12-10-20, 01:06 AM | #4070 | ||||||
كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وساحرة واحة الأسمربقلوب أحلام
| . الفصل الثاني والعشرون هذا العالم بؤرة سحيقة من السواد ، عالم لا يحوي بقعة ضوء لأحدهم وكانت هي ( الأحدهم ) ، كانت هي صاحبة السحابة السوداء التي تحمل الكثير من الدموع والقهر . الحزن … شعور يرسو في قاع القلب كحجر صلب يُصعّب التنفس ! الدموع تكون راحة ولكن حينما تنساب كقطعتين من جمر تَحرق الروح قبل الخد يكون أقسى من العذاب . هل مرّ خمسة أيام على ما حدث ..؟؟ الدم …. الدم يَغرق المكان الدم … الدم في كل مكان حتى بين يديها ، بين أناملها في بؤبؤي عينيها .. هي ترى الدم تراه في كل شيء . ترى الوجع في كل لحظة تمر . كيف ذهبت .. رحلت للأبد دون أن تستطيع أن تجذب يدها لتأخذ حضن قوي … حضن ذهب ولن يعود حضن احتاجته … بل بحثت عنه طويل … بحثت عنه حتى تشقق قلبها من جفاف احتياجها ! نظرت حولها في الغرفة الواسعة ، شقيقتها التي تنام جوارها هاربة من كل شيء ، لقد مضت معظم وقتها بالنوم ، حتى توسلات أم نوران لها لم تنفعها ، حتى وسط النهار تنام كما الآن . أراحت رؤيا رأسها على ظهر الفراش لتغمض عينيها بتعب ، كل شيء يتحوّل في لحظة فلا تدرك لماذا فكّرت من قبل من الأساس . لقد رحلت والدتها للأبد وأصبحتا وحدهما في هذه الحياة القاسية ، أصبحت كل واحدة منهما بندبة لن تندمل يوما وللأسف ندبة رضوى بعمق عمرها الفتي ستلازمها طويلا . يا الله ذلك الثقل في القلب … ألن يخف … ؟…. ألن يهدأ ..؟؟ ذلك الألم الذي ينحر بلا تروّي هل سيصبح دواء يوما ما ..؟ ربتت على رأس رضوى لتنهض من الفراش تحرك ساقيها بتعب ، ببطيء ، تحتضن جسدها بقوة علّها تبثه بعض الراحة والدفيء … لتقف خطواتها أمام مرآة ملتصقة بالحائط تظهر جذعها العلوي ، وجهها الصغير تظهر ملامحه بوضوح شديد بعيدا عن تلك المرآة المشوهة في منزل والدتها . جبينها الصغير ، حاجباها السوداوان بعينيها الواسعتين بنفس اللون ، أنفها الدقيق وشفتاها المشققتان بجفاف ، وجنتاها الشاحبتان الفاقدتان للون الحياة … لقد كانت شبه إنسانة .. شبه فتاة تحمل لمحة أنوثة تم إلقاء الثرى عليها منذ زمن . عيناها الواسعتان غائرتان ، متعبتان ، تحملان الكثير من الهموم والحزن ، فلن تستطيع الاستمرار هكذا بين جدران بيت ليس ببيتها وصاحب البيت غادره منذ أتت هنا بشهامة معروفة عنه ليأتي مرتين يطمئن ويُحضر احتياجات البيت ، وقابلها صدفة مرة منهما حينما أصرت والدته على أخذ رضوى معها للمطبخ تصنع لها الحلوى وتحاول إلهائها ولكن هباء ، فرضوى تسير كالفاقد روحه ، لا تُظهر اعتراض على شيء ولكنها مكتومة بلا روح ولا حياة ! كانت تجلس في الصالة على الأريكة تمسك بالمصحف تحاول التماسك والقراءة لوالدتها كما أخبرتها الخالة أم نوران ، تحاول ترطيب الحزن بكلام الله ، تحاول التواصل مع والدتها عن طريقه فربما تأتيها في المنام وتريحها . صوت نحنحته الرجولية نبهها لتعتدل في جلستها وتتأكد من حجابها لتسمعه ينادي والدته حرجا من اقتحام المكان وهما موجودتان فيه لتجيبه بتردد حينما لم تسمعه والدته . " خ .. خالتي بالداخل …" ليصمت محمد لحظات حينما سمع صوتها وهي كانت متجمدة على الأريكة لا تستطيع النهوض ولا الحركة لتسمعه يقول بخشونة " هل يمكنني الدخول ...؟؟…" هل يطلب الإذن في بيته ..؟؟ رمشت مرارا وشيء من الأمان يسكن قلبها بسماع صوته لتجيبه بتردد خجول " نعم …" لتنظر للباب المفتوح في انتظار دخوله لترمش وذلك الشيء العجيب يحيط بها ، ذلك البئر العميق من الحزن والألم الذي يسكن داخلها يقل … قليلا ! طلته بوسامته البرية وتلك الخشونة التي تحيط به ، أناقته البسيطة بثيابه العملية المعتادة من بنطال جينز وكنزة تلتصق على جذعه … وجهه الطولي بعظامه الظاهرة وتلك العظمة التي تظهر بوضوح في عنقه . أسبلت أهدابها وذلك اليأس يسكن محياها ، لقد كان أمامها رجل لو أشار لإحداهما لأغدقته بالإعجاب حتى لو لم يكن رجل غني فيكفي شخصه وشكله ، أما هي … فتاة بملامح لم تعد تذكرها جيدا ، بجسد أنثوي فقد نعومته من كثرة التعب والعمل حتى شعرها الذي كانت تتميز به في صغرها أهملته فلا تمرر المشط فيه سوى كل عدة أيام … فتاة بمسئولية لا يتقبلها أحد وحياة غامقة ككحلة عينيها ! " كيف حالك الآن يا ست رؤيا ..؟؟…" صوته … نبرته … هناك شيء مختلف ولا تعلم ما هو شيء يجري في عينيه التي التقت بعينيها لتجيبه بخفوت حزين " الحمد لله …. الحمد لله على كل شيء …" وضع ما بيده من أشياء على الأرض ليردف بخشونة صلبة بها شعرة حنان " كل شيء سيمر … صدقيني … لا حزن يستمر ولا فرح يستمر …" أطرقت بوجهها لتتوقف نظراتها على أناملها المتشابكة في حجرها لتجيبه بنبرة خفيضة " لا شيء يستمر بالفعل ولكنه لا يزول ، بل يختفي الوجع والأثر باقِ في مكان عميق داخل القلب لا يراه سوى صاحبه .. هكذا هي الحياة وما اعتدنا عليه …" هل يستطيع الإنكار ..؟؟ هو أكثر شخص في هذه الحياة لا يستطيع الإنكار ولا يجرؤ على التكذيب وقد عاش سنوات عمره بالوجع الذي لا يختفي مهما فعل . معها حق هكذا هي الحياة ! لكنه يتحمل … هو رجل يتحمّل الصعاب ولكنها أضعف من أن تتحمل كل هذا الوجع وهذه التقلبات التي تحني أعتى الرجال . رمقها من بين أهدابه ، الحزن يُخفي معالم وجهها ، يُخفي عينيها الكبيرتين بلمعتهما المميزة ، تلك القوة التي تسكنهما اختفت ليحل الحزن والألم مكانها فكلما نظرت تتألم لأجلها . " لا تستسلمي للحزن … أنا لم أركِ سوى قوية … تقفين بقوة ألف رجل لتدافعي عن شقيقتك فلا تضعفي الآن … شقيقتك تحتاجك …" اتسعت عيناها وهي تسمعه ، لأول مرة يُحدثها هكذا بدون حذر ، بدون تكليف . هل هو يراها بتلك القوة حقا ..؟؟ لم تستطع السؤال وقتها وقد خرجت والدته من المطبخ ترحب به بحفاوة لتلتقي نظراتها بنظراته الغامقة بإرباك ، لم تكن تعلم أنه يتذكر تلك اللحظة التي حملها بين ذراعيه فيها ، ذلك التلامس الذي حدث أربكه ، جعل داخله يصبح كالأرجوحة بلا توقف . " لا …. لاااااا …… لاااااا ابتعد …. لاااااا …. ماماااا …" انتفضت على صوت شقيقتها الذي يرتفع شيئا فشيء وهي ترى كابوسها الأسود لتركض عليها ترفعها من نومها لتخفيها في صدرها باحتضان قوي وصوتها يأتي يطمئنها " أنا هنا …. أنا هنا يا رضوى … أنا هنا يا حبيبتي … لا تخافي … لقد انتهى … انتهى كل شيء … رضوى …" كل كلمة بدمعة تنساب من عينيها وهي تتخيل بشاعة ما عاشته شقيقتها وهي الغبية التي لم تفهم سوى متأخر ، هي السيئة التي انغمست بين العمل والمسىوليات ونسيت شقيقتها .. نسيت أمانة والدها . آه الوجع مضاعف … قاسي .. لا يهدأ كلما نظرت لرضوى يزداد وجعها أضعافا … كلما نظرت لعينيها تكره نفسها وتريد تفتيت ذلك المجرم الهارب بأسنانها الا أنه هرب ، قتل والدتهما وهرب ، أضاع عائلتها وهرب . ربتت على ظهر شقيقتها لتردف بحنان " سنكون بخير يا رضوى … أعدك حبيبتي … سنكون بخير .." | ||||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|