات العميقة ببحة مميزة، لكنة كانت توقظ غرائزه مباشرة، ابتعد قليلا ليتطلع في الوجه الغارق في الدموع، اليونور غارقة في حزنها، في تعاستها... دفع شعرها بعيدا عن وجهها، يلتهم ملامحها الغالية التي يفتقدها بشدة.
" لم ترد يوما على رسائلي... لم تأتي لإنقاذي... رغبت فحسب اخبارك بأنني حامل قبل الزواج به..."
" لا تتصورين كم انا نادم..." اعترف بصوت متكسر... لم يعد بإمكانه تحمل هذا العذاب الذي ينخره كلما رآها تلومه بهذه الحرقة..." فقط لو استطيع اعادة الزمن الى الوراء"
ابتسمت من خلال دموعها، من خلال قهرها، سألته بلهفة عاشقة متعذبة.
" لن تحب غيري..."
" أبدا"
رآها تمسك بكلتا يديها حنجرتها وكأنها تشعر بالاختناق، أمسك بوجهها بين يديه مصرا على دفعها لتصديقه، تلك الحروب بينهما ولت، عندما تعمد ايقاض غيرتها، يريد رفاهية يوم اخر معها... ساعة حقيقية بين احضانها.
" أنا هنا 'مي أمور'"
تفادى وضع حاجته للحفاظ على نفسه أولاً كما هي عادته و منحها الامان الذي تحتاجه نظراتها الفارغة، حط نظراته على شفاه نصف مفتوحة مثل بتلات الورد. شعرها العسلي حول بشرة شاحبة تشبه بشدة شخصية خرافية. لم يقاوم نفسه بحط شفاهه على شفاهها و التهامها تقريبا، لم يفهم حقيقة ما يحذث معه بينما يشعر بها تقاومه، احبيبته لم تقاومه يوما... كانت تنصهر ما ان يضع يده عليها، قبضتين على صدره ابعدتاه عنها، تبخر الوهم ليواجه نظرات غاضبة و شرسة، العودة للواقع كانت مؤلمة لسلامة عقله...شعر أن البرق قد سقط للتو على قدميه و بعقده ضخمة في المعدة. لا ، لم يكن مستعدا للاعتراف بالحقيقة المهينة... مالذي حذث له بحق الجحيم؟؟؟ لما رؤياه تتكاثر بهذه الحدة في وجود 'آيا'؟؟
" لا تلمسني مجددا خوسيه لأنني لا أطيق أن تضع أصبعا علي... لا تتوهم امورا لأنه لن ينشأ شيئ بيننا أبدا "
أغلق الباب المزدوج للشرفة بعد استعادته لوعيه كاملا... اختفت اليونور... رائحتها ما تزال عالقه في خياشيمه، حبيبته التي فضلت الرحيل من دونه، اختارت الابتعاد بأنانية و تركته يتمزق كل يوم بسبب بعدها.
" فهمت رسالتك 'آيا'... ماهي شروطك؟؟"
كانت شاحبة، ما تزال ترتجف تحت وطأ ما حذث للتو، كادت أن تنهي حياتها و حياة طفليه لأنه لا يترك لها منفذا.
" لا أريد فلسا واحدا منك... لكنني أريد ضمان كل حقوقي بجانب التوأمين... و لا أنوي البقاء حبيسة بيتك بإنتظار أوامرك بل اتمام دراستي... عندما نقرر الطلاق... سأعيش قصة مختلفة مع غيرك... وهذا لن يحرمني حقوقي نحو أطفالي..."
بقي صامتا، يراقب تعابير وجهها الجادة، تبدو متأكدة مما تريد...
" لن يقترب رجل آخر من الطفلين... لن اتفاوض معك بهذا الشأن 'آيا'... أبدا"
لم يتزوجا بعد و يتكلمان عن الطلاق... الوضع يبدو سخيفا حقا.
" بمعنى آخر... بعد الطلاق أبقى عازبة؟؟"
" لم اقل هذا... لكن في حال حضانة مشتركة لا أريدهما مع انسان غيرك... لن يكون لهما أبوين هل هذا مفهوم.؟"
هزت دقنها عيناها تلتمعان بتحد:
" أفرض الشيء نفسه... لا أريدهما مع امرأة غيري..."
كشر ببعض الاشمئزاز:
" لا اجلب النساء لبيتي بشكل رسمي، انتن للتسلية فقط 'كوراسون' و لا ابعاد أخرى... لا تظني نفسك مميزة لأنك ستحملين اسمي... آه كلا... أيتها الصغيرة... أنت تدخلين حياتي استثنائيا بفضل حملك..."
رآى وجهها يشحب أكثر، و كأن صاعقة ضربتها، اشاح بوجهه عنها والتقط هاتفه ليكلم على أحد حراسه، ما ان يعود الى مدريد حتى يرى طبيبه بشكل مستعجل، ما حذث اللحظة-الدمج بين الماضي و الحاضر- شيء مريب حقا، لا يفهم حقا كيف تتخالج الاشياء بوجود 'آيا'؟ ما علاقتها بماضيه؟ انه اكثر من يعرف بمشاعره، لا يحمل لها ذرة عاطفة واحدة، كما أنها لا تهمه مطلقا، بغض النظر عن ميوله الجنسي لنكهة جديدة أتى على تذوقها الا أنه في ظروف أخرى لم يكن حتى ليفكر بترسيمها في حياته، لكنه مستعد لهذه العقوبة للحصول عمن هما أعلى شأنا و أشد أهمية... وريثيه.
أعاد اهتمامه للوح الرخام المتسمر في مكانه دون حراك بعد أن أنهى كلامه مع حارسه، لم تكن قد تحركت أنشا واحدا، تتطلع اليه بنظرات مسودة، كمن يخطط لقتله و دفنه في مكان مجهول، هذا جيد... مشاعرهما متبادلة، ليس هو فقط من لا يطيقها بل هي أيضا:
" سيأخدك الحارس الى البيت و يبقى معك حتى الغد و هذا غير قابل للتفاوض أيضا، أما فيما يخصني فسأعدّل على البنود و ابعثها لك في الايمايل لدراستها قبل موعدنا غدا في البلدية... و الأن... أغربي عن وجهي، لا أتحمل وجودك في محيطي..."
" شعور متبادل..." سمعها تقول ببرود قبل أن تهز رأسها عاليا و تمر من أمامه تاركة ورائها رائحة الحلوى و الفشار و غزل البنات...
* * *
فتحت فلور عينيها بعد جهذ جهيذ، لثوان بقيت معلقة بين الحقيقة و الخيال، ثم بدأت تستعيد حواسها و ذكرياتها ايضا، كانت ممدة على سرير، عارية وسط شراشف لا تعرفها، غرفة عائمة في ضوء طفيف، جلست على السرير تضم الاغطية على صدرها ووجدته جالسا على الصوفا، أمامها، بكامل ملابسه...
" مالذي يجري هنا؟؟ أنا لا افهم شيئا"
لا تعرف كم الساعة و لا اين هي؟ ما تتذكره انها تبعته بإرادتها، بأنهما لم يتكلما طيلة الطريق و لم يتقاسما سوى الهواء الذي يتنفساه برتابة، قادها الى الأرياف اللندنية، منطقة مخضرة و هادئة، اقتحم بوابة منزل فكتوري يخضع للترميم، يمكنها تخيل أفراد عائلة ملكية تحوم في حديقة هذا المكان الرائع، أوقف سيارته و نزل أولا يترك لها حرية النزول او البقاء و الرفض، لكنه يدرك أن لها مشكلة مع الفضول، لحقت به الى الداخل، السقف عالي و الثريا متدلية في تصميم يعود بها رأسا الى 1800، أواخر القرن التاسع عشر، دخلت الى آلة زمنية تنقلها الى العصرالفكتوري، لم يكن هناك أثاثا، لكنها تتخيل بعد انتهاء ترميم هذا الصالون الشاسع ما سيكون عليه بوضع انتكيت مناسبة لتصميمه الخارجي.
" هل هو لك؟؟" سألته دون أن تبتعد بعينيها عن جمال ما يحيط بهما.
" ليس لي... انه لنا... عمّدته على اسم نيكولاي..." حشر نفسه بينه و بين البانوراما الخلابة" هدية عيد ميلاد زواجنا الأول... برأئي أن تكون لنا اقامة رسمية ثانية حيث عائلتك..."
ضمت ذراعيها اليها، رغم ميولاتها العصرية الا انه يعرف بضعفها للتاريخ، جانبها الفني يبقى متأثرا، لا تعرف كيف حصل على ميراث مماثل، الأسماء البريطانية المعروفة لا تترك أبدا ممتلكاتها، لكن لا شيء مستحيل معه، فعل هذا لإرضائها؟... لشرائها؟..
" متى اشتريته؟؟" سألته بصوت منخفض.
" بعد زواجنا بأسبوعين... الأعمال ستأخد وقتا لكنها الشركة الأفضل في الميدان، أخبرت المهندس أن زوجتي تحب كل ما هو عتيق... بأن يحتفظوا على كل انش و الا نفقد شيء من أثريته"
السافل... تمتمت في داخلها بينما تشعر بالعاطفة تؤلم حلقها، السافل يعرف كيف يكسر مقاومتها، تشعر بأنها تضعف سلفا أمام فكرة اهتمامه بذوقها، أو ما يروقها، تضعف أمام فكرة انه اهتم بإسعادها أسبوعين بعد زواجهما و كان يهيئ للهدية كي يمنحها اياها في عيد ميلاد زواجهما الأول.
" عندما... عندما أخبرتني بأنك لم تنم مع فكتوريا... هل هذا يعني بأنك استعدت ذاكرتك؟؟" سألته دون القدرة على النظر في عينيه، كانت تخشى الاجابة... تريده أن يجزم ... يخبرها بأنه استعاد تلك الاحذاث اللعينة و أنه لم يقم بخياتها.
" لست بحاجة لتذكر الأحذاث فلورانس... أعرف بأن قلبي معك أنت فقط، لم أعش قط مع غيرك كل هذه التقلبات العاصفة..."
أعمت الدموع عينيها، تشعر بأنها ستموت من الغيرة و القهر و التعاسة:
" لكنك كنت غاضب مني و من المقالات التي هتكت عرضي كما هي عادتها... ربما كانت لحظة ضعف؟ عاشرتها كي تدفعني الثمن كما سبق و هددتني مرارا و الأن... أنت نادم"
" لا..." ابتعدت بينما يحاول لمس كتفها، ردة فعلها تغرق ملامح وجهه في تعاسة " لا تبتعدي عني 'أموري ميو' هذا يؤلمني بشدة..."
" و كأنك لم تؤلمني بدورك؟... لم تقم بتدميري؟"
" أخبريني ما يمكنني فعله لتصحيح الوضع؟؟ فلورانس أطلبي أي شيء عدا تركك ترحلين... أنت موطني و ملاذي، أنا بلا معنى بدونك"
شعرت فجأة وكأنها تنفد من الأكسجين ، وبدأ قلبها ينبض بسرعة بينما تتطلع لكمية العذاب في عينيه، هل يحبها حقا أم أنه يتعذب لفكرة فقدان نيكولاي؟... تعرف كم هو متعلق بأبنائه... لقد كان كافيا لها أن تستسلم لإدعاءاته دون ضبط نفس ، للتعبير عن مشاعرها أيضا و لمّ الموضوع ، حتى تتمكن البدء بالأمل مرة أخرى... آه كلا ! الغفران بعيد المنال... انها مجروحة بشدة... عاجزة عن النسيان ..هل يمكنها أن تعطيه نفسها جسدًا وروحًا إذا لم يحترمها؟ لم تسترد حقها منه؟ انها تحبه بشدة... تحبه بأخطائه و حسناته و حتى شخيره ليلا عندما يكون مرهقا.
" من الأفضل أن أعود الى بيت والداي فلن ..."
سحبها نحوه دون ان يترك لها مجال الهرب، وتركت نفسها عندها شعرت بتدفق تيار من خلالها ، تيار يربطهما... ليس جسديًا فقط.... كان الأمر كما لو كان هناك شيء جديد بينهما:
" فلوراس... فلورانس لا تقوديني نحو الجنون لأنني أتمزق منذ رحيلك... أعرف بأنك تحبينني كما أحبك، سأثبت لك بأنك الأشد أهمية في حياتي البائسة..."
وضعت يديها على صدره مرتعبة من مشاعرها التي تتقاتل معها بشراسة، رباه... ستفقد المعركة، هذه الرابطة الحميمة كانت تأملها لفترة طويلة. كما لو أن كل النغمات والضوضاء التي أصابت علاقتهما بالشلل قد تلاشت ويمكنهما رؤية نفسهما كما كانا مؤخرا... أو خلال شهر عسلهما.
ظلا صامتين لبعض الوقت يتطلعان لبعضهما، مستمتعين بقرب أحدهما للأخر، في هدوء الليل ، وفي الهواء طفى هذا العطر الذي يمزج بين رائحة الصنوبر مع رائحة المساء الانجليزي، تجرأ بمسافة أقرب.. وضع ذراعاً حول كتفيها ، وبأطراف اصابعه رسم دوائر على ظهرها ، لم يكن لهذه المداعبة أي شيء جنسي ، لكنها حبست أنفاسها ، منتبهة إلى الإحساس بأن هذا الاتصال البسيط قد ولد فيها عاصفة هوجاء و بأن مقاومتها تنهار مثل الثلج أمام شمس صقلية.
" هل أنت عطشى؟؟" سألها بينما يراها تبلل شفاهها بطرف لسانها.
هزت رأسها بالايجاب دون القدره على الكلام، أتى لها فورا بكأس مياه معدنيةـ.. بعد ذلك... لا شيء، تجد نفسها في هذا السرير أمام ملامح زوجها الذي لا يبدو منزعجا من رؤية الفوضى في روحها:
" هل حذث شيء بيننا؟؟"
" نفس السؤال طرحته على ديل ماريا عندما استيقظت و وجدت نفسي في سريرها... من المُذل الا تتذكرين تفاصيل ما حذث و أن يتملكك الغضب أن أحدهم عبث بجسدك و أنت غير واع... آسف فلورانس.. كان يجب أن تعيشي نفس التجربة كي تشعري بما شعرت به مؤخرا و تتمكني من الغفران أخيرا"
اذن فقد خدّرها؟؟ تلك المياه المعدنية... آه...
" أنت منحتها الفرصة... " زمجرت به غاضبة :" وثقت بها و تبعتها..."
" كما وثقتي بي أنت وتبعتني..." ترك الصوفا بقامته الطويلة ليدنو من السرير " أنت لا تفهمين... وجودك في حياتي اجباري و لا مفر منه... أنا مستعد لكل شيء حتى بإعادة تلك الأحذاث المقيته..."
انحنى على ملابسها ووضعهما بجانبها:
" ارتدي ملابسك كي أعيدك الى ستارهاووس.."
هزت رأسها بحزن:
" لا شيء تغير... أريد نقاهة منك داركو... حتى و ان كنت أحبك بكل جوارحي..."
لانت ملامح وجهه و تخلى عن هجومه، اكتفى بالابتعاد عنها ليمنحها الحميمية، كانت متأرجحة بين رغبتها في الهروب أو الاقتراب منه و لفه بذراعيها و نسيان الموضوع برمته، عليها الذهاب الى لوس أنجلس، كيفن بحاجتها أكثر من كبرياء زوجها المجروح، تعرف بأنه من المستحيل هجرانه، لأن الموضوع يشبه توقفها عن العيش، سوف تعود... عندما تبتلع خيبتها.
رحلة العودة مرّت في صمت مطبق، الساعة تتأرجح حول منتصف، كانت فارغة من الداخل و رأسها ثقيل بينما عيناها مؤلمتين و كأن بها رمل، عندما وصلا الى حيث أخدها لم يوقف السيارة بل تقدم من البوابة الحديدية العملاقة:
" يمكنك تركي هنا..."
" لا..." تمتم بينما تنفتح البوابة ببطئ ليظهر قصر أسلافها متلألئا في العتمة " أرغب برؤية ابني ..."
رغم الوقت المتأخر الا أن الكونت و جوشوا كانا على موعد معهما في الصالون، ملامح متطابقة تقريبا، نظرات جليدية، استحق داركو استقبال بارد، لكن و مثل المعتاد، لا يبدو هذا الأخير متأثر بأحد، داركو فالكوني وفي لثقته بنفسه.
" هل انت بخير؟" سألها شقيقها وهو يدنو منها ليضع ذراعه حول كتفيها.
" تظن بأنني سألحق الاذى بزوجتي؟" سأل داركو بلكنة جليدية.
" فعلت اكثر من هذا داركو و خنت ثقتي" تدخل الكونت ببرود.
" هذا يكفي" اعترضت فلور بإرهاق " ذهبت معه بإرادتي وهو هنا لرؤية نيكي و ليس ليتم الهجوم عليه... اتركه و شأنه أبي أرجوك"
" عندما تنهي زيارتك لحفيدي مر علي في المكتب...سأنتظرك" قال الكونت بجفاف وهو يغادرهم.
جوشوا لا ينوي التوقف هنا كان ينوي لعب دور حارسها و مرافقتهما نحو غرفة ابنها لو لم توقفه هو الاخر.. عواطفه نحو زوجها لم تتحسن يوما، هو و مارك انطونيو يحملان له نفس المشاعر السوداء.
غرفة نيكولاي كانت غارقة في ضوء طفيف، الصغير ينام على بطنه في سريره الصغير، الكونت اندريس بشخصه من اقتان اثاث هذه الغرفة الجميلة، رأت رجال حياتها معا، ما ان انحنى زوجها على ابنهما ليلامس شعره بحنو،لم تنظر أبداً إلى رجل آخر منذ الليلة التي رأته فيها لأول مرة. نعم ،في الماضي كانت سطحية ، متهورة، دون أي غرض في الحياة. لكن ما أعطاها إياه شيئ جديد... أعطاها إيمانًا وإخلاصًا، لم تتمكن من عشق رجل اخر غيره.
" ti amo amore mio"
سمعته يهمس لنيكولاي البعيد كليا عن أرض الواقع، تتخيل فرحة هذا الأخير لو كان مستيقظا و رآى داركو، يملك ردة فعل مختلفة تخص والده فقط، بقيت واقفة قرب الباب، تتطلع اليه من خلال سحابة الحزن التي أثقلت نظراتها، كان يودعه و كأنها المرة الأخيرة التي يراه فيها:
" كن طفلا وديعا و لا تتعب والدتك..."
عاد ليستقيم بعد أن ملئ وجهه بقبل خفيفة، لن تنسى في كل حياتها تعابيره المنهزمة قبل أن يقرر النظر اليها و وضع قناعه المعتاد، قناع الصلابة الذي ينوي مواجهة الكونت به، عادت رغما عنها كلمات من الماضي في رأسها {..إذا كنتُ رجل أعمال استثنائي ، فلأنني غير قادر على الشعور بأي عاطفة. أنا لا أحب سوى نفسي و أولادي ... أستغل الأشخاص ثم أتخلى عنهم عندما يفقدون اهتمامي. أو عندما يصبحون ملحون للغاية...و أنت أصبحت ملحة 'فلورانس ريتشي' و سأحطم هذه الثقة العالية في النفس...سأسحقك مثل حشرة وضيعة..}.
" مالذي يجب أن أفعله لتغيري رأئيك فلورانس؟؟.." سألها ببطئ وهو يغرس نفسه أمامها، قريب جدا منها... قريب لدرجة أنها تشتم رائحة بشرته و تسمع نبض قلبه.
" أن تمحي من عقلي رؤيتك عاريا معها في نفس السرير ..." أجابته بلهجة ممزقة" يُقال أن الزمن كفيل بمحي كل شيء... و أنا بحاجة للنسيان لأن الغيرة تكاد أن تقضي علي...".
هزت رأسها نحوه، وجهه قريب جدا من وجهها، تجد نفسها في نفس الوضع الذي كانا عليه في البيت الفكتوري الذي أخفى عنها وجوده، التقطت نظراتها خطوط شفاهه الرجولية الجميلة، كانت قريبة و في متناول اليد، يكفي ان تقترب أكثر لتحصل على ما تتوق اليه بكل كيانها.
" كلماتك توجعني... لكنه القصاص العادل اليس كذلك؟؟ أستحق هذه الوحدة التي ستلف مخالبها علي ما ان ترحلين.... سوف أنتظرك... و ان تأخرتي بالعودة..." انحنى ليحط شفاهه على شفاهها في قبلة محتدمة،كانت العواطف تغلي فيه كما تغلي فيها، تمنت غزوه بالكامل بينما تتجاوب معه بقوة، عموما لم تنكر انجدابها له، انه يهيمن عليا دائما و أبدا، ثم عانقها مثل شريان الحياة وهمس في أدنها:"سوف ألحق بك حتى و ان رميتي بي خارجا... قصتنا لا مفر منها"
قصتنا لا مفر منها... الكلمة رافقتها حتى و هي تأخد الطائرة مع ابنها ووالديها في اليوم التالي نحو لوس أنجلس.


أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:54 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.