آخر 10 مشاركات
كوب العدالة (الكاتـب : اسفة - )           »          خلف الظلال - للكاتبة المبدعة*emanaa * نوفيلا زائرة *مكتملة&الروابط* (الكاتـب : Just Faith - )           »          الإغراء الممنوع (171) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 1 سلسلة إغراء فالكونيرى..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          في غُمرة الوَجد و الجوى «ج١ سلسلة صولة في أتون الجوى»بقلم فاتن نبيه (الكاتـب : فاتن نبيه - )           »          قصر لا أنساه - مارغريت مايلز- عبير الجديدة -(عدد ممتاز ) (الكاتـب : Just Faith - )           »          سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          79 - قسوة وغفران - شريف شوقى (الكاتـب : MooNy87 - )           »          1 - من أجلك - نبيل فاروق (الكاتـب : حنا - )           »          وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          تشعلين نارى (160) للكاتبة : Lynne Graham .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree137Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-11-19, 10:23 PM   #581

ضحى حماد

نجم روايتي ومشرفة سابقة

 
الصورة الرمزية ضحى حماد

? العضوٌ??? » 269097
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 2,300
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Syria
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » ضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك max
افتراضي


تسجيييييييييل حضووووووووووور يا حبي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 53 ( الأعضاء 18 والزوار 35)
‏ضحى حماد, ‏ام الارات, ‏قارئة استثنائية, ‏affx+, ‏Warda123, ‏سندراقاسم, ‏rowdym, ‏مزوووووون, ‏ام رمانة, ‏Samaa Helmi, ‏gegesw, ‏Better, ‏samam1, ‏أنوار سوسن, ‏ام يونس1, ‏De Amona, ‏سديم سديم, ‏عاليا محمد


ضحى حماد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-11-19, 10:28 PM   #582

ضحى حماد

نجم روايتي ومشرفة سابقة

 
الصورة الرمزية ضحى حماد

? العضوٌ??? » 269097
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 2,300
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Syria
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » ضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك max
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 58 ( الأعضاء 18 والزوار 40)
‏ضحى حماد, ‏Jijel, ‏عاليا محمد, ‏قارئة استثنائية, ‏gegesw, ‏امه الرحمن4, ‏سندراقاسم, ‏ام الارات, ‏affx+, ‏Warda123, ‏rowdym, ‏مزوووووون, ‏Samaa Helmi, ‏Better, ‏samam1, ‏أنوار سوسن, ‏ام يونس1, ‏De Amona


ضحى حماد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-11-19, 10:30 PM   #583

ضحى حماد

نجم روايتي ومشرفة سابقة

 
الصورة الرمزية ضحى حماد

? العضوٌ??? » 269097
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 2,300
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Syria
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » ضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك max
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 60 ( الأعضاء 20 والزوار 40)
‏ضحى حماد, ‏سبنا 33, ‏sira sira, ‏affx+, ‏darinemounamaria, ‏عاليا محمد, ‏قارئة استثنائية, ‏gegesw, ‏امه الرحمن4, ‏سندراقاسم, ‏ام الارات, ‏Warda123, ‏rowdym, ‏مزوووووون, ‏Samaa Helmi, ‏Better, ‏samam1, ‏أنوار سوسن, ‏ام يونس1, ‏De Amona


ضحى حماد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-11-19, 10:32 PM   #584

قارئة استثنائية
 
الصورة الرمزية قارئة استثنائية

? العضوٌ??? » 377599
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 315
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » قارئة استثنائية is on a distinguished road
¬» مشروبك   cola
افتراضي

تسجيل حضور
♥♥♥♥♥♥


قارئة استثنائية غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 06-11-19, 10:48 PM   #585

ضحى حماد

نجم روايتي ومشرفة سابقة

 
الصورة الرمزية ضحى حماد

? العضوٌ??? » 269097
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 2,300
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Syria
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » ضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك max
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 63 ( الأعضاء 26 والزوار 37)
‏ضحى حماد, ‏lotus baka, ‏gegesw, ‏affx+, ‏Hend fayed, ‏رغدجني, ‏نوره خليل, ‏ام معتوق, ‏قارئة استثنائية, ‏شوشو 1234, ‏سبنا 33, ‏ghdzo, ‏sira sira, ‏darinemounamaria, ‏عاليا محمد, ‏امه الرحمن4, ‏سندراقاسم, ‏ام الارات, ‏Warda123, ‏rowdym, ‏مزوووووون, ‏Samaa Helmi, ‏Better, ‏samam1, ‏أنوار سوسن, ‏De Amona


ضحى حماد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-11-19, 10:55 PM   #586

ضحى حماد

نجم روايتي ومشرفة سابقة

 
الصورة الرمزية ضحى حماد

? العضوٌ??? » 269097
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 2,300
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Syria
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » ضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك max
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 67 ( الأعضاء 28 والزوار 39)
‏ضحى حماد, ‏الغفار, ‏affx+, ‏sira sira, ‏ام الارات, ‏سندراقاسم, ‏lotus baka, ‏gegesw, ‏Hend fayed, ‏رغدجني, ‏نوره خليل, ‏ام معتوق, ‏قارئة استثنائية, ‏شوشو 1234, ‏سبنا 33, ‏ghdzo, ‏darinemounamaria, ‏عاليا محمد, ‏امه الرحمن4, ‏Warda123, ‏rowdym, ‏مزوووووون, ‏Samaa Helmi, ‏Better, ‏samam1, ‏أنوار سوسن, ‏De Amona


ضحى حماد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-11-19, 11:24 PM   #587

ام يونس1

? العضوٌ??? » 418937
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » ام يونس1 is on a distinguished road
افتراضي

هنام اشوفكم بخيرررر
الصبح سلام


ام يونس1 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-11-19, 11:31 PM   #588

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

اعتذر منكم وبشدة الفصل كان طويلا واخذ مني وقت للتنقيح ... المشهدين كانا صعبين فدققت بتمهل .... اعتذر مرة اخرى... لن يعادد التأخير باذن الله... سأنزل حالا ان شاء الله

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 06-11-19, 11:35 PM   #589

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الحادي عشر


إن هدي الإسلام أن يكون الإنسان جاداً في قوله وعمله وكل شأنه، مع شيءٍ من البشاشة وطلاقة الوجه... عمر عبد الكافي.



*بين الحقول*

)يا رب أين هما؟)
تتمتم بقلب وجل حين اكتشفت أنها تأخرت عن نهيلة وسلا بسبب تفقدها لهاتفها في انتظار منشور من شاغل أفكارها كدلالة على ما ينبئها به قلبها.
(تبا للعنة الهواتف والهوس بالشبكة العنكبوتية!)
انسلت الكلمات بخفوت من بين شفتيها المزموتتين بعصبية ممزوجة بوجل أرعد قلبها وهي تتلفت يمينا ويسارا بحذر عبر إنارة الهاتف، توجهها أينما نظرت.
(لا أصدق ما أراه!)
انتفض خافقها قبل بدنها على حس نبرته الساخرة والتي لم تخلو من الدهشة الظاهرة على ملامحه وهو يقترب منها، يرنوها بنظرات متفحصة.
(هل هذه حقا تلك الفتاة المرعوبة مني؟)
يتابع مؤنس ساخرا، موجها نحو وجهها مصباحه اليدوي.
كانت مصدومة، جامدة، تطالعه ببلاهة مضحكة أثرت عليه فتبسم بمرح، متجاهلا صخب صدره المتأثر بمظهرها المتأنق.
(لابد وأنني وحش إذن!)
التقطت كلماته الغامضة فرفت بجفنيها مرات عدة قبل أن تتراجع عنه الى الخلف ولم تكد تكمل نصف خطوة حتى خانها حذائها ذو الكعب العالي الخاص بالمناسبات وهو يغوص في التربة المبللة، رافضا مواكبة سرعة حركتها فودعت كبريائها وكرامتها استعدادا للموقف الأكثر إحراجا في حياتها لكن الله كان بها رحيما ومؤنس يصدر رد فعل فوري، قابضا على ساعديها من فوق نسيج فستانها الحريري ليكون مصير مصباحه اليدوي، الوقوع أرضا بدلا منها.
حاوطهما صوت الري الليلي بتناغم مع صوت الحشرات والضفادع، يصاحبهم العبير المنعش للأرواح.
يتناظران بسهو لحظي بينما هما على وضعهما، يمسك ساعديها بكلتا يديه وهي على حالها المائل الى الخلف، فكان هو أول من قطع تلك اللحظة الساحرة، خوفا من تأثيرها عليه، يشعر بنفسه يغرق في فخ ممتع لعقله ولن يدفع الثمن سوى قلبه النابض بقوة.
ابتسم بمكر، يكمل جملته السابقة.
(بما أنك تتجولين ليلا في الحقول دون خوف!)
عقدت جبينها، ترمقه بحيرة وجهل فسحبها قليلا لتستقيم بجسدها على قدميها، مذكرا إياها بالوضع الذي هما فيه.
اهتزت بوجل من غياب حكمتها أمام تصرفاته فنفضت كفيه عنها، تجذب قدميها بكل قوتها وحين رفض الحذاء الانصياع لها استلت قدمها اليمين من داخله اتبعتها باليسار ثم انحنت لتحاول جذبهما بكفيها تحت أنظاره المدهوشة من فعلتها.
راقبها كيف استقامت بظهرها والحذاء رهين قبضتها اليمين بينما الهاتف في كفها اليسار تنظر إليه بأنفة مترددة، تزم شفتيها بعبوس متحدٍّ بينما مقلتيها ترتعشان في نظراتهما الغير متواصلة نحوه.
(تخافين مني بينما لا تخافين من الحقول المظلمة ليلا!؟)
بادرها مبتسما بتسلية، فبللت شفتيها تندفع قائلة بخفوت جاف.
(أنا لا أخاف منك!)
(حقا!)
فتح بها فمه الباسم فأسرعت تطرق برأسها حياء، أطرافها ترتعش إثارة وخوف.
(فلماذا ترتجفين؟)
(ها!)
رفعت رأسها تستفسر ببلاهة فأشار الى كفيها، يبرهن لها على صدق ملاحظته عبر الحذاء والهاتف الغير تابتين.
حادت إليهما بمقلتيها العابستين للحظة قبل أن تضمهما الى صدرها بقوة أضحكته إلى حد القهقهة.
(حسنا يا من لا تخافين مني كما لا تخافين من الحقول أثناء الظلام .. وقطعا لا ترتجفين!)
لمعت ظلمتيه مع تهكمه المرح، يكمل باستفسار عابث.
(ماذا تفعلين هنا؟)
تلفتت بحرج مرة أخرى، تقول بخفوت مرتعش حاولت السيطرة عليه دون جدوى.
(نبحث عن الجدة زهرة)
علِقت مقلتيه الساخرتين في تعبيرهما عند قدميها بينما يجيبها بتحذير.
(أعيدي حذائك إلى قدميك... لست مضطرة لإثبات عدم خوفك بهذه الطريقة...)
هزت رأسها مرات عدة ثم همست بتوتر لا ينكره في نفسه هو الآخر اطلاقا.
(سيعلق في الطين...)
ارتفع حاجبيه، يحذرها، غير قادر على تخيل تعرضها لقرصة أو عضة من حشرة سامة وما أكثرها بين الزروع.
(أن يعلق حذائك في التربة خير لك من عضة حشرة سامة ...)
شهقت بخوف، تتلفت حولها كالمجنون، تهتف دون وعي.
(أين هي؟؟... أين الحشرات؟.. )
رقت مقلتاه بحنان انبثق من العدم ليملأ قلبه بالخوف عليها، مقاطعا هذرها.
(اهدئي... أنا فقط أحذرك باعتبار ما قد يحدث...)
عادت الى جمودها، ترمقه بتلك الطريقة التي توحي بعدم ارتياحها بينما هو يملك في جعبته الكثير من الحديث مع رغبة مجنونة للبوح به أمامها وحدها دون غيرها
في عمق أحشائه توق محرق لمعرفة الكثير عنها وحولها،
لكن كيف! وهي ترتعش أمامه بكل ذلك التردد والضعف والحياء كما لو أنها تهابه أو شيء ما يجهله خلف ذلك كله، غموض يحيره، مثيرا داخل نفسه فضولا اكتسحه في مرحلة هو فيها أحوج ما يكون لمخدر يلهيه عن جحيمٍ فتح له أبوابه بحمقٍ حتى تاهت عنه مخارج النجاة.
(هل!)
(مؤنس!)
بتر سؤاله على إثر نداء جرير الذي شعر في نبرته باستغاثة علم سببها حين لمح مرافقتيه، فارتخت شفتاه ببسمة ماكرة، يجيبه ساخرا.
(نعم يا ابن عمه!)
ارتفع حاجب جرير بعبوس مهدد بينما صفاء تهرول نحو أختها بخطوات شبيهة بقفزات البطة، تهمس لها بشيء ما، تلاه انحنائها وهي تستند إليها لتدس قدميها داخل حذائها.
(تفضل رافقهن إلى منازلهن ...وأنا سأستمر في البحث حتى تعود...)
لازالت بسمته المستفزة عالقة بشفتيه، يرد بنفس المكر الساخر.
(ولماذا نضيع الوقت.... لنبقى هكذا فريقين.. ونكمل بحثنا...)
(مؤنس!...)
هتف بتهديد جاف، يرميه بسهام حادة.
(المكان مظلم لا يليق بالفتيات ... رافقهن إلى منازلهن .. وعد لنكمل البحث....)
حرك رأسه نحوهن، يقول بهزة كتف هازئة.
(جرير يرى أن المكان مظلم ولا يليق بكن... تفضلن لأوصلكن...)
كتمت زينة ضحكتها كما فعلت صفاء المتشنجة بطريقة أربكت تقوى وجعلتها ترمقها بنظرة غامضة قبل أن تقول بخفوت.
(ماذا عن سلا ونهيلة؟)
فتح جرير فمه يهم بالرد حين تدخلت زينة، تقنعها بهدوء.
(جرير هنا وأيضا شقيق كل واحدة منهما....من الأفضل أن نعود الى حفيظة ونرافق موكبها إلى بيت زوجها...)
(أي موكب هذا الذي سترافقنه ؟... عدن الى منازلكن... ألست قلقة على والديك؟)
تدخل جرير زاجرا بحنق فمططت زينة شفتيها دون رد تكفل به مؤنس، مشيرا لهن لتتقدمنه.
(عمي وزوجته مع شقيقتي وابنتها... تفضلن من فضلكن!)
ثم أكمل بنبرة مازحة، مسموعة لجرير الذي زفر بعبوس وحنق شعر به طفولي أكثر، فما من معنى لغيرته السخيفة والجميع متجمعين للاحتفال بعرس حفيظة وفواز؟
(لا تأبهن لابن عمي ... أحيانا تتجمع الدماء في دماغه فتمنعه عن التفكير بهدوء...زينة تملك فكرة عن ذلك.... متأكد من أننا سنلحق بموكب حفيظة...لا تقلقن ....)
تقاعس قلبه عن إصدار أمر لعقله بتحريك قدميه و ظل في مكانه يشيعهم بأنظاره الساهمة لبرهة من الزمن، كفه اليسرى ترتفع بروية لتحط فوق وجهتها التي لم تكن سوى، خافقه الثائر من أجل شاغلته.
فتح فمه ليعبئ رئتيه من رائحة الزرع والتربة المبللة التي يوازي عشقه لها ما يكنه لحبيبته، يهدئ من وجيب قلبه، مقلتيه القاتمتين كقاتمة الظلمة في ليلتهم تلك، معلّقتين بشبح جسدها المبتعد رويدا رويدا دون أن يكون له أي أثر على قلبه الخافق بحدة، يذكره بنظراتها وموقفها الذي أختلف رغم فقدانه للقين في ما يعنيه ذلك إلا أن هاجسا يخبره بكونه اختلافا جد مهم لا يجوز له تجاهله، لكن كيف يفعل ذلك؟ وهو الذي قرر المضي قدما في طريق استرجاع الحقوق!
تنهد يخرج أنفاسه المكتئبة واستدار يحرك ساقيه بين الحقول، متسائلا عن وجهة امرأة تخطت الستين بكثير، تعاني من مرض يتغدى بوحشية على خلايا دماغها؟ ولم تسعفه حيلته سوى لمزيد من التجول حتى أوشك على تجاوز حدود الحقول مقابل خلاء يؤدي الى الجبال السوداء، هناك تسمرت قدماه قبالة ظل جامد، متخصر كتمثال حجري لا ينتمي لعالم الأحياء وقبل أن يعلم ما يحدث فرّت الكلمات من جوفه بحرقة ألهبت أحشائه على مدى السنوات الماضية، يقول بسخرية مريرة.
(ألم تجدها بعد أيها الأشقر السحّار؟)
انتفض التمثال في لحظة مستديرا إلى مخاطبه الذي سلط عليه النور من مصباحه اليدوي فلم يتكمن من رؤية ملامح جرير الساخرة بمرارة على عكس الأخير الذي التقط الصدمة من على محياه البائس فاستدرك حديثه المرير.
(أليس هذا لقبك في المدينة؟.. بل في كل مدن؟... هل ظننت أنني لن أعلم ذلك؟... سمعت أن صيتك تعدى حدود البلاد.... وأصبح لك زبائن حمقى... يأتونك من الأقطار العربية والغربية... )
يشير عليه بمصباحه وكأنه يخضعه لتعذيب أو جلسة تحقيق قاسية فيقرأ تعاقب التعابير على صفحة وجهه بينما هو يحتمي بانعكاس النور على عينيه الزرقاوين فلا يتبين له جفاء غضبه الأسود، مسترسلا ببرود.
(لماذا لم يدلوك عن مكان جدتك؟... ما دمت تستعين بهم لماذا لم تطلب منهم الليلة؟ ....)
أطرق بهيج برأسه وقد تعب من مواجهته بقسمات مصدومة غادرها لونها الطبيعي فيوجه له مزيدا من الضربات الموجعة دون رحمة.
(أخبرني يا بهيج؟... ماذا تقدم لهم في سبيل تحقيق رغباتك؟... ماذا يطلبون منك ليعقدوا معك الصفقات؟... ويساعدوك في نشر الضلال وأذية الناس؟...)
يتجه نحوه بخطوات متمهلة ومع كل خطوة يرميه بعبارة قاضية تحاصره بجيش من الذكريات تتكالب عليه بأنياب الذنوب والمعصية، تنهش أحشائه بوحشية اتسمت بها نفسه قبلا وهو يمارس الكفر وسط غفلة غلّفت قلبه بالرّان فاستهان بعظم الذنب واستخف بقدر من عصاه.
فسق عن أمر ربه وتكبر ليلحق بركب من لم يكن حقا له عليه من سلطان سوى أن وسوس له فأطاعه ليغنم بخسران مبين شعر به يهوي بقلبه وكيانه في قعر جحيم مظلم ولا زال يهوي.
(تحدث يا سحّار؟.... هل طلبوا منك تدنيس كتاب الله لتثبت مدى إخلاصك لهم؟)
ارتعشت فرائسه بكل وضوح لنظرات جرير السوداء وما كان لتأخذه به رحمة، يكمل بكل قسوة.
(هل وافقتَهم في ذلك؟... هل سبق لك ودنّست كتاب الله لتحقيق رغباتك؟.... هل فعلت ذلك يا دجال؟....كم من مرة مارست فيها ذنبا عظيما يهتز له عرش الرحمن كي تستعين بالشيطان وتحصل على رضاه؟.... ولكي تبرهن له على كفرك بمن خلقه وخلقك؟ ... كم من مرة شوهت فطرتك السوية بفعل شنيع أو فاحشة مقيتة في سبيل اتباع هوى نفسك؟...)
كان قد التهم المسافة بينهما بأكملها، يقابله وجها لوجه وهو يرفع المصباح ليظللهما بأنواره الساطعة فتنكشف الملامح المظلمة لكلاهما وتتلاقى النظرات المحتدة حين أضاف بكل مقت الدنيا.
(سألتني لماذا نمى الكره في صدري حيالك يا بهيج؟.... سأمنحك الرد في التو واللحظة... في الحقيقة ليس كرها على قدر ما هو قرف! ... فلقد اكتشفت أن لا شيء في هذه الحياة بأكملها يستحق مني جهدا بليغا يقتات على سلامة صدري كشعور بالحقد والكره.... انما أنت؟ اشمئز منك ... حقيقة أنك بِعت نفسك للشيطان تثير اشمئزازي يا بهيج.... والحق أنني لم أشعر بذلك حتى حين علمت بأن عمك ساهم في تدمير والدي!.....)
فجأة لفّهما الصمت يغشى آذانهما عن أصوات الدواب حولهما، لحظات طوال تلك التي تواجهت فيها النظرات، خاصة بهيج المصعوقة كليا مقابل خاصة جرير الجياشة بسعير محرق.
(م....ماذا؟)
تجعد دقن جرير باستحقار، يجيبه.
(عمك الذي اتخذت دربه على ما يبدو واستلمت شعلته ... دمر والدي بنفس الطريقة التي لابد دمرت بها أناس كثر... ورغم ذلك لم أسمح لنفسي يوما بتحميلك وزر غيرك... لكن يا حسرة!..)
مال برأسه أقرب نحو وجهه، يكمل بنفس التحقير.
(بعت نفسك للشيطان تماما كما فعل هو ... واين هو الآن يا بهيج؟... الجميع يعتبرونه مفقودا ... لكنني على يقين أنه لاقى جزائه على شناعة أفعاله في مكان ما... فهل أنت مستعد لنفس المصير أو أسوء؟... يا دجال!)
تعمد النطق بكل تلك الاستهانة والتحقير علّه يفلح في استفزاز البذرة الصالحة، إذا صدق ما قيل له ويظنه هو الآخر وكان لها وجودا متواري في عمق أحشائه.
(هل أكل الكلب الأسود لسانك؟)
أضاف جرير باشمئزاز فتنفس بهيج معيدا رأسه الى الخلف قليلا غير متفاجئ من قوله ذو المعنى الواضح وظل يرميه بنظرات فارغة، تائهة كالسراب قبل ان ينطلق لسانه بخفوت باهت فارقه صداه الى البعيد.
(جدتي ماتت يا جرير!)
عقد المعني جبينه، يحلل كلماته قبل أن يسأله بنبرة تنبئ بثورة ستفيض عليه بحمم مدمرة إن صدق ما يفكر به.
(كيف عرفت ذلك؟)
لكن بهيج كان أبعد ما يكون عن الرشاد والكياسة ليلتقط المعنى المشار إليه بينما هو مستسلم يرفع كفه بفتور، يشير الى خلفه على الأرض.
(لقد وجدتها... قبل قليل من وصولك... لكنها ميتة يا جرير.. لقد ماتت جدتي زهرة...هنا لحالها...)
نظر حيث يشير ثم أسرع إليها، يفحص عنقها فشعر بها باردة جدا وجامدة جمود....الأموات.
رفع رأسه إلى السماء قبل أن يعود لتفقدها مجددا باحثا عن أي مؤشر للحياة، دون جدوى، فاضت الروح إلى خالقها وتجمدت الأطراف وأعلن القدر عن نهاية رحلتها، آن أوان تسليم الأمانة ومهلة امتحانها قد انقضت.
أستسلم مُرخيا ذراعيه عنها، لاهثا بينما يهوي على ركبتيه، يتأمل الجسد الساكن والذي بدى حجمه قد تضائل كثيرا ثم أدار رأسه بنظراته المصدومة حوله بتيه قبل أن ينتفض واقفا، يستدير الى الجامد خلفه وكأنه هو الآخر قد غادرته روحه، يقبض على ذراعيه يهزه هزا، يصيح في وجهه بملئ فيه.
(هل رأيت كم هي قصيرة رحلة الحياة؟... مهما ظننا بعجز عقولنا أنها طويلة بسنواتها المتعاقبة لابد لها من نهاية... حينها كل شيء يفقد أهميته!)
أشار إلى الجثة الهامدة، مستدركا بينما يواصل هزه بيده الأخرى، عروق عنقه توشك على الانفجار من شدة تصلبها.
(انظر إليها وأخبرني... ما الذي يهمها الآن من كل ما نحن فيه! ... انظر إليها!).
أدار رأسه إليها جبرا فلم يلمح تدحرج دموعه الحارقة على وجنتيه بسبب الظلام وقد نسي جرير أمر مصباحه على الأرض.
(أين هم الذين بِعتَ نفسك لهم لينفعوها الآن؟... هل نفعوك أنت حيا لينفعوها هي ميتة؟... أين كانوا حين خرجت جدتك من البيت ؟... أين كانوا حين هامت على وجهها دون علم أحد من أهلها؟ ... أنظر إليها واطلب منهم أن يعيدوها للحياة أو أن يشفعوا لها أمام خالقها!... أيقظها إن استجابت لك واسألها ما هو الشيء الأهم بالنسبة لها حاليا؟)
شعر أخيرا باهتزاز كتفي بهيج فقرب رأسه من وجهه، يتفحصه بوجوم أثّر على نبرته فخرجت بائسة، فاترة.
(يا أحمق لقد ضيعوا جدتك كما ضيعوك وضيعوا عمك والكثير من الناس.... افهم وعي أن الشيطان عدو الانسان الأول والأخير.... يوسوس له ويغرر به ثم يخضعه لبشاعة أفعاله ويذله ...و بعد كل ذلك يتبرأ منه حين يتأكد أنه هوى الى الجحيم معه.... ألم تسمع قول الله ... * إِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)..)
لازال يهزه بحركات خفّت عنها الحدة السابقة، مواصلا توبيخه.
(كيف رضيت بعدوك الذي يعيش ليدمرك حاقدا عليك عن ربك الذي خلقك ليرحمك بديلا؟.... بِئسا لك من بديل يا بهيج.... بئسا لك!!)
(كفى كفى كفى!)
صاح بهيج بقوة دافعا عنه جرير قبل أن يصدر صرخة أقرب لعويل ذئب جريح، انحنى يلهث بأنفاسه المختلطة بنحيبه قبل أن يستقيم مبتعدا، يروح ويجيئ كمعذب علق فوق صفيح ساخن.
(تظن أنني لم أكتشف ذلك بعد سنوات قليلة ..... دعني إذن أصدمك يا صديقي!....)
توقف جسده دون أن يتراجع عن تأهبه ولا اهتزاز ذراعيه في كل اتجاه، يهتف بنبرة أقرب للهذيان.
(لقد علمت كل ذلك وتأكدت منه بنفسي!.... لكن كيف تنتظر من واحد مثلي العودة عن طريق الهلاك!... انه الهلاك يا صديقي فخ مميت حين تقع فيه لا تعود منه!)
هز جرير رأسه، يخاطبه برفض لما يقوله.
(بل الباب مفتوح على مصراعيه أمامك ما دمت لم تتخطى بعد ذلك الحاجز؟)
أشار إلى جدته يعني الموت فاهتز بهيج رافضا النظر نحوها واقترب من جرير، يخبره نافثا أنفاسه المشبعة بالغليل.
(ومن قال أن موت القلب مرتبط بمغادرة الروح للجسد؟.... ألم تسمع عن القلوب العمياء في الصدور؟... وعن القلوب الميتة كأرض خربة لا تصلح لا للزرع ولا العمار؟.... هكذا هو قلبي بعد كل ما فعلته... فكيف له أن يتقبلني بعد ما سبق وذكرتَه أنتَ بنفسك؟.... كيف يفتح بابه لمن رضي بعدوه الذي عصاه ونفاه بعيدا عن رحمته بديلا عنه هو! كيف! ....)
رفع كفيه الى وجهه يمسحه بهما ويغطيهما، يستطرد ببؤس كئيب.
(لقد فات الأوان.... فات الأوان...)
تحرك جرير نحوه، يجيبه بنبرة ساخرة.
(مازال شيطانك يغرر بك.... ما دمت تصدقه هو ولا تثق بقول الله أنه هو التواب الذي يقبل التوبة عن عباده مهما بلغت معاصيهم ... فأنت لازلت خاضعا لسلطانه الواهي عليك...)
يبلع ريقه بتوتر بالغ يوازي ثورة أنفاسه الهادرة، عينيه الجاحظتين ترقبا تتمركزان باهتمام على ظلمتي جرير ذوتا نظرات عنيفة كعنف لكزة سبابته على أعلى كتفه.
(عد إلى كنف ربك يا بهيج!.... عد قبل أن تفيض روحك إلى خالقها وتخذل نفسك ووعدك الذي قطعته أمام الله بأنك على قدر الأمانة..... لا تكن مثله يا بهيج هو فات عليه الأوان... تكبر وعصى وطُرد من رحمته... وبدل أن يعود منكسرا بين يدي من خلقه! ... ظلّ على إصراره وضلاله بل وتحدى خالقه وأقسم على خسران بني آدم معه يا بهيج! ... الشيطان خسر وفات الأوان عليه... فلا تكن مثله يا صديقي!)
شهق بقوة متأثرا بكلمة صديقي من فاه جرير وبالرغم من الظلمة المحيطة بهما، استطاع لمح ذلك اللمعان الذي طفى على صفحتي مقلتيه السوداوين بينما يكمل بملامح ارتخت عن حدتها لتتحول إلى توسل أثار استغرابه قبل صاحبه.
(ستقع مجددا وتضعف... تذنب وتتوب ... تبتعد وتقترب ... كل ذلك سيحدث .. أمر مُسَلم به ... ما إن تقرر العودة سيجمع الشيطان جيشه حولك.... سيجرب كل شيء ... التغرير والتهديد والتخويف .... وسيستعين بنفسك التي تعودت البعد... وقرينك الذي منحته مساحة كبيرة ليستولي عليك... وأطرافك التي تشبعت بالحرام حتى تمرّدت وضلّت.... كل ذلك سيستغله ضدك ... ولن ييأس حتى تلفظ أخر نفس من أنفاسك... ولستَ الوحيد... جميعنا كذلك... لكل ابن آدم شياطين يحومون حوله ولا يسأمون مهما بلغ التزامه أو انفلاته حتى يسلم أمانته لخالقه.... حينها فقط يستسلم إن خسر روحه ويسعد إن ربحها معه ونيسة في الجحيم.... )
يحرك بدنه باضطراب دفع بجرير ليطبق براحتيه على كتفيه، فكانت تلك الحركة وكأنها أخذته على حين غِرة خلفت داخل مقلتيه نظرة ذات ملمح غريب، يستحيل وصفه من شدة تلاحم المشاعر عبرها بين التأثر، الصدمة، الحنين، الخوف، الخزي وبعض الأمل، هل حقا هناك أمل؟ ذلك السؤال بالذات تتشاركه النفوس مهما بلغ بها الإيمان والصدق، لابد تمر عليها لحظة يأس أو خوف ووجل فتتساءل بفؤادٍ متأرجح بين الرجاء والخوف بنداء واحد شامل، معبر عن عجز اللسان.... يا رب!
هو جرير الفلاح، جرار الحقول كما يحلو للجميع أن يناديه ليس انتقاصا وانما إشادة ببراعته، أحب صنعته ودرسها فبرع فيها بتوفيق من الله.
صوّب مقلتيه بتصميم ويقين نابع من صميم قلبه نحو مقلتي صاحبه وفتح فمه لينطق بكلمات يعنيها بكل حرف تكونت بها لتصير بذورا صالحة أحسن انتقاءها ليزرعها في أعماق تربة قلبه الخصبة بعد أن حرثها قبل قليل وهيّئها استعدادا لتقبلٍ أكثر، بعدها سيفكر في الطريقة المناسبة للري والمراعاة، لقد صدق محسن في قوله ويا ليته أصغى إليه قبل وقت طويل!
ليته حاول منذ البداية ولم ينشغل بعقده التي تبدو الآن أمام ضياع صاحبه أقرب للتفاهة!
(قاوم كل ذلك وأنت موحد لخالقك ... عد إليه يا بهيج مهما بلغت ذنوبك! حارب وأنت مستجير به ...منكسر بين يديه.... مهما وقعت مهما ضعفت مهما ابتعدت كن في حيز عباده .... سلم بوحدانيته يا بهيج ولا تكفر به.... ابتعد عن السحر وارفضه لأنه كفر بالله... عد وافعل ما عجز عنه الشيطان.... تب الى ربك ... واستغفره وهو لن يغلق بابه في وجهك لأنه وعد خلقه بذلك ... وزوال الكون أهون عند الله من أن لا يحقق وعوده... كلنا نذنب ونضعف لكن الفرق شاسع بين مذنب يتوب من ذنبه كل حين خوفا من خالق لا يفقد فيه الأمل أبدا ... و بين عاص كفر برحمة الله ويئس منها .... وكذّب بقوله بل ويمارس كفره به إرضاء لشيطانه .... عد يا بهيج! ... أسألك يا صاحبي بربي الذي سخرني اللحظة ورقق قلبي نحوك رغم كل غضبي منك... أسألك بربي الذي سخر لك قلب محسن المحب يدعو لك في كل صلاة... أسألك بربي الذي زرع حبك في قلب جدتك جوهرة!.... الجدة جوهرة يا بهيج!... الى متى ستظل هاربا منها؟... )....
ازدرد ريقه نازعا نظراته من عليه، يتأمل جسد جدته الراقد على الأرض فتركه جرير متراجعا عنه ينظر صوب نفس المكان، ثم قال بوجوم.
(يا إلهي يا بهيج!... كم هو مخيف التفكير في لحظة اللقاء بالخالق!)
(اسكت يا جرير أتوسل إليك!....)
همس بهيج بنبرة متحشرجة ثم أشار إليه يكمل بحرقة.
(إن كان ما سأقوله الآن قد يجعلك ترحمني ... فأنا خائف... بل مرعوب... كنت ذلك طوال حياتي ولازلت ... تمر علي لحظات أشعر بالوجع يعتصر أمعائي من شدة الخوف... الخوف من كل شيء!... الشياطين... المستقبل... المصير...نفسي ... وهو....)
صمت ضاغطا على شفتيه بقوة فتدحرجت دمعة يتيمة أبية على خد جرير مسحها بسرعة قبل أن تجد طريقها إلى المجهول.
(لا تستطيع حتى ذكر اسمه يا بهيج!...)
تنفس بقوة ورفع رأسه الى السماء، يشعر برئتيه لا تمتلئان مهما أدخل إليهما من الهواء ثم قال بشجن.
(لا أستحق ذكر اسمه الآن يا جرير لا أستحق....)
هز جرير رأسه وقد علم أن نهاية حواره الليلة معه قد حانت وعاد إلى جسد المرأة يضم ذراعيها الى صدرها استعدادا لحملها، مضيفا آخر الكلمات.
(فقط لا تطل الأمل... لأن الموت أقرب إلينا من أنفسنا...)
(توقف يا جرير!)
أمسك بهيج بذراع جرير حين هم بحمل الجدة زهرة فرفع رأسه إليه يصغي إلى حديثه المقتضب.
(سأحملها أنا....)
.......................
*قبل لحظات*

)لا أعلم يا نهيلة... لكن حالة سارة لا تعجبني أبدا... )
انحدر رأسها الى موطئ قدمها وقفزت بخفة، متفادية حدبة صغيرة، تكمل بنفس النبرة القلقة.
(اليوم بدت مقلتاها محمرتين بشكل مخيف ... تمسدهما كل لحظة... حتى بعد أن أجبرتها على وضع الدواء... لم يشكل فارقا ... ماما ستأخذها للطبيب غدا...)
زمجرت نهيلة بخفوت وهي تجمع أطراف فستانها الواسعة للمرة الألف، تحدق أمامها وتمشي بحذر خوفا من أن تقع ثم عقبت بحنق حين رأت سلا تقفز بخفة.
)ليتني ارتديت حذاء رياضيا مثلك... لم أكن أعلم أن هناك أشكالا مناسبة للفساتين...)
هزت سلا رأسها، تنظر بقلق إلى حذائها ذو الكعب العالي وأطراف الفستان الطويل، تجيبها بتحذير.
(أخبرتك آنفا... الحذاء غير مناسب للحقول...)
مططت شفتيها المكتنزتين بعبوس حانق، ترد عليها.
(وهل حظيت بفرصة للعودة إلى البيت؟... لم يُقَدّر تسلل الجدة زهرة سوى في ليلة عرس حفيدتها ... يا إلهي!... أدعو الله أن يجدوها قبل أن تعرف العروس ... وتتكدر سعادتها...)
هزت سلا رأسها بحزن توافقها الرأي، رافعة مصباحا يدويا بحجم الإصبع توجهه أمامهما فاستطردت نهيلة باهتمام.
(لا تنسي إخباري عن حالة شقيقتك بعد أن تزور الطبيب إن شاء الله... استغرب تدهور صحتها بهذه السرعة... لقد كانت شعلة حماس ونشاط في الرحلة ... ما شاء الله ...وحفظها من كل سوء...)
(سلا!)
رفعت المعنية رأسها إلى مخاطبها الذي لم يكن سوى شقيقها الذي اقترب منهما، خلفه نبيه الذي احتدت نظراته هو الآخر غير مصدق لوجودهما في الحقول في ذلك الوقت من الليل.
(ماذا تفعلين هنا؟...)
نطق يوسف بتأنيب لطيف، فتراجعت نهيلة بحياء نحو شقيقها، ترمقه بترقب وسلا تجيبه مشيرة بكفيها بعد أن وضعت المصباح في جيب فستانها، مكتفية بخاصة نبيه.
*نبحث عن الجدة زهرة... الجميع هنا يفعل نفس الشيء... كنا قبل قليل مع صفاء وتقوى وزينة لكن افترقنا كي نبحث بشكل أسرع وأفيد...*
تخصّر يوسف بوجوم ونبيه يمد كفه بالمصباح إلى نهيلة، بطريقة اتسمت ببعض العنف ليشير بغضب تملكه رغما عنه.
*هل فقدتما عقليكما ؟.. ماذا لو حدث لكما شيئا هنا لا قدر الله؟...لم يتبقى على منتصف الليل سوى ساعة واحدة...*
يومئ يوسف موافقا ونهيلة تطرق برأسها دون رد تكفلت به سلا وإن لَوّن الاحمرار خديها من نظرات نبيه الخاطفة لفستانها والتي تقسم بينها وبين نفسها أن ذلك زاد من اشتعال الغضب في مقلتيه.
*اهدأ لم يحدث شيء... الجميع هنا...*
قاطعها، مشيرا بنفس الحدة.
*وهذه هي المشكلة... ذلك الجميع منهم بعض الشباب الصعاليك ... والبعض عائد من مخرج الجبال السوداء سكرانين ... وبهذه الهيئة!*
أشار إليها بكفيه في آخر الحديث فلمعت مقلتا نهيلة بتسلية شكلت بسمة ماكرة ألجمتها بسرعة وهي تنظر نحو يوسف لتجده سارحا، يمسح على وجهه بوجوم.
كان دور سلا لتطرق برأسها إحراجا وحياء يغيظها ولأول مرة عدم ملاحظة الإعجاب في عينيه حتى وهي في أوج تأنقها الذي تعلم انه بسيط لكن على غير عادتها المتسمة دائما بثياب عادية غير متأنقة فلم يسبق لها أن أولت اهتماما لشاب أو فكرت في أن تنال إعجاب أحد لكن الأمر الآن يثير غيظها بشكل ما.
زفر نبيه ينتزع ناظريه من عليها بمشقة لم يشعر بها من قبل، فلا هو كان بمهتم بإحداهن قبلا ولا حتى فكر في ذلك الموضوع الخاص بالمشاعر نحو الإناث، آخر همه في حياته المعقدة وحالته التي تزيدها سوءا من وجهة نظره ليجد نظرات أخته الماكرة في انتظاره مما دفع به الى التحرك بعصبية انتبهت لها سلا لتكتشف أنه يرتدي جلبابا أبيض.
لم تره على هيئته أهل بلدته من قبل فتعلقت مقلتيها بهندامه منبهرة حتى لكزتها نهيلة تبتسم لها بمرح لم يلحظه يوسف وهو يشير لنبيه بأن يهدأ قبل أن ينتفض والفتاتين على إثر صرخة بعيدة.
(إنه صوت بهيج....)
نطق يوسف بقلق، يشير لنبيه الذي بدأ يتلفت هو الآخر بقلق ثم عاد إليه، يشير له بحزم.
*أعد الفتيات... سأذهب للبحث عنه...*
أومأ يوسف برفض لكن نبيه أمسك بذراعيه يشير له برأسه الى الفتاتين بنظرة ذات معنى جعلته يستسلم، محذرا.
*حسنا! ... لكن احذر... سأوصلهما وأعود....*
هز رأسه واستدار فورا دون نظرة أخيرة للتي انتظرتها بيأس حزين، غافلة عن صراعه العنيف مع نفسه حولها وقد أضحى همه مضاعفا بعبء شعوره الوليد نحوها.
(هيا بنا!)
أجفلها أمر يوسف في نفس اللحظة التي سحبتها نهيلة في ذراعها، تهمس لها بمكر مرح لم تستجب له سلا إلا بالتهرب.
(سنتحدث لاحقا...)
.................

*منزل أهل فواز*

(لا تتركنني من فضلكن ...)
تهمس بها حفيظة من تحت خمارها الأبيض المخرم، الخاص بالعروس فانحنت تقوى نحوها تجيبها بنفس الهمس وقد خلت غرفتها في بيت أهل زوجها سوى منها وصديقاتها وشقيقتي العريس.
(مستحيل حبيبتي ...لولا أن من عاداتنا عدم مرافقة الأم لابنتها الى بيت زوجها ليلة عرسها... لطردتنا والدتك من هنا وما سمحت لنا برؤيتك... اهدئي وكل شيء سيكون بخير إن شاء الله... فقط لا تنسي الصلاة والدعاء...)
هزت رأسها بخفة، تشد بطنها من فرط توترها، أطرافها ترتعش دون تحكم منها، تتأمل ما حولها من تحت طرحتها فلا تلمح سوى نظرات شقيقتي من أضحى زوجها وكأن فيهما غرابة فتعود لتسأل تقوى بينما تتسلل كفها من تحت إزار العروس الأبيض الملتف حول جسدها لتشد على يدها.
(ماذا هناك؟... أشعر أن شيئا ما يحدث... نظرات الناس نحوي فيها شيء ما غير طبيعي... وأنتن أيضا اختفيتن فجأة كما ظهرتن ....)
هزت تقوى رأسها بسلب، شاكرة ربها عودتهن باكرا ليرافقن الموكب وردت بلطف مهادن.
(لم ألاحظ شيئا مما تقولينه.... ونحن اختفينا لنستعد ونجهز للموكب ما يلزمه... اذكري الله حتى تهدئي ... لأننا يجب أن نرحل.. فلقد تأخر الوقت جدا....)
أمسكت بكفها ترجوها بنظراتها فابتسمت لها تقوى بحزن تُقبل وجنتيها من فوق الخمار قبل أن تبتعد، تمنح المجال لصفاء وزينة لتفعلا نفس الشيء ثم سلمن على شقيقتي العريس اللتان نهضتا هما أيضا وكأنهما كانتا تنتظران خلو الغرفة تماما لتغادرا.
اقتربت زينة من تقوى تحدثها عن ما يحدث وعن راحتها لأن حفيظة لم تكتشف الأمر وزينة تصاحبهما من الجانب الآخر حتى أصبحن خارج المنزل حيث كان مؤنس في انتظارهن ليرافق ابنة عمه الى بيتها في حين كانت الجدة جوهرة وابنتها في انتظار الشقيقتين ليقصدن بيت الجدة الأقرب عن بيت الحاج محمد.
لمحت زينة باب المنزل غير موصد فعادت إليه لتتأكد من إغلاقه وهناك سمعت حديث أختي فواز الذي أصاب قلبها بسهم مسموم.
(أليست زينة أجمل من حفيظة ؟... لماذا لم ينصت إلي ويتزوجها ... لقد عاشرتها عن قرب وهي فتاة صالحة... لماذا رفضها هي واختار حفيظة؟)
لم تنتظر الرد وأغلقت الباب، تهرول نحو مؤنس دون حتى أن تودع صديقتها التي التهت بحالة صفاء الشاغلة لأفكارها طوال المسافة بين الحقول إلى بيت أهل حفيظة ثم منه الى منزل أهل فواز والآن ما إن خرجن ولمحنه،
هناك شيء غريب حول أختها والأستاذ، تكاد لا تتفهم الأمر جيدا لأن الأخيرة تحمر وتتهرب من ملاحقة عينيه المترصدة لها ولولا استراقها لنظرات خاطفة بين الفينة والأخرى لظنت أن الاهتمام صادر من طرف الأستاذ فقط، ماذا بحق الله يجري؟
(هيا يا فتيات!)
لفتت الجدة أنظارهن، تشير لهن ليمضين في طريقهن، فرفعت تقوى رأسها باحثة عن زينة، لم تجدها وتلفتت باحثة عنها بذهول من مغادرتها دون وداع لكنها سرعان ما لامت نفسها على سهوها وفكرت انها قد تكون ودعتهم بالفعل ولم تنتبه لها ليعود عقلها الى بحثه عن طريقة استدراج لشقيقتها في الحديث علها تتعرف على خفايا ما تخزنه داخلها وتفضحه مقلتيها وأطراف جسدها المتوترة.
.......... ..

استسلم فواز زافرا بضجر حين يئس من رد بهيج عليه ومؤنس وحتى جرير ويوسف، يخطو تاركا مجلس الرجال حيث لم يعد فيه سوى القليل، مستغربا من اختفاء الكثير منهم قبل ساعات دون حديث يذكر من بينهم أصدقائه سوى محسن الذي ظل بعدهم لمدة طويلة، يبارك له بلطفه المعهود ويوصيه خيرا بأهله ونفسه.
لمح والدته تجالس اخوته وزوجتي أخويه مع من تبقى من أفراد العائلة مستغرقين في الحديث، فتسحب بخفة نحو غرفته، لا يجد في نفسه قوة لتبادل المجاملات.
فتح الباب بتمهل كما دخل، لمحها تجلس على الكرسي أمام منضدة الزينة بكامل لباس العروس لم تغيره بعد فتنفس بعمق وسار نحوها.
تخبط مشاعره لا يزال يحاوط قلبه من كل جهة لكنه لن يتراجع! لقد تمت الخطوة الأهم وأضحى متزوجا وهذه الساكنة خجلا وتوترا أمامه تكون زوجته، حلاله.
(السلام عليكم)
ألقى التحية فأومأت بصمت بما يشبه الرعشة، تبسم من خجلها متذكرا جرأتها قبلا وبسمتها الشقية لكن خاطرا ما بكونها قد تباسطت مع غيره زار باله ونغص عليه مرحه وهو الذي لم يفكر في ذلك قبلا، تجهم وجهه فرفع رأسه ساحبا الهواء الى صدره، يطرد الوسواس من رأسه مُرجئا ذلك الى وقت لاحق.
مد كفيه وأرخى طرفي الإزار عن رأسها ليرفع الخمار من على وجهها، كانت جميلة لا ينكر ذلك، أنفها الصغير الحاد يتسق مع ملامحها الصغيرة وبشرتها تحت ملمس ظهر أصابعه ناعمة وغضة.
لم ترفع إليه عينيها تحارب لتتمالك نفسها، جبانة هي! تعترف بعد كل ما فعلته لتسلب اهتمامه نحوها وتجعله يعجب بها، جبنت وتملكها الخجل وهي زوجته.
انحنى نحوها يبحث عن عينيها ليقبض عليهما بنظراته الماكرة، المرحة فتضاعف توترها أكثر وأكثر كلما تضاءلت المسافات بينهما وفي اللحظة التي شعرت فيها بوخزات لحيته وشاربيه على بشرة وجهها، هجمت عليها ذكرى سالم بقوة وغمرت أحشاءها بالخوف والاشمئزاز.
عادت برأسها عن وجهه، تفرق بين شفتيها لتتنفس بعيدا عنه فتأثر بحركتها تلك وأطبق عليهما فجأة، مُنساقا خلف رغبته التي تأججت دون وعي بها وبالنار التي شبت في المقابل داخل صدرها.
تجمدت مكانها تقاوم اشمئزازها والغثيان المتصاعد عبر حلقها، كل ما تستعيده من صور في خيالها مع أصوات تصم أذنيها، صياح سالم الحاد وتهديد والدتها بأن تحارب من أجل بيتها وزوجها فإن أظهرت أي من ضعفها أو مُصابها ستتلوث سمعتها ويطلقها زوجها ويتدمر مستقبلها كليا.
تجلدت بقوة مستسلمة لحركاته التي تزداد جرأة كل حين بعد أن انتقل بها إلى السرير كما انتقلت النار من صدرها إلى أسفل بطنها فأنّت بوجع فهِمه أمرا آخر مُطلِقا العنان لشهوته تقوده على طريق مظلم.
تصاعدت النيران لتتملك من سائر أطرافها وبدأ الدوار يوهن بدنها، عذاب أليم ذلك الذي تفشى عبر أحشائها، عذاب قاومته الى أن بدأت بفقد زمام نفسها رغما عنها، حاولت صد شعور الارتخاء استعدادا لاستقبال هوة الظلام التي تراها تتشكل من العدم بينما الذي يجثم عليها لاه بغزوه.
لم يعي على ما تعانيه إلا حين شعر برعشة قوية هزت جسدها أسفله ليرفع رأسه بترقب يعقد جبينه بريبة تلته صدمة مفزعة والتشنج في لحظة يتحول الى مقاومة ضارية دفعته بها بينما تصرخ بصوت انبثق من أعماق جوفها.
(ابتعد عنها!.... سأقتلها إن لم تبتعد عنها!...)
وقع فواز على الأرض وكان قد نزع جلبابه في مرحلة ما وظل بسرواله من خامة الثوب وقميصه الأبيض، يرمقها بذهول لاهث وهي تنتفض وكأن بها جان، شعرها البني الفاتح الطويل منثور حولها بهمجية مخيفة وعينيها الغارقتان في بركة من الدم، تحدجانه بحقد أسود.
فُتح الباب فجأة وهي تستدرك صياحها الغير عادي بتاتا.
(إن لمستها مجددا سأقتلها... سأجعلها تقتل نفسها بيديها....)
ثم أسرعت نحو النافذة المفتوحة على مصراعيها ومن دخل الغرفة يشهق بقوة، يبحلقون في تأهبها الذي جعل منها شبحا شاحبا بفستانها الأبيض الذي فتحت أول أزراره.
(سأجعلها تلقي بنفسها من هنا.... سأقتلها ان لمستها أنت أو اي أحد آخر....هكذا!)
همت بتسلق النافذة فصاح عبد الجليل شقيق فواز الأكبر بلوعة غفلوا عنها بسبب صدمتهم.
(لا ... من فضلك لا!.... لن يلمسها أحد.. فقط اهدأ ... أعدك لن يلمسها أحد...)
(جدتي ....جدتي!)
كانت تلك حفيدة الحاجة أمينة الكبرى تهتف لاهثة بقوة بينما تشق طريقها بينهم.
(الجدة زهرة ماتت... تسللت من بيتهم وراحت للحقول في الليل ووجدوها هناك ميتة!)
التفّت الأنظار المصعوقة حول الفتاة التي أكملت هدرها اللاهث.
(خالتي كلثوم أخبرتني للتو في الهاتف لأبلغكم...)
أخرست الصدمة ألسنتهم ولم يوقظهم منها سوى دوي صاخب ذكرهم بمصيبتهم الأولى فاستداروا نحو جسدها الذي افترش الأرض بسكون مخيف.
كان أول من أسرع إليها عبد الجليل، يتفقد نبضها قبل ان يتنفس براحة لحظية مُحِيَت بعدها مباشرة بهم الماضي الذي عاد ليتملك من صدره معيدا معه كل آلامه وهو الذي ظن أنه نسي.
(تحركن واحملنها الى السرير!.... ماذا تنتظرن؟)
نهض فواز يتجه نحوها لكن شقيقه رفع ذراعه يوقفه، آمرا بحزم جاد.
(إياك ولمسها يا فواز... أحذرك!... )
رف فواز بجفنيه غير مصدق، يراقب أخاه وهو يستدير بكل هيبته و وقاره عن الفتاة وقد ظهر عليه الضيق من الظرف الذي أجبره على رؤية شعرها وعنقها وعند تلك الفكرة المزعجة بحث عن شقيقه الآخر وهتف باسمه حين رآه جامدا مكانه بصدمة فسحبه خارجا معه.
(اخرج من هنا!)
حملنها أختي فواز بمساعدة ابنة الكبرى ووضعنها على السرير بصمت، عاجزات عن الإتيان برد أو فعل، والدتهن متسمرة مكانها على عتبة الغرفة منذ أن لحقت بأولادها حين انتفضوا على إثر صرخة العروس المدوية، تسترجع ذكرى مشابهة لم ولن تنساها إلى أن ترافقها الى قبرها.
شعرت براحة ولدها على كفيها المتمسكين برأس عكازها فشهقت بحدة أعلمتها بكونها قد منعت الهواء عن صدرها لمدة طويلة.
نظرت نحو فواز الذي رمقها بشتى المشاعر المختلفة، خوف، حيرة وصدمة فقطبت تفكر أن وقت دفع الحساب قد بدأ وهي التي ظنت أنها تحميه من العقاب.
بلعت ريقها ثم وبكل برود لا يعبر عن الحمم المنصهرة داخلها، أمرته بجدية.
(البس جلبابك واذهب إلى منزل خالتك....خذ معك أخويك...)
التفت يرمي عروسه الراقدة على السرير وكأنها هي من فقدت الحياة ثم رجع يرمق والدته بتردد فاستدركت بجفاء حازم.
(سأجلس قربها إلى أن تقوموا بالواجب وتشيعوا الجنازة ... ومع أول طلوع لشمس الغد بإذن المولى عز وجل... اقصد محل الحداد واجلبه ليُركب شبابيك حديدية لجميع نوافذ الطابق الثاني ... هيا تحرك!...)
ظل مكانه للحظات قبل أن يستسلم متنهدا بأسى واستدار باحثا عن الجلباب الذي كانت احدى شقيقتيه قد انتشلته من على الأرض وناولته إياه.
(وأنتن أيضا الحقن بخالتكن... ستكون أكثر حاجة إليكن مني...)
ردت الكبرى برفض.
(لكن يا أمي .. منزلنا في فوضى عارمة ولم نوضبه بعد...)
ضربت الأرض بطرف عكازها، تقول بعبوس منزعج.
(لا تجادليني... الخادمتين ستقومان بعملهما ما إن تعودا غدا باكرا... هيا اتفقا مع زوجيكما ... والحقا بخالتكما .. هيا!)
تجاوزتاها مستسلمتان لأمر والدتهما الجاد ولحق بهما فواز فظلت لحالها تتأمل الفتاة التي بدت صغيرة جدا وبريئة جدا في رقدتها تلك.
أي مصيبة هذه التي ابتليت بها ولمرتين يا أمينة!
هل ستتحمل تلك الفجيعة إن حدثت وسط منزلها وفي قعر بيتها مرة أخرى؟
آآآه! تنهدت بتعب واقتربت من السرير لتستوي عليه قاعدة على طرفه، عينيها لا تفارقان وجه حفيظة الشاحب.
ما الذي حدث قبل قليل؟ هل هو حقا مس أم حالة نفسية!
استرجعت كلماتها عن نفسها بصيغه الغائب، فزفرت بقنوط وهو نفس حديث الأخرى الذي استخفوا به فتحقق أمام أعينهم ليلقنهم أكبر درس في حياتهم.
رفعت احدى يديها عن رأس عكازها تمسد به جبينها بينما تهمس لنفسها بتضرع.
(رحماك يا الله.... يا رب!)
........

*منزل الجدة الجوهرة*

انزوت تقوى بصفاء بعيدا قليلا عن جدتها التي تكلم ابنتها صفية وتلات نساء يشاركنها السكن بعد ان انقطعت بهن السبل بسبب ظروف مختلفة، تتوسطن الباحة الأمامية لمنزلها يتحدثن حول اختفاء الجدة زهرة.
(صفاء هل تخفين عني شيئا؟)
ازداد يقين تقوى من وجود شيء ما في قلب أختها للأستاذ من رد فعلها المرتبك والاحمرار الزاحف على صفحة بشرتها السمراء، رغم انكارها المتوتر.
(أنا!... ماذا سأخفي عنك؟... ماذا تقصدين؟)
قطبت تقوى، تجيبها بترقب لردود أفعالها.
(لا أعلم... شيء ما يخص الأستاذ مؤنس.. مثلا!)
تصلبت قسماتها بينما تمنحها نظرة مصدومة كادت تمحي يقينها الذي توصلت إليه قبل قليل لولا تلك اللمعة على صفحة عينيها الرمادتين، تلك اللمعة تعرفها جيدا وتصدر عن أختها حين تحب شيئا ما بكل قوتها وترغبه من صميم قلبها فلا يسعفها ترددها وعدم ثقتها بنفسها في السعي خلفه ولا التعبير عن ذلك الحب إلا من خلال نظراتها المشعة بحماسها المكتوم داخلها.
همت بفتح فهما لكن صوت دق الباب الخارجي باستعجال حاد سلب اهتمامها كما فعل مع باقي النسوة.
فتحته إحداهن لتظهر امرأة أخرى، يصحبها شقيقها الواقف خلفها، تهتف بلهاث.
(يا خالة جوهرة... نوال تهاتفك منذ مدة أنت وصفية ولا واحدة منكما ردت عليها....)
كانتا قد اقتربتا منها تحدقان بها بحيرة تجلت في نبرة الجدة القلقة.
(ماذا حدث يا ابنتي!... لقد كنا مع نوال قبل ساعة ونصف فقط... ولقد أوصلنا ابنتها الى بيت عريسها... ماذا هناك؟)
قبضت المرأة في مثل سن صفية على صدرها تتمالك أنفاسها، فتنطلق الكلمات من بينها متقطعة.
(لقد وجدوا الخالة زهرة في الحقول ميتة يا خالة جوهرة!)
توالت الشهقات المصدومة من أفواه النساء والمرأة تكمل بخوف ووجل.
(نوال تطلب منك القدوم لتُغسلي والدتها يا حاجة .. لأن لا واحدة من المغسلات قبلت بتغسيلها... تعلمين أن الجميع يهابها... ومظهرها وهي ميتة ضاعف من خوفهن...)
تلجلجت الجدة جوهرة قليلا فأسندتها ابنتها وحفيدتيها، يحاوطنها بدعم معنوي وحين لمحت المرأة ذلك قالت بنبرة مشفقة.
(تجلدي يا خالة .... يجب أن تُغسل المرأة لتدفن... إكرام الميت دفنه وبسرعة... كنت سأفعلها لكن قلبي ارتعش بقوة من مرآها ... لو أتيت معي سأكون أكثر إقداما وأساعدك...)
هزت الجدة رأسها، تهمس بخفوت واجم.
(إنا الله وإنا إليه راجعون ...)
ثم رفعت رأسها، تخبرها بحزن.
انتظريني قليلا سأغير ثيابي وأجدد وضوئي.
(الله المستعان...)
.................

*منزل أهل بهيج *

توالت الدقائق تلحق بعضها بسرعة لم تشعر بها الجدة جوهرة وهي تقوم بعمل سبق وقامت به مرة واحدة في حياتها، عند وفاة ابنتها، لم تسمح حينها لأحد أن يراها أو يلمسها وتجلدت بالصبر المهلك للقلوب والمذهب بالعقول، مستعينة برب رحيم لا ينسى عباده في وسط بلائهم.
منحت وجه زهرة نظرة أخيرة قبل أن تحجبه عن الدنيا وما فيها فلم تجد المرأة التي عرفتها طوال حياتها، تلك التي كبرت معها على أرض الوادي ونشأت برفقتها جيرانا دون أم تجمعهما صداقة حقيقية بسبب الاختلافات الواضحة في طبعهما ورغم ذلك أصرت الأقدار على جمعهما بنسب رفضته لأسبابها الخاصة ورضخت بعدها حبا في زوجها الذي كان صديقا لزوج زهرة، تلك المرأة التي سترت وجهها الآن بثوب أبيض هو آخر ما سترتديه من هذه الدنيا، يصاحبها إلى قبرها وإلى يوم يبعثون فلم تجد فيها أي ملمح لامرأة كانت تعرفها!
هل يغير الموت معالم البشر؟
هل لمغادرة الروح جسدها كل ذلك الأثر؟
أم تُراه الزمن من غيرها خلال السنوات القليلة الماضية؟
تنهدت، تغمغم بإشفاق.
)رحمك الله يا زهرة... غفر الله لك وعفى عنك... ورحمنا نحن أيضا يوم نلحق بك....)
رفعت رأسها إلى المرأة الوحيدة التي ارتضت بمساعدتها، تشير لها كي تبلغهم أنها جاهزة.
ترددت المرأة في خطواتها ثم عادت وكأن في فمها حديث مكتوم فقامت الجدة جوهرة تبعدها نحو عتبة الغرفة.
)تريدين قول شيء ومنذ مدة.... تحدثي؟)
بارتباك رفعت كفيها تفركهما ببعضهما قبل أن تنطق بما تريد معرفته بخفوت وجل.
)كنت أريد أن أسألك ع... عن الخالة زهرة....)
صمتت المرأة فتمتمت الجدة بخفوت وترقب.
)رحمها الله ... ماذا بها؟)
تلكأت تنتقي كلماتها ثم ألقت بها مرة واحدة.
)سمعت النساء يتهامسن بأن هيئتها تغيرت بعد موتها وأصبحت أشد مممم ... وعليه قررن أنها من أصحاب ...الن)
)ششششش!)
نهرتها الجدة جوهرة بينما تمسك بكفها، ترد عليها بضيق.
)يا الهي كيف يستطعن قول ذلك وفي هذه اللحظات؟...)
انتفضت المرأة، تجيب باندفاع.
)لكنك رأيت بنفسك ...وآ)
بترت كلمتها والجد جوهرة تزجرها بحدة، تحذرها بصرامة.
(ما ترينه من الميت وأنت تغسلينه يجب أن تستريه… الستر واجب سواء على الحي أو الميت... أستري على الناس فيستر الله عليك... وهؤلاء الذين يصدرون أحكاما على الناس ... أخبريهم بأن الله هو الحسيب... وهو من يرحم أو يعاقب... نحن لا دخلنا في ذلك... كل يراقب أعماله ويحمل هم نفسه... )
أطرقت المرأة برأسها خزيا وخجلا فربتت الجدة على ذراعها، تضيف بنبرة رقت عن الحزم الذي كانت عليه قبل قليل.
)أخبريهم أنها جاهزة... هيا!)
استدارت الجدة جوهرة، عائدة إليها تهمس بتضرع.
)اللهم ارحمنا برحمتك... اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا أجمعين أحياء وأمواتا ...)
………..

)ستدخل لتتوضأ وتصلي على جدتك ...ولن أعيد كلامي مرة أخرى!...)
يهتف بها جرير على رأس بهيج الجالس مقرفصا، يستند على جدار في الحديقة الأمامية، يتطلع قبالته بوجوم بينما يجيبه بجفاء رافض.
)ابتعد عني يا جرير...)
زفر المعني بضجر والتفت إلى فواز يوجه له الحديث بعد أن تفقد ساعته تحت أنظار باقي أصدقائه المراقبين للوضع.
)تحدث أنت... قد يسمع منك.. الفجر يقترب والجنازة سيصلى عليها بعد الصلاة المفروضة...)
تبسم فواز، يرد ساخرا.
)ولماذا تظن أنه سينصت لي؟ ...لقد بات يصاحبكم مؤخرا أكثر مني...)
رفع جرير حاجبه الأيسر يسأله بسماجة.
)حقا!)
)أها!)
رد فواز بنفس السماجة فتأهب جرير وكأنه سيهجم عليه ليتدخل مؤنس بنبرة ممازحة، يحول بينهما.
)اهوووو يا عريس مزاجك سيء... ولك كل الحق... والعذر...)
شدد على حروف آخر كلمة وهو يرمق جرير بتحذير فيتراجع الأخير ليسحب بهيج بقوة يوقفه على رجليه، ينظر في عينيه الذابلتين.
)ادخل توضأ وقف الى جوار والدك... لقد تأثر جدا بطريقة موت جدتك... بعد كل اهتمامه وحرصه عليها تسللت منه وتوفت بعيدا عنه... هل تتخيل مدى احساسه بالعجز الآن؟... كن رجلا ولو لمرة واحدة في حياتك... ثم غدا عد إلى سيرتك الأولى إن أردت ذلك... ولن أوجه لك أي كلمة أخرى...)
نفض بهيج يدي صاحبه من على ذراعيه، يزمجر بخفوت غاضب.
)أنا رجل...)
فنظر مؤنس صوب ابن عمه يخبره ببرود من بين فكيه المطبقين حنقا.
(أنت لا تساعد هكذا)
مطط شفتيه ثم بسط ساعديه مشيرا له ليتفضل ويتصرف فزفر مؤنس وبدل أن يوجه حديثه لبهيج اقترب من يوسف وهمس له.
)تحدث معه يوسف...)
أفاق يوسف من ملكوت سهوه وتقدم من بهيج، يقف قبالته يطالبه باقتضاب.
)ألن تصلي على جدتك يا بهيج؟)
حاصره يوسف بنظرات تخفي بين طياتها العتاب والخيبة بينما بهيج يفكر في أمر آخر كليا، تذكر خال والدته وابنه وتذكر سارة، قد لا يكون له علاقة مباشرة لما يحدث لهم لكنه يعرف وهذا بحد ذاته ذنب ثقيل وبشكل ما صدره أضحى ضائقا بكم الذنوب التي اقترفها، يشعر بها جبالا فوق ظهره توشك على قصمه في أي لحظة فإن كان ليس بسببٍ لما يحدث لأهل يوسف فهو سبب في نفس الأمر لغيرهم بالتأكيد.
)حسنا سأفعل....)
تنهد بقلة حيلة فهتف جرير بذهول ممتعض .
)معقول!... سؤال واحد منه وستفعل؟)
نفخ بهيج بقنوط فمسح مؤنس على وجهه مستاء ويوسف يرمي جرير بنظرة ذات معنى جعلته يتراجع بصمت.
تحرك بهيج نحو الحمام الخارجي فلن يلج بيتهم بالتأكيد حيث سيسمع بكاء النسوة ويرى ضعف وحزن والده.
حين أوشك على عبور عتبة باب الحمام شعر بأحد ما خلفه، استدار فوجد نبيه يرمقه باستفزاز.
)ماذا هناك؟)
أشار له لكن كما العادة لم يفهم منه شيئا والتفت نحو يوسف يستفسر بيده.
جاورهما يوسف تركا جرير يكتم بسمته الماكرة فيهمس له مؤنس بتهكم.
)استلمتماه أنتما الاثنان.... أعانه الله ...)
كرر نبيه حركاته ببسمة مكتومة شبيهة بخاصة جرير وتحدث يوسف بعدها بهمس خافت، خجول، احمر له خداه فلم يستطع جرير كبت ضحكته واستدار نحو الحائط رافعا كفه يخفي به فمه، مستغفرا أمام فواز الذي يضم ذراعيه إلى صدره، مكتفيا بالمراقبة الصامتة والممتعضة تماما كمؤنس.
)يخبرك أنه... أنه ... مممم... يريد مرافقتك الى الحمام ليتأكد.. أنك ... أنك... حممم توضأت يقصد!)
أشار له نبيه بتأنيب لأنه لم يترجم الكلمة الصحيحة والتي هي أول خطوات الوضوء فهز يوسف كتفيه يكاد يختفي من الإحراج.
)هل تمزح؟)
سأل بهيج من بين نظراته الضجرة والتعبة فأومأ نبيه مؤكدا، ليستطرد الأول بعبوس جاد.
)ابتعد عني يا نبيه... أسلم لك...)
هم بالاستدارة لكنه توقف حين حرك نبيه كفيه مجددا ليزفر يوسف بقوة قبل أن يترجم بنفس الخفوت المتردد.
)لا تلم سوى نفسك...)
ضيق بهيج عينيه على نبيه الذي هز كتفيه مؤكدا على قوله ثم حرك رأسه الضائق بأوجاعه ودخل الى الحمام يصفق بابه بقوة، تحدث بعدها مؤنس ساخرا، يعقب.
)ألف مبارك يا رفاق.... بالرفاه والبنين.. لننتظر النتيجة.... لما لم يرافقه أحدكم ليساعده؟...)
أشار نبيه الى نفسه دلالة على أنه حاول فتبسم له مؤنس بسماجة وجرير يتدخل مشاكسا لفواز الظاهر عليه وكأنه بركان يوشك على الانفجار في أي لحظة.
(هناك مَن المفروض أن ننتظره هو الآخر.... ولقد انشغلنا عنه ولم نقدم له مساعدة....)
التقط فواز المعنى والتفت إليهم بينما مؤنس يواجهه بسخريته.
)وأي مساعدة تلك التي ستقدمها له؟... لا أنت ولا أحد من صف العوانس هؤلاء له تجربة سابقة… كما أعرف... ولا لاحقة على حسب ما أرى... لكي نساعده ....)
ضغط فواز على شفتيه بقوة ونبيه يشير بشيء ما يبدو أن فواز فهمه خطأ أو كما يقال *صاحب البثرة يتحسّسها كل لحظة*
)ماذا قلت يا نبيه؟.... لا أسمح لك...)
ارتفعت حواجبهم دهشة وجرير ينطق بذهول.
)وهل فهمت ماذا قاله؟.... لم أفهم أنا الذي اعتدت التفاهم معه... تلك لغة الإشارة لا يفهمها سوى يوسف والفقيه عبد العليم.... )
تجمد فواز مكانه ويوسف يخبره بهدوء.
)قال أن جرير أضحى لديه حس فكاهة غريب عليه... مؤخرا ...)
ارتفع عنق فواز برأسه، يرمش بحرج فحل الصمت بينهم يدّعون انتظار بهيج الذي ما إن أغلق باب الحمام استولت الرعشة على عروقه وغمرت البرودة جسده من أخمص قدميه إلى أعلى قمة في رأسه، فهي الآن تجري منه مجرى الدم، هكذا يفعلون حين يأتونه على هيئتهم الحقيقية، لم يسبق له أن رآهم على حقيقتهم بل إما متمثلون في هيئة بشر أو حيوانات، أما حقيقتهم فلا يراها البشر سوى ما سمعه عن الأنبياء الذين كشف الله لهم الحجاب.
تسمر مكانه يحاول التنفس برتابة، منتظرا الهمس الذي لم يتأخر.
)لن تتوضأ....)
أغمض مقلتيه، محركا رأسه يمينا وشمالا قبل أن يرد بنفس الهمس.
)جدتي ماتت... )
)لا يهمني!)
هذرت النبرة داخل أذنيه فاعتصر مقلتيه يقاوم الصداع في رأسه.
)أريد أن أصلي عليها...)
همس بوجع فأتاه الرد ماكرا.
)لا بأس!.. صلي عليها من غير وضوء... )
فتح مقلتيه يرمق الفراغ بحقد أسود قبل أن يهمس مجددا.
)إنها ميتة... وأريد الصلاة عليها ... مرة واحدة فقط...)
)فكر جيدا!... انها ميتة كما قلت...وهذا يعني لا يفيدها أي شيء تفعله.... لا شيء سيفيدها بعد الآن... فلماذا لا تطيعني وأحقق لك رغباتك؟...)
احتد تنفسه، يقول بغضب نفثه من بين نواجده.
)لا اريد شيئا الآن... فقط أريد الصلاة على جدتي!)
اشتدت به الرعشة ورفع ذراعيه يطوق بهما نفسه وكأن هناك تشنج سيغزو بدنه يصاحبه صداع يؤلم رأسه مع الهمس الخبيث.
)احذر عقابي ... سأؤذيك ... وأؤذيها...)
)سارة لا تعني لي شيئا!.. ابتعدي عنها!....)
يكاد رأسه ينفجر من صخب الضحك العابث.
)سأؤذيها أولا... ثم أدمرك... فأنت لي ..ملكي أنا ...)
نفض رأسه وهم برفع قدمه لكن التشنجات حالت بينه وبين قدميه وأضحتا كجبل راسي مكانه لا يتزعزع وكذلك حال بدنه كله، حاول وحاول دون جدوى بينما وتيرة الصداع تتصاعد داخل خلايا رأسه حتى استسلم بانهزام وتنفس بقنوط، يقول بغل.
)حسنا... سأخرج!)
وفي لحظة خاطفة، تحرر جسده واستدار يفتح الباب بعد أن نفض أطرافه كلها يستعيد إحساسه بها.
قابله وجه نبيه المتبسم ببرود فعض شفته السفلى يناظره باستياء، أدار نبيه نظراته صوب يوسف وأشار له بشيء ما ترجمه الأخير بحيرة وريبة.
)يخبرك أن لدخول الحمامات آداب تمنع الحجاب عن الكشف... وتحول بينك وبين الخروج منه بكل هذا الشحوب و...غير متوضئ...)
فغر بهيج ما بين شفتيه، يبحلق بنبيه قبل أن يحدثه بنقمة.
)أعلم أنك ضليع بأمور لا أفضل التحدث فيها الآن... فقل ما لديك مباشرة... وكف عن التحذلق ...)
زفر نبيه بأسف ثم بدأ يحرك كفيه بسرعة وجدية.
)يخبرك بأن تردد الكلمات التي سأخبرك بها وأنت تدخل الحمام... بقدمك اليسرى... وليس اليمنى ... الخلاء يُولج إليه بالقدم اليسرى... لكن تلك الكلمات آمن بها من قلبك... وصدقها موقنا بقدرة الحافظ الذي هو الله....)
توقف نبيه يطالبه بتأكيد فمسد بهيج جبهته، ناظرا إلى يوسف مرة أخرى يتأمله بذنب أشعل من ريبة الأخير، هناك ما يعرفه بهيج ويخفيه عنه، ما هو يا ترى؟
)حسنا! ... ما هي الكلمات؟)
إشارة واحدة تلك التي صدرت عن نبيه نحو يوسف الذي اختار إرجاء ما يفكر به لاحقا، يقول.
)بسم الله... اللهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ منِ الخُبثِ والخَبائثِ...)
بلع يهيج ريقه ولوهلة ظن أن لسانه سيخذله ولن ينطق بهن لكن ظنه خاب من حسن حظه ونطق بالكلمات بخفوت قبل أن يشير نبيه بحركات جادة.
)إياك أن تنسى التصديق... صدق وآمن بأنه الحافظ عز وجل....وادخل بقدمك اليسرى...)
هز رأسه وأولاهم ظهره يغمض عينيه هامسا من صميم قلبه المرعوب، ل الله الذي يحول بينه وبين نفسه.
)يا رب....بسم الله.... اللهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ منِ الخُبثِ والخَبائثِ...)
ودخل مغلقا الباب عليه، يتلفت بعينيه متفقدا أركان الحمام وكأن هناك من سنبثق له من العدم، انتظر لحظة اثنان ثلاثة ووصل الى العشرة ولا يبدو أن شيئا ما سيحدث، ارتفع حاجبيه بدهشة صادقة وتحرك بسرعة ينوي الوضوء.
خرج من الحمام يحمل آثار الوضوء فرفع نبيه كفيه يحيه بمرح مازح ومؤنس يترجم بحديث ماكر.
)ألف ألف مبارك عليك يا بهيج...)
رفع كفه يبسطها في وجوههم بعبوس مستنكر، فتدخل فواز ناهرا بغضب بينما يرى أحدهم قادم اليهم.
)يكفي عبثا وكأنكم أطفال صغار...)
)سيحملون الجدة رحمها الله إلى المسجد ...)
تحدث الشاب يبلغهم فتأهبوا جميعهم ينطلقون.
………..
*المسجد... جامع السلام*

الرهبة لا تغادر قلبه، ترافقه داخلا إلى رحبة المسجد ينظر هنا وهناك فتعود الذكريات لتغزوا مواطن الحنين داخل قلبه المتوثب بجنون.
هناك كانت حلقته مع أصدقائه، يلهو بحاجبيه وقسمات وجهه كل حين من خلف لوح الحفظ الخشبي خاصته ثم استدار يفكر، هناك كان يفر من جرير أو نبيه حين يوقع بهما في مشكلة مع الفقيه أو يستفزهما بوقاحته، ضحكاتهم الصبيانية البريئة تلف مسامعه كنغمة سلسة تتسلل عبر أذنيه كسنفونية عذبة تُروح عن قلبه لهيب العذاب.
)مرحبا بك يا بني!... ان كان الموت ما أحضرك... فرب ضارة نافعة... بيد أن الموت ليس بضارة إنما هو حق... )
أجفل جرير على صوت الفقيه عبد العليم الناظر إليه ببسمة محبة، مرحبة، دافئة تماما كما كان ولم يتغير.
كم يشبهه محسن!
)لم أخبر محسن بعد أنك هنا... لأنه إن علم سيترك المسجد ويخرج للقياك... وقد يطلب مني الصلاة بالناس .... لذا تعال معي...)
أطبق على كفه قبل حتى أن يفتح فمه بالاعتراض وارتفع آذان الفجر مُعلنا عن بداية يوم جديد، خلقه الله ليشهد على حاملي الأمانة، ينذرهم بأن الحياة امتحان، بضعة أيام منتهية لا محالة، فأين هم الكيِّسون ذوي الفطنة؟
جف حلقه وتوقف على عتبة الباب الداخلي للمسجد، فالتفت إليه الفقيه محتضنا كفه بلطف كما يناظره.
)أنا ... أنا...)
انحسرت الكلمات داخل جوفه والفقيه يهز رأسه متفهما يجيبه.
)أنت لم تنسى... فقط تحتاج إلى تذكير... توكل على الله ... وادخل وستتذكر كل شيء... قلبك يحفظ الذكرى داخله ...فقط يحتاج للتحفيز... هيا .. بسم الله...)
لحق به مستسلما وانتصب واقفا قرب الفقيه على يساره أصدقائه باستثناء محسن الإمام.
أرسل نظراته بعيدا حيث يقف والده، رغم وهنه وحزنه الذي أضاف إلى مظهره الكثير من السنين إلا انه كان ينظر إليه بين الفينة والأخرى وكأنه يتأكد مما يراه ويتوسل إليه أمرا ما تجاهله في تلك اللحظة وعاد يرمق أمامه، يجاهد ليتذكر ما تعلمه في صغره فلم يسعفه عقله الجامد إلا ببضع أمور قليلة، يغمغم بها ثم ينطق بحرقة تنبض له عروقه الهادرة بدماء حارة تسيل بهيجان مخيف ... يا رب!
وكما أخبره الفقيه ما إن علم محسن بوجوده او بالأصح شعر به كما يتعرف دوما على وجودهم من عبير أجسادهم الخاص، ترك مقدمة الصفوف متلمسا طريقه إليه، باسما بسعادة صادقة لا تشوبها شائبة، يعزيه في مصابه ويربط على قلبه، تاركا لوالده إمامة المصلين في صلاة الجنازة.

راقبهم وهم يوارون التراب على جدته وكم أثر ذلك على قلبه رغم كل ما عاشه من تخبط لم يكن يتوقع أن طريقة موت جدته ستهز كيانه هكذا، يشعر بها شماتة مخزية تلك التي فعلوه به وبها، لكن لما هو مستغرب!
ألم يفعلوا ذلك بعمه قبلا ؟ وهو كالغبي إنقاذ خلفهم، خلف وهم السلطة والجاه، خلف الضلال والضياع!
أولها تغرير أوسطها ذل وآخرها شماتة!
آآآه! أنّ بوجع حقيقي وهو يلمح رأسه جدته يختفي تحت التراب، فربت يوسف على ذراعه يواسيه، استدار نحوه وتأمله بغموض للحظات ثم همس باقتضاب قبل أن يغادر بخطوات سريعة، متلافيا خلفه رجلا اسودت نظراته بإدراك متأخر لو كان ركز قليلا بعد لكان توصل إلى النتيجة بنفسه.
)أخبرهم أنك موافق على الزواج بشيراز... فقط قم بتلك الخطوة...)
…………….

*منزل أهل فواز*

خطوات تعبة قليلة بعدها جلس متنهدا جوار والدته المنحنية على رأس عكازها.
)هل استيقظت؟)
سؤال انتظرته فردت دون أن تنظر اليه فقط ترنو قبالتها بنظرات واجمة، وسط بهو صغير قرب مدخل الطابق الثاني حيث أثاث بسيط أنيق، مكون من أريكة وكرسي جلدي بينهما طاولة منخفضة من البلور اللامع.
)لا!... ليس بعد! ... صليت وقرأت القرآن جوارها ثم خرجت هنا انتظركم... اين هو؟)
أرخى عبد الجليل ظهره على مسند الأريكة، يجيبها بوجوم.
)لمحته يتجه نحو محله... لابد يريد أن ينفرد بنفسه قليلا...)
هزة رأس صغيرة تلك التي لمحها ولدها عليها قبل أن تتحدث بنفس النبرة الفاترة.
)نحن في مأزق يا ولدي...)
وافقها بالقول.
)هل تشكين في معرفة أهلهم بمصابها وأخفوه عنا؟)
ملامحها المتجعدة بفعل الزمن والهمّ لا تغادر الجمود في محياها وهي تجيبه.
)تلك الأمور لا تبقى مستورة يا ولدي... ولم يسبق أن سمعنا عنها خبرا... ونحن نعرف أهلها حتى قبل ولادتها.... )
ثم مالت نحوه فقط بمقلتيها الغائرتين غمّا دون وجهها المستند بدقنه على ظهري كفيها المحيطين برأس عكازها.
)الأولى رحمها الله... سمعنا عنها ومنها ولم نصدق... وأنت أصرّيت...)
أخرج نفسا ملتهبا ونبض قلبه بقوة، منذ أن شاهد بعينيه ما حدث والذكريات لا ترحمه، تتوالى على ذهنه بهجوم كاسح، تنكث جروحه وتعتصر أوجاع قلبه وهو الذي ظن أنه نسي.
)ماذا سنفعل يا أماه؟)
جعدت جانب فمها، ترد بقلة حيلة.
)لا نستطيع إرجاعها لأهلها... فنسيء لسمعتها وندمر حياتها ... لا أستطيع تحمل ذنب كذاك... وفي نفس الوقت... لن نسمح لفواز بلمسها حتى لا تؤذي نفسها.... وفواز ابني وأخوك .. نحن أكثر من يعرفه ...)
ثم اعتدلت تقرب وجهها من وجه ولدها المكسو بلحية مشذبة من أطرافها، ابيّض نصفها، تبث إليه مخاوفها وقد أضعفها الهم وأوهن عظمها.
)لذا.... نحن في مأزق يا ولدي.... في مأزق حقيقي...)
منحها نظرة مشفقة ولمسة داعمة على كتفها يخبرها برقة دافئة.
)في الأولى لم نصدق... ولم نهتم.. لكن الآن نحن نصدق... ونهتم... الحل موجود بفضل الله... والقران شفاء للصدور.. وطارد للشياطين... معركتنا الحقيقية هي التأثير عليهما ليستقيما.... وحين يستقيمان على أمر الله بصدق... تستقيم أمورهما ... فقط يجب أن نحتاط ونأخذ بالأسباب...)
هزت رأسها ممتنة لسندها والداعم لظهرها المنحني والمنهك، ترد بإعياء.
)الله المستعان يا ولدي ... الله المستعان...)
………….

*مساء*
*منزل الخواجي العائلي*

ران عليهم الصمت مكتفين بتبادل النظرات المترقبة من بينهم رواند التي تفاجأت بمكالمة زوجها، يأمرها بالحضور حالا برفقة أختها وما كادت تتعذر بعزاء جدتها حتى أخرسها بتتمة الجملة المثيرة لكل حواسها بتأهب حارق.
يوسف طلب من جده اجتماع العائلة بوجود شيراز، ماذا يريد؟ ولماذا يخطط ؟ اتصلت بالأبله ابن عمها مرات عدة دون رد وهي في طريقها إليهم، مستسلمة لجهلها الذي لم تتعود عليه.
وها هي جالسة جوار شقيقتها التي لم تكف هي الأخرى عن طرح الأسئلة منذ أن أبلغتها بوجوب حضورها، تنتظر آخر فرد لم ينضم بعد إليهم.
رفع يوسف رأسه من على الأرض حاسما فوضى أفكاره واستقام مستقبلا سلا العائدة من غرفة شقيقتها، تقول بإشفاق.
)لا تستطيع النهوض من الفراش... الدواء أتعب معدتها ...)
هز يوسف رأسه وعاد يؤكد على قوله السابق لوالدته.
)سآخذها غدا ان شاء الله الى متخصص ... ما فعلتماه اليوم ليس كافيا... والدواء كما رأيتِ لم يناسب معدتها... نحصل على نتائج التحاليل ونذهب بها الى متخصص معروف ببراعته في المدينة ...)
أومأت والدته الجالسة بأناقتها المعهودة، توافقه فتدخل جده يقول بنفاذ صبر لم يظهره.
)لماذا جمعتنا يا يوسف؟... لدي عمل تعطل بسبب تقديم واجب العزاء اليوم...)
أخفت رواند تبرمها، مولية تركيزها لمن شملهم بنظرة غامضة انتهت إلى شيراز الغير مستقرة في مقعدها من التوتر.
)آنسة شيراز.... هل تقبلين الزواج بي؟)
تلات شهقات فرت من حناجر الفتيات، رواند المصدومة وأختها المصعوقة وسارة المبهوتة.
أما والدته فتجمدت على وضعية البلاهة ولم يكن السعيد فيهم سوى من شعر بحلمه يدنو من راحة يديه و بين ذراعيه، جده الخواجي. قام من مكانه ضاحكا يضم جسد يوسف المتصلب نفورا يبارك له بكل سعادة توشك عل إفقاده هيبته.
)مبارك عليك بني... أسعدت قلبي جدا...)
بلعت شيراز ريقها ترمق أختها بنظرات هلعة أثلجت صدر يوسف الذي تأكد انه على بداية الطريق الصحيح لكن جرس الباب قطع تركيزه، بعده صرخة سلا السعيدة.
)بابا....)
استدار بسرعة آلمت عنقه، ينظر نحو الباب يتأكد من وصول والده فعلا.
)صلاح الدين؟)
نطقت بلقيس بدهشة ساهمة والمفاجآت تتسلمها تباعا وقامت تخطو نحوه بينما هو لازال يستقبل أحضان وقُبل ابنته المسرورة برؤيته.
)يوسف أخبرني أنك ستأتي آخر الأسبوع بابا!)
تساءلت سلا بفرحة لمعت لها مقلتيها فرد عليها متجاهلا نظرات زوجته المجروحة وهي آخر من تعلم بخبر قدومه.
)وجدت موعدا أبكر فحجزته ... كيف هي سارة؟)
سأل يوسف الذي كان قد اقترب منه، خلفه جده القائل بترحاب سعيد.
)حمدا ل الله على سلامتك يا صلاح الدين ... جئت في الوقت المناسب...)
اكفهرت ملامح يوسف برفض، لم يحسب حساب حضور والده في ذلك التوقيت بالذات وهو الذي لم يخبره عن قراره بعد.
(سلمك الله... لماذا يا ترى؟)
رمقهم باستفسار فهمّ الخواجي بإخباره لولا صرخة سارة المرعبة أثارت فزعهم وهرولوا جميعهم نحو غرفتها.
كان أول من وصل إليها والدها الذي صدم بمظهرها المزري، بشرتها الشاحبة ونظراتها التائهة تتحرك في الغرفة بتخبط وكأنها لا.... مستحيل! فكر والدها وهو يتلقفها بين ذراعيه، يسألها بلهفة ليُفند خاطره المخيف.
)ما بك صغيرتي؟... سارة!)
رفعت رأسها تبحث عنه بمقلتيها الضائعتين، ذراعيها تقبض بهما عليه بقوة، تندس داخل حضنه بينما تهتف بخوف وتشتت.
)بابا... أنت هنا... بابا لقد جئت... ساعدني بابا... أنا خائفة!... لا أعلم ماذا حل بي!)
أبعدها قليلا ليتفحص ملامحها الشاحبة، يسألها تحت أنظار الجميع المراقبة بقلق بالغ باستثناء الشقيقتين المتناظرتين فيما بينهما بغموض عابس.
)ما بك حبيبة البابا؟... ما الذي يؤلمك؟..)
حركت كفيها المرتعشتين بعشوائية حتى وجدت وجه والدها وضمته باكية، تجيبه بما حل عليهم بصاعقة ألعن من كل ما سبق واعتبروه مصيبة.
)أنا لا أرى شيئا بابا ... كنت أعاني من ضباب يغشى بصري الأيام الماضية.. ظننته مجرد تعب وسيزول ... لكن الآن فجأة لم أعد أرى سوى الظلام ... الظلام يا بابا.... وأنا مرعوبة...)
ظللهم الصمت، يشل أطرافهم عن التصرف ولم يفعل يوسف سوى أن التفت نحو رواند التي منحته نظرة تخبره عبرها بأنها لاتزال هي الرابحة، لاتزال هي السباقة بخطوة وأنه لا فكاك له منها أبدا.... مهما حاول!





انتهى الفصل بفضل الله..... لقد استنزفني اتمنى ان ينال اعجابكم... وفي انتظار لايكاتكم وأراءكم... استغفر الله العظيم لي ولكم.
































noor elhuda likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 15-04-20 الساعة 10:22 PM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 06-11-19, 11:37 PM   #590

ضحى حماد

نجم روايتي ومشرفة سابقة

 
الصورة الرمزية ضحى حماد

? العضوٌ??? » 269097
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 2,300
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Syria
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » ضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك max
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 85 ( الأعضاء 29 والزوار 56)
‏ضحى حماد, ‏السنابل الذهبية, ‏affx+, ‏ام معتوق, ‏Better, ‏wafaa mansour, ‏gegesw, ‏ام يونس1, ‏amana 98, ‏ام توتا, ‏الغفار, ‏Mns, ‏darinemounamaria, ‏سمية21, ‏زهرة الغردينيا, ‏تيوليب٤, ‏mouna ABD, ‏ام الارات, ‏سندراقاسم, ‏lotus baka, ‏نوره خليل, ‏قارئة استثنائية, ‏عاليا محمد, ‏امه الرحمن4, ‏Warda123, ‏rowdym, ‏مزوووووون


ضحى حماد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:24 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.