شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة (https://www.rewity.com/forum/f524/)
-   -   خطوة إلى الوراء (https://www.rewity.com/forum/t439332.html)

عيون الرشا 28-03-19 12:09 AM

الفصل الخامس

( فيلم حركة )

في دوامة أفكاري بين المنطق واللامنطق أنتشلتني رنة الهاتف ..كان مجدي المتصل، بعد ان تبدلنا التحية، شرع قائلا" لقد أتصل بي أحد ضباط الشرطة يبلغني عن وجود بلاغ بفقد فتاة شقراء تبلغ ثمانية عشر عاما ..أيمكن أن تكون هي ضيفة ؟ " ..كان كلامه يعيدني إلى الواقع المحتوم .
-" ماذا عن عينيها وإن كانت بكماء؟ " .
-" لم يصرح المزيد ..لكنه طلب مني إحضارها إلى المركز ..ما رأيك ؟" .
-" أتظن أنه سيتصل بمن قدم البلاغ لياتي أيضا إلى المركز ...ويشاهدها " .
-" ربما ..وربما يلتقط صورة لها أيضا ..ويفتح محضر العثور عليها ..أنت تعلم إن بقاءها معنا أمر غير قانوني ..كأننا نخطفها " ..كان محقا في هذا ، لكن ماذا لو إن الشرطة أحتجزوها وأرسلوها إلى أحد دور الرعاية حتى يجدو أهلها ..بدت هذه الفكرة تراودني جاعلة من قلبي يخفق بشدة .
كان ترك ضيفة في هذا الوضع أمر غير مقبول خاصة بعد الرسالة التي تلقيتها من جدي ..حتى وإن كانت ليست المعنية بها ..كان لابد من أخذ تدابير أحتياطية على وجه عام بحيث لا تبتعد عني .
-" أعلم هذا ..لكن لديك معارف في الشرطة ..يمكننا أخذها لأجل صورة ومحضر فقط ، لكن ماذا لو اصدروا أمر بأخذها ..لا يمكننا تركها عندهم أبدا ..هل تسمعني ؟ "..كان حرصي عليها جعلني أفقد القدرة على ضبط نفسي بعض الشيء مما جعل نبرة صوتي مرتفعة.
-" أهدء يا بابل وأطمئن.. لا يمكن لي تركها في أيديهم ايضا ..ولكن مسالة أخذها الة مركز الشرطة، مسالة حتمية لابد منها كي لا نتعرض إلى أي مخالفة قانونية ".
-" حسنا ..أين أنت الأن ؟ " .
-" انا في طريقي إلى المنزل ..هل ستأتي الينا ونذهب معا إلى المركز أم تفضل أن نلتقي هناك ؟".
-" أين هو المركز ؟ " .
-" أنه مركز شرطة المحيط" .
-" حسنا ..دعنا نلتقي هناك ..قرب المركز ..ولكن إن سبقتني في الوصول إليه إياك أن تدخله وإياها ، حتى أكون معكما " ..قلتها وأضعا إحتمال تاخري في زحمة المرور رغم إن المسافة إلى ذلك المركز أقرب الي منه خاصة وهو في طريقة إلى المنزل .
-" بالتأكيد ..إلى اللقاء ".
-" إلى اللقاء " ..أغلقت الخط ..نظرت إلى الساعة كانت الثالثة والنصف مساءا.. أسرعت إلى غرفتي ..غيرت هندامي ..أرتديت ما سقط نظري عليه اولا ..صففت شعري بسرعة...وقبل خروجي أعدت الرسالة من جديد إلى الصندوق واضعا إياه في خزانة ملابسي .
عندما خرجت من العمارة لمحت بطرف عيني العجوز خزعل ..لابد إن الفضول بدء ينمو داخله عن السر هرولتي إلى السيارة ..أدرت المحرك وتحركت مبتعدا عن أنظاره ، عندما وصلت قرب المركز ،أوقفت السيارة في مرآب خاص بقربه ..ترجلت بخفة منها ..و أحكمت غلقها .
أجريت إتصال مع مجدي، أخبرني إنه بانتظار ضيفة ..إنها تغير هندامها وسالي تساعدها في هذا ..كان الأجدر به الإتصال بسالي وإبلاغها بالأمر، لتهيئة ضيفة للخروج قبل وصوله إلى المنزل ..انه لا يستخدم عقله بصورة صحيحة أحيانا إلى درجة يجعلني أظنه أبله .
أنتظرتهما واقفا على الرصيف الأسمنتي ..كان الجو صحوا وكانت الشمس تارة تنحجب خلف غيوم بيضاء وتارة تخرج كاشفة عن جمالها المبهج للنفس مع نورها الذي مد جسدي شيء من الدفىء مع هبوب نسيم خفيف ..كان الوقت يمضى ببطأ شديد .
أجريت إتصالا جديد مع مجدي ...أعملني إنهما في الطريق إلي ..أغلقت الهاتف مفكرا ، ماذا سنفعل إذا ما أصرت الشرطة على الأحتفاظ بضيفة ؟..ماذا لو أن ضابط الشرطة ..صديق مجدي رأى ضيفة..سحر عينيها ..شعرها ..جسدها ..وكل خلية تملكها من الروعة تجعل من الصعب ان تبعد الأنظار عنها ..
ماذا لو أصر على الأخذ بالمسائل القانونية ..كان أمر صعب تخيله .. أذرعت المكان جيئا وذهابا باحثا عن وسيلة تبعد ضيفة عن الإنظار .. ..لم أكن واثقا إن كان اهلها من قدموا ذلك البلاغ ، لكن كنت متيقنا إن لم أقدمها إلى الشرطة فسوف تكون مخالفة قانونية وسأدخل السجن إن كشف الأمر .
كان صراع كبير في داخلي يدعوني إلى حسم الأمر إلا إن منبة سيارة إنتشلني منه ..وقعت أنظاري إلى سيارة فولوا السوداء ..كانت سيارة مجدي ،عدت بخطى كبيرة ..سريعة ..نحو المرآب الذي توجه إليه ، كانت عيناي حينها تبحث عن صاحبة الجمال ..وما أن أوقف سيارته وجدته يترجل منها بعد أن التفت إلى ضيفة التي كانت تجلس بجانبه في مقدمة السيارة ..كان كما لو أنه أخبرها بشيء .
-" مرحبا ..لا أظننا تاخرنا ؟" قالها ثم التفت كلا منا إلى ضيفة التي خرجت توا من السيارة ومع وطى قدميها الأرض ، هب نسيم بعثر شيء من خصال شعرها المربوط بشريط مطاطي ..نظرت إلى وقد طافت إبتسامة رائعة على ملامح وجهها الرائع ، كما لو إنها ترحب برؤيتي من جديد ....أقتربت مرتدية الكنزة الحمراء التي أشتريتها مع التنورة لكن سالي أعطتها حذاء طويل الساق أسود اللون ذو كعب عالي ، ليضيف إلى قوامها المثالي لمسة إضافية من الأناقة ...كان صعب علي إبعاد نظري عنها ..شعرت مع خطواتها نحوي بإضطراب شل تفكيري ..ربما أحمر وجهي ! ..رغم مرور ثلاثة إيام لم تراها عيناي بسبب إنشغالي ، إلا إن نسيان عينيها الساحرتين وملامح وجهها المثالي امر صعب ..شعرت بشيء من الإثارة تجتاح جسدي ..إنها أنثى جميلة ومن الصعب مقاومة هذا الفتنة التي تملكها ..أقتحم صوت مجدي يقطع سلسلة أفكاري قائلا بهمة" هيا إلى المركز ".
ضيفة بهيئتها الساحرة أمام ضابط الشرطة ..ربما يصدر أمر بنفيها إلى دار الرعاية ، حتى يجدوا أهلها ..وإن تصديت للأمر لا محال سأبيت في السجن ..بين تلك الأفكار السريعة لم أجد نفسي إلإ أنطق قائلا بصوت ملي بالتصميم " لا ..لن نذهب " ..كانت عينيي ما زالت معلقة في وجه ضيفة المبتسم .
زمجر مجدي " ماذا ؟ ..أي هراء تقوله يا بابل ! " .
تكلمت بجدية -" لن أدعها تدخل المركز ..فليس لديك ضمانة إن أصدر الضابط أمر بأخذها منا " .
-" أليس لديك ثقة بي يا بابل ! " .
-" بلى لدي ثقة فيك ..لكن ليس لدي ثقة بصديقك ..ولست مستعد لهذه المجازفة ".
-" أي مجازفة هذه ..بابل ..الفتاة لديها أهل وربما يبحثون عنها ..ربما هم من قدموا البلاغ ..كيف لك أن تمنع من عودتها إليهم ..أنا لم أعد أفهمك ! " ..وكذلك أنا لم أعد أفهم نفسي ، وكأن هناك قوى بداخلي تتكلم عوض عني ليزمني شعور إن جسدي أنتفض من رقاد أعوام مضت ! .
-" أسمعني جيدا يا مجدي ..هناك وسيلة أخرى يمكن أن نتلافى دخول ضيفة ذلك المكان .." شعرت إن المركز ليس للشرطة وأنما هاوية نحو منحدر يكاد يفصلني عنها ! .." ..يمكن أن نتعرف عن الفتاة المقصودة في البلاغ بمعرفة صفاتها ...إن كانت مطابقة لصفات ضيفة ..من حيث لون الشعر وقوامة الجسد ..والعيون والبشرة ونقاط كثيرة ..عندها نطمئن إنها المقصودة ..وإن لم يكن ..فليست هي " ..قلتها بصوت يميل إلى إجراء مناقشة يمكن أن تخرج بقناعة الراي .
-" ربما أنت محق ، لكن لا أتفق معك أن لا نقدم بلاغ العثور عليها ..فكلما تاخرنا كلما كان سيء لنا ..وربما ستكون جريمة يحسبها القانون بسبب صمتنا " ..قالها بعد أن هدأ إنفعاله محاولا إتخاذ وسائل دبلوماسية لجعلي أعدل عن قراري .
-" لا ..سنظل على وتيرة معرفة وجود بلاغ ما ، حتى نعثر على أهلها دون تعريضها إلى هكذا أماكن ..مخيفة وخطرة لأي فتاة ".
-" بابل ..كفاك تهور ..هيا بنا " ..قال عبارته الاخيرة بعد أن يئس من إقناعي وهو يلوح إلى ضيفة في مرافقته ..كانت حينها تنظر بعينين مليئة بالحيرة ،كأنها تجهل عما نتناقش به ..أو نتنازع عليه .
وما أن خطت خطوتها التي أمرها مجدي ، حتى شعرت إن دماء بدأت تغلي في داخلي ،كأن أسد عملاق نهض من سباته .
-" لا ..لن تذهب معك .." زمجرت لحد جعله يخرس عن أي كلمة يمكن تعارضني ..ألتفت إلى ضيفة قائلا بنبرة أمرة " تعالي من هنا " .,ثم اندفعت كالريح امسك ذراعها واسير باتجاه سيارتي .
كانت سيارتي واقفة في الجهة المقابلة لسيارة مجدي ..كانت خطواتي سريعة في حين كانت ضيفة تسير بخطوات مترددة ..لكن في النهاية كانت راضخة لأمري فكل ما أردته هو إدخالها سيارتي حتى أشعر بالأمان ! ..هل أصابني الجنون! ..أم كنت متاثر بأفلام الحركة !.
أخرجت مفتاح السيارة بخفة ..فتحت الباب المجاور لمقعد السائق قائلا بصوت منفعل
-" أركبي بسرعة " ..طاوعتني بهدوء ..وما أن أستقرت على مقعدها حتى أغلقت الباب بعد أن أحكمت قفلها ..أسرعت إلى مقعدي لكن مجدي أوقفني .. كانت الصدمة على ملامح وجهه قائلا " ماذا تفعل يا بابل !" .
أجبته بصوت بارد " كما تراني ..أبعدها عن هنا " .
-" بابل ..أنت تعرض نفسك للخطر ..أنه امر مخالف للقانون ! " ..كان صوته هادئا ...واعضا ..صادقا ..لكني لم أحمله بجدية ..لم أبالي إن عرضت نفسي لمحاكمة قانونية ..لم أنظر إلى عواقب ما أفعله ..فكل ما اردته سلامة تلك الفتاة من العبث ..ولن تكون بهذا الحال ..إلا أن تكون معي ..تحت أنظاري !
-" أعلم هذا ..لكن ليس لدي خيار أخر ..لا أستطيع المجازفة بهذا الشكل ..لابد من وجود حلا أخر ".
-" أرجوك لا تتهور ..فأنت أبن عمي وتعرضك للخطر أمر مرفوض لدي حتى وإن كان لمصلحة شخص أخر " .
-" اذن لابد من وجود حلا أخر ..وسأعثر عليه "..أجبته متجه نحو باب سيارتي ..فتحتها بسرعة وأندفعت إلى داخلها ..سمعت مجدي يناديني لكني لم أجبه ...أنطلقت تاركا إياه خلفي وعلامة الذهول مرسومة على خارطة وجهه اليافع .

(جنون )

بين الجنون والعقل خيط واحد ..إذا أنقطع ..أنقطع معه وجودك في العالم وربما هذا ما أوشكت عليه ..أو ما عقدت العزم على تقمصه ..فالحياة تعطي خيارت صعبة ولا يمكن تجاهل إحداها ..فكل منها يؤدي لى هاوية ما ..نحو منحدر ..أو قاع بحر ..وفي النهاية ينتهي كل شيء ..فتغدو الحياة فارغة دون أي فحوى لنبضة قلب أو شهيق واحد .
أنطلقت قائدا سياراتي بسرعة كادت أن تتجاوز 120 كيلومتر في الساعة لولا تشبث ضيفة بمقعدها معربة عن خوفها أزاء سرعة قد تؤدي بنا إلى حادث .
كنت أدرك إني فقدت زمام الأمور، وغدوت كالمجنون بإتخاذي هكذا قرار ..لكن بالرغم من هذا شعرت براحة تغمرني ..راحة لم أعهدها من قبل ..كان الأمر يستحق هذا ..يستحق هذه الحركة الجنونية ..يستحق هذا الإندفاع المتهور ..يستحق أن أعرف حقيقة التي تجاورني في جلستها ..إن كانت بشرية أم أشباهها ..علي أن اقبل أي شيء لا منطقي الأن ..لأني ببساطة غدوت دون منطق يقودني ..سنوات حياتي تربيت على مبدء ومفهوم واحد ..الحقيقة ..دون غطاء....دون أكاذيب ودون هلوسات ، لكن الأن أختلف الامر ..هناك أمور تفرض نفسها علي وتكشف أذرعها لي ..تدعوني إلى دخول عالم أخر ..عالم لم أدرك وجوده ..عالم عرفه جدي من قبل ..ولمسته أمي من أطرافها ..لكنه عالم يقحمني فيه عنوة عني ..لذا كان علي تقبل احد خياريه ..أما مقاومته بكل ما لدي من قوة ..وهذا يعني تقبل الأمر الواقع بكل شروطه ..تقبل إبتعاد ضيفة وتعريضها لأشخاص غرباء ، مجهولين النوايا ..فتأخذ حياتها مسار أخر..مسار بعيد عني .
أوأتخاذ خيار أخر ..خيار أوصاني جدي به ..خيار أعتبر ضيفة فيه مفتاح لمسالة معقدة تؤدي إلى خطر كبير على البشر ..و بالرغم من لا منطقيته ، إلا أني حسمت أمري على السير فيه ، بخطى حثيثة للوصول إلى حقائق مخبئة تحت أجنحة المجهول .
عندما وصلت إلى العمارة ، أوقفت السيارة في مكانها المعتاد ..خرجت ضيفة بخطا مرتبكة ، ربما شعرت بشيء من الدوار من أثر قيادتي المتهورة .
كانت نظرات العجوز خزعل تراقبنا والفضول يملئها ..لم تعد نظراته أهمية لي أو أحسب لها حسبان بعد الأن ..فانا أملك حريتي الشخصية ..هذا ما كنت أردده مع نفسي وأنا أخطو إلى الداخل ..حاولت التوجه إلى السلالم لكن ضيفة بدت مجهدة وكأن ضغط كبير كانت تواجه ..فلم أجد غير المصعد طريقة أسرع للوصول إلى شقتي " لنستقل المصعد " ..قلتها بصوت متردد ...سارت بخطوات بطيئة محاذية لي ..وما أن دخلنا المصعد حتى شعرت إن قلبي بدء يخفق سريعا ،أكره بشده الأماكن المغلقة ..إنها تجعلني مضطرب ...قلق ..ضغطت على زر رقم ثلاثة فور دخولنا وأغلقت الباب ..وما أن أحكم غلق الباب بشكل ألي حتى شعرت بصعوبة التنفس ..فقدت الأحساس بالأشياء والأشخاص حولي ..فكل ما رغبته تحطيم الباب والخروج بسرعة ، لكن فجاءه تهاوى شيء ما على أحد كتفي ، فلم أجد نفسي غير التحرك بشكل غريزي لمسكه بعد أن أستدرت نحوه...كانت ضيفة قد فقدت الوعي وعلى وشك السقوط أرضا ! ..هذا ما كان ينقصي في هكذا مكان محكم الأغلاق! .
أمسكت ذراعيها بخفة لكن الأمر لم يطل حتى حملتها ...مضت ثواني طويلة حتى توقف المصعد ..أنتبهت إلى شعرها الذي لأمس الأرض ..وبحركة سريعة رفعته ، ممكسا به من منتصفه ...أمر ممتاز ..ذراعاي تحملها ويداي تمسك شعرها الطويل ..هل ينقص شيء أخر !
دفعت باب المصعد بقدمي ..أسرعت نحو باب شقتي ..كانت ضيفة خائرة القوى كليا ..والأن كيف لي إخراج المفتاح من جيب بنطلوني ! ..كان أمر بغاية التعقيد ! ..أتكأت بصدري إلى باب الشقة جاعلا ضيفة تتوسطنا ..وبهذا ساعدني ضيق المسافة في تحريك يدي بخفة نحو جيب البنطلون لإخراج المفتاح! .
ما أن لمست أصابعي المفتاح حتى أخرجته بخفة، ثم أعدت ذراعي لتعاون الأخرى في حمل ضيفة التي ظهر الشحوب على وجهها بشكل أدخل قلبي القلق من جديد.
أدرت المفتاح بصعوبة وما هي برهة حتى فتح الباب ..بخطا سريعة دخلت إلى الشقة ..رغم الستائرالمنسدلة والإضاءة الخافته ، إلا اني أستطعت تميز مكان الكنبة ، توجهت نحوها وبهدوء تركت ضيفة ترقد عليها ..بسرعة اتجهت إلى المطبخ .,لجلب الماء ..كان البراد أقرب إلي من صنبور المياة..فتحته..وجدت قنينة مملوءه ،أخرجتها وبخطى مهرولة ، عدت إلى حجرة الجلوس...سكبت كمية بسيطة من المياة على راحة يدي ثم قمت برشها على شكل قطرات دقيقة على وجهها مناديا إياها بصوت خافت ..لكنها لم تفق !..سكبت كمية أخرى مسدت وجهها به ..فتبلل بشكل كامل حتى أنه لامس شفتيها اللتين كانت شبه مغلقه ..فتحت عينيها ببطأ محدقة في وجهي ثم إلى قنينة المياة ..قرأت من نظراتها إنها بحاجة إلى شرب الماء ..ربما هي ظمأة ! .
كانت وسادة الكنبة تحتظن راسها ، فلم تكن بحاجة لرفعه .. قربت القنينة من شفتيها الذابلتين ..أخذت تشرب ببطأ شيء فشيء ..مضت ثواني معدودة حتى أصبحت المياة إلى منتصف القنينة ..حركت رأسها مشيرة بالاكتفاء ، فأبعدت القنينة .
-" أنا أسف ..ما كان علي القيادة بسرعة "
أظهرت إبتسامة خفيفة ..كنت لا أرغب إبعاد نظري عنها ، لكن هناك شيء عالق لم أفعله مع إنشغالي بفقدانها الوعي ..الباب ..كان ما زال بإنتظاري لأغلقه ..وما أن إبتعدت خطوات عن أنظارها، هاما بغلاق الباب ، حتى طرق مسمعي صوت سنفونيا ..هادى بشكل لا يصدق ..رقيق كنسمة ريح ..جذاب بما تحمل الكلمة من معنى ..كان صوت مخملي يناديني
" بابل " .
هل كنت أتخيل هذا أم أنها حقيقة ..ألتفت إلى ضيفة دافعا الباب لمصراعة يغلق صادرا زمجرة خفيفة ..خطوت بإتجاهها خطوتين..أصبحت أمامها ..تعلقت عيني بعينيها الزرقاء المشمستين ..كانت ما تزال محتفظة بإبتسامتها الساحرة في الوقت الذي أمتلات كل خلية في جسمي حيرة ، حتى طغت على ملامح وجهي وكأن علامة الأستفهام في مخيلتي عنها لا تكفي لتزداد حجما مع هذا الصوت ..
-" شكرا " ..لم أكن أتخيل هذا بل شاهدت شفتيها تتحرك بهدوء ناطقة بهذه الكلمة ! ..ما زال الأمر غريب بل إن صدمة كبيرة شلت تفكيري ..وكأن موجة كهرومغناطسية أجتاحت رادارات عقلي جاعلة منه يتوقف للحظة يعيد صياغة الحقيقة من جديد ..تابعت بصوت عذب ..رقيق ".. كان نبل منك مساعدتي " .
-" أ ..أ ..أ..أنت تتتكلمين !" ..خرج حرف اللألف والتاء ليفضح الصدمة التي أصابتني .
-" أظن هذا ! " أجابت بصوت مبتسم ثم بادرت النهوض شيء فشيء لتأخذ هيئة الجلوس متكئة على الكنبة مادة ساقيها على السجادة .
-" كيف هذا ؟" ..كنت بحاجة إلى وقت غير قصير لإستعاب هذا ، لكن الفضول أمتلأني منذ معرفتي بها و فاض عن حد المعقول في تلك اللحظة .
-" الماء...أظنه مبارك " ..أجابت تنظر نحو القنينة التي وضعتها على الطاولة .
رفعت القنينة اقلبها لعلي أعرف أسم الشركة التي قامت بتعبئة هكذا مياة مباركة كما أدعت ، فجاءة تذكرت شيء غفلت عنه ..أو نسيته بعد لقاءي الصادف لضيفة ..إنها قنينة مليئة بمياة بئر زمزم كانت دكتورة سميرة أعطتني إياها بعد قدومها من العمرة ..إنها بالفعل مياة مباركة وقد أشفت الكثير من الناس على سطح المعمورة .
-" شيء مذهل ..إنها معجزة ..لقد تكلمتي ! ..ربما عندما يعلمون اهلك سوف يحلقون من الفرح " قلتها وإبتسامة عريضة تطوف على وجهي المليء بالدهشة ..
تلاشت إبتسامتها شيء فشيء ليحل محلها شيء من الحزن ! .وهي تقول -" مهلا يا بابل ..لا تستبق بالأمور كثيرا " ..
أستعضتُ الإبتسامة الكبيرة على وجهي بملامح متسائلة وبادرتها متسألا بصوت متحمس" من أنت ..وما هي قصتك ؟" .
تنهدت ثم اجابت بصوت يملئة الحزن " أنا غريبة ..فتاة بحاجة لمن تثق به وقد وجدته ..هو أنت ..هذه هي قصتي ببساطة " ..
- " لكني لا أستطيع الإكتفاء بتلك البساطة ..هناك أسئلة كثيرة في عقلي بحاجة إلى أجوبة ..من أنت ..من تكوني ..كيف أنتهى الأمر بكِ ملقية أسفل النخلة ..و .." ..قلتها وأنا اجلس على الكنبة المقابلة لها ..وكأني أهيء نفسي للجلوس مريحا كي أسمع القصة التي ستسردها لي مجيبة على كل أسئلتي التي باتت ملحة بشكل فظيع في عقلي المسكين .
-" أرجوك لا تسال ..لان هذا ليس جيدا لك ..فكل جواب يقود إلى مئة سؤال يمكن أن يتردد في عقلك البشري ..وهذا مضرا ..وأنا لا أرتضي لنفسي بأذيتك ..خاصة بعد أن قدمت يد العون لي " .
جوابها كان غريبا لحد الفضول من أسلوبها وأستخدامها مصطلح العقل البشري..كانت المسالة بحاجة إلى إيضاح .. ولم اكن ارغب في أرغامها على قول شيء لا تود اطلاعي عليه ... كان من حقي معرفة من هي شريكتي في الجلسة ..إلأ إنه ليس من عادتي أخذ الشيء عنوة من الأخرين، حتى وإن كان لي الحق فيه .
عملت خلايا عقلي بسرعة فائقة عن المعتاد ..كيف يمكن جعلها تجيب دون ممارسة أي ضغط ما ..وفجاءة قفزت صورة الصندوق في أفكاري ..ربما لديها علم به ..ربما هي المعنية في هذه الرسالة التي يضمها .
" لحظة وسأعود " ..قلتها ناهضا بخفة ... توجهت إلى غرفتي ..فتحت خزانتي ..أخرجت الصندوق ، ثم عدت إلى حجرة الجلوس ، حاملا إياه بين يدي ..وضعته على الطاولة ، امام نصب عينيها
-" أنه صندوق ورثته من جدي ..يمكنك فتحه ".
شردت لثواني ..ثم أجابت بصوت هادى جاد" لا أستطيع فتحه ".
ربما لا تعرف كيف تفتح صندوق كما لم تستطيع فتح باب السيارة من قبل " حسنا ! ..سأفتحه أنا "
أدرت الصندوق ناحيتي ثم فتحته ..أخرجت الرسالة التي يظمها ..فتحت طياتها حتى أصبحت جاهزة للقراءة ...
-" هل تستطعين قراتها ؟" ..سألتها عارضا الرسالة لتتناولها بيديها الناعمتين, لكنها لم تحرك ساكنة ! .
أجابت " لا أستطيع " .
-" لا تستطيعين ! ...لا تستطيعين مسكها أم قرأتها !"..سألتها بصوت يملئه شيء من نفاذ الصبر وقد ظهرت المفاجئة على وجهي من جديد ! ..هل تصرفها يعني ، إنها غير مبالية أم إنها لا تستطيع القرأءة ..كان التوقع الثاني أكثر حضورا ، لأني تذكرت إنها لا تعرف الكتابة ..حتى إنها لا تعرف كيف تمسك القلم ! ...شعور الأسف عليها هدأ الغضب الذي أعتراني ، إلا أني أستطردتها متسائلا
-" لماذا لا تستطيعين مسكها ! "
ألقت نظرة سريعة على الرسالة ثم عادت تنظر إلى عيني وهي محافظة على صفاء ملامحها قائلة " انها محرزة " . ..كانت محقة ..فكل كلمة تنطقها تفتح عدة أبواب لأسئلة كثيرة تغزو رأسي بإندفاع مسلح قوي .
-" محرزة ! " .
-" السطر الأول من الرسالة ، حرز يمنعني من لمسها " ..كان صوتها هادى جدا ..نظرت إلى فحوى الرسالة وبالتحديد السطر الأول... حيث الأحرف غريبة.
سالتها مفترضا " هل تخشين أن تتحول الرسالة إلى رماد إن أمسكتي بها ؟".
-" لا ..بل ستحرق يداي " ...جملتها أوشكت على صعقي ... لم اعد أفهم شيء ! ..كنت على حافة الجنون .
-" من أنتِ !"
أشاحت وجهها عني لحظات خلتها وقت طويل ، ثم عادت تنظر إلي بعينين ساكنتين وكأن المياة الزرقاء في داخلهما هدءت ، لتصبح أكثر صفاء وهي ممتزجة بشكل مرتب مع خيوطها الذهبية .
أجبتني " انا هي الطريدة التي قصدها جدك في رسالته " ..كنت في تركيز كبير مع كل كلمة تقولها ..إن تكون هي الطريدة أعتراف جيد ..يشير إلى حقيقة تقدمي لخطوة مسك خيط الأحجية .
-" كيف لي التأكد إنك هي وليست غيرك "
-" الحرز كتب بلغتي وقد ذكر أسمي فيه "..كان جواب لم أستطع التأكد منه ، إلا أن الفضول دفعني إلى إتجاه أخر " هل أنت روح تلبست بجسد فتاة ؟"..سألتها بتردد ، ولم أصدق كيف عقلي خضع بعيدا عن المنطق بهذه السهولة !.
-" لا ..بل تحولت إلى هيئة فتاة بشرية" ..ما زالت محتفظة بهدوءها ، كأنها أعادت التفكير في مسالة الأفصاح عن حقيقتها .
-" تحولتي ! ..وهل من فرق بين التحول والتلبس !"..سؤال غبي عرفت جوبه بعد أن نطقت به ..فالتحول هو شيء يصير إلى شيء أخر من مكنونات ذاته ..لكن التلبس هو إضافة الشيء إلى شيء أخر.
-" نعم ..التحول هو جزء من طبيعتنا وهو أمر مسموح ..لكن التلبس أمر محظورعلينا " .
بلعت ريقي بصعوبة ثم سألتها بصوت خافت ملأه التردد " من أي عالم أنتِ ؟ ".
صمتت لحظات ..زمت شفتيها بحيرة.. بدت مترددة في الجواب ..أرتعشت عينيها لثانية بسيطة.. تنهدت بعمق ..ثم التقت عينيها من جديد بعيني المنتظرة للجواب ..جاء صوتها هامسا ..هادئا ..مترقبا ..قائلا "عالم الجن".

نهاية الفصل

um soso 06-04-19 01:37 PM

واخيرا كشفنا اول الخيط

ضيفه جنيه .. وليست بشريه

ياسلام شي عظيم

وبابل المسكين تورط مع جنيه

بانتظار كشف المزيد


Riham** 09-04-19 06:49 PM

كده الحكاية احلوت 💕💕

عيون الرشا 18-04-19 07:24 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة um soso (المشاركة 14129329)
واخيرا كشفنا اول الخيط

ضيفه جنيه .. وليست بشريه

ياسلام شي عظيم

وبابل المسكين تورط مع جنيه

بانتظار كشف المزيد


وضعه لا يحسد

متابعة طيبة مع التكلمة

عيون الرشا 18-04-19 07:24 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة riham** (المشاركة 14136788)
كده الحكاية احلوت 💕💕

منورة

متابعة طيبة مع التكملة

عيون الرشا 18-04-19 07:26 PM


الكتاب الثالث





عالم اخر

اذكر عندما كنت صغيرا كانت جدتي (سليمة ) والدة أبي رحمها الله تسرد لي قصص مخيفة عن شخصية تريد بها أن تحذرني من عدم الإبتعاد عن البيت ، كي لا أختطف من ( سعلوة ) تطمع في جعلي وجبة طعام لها ..أو من أشباح تريد الفتك بي إن خالفت الأوامر ..فبت مطيعا أصدقها ببرائة الأطفال وسذاجتها ، وهذا بدوره أنمى مشاعر الخوف في البقاء وحيدا في مكان مغلق ..مظلم ..ونمى الأحساس مع نموي ليصبح طبيعة تندمج مع كل مشاعر المراهقة والشباب .. فوبيا الأماكن المغلقة عند البعض هو أمر مضحك ..لكن بالنسبة لي أمر..مخيفا.. مقزز ..حتى إني كنت أكره نفسي أحيانا بسبب الضعف الذي أشعره في هكذا مواقف .
كنت أحيانا أجد خوفي غير منطقي ..وكثيرا ما أحدث نفسي قائلا " لمَ الخوف ..ليس من هناك شيء يدعوا إلى هذا الإحساس " ..لكني لم أنجح في الأمر كثيرا إلا بعد قرأءة عدة سور قرانية تدخل نفسي الطمأنينة ..ومن ضمنها سورة الجن ..انا أومن بالله وبرسوله وبالكتاب المنزل عليه وبكل كلمة فيه ..والجن حقيقة موجوده لكن في عالم أخر ..ولا أنكر إن مخاوفي منه كبيرة ..كنت أحيانا أتسأل نفسي ..هل عالمهم مقترن مع عالمنا ..فكثيرا ما سمعت حوادث عن الجن ..وإن هناك أناس رأو الجن بهيئات مختلفة ..أقزام ..رجال فارعي الطول ،لديهم أقدام حيوانات ..ومنهم من يتلبس البشر ، فراح يؤذيه و يقوده إلى أبواب العرافين ...سحرة كانوا أم أصحاب الخير .
عندما يأتي ذكر هذا العالم أمامي تحتل مخيلتي صورة سوداء مضببة ..عالم مجهول وله أسرار كثيرة ولا رغبة لدي في معرفة شيء منه .
كنت أتجاهله قدر المستطاع ..لكن جواب ضيفة الذي كان عبارتين "عالم الجن " ..جعلتني مصعوقا وربما فتحت فاهي من الدهشة ، ..أمعقول إن هذه الفتاة على هيئة ملائكية ان تكون جنية ! ..أليس من المفترض أن أشعر بالذعر وافر هاربا ! ..لا أنكر الرعشة التي ملئت أوصالي وحواسي في بدء الأمر، لكني حاولت الإحتفاظ بشيء من الكرامة ..فما عساها قول إن شاهدت شاب أمامها يفر والفزع يمله ! ..كان جوابها شتت ذهني ..وشطر أفكاري إلى شطرين .
الأول كان يقول إن علي الهروب إن كنت ذكيا ..كنت أعلم ان جدي يتحدث في رسالته عن عالم أخر.
أما الشطر الثاني فهو كرامتي كرجل يأبى الخشية من فتاة ..خاصة إنها لم تظهر شيء مخيف ..لم تكن سعلوة تود أكلي ..أو أمراة ترتدي هندام أسود ، بشعر مشعث ، ولها قرنان في رأسها ....هذه هي الصورة التي كونتها عن الجن منذ صغري .
بل كانت ضيفة ..جسد فاتن ..بشرة قطنية ..شعر أشقر ثلجي يغطي كامل ظهرها ..ملامح وجه برئ.. عينين زرقاء ذات أنصاف أقطارعسلية وأهداب طويلة ..كانت أية من الجمال تجسدت على هيئة بشرية ..كيف لي الهروب منها وهي تملك صوت سنفونيا هادى أدخل قلبي الطمأنينة ..ربما كان هو السبب في جعلي أتسمر في مكاني دون النهوض هاربا ..فكلمة الجن التي خرجت بصوتها جعل تاثيرالخوف أقل مما يمكن تصوره لو خرجت بصوت أخر .
-" يبدو إن جدك كان له علم بقدومي ! ...فحصنك بحرز عظيم الشأن ..يكون لك سلاح مما قد يصادفك من شرار الجن "..مازال صوتها هادئ .
-" وهل أنتِ منهم ؟" ..كنت قد أخذت قرار سريع وربما متهورا ..قرار المكوث وتكملة الطريق الذي تنبأ لي جدي به ..فالفرار ..سيكون له عواقب وخيمة .يرتد على نفسي وعلى الأخرين ربما ..لم أكن واثق كامل الثقة ، لكن وجود ضيفة ..الجنية ...جعل من الواقع الذي أعيشه حقيقة كنت مغمض العينين عنها ..دون إرادة ..دون وعي .
-" لا ..لستُ شريرة .." ..نهضت ..فأرتعدت أوصالي من جديد ونشف لساني ..لم أتجرء بمد يدي إلى قنينة ماء زمزم ، لأرتشف جرعة واحدة ،لعلها تسد الظمأ الذي شعرته ..كانت خطواتها تتجه نحوي لكن عينيها محدق إلى اللوحة ..لوحة بوريس ..السيدة الجالسة على كرسيها ، تحمل مسدس في إحدى يديها وتحت قدميها جثتين هامدتين لرجلين يحملان مسدس أيضا "..نحن الجن ..مثلكم ..أنتم البشر..فينا من يتبع التعاليم السماوية ..فيكون الخير ..وفينا من يخالفها ..فيكون الشر... لست كتلك المرأة .." ..كانت تشير إلى السيدة في اللوحة " ...لست شريرة ..هل تصدقني ؟" ..قالتها وهي تعيد نظرها لتتعلق بعيني ..كانت ملامح وجهها كاملة البرأئة .
ألتزمت الصمت ..لم يكن لدي جواب .
-" لا أضمر نية شر لك ولأي بشري كان ...أنا من قوم أخيار الجن ..إضطررت التحول إلى عالمك لظروف أكبر من قدرتي على مواجهتها ..فهل ستساعدني كما طلب جدك ..يا بابل ؟"..كان صوتها دافئا مع نطق أسمي ..كان أجمل صوت سمعته في حياتي ...كنت واثقا لو ملكت قوة جبارة لما أستطعت مقاومته... فنطقت مستسلم ..راغبا بشدة
" نعم .."... موكدا.. " ...سأساعدك " كنت أجهل كيف لي تقديم العون لها ..وأنا بشري ضعيف يخشى الاماكن المغلقة ..وربما يخشى ظله أيضا ! .
-" ممتاز ..قد أخذت العهد منك " ..قالتها ، ثم فجأءة أنتفض جسدها بحيوية مدهشة وإبتسامة عريضة زينت ملامح وجهها الرائع ..بدت كطفلة سعيدة بوعد شراء دمية لها ! ..لم تعد فتاة هادئة الملامح ..منطوية بل كانت مليئة بالحياة
-" لابد إنك جائع ..الوقت قارب على المغيب ولا أظنك ادخلت شيء في معدتك .." .
-"صحيح .." ثقل أفكاري أنساني وجبة الغداء ..ولا عجب إن فقدت الوزن شيء فشيء .." هل أنتِ بخير ! ..تبدين مختلفة ، مليئة بالنشاط !"
أبتسمت تجيب" لاني لست خائفة فعهدك لي مدني بالامان "..لم أفهم ما قصدته ! تابعت " دعني أفكر ماذا اعد لك ؟" ..تسألت وقد وضعت أنملة سبابة إحدى يديها بين شفتيها محدقة أنظارها إلى السقف ..أظنها تستعرض قائمة طعام في مخيلتها ! ...قائمة طعام خاصة بعالمها ! ..عالم الجن ! ..يالبرودة عصابي !
-"ما رايكِ في أصابع بطاطا مقلية ..مع معكرونة ..هل يمكنك إعدادهما بطريقة بشرية !" ..هذا ما كان لدي في خزانة الطعام ..فلم أتسوق منذ أسبوع ..منذ دخولها عالمي والفوضى عمت على يديها الناعمتين .
أنحنت برأسها مقطبة حاجبيها بشكل عبوس ونظرت لي من تحت أهداب عينيها الرائعتين ..ذكرتني بطريقة رنين عندما أخذلها في شيء ..ولكن هل خذلت ضيفة لتنظر لي بهذا الشكل المدهش رغم مظهرها المضحك !
-" لا أنوي إعداد طعام خاص بعالمي فهو غير مناسب لك " ولست مناسب له أيضا..كان أمر جيد .." ..كذلك عالمك يفتقر لمكونات الطعام " ..قالتها بصوت يملئه الإستهزاء ،و رافق نظرة عينها شيء من بريق الغرور ..كانت تهين عالمي ! ...وأمامي ! ..هل أصبح عالم الجن أفضل من عالم البشر ! ..يالسخرية ! .
-" حسنا ..لنرى كيف تجيدين إعداد الطعام الخاص بعالمي " ..قلتها بصوت ملئ بالصقيع وقد رفعت أحد حاجبي ..أنه التحدي !..فمرحبا به ! .
-"سنرى " أجابت بصوت غير مكترث ، وبخفة إستدارت إلى المطبخ ..سارت بخطا رشيقة ..تبعتها ..
كانت هي تفتح الخزانة وتمعن النظر إليها ..لكن مع أول خطوة لقدمي إلى داخل المطبخ أستدارت نحوي رافعة إحد ذراعيها بشكل مستقيم مشيرة إلى قف مكانك
-" لا تدخل ..من فضلك " قالتها وقد رسمت على وجهها الملائكي إبتسامة مصطنعة، كانت تعلم أنه التحدي في إظهار قدرتها على إعداد طعام صالح لأكل بشري مثلي ! .
-" لماذا ! " ..المطبخ مطبخي وهي تمنعني ! .
-" مممممم..هكذا أفضل " مازالت محتفظة بإبتسامتها الماكرة..متى تعلمت التكلم بهذا الشكل ومتى تدربت على تسخير ملامح وجهها القاطع للأنفاس على إداء إبتسامات مختلفة ! .
-" حسنا ..لديك نصف ساعة لإعداد الطعام ..وإن لم تنجحي سنضطر إلى أكل دجاج مشوي " ..حمدتُ الله على وجود ذلك الطعام الجاهز الذي يبيعه العجوز خزعل .
- " لن تضطر إلى هذا " ..كان صوتها واثقا...مغرورة !
عدت إدراجي إلى غرفة الجلوس ..جلست على الكنبة .. كان لدي قائمة كبيرة من الأسئلة عن عاملها وعن رسالة جدي ، حاولت ترتيبها في مخيلتي ، إلا أني لم أفلح . ..كان لابد من قتل الوقت بشئ أخر ...وببرودة أعصاب وكأن حقيقة ضيفة لم تغير شيء من واقعي ،ذهبت إلى غرفتي حيث جهاز الكومبيوتر ..أجريت إتصال بالشبكة العنكبوتية ..أبحاث جديدة عن الهندسة الوراثية ..تسخير أنواع من البكتريا لشفاء الكثير من الأمراض ..وشيء فشيء أندمجت في ذلك العالم الغريب بمعلوماته المدهشة غافلني من الوراء صوت رقيق هادى ..بالتاكيد كانت ضيفة !
-" الطعام جاهز " ..نظرت إلى ساعة الكومبيوتر، لم تمضي خمس وعشرين دقيقة على تركي إياها في المطبخ ..أقصد على طردي من قبلها ..هل اعدت الطعام فعلا !
نهضت من كرسي ، كانت أنظارها محدقة نحو شاشة الحاسوب ..لا أظنها تعرف هكذه تقنية في عالمها ..شيء مبهج !
لم أفكر في خوض ألامر معها ..ذلك لشعور الجوع الذي بدء كنملة تزحف في معدتي جاعلة منها تثور علي ..توجهت إلى المطبخ وكان تخميني إنها لم تعد الطعام بشكل ممتاز ..فمتى هي تعلمت إعداده !..وأي سرعة تم طبخه !..الفوز لي والخسارة لها .
كنت أخفي ضحكة ساخرة في أعماقي ، كادت تطفو على وجهي لكنها سرعان من تلأشت مع دخول المطبخ ..حيث مائدة الطعام ذات السطح البلوري المعده لشخصين فقط ..كان هناك طبقين قريبين من كل كرسي ..طبق لأصابع بطاطا مقلية ، محمصة بشكل ممتاز ..والأخر لمعكرونة حلزونية صغيرة حمراء اللون ..إنها الطريقة التي أفضلها !
توسط المائدة طبق من قطع البندورة مرتبة بشكل لذيذ وطبق أخر وضع عليه الرغيف..وبالقرب منه كانت قنينة الصاص والمايونيز وقدحان من الماء! ..متى تعلمت كل هذا ! ..إنها سريعة جدا ! .
-" ما رأيك ؟ " ..قالتها مبتعدة عني ، مقتربة من المائدة .. أمسكت أحد الكرسيين من مسند الظهر..نظرت نحوي بابتسامة كلها زهو وفخر ..نظرة الفائز ! .
-" لا يمكن أن أبدي راي دون تذوق الطعام " ..كانت مكابرة مني ..بل أنانية ! ..هل من السهولة أن يمتلك الشخص روح رياضية لتقبل الخسارة ...حركت الكرسي من مسندة كدعوة لي في الجلوس ..حركة متى تعلمتها ! ...كانت مبادرة لطيفة ! ..لا بل ساخرة ..كانت واثقة من الفوز !
-" الأنسات اولا "..قلتها مبتسم مقتربا من الكرسي الأخر..أزحته من مكانه إلى الخارج ..كان تصرفي لبقا !..تمايلت هي بخطى مليئة بالجاذبية ..أقتربت مني ثم أستدرات جالسة بإنسيابية مدهشة ..أزاحت شعرها المربوط بحبل مطاطي إلى خارج الكرسي كي لا يعيقها عن الإتكاء ..لكن أطرافه لامست الارض !..هل تتعمد إغرائي ! ..أم إنها عفوية بتصرفها ! ..
أنحنيت محاولا رفعه لكنها بخفة أستدارت جاعلتا من شعرها يلامس وجهي ..من جديد ..عطره يأخذ الأنفاس ..مرج أخضر وزهور برية ..مشهد شعرت به من قبل ..بل وجدت نفسي فيه ..بصورة حية ..في تلك الليلة الإستثنائية ! ...لكنه هذه المرة كان سريعا ..خاطفا ..لحظات وعدت إلى الواقع ..سمعتها تقول "أوه ..أنا اسفة يا بابل ..دعك منه ..سأجد طريقة لتلافي حدوث هذا من جديد " ..لم أفكر فتح موضوع تلك المشاهد التي تعتريني عند لمسها ، فأجلته إلى وقت أخر ..وقت يمكن أستدرج منها الأجوبة لكل الأسئلة العالقة ، لكن فكرت فيما قالته ..هل تنوي قص شعرها !
-" لا تفكر في الأمر ..أمر نهائي لا رجعة فيه " ..قلتها متوجها إلى كرسي .
-" أي أمر ؟"..سألت بعفوية
-" التخلص منه بالقص ..الشعر الطويل هو الأجمل دوما .. هناك طرق كثيرة في ربطه بشكل لا يعيقك ".
-" حقا ! " قالتها مبتسمة ..معلومة لم تصلها من قبل ..أو لا توجد في عالمها ! .
-" بسم الله الرحمن الرحيم " قلتها ممسكا الشوكة ..لكن شيء سريع إجتاح تفكيري ..لفظ الجلالة ..هل سيجعلها تبتعد عني عدة أمتار ! ..هذا ما سمعته من قبل الكثير من الناس ..إن لفظ الجلالة يجعل الجن يبتعدون عن الأنس مسافة أمتار ..بسرعة رفعت أنظاري إلى وجهها لعلي أستطيع قراءة تعبيره ..كانت عينيها ساكنة معلقة في عيناي وملامح وجهها هادئة ..
-" هل من سوء ! "..لا يمكن قول أسف على ترديد الجملة ، لكن كان علي الإنتباه في ترديدها بصوت خافت كي لا يصل إلى مسمعها .
-" لا .." أجابت مظهره إبتسامة خافته .
-" هل صحيح إنكم ..عندما نردد اسم الله تبتعدون عدة خطوات ..أوأمتار عنا...نحن البشر ؟"
-" لا ..ليس صحيح ...وإنما عندما ترددوها يصبح حولكم ستار يحميكم كالحصن...فيمنعنا عنكم ".
-" حسنا ..هذا جيد .." ..قلتها وأنا أسقط الشوكة على أحد أصابع البطاطا من منتصفه ..وضعته في فمي وبدئت أمضخه في هدوء ..محاولا معرفة كيف هو مذاقه ..كانت عينيها معلقة على وجهي .. بإنتظار رأي ..كان طعمه ممتاز ..بل أفضل مما أطبخه ..أمر محبط للنفس! .
-" متى تعلمت صنع البطاطا ! " ..لا أظنه تأكلها في عالمها .
-" قد صنعته سالي أمامي ..وقد شاهدت المكونات ..وأعجبني " ..كان صوتها مرح طفولي .
-" هممممم..وهل صنعت سالي المعكرونة أيضا ؟" ..يالصدفة إن صنعتها بالفعل! .
-" نعم " ..قالتها بابتسامة كبيرة ..كان علي طلب صنع طعام غريب ..مثل( كباب هندي )..ذلك الطبق الذي كانت أمي الوحيدة القادرة على إعداده بين المعارف والأصدقاء..قطع من كباب على شكل إسطوانة مجوفة تضم في داخلها بيض وخضار ،ويغطي بسلطة معجون البندورة.
- "حسنا ..لقد أجدت صنعه .." ..إن كان علي تقبل خسارة معركة ..فلاباس ..فالأيام حبلى بمعارك أخرى .
-" شكرا " ..قالتها بمرح مظهرتا عن أسنانها ناصعة البياض كاللإلى ..لقد فازت .

(أرض الشر)

ما أن أنهيت طعامي، نهضت رافعا الطبقين اللذين كانا أمامي ..وضعتهما في حوض جلي الأواني ..بادرت هي بالفعل ذاته .."هل تود شرب الشاي ؟"سألت .
-" بالتاكيد ...إذا أمكن ! " ..هل لاحظت هذه العادة أيضا في بيت عمي !
أنصرفت إلى حاسوبي من جديد ..هناك موقع رغبت خزنة لما فيه من معلومات تخص محاضرة الغد...وبخفة حفظته في الجهازي حتى أخلو لتلك الأسئلة المتلاحقة في مخيلتي حول ضيفة ..تلك الجنية التي جاءت إلى عالم البشر ..لابد من وراءها حكاية ..وهذا ما اكده جدي في وصيته لي .
تاهت أفكاري برهة قصيرة ، حتى جاءت بكوب شاي واحد..لابد أن طعمه لم يعجبها ..ليس من المفترض كل شيء ينال إستحسانها في عالمي !
-"تفضل " .
-" شكرا"..تناولت الكوب ووضعته قرب طاولة الحاسوب ..وددت طرح عليها ما يشغل ذهني لكنها سبقتني متسائله"ماهذا الشيء ..و كيف يعمل ؟ "..كانت تنظر إلى شاشة الكومبيوتر ..كنت محق ..هذه التقنية لا توجد في عالمها ...أمر رائع !
-" أنه كومبيوتر ..نظام الكتروني معقد ..يمكن خزن صورا ومعلومات فيه ، و سمع أغاني ورؤية أفلام متحركة أيضا.." ..لم أكن واثقا إن كانت تفقه ما أقوله ، لكنها بدت مستمعه جيده " ..وهذا صورة الكومبيوترين الصغيرين اللذين يتناوبين الأشتعال والإنطفاء هي إشارة الشبكة ..أنها شبكة معلوماتية تجمع معلومات وأشخاص حول العالم بأسره ..أليس هذا أمر مذهل ؟" ..وأخيرا هناك أمر يمكنني التفاخر فيه ! .
-" أليس معقد ؟ "..قالتها مقتربة من الشاشة .
-" صنعه معقد لكن إستخدامه سهل ..مؤسف ليس لديكم هكذا تقنية في عالمك " ..قلتها بخباثة ..بدوت كطفل صغير يثير غيرة صبية !
-" لا ليس لدينا هكذا تقنية ..ولكن لدينا أسهل منها وليست معقدة أيضا،يمكن معرفة المعلومات فيها ".. وهل لديهم أثاث وسرير ينامون عليه أيضا !
-" وكيف تكون ؟"
-" لكل علم له مفتاح ..وما أن تملك المفتاح تستطيع الوصول إلى ما تريد من معلومة " ..قالتها وهي ترجع إلى الوراء ثم تجلس بإستقامة على السرير ...فتاة جميلة تجلس على سريري ..من كان يتصور هذا ! ..وأين امي من كل هذا ! ...وعجبي على نفسي كيف أتعامل معها بكل عفوية ..إنها ليست بشريه ..بل أشباها ..هذا ما ملئت رأسي به !
-"وكيف يكون المفتاح !"
-" أنه.... تعويذه ..كلما أنتهينا من حفظ تعويذه نبدء بحفظ الأخرى "..كانت تبعد يديها إلى الوراء متكأه عليها و تحرك قدميها بشكل طفولي ! .
-" لابد إنك حفظتي الكثير من التعاويذ ..أقصد ..المفاتيح " ..
-" ليس كثيرا ..فهذا يعتمد على حاجتي لها ..كلما رغبت في شيء أحفظ تعويذه فيأتي كم من المعومات معها " .
-" أليس لديك طموح في أمتلاك جميع المفاتيح ؟"..سألتها بعد إن أرتشفت قليل من الشاي
-" ما زلت صغيرة على هذا ".
-" كم هو عمرك..وما هو أسمك ؟" .
-"عمري ثمانية أقمار ..وأسمي ..سرينارا ".
-" أسمك غريب بالنسبة لنا ..على كل حال كم تعادل ثمانية أقمار في عالمي ؟" .
-" هممممممم ..لا أعلم بالضبط ..المسالة بحاجة إلى حساب ..علي معرفة كيف يكون حساب أعماركم ،حتى أتمكن من معرفة عمري في عالمكم .." ..قالتها وهي تهم الوقوف مضيفة " ..لقد أكملت شرب شاي .." .
-" اوه ..نعم .." أنهيته دون تذكر متى ! ..كان الحديث معها مشوقا ..يقتل الوقت ويلهي عن أمور كثيرة ..ناولتها إياها بعد أن مدت يديها لتمسك به
-" هل تريد المزيد ؟"
-" لا شكرا ...لكن متى تعلمت هذه الأمور !.أقصد ..جلبك الشاي وسؤالك عن المزيد بعد الإنتهاء منه ؟" .
أبتسمت مجيبة " بقاءي في بيت عمك أفادني كثيرا "...إنها سريعة الملاحظة وذكية جدا ..ربما بشكل فوق الطبيعي !..بالتاكيد ..فهي ما وراء الطبيعة !.
أنتظرتها تذهب لإعادة الكوب إلى المطبخ ..أستغرقت عدة ثواني معدودة وعادت من جديد ..بأدرتها متسالا
- "كيف كانوا معك ..هل كانوا لطفاء ؟" ..شككت في زوجة عمي إن تكون كذلك .
-" نعم لطفاء ..خاصة رنين ..كانت رائعة جدا .." ..ممتاز .. أذن كانت تقلد رنين في بعض حركاتها ..أظنها لو ذهبت إلى هوليود لاصبحت نجمة عالمية في غضون فترة وجيزة ّ! .
" لكن خطيبة مجدي كانت ..همممممم .." ..تمتمت وهي تعود إلى أخذ موقعها على السرير ..كانت تبحث عن تسمية ملائمة .
-" ليست لطيفة .." ..ساعدتها في الجواب ..فسمر ..خطيبة مجدي ..فتاة نكدية الطبع ..غيورة لحد الجنون ..ولا عجب أن نظرت إلى ضيفة بعينين حاسدة ..فالفرق بينها وبين ضيفة ..فرق الغراب عن الطاووس ..لا أعلم كيف مجدي أرتضى لنفسه هذه الفتاة ذات الطبع الحاد ! ..." ..لكن ماذا عن مجدي ؟..هل أحسن التصرف معك ؟" ..قلتها شاعرا بشيء حاد يخدش معدتي !
" حاول ..ولكن .." ..شعرت بالدماء تصعد إلى راسي وكأن شيء يثور في داخلي ! " ..تعويذة واحدة تكفي " .
-" تعويذة ! " .
حافظت على إبتسامتها ..تنهدت بعمق ..تعلقت عينها بعيني مجيبة بهدوء
-" بابل ..كل عين تقع علي تشعل سهام نحوي ..تريد الفتك بي ..لكني ألقي تعويذة تجعل الأعين تراني إنسانة ذات جمال طبيعي ..لابد أنك تذكر كيف كانت نظرات مجدي وعمك عندما دخلنا ديوان منزلهم .." بالتاكيد كيف لي نسيان تحديقهم المفترس ..بديا كضبعان يطمعان بنظراتهم إلى غزال ! .
-" هل القيت تعويذة علي ايضا ! ".
-" همممممممم ..ما رايك أنت ؟ ...كيف تجدني ؟" ..قالتها بإبتسامة ماكرة ..جعلتني أجد صعوبة في ملى رئتي بالهواء ..إنها تملك من الجمال من الصعب وصفه ..جمال كامل ..لا يوجد إلا في أساطير الالهة القديمة ..عشتار ..الألهة الحب والجمال عند البابليين ..أو ربما أجمل بكثير ..لها من قوام مثير ..وجمال وجهي يقطع الأنفس ..وعينين من الصعب التحديق فيهما من اثر سحر الذي يملأهما ..إنها فاتنة بشكل لا معقول ..ولكن كيف لي مقاومة كل هذا ! ..من اين لي هذه القوة العجيبة لتبقيني صامدا دون أرتكاب خطيئة !..او حتى صامدا أمام الذعر الذي ملى أوصالي بعد بوحها الحقيقة ..أي حرز ألقاه علي جدي لأكون منيعا بهذا الشكل الفريد !
-" جميلة ! " ..لم استطع قول أكثر من هذا ! ..ظهر شيء من الخيبة على وجهها الملائكي الرائع " جدك حصنك بشكل منيع ..تذكر أنت محرز .." .
قلت مازحا" أليس هذا جيد !..فقد عفاكِ من القى تعويذة تحصنك مني " .
-" لم يعفني من واحدة فقط وإنما جميعها ..ليس من هناك تعويذة يمكن أن تعمل عليك "..تذكرت ما قالته والدتي عن جدي ، وكيف أنه وضع يديه على بطنها قائلا جملا غير مفهومة ..لابد إنه القى التعويذة على منذ ذلك الوقت .
فجأءة قفزت في ذاكرتي تلك المشاهد الطبيعية التي اجد نفسي فيها كلما لمستها.
-" هل تعلمين ..أني كلما لمستك ، أجد نفسي في عالم أخر ".
ظهرت علامة المفاجئة على وجهها مجيبة " عالم أخر!".
-"أقصد ..مناظر طبيعية ..شروق الشمس ..مرج ..أزهار مختلفة اللوان ..طبيعة ساحرة ..ما تفسيرك لهذا ".
-" أظنه الحرز ..لكنه لماذا يعمل بهذا الشكل! ".
-" أتقصدين ..أني الوحيد الذي يشعر بتلك المشاهد عند لمسك ".
-"أظن هذا ..لأن سالي لم تذكر شيء ..فقد ساعدتني على لبس هندامي ".
كنت واثقا إن هناك سر وراء تلك المشاهد التي تحيا عندما يلمس جلدي جلدها ، سره نجهله كلينا ، لكن ما هي برهة حتى ما تذكرت كيف إن المشاهد لم أراها عندما لمستها وهي فاقدة الوعي ! ..أمر غريب !
حاولت الغوص في ذهني عميق لعلي أجد منطق وراء ما يحدث ، لكن تنهدها ، وأعتلى البوس ملامحها ،جعلني أصرف تفكيري متسائلا
-" ماذا هناك ؟"
-" أجد صعوبة التأقلم في عالمك ؟ "..لم أفكر إن كان الأمر جيدا أم لا ..لكن أن تكون جنية في عالمي أمر يحتاج النظر إلى الأمور بزاوية مختلفة ..هي ليست شريرة ، لكن وراء قدومها يعطي الضوء الأخضر لقدوم خطر ..كابوس كما وصفه جدي يحيط البشر.
-" الأن بعد أن علمت إنك جنية ..ألن يحن الوقت لتخبريني عن قصتك ..عن عالمك ...وعن فحوى رسالة جدي ؟".
وقفت بإعتدال و بخطى أبتعدت بأتجاه الستارة الزرقاء المنسدلة على نافذتي المطلة على شارع بجانب العمارة ..لم استطع قراءة تعابير وجهها لكن صوتها كان هادئ ملى بحزن كبير
-" في عالمي ...قبائل تختلف عادتها عن الأخرى ..لكن في النهاية يكون الفاصل بينها هو الإيمان ..هناك من يتبعه فيمضي في حياته الطبيعية المقدرة له ..وهناك من يتخلا عنه ويصبح تابع لإبليس ..الذي لا يكف مع أعوانه عن إغوائهم بمختلف الطرق ..وهذا ما حصل لقريب لي ..تخلى عن إيمانه ..وعزم الإنتقال إلى أرض الشر التي لا يدخلها إلا من كان عديم الإيمان ..كان مؤلم علي أن أجده يجنى بحق نفسه هكذا ..فلم أجد سبيل غير اللحاق به ..وإعادته إلى سابق عهده ..كان هو قد دخلها بلحظات من وصولي إلى الخط الفاصل ..لكن ما أن هممت الدخول منعني ..إلا إن أصراري كان يحثني لمعرفة أي أمر يستحق ما يفعله ..كنت أعلم إنه امر مخالف لهدنة حدثت بين عالمي الشر والخير ..لكن ما حصل قد حصل .. وما أن وطئت قدماي أرض الشر حتى ذهلت.." ..توقفت عن الكلام لبرهة ، كأنها تستجمع قواها لتكمل ما بدئت به ..كنت حينها بتوق شديد لسماعي كامل القصة ..
أكملت قائلة " ..كانت أرض جرداء ..لا حياة فيها ! ..ذات طبيعة خانقة ..كان هذا ما شاهدته ..في حين كان هو يشاهد أوهام الجنان التي زينها إبليس لاتباعه ..كنت أرى الحقيقة بقلب مؤمن ..في الوقت الذي كان يرى السراب بعين كافر!..وما هي الا لحظة سريعة حتى أحاطوا بنا مجموعة من العفاريت ..كانوا ينظرون نحوي ..أنا من نقضت العهد ..وخالفت الأمر الذي دام قرون عليه ..إنهم لا يردون شاهد لحقيقة قاموا بتزويرها فينقلها إلى عالم الخير ..كان الأمر بغاية السهولة ..قتلي ..لكن قريبي في لحظة سريعة ساعدني على الفرار ..وهذا دليل إنه ما زال يحتفظ ببصيص الإيمان في داخله ..وصلت إلى قبيلتي بكل ما أوتيت من سرعة ..لكن الوقت فات ..فقد أعلنت انتهاء الهدنة ..وبدئت الحرب تنذر بسفك الدماء ..تكاتفت جميع قبائل الخير لترد على الشر بكل ما تملكه من قوة ..مضت أعوام ..ضحايا ذهبت ..وأشلاء إندثرت مع الرمال ..حتى جاء يوم أصبح والدي من كبار قادة الجن .. أراد أن يوقف هذا النزاع الذي ربما يكون أبديا إن لم توضع تنازولات جديدة لهدنة أخرى توقف الحرب ..تخلينا عن أراضي كثيرة ..تاركين ما بنيناه يكون حطام تبتلعه صحرائهم القاتمة ..لكنهم لم يكتفوا بهذا ..بل طالبوا بي ...لكن والدي رفض هذا رغم ما حدث كان بسببي ...بسبب عنادي لو لم أخطو أرضهم لما حدثت الحرب ..أو إني سلمت نفسي لهم حينها ...في النهاية توصل والدي إلى حل يبقيني على قيد الحياة من جهة ويوقف الحرب من جهة أخرى...أن أنتقل إلى عالم البشر .. حيث يضيع أمري وتخفى الحقيقة بالزعم إني فقدت الحياة ".
-" وهل من الصعب أن يعثروا عليك وأنتِ بشرية ! " .
-" نعم ..التحول إلى هيئة البشر ، أمر مخالف للطبيعة لكن من مزاياه هي إستحالة العثور عليه وتميزه ...وبهذا أصبحت ميتة في عالمي " ..قالتها وهي تلتفت إلي وملامح وجهها خالية من أي تعبير. .غير إنها تثأبت بشكل طفولي مزعج " ..لكن من مساوه ..إني أشعر بالتعب فيه ..عينان تريدان أن تنطبقان ..أظن النوم يستدعيني " ..قالتها وهي تسير بخطى رشيقة خارجة من غرفتي متجه إلى الغرفة التي نامت فيها من قبل ..هل أصبح البيت بيتها !
أطفأءت الكومبيوتر ..فقد فقدت رغبة البحث ..ذهبت إلى الحمام ..نظفت أسناني ..ثم عدت إلى غرفتي..غيرت هندامي وأندثرت تحت لحافي القطني ، محاولا تخيل القصة التي سردتها لي ..بدت كملحمة أسطورية في عالم خيالي ..هل كل ما سمعته حقيقة حدثت في عالم أخر ! ..عالم لا يمكننا تصوره نحن البشر ! ..وهل ساكون يوما ما في داخل في تلك الاسطورة ! ..أسئلة كثيرة إجتاحت مخيلتي حتى غطت عيناي سماء سوداء ..كان النوم قد زارني حينها وكنت مستسلما إليه بإذعان ..حتى داهمني حلم غريب ..كنت في صحراء ذات رمال حمراء ..ومن بعيد لمحت كثبان رملية تتطاير من مكان إلى أخر ..كان الجو خانقا جدا بحرارته الفضيعة ..سرت بغير هدى والذعر يملأني ..مالذي جاء بي إلى هنا ! ..خلت الحلم حقيقة ..فتهيى لي منظر الصحراء التي ذكرتها ضيفة ..أرض الشر ..أرض الأبالسة ..بدوت منهك بعد عدة خطوات ..وظمأ إلى درجة لو وجدت واحة مياة لن تكفيني ! .
كانت الريح تصفع وجهي بإستمرار حاملتا معها قطرات العرق المنصب من وجهي ..وفجأة ..بدت الأرض بالفوران ..رمال تتحرك ..بل تذوب في الأعماق ..كان شيء ما يسحبها إلى الداخل لتبرز فوهة سوداء يتسع قطرها شيء فشيء ..وفجاة خرجت منها أجساد أو أشباح !
لم أستطع تميزهم من كثرة الريح الحمراء المحملة بالرمال ..شعرت بخطر يحدق بي ..وبغريزة البشري أوعز عقلي لقدماي بالفرار رغم صعوبة السير مع هكذا أرض تغور فيهما بسهولة ..وفجأة أصبحت محاط من كل الجهات بأشخاص غرباء ذوي جثث عملاقة بوجوه بدت متشابهة إلى حد كبير بقرونها الطويلة..كانوا مرعبين بشكل عظيم ..وهم يتفرسوني بعيون تقدح بشرر ،وقد رسم على وجناتهم وشم أحمر بدت كهيئة نار متصاعدة ..غريبة مفزعة ..كان الإدرناليين يهبط شيء فشيء ليعلن إستسلامي ..هل كنت ضعيف بهذا الشكل ! ..أم إن أرادتي سلبت مع الفزع الذي غمرني ! ..كانت خطواتهم الجبارة تخطو نحوي شيء فشيء ..وكنت عالق في وسطهم ..وسط عفاريت الجن ..هذا ما أستنتجه عقلي .
وفجاءة داهمني صوت منبه هاتفي المحمول ليوقضني من كابوس لم يسبق مشاهدته في حياتي ..نهضت مذعورا ودقات قلبي متسارعة بشكل متوتر والعرق يتصبب مني شاعرا بحرارتي جسدي المحترقة رغم برودة الجو ! ..أسرعت إلى مطبخ ..تناولت قنينة مياة وشربتها بسرعة ..كان هذا من أثر كابوس لا يمد بالوقع بصلة ...حالة مخزية بالفعل !
جلست على إحدى الكراسي محاولا تهدئة أنفاسي المضطربة .
-" صباح الخير !" ..قالتها ضيفة وعلى وجهها الجميل تسأول عما يحدث لي ..كانت مرتدية الهندام الذي أشتريه ..هل نامت بهذه الكنزة ! ..وكيف أستطاعت هذا ! ..كان الأجدر بي تقديم شيء لها من ملابسي لترتديها ..كيف غفلت عن هذا ! .
-" صباح الخير " .
-" ماذا تريد أن أعد لك في الفطور " ..قالتها وإبتسامة شفافة على وجهها الذي بدء أكثر إشراقا من الأمس ..ربما النوم ساعد بشرتها القطنية بشكل مفيد.
-" همممم ..إذا لم يكن لديك مانع فقط كوب من الحليب ..علي إعداد نفسي للذهاب إلى الجامعة ".
-" حسنا .." .
أعددت نفسي للخروج كأي يوم عادي،أرتديت جينز أزرق مع كنزة كحلية غامقة ومعطف أسود ..نظرت إلى المرآة ..كان كل شيء أنيق بعد أن صففت شعري الكستنائي بالفرشاة ..وما هي لحظات حتى شاهدت ضيفة عبر إنعكاس المرأة تنظر لي وأساريرها مشرقة بإبتسامتها الأسرة ..لكن شيء ما تغيرفي مظهرها ..هل كانت عيناي مشوشتان حينها ! ..ألتفت إليها ممعن النظر بدقة ..كان شعرها قد إزداد لونه شقارا ! ..شيء عجيب ..قاطعت أفكاري قائلة
-" الحليب أصبح جاهزا ...أنه يناديك لتشربه " ..هل أصبح للحليب صوت !..ام أنه في عالمها يتكلم !
-"وكيف يناديني ؟" سألتها وضحكة خافتة حاولت كتمانها بشكل محكم .
-" يقول ..بابل ..بابل ..هلم وأشربني قبل أن أبرد وأصبح قاسي المذاق " ..كانت تقولها بصوت يكاد يقلد أصوات إحد الشخصيات الكورتونية ..لابد إنها تاثرت بما شاهدته مع رنين من برامج الأطفال في القنوات التلفازية ..كان صوتها مثير للضحك فلم أستطع كتمام ضحكتي أكثر.
-" حسنا ..أنا قادم " ..أجبتها ممازحا بصوت ضخم مفتعل .
-" بابل هل يمكن طلب منك أمر ما ؟ "..كان صوتها سنفونيا رائع ..وإذا أستمر على هذه الوتيرة فأجزم إن أي طلب لها سينفذ دون كلمة لا.
-" أعلم إني لا أستطيع الحضور معك إلى مكان عملك ..كما هو الحال في سمر التي لا تستطيع الذهاب إلى مكان عمل مجدي .." أي تشبيه غريب كان ..هل باتت خطيبتي كي تشبه حالنا مع حال مجدي وخطيبته ! " ..إلا أني بحاجة التعرف عن عالمك فهل يمكن أستخدم الكومبيوتر والتصفح في الشبكة ؟" كانت تنظر لي من خلال أهدابها الطويلة ..بدت مدهشة جدا ..كان أمر غير عادل ..كيف لها فعل هذا معي !..ماذا لو لم أكن محرز ، لربما فقدت السيطرة تاركا لغريزتي العنان!.
-"نعم " ..كان الأجدر بي سؤالها إن تستطيع العمل على كومبيوتر لم يسبق لها معرفته قبل الأمس ! ..لكن إبتسامتها الرائعة أخمدت السؤال وأذهبته إلى بحر دون قاع .


( قدرات )

وصلت إلى مكتبي في الساعة التاسعة والربع ..كان الجو مشمسا في الخارج ..أمعنت النظر على جدول محاضرات العملي ..كان الموضوع عن كشف بكتريا المسببة لمرض السحايا الدماغية وتشخيصها مجهريا ..لم تكن محاضرة تستغرق وقت طويل ....كان أمر جيد يتسنى لي تسوق المواد غذائية التي من المفترض شراءها في يوم الجمعة الماضي ،لكن إنشغلي بالضيفة إبعدني عن هكذا واجبات بيتيه صرفة ..أنقضى الوقت بسرعة كالعادة وهممت بالخروج لكن أمر ما قفز في عقلي ..أمر مجدي ..لابد أنه غاضب مني من جراء ما حدث ..أخرجت هاتفي المحمول من جيب معطفي ..وأجريت الإتصال ..لكنه لم يرفعه ..مضت ثواني طويلة حتى جاءتني رسالة صوتيه تخبرني أن" الرقم الذي طلبته لا يجيب حاول الإتصال به في وقت أخر" .
أعدت المحاولة من جديد لكنه لم يجب ..تمسكت بفكرة أنه ربما قد نسيء هاتفه أو أنه مشغول ..لذا قررت معاودة الكرة من جديد في وقت أخر.
إنطلقت في سيارتي قاطعا طرقا كثيرة،.توقفت عند أحدى محلات البقالة التي أعتدت الشراء منها ..أشتريت عدة أنواع من الخضار والفاكهة التي تكفيني لمدة أسبوع ..ثم أنطلقت إلى إحدى الأسواق ..أشتريت من المؤن الغذائية الأخرى ...عدت إلى سيارتي منطلقا من جديد إلى شقتي ..وما أن وصلت إلى المرآب حتى فضلت إجراء أتصال مع مجدي ..لم يكن لي رغبة التحدث معه أمام ضيفة ..ربما قد أتفوه بشيء لا يفترض أن تسمعه هي ...طلبت رقمه من جديد ..لكنه لم يجب مرة أخرى ! ..هل كان متعمدا ! ..إن كان كذلك فلابد أنه غاضب مني إلى حد رفضه سماع صوتي ! .
بحثت عن رقم عمي شاكر بين الأسماء في قائمة هاتفي ..أجريت الأتصال ..وما هي برهة حتى جاءني صوته مجيبا ببرودة ..بادلني التحية التي ألقيتها عليه في البدء ثم بادرته مستفسرا .
-" عمي ..أحاول الإتصال بمجدي لكنه لا يرفعه ! " .
زمجر مجيبا -" بابل ..مجدي غاضب منك كثيرا ..وكذلك أنا ..كيف يصل بك الأمر إلى أخذ الفتاة إلى شقتك ..أليس هذا محرم ومعيب في حقك وحقنا ..هذا ليس من شيمنا وما ربيناك عليه !" .
-" عمي ..أرجوك ..لا تظن فيّ سوء ".
-" كيف لا وأنت لا تدلي بفقدناها الشرطة ..ألا تفكر في مصيرها وعائلتها ..وكيف تبيت معها في شقة واحده ..ما أجتمع إثنان إلا والشيطان كان ثالثهما ! " ..في تلك اللحظة قفزت فرضية في مخيلتي عن حقيقة المشاهد التي أراها عند لمسي ضيفة ..فرضية إنها كجدار يمنعني من لمسها..فكلما تلامس جلدينا غبت عن الواقع ولا أعود له إلا بعد إبتعادها عني ..كانت المشاهد بمثابة حارس يمنعني من إرتكاب أي خطيئة.
داهمني صوت عمي يقطع سلسلة أفكاري قائلا" بابل ..هل أنت معي ".
-" نعم ..أنا معك ..في الغد سأحاول القدوم إلى منزلك وأخبرك ما سيثير عجبك " .فكرت أن أخبره الحقيقة كي لا يظن بي سوء ، لكن كيف لا يثق بي وبقرارتي ! .
-" هل سننتظر الغد ! ...على كل حال هذه هي حياتك وأنت إنسان ناضج ...لكن سأكون في إنتظارك غدا إن شاء الله ..إلى اللقاء " ..قالها بصوت متهكم .
-" إلى اللقاء " ..قلتها وأنتهى الإتصال ..أي دوامة كنت فيها ..فحياتي كانت بسيطة قبل تعرفي على ضيفة و بدءت تتعقد شيء فشيء بفضلها ..بعد تفكير لثواني بسيطة لم أقتنع بقول الحقيقة لعمي ..فما عساي أخباره ..مرحبا هذه ضيفة ..جنية متحولة ..ربما سيجن أو يظنني مجنون ! ..الأمر كان بحاجة إلى وضع خطة جيدة أسير عليها بخطوات واثقة ..تبقى فيها ضيفة في منزلي دون الحاجة إلى توبيخ عمي ..وتغير الصورة التي رسمتها عني في مخيلة عائلته ..فهم الأسرة الوحيدة المتبقة بجواري بعد هجرة أهلي إلى لندن .
حملت ما أشتريته إلى الشقة ...كانت الإنارة مشتعلة في غرفة الجلوس غير إن ضيفة لم تكن هناك ..وما أن أغلقت الباب خلفي حتى وجدتها تخرج من غرفة نومي مبتسمة
-" مرحبا يا بابل ..دعني أساعدك " قالتها وهي تهم نحوي بخطوات رشيقة تتناول مني بعض الأكياس التي كنت أحملها .
-" شكرا لك " .
-" أحزر ما أعددته اليوم من الطعام " .
كانت تسير أمامي إلى المطبخ بإنسابية مدهشة جاعلة من شعرها المربوط بخيط مطاطي يتحرك بإيقاع خفيف يمينا وشمالا ..كان مدهش جدا .
-" هممممم ..بالتاكيد سأحزر " ..قلتها مقتربا من مقلاة مغطاه كانت موضوعة على الطباخ ..رفعت الغطاء عنها قائلا بصوت مليىء بابتسامة ماكرة " أنه فطر مع البيض " .
وضعت الأكياس على المائدة ..عقدت ذراعيها على صدرها تنظر نحوي مقطبة الحاجبين قائلة ."..أوه حقا !..أنت ماكر جدا يا بابل ..ما كان ينبغي أن ترفع الغطاء لتجيبني ".
-" لكنك لم تمنعيني .. " ..أجبتها مصطنعا ملامح البراءة على وجهي ..بادلتني نظرة طفلة عبوس في الخامسة "..حسنا ..أنا اسف ..لم أقصد هذا ..لكن كيف جاءتك فكرة هذا الطعام ؟ ..يبدو لذيذ ! " ..قلتها محاولا رفع الموقف المتأزم ..يالها من سياسة !
-" لقد قرأتها في الشبكة..في الحقيقة ..مطبخك فقير جدا من المكونات التي يمكن صنع عدة أطعمة لذيذة ..من حسن الحظ وجدت علبة الفطر"..قالتها وهي تقوم بإشعال النار تحت المقلاءة كي تعيد تسخينه من جديد .
-" من حسن الحظ ..لكن كما ترين لقد قمت بالتسوق "..قلتها وأنا أفتح أحد الأكياس..لكنها إقتربت مني قائلة وإبتسامة خفيفة عادت تشرق على وجهها الرائع
-" دعك منه ..سأفتحه أنا ..أذهب لتغير هندامك ..الطعام سيصبح جاهزا خلال ثواني قليلة ".
-" ممتاز " ..كان جميل إن يكون هناك شخص ما يهتم بي .
توجهت إلى حجرتي غيرت ملابسي ...التفت إلى كومبيوتري ، كان مطفأ ..داهمني تسأول كبير ..هل حقا تصفحت الشبكة كما قالت ..إنها فتاة عجيبة ..أقصد جنية عجيبة ! ..لها قدرة تعلم الأشياء بسرعة فائقة ..توجهت إلى المطبخ من جديد كان الطعام جاهزا على طبقين ..جلست قبالتها مبتسما ، ثم بدءت أأكل بشهية كبيرة .. كان طعام لذيذ ..لم يسبق إن تناولته من قبل ..فالفطر عادة أقوم بقليه مع البطاطا وليس بمزجه مع البيض .
-" ماذا تعلمتي أيضا من الشبكة ؟ " ..سألتها بعد أن بلعت لقمة بعد مضخها جيدا .
-" أشياء كثيرة " ..أجابتني وهي تاكل ببطأ ..خيل لي إنها تحاول تذوق الطعام شيء فشئ ! .
تمتمت -" مثل ماذا ؟ " .
-"حسنا ..أبتدءت بالحروف ونطقها الصحيح ..الكتابة ..والأرقام ..هممممم ثم قرأت عن العراق وحضارته ..وشيء عن العالم ..وكذلك الطبخ ..والديكور ..وبعض المشاكل الاجتماعية ..لكني لم أنتهي بعد من الموسوعة العالمية"..قالتها بصوت غير مكترث .
-" مهلا ..مهلا ..هل حقا تمكنت من كل هذا خلال ساعات قليلة ! " ..قاطعتها بشدة ..هل من المفترض أن أصدق هذا !
ارتبكت تجيب " خط الشبكة كان جيدا ..وقد فتحت لي الصفحات خلال ثواني بسيطة !"..
-" أقصد ..إنك تعلمتي القراءة والكتابة ثم كل هذه الأمور في هذا الوقت القصير ! " .
-"نعم .." أجابت بصوت وملامح وجه تشير إلى الصدق الكامل !
-" حسنا ..أنه أمر لا يصدق ..فتعلم الحروف يستغرق أشهر أما الكتابة فأعوام ! " .
-" يمكنك إمتحاني ان شئت " ..إمتحاني ..كلمة تدل على إنها قراءة مواقع كثيرة وأجرت إمتحان فيها ..لهذا تعرف معناها ! .
-" حسنا ..لن أجري إمتحان كتابة أو قراءة ولكن إمتحان معلومات ..فحسب ما ذكرتي إنك قرأتي عن العراق وحضارته ..لهذا أول سؤال لي ..في أي قارة يقع العراق بالتحديد ؟" .
-" جنوب غرب قارة أسيا "..قالتها وإبتسامة عريضة تملأءها ..كان تحدي أخر .
-" من أخترع العجلات ؟"
-" السومريون "..كانت إبتسامتها تظهر أسنانها المتلأله بشكل مرتب دقيق .
-" من اوجد ماء النار أو الملكي ".
-" العالم جابر بن حيان ".
أستمرت أسئلتي لها قرابة نصف ساعة وكانت جميع أجابتها دقيقة حتى إني أحترت أي سؤال يمكن أن لا علم لها بجوابه ..لكن في النهاية أستسلمت .
-" حسنا ..هل يمكنك أخبراي كيف أمكنك حفظ هذا الكم الهائل من المعلومات في وقت قصير حتى إنها لم تختلط عليك ! ".
سألتها بينما كنت أنشف الصحون التي جلتها بلطف كبير ..كما لو للصحون روح تتنفس ! ..
-" بواسطة العقل بالتاكيد ".
-" فقط !..العقل فقط !..لكن أي بشري لا يمكن أن يحفظ كل هذا في وقت قياسي !" .
تركت صحن كانت تحمله بلطف عند قرب قاعدة صنبور المياة ..رفعت كفها بمستوى ناظري وقد وازت إبهامها مع سبابتها على خطين مستقيمين متقابلين بحيث يكون الفاصل بينهما مسافة أنملة واحدة مجيبة
" لأنه لا يستخدم منه إلإ هذا الجزء البسيط من كامل حجمه ..فالعقل البشري كبير جدا ويسع لمعلومات كثيرة ، لكن مؤسف.. إنكم لا تسثمروه بالشكل الدقيق والصحيح ".
-" أوه ..حقا ..وكيف تفعلين هذا ! "..سألتها بسخرية ، كنت مستعدا على مراهنتها لو كانت بشرية لربما أستغلت اقل مما أشارت عليه .
-" التركيز ..وترتيب المعلومات بشكل بياني ..فكل معلومة تدخل في حيز ما تترتب عليها معلومات أخرى ذات صلة قريبة ..هممممم ..كالسلسلة ..فخلايا الدماغ مرتبطة معا ومتشابكة كالسلسلة التي إن فقدت أحدها ترتب عليه ضرر كبير ".
استنكرت قائلا -" لا يخلو الأمر من قدرات " .
-" ربما ..ولكن على كل حال أنا أملك عقل بشري الأن " ..
-" ما رايك أن نذهب معا إلى الكومبيوتر ونفتح موضوع ما و أرى كيف يتم الأمر بقدرة عقل بشري كما تزعمين ؟ ".
-" موافقة ..لكن بعد أن ننهي العمل ".
سبقتها إلى غرفتي ..شغلت الكومبيوتر ..أجريت إتصال مع الشبكة العنكبوتية ..كتبت في موقع البحث " بدر شاكر السياب" ..أنتظرت ثواني بسيطة حتى خرج لي مواقع كثيرة تحمل أسم هذا الشاعر العراقي ..دخلت على إنشودة المطر ..القصيدة المميزة ..رحت أقرأءها بتمعن شديد ..فهي كانت واجبا علي حفظه عندما كنت في المتوسطة..وأستغرقت نصف نهار كامل حتى حفظتها عن ظهر قلب ..كان لا بد لي معرفة السرعة التي تمتلكها ضيفة لتتسنى لها حفظ هذه القصيدة كما فعلت أنا من قبل ..
-" تراااام ..لقد أكملت "..قالتها بصوت مبتهج حيوي وعلى وجهها الرئع إبتسامة طفولية مدهشة .
-" حسنا ..أقرأي هذه القصيدة .".قلتها مظهرا ملامح رجل عملي ..أقتربت مني لتصبح المسافة الفاصلة عني خطوة واحدة .. غرقت إبتسامتها بشكل بطيء ..لتطفو محلها ملامح جادة ..أنه وقت التحدي ..أمعنت إلى الشاشة لبرهة ..كانت الأبيات كاملة " ...كم من الوقت تحتاجين إلى حفظها ؟" ..لابد إن لها فكرة عن قدرتها ..حولت أنظارها إلى عيني ليتعانقا بشكل كنت على شفى الغرق في بحر عينيها الزرقاء .
تكلمت بصوت خافت -" لقد حفظته "
استطردت -" متى ..هل حفظته اليوم ؟" .
-" لا ..الأن ! " ..كان صوتها برئ وهو ينطق بجواب غير منطقي ، يحمل معه صاعقة شلت جسدي وحملقت عيناي بغير هدى ، وكأن عقلي أصيب بضرر ما ..ربما أختل مفاهيمه العلمية ..فأين أينشتاين ونظريته الضوئية من كل هذا ! ..حاولت أذناي تستمع لها وهي تقرأ القصيدة دون تلكأ أو خطأ حتى أنتهت منها بدقائق معدودة ليسود صمتا قطعته بصعوبة، محاولا ترتيب جملة تخرج بشكل سليم قائلا
-" كيف تمكنتي من حفظة بهذه السرعة " ..
-" همممممم ..لقد قرأته وحفظته بتركيز".
-" لكنك لم تنظري إليه إلا لبرهة ! " .
-" هذا كافي ..ربما أنا سريعة في القرأءة " ..قالتها وهي تبتعد عني متجهة إلى السرير ..جلست عليه بانسيابتها المعتادة .
ثرت قائلا " ليس هناك مجال للشك ..أنه أمر أكيد .. لديك قدرة القرأءة السريعة ..بل اللامعقولة .. وهذا ما لا يملكه العقل البشري إلا بمساعدة سحر ما أو تعويذة ..وأنا على تمام الثقة إن إي مسالة حسابية معقدة بإستطاعتك حلها في ثواني بمفردك !".
-" أظن هذا ..."... عادت الإبتسامة الساحرة تطفو من جديد على وجهها الفاتن لتبدو مع عينيها البحريتين لوحة وجه مثالي ..كامل ..لا بشري .
كان من الجيد وجود هذه الشبكة التي غنتني عن دور المعلم لجنية بثوب بشرية لا تفهم أي شيء عن عالم باتت طريدة اليه ..."..بما إنك ستتعلمين أمور كثيرة عن عالمي ..فأظن من البديهي أن يكون لي فكرة عن عالمك "...في مخيلتي كثيرا من الأسئلة التي تتدافع بشكل متعب لتقفز إلى قمة تسلسل أفكاري.
-" بالتأكيد ".
-" حسنا ..أخبريني كيف أن شعرك تغير لونه من الأبيض إلى الأشقر ؟".
أمتدت يداها إلى الرباط المطاطي الذي يحيط شعرها جاعلا منه خصلة واحدة ...أنتزعته بخفة لينحدر شعرها بإنسيابية خلابة على كتفيها ليبدو وشاح يغطي كامل ظهرها غير أن خصلة بسيطة أستقرت قرب عينيها قائلة
-"أنه يعتمد على مدى الأمان الذي أشعره ...يمكننا تشبية بجرس الإنذار ...فكلما إزداد شعوري بالأمان كلما أزداد لونه غمقا ".
-"أظنه لو أصبح أكثر إصفرارا سيبدو غير جميل كما هو الأن " .
- " إنه أمر ليس بمقدوري السيطرة عليه ...فهو سيتغير شيء فشيء إلى أن يصبح أسود ...وهو لون شعري الطبيعي في عالمي " .
-" أمر مثير ..لا باس أن أصبح هكذا، فالأسود لون جميل ... " ..قلتها مبتسما محاولا التخيل كيف يكون وجهها ذو البشرية القطنية الناصعة البياض مع شعر طويل أسود وعينين زرقاوتين بأهداب طويلة ..ستكون أكثر جاذبية .
ترددت وانا أسألها " كيف هو شكلك في عالمك ؟"
تمهلت لثواني تفكر ثم أجابت وقد لاحت أبتسامة أساريرها مجيبة " لدي ثلاثة أعين وفمان دون أنف ..لدي قرنان بدلا من الأذن .و جسدي كبيرجدا اعلى من سقف شقتك " وفجأة ضحكت ..كانت ضحكتها ذات رنة جميلة " أنظر إلى وجهك يا بابل ..تبدو الدهشة ملأته ..ربما لو قالوا لك أن النملة أكلت فيلا لما ظهر بهذا الشكل ...حسنا ..في الحقيقة هيئتنا تختلف عنكم ..فنحن طويلي القامة نحيفي الجسد ..لدينا قرنان بدلا من الأذن ،اما العيون فهي أثنان فقط وليست ثلاث ، لكنها كبيرتان بشكل تناسب شكلنا ..اما الأنف فهو دقيق جدا ..شعرنا طويل أسود اللون , وبشرتنا شديدة البياض تكاد تكون شفافة ..أظننا لا نختلف كثيرا لدرجة أن البشر قد يمتلأ قلبه رعبا عند رؤيتنا ".
-" هذا ما تظنيه أنتِ ..وهل لديكم بيوت وسرير تنامون عليه "
-" بالتاكيد ..عالمي لا يختلف كثيرا عن عالمك ..لدينا بيوت ..وأسرة ..حتى إن لدينا طاولات أيضا" .
-" ضيفة ..هلا تركتي المزاح جانبا وحدثتيني عن عالمك بشكل أدق ..ماذا تاكلون ؟..وكيف تعيشون ؟..هل تعملون ؟"
-" حسنا " ..قالتها بينما تعتدل في جلستها بشكل تشير إلى جدية الحديث " بعضنا يعمل فلاح .. استاذ ..هممممم مختلف الأعمال التي يزاولها البشر ..وبهذا ليس غريبا أن ناكل ، غير أن طعامنا يختلف شكله ومذاقه عن عالمكم "
-" ماذا عن قدرتكم ..بماذا تنفعكم التعويذات أذن ؟".
-" إنها سبيلنا للعيش ..فنحن لانحرث الارض بأداة ما ..بل نطلق تعويذة تقوم بهذا العمل ".
-" وكيف تكون التعويذة ..كيف تعمل ؟"
-" كما أخبرتك إنها كالمفتاح غير إنها لتعمل بشكل دقيق ، لابد أن وجود شروط لها ..فمثلا هناك تعويذات تحتاج لطور شمسي لتعمل ،و أخرى لطور لقمري ..كلا تعتمد على طبيعتها ".
-" مهلا ..ماذا تقصدين بالطور الشمسي والقمري ؟".
-" الجني عندما يولد يحدد تاريخ ولادته وساعته حسب البرج الذي ولد فيه ..فنحن لا نعتمد على الأشهر والأيام لتحديد تاريخ الولادة كما هو الحال معكم ..بل حسب الكواكب وابراجها ..وبهذا التعويذة التي أطلقها لابد ان تكون مناسبة لتاريخ ولادتي لتعمل كما أرغب اضافة على ماذا أطلقها ..فلابد من وجود تماثل في الطور "
-" تقصدين ..لو أنك اطلقتي تعويذة تعمل على نظام قمري على شيء ذو طور شمسي لا تعمل بشكل مناسب ..أليس كذلك ؟"
-" صحيح ..وبهذا نكون احيانا معرضين للخطر عندما تفشل تعويذاتنا في عملها المفترض "..قالتها ثم شردت لبرهة ، وبشكل فضولي متفرس قرأءت ملامح حزن أجتاحت تقاسيم وجهها الساحر ..كانت عينيها تنظر إلى أصابع يديها المتشابكة .
تسألت بهدوء رغم موجة قلق أصابتني " ماذا هناك ؟"
-" أتسال احيانا ، كيف سيكون حالي لو لم تساعدني ..." كان صوتها رقيق وهي ترفع نظرها نحوي ممعنة نحو عيناي اللتين شعرت إنهما على وشك الذوبان في عسل عينيها البراقتين بينما همت بالوقوف تقترب مني رويدا رويدا بخطوات رشيقة متناسقة، ومع كل خطوة كانت أنفاسي تزداد صعوبة في إلتقاطها" ...أنت بشري رائع يا بابل ...وأنا اثق بك جدا..لكن ما هذا الصوت الذي بدء يتسارع من جسدك ! " أضافتها بفضول محاولة مد يديها بأتجاه صدري ...لكني بخفة نهضت من كرسي مبتعدا .. كانت ردة فعل إحتراسية لأتوجس لمستها ..أشعرها هذا بالدهشة أوالصدمة ربما ، لكني تداركت ما فعلته غير لائقا كليا ،لا أعلم إن كانت المشاهد هي السبب في تصرفي أم أني لم أكن مستعد على لمسي بعد أدركي لحقيقتها .
ويالسخرية .. ففي الوقت الذي كانت تصرح عن ثقتها بي ،كنت أنا الرجل... من يخشاها ! ويعلن أنه لا يبادلها المثل.
-" أنه قلبي " ..أجبتها ..فقد كان قلبي ينبض سريعا على غير عادته ...ولكن هل لها قدرة أن تسمعه بوضوح ! ..أضفت محاولا تغير الموضوع وتهدئة انفاسي المضطربة وإبعاد الدهشة عنها . " ..القدر هو من ساقني إليك ..."
-" أنت محق " ..تمتمتها عائدة إلى السرير لتجلس عليه ، كأنها فضلت حفظ مسافة بيننا .
-" لكن الغريب ، هو إني شاهدت بومة بريش أبيض جميل ، كانت واقفة فوق النخلة التي كنت ملقاه تحتها "...ما زلت أذكر تلك البومة جيدا ...فقد أحتفظت بصورة لها في عقلي .
-" إنها قشيده...قريبتي "..كان صوتها فيه نبرة حزينة .
-" قشيدة ! ...بومة هي قريبتك ! " .حاولت إخفاء إبتسامة ساخرة أمام ملامح الحزن الذي لمحته على وجهها .
-" إنها جنية يا بابل ..حسنا ..نحن الجن يمكن لنا التحول إلى هيئات مختلفة ...طائر ..أو حيوان .أو إنسان حتى ".
-"مهلا ... الأمر بحاجة إلى توضيح أكثر ...عندما تصبحين طائر، هل يمكن لك لمس الغيوم ؟" ...كانت هذه أمنيتي منذ الصغر .. لمس الغيوم البيضاء ...أمنية طفولية ما زالت عالقة في مخيلتي الخصبة بذكريات ماضية .
-" همممممم ...عندما نتحول إلى كائن ما ..نكتسب بعض صفاته ونفقد الأخرى ...فعندما أتحول إلى طائر ،أستطيع التحليق في السماء ، لكني أفقد حاسة اللمس ..فيبدو الأمر كمن يحلق في الفراغ ".
-" والتحول إلى إنسان ! " ...سألتها مسخرا كامل تركيزي لما تقوله .
-" حسنا ..لم يسبق لي إن تحولت إلى إنسان من قبل ...إنها تجربتي الاولى ..لهذا احتاج وقت أكتشف فيها القدرات ..لكني سمعت من قشيدة من قبل ..إن الحواس الخمس التي تملكوها تزداد عندنا كثيرا بعد التحول..حتى تبدو خارقة للطبيعة عندكم ..لكن المؤسف إنها لا تكفي لإختراق الإشياء ..إن الجسد البشري محدودة قدرته في المساحة ، لكنه واسع الأفق في خياله ..." قالتها ثم زمت شفتيها بنعومة ،كأنها تحاول التفكير في أمر ما لتفصح به " ..هل تذكر تلك الليلة عندما كنا في بيت عمك حين كنت حزينة ؟".
-" نعم أذكر " ..وكيف لا أذكر تلك الليلة التي ما زالت عالقة في خيالي ..وكيف أن جسدها التصق بجسدي بشكل كامل وهي مرتمية في أحضاني ، تطوق رقبتي بذراعيها ..كانت لحظة مثالية بقدر ما كانت تثير غريزتي كرجل أمام جسد غض ومثير بمفاتن أنثى ناضجة المعالم ...كان يمكن ألإحتفاظ بذكريات أكثر لولا ذلك المشهد الذي أقتحم عقلي حينها .
-" كنت حزينة ومتاثرة..فقد أخبرتني قشيدة إنها ستبتعد عني فترة من الزمن ..شعرت حينها بوحدة كبيرة وألم يعتصراني ولما وجدتك أمامي تسألني عن حالي ..شعرت إنك الوحيد الذي بت أثق به فأرتميت في أحضانك دون وعي مني ...و ..." ...قالتها ثم صمتت لبرهة خلتها مدة طويلة ...كانت تطرق على وتر حساس ..وتر يثير غريزتي الأدمية ..التي أحاول السيطرة عليها بحزم ...أرتفع حاجبي مع إتساع حدقتي عيني مشيرا لها في تكملة حديثها .
"...شعرت بإحساس غريب جدا ..إحساس كاد يشل كامل أطرافي ..محاولا ان يطبق عينيي ..كان إحساس جميل ، لكنه غريب ..خشيت منه وبسرعة إنتفضت مبتعدة عنك !...هل تظنه بسبب الحرز الذي ألقاه عليك جدك ؟" .
كتمت الحقيقة مجيبا -" اظن هذا "
-" أظن من الأفضل أن لا ألمسك من جديد " ...بدت جملتها كإقتراح لا كقرار ! ...هل أعجبها ذلك الإحساس ... ربما تود الشعور به مرة أخرى! ..كانت وسوسة الشيطان بدءت تملىء رأسي من جديد ...لكني سيطرت عليه مرة أخرى بحكم الفضول الذي إعتريني حول قصتها فسالتها
- " هل التحول إلى هيئة بشرية تتطلب وقت طويل ؟".
-" لا ..تتم في لمح البصر ".
-" أي إنك تستطيعين التحول من جديد إلى هيئتك الجنية والعودة إلى عالمك متى شئتِ ؟" ..سألتها وكانت غصة في البلعوم ...كانت فكرة إبتعادها عني وعدم رؤيتها على الدوام أمر لم أستطع تخيله وكأني إعتدت وجودها في حياتي رغم إنها لم تدخلها إلا قبل عدة أيام فقط .
-" بات الأمر ممنوع ... فما أن أتحول إلى هيئتي السابقة أو أي هيئة اخرى غير بشرية سيكشف أمري الأشرار وستنتهي حياتي وحياة قبيلتي ..لم يكن الحل الذي وجده أبي سهلا لكنه أفضل من أي حل أخر .. ثم إنني لا أملك تلك القدرة التي تعيدني إلى عالمي أو تحولني إلى هيئة أخر".
كان صوتها حزينا جدا ..رغبت بان أشاطرها الحزن ذاته لمواساتها لكني لم أستطع ...فقد تنفست الصعداء مدركا حقيقة أبهجتني .. حقيقة إنها لن تختفي يوما من عالمي ..وستبقى أمام انظاري .." ..عندما تحولت إلى هيئة بشرية ..شعرت بوهن كبير و فقدت الوعي لكني كنت مطمئنة ..لإن قشيدة تولت مهمة حراستي ..حتى أنقذتني ..أظن الحرز الذي تملكه منعها من مهاجمتك " ..أشرقت إبتسامة تلوح في أفق عينيها الزجاجيتن كالفيسفساء المزغرفة .."..أستعدت وعي مع دفء سيارتك وحركتها المجنونة ..حاولت التكلم ..لكن لم أستطع ..أولا لأني لم أعرف كيف يكون الكلام ...وثانيا ..إن صوتي يعمل على موجة أخرى ..حتى شربت المياة المباركة ".
-" لكن أظن لقائي بك ليس صدفة ...فجدي تنبأ في رسالته بقدومك ..وحرب بين الجن والبشر ....فهل لديك أدنى فكرة عن هذا ".
-" يؤسفني هذا ..لكن ما دمت لن أتحول إلى أي هيئة أخرى فلن تقع حرب ..لا في عالمك ..ولا في عالمي " .
-" وأنا لن أسمح بهذا " ...قلتها بصوت واثق وقد أفرجت أسارير وجهي إبتسامة محاولا إخفاء الذعر الذي إنتابني ..فمنذ تلك اللحظة شعرت بثقل المسؤلية الواقعة على عاتقي ..حرب ما ستلوح في الأفق إن أخفقت ما قادتني إليه قدماي .


نهاية الفصل

قصص من وحي الاعضاء 06-07-19 12:54 PM


تغلق الرواية لحين عودة الكاتبة لانزال الفصول حسب قوانين قسم وحي الاعضاء للغلق

عند رغبة الكاتبة باعادة فتح الرواية يرجى مراسلة احدى مشرفات قسم وحي الاعضاء
(rontii ، um soso ، كاردينيا73, rola2065 ، رغيدا ، **منى لطيفي (نصر الدين )** ، ebti )
تحياتنا

اشراف وحي الاعضاء





الساعة الآن 07:18 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.