آخر 10 مشاركات
لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          سحر التميمة (3) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          ثأر اليمام (1)..*مميزة ومكتملة * سلسلة بتائل مدنسة (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          ملك يمينــــــك.. روايتي الأولى * متميزه & مكتمله * (الكاتـب : Iraqia - )           »          معذبتي الحمراء (151) للكاتبة: Kim Lawrence *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          409 - غدا لن ننسى - تريزا ساوثويك (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          عمل غير منتهي (85) للكاتبة : Amy J. Fetzer .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          في محراب العشق "مميزة","مكتملة" (الكاتـب : blue me - )           »          في أروقة القلب، إلى أين تسيرين؟ (الكاتـب : أغاني الشتاء.. - )           »          تبكيك أوراق الخريف (4) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree2Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-03-20, 10:56 PM   #91

safeia Elgayar

? العضوٌ??? » 458058
?  التسِجيلٌ » Nov 2019
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » safeia Elgayar is on a distinguished road
Rewitysmile25 رواية أفيندار الكاتبة صفية الجيار


#أفيندار
الفصل العشرون
#أفيندار
#صفية_الجيار
الفصل السابع عشر
كرم الدالي الابن الأكبر لنجيب الدالي، والذراع الأيمن له،وشريك عمه طاهر بجميع أعماله، استطاع بفترةٍ وجيزةٍ أن يشغل مركزًا مهمًا بأعمالِ عمه ووالده بنفس التوقيت، وبالإجبار، فقد كان مجبرًا على العمل بشركة والده، وبعد محاولات خسيسة ومغرضة استطاعت منار أن تجبره على شراكة مع عمه ستخوله من أن يضع يده على جزءٍ كبيرٍ من أموالهِ، وكانت تنوي تدمير إمبراطورية الدالي عن طريق تلك الشراكة، لكن انتهى طاهر الدالي وإمبراطوريته بطرق مغايرة تمامًا، يكُبر يسر بثلاثة أعوام، كان يعد نفسه المسئول عنها منذ نعومة أظافرهما، لعبا سويًا، درسا بنفسِ المدرسة، عاشا حُب الطفولة البريء، وحُب المراهقة الأهوج، وحُب الشباب الحالم وكللاه بخِطبةٍ عقبها عقد قران صمم عليه كرم حتى لا يترُك مجالًا لخلافات والدتيهما أن تفرقهما، لكن لم يضع القدر بالحسبانِ، فقبل حفل زواجهما بأيامٍ قليلة انفصل عنها غيابيًا وفر هاربًا إلى خارج البلاد تاركًا إياها تواجه الجميع بمفردها، المجتمع، الصحافة، والدته، وموت شقيقيها وما ترتب عليه من تدهور حالة والدها الصحية، وقلةِ الحيلة بقلةِ الأموال، ولولا عودة كرم لما استطاعت أن تقف على قدمها مرة أخرى،كان كرم يونس الدالي شقيق سمية يستحوذ على حب واهتمام الجميع؛ نظرًا لتسميته نسبًا لاسم جده كرم الدالي الكبير، فأرادت منار أن يحصل مولودها على هذا الحب؛ لذا أصرت على تسميته على اسم جده، ورغم اعتراض الجميع لتطابق اسمع مع سم كرم يونس، نفذت ما أرادت، فمنذ أن أصبحت فردًا من أفراد عائلة الدالي وهي تضع عينيها على كل ما هو بيدِ سمية، حتى اسم شقيقها لم تهنأ إلا وهو اسمًا لابنها، لطالما استخدمت ما بين ابنها ويسر لتدميرهم وبنهاية الأمر نجحت بذلك دون أن تضع ابنها بعين الاعتبار، كرم ليس بالشخص الهين فدهائه يشبه مكر الثعالب ما إن تنظر إلى عينيه حتى تشعر وكأنك غرقت ببئرٍ من الأسرار، جرئ بحبه ولا يُستهان بِه، وما إن يضع عينه على شيء حتى يحصل عليه، وضع عينه على يسر وحصل عليها كما حصل على أموال والدها، كلمته مسموعة لا يستطيع أحد الوقوف بوجهه لكن ما إن يصل الأمر إلى أمه حتى يصبح طفلها المطيع.
**
تحت المياه المنسابة على رأسها وجسدها، وقفت يسر وهي ترتدي كامل ثيابها التي غادرت بها منزل مراد بالعين السخنة،
ودموعها تتسابق بالانهمار على وجنتيها مع المياه، أحدهما كانت تبرد جسدها والأخرى كانت تحرق وجهها، وأخيرًا علمت ملابسات ما يحدث لها منذ وفاة والدها، بل ما حدث منذ وفاة شقيقيها، لم تكن معرفتها بمخططات والدتها مع مراد وكرم هي سبب انهيارها، بل معرفتها بمخطط أمها مع طليقها أي حُب عمرها، وكيف أجبرته على طلاقها غيابيًا بعد أن هرب مستوليًا على أموال والدها التي كانت بحوزته، ويا للصدفة لقد أعطاها له صبيحة يوم الحادث، وعندما طالبه بها بعد انهيار أسهم شركاته، قام بتصفية أعماله وغادر إلى خارج البلاد ولم يستطع أحد إثبات حصوله عليها فلقد أعطاها له عمه على سبيل تمويله للمشروع بشكل ودي ولم يتوقع خيانته، أما عن إجبار سمية له على الطلاق فلقد نجحت بهذا بصورةٍ أو بأخرى ورفضت عن الإفصاح عن سر قبوله بالطلاق وقالت لها بشجاعةٍ وهو يقف قبالتها:
"إن كان يملك الجرأة ليخبركِ هو، لكن أعلم جيدًا لن يتجرأ على ذلك، والآن إما أن تغرب عن وجهي أو أُنهي اتفاقنا كما فعلت أنتَ وحينها سيحدث لكَ ما تمنيته كثيرًا،لكن ماذا أفعل لابن عمي خاطر لا يمكن تخطيه، وهذا ما يقيد يدي وقدمي ولساني عنكَ يا ابن منار"
دار بينها هي وأمها جدال حين حاولت يسر أن تستفهم عما يحدث، لكن رفضت سمية الافصاح عن كيفية اقناع كرم بالطلاق ووعدتها أنها ستضمن معرفتها بالسبب الحقيقي بعد وفاتها وأقسمت طالما تتنفس لن يعرف هذا السر سواها، و أخبرتها أنها أصرت على الطلاق عندما علمت أنه لا يستحقها، لقد استولى على أموالهم وهرب وتركها في محنتها فما كان منها سوى الضغط عليه للطلاق، أما عن زواجها من مراد قالت لها أنها وافقت على طلبه عندما علمت بإنهاء كرم لأعماله بالخارج وقرر العودة للوطن، وأخبرتها أن ما كانت تخشاه قد حدث بدليل طلاقها المفاجئ، كل ما تحدثت به والدتها كان صادمًا بالنسبة لها خاصة عندما علمت منها أنها قامت بالاتصال بمراد وعلمت منه أنه من قرر الطلاق، حيث زواجهما مكتوب عليه الفشل ولما يستنفذ طاقته بزيجة حتما ستفشل؟ لم تقتنع سمية بهذا السبب وعلمت أنه يخفي عنها السبب الحقيقي لكن لم تضغط عليه وقررت أن تمهله بعض الوقت.
شعرت يسر أنها دُمية بأيدي الجميع يتلاعبون بها كما يحلوا لهم،كرم،خالها،أمها ،مراد وأكثر من شعرت أنها بحاجتها كانت رهف التي أنهت استحمامها في عجالة من أجل أن تتحدث معها.
**
بشركة "mmh"تحديداً بمكتبِ حمزة، جلس مراد قبالته ينفث سحابة بيضاء من دخان لفافة التبغ القابعة بين إصبعيه،وهو يتطلع بِه بغضبٍ، ليس من أسئلته واستنكاره لما رواه عليه وإنما مما يحدث، كيف لقلبٍ عطوفٍ حنونٍ،أن يكون بهذه القسوة، كيف لأخٍ أن يتقبل ما حدث لشقيقته، ويقف يشاهدها هكذا مكتوف الأيدي؟!
قال حمزة:
_أمجد لابد له وأن يُعاقب عل فعلته هل ستتركه ؟
_لن أفعل، لكن لن أبرحه ضربًا كما فعل بها، سأنهيه وهذا الأمر يحتاج القليل من الصبر، أمره لا يهمني ما يهمني مريم وابنتها.
قال حمزة ضاغطًا عل جرحه حد النزف:
_ ويسر؟
تنهد قائلًا:
_طلقتها.
_لِمَ؟
_هي طلبت وأنا نفذت.
حرك رأسه باستنكارٍ ثم قال:
_لا تجعلني أفقد أعصابي، البارحة كنت تقول سأحميها من قذارة زوجها والآن تقول طلقتها هكذا وببساطة؟
_طليقها وليس زوجها.
نهض حمزة وهو يحدق به ببلاهةٍ:
_ مثلكَ تمامًا لقد أًصبحت طليقها، بالمناسبة لابد وأن تنهي إجراءات الطلاق، سيقتنص ابن عمها الفرصة وفور انتهاء عدتها سيحاول إعادتها له، هذا إن كان لها عدة.
سارعدة خطوات نحو الباب ثم التفت إليه قائلًا قاصدًا إغاظته:
_مؤكد لها عدة حتى وإن لم يكتمل زواجكما، فشروط العدة مكتملة في حالتكما بالخلوة، هل كنتما تبقيان بغرفة واحدة أم كل منكما بغرفة يا صديقي؟
تطلع به بغضبٍ وكأن الشرر سيتطاير من عينيه ويحرق الشركة بأكملها، أطلق العديد من السبات من بين شفتيه ونعته بالمعتوه لتخيله أن ليس ليسر عدة، لم يكن يعلم أن شرطي العدة اكتملا في زواجها من مراد، لذا عدتها ثلاث أشهر سيحدث بهم الكثير.
**
_رأيته يا رهف، رأيته وخاتم عائلتي اللعين بإصبعي، بعد ثلاث سنوات رأيته، لم يتغير كما هو جرئ،عينيه لها تأثير قوي واشتقت له.
قالت يسر،وهي تجلس على السرير رفقة رهف، وتقبض على كفي يديها وتضغط عليهما بشدة، بعد أن استدعتها لحاجتها لها، قالت الأخيرة:
_هذا ما أحاول إيصاله لكِ منذ عدة أيام، لن تكوني بخير سوى معه، حبه لم يقل مثقال ذرة بقلبكِ بل على العكس شوقكِ له يدل أنه ازداد أضعاف المرات.
ضغطت على يدها وابتسمت بتوجسٍ ثم تابعت:
_ يسر أخي عاد ليصطحبكِ معه إلى الخارج، لتنسي كُلُّ ما حدث وتعيشا بسعادة بعيدًا عن حرب سمية ومنار الدالي.
انتفضت يسر واقفة ثم هدرت بها:
_سمية الدالي فقط، منار لم ولن تكن دالي بيومٍ من الأيام، أما عن كرم نعم اشتقت له، افتقده، حبه لم يقل بقلبي، أضعف أمام عينيه، لأنه حب حقيقي صادق لم يكن كذبًا وخداعًا كما الحال معه.
_لكنه عاد وينوي الاعتذار لكِ وتعويضكِ ومحاربة الجميع من أجلكِ.
عاودت الصراخ مرة أخرى إلى أن وصل صوتها لمن بالخارج:
_ بعد ماذا، وبماذا، وعمن سيعوضني؟ هل عن أبي الذي عاش ثلاث سنواتٍ أسيرٍ لكرسي متحرك، أم عن أموالنا التي سرقها وهرب في أكثر أوقاتنا حاجة إليها، أم عن معاملة منار المهينة لي ولعائلتي، أم عن تخلي عمي عنا،أم عن ما فعلوه بنا المجتمع والصحافة، أم عن وفاة أبي حسرةً عليّ، أنا أعلم جيدًا من نشر تلك الأخبار الكاذبة،أم عن قلبي وما فعله به.
راحت تلكم صدرها عدة لكمات وهي تتابع:
_ هذا القلب بماذا سيعوضه بعد أن تخلى عنه في أكثر أوقاتي احتياجًا له، هل وضعتِ نفسكِ بمكاني حب طفولتكِ يترككِ قبل الزفاف بأيام، بعد أن قتل أخيكِ أختكِ عندما أمسك بها رفقة أحدهم وأثبت الطب الشرعي قيامها بعلاقة جنسية كاملة وتعاطيها المخدرات، رهف أنسيتِ ما عنيناه بأروقة المحاكم، أنسيتِ انتحار ياسين أنسيت عندما حُكم عليه بالإعدام، أنسيت صراخه بأسمائنا يومها، أنسيت أنني اضطررت للعمل حتى أغطي احتياجات أسرتي بينما أخيكِ ينعم بأموالنا بالخارج؟رهف لطالما فصلنا علاقتنا بمشاكل العائلة،لنفعل هذا الآن أيمكن.
عانقتها وهي تذرف سيل من الدموع قائلة:
_يمكن يا حبيبتي يمكن.
بالخارج كانت تجلس سمية تتصنت على ما تقوله ابنتها، ابتسمت بسعادة رغم ألم ابنتها وهي تتمتم"إنها ابنتي لن ترضخ لتهديدات هذا الحيوان مطلقًا".
جلستا الفتاتين مرة أخرى بعد أن هدأت يسر، فقالت رهف محاولة استيعاب ما قصته عليها عند مجيئها:
_هل صدق مراد ما وصل إليه من صور؟
_هممم.
_من أرسل تلك الصور؟
حدقت بها يسر بنظرات ذات معنى فتابعت:
_بالطبع أخي،قلت لكِ لن يتخلى عنكِ بسهولة.
_لست سلعة يتم تداولها كما يحلوا له.
تطلعت بها بريبة ثم قالت:
_ يسر لما سمحتِ لمراد أن يفعل ما فعل!؟
طأطأت رأسها بخجلٍ ثم قالت:
_ أعلم ما يجول بعقلِ وقلب مراد لذا أردت أن أقتل كل شعور تجاهي بداخله، لم يكن سهلًا لكني فعلتها، بالنهاية هو زوجي، لقد قطعت آخر أمل بقلبه لي.
**
ذات مساء
تكورت يسر على نفسها على مقعدٍ بشرفة غرفتها وهي تُمسك بكوبٍ من الشاي،وبيدها الآخرى تنهي بعضًا من أعمالها على الحاسوب في انتظار بدء إطلالة أفيندار، بينما تجلس رهف بحديقة قصرهم تتشارك مع يسر في انتظار ما ستخطه أفين، وصل إليهما ذات الاشعار بنفس التوقيت وكان عبارة عن" الليلة لا توجد رسالة أو مشكلة ، بل أفيندار ستطل عليكم بشكلٍ جديدٍ لأول مرة لأن ما مضى شيء وما سيأتي مغاير تمامًا، الليلة نصيحة لن أقدمها، بل أنتم من ستفعلوا،بطلة الليلة في أمس الحاجة لنصائحكم لا تبخلوا عليها،انتظروني بعد قليل".
قامت رهف بإرسال رسالة على تطبيق "الماسنيجر" إلى ابنة عمها فحواها"يسر ما هذا الهراء؟أفين باتت تُزعجني بالآونة الأخيرة،خواطرها بها غموض لا أستطيع تفسيره،وكأنها ستفاجئنا ذات ليلة بتوقف خواطرها، والله حينها اغتالها تلك اللئيمة تعلم أهميتها فتدلل علينا"
ابتسمت يسر ثم قامت بالرد عليها " لتتوقف الخواطر وما المشكلة هل سنموت في غياب أفين! "
هذه المرة لم تراسلها رهف بالكتابة بل أرسلت لها مقطعًا صوتيًا قالت به "يسر هل جننتِ،أنا أنتظر طوال الأسبوع يومي الثلاثاء والجمعة فقط للاستمتاع بما تخطه أفين وقراءة تعليقات آراء متابعيها".
شردت يسر قليلًا بعد أن علمت مدى تشبث ابنة عمها بعالمها الافتراضي رغم تواجد حمزة بحياتها، ثم أرسلت إليها مقطعًا صوتيًا محتواه"رهف ليكبر عقلكِ قليلًا، أفيندار ليست سوى شخصية مبهمة، لا نعرف إن كانت رجلًا أم فتاة، عاقل أم مختل، حياته مستقرة أم يُقابل عقبات ستحيل عن تواجده معنا دومًا،أخبركِ أمرًا،أفيندار تُعني عاشق وكل منا عاشق وكل منا بداخله أفيندار،لا تنتظري أفيندار إن غابت بل ابحثي عنها بداخلك"
كلمات يسر أحدثت خللَا بداخلِ رهف وراحت تفكر بما قالته،نستطيع القول أنها اقتنعت به إلى حدٍ ما، لكن ما زاد فوهة الخلل اتساعًا هي كلمات أفين التي أرفقتها بموسيقى كانت موفقة باختيارها حيث جسدت معاناة البطلة/البطل بكلماتها والمعاناة المتجسدة بالمقطوعة الموسيقية.
**أفيندار**
{ماذا إن ضعف القلب،وتمزقت الروح،وسلب كل منهم جزءًا منا، ماذا إن تخلى عنا من أقسم أن يبقى بجانبنا طوال الحياة، ماذا إن فعلنا ما يدمينا، واتشحت بالسواد ليالينا، ماذا نفعل هل نرضخ، أم نواجه ببسالةٍ، ندافع عن معتقداتنا، أم لا شيء يستحق في هذا الظلم البين،أنشبههم أم نتمسك باختلافنا؟}
**
أكثر الأعضاء نشاطًا كانت فوفي"أي رهف التي تشارك بمدونة أفيندار باسم وهمي،وكان أول تعليق لها" إن رضخت سيحاربونكَ ويكيلون لكَ من الأوجاع ما لا تحتمل"،رد عليها حمزة" إن رضخت لهم سيحتل السواد قلبك".
وكأن تقديم النصائح مهمة عائلة الدالي وأقربائها فقد كتبت يسر تعليقًا كان فارقة في المدونة وأثنى عليه الكثير" إن سكت لا سواد قلوبهم سيتحول أبيضًا ولا بياض قلبك سيتحول أسودًا،بل سيصبح رماديًا بعد أن تحترق روحكً وتتحول إلى رماد"
وهكذا مرت الليلة في مناقشات ومناوشات بين الجميع،لكن استطاعت بطلة أفيندار أن تحدد وجهتها بعد تلك الليلة.
**
فيلا نجيب الدالي
تحلقوا جميعًا حول المائدة،يتبادلون أطراف الحديث أثناء تناول وجبة الافطار،بسعادةٍ غير مكتملة لم يشعرون بها منذ سنوات، شابها القلق والريبة من قبل نجيب الذي قال:
_لا أعلم لما أصررت علينا أن نخفي أمر عودتكَ،وماذا قررت أن تفعل يا كرم؟.
وضع الشوكة والسكينة من يده باهتمام وكأنه يفكر بما سيقوله أولًا ،ثم تطلع بوالده وهو يلوك الطعام بفمه،وقال:
_بالطبع لن أعد إلى أوروبا، وفور أن أسوي الأمور مع يسر وأمها سآخذها ونذهب إلى دبي لقد نقلت أعمالي إلى هناك.
ابتسم والده باطمئنانٍ، لقد قضى الليالي بعد عودته يعاتبه عما فعل بعمه، لكن انتفضت منار من مكانها ثم ركلت المقعد بقدمها للخلف وهدرت بعصبيةٍ بالغةٍ:
_هذا في أحلامك يا ابن منار، هل عدت على حصانك الأبيض أيها الفارس الهمام لتأخذها وتذهب بها بعيدًا، ألم نتفق أم أنكَ نسيت؟.
_وأنتِ أخليتِ باتفاقنا، وتم إلغائه.
اقتربت منه قائلة بحيرةٍ:
_كرم هل جئت تُنهي ما لم نستطع إنهاءه منذ سنوات، أم جئت تستعيد ابنة سمية؟
_ جئت أسترد شيء عائد لي سرقتموه بحربكم.
تظاهرت بالتفكير ثم قالت:
_ حسنًا خذها واغرب من هنا، لكن قبل ذلك لابد وأن أحصل على النجمة والقمر هما من حقي وسمية سلبتهما مني، لكن خذهما منها بالرضا وليس بالشدة حتى لا تأتي وتطالب بهما بعد ذلك.
أصابت منار قلب ابنها برصاصة الغيرة عندما ذكرت أمر الارث فلقد ذكرته بوجود القمر بإصبع مراد،حدق بالفراغ من أمامه وقال:
_هذا أول شيء سأسعى لفعله،أن أسترد إرث جدي من أيدي من لا يستحقونه.
قال نجيب بغضبٍ غير مسبوق:
_ متى ستتوقفين يا منار عن بخ سمكِ بعقل ابنكِ.
_إلى أن أحصل على ما حاربت سمية الجميع كي لا أحصل عليه.
**
فيلا مراد عزام
كان يجلس وهو يحتضن الصغيرة ويلاعبها محاولًا التهرب من أسئلتها بخصوص العروس وأبيها، تمر ليان بحالة نفسية سيئة بعد ما حدث بين والديها وأصبحت تخشى والدتها وتبكي فور الاقتراب منها، متذكرة صراخها والدماء التي كانت تسيل من وجهها في تلك الليلة، بينما والدته كانت تتابع أحد الأفلام على شاشة التلفاز،وتستريح مريم بالأعلى،لاحظت شروق حزنه وشروده فقالت:
_ مراد ما بكَ يا بني؟هل أنتَ أول رجل ينفصل عن زوجته؟هي زيجة كُتب لها الفشل من البداية وأسباب زواجك منها لم تنطلي علي مؤكد هناك ملابسات لم تُفصح عنها لخجلك منها،لذا لا تحزن فعلت خيرًا بانفصالك عنها.
تطلع بها بعتابٍ ثم قال:
_ أولًا،زواجي من يسر لا يشوبه أي خجل،سأتشرف طوال حياتي أنها كانت زوجتي،ثانيًا هذه آخر مرة سأسمح لأحدً بالتحدث عن أمر زواجي وانفصالي عنها،ثالثًا لا أحزن أو أنشغل بسبب يسر،السبب بعيد كل البعد عنها ادعي أن نحصل على الخبر الجيد الآن ونتخ.........
وقبل أن يتم جملته صدع صوت رنين هاتفه بالغرفة معلنًا عن اتصال من صديقه حمزة،أجابه قائلًا:
_هيا قل لي الخبر السعيد.
_أبشر يا ابن عزام.
_هل انتهى الأمر.
_متلبسًا.
بالضغط على كل حرف ينطقه،ثم تابع:
_لقد ثأرنا لمريمِ.
ابتسم مراد قائلًا:
_شكرًا لكَ يا صديقي.
أنهى المكالمة وهو يبتسم بسعادةٍ تتنافي مع ما يمر به فقالت أمه:
_هل جننت يا بُني،منذ قليل كنت تحترق توترًا وحزنًا ،والآن تبتسم ببلاهةٍ !؟
جلس وهو يقبل جبين الصغيرة وكأنه يعتذر لها على وصمة العار التي ألصقها بها مدى الحياة، لكنه فعل ذلك ليحميها من شر سيؤذيها ولا يقل أذى عن العار،همس بأذنها"ستعذرينني ذات يوم يا صغيرة"
رفع رأسه ثم قال:
_لنستعد سنطلق مريم من الحقير زوجها.
_كيف؟
_قبض عليه متلبسًا بإحدى الشقق المشبوهة.
وأثناء تحدثه مع والدته غلف صوت مريم الأرجاء وهي تقول بصراخ :
_لماذا فعلتها يا أخي؟


safeia Elgayar غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-20, 10:59 PM   #92

safeia Elgayar

? العضوٌ??? » 458058
?  التسِجيلٌ » Nov 2019
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » safeia Elgayar is on a distinguished road
Rewitysmile25 رواية أفيندار الكاتبة صفقية الجيار

#أفيندار
الفصل الواحد والعشرون
#أفيندار
#صفية_الجيار
"من فضلكَ،كما تزوجتني وأنتَ تعلم أنني مجبرة على ذلك، وأخذتني إلى منزلكَ قصًرا، ثم فعلت ما فعلت، وضربت بكل اتفاقياتنا عرض الحائض، نفذ عهدك الأخير وأصدق القول مرة واحدة، وانهي إجراءات طلاقنا"
إنها رسالة يسر التي استيقظ مراد على صوت هاتفه يعلن عن وصولها، ليبدأ يومه بداية سيئة للغاية بعد ليلة لا تقل سوءً بل تزداد، فلقد قضى ليلته يُقنع شقيقته أن لا مجال لإصلاح زوجها، وأن ما حدث لأمجدِ إرادة رب العالمين، لم يجبره على التواجد بتلك الأماكن المشبوهة لكنه أبلغ السلطات عنه فور تأكده من تواجده.
استنكرت ما حدث في البداية لكن عندما طلب من حمزة أن يرسل له مقاطع الفيديو والصور الخاصة بلحظة اقتحام المكان، وفور رؤيتها لزوجها بتلك الأوضاع راحت تهذي:
_طلقني منه يا أخي.
**
وضع مراد هاتفه على الكومود بجانب الفراش بإهمالٍ ثم همهم:
_ تتوقين للخلاص مني حتى تسنح لكِ الفرصة مع هذا الكلب، لكن لي حديث آخر مع والدتكِ، حان الوقت لترى أمكِ ما رأيته منكما، وحينها تقتلكِ ولا تسلمكِ له بيدها.
***
كانت تريد حذف تلك الليلة من ذاكرتها، تدعو ربها أن تمحو تلك الكلمات والتوسلات من مخيلتها، أن تكف عن تذكر لمساته وأنفاسه لكنها ذاكرة الجسد ويصعب محوها أو التغلب عليها، عاتبت نفسها كثيرًا لكن كان الحل الوحيد أمامها، لابد وأن كان يظهر مراد نذلًا خسيسًا بنظر نفسه، جلست بغرفتها تبكي حظها، تتساءل متى ستبتسم الحياة لها، أم أنها حصلت على نصيبها بالسعادة منذ ولادتها إلى يوم وفاة شقيقتها ،وكُتب لها من بعد تلك اللحظة الحزن والشقاء، توسدت كفي يديها بعد أن وضعتهما أسفل رأسها ثم أغمضت عينيها وبدأ شريط حياتها بالمرور في مخيلتها....
يسر تبتسم
كرم يهمس لها بكلام معسول
تداهمهما ياسمين
ياسين يتذمر
كرم يتجرأ،يسر تتوتر
سمية تحذرها
منار تضايقها
رهف تضعف،يسر تساندها
كرم يتجرأ أكثر يسر تصده
يسر ترضخ
يسر تبتسم
يسر تحلم
كرم ينفذ أحلامها
كرم يقرر،طاهر يوافق،يتزوجها
يكسر كل حواجز الخجل بينهما
يسر تضحك
وفجأة، يسر تبكي، تصرخ، تموت قهرًا
ياسمين تخطئ، ياسين يقتلها، يحاكم، ينتحر
كرم يهرب، طاهر يمرض
كرم يقتلها حية،والجرح ينزف
منار تشمت، سمية تهاجم
مراد يغتصب، يسر تستسلم.
يزداد الشريط قسوة فتصرخ قائلة:
_توقف توقف،لا أريد التذكر، اللعنة عليهم، منار كرم ليلعنكم ربي آلاف اللعنات.
تسارعت أنفاسها وراحت تقبض على طرف الدثار بشدة وكأنها تعتصره، من فرط توترها وما آل إليه تذكرها لأفعالهم الشنيعة بها، أغمضت عينيها فجأة، ثم هدأت وكأن مياه المطار هطلت لتخمد البركان، فتحت عينيها وراحت تحدق بالفراغ من أمامها ولسان حالها يقول لن أرضخ، مهما كنت سعيدة لن أغفر له ثمنًا للعيش بسعادة مرة أخرى، سأكون بلاءً فوق رأسيهما.
**
بأحد المطاعم الفاخرة، جلست سمية رفقة شقيقها ينتظران قدوم مراد، الذي اعتذر لهما فور وصوله معللًا تأخره بسبب إنهائه لبعض الأعمال بالشركة، جلس يطالعها بريبةٍ وتوجسٍ، وكأنها تعلم ما اقترف بحقِ ابنتها، فابتسمت له قائلة:
_ هل تعلم بالأيام الماضية انتابني الشك أن تكون قمت بإيذائها جسديًا.
بهذه اللحظة تحديدًا ارتجفت أوصاله وراحت نظراته تهرب بعيدًا عن مرمى عينيها؛ خشية أن يتم كشف ما فعله بها،ولسان حاله يقول "لو تعلم ما فعلت بابنتها لقتلتني الآن"،فتابعت بذكاءٍ بالغٍ:
_لكن فحصتها جيدًا ولم أجد أيدي أو أرجل ناقصة، وبندقيتها مازلت تتلألأ بمقلتيها، شعرها سليم لم يتم قصه، إذًا عنصر العنف ليس موجودًا، لِمَ انفصلت عن ابنتي يا ابن عزام رغم وعودك لي ورغبتك بتحويلَ اللعبة إلى الجد؟.
وأخيرًا فك لجام لسانه وقال:
_لهذا السبب تحديدًا انفصلت عنها، كانت نيتي خيرًا لكن لم أرى منها الخير مطلقًا.
تطلعت به بقلقٍ وقالت:
_فسر حديثكَ يا مراد رأسي سينفجر من كثرة الألغاز والتفكير.
مرر هاتفه إليها عبر الطاولة و قال:
_لقد كذبت عليكِ، لم تتوقف الرسائل بل باتت أكثر قذارة ،وقبل أن أريكِ ما وصلني، سأقول لكِ شيئًا ضعيه بعينِ الاعتبار، لقد كان زوجها بالنهاية لن ألومه ولم أفعل، لكن هي متمسكة بذكراه وأنا لن أستطع نزع حبه من قلبها لذا تنحيت، وتوجب علي تحذيركِ ابنتكِ ضعيفة تجاهه للحد الذي يجعلها من الممكن أن تؤذي نفسها .
حدقت به بفزعٍ ثم التقطت الهاتف لتنظر بالصورة وهي تلعن كرم آلاف اللعنات وتُقسم أنها ستكون سببًا لهلاكه بيومٍ ما، تطلعت به بعتابٍ ثم قالت:
هل انفصلت عنها لرؤيتكَ لتلك الصور؟
_لا تنظري لي هكذا، انفصلت عنها لأنها رفضت التخلي عن حبه.
قال كرم المتابع بصمت منذ بداية حديثهما:
_لابد وأن يتدخل نجيب بالأمر، ابنه بات أكثر خطورة، سم منار يتوغل بعقله وقلبه أكثر فأكثر.
فقالت سمية موجهة حديثها إلى مراد:
_توقعتكَ أكثر حكمة، لكن ألقيت بابنتي بالتهلكة.
دافع عن نفسه وقال:
_ما حدث ليلتها كان فوق قدرة تحملي، أعتذر لكِ لكن ما بقلبي وقف حائلًا أمام عهدنا.
نهضت قائلة بحزمٍ:
_آن الأوان لأجتمع بابن عمي وكل منا يوقف ابنه عند حده، قبل أن تحدث الكارثة، و يتوجب عليّ ردع ابنتي عما تفعله، لذا أحتاج تلك الصورة على هاتفي ليرى نجيب أي الرجال ابنه.
تطلعت به بخذيٍ وتابعت:
_شكرًا لكَ على حفاظكَ على الأمانة.
رحلت مسرعة فقال كرم وهو يلحق بها:
_اعذرها يسر بين براثن الشيطان الآن.
تابعهما بوجومٍ وهما يرحلان إلى وجهتهما، ثم راح يعاتب نفسه، لقد أيقن أنه فتح جبهة النار بوجهِ يسر، وكان لابد من أخذ الحيطة أكثر وأن يكتفي بشرحِ الموقفِ دون أن يريها الصورة، لكن حدث ما حدث ويتوجب عليه تدارك الموقف.
***
فيلا نجيب الدالي
دلفت سمية رفقة شقيقها بشموخٍ وعزةٍ تتنافى مع ما تمر به إلى غرفة استقبال الضيوف، بعد أن رافقتهما الخادمة، لقد قررت مواجهة منار وابنها في عقر دارهما وأمام رب أسرتهما، يكفيها خنوعًا فخاطر ابن عمها كان يقيدها لكن وصل الأمر للشرف ويا روح ما بعدك روح، لقد أيقنت أن منار وابنها وضعا الخطط للاستيلاء على ابنتها وإرث العائلة، وأثناء شرودها تذكرت أمر الخاتم القابع بإصبع مراد والذي لم يتخلى عنه، وهذا إن دل على شيء يدل أن مازال للحديث بقية، لذا لم تطالبه به أثناء جلوسهما.
أول من حضرت لاستقبالهما كانت رهف، لقد ذُعرت من وجودهما وقالت:
_ماما سمية ماذا تفعلين هنا؟!
وضعت قدمًا فوق الأخرى وقالت:
_ ما بكِ يا صغيرتي هل هذا ترحيبك بنا،إن ضايقكِ وجودنا إذًا ماذا ستفعل أمكِ!
تلعثمت بالحديث وهي تتقدم نحوها لتقبل وجنتيها وهي تُسلم عليها، وفعلت نفس الشيء مع كرم،ثم قالت:
_لا قدومكِ شرف لنا، لكن لم أعتد على زيارتكِ!
ابتسمت لها قائلة:
_لا تقلقي يا عزيزتي لم أتي إلى هنا كزوجة عمكِ لذا اطمئني،أين نجيب؟
_ الخادمة قامت باستدعائه سيحضر حالًا.
جاءهم صوت خطواتها تطرق الأرض وهي تسير نحوهم بتمايلٍ وفخرٍ، ونظراتها الثاقبة مصوبة على سمية فقالت الأخيرة:
_ابن عمي دومًا ما يكون متأخرًا خطوة، وأمك دومًا تسبق الجميع بخطوة، لكن للأسف من بالمقدمة هم من يتلقون الضربة الأولى.
جلست منار وهي تقول بتفاخرٍ :
_لقد عادت فقرة الألغاز مع سمية الدالي.
لم تعيرها اهتمام وتابعت:
_حبيبتي رهف من فضلكِ استدعي والدكِ لدي ما أقوله له.
_ سأطلب من الخادمة تحضر لكِ القهوة.
أشارت بيدها قائلة:
_لا يا عزيزتي، احتسيت للتو قهوة الصباح رفقة زوج ابنتي أدامه الله شيء جميل بحياتها.
تلوت منار كالثعبان بمقعدها وهي تتقد نارًا من ثقة سمية اللا مسبوقة، فقالت:
_اتركيها يا رهف زوجة عمكِ ليست معتادة على قهوتنا.
كانت ستجيبها لكن حضر نجيب فتبدلت نظراتها لأخرى جادة ولم تنهض على عكس كرم الذي نهض ليحيي نجيب بكل احترام، فقابله الأخير بحفاوةٍ قائلٍ:
_أهلًا بكما أنرتما منزلنا يا أولاد العم.
قالت سمية:
_حمدًا لله ما زلت تتذكر أننا أولاد عمك، وأبناءنا هما بمثابة أبنائك.
جلس وهو يتطلع بها بريبةٍ ثم قال:
_ ما هذا الكلام يا سمية؟ أغلقنا هذا الدفتر منذ زمن!
أخرجت هاتفها من حقيبة يدها وقالت وهي تعطيه له :
_عاد ابنك ليفتح الدفاتر القديمة، وأشعل فتيل الحرب من جديد، هذه المرة لا يوجد ما أخسره.
تطلع بالصورة فأجفل وابعد الهاتف عن عينه باشمئزازٍ قائلٍ:
_ما هذا؟
_ هدية ابنك لابنة عمه على زواجها، هذه الصور وصلت إلى هاتف مراد عزام، ما رأيك؟.
صوب نظراته إلى زوجته فجأة وكأنه يسألها هل لديكِ علمًا بتلك الفعلة الشنيعة؟ لاحت ابتسامة خبيثة على ثغرها وقالت:
_ حزنت من أجلها يقولون تطلقت، الأمر بات مخجلًا يا سمية الأولى تطلقت قبل العرس بأيامٍ، والثانية بعده بأيامٍ،ترى ماذا اكتشف بها زوجها ليطلقها.
هراء منار كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير،لقد جاهدت سمية لتبدو قوية لكن من يسمع تلك الاتهامات المشينة، ويصمد أمامها دون أن تثور ثائرته؟ قال كرم:
_ابنة شقيقتي يتشرف الجميع بالزواج منها، فقط أنا وأنتِ وأختي والحقير ابنك، نعلم لِمَ انفصل عنها رغم أنه من حسن حظها ولا نحتاج توضيح لِمَ تطلقت هذه المرة أيضًا، لذا التزمي الصمت ريثما ننهي حديثنا مع زوجكِ فما سنتحدث عنه يُعنيكِ أيضًا.
كادت أن تتحدث لكن قاطعها نجيب وهو يشير إليها وقال:
_ لو كرم من فعل هذا.
أشار إلى لهاتف،ثم تابع:
_ سيدفع الثمن غاليًا، ولن يستطع أحد حمايته.
نهضت سمية قائلة وهي تصوب نظراتها الثاقبة إلى منار وكأنها تبلغها بما عزمت على تنفيذه:
_سيدفع لا تقلق،كل القضايا والجرائم القديمة ستفتح،ليخجل ويخاف كل مذنب أغمضت عيني عن ذنبه سابقًا، تبرأت من خجلي منكَ، والآن لأجل خاطرك جئت إليكَ لأخبرك زوجتك وابنك فعلا بأبنائي وعائلتي الكثير، لم أستطع اثبات ذلك، لكن سأفعل ما بوسعي لكي أعيد لابنتي كرامتها وحقوق من أسفل التراب.
نهضت منار تنوي الاشتباك معها فقيدت رهف حركتها وهي ترتجف على إثر ما قالته زوجة عمها، هاهو شبح الماضي يعود ليجعل الرؤية مموهة وغير واضحة ويعكر الأجواء تمامًا كما تفعل شرائح الليمون بكوب الشاي، أشارت سمية لها وقالت:
_ لا أريد أن أسمع صوتكِ، قلت ما جئت لأجله وأنتِ يا رهف ليس لكِ ذنب بيتي مفتوح لكِ دومًا لكن كزوجة حمزة.
قال نجيب:
_إنها ابنة نجيب الدالي.
قل كرم بعتابٍ:
_أين كان نجيب الدالي عندما اغُتصب حق ابنة طاهر الدالي، وداست الأقدام على سمعتها!
هدرت سمية:
_كرااااااااااااام.
أشار لها معتذرًا فقالت:
_ابعد ابنك وزوجتكَ عن يسر يا نجيب، حتى لا تأتي إلى بابي متوسلًا وحينها سأردكَ خالي الوفاض.
رحلت سمية تاركة خلفها منار جثة بلا روح تتابع مغادرتها بتوجسٍ أصابت حالتها نجيب وابنتيهما بالحيرةٍ، فقال يستفسر عن سبب ارتباكها:
_ منار أحتاج توضيحًا لما قالته سمية،ماذا فعلتِ أنتِ وابنك بهم ولم تستطع اثباته؟
تهربت قائلة وهي توليه ظهرها:
_ما زالت تبكي على أموال شراكة طاهر وكرم.
راقبت رهف مغادرتها وقد ساورتها شكوكها فيما قالته زوجة عمها، وراحت تجمع القطع بجانب بعضها البعض كما كانت تفعل لكن دومًا ما كانت تلك القطعة الغير موجودة تُفسد اللعبة.
**
كانت تجلس على حاسوبها المحمول تبحث عن وظيفة خالية بالصحف أو المجلات،ورغم تأكدها أن لا فرصة لقبولها لكنها حاولت ببسالةٍ،تذكرت وعد مراد بتوفير وظيفة لها فور طلاقهما،لكن متى صدق مراد بوعوده معها؟
سمعت جرس الباب، تعجبت من الأمر فهم من الأسر التي لا يطرق أحدهم بابهم، تأففت وهي تسير نحو الباب وقالت بتذمرٍ:
_ أتمنى أن أعلم لما لا تأخذان مفتاح المنزل معكما،بدلًا من إزعاجي من وقتٍ لأخر؟
قبضت على مقبض الباب بعنفٍ، ثم أدارته قائلة:
_ من بعد الآن خذا المفتاح معكما،لست بمزاج أن أنهض لأفتح ل.........
ابتلعت باقي جملتها،عندما لمحته بابتسامته السمجة يقف أمامها بتفاخرٍ،وكأن لا شيءٍ حدث، وكأنه لم يهرب سارقًا سعادتها وأموال والدها، ومعه أحلام طفولتها وشبابها، دب الخوف بقلبها، وبدأت أهدابها بالتسابق فمازالت لا تقوى على النظر إليه، لم تتخلص من ضعفها أمام عينيها بعد،حدقت به مشدوهة فقال وهو يتقدم نحوها:
_سو مازلتِ تتذمرين عندما يقطع أحدهم خلوتكِ،ترى بماذا كنتِ منشغلة؟

أبى لسانها مطاوعتها، والتصقت شفتيها ببعضها البعض، فقط تحدق به بعيونٍ زائغةٍ، فتابع يقتحم باب الشقة :
_ ألن تدعوني ابنة عمي وزوجتي للدخول!
مناداته لها بزوجتي، كما الصفعة التي هبطت على وجنتها لتجعلها تستفيق من حالة التيه التي كانت تمر بها، تصلب جسدها بمواجهته؛ لتكون حاجزًا أمام اقتحامه الغير مقبول للشقة؛ تبدلت نظراتها لأخرى لم يستطع تفسيرها، هل كانت تيه، أم صدمة، أم فوهة بركان سيتطاير منه اللهب ليلتهمه فورًا، قال وهو يرفع حاجبيه محذرًا:
_بالتأكيد لن أبقى واقفًا أمام الجيران، ماذا إن رآنا أحدهم؟ماذا سيقولون يسر التي تطلقت من زوجها منذ عدة أيام تقف تتبادل الحب مع الأغراب؟
فك لجام لسانها عندما صاحت به:
_عن أي حب تتحدث أيها السارق الحقير، هيا اذهب من هنا،لا أريد رؤيتكَ مرة أخرى، أغرب عن وجهي، قبل أن يراك خالي،أو تقتلك أمي.
وعلى حين غفلة منها دفع جسدها بعنفٍ إلى الداخل، وقام بصفع الباب بقدمه بحدةٍ،ثم هدر بها:
_لن تفعل سمية الدالي شيئًا أسوء مما فعلت، لذا لم أعد أخشاها.
_وأنا أيضًا لا أخشاها، وإنما أخشى أن تراني معكَ، كما تعلم صحبتكَ ليست شيئًا مشرفًا.
قلص المسافة بينهما فتراجعت إلى الخلف، فاستمر بالتقدم قائلًا:
_ لما تهربين هل خوفًا من ضعفكِ تجاهي، أم تحاولين إخفاء حبكِ وشوقكِ لي، أليست هذه هي مخاوفكِ؟
أدركت فورًا أنه يحاول إخبارها أن حديثها مع رهف وصل إليه بالحرفِ، فتطلعت به باشمئزازٍ قائلةٍ:
_هذا كان سابقًا، قبل أن تهين عرض وشرف ابنة عمكَ التي كانت بيومٍ ما زوجتكَ، وتقوم بإرسال لحظات كانت تعني لها الكثير بيومٍ إلى زوجها، أنا الآن أبغضك وأحتقر نفسي عندما أفكر بما كنت أكنه لكَ يومًا،ارحل يا كرم وإلا أقسم لكَ سأستدعي الشرطة.
انقض عليها كالذئب، وقبض على كتفيها قائلًا:
_الفضل لكِ فيما فعلت، كيف لكِ أن تتزوجي غيري!الخطأ خطأكِ، استغليت غيابي وتزوجتِ لم أجد طريقة أخرى لاستردادكِ سوى أن أخبره كم كنا محبين وسعداء، وإن كان على الشرطة بالتأكيد ستدخل عندما أقدم شكوى بحق هذا السارق، الحقير رفض إعادة خاتم جدي.
اعتلت الصدمة صفحة وجهها ثم دفعته بعيدًا عنها و قالت:
_تركتني في أكثر أوقاتي احتياجًا لكِ وتأتي الآن بهذا الهراء،تبًا لكَ !
_نعم لكن الحق عليّ كان لابد أن أعود عندما تأكدت من اقترابه منكِ.
ابتسمت بمرارةٍ قائلة:
_فضلت الهرب واستخدمت أقذر أساليبك، التشنيع بابنة عمكَ في صفحات الجرائد.
حدق بها مصعوقًا ثم تمتم قائلًا:
_أن لا لم أفعل شيئًا،على العكس سعيت جاهدًا ألا يتضخم الأمر أكثر.
كانت تجاهد، غاضبة منه للحد الذي يجعلها تقتله، وقلبها يصرخ شوقًا له، بينما عقلها يذكرها بالخذلان الذي أصابها على يده، هدرت به بمرارةٍ
_أغرب عن وجهي لست سوى سارق حقير، جئت لتسترد خاتم جدكَ، لكن أقسم لكَ إن لم تكفوا عن ايذائنا، سيعانق القمر النجمة ويستقرا بقاعِ نهر النيل، لنرى حينها كيف ستشبع طمعكَ أنتَ و منار؟.
انقض عليها وراح يهز جسدها بعنفٍ قائلٍ:
_أقتلكِ حينها، أنتِ وإرث جدي ملكًا لي سأستردكما مهما حدث.
بدا عليها الارتباك من قربه وبدأت تحاول التملص من بين يديه لكنه استغل ضعف جسدها بين يديه؛ فانحنى يحاول التقرب منه وتقبيلها لكنها صرخت وحاولت الهرب منه، قيد ذراعيها وألقى بها على الأريكة واعتلى جسدها وقد فقد السيطرة على أفعاله، وأصبح حيوان بجسد إنسان، حاولت الفرار منه، فخانتها قواها وبعد محاولات مستميتة، نجحت بتحرير جسدها من بين يديه، فنهضت تركض نحو الباب قاصدة طلب المساعدة من الجيران، لكن لم يحالفها الحظ وقبض على خصلات شعرها فصرخت صرخة مدوية وهو يجذبها نحوه ليرتطم ظهرها بصدره وراحت أنفاسه القذرة تلفح عنقها على إثر اقترابه منها، طوق جسدها بذراعيه، قال بفحيحٍ :
_سو إلى أين؟ كنتِ لي سابقًا و ستبقين هكذا طالما هذا القلب ينبض.
صرخت وهي تحرك رأسها يمينًا ويسارًا:
_لا لم أكن لكَ بيومٍ، لقد استغليت حبي ولن أصبح، مراد امتلك هذا الجسد وانتهى الأمر.
أدارها إليه ثم هدر وعينيه تطلقان النيران:
_أقسم إن كنتِ فعلتيها سأقتلكِ،ِ سأقتلكِ يا يسر.
انهال عليها بالضرب مستغلًا قوته وضعفها، وصدمتها من هجومه الضاري عليها، شعر فجأة بأيدي أحدهم تقبض على ذراعيه وترفعه من فوقها، لتخلصها من براثنه.
***
قبل ساعتين، بشركة ""mmh بالتحديد فور مغادرة كرم لغرفة مكتب مراد ، لقد حدثت بينهما مواجهة انتهت بطرده من الشركة على أيدي رجال الأمن، بعد أن تهجم على مراد عندما رفض إعادة الخاتم له، فكر قليلًا بحالته ودرس خطورة اندفاعه، وتفوهه بالهراء عندما قال له أنه سيعيد الخاتم إلى صاحبته فأجابه"بل صاحبته من ستأخذه منك واليوم"،هب واقفًا فور إدراكه لما يقصده، وراح يدعو ربه ألا يحدث ما يفكر به، خاصة أنه يعلم أن والدتها وكرم ذهبا في زيارة إلى نجيب، فركض لاعنًا حظه متوجهًا إلى شقة طاهر الدالي، لينقذ حبيبته من خطر محتم.
***
تكالب عليه كل من مراد وكرم اللذين تقابلا صدفة أسفل البناية،وقاما بإبعاده عنها بينما احتضنتها والدتها وهي تنهض بها من على الأريكة، قام مراد بلكمه عدة لكمات وهجم عليه مستخدما يديه وقدميه في ضربه، بينما حاول كرم التملص من أيدي عمه التي تحيط به لتقييده، وحين شعرت سمية أنه سيلفظ أنفاسه الأخيرة بين يديهما صرخت بهما:
_يكفي إلى هذا الحد.
قال شقيقها بدون تفكير:
_بالفعل يكفي إلى هذا الحد سأستدعي الشرطة.
وهنا هبت يسر واقفة مرة أخرى:
_ شرطة لا،هو سيذهب،هيا يا كرم اذهب يكفي إلى هذا الحد.
قال مراد:
_هل ستتركينه يذهب بعدما فعل بكِ.
راحت تهذي وهي تهز رأسها برفضٍ لما يقول:
_ لم يفعل شيء لم يفعل شيء.
قبض على تلابيبه مرة أخرى وقال:
_ لكن كان سيفعل، وطالما لن تتدخل الشرطة لأقم أن بما يتوجب عليّ.
دفعه كرم نجيب قائلًا:
_ بأي صفة ها بأي صفة؟ لم تعد زوجها.
قالت سمية صارخة به، ونظراتها تلعنه آلاف اللعنات:
_أغرب عن وجهي، أغرب قبل أن تحدث جريمة قتل هنا.
نهرها شقيقها:
_لن يذهب طالما يسر هنا لن يفعل، سنطلب الشرطة ونتخلص منه.
تخلص كرم من قبضة مراد وأخيرًا ثم قال:
_وماذا ستقولون لهم، جئنا ووجدناها بين أحضان ابن عمها وزوجها المستقبلي.
لفظ جملته الأخيرة وهو ينظر إلى مراد بتحدٍ، هنا ولم يتحمل الأخير أكثر وراح يكيل له اللكمات لتنساب الدماء من أنفه وشفتيه وهو يهدر:
_عن أي زوج تتحدث يا حقير، سأقتلك لنتخلص من بلاءك.
قال كرم نجيب:
_قل لي ماذا تفعل هنا ألم تطلقها، ما شأنك بنا نحن أسرة واحدة لا نقبل تدخل الأغراب.
_ حتى وإن طلقتها لن أسمح لأحدٍ بإيذائها، ومن يكون سبب في دمعة من عينيها سأقتله، لذا ارحل قبل أن ألوث يدي بدمائكَ القذرة.
قام بدفعه إلى الخارج رفقة كرم ثم أغلقا الباب من خلفه وتوجها نحو يس التي تعانقها والدتها بينما ترتجف بضعف بين يديها، نظرت لها سمية بغضبٍ ثم صرخت موجهة حديثها لها :
_ماذا كان يفعل هنا؟
أجابتها وهي تتهرب بعينيها بعيدًا عنها:
_ جاء يفتعل المشكلات.
_ولِمَ فتحتِ الباب هل جننت يا يسر،لمَ!
قالت بانهيار:
_ لم يمهلني الوقت كنا نتحدث على الباب وفجأة تبدل حاله،لم أستطع ردعه، دخل رغمًا عني.
_وبما كنتما تتحدثان؟ إلى متى يا يسر، إلى متى ستجلبين لاسم أبيكِ العار؟.
صرخت بها بانهيار ودموع الحسرة والرفض تحرق وجنتيها، فيسر أطهر وأنقى من أن يتم اتهامها بتهمة كهذه :
_أنا! لم ولن أفعلها يومًا، الوحيدة بأبنائكِ التي حافظت على اسم عائلتها، أنا التي ضحيت بكل شيء حتى لا يتلطخ اسم أبيها بالوحل، أنا التي دفعت الثمن غاليًا ومازلت أفعل حتى أصلح أخطاء ابنتكِ.
رفعت سمية يدها لتهوي بها على وجنة يسر لتسكتها وتعاقبها عما قالت، لكن سبقها مراد وجذبها نحوه لترتطم بصدره ثم أحاطها بذراعيه وقال:
_ إلى هذا الحد وكفى.
حدق به كرم غير مصدق فقالت سمية:
_ابعد يدك عن ابنتي يا مراد، لقد طفح الكيل منها.
شدد من قبضته علي جسدها وقال:
_لا أسمح لأحدٍ برفع يده على زوجتي حتى وإن كانت أنتِ.
حدقت به يسر بعدم تصديق لكن استمرت بالتشبث بقميصه، تلتجئ له، شعرت لوهلةٍ أنه ملاذها بتلك الحرب والتي خسرت بجميع جولاتها، لكنها أبت أن ترفع الراية البيضاء ومازالت تحارب ببسالةٍ، بينما قالت سمية بغيظٍ:
_هذا كان سابقًا، قل لي كيف ستمنعني الآن.
وقامت بجذب يسر من يده فتمسك بها أكثر يحيط جسدها بتملكٍ، وهو يغرق بداخل بندقيتها وكأنه يرجوها أن تكف عن تعذيبه، وتقف بصفه لمرة واحدة وسيحميها من العالم، سيمحو كل من يحاول الاقتراب منها أو إسالة دمعة من عينيها، قال بتحدٍ:
_ هكذا لقد أعدتكِ إلى عصمتي مرة أخرى يا يسر.


safeia Elgayar غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 11:41 PM   #93

safeia Elgayar

? العضوٌ??? » 458058
?  التسِجيلٌ » Nov 2019
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » safeia Elgayar is on a distinguished road
Rewitysmile25 رواية أفيندار الكاتبة صفية الجيار

#أفيندار
#صفية_الجيار
الفصل الثاني والعشرون
الألم هو ذاك الحاضر الغائب، ظروف الحياة تحتم علينا لقائه، ولا يدم هذا اللقاء سوى بعض الوقت إن فكرنا بها وأدركناها ستكون سويعات من السعادة، سويعات لم ندرك قيمتها جيدًا ونحن نعيشها، لحظات كان يحدثنا بها وأعيننا تقول ما لم تعترف به أفواهنا، نندم عندما نُدرك قيمة ما أهدرناه، ونبقى نتضرع شوقًا لتسنح لنا الحياة بفرصة واحدة بجانبه، ندعو لتتعانق نظراتنا مرة أخرى.
والأسر أن تتعلق نظراتنا ومشاعرنا وأفكارنا بشخصٍ كل الطرق لا تؤدي إليه، نعم ندرك هذا لكن لا نتوقف لحظة واحدة عن التمني، تمني قربه، تمني سعادته، تمنى فرصة واحدة نكن بها سويًا، العشق هو أن نسعى ليكن سعيدًا رغم كل شيء، والحظ أن تبتسم لنا الحياة وتتقاطع طرقاتنا مرة أخرى، وما بين ألم الأسر وعشق وتمني سقط مراد ضحية يسر.
***
"إلى متى سأدخل هذا المنزل خجلة، ولا أستطيع رفع عيني ومواجهة أهلكَ، وكأني أُمسك بي بالجرم المشهود، إلى متى ستتقاطع طرقاتنا رغمًا عنا؟ لا أصدق للآن أنني وافقتكَ على هذا الجنون؟!"
هذا ما قالته يسر في محاولة منها على التفكير بصوتٍ عالٍ لعله يشاركها التفكير كما أقحمها بهذا الموقف للمرة الثانية، لكنه لم يتجاوب معها وظلت عينيه مسلطة على الطرقات تائهًا في بحر جنونه، يلعن تهوره، يفكر في رد فعلها المثير للشكوك، لقد تعرضت لنفس الموقف مرتان، معه استسلمت، ومع من تقول عنه عشق طفولتها والجميع يتغنى بعشقها له دافعت عن نفسها باستماتةٍ، تساءل هل لهذا دلالة ما أم أن غضبها من كرم جعلها ترفضه وتعاقبه؟ وحينما تغلب عليه ضعفه تجاهها دون وعي منه التفت إليها ثم أوقف محرك السيارة فجأة، فأصدر احتكاك الإطارات صوتًا دوى صداه بالأرجاء، أجفلت من حركته المباغتة وحدقت به وشفتيها وأهدابها يتسابقان من منهما ستسجل الرقم القياسي بالتحرك والارتجاف أسرع، قبض على ذراعها وبينما تحدق به طالعها برجاءٍ وقال بنبرةٍ لا تقل رجاء عن نظراته:
_ بينما رفعتِ راية الاستسلام لي منذ بداية الحرب، لِمَ دافعتِ عن نفسكِ باستماتة معه، أرجوكِ قولي كلمة واحدة لا تصبح رصاصة تستقر
بقلبي ؟!
انفرجت شفتيها وصدرت عنها شهقة مكتومة غادر الهواء على إثرها رئتيها ولم يعاود الدخول مرة أخرى، ها هو يُظهر ضعفه أمامها مرة أخرى، لقد ضحت بالغالي والنفيس حتى تقتل كل الآمال بداخله تجاهها وها هو يقول بنظراته ما رفضت شفتيه البوح به، لكنها لم تتخلى عن عنادها فقالت:
_إنه الخوف من رب العالمين، لا تخلق أسباب لا وجود لها، ما جعلني أدافع عن نفسي حينما قرر كم تجاوز حده معي، هو خوفي من ربي أن لا أسلم جسدي لمن لا حق له، أظن أنكَ تأكدت بذلك بنفسك أم لديكَ اتهام آخر لي؟
اغرورقت عينيه بالدموع وقال وهو يدير وجهه ناحية الطريق ويعاود القيادة مرة أخرى:
_ قلتُ لكِ قولي كلمة واحدة لا تكن رصاصة بقلبي، لقد زاد رصيد طعناتك وندباتكِ بداخلي، تُرى متى سيتم العفو عني.
قالت:
_ تسأل وتحزن من الاجا.................
أشار بيده لها معلنًا انتهاء الحوار بينهما، وكأنه فقد الأمل أن تُهدأ تلك الظالمة من روعه، وتقتل الخوف الكامن بداخله.
***
فيلا نجيب الدالي
دلف كرم إلى الداخل ككتلةٍ من النيران، تحرك صوب الأعلى قاصدًا الفتك بمن كانت السبب بما حدث معه، أثناء جلوس رهف رفقة أبيها يحاول معرفة سبب ارتباكها منذ مغادرة زوجة أخيه، لقد بدى القلق ظاهرًا على صفحة وجهها، لكن راوغت ولم تكشف مخاوفها له، ليست بالجرأة الكافية لتفعل هذا، أدرك الاثنان أن كارثة ما قد حلت منذ أن دلف كرم للداخل، تلك الهالة من الطاقة السلبية التي أحاطت بهما ونظرا ته الحائرة الباحثة بالمنزل بجنون جعلتهما ينهضان ويلحقان به إلى الأعلى ووالده ينادي باسمه:
_كرم،كرم تعال إلى ماذا هناك؟
صرخ:
_ابتعدا عني الآن.
وأخيرًا وصل إلى وجهته، غرفة والدته التي كانت تقف بالشرفة تحدق بالفراغ من أمامها،وقد فقدت السيطرة على عقلها وأًبحت أفكارها مشوشة، فالقوة التي استشعرتها بنبرة صوت سمية ونظراتها دبت الخوف بقلبها، راحت تراجع حساباتها لتأخذ الحيطة حتى لا تسقط صريعة ميراث عائلة الدالي قبل أن تحصل عليه،هدر كرم فجأة وهو يقف من خلفها وعينيه ترسل لها النظرات الحانقة:
_ تقفين هنا تتابعين الشمس الساطعة، بينما تحولت حياتي بسببكِ إلى غيوم وأمطار وأعاصير.
التفتت بفزعٍ قائلةٍ:
_ كرم ماذا هناك؟
تحرك صوبها باندفاع وقال:
_ ماذا هناك!هناك ابن فقد حياته بسبب أمه، هناك أم قتلت ابنها من أجل خاتمين، لقد تركت يسر مع عدوي ورحلت، لقد خسرتها للمرة الثانية، حذرتكِ كثيرًا حربك مع سمية الدالي سأكون الخاسر الوحيد بنهايتها لكن لا أذن تسمع ولا قلب يحن.
_وما ذنبي أنا هل جننت؟
قال والده وهو يجذبه من ذراعه ليلتفت له:
_ حدثني أنا يا ابن عائلة الدالي، هل صحيح أنك تدخلت بين ابنة عمك وزوجها؟
صرخ كالطفل الذي يدافع عن دميته التي يأخذونها منه عنوة، وعينيه تترقرق بالعبرات:
_ليس زوجها لم يعد كذلك، سأستردها، تركتها لأنني أعلم أنها لي، لكن الذنب ذنبي، من فعلت المستحيل لحمايتها، دفعت يسر للزواج من مراد عزام، تُرى ماذا اقترفت لتعاقبني أمي هكذا.
التفت ناحية والدته وتابع:
_ حذرتكِ من محاربتها بالصحافة انظري إلى نتيجة أفعالكِ، حقدكِ على سمية، وطمعكِ بما بيدها جعلني أخسر طفلتي.
تبع حديثه صفعة فجائية منها على وجنته فصرخت رهف بينما هدر نجيب:
_منار هل جننتِ؟
قالت:
_لم أجن، بل ابنكَ من فعل، لذا توجب علي اعادته لرشده والآن لا أريد كلمة واحدة بهذا الموضوع.
_بأي حق تنهي الحديث، لم أحصل على اجابة لأسئلتي بعد؟عن ماذا يتحدث ابنكِ؟أي اتفاقات تمت ولم يكن لنا علم بها؟
قالت:
_إنه يهذي لا تلتفت له.
قالت رهف باندفاع غير محسوم عواقبه:
_ لا يهذي هناك عدة أمور مبهمة يتوجب عليكما توضيحها،ماذا كانت تقصد ماما سمية بحديثها، ماذا فعلتما سابقًا ولم تستطع اثباته وستفعل الآن؟
قالت منار بينما يتابع كرم الحديث بخوفٍ بالغٍ:
_وهل هذا يحتاج إجابة، بالطبع تقصد أزمة أخيكِ مع عمه والأموال التي أخذها منهم.
التفتت ناحية كرم وسألته بينما ترفع حاجبيها محذرة إياه، أن تهوره لن يكن بصالحه:
_ أليس كذلك يكرم؟
سؤالها هذا كان تذكرة له ألا ينبش بالماضي فستكون خسارته فادحة إن فُتحت الدفاتر المغلقة، لذا طأطأ رأسه وهو يقول:
_لم تستطع سمية نسيان أمر الأموال، لكنها كانت حقي ماذا أفعل هل أتركها للبنوك تصادرها؟ بالطبع كنت سأسافر بها، لننهي هذا لحديث، وهيا ليعد كل منا إلى كهفه، منذ متى ونحن نجتمع هكذا، ونتحدث كعائلةٍ!
كان سيرحل هاربًا من المواجهة لكن جذبه والده وحدج به ثم قال:
_ لم ينتهي الحديث بعد لم اقتنع بما قلت وسأبحث عن الحقيقة لا تقلق لكن أخبرني، ماذا عن الصور التي وصلت إلى هاتف مراد، هل فعلت هذا بابنة عمك؟
_إنها حرب يا أبي وكل شيء مباح بها، يسر لي وأنا أقف على أرض صلبة قلبها معي، وسأفعل كل شيء لتعد لي مهما كلفني الأمر، نهاية حبي هذه ستكون دماء أو حب وكلاهما اللون الأحمر طغي عليهما؛ لذا لا تقفوا بطريقي سيأتي يوم وأدخل هذا المنزل ممسكًا بيدها، هذا وعدي لكم.
**
ممسكًا بيدها، يسير بها إلى بهو منزله وكأن القدر أراد أن يعد كرم ويفي مراد بالوعد، هو العائد بالكنز الثمين، هو العائد لأهل بيته بقوت السعادة، وتأشيرة الوجود، عينيه تجول بالأرجاء تبحث عن من يقابله، ليصرخ"ها هي معي مرة أخرى تعود لبيتي، لاسمي من جديد، ها أنا استغليت ضعفها واستقويت بها، وظفرت بها"
أما هي تتقدم خطوة وتتراجع عشرة، تتلفت كالسارقة تعلم جيدًا أنها تخطو نحو حياة لا حق لها بها، فقدت هذا الحق عندما قررت قطع أول وآخر خيط للوصال، تضغط على يده بشدة ليس لتمسكها بقربه، وإنما خوفًا من كل شيء وأي شخص سواه، تلتجئ له كعادتها كما تفعل دومًا،منذ تعارفهما يجرحونها ويداويها، يطعنوها وينتزع السكين، تهرب له يفتح لها أحضانه، تقف على أعتاب قلبه لا هي تدخله ولا تتركه صريع الموت وترحل،أليس هذا اختيار للقرب، أليس هذا بداية عصر جديد"عصر الاحتماء بداخل أضلعه"؟!
شعر بخوفها، برجفة يدها فشدد من قبضة يده وقال:
_قفي شامخة مبتسمة رغم كل شيء، وكأن لا شيء حدث، كنا على خلاف وها نحن معًا من جديد، عاشقان يا يسر، عاشقان.
أفرجت عن مخاوفها وقالت:
_ لا أستطيع المواجهة.
فقال:
_مريم ستفرح كثيرًا بكِ، لتتعانقا..
طأطأ رأسه وتابع معترفًا بجريمته:
_لتتعانقا، لتطيب جراحكما، أكثر من يفهم ما تمر به مريم هو أنتِ، كما أن ليان تحتاجكِ كثيرًا صراخ مريم بتلك اليلة يؤثر عليها.
تألمت، تملك منها الخجل واكتست صفحة وجهها بالحمرة، لحديثه المبهم عما حدث بينهما، جزء بها غضب هذا الجزء الذي تحاول اسكاته، غضب لاعترافه أن وجودها مهم من أجل شقيقته وابنتها، وليس من أجله هو، أليست هي من اختارت، ألم تحارب حتى لا ينقض عهدهما الأول،ألم تضحي بالغالي والثمين من أجل أن تقتل الأمل بداخله، يسر تشبه من يحاول النجاة لكنه يتمنى الغرق، ترى ما هي خطوتها القادمة هلى ستتمسك بطوق النجاة من غزو مشاعر مراد، أم ستغرق وترفع رايات الاستسلام.
قالت وعينيها تحمل الكثير من العتاب:
_ مجددًا زواج مشروط، قمت بحمايتي من براثن الشيطان، واتهامات أمي، وأنا سأبقى بجانب شقيقتكِ أدفع ثمن ما تقدمه لي.
جذبها بحدةٍ ليرتطم جسدها بصدره بينما أدار ذراعها لخلف ظهرها؛ مما جعل المسافة بين جسديهما معدومة؛ فحدقت به بذهولٍ وراحت أهدابها تتراقص، لا تصدق جرأته، قال وأنفاسه ترتطم بوجهها كعاصفة من الرياح الدافئة التي هبت فجأة لتصيبها بالتيه:
_لا هذه المرة دون شروط، أنتِ هنا بصفتكِ زوجة مراد عزام بنظري أنا والشرع والقانون والناس، فقط ننتظر اعترافكِ بهذا.
حاولت التملص من بين يديه، لكن هذه المرة مختلفة لقد قرر وانتهى الأمر، حاوط خصرها بيده الأخرى، وكانت حركته الفجائية تلك، فتيل الحرب التي أشعلها مراد بجرأته، فقالت:
_مراد ابتعد،لا تنسى كان بيننا اتفاق.
قلص المسافة بين وجهيهما وقال وهو يميل نحوها:
_ هذه المرة لم نتفق، قلت تعالي فأتيتِ لم أضع شروط فبالتالي ليس بيننا اتفاق.
_جئت لأنني اتفقت معكَ منذ البداية.
_كل وعودي واتفاقاتي معكِ لاغية.
نظرت له بتحدٍ وقوةٍ لا وجود لهما بالأساس، بل تتظاهر بهما حتى لا تظهر أمامه خاسرة قبل أن تبدأ الحرب وقالت:
_مراد كل شيء بكَ رائع، إلا أنكِ تنقض العهود،هذه الصفة تجعلني أنفر منكَ دومًا.
دفعها لأقرب حائط بالقرب منهما ومازال يعانقها ثم قال:
_في حربي معكِ كل شيء مباح، افعلي ما بوسعكِ ودافعي عن نفسكِ لن ألومكِ،وأنتِ لا تلومينني، وحتى لو حدث لن أتوقف، إما أكون الفائز أو تفعلين أنتِ.
عقدت ما بين حاجبيها، فخيل له أنها تتألم، كان سيتفقد بيده ظهرها لكن توقف عندما سمع صوت تلك القطة وهي تقول:
_ملااد لوسا{مراد عروسة}
انتفضت يسر من بين يديه وطاوعها عندما اكتشف وجود والدته بجانبهما تحمل الصغيرة بين ذراعيها، تراجعت خطوة وكأنها تحتمي به من والدته لكنه أمسك يدها وقال متحليًا بابتسامةٍ عذبةٍ:
_ نعم يا قطتي إنها العروسة، جاءت لتنير منزلنا مرة أخرى ولنعلمكِ كيف تلفظين اسمها الحقيقي يسر.
_نفهم من ذلك أن ابنة الدالي بيننا مرة خرى؟
قالت شروق فأكد مراد حديثها عندما قال:
_لم تعد كذلك إنها زوجتي، زوجة عزام، أنسيتِ في غيابها كنتِ تتساءلين زوجتكَ أين، ها أنا جئت بها ألن تقولي لنا مرحبًا؟
اختار كلماته بعناية فأجبرها أن تتخلى عن مهاجمتها وقالت:
_بالطبع مرحبًا بكِ يا بُنيتي.
قررت يسر مد أيدي السلام أولًا والتوجه إليها، لكن أوقفتها جملة مراد المباغتة لها حينما همس بأذنها بمشاكسةٍ:
_ مرحبًا بكِ بيننا، لكن تذكري في كلتا الحالتين أن الفائز...
**


safeia Elgayar غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 11:44 PM   #94

safeia Elgayar

? العضوٌ??? » 458058
?  التسِجيلٌ » Nov 2019
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » safeia Elgayar is on a distinguished road
Rewitysmile25 رواية أفيندار الكاتبة صفية الجيار

#أفيندار
#صفية_الجيار
الفصل الثالث والعشرون
_ سمية لابد وأن نجلس ونتحدث ابن منار بات خطرًا جدًا، أخشى أن يقومَ بإيذاء يسر، واثق أنه لن يتركها وشأنها.
قال كرم وهو يجثو على ركبتيه ويضع يديه على ركبتي سمية التي كانت تستند بجبينها على كف يدها الموضوع على جانب الأريكة، وجسدها يرتجف على إثر توترها مما حدث، رفعت وجهها تحدق به، تفكر عما يتوجب عليهما فعله فقالت:
_لن نهدد منار وابنها، أو نطلب من نجيب ردعهما، لن نحاول إبعاد يسر عن مرماه حتى لا يصيبها، نحن سنقضي عليهما تمامًا لنتخلص من شرهما إلى الأبد، ونخلص ابنتنا.
نهض متوجسًا ثم قال وهو يضع سبابته على شفتيه يحذرها وقال:
_ لا يكن ما فهمته صحيحًا، هل نويتِ أن تشعلي الحرب من جديد؟ ليكن بعلمكِ هذه المرة لن تنتهي.
قالت وهي تحدق بالفراغ من أمامها:
_ سأحرقه، آن الأوان ليدفع ثمن ما قام به، وليحترق قلب منار كما احترق قلبي، لتجرب نار الابن كيف تكون.
خارت قواه فجلس على المقعد المقابل لها، لا يصدق أنها أخيرًا قررت أن تجعل منار تتجرع من نفس الكأس الذي ذاقت منه قبل سنوات، ولأن عواقب ما سيقومان به وخيمة، طالعها لعله يجد في صفحة وجهها آثار لترددها، أو ريبتها لكنه لم يجد سوى إصرار وعزيمة على المواصلة، تنهد وقد أدرك أنه لن يستطع ردعها، الحرب هذه المرة لا تحتمل الخسارة، إما المكسب أو الفناء؛ لذا يتوجب عليه عد العتاد.
قال محذرًا:
_ هل فكرتِ بالعائلة وما ستؤول إليه الأحداث؟
_ فكرت بابنتي والثأر لها ألا يكفيك هذا؟ فكرت بابني وزهرة شبابه التي قُطفت ألا يستحق، فكرت بزوجي، فكرت بقلب ابنتي الذي يحترق، ألا يستحقون أن أحرق الدنيا من أجلهم؟
قال وهو يومئ برأسه متوعدًا:
_ يستحقون يا حبيبتي، يستحقون.
**
حديقة فيلا نجيب الدالي
ما حدث كان فوق قدرة استيعاب أو تحمل رهف، هي طفلة يسر المدللة التي تركض إليها متى مرت بأزمةٍ، أو مارست عليها الحياة ضغوطاتها، وبهذا اليوم نبش كرم جرحها الدفين وأعاد إلى مخيلتها شكوكٍ كانت تراودها فيما مضى لكن لم تجد لها إجابات فقتلت البذرة قبل أن تصبح نبتة، أما الآن الأمر مختلف باتت الصورة أكثر وضوحًا، لذا كان لزامًا عليها الالتجاء إلى ابنة عمها؛ فقامت بالاتصال على هاتفها المحمول وإرسال العديد من الرسائل النصية لكن لا مجيب، فيسر أدركت أن الجاسوسة التي دسها كرم نجيب بينهم هي رهف، عندما رأت الهاتف يرن معلنًا عن مكالمات وسائل رهف لم تجيب، لقد أدارت وجهها عنها، كل شيء بقانون يسر مسموح به إلا الخيانة، طوال سنوات لم تجعل ما بدر من كرم يؤثر على علاقتهما، والحال أن رهف ضعفت وانحازت بطرف أخيها، وسيترك هذا الضعف جرح غائر بعلاقتها بيسر.
كان لابد لها من معين في صدمتها يساعدها في إدراك الأمور وعندما أُغلق باب يسر بوجهها قررت اللجوء لحمزة، ذلك الحنون الذي لا يتوانى عن مساعدتها مطلقًا، هاتفته فكان بمنزلهم في غضون الساعة ويجلس مقابلها يتطلع بها بحيرةٍ، زفرت ونظرت إلى السماء تناجي ربها يدلها لطريق الصواب، فسأم من مراوغتها وقال:
_ فوفي كفاكِ حزنًا، وأخبريني ماذا حدث لكِ وأوصلكِ إلى هذه الحالة؟
أغمضت عينيها تهرب منه فسالت دمعاتها، أليست هي من طلبت منه الحضور إذًا لما الخجل الآن!
قالت وقد داهمتها رجفة قوة بجسدها لتتنبأ أن تلك الليلة لن تمر مرور الكرام:
_ حمزة إلى أين وصلت الأعمال بمنزلنا؟
حدق بها فاغرًا فاه، فقد أدرك من سؤالها ما تود طرحه عليه فقال:
_القليل جدًا إن أردت تنتهي الأعمال في غضون الشهر.
قالت بنبرةٍ طفوليةٍ تنم عن مدى احتياجها له:
_ ألا يمكن أقل؟
قال بصوتٍ رخيمٍ:
_ يكفي أن تؤشرين لي بإصبعكِ، وكل شيء ينتهي في الحال لكن أخبريني لِمَ السؤال؟
قلصت المسافة بينهما وقالت برجاء:
_ خذني من هنا لو كنت تُحبني حقًا، لما ننتظر أن تتحسن العلاقة بين صديقكَ وابنة عمي!
_ لقد عاد مراد إلى يسر أخبرني بذلك منذ قليل، لم يعد هناك داع لتأخير زفافنا أكثر، وإن لم يعودا يكفي أن تلقي بجسدكِ بين ذراعيّ، أخطفكِ بعيدًا عن هنا، من أبكاكِ يا صغيرتي؟
نهضت بفزعٍ وقد تبدل حالها من ضعيفة منكسرة إلى فتاة يتطاير الشرر من عينيها وقالت:
_ ماذا هل عادت يسر إلى مراد؟ كيف ذلك كنت معها ولم تخبرني!
_ لقد حدث الأمر منذ عدة ساعات، ما بكِ لما كل هذا الانفعال؟
قالت باندفاعٍ غير مدروس عواقبه:
_ كيف تفعل هذا دون أن تخبرني! ماذا عن كرم ووعده لنا؟
_ عن أي وعد تتحدثين؟
أدركت خطأها فقالت بعد أن جلست على المقعد:
_ ها لا شيء لا شيء، أخبرني كيف علمت أنها عادت إلى صديقكَ؟
_ هو أخبرني بذلك، لا تتهربين بماذا وعدكِ شقيقكِ؟
_ لا شيء يا حمزة كل ما في الأمر أنني توقعت بانفصالها عن مراد ستكون هناك فرصة لكرم أن يصلح خطأه.
_ هناك أخطاء لا يمكن غفرانها كخطأ كرم، الذي لو سعى طوال عمره لإصلاحه لن يستطع محو ما تركه بنفسها وقلبها.
تضرج وجهها بحمرةِ الغضب وقالت:
_ أرى أنكَ اخترت وجهتكَ؟
_ وأنا أرى أنكِ اخترتِ وجهتكِ أيضًا، وتخليتِ عن ابنة عمكِ.
_ أنا! بالطبع لا، كل ما في الأمر أنني أعلم مدى حبها لأخي؛ لذا تمنيت أن يستطع اقناعها بالعودة إليه، لكن طالما عادت إلى زوجها هذا يعني أن كرم لم يعد يُعني لها شيئًا.
_ هذا صحيح، لننهي الحديث بهذا الموضوع، إن كنتِ تريدين أن نحدد موعد للزفاف لنفعل، سأتحدث مع والدكِ بالأمر وغدًا صباحًا نذهب لزيارة يسر ونخبرها ما رأيكِ؟
الهروب من المنزل هو هدف رهف بالمقام الأول، خلافات والدتها باتت تربكها وشخصيتها الضعيفة لا تحتمل الجدال أو الحروب لذا الهروب إلى كنف حمزة أفضل ما يمكنها التفكير به، فقالت:
_ حسنًا لنتحدث مع أبي الآن، وغدًا نذهب إلى يسر أنا بحاجة للتحدث معها.
اتفق حمزة مع نجيب على أن يتم الزفاف بنهاية الشهر، وسيتم الانتهاء من جميع التحضيرات بخلال تلك الفترة، كانت رهف متوترة تخشى أن يحدث ما يعرقل زواجها أي نجاتها من حرب عائلة الدالي، فاقترحت أن يكون عقد قران بدون حفل زفاف مراعاة لوفاة عمها، لكن رفض حمزة معللًا رفضه بزواج يسر بعد وفاة والدها وأنها تستحق هي الأخرى حفل زفاف يليق بها، لم تجد رهف مبررًا فقالت:
_ حسنًا ليكن عقد القران بنهاية الأسبوع والزفاف كما حددتما بنهاية الشهر.
تعجب حمزة ووالدها من مجاهرتها برغبتها بتعجيل زواجها إلى الحد الذي يجعلها تحدد موعد قرانها، لكن تفهما مخاوفها مما هو قادم، رهف أضعف من أن تكون جزءًا من حرب عائلتها.
**
جلست تتخذ حجرها موطنًا لها وهي تتوسد صدرها برأسها، بينما تتأرجح بسعادة وكأنها نسيت كل ما مرت به بالأيام القليلة الماضية، فانشغال والدتها عنها والحالة المزرية التي رأتها بها أثرت على نفسيتها وردود أفعالها، وكأن أنامل يسر التي تمررها على رأسها بحنانٍ أزالت لعنة أمجد ومريم من عقلها، قال مراد يداعبها:
_ ليان، قطتي سأغار الآن، ألن تأتي إليّ؟
أومأت برأسها رافضة اقتراحه، فقال:
_ لكن نريد أن نصعد إلى مريم لنخبرها بوجود يسر.
تجهم وجهها وكأن ذكر اسم أمها يعكر من صفوها، فهذا حالها بالفترة الماضية، لقد كانت تخاف منها متوقعة صراخها بتلك الليلة عليها لا من أجلها، قبلت يسر أنامل ليان الصغيرة وقالت وهي تنهض:
_ لا لتبقى تستريح بغرفتها سنذهب نحن إليها .
نهض هو الآخر وقال:
_ لكنكِ بحاجة للراحة.
كان يقصد أنها تحتاج لقسطٍ من الراحة بعدما فعله كرم بها،
لذا ارتبكت بوجود والدته وحاولت تدارك الموقف قائلة:
_ أنا بخير، فقط سأطمئن على مريم فأنا قلقة جدًا بشأنها.
استأذنت من والدته لتصعد إلى الأعلى، وعندما اختفت عن أنظارهما قالت شروق:
_ بت لا تعير وجودي اهتمام، تزوجتها رغمًا عني وطلقتها فجأة دون أن تخبرني، وجئت ممسكًا بها والسعادة كالطير ترفرف من حولكَ، وأيضًا بدون علم لي، هل تعدني من الأموات يا بُني!
تنهد براحةٍ لم يشعر بها منذ وقت بل لم يشعر بها من الأساس وقال:
_ أنتِ قلتيها السعادة كالطير ترفرف من حولي وأنا ممسك بيدها، إن كانت السعادة مرتبطة بوجودها ماذا أفعل سوى أن أضمها لي؟
_ فجأة!
_ فجأة أو بعد تخطيط وقرار مسبق، المهم أنها هنا مرة أخرى، اعلمي ذلك يا أمي، أنا أتنفس عشقها وقلبي ينبض باسمها، ولن أتخلى عنها، تقبليها حتى لا تجبريني أرحل عنكم من أجلها.
لم يعطيها الفرصة لتبادله الحديث لأنه يعلم أن تقبلها ليسر كزوجة لابنها يحتاج وقتًا طويلًا وقد قرر اعطاءها كل الوقت، ونهض متوجهًا إلى الأعلى قاصدًا الاطمئنان على معشوقته خوفًا من أن تأثر حالة مريم النفسية عليها، فمؤكد ما ستتحدث به مريم سيعيد ذكريات يسر المؤلمة .
**
طرقات خافتة متتالية على باب غرفتها لم توليها بالبدايةِ اهتمامٍ، لكن اصرار الطارق جعلها تصرخ بعد أن وارت رأسها خلف دثارها محتضنة وسادتها:
_ ابتعدوا عني، قلت لكم لا أريد رؤية أحد.
قررت يسر اقتحام عزلة مريم بعد أن أدركت مدى رفضها للحياة والاختلاط، ويتوجب عليها إنقاذها من احتلال الحزن لقلبها؛ فقامت بفتح الباب محتضنة الصغيرة، دفنت ليان وجهها بعنقِ يسر تختبئ من أمها، وما أصعب ما تفعله تلك الطفلة التي لا تعي مدى مرارة ما تقوم به، وقفت بالقرب من الفراش تتطلع لحالة الغرفة المزرية التي تنم عن فوضوية صاحبتها فقالت:
_ألن تقولي مرحبًا!
واربت مريم الدثار بتمهلٍ وحدقت بها غير مصدقة وجودها فتابعت يسر وهي تتقدم نحوها بخطوات وكلمات مدروسة:
_ خُيل لي أنكِ أول من يفرح لعودتي إلى منزلكم.
جلست ومازالت محدقة بها، فوجود يسر بغرفتها آخر ما كانت تتوقعه، استجمعت رباط جأشها وقالت:
_ يسر ماذا تفعلين هنا؟
ابتسمت قائلة:
_ إن نسيتِ هذا منزل زوجي.
انتفضت في جلستها وهي تصرخ:
_ هل عدتما؟
أومأت لها بالإيجاب مبتسمة، ربتت مريم على يدها مباركة لها بينما حاربت كثيرًا ألا تعانقها لأنها تعلم جيدًا متى ستقترب من ابنتها ستصرخ كما الأيام الماضية، تفهمت يسر وضعها وحثتها على التجرؤ وهي تومئ لها مشيرة بوجهها إلى ليان التي مازالت تختبئ منها، رفعت مريم يدها المرتجفة لتستقر على ظهر صغيرتها وقالت:
_ لي لي، هل نلعب لعبة اخفاء الوجوه؟
أجفلت الصغيرة وشددت من قبضتها على ملابس يسر التي قالت:
_ لي لي الجميلة علمت أن ماما مريضة وكانت تبكي وتصرخ بسبب تألمها، قبلة جميلة ستزيل الألم أليس كذلك يا مريم؟
نظرت لها نظرة ذات معنى تخبرها أن دورها لإعادة الطمأنينة بقلب ابنتها قد حان، فقالت:
_ نعم كنت أتألم لذا بكيت ألن تُقَبلني قطتي؟
يبدو أن الدور الذي قامت به يسر قد أجدى نفعه، ونجحت في أن يرق قلب ليان إلى والدتها؛ التفتت إليها بحذرٍ وقالت:
_ ماما..
مدت لها ذراعيها على مصراعيهما وكأنها تدعوها لتلتجئ لها تمنحها الحنان، تمارس أمومتها، و تستمد من صغيرتها القوة لمواجهة ما هو قادم، وقالت:
_ قلبها.
عناق دافئ مؤثر بين مريم وابنتها، كنداءات مستغيثة صارخة، كي لا تهرب منها وترحم ضعفها وتنسى حالتها بتلك الليلة اللعينة، مما آثار حزن يسر وكان سببًا لتعلم دموعها مجراها، استفاقت من حالة حزنها على أيدي أحدهم تحيط بكتفيها، وصوتًا يهمس:
_لأيام حاولت مع ليان لكن فشلت، أي سحر مارستِ عليهما؟
أجفلت من اقترابه منها إلى هذا الحد، تطلعت به بحيرةٍ، وحاولت التملص من بين يديه، فقالت هامسة:
_ مراد ابتعد.
_ لن أفعل مكانكِ دومًا بين يدي من الآن، والآن أخبريني ماذا فعلتِ لتجعلي ليان تتخلص من خوفها.
_ لي أساليبي الخاصة.
أدركت مريم وجود أخيها بالغرفة؛ فرفعت وجهها تتابعهما، مما آثار تخوف يسر من أن تلاحظ ما يدور بينهما فقالت بصوتٍ خفيضٍ:
_ سنأتي مرة أخرى، مريم ضميها إليك،ِ صغيرتكِ تحتاجكِ.
ركضت مغادرة الغرفة وهو من خلفها، يبتسم على أفعالها الطفولية، وقفت بالرواق في حيرةٍ من أمرها أين تذهب هل تصعد إلى الأعلى إلى جناحهما الخاص وتعطي فرصة لمراد أن يكمل اجتياحه لمشاعرها وخصوصيتها، أم تتوجه إلى الحديقة لتجلس على مرمى ومسمع من الجميع، وتقطع كل الطرقات المؤدية إليها؟ الخيار المناسب لها كان الأخير فركضت صوب السلم وقبل أن تعتلي أولى درجاته شعرت بقبضة يده حول خصرها؛ فشهقت وحاولت دفعه بعيدًا عنها قائلة:
_ مراد لا تتمادى بأفعالك الطفولية تلك، ما بكَ منذ متى ويدك تستبيح جسدي هكذا!
أعدم تلك السنتيمترات التي كانت تفصل بينهما، تبدلت نظراته الشغوفة، التي تصرخ عشقًا لعينيها إلى أخرى متحدية وقال:
_ خطأ، ما تقولينه خطأ، أن أستبيح جسدكِ لنفسي هذا يعني أن لا حق لي بكِ، يسر أنتِ زوجتي، كل الحواجز التي تشيدينها بيننا أن سأدمرها لذا لنتعامل وفقًا لذلك.
للكلمة أثر إما تقتل أو تُحيي فأربكتها كلماته، وأصابت لمساته جسدها بالقشعريرة؛ انتفضت مبتعدة عنه وغيرت وجهتها لتركض إلى غرفتها، وفور أن دلفت إليها أحكمت غلق الباب وأوصدته بالمفتاح علها تنجح في الاختباء منه، لكن إن نجحت بذلك، كيف ستنجح من الاختباء من ذلك الذي ينبض بسرعةٍ بمشاعرٍ تعرفت عليها سريعًا؛ فأرادت وأدها قبل أن تحيى بداخلها مرة أخرى؟
أما عنه لم ييأس، لكنه ترك لها مساحة من الحرية عندما سمع صوت المفتاح يُغلق؛ فقرر أن يتركها تستعيد رباط جأشها ومن ثم يعاود هجومه الضاري مرة أخرى.
قضى ليلته بغرفة المكتب بعد أن علم من حمزة أنه سيبدأ بتحضيرات الزفاف، والأعمال بالشركة ستصبح على عاتقه من بعد الآن، وراح يراجع تلك الملفات التي تراكمت عليه أثناء انشغاله بحربه مع قلبه والتي ظفر بيسر بنهايتها.
داهمت ليان باب غرفة يسر بشكل مفاجئ، ووصل إلى أذان الأخيرة طرقات خافتة على الباب خُيل لها أنها لمراد فلم تعير الأمر اهتمامًا، لكن صوت الصغيرة وهي تنادي"ملااااااااد" أظهر هويتها لها؛ ففتحت لها وقضت الليلة بين أحضان يسر.
**
في الصباح
غازلت أشعة الشمس المتسللة من النافذة عينيه؛ فابتسم قبل أن يفتحهما عندما تذكر أن حبيبته بالأعلى ويجمعهما سقف منزل واحد وأخيرًا، نهض مندفعًا وعلى ثغره بسمة مشاكسة ينوي استكمال ما أوقفه البارحة.
تذكر أمر غلقها للباب لكنه دعى ربه أن تكون قد تخلت عن عنادها، شك بالأمر لكنه لم ييأس وضع يده على المقبض ففتح الباب بسهولةٍ، تعجب لكن سرعان ما زال تعجبه عندما رأى الجمال في أبهى صوره متمثلًا في زوجته وتلك القطة التي تنام معانقة إياها، تقدم نحوهما في تمهلٍ، فجلس بالقرب منهما ومال ليصبح جسده موازيًا لجسدها، وليان تنام صانعة حاجزًا بينهما، طبع قبلة على جبين الصغيرة ثم مرر يده على وجه يسر وهمس:
_ هيا يا كسولة استيقظي.
تململت بالفراش وفتحت عينيها تحدق به بذهولٍ عندما أيقنت أنها غفلت عن غلق الباب مرة أخرى بعد دخول ليان، قال:
_ صباح الخير يا هاربة.
نهضت بغيظٍ وقالت وهي تتوجه نحو المرحاض:
_ صباح النور يا متطفل.
قهقهة بسعادةٍ وقال:
_ هيا استعدي عائلتكِ بالطريق، لقد دعوتهم ليتناولون وجبة الافطار معنا.
قصد بكلمة عائلتها خالها ووالدتها بالإضافة إلى رهف وحمزة بصفته خطيبها، لم توليه الاهتمام الذي كان يتطلع له عندما تحدث، وأغلقت الباب من خلفها فتمتم ببلاهة وهو يسلط أنظاره على تلك النقطة التي كانت تقف بها" فظة لكن جميلة جدًا بالصباح".
**
على مائدة الافطار تشاركت العائلتان الطعام وسط سعادة مراد البالغة وشرود مريم الملفت للأنظار، وتطاير أقدام ليان التي تركلها بالهواء بسعادةٍ بعد أن أجلستها يسر أمامها على طرف المائدة، وراحت تناولها بعض اللقيمات الصغيرة بفمها، قال مراد مازحًا وهو يشير إلى حقيبة ملابس يسر التي أحضرتها والدتها:
_ لتكن تلك الأخيرة إن شاء الله.
شاركه كرم المزاح وقال وهو يشير له بسبابته:
_ ليكن بعلمك هذه الأخيرة حقًّا، إن أخذتها بدون ملابسها مرة أخرى ستضطر أن تبتاع لها غيرها، لأنني لن أصبح حامل حقائب زوجتكَ من بعد الآن.
عانق مراد كتفيها بيده بتملكٍ وقال:
_ لن تغادر زوجتي أو ملابسها منزلي بعد الآن، بالكاد ستأتي إليكما زائرة لبضع ساعات.
قبل أن ينهي جملته صدح صوت حمزة بالمنزل وهو يقول:
_ خيرًا لكَ أن تفعل ذلك، زفافي اقترب ولن أقبل التأجيل، لتنهيا لعبة القط والفأر إلى أن يتم الزفاف وبعدها اقتلا بعضكما لن نسألكما لما فعلتما ذلك.
صوبت الأنظار نحوه هو وتلك التي تُمسك بيده بترقبٍ، وقلبها يخفق داعيًا ألا تتخذ يسر موقفًا منها بعد عودتها لزوجها، وبعد السلام والترحاب، تحلقوا جميعًا حول المائدة بسعادةٍ بينما لاحظ مراد نظرات يسر الحانقة التي تخترق قلب ابنة عمها، وفور أن فرغوا من تناول الطعام وأثناء احتساء القهوة قامت يسر بدعوة رهف للتحدث بمفردهما بالأعلى؛ فتأكدت شكوك مراد بشأنهما، سارت من خلفها تقدم قدم وتؤخر الأخرى، نظراتها طوال جلستهما كانت تشي بأن هناك ما يحزنها، أو ما سيُحدث فجوة بينهما، وفور أن وصلت يسر إلى غرفتها التفتت باندفاعٍ وقالت وعينيها يتطاير منها الشرر:
_ هل تخليتِ عن صديقتكِ ومن اعتبرتكِ شقيقة لها بعد وفاة إخوتها من أجل من تخلى عنا جميعًا؟!
تطلعت بها بذهولٍ غير مصدقة ما تقول فقالت مستفهمة:
_ عن ماذا تتحدثين؟ لا أفهمكِ.
هدرت بها :
_ أتحدث عن حديثي الذي أخبرتِ به كرم وبالنص.
صُدمت رهف بعد أن أدركت أن كرم ويسر تواجها، واستنبطت من الحديث ومهاجمة يسر لها أن كرم قد أخبرها أنها هي من كانت تنقل له أخبار يسر، فقالت مدافعة عن نفسها:
_ لا لم أتخلَ عنكِ ولن أفعل، أنتِ لستِ ابنة عمي أنتِ رفيقة دربي أنتِ كل شيء لي، لا تفعلي ذلك.
_ لكنكِ اخترتِ وجهتكِ، من أخبره بما تحدثنا به، من نقل له حديثي بصورةٍ أوهمته أنني باقية على حبه؟
_ قال أنه يعشقكِ، وسعادتكِ معه، وأنه سيأخذكِ وترحلان من هنا، سيعوضكِ عما حدث سابقًا.
ارتفع صوت صراخها ودمعاتها تحرق وجنتيها:
_ هل جننتِ، لقد كُسر هذا القلم منذ زمن، لو أراد أن يعوضني حقًا ليعيد لي أبي، حينها يأتي ويتحدث.
قالت بنبرةٍ حزينةٍ:
_ حسنًا افعلي ما يحلو لكِ لن أجبركِ، لكن دعينا لا نتخاصم.
_ رهف لقد خاصمت كل شيء وكل فرد يمت بصلةٍ لكرم من قريب أو بعيد بعد أن حاول التهجم عليّ، بعد أن تلاعب بالصور التي كانت بحوزته، وأوهم مراد أنها حقيقية، اعلمي هذا لولا مراد وخالي لكان مصيري كمصير ياسمين الآن، لقد أعطى مراد فرصة ليصبح بطلي مرة أخرى، وأُصبح أنا المسكينة، لا حول لها ولا قوة، لذا يا ابنة عمي صار لقبكِ من بعد الآن زوجة حمزة، لنتعامل وفقًا لذلك.
**
أثناء تبادل العائلتين الحديث مال حمزة نحو كرم وقال:
_ ارفع عينيك عن مريم، سيقتلعها لكَ مراد إن لاحظ نظراتكَ الثاقبة لها، صديقي غيور جدًا.
همس كرم مرتبكًا:
_ حمزة لا تجن، عن أي نظرات تتحدث!
_ برأيي إن أردت اطلق العنان لجنونكَ، العصفورة ستخرج من القفص خلال أيام.
شرد بالحزن البادي بعين الريم وأهدابها الكثيفة المعانقة لها، التي سحرته فور أن تلاقت نظراتهما، بها شيء يجذبه لها، تلك الدمعة التي تغلف عينيها استقطبته لتجبره يتابع أفعالها طوال الجلسة، يديها المرتجفة الخالية من خاتم زواجها خلقت مائة فكرة وفكرة بعقله، أما كلمات حمزة جعلته يفكر ماذا سيحدث إن غادرت العصفورة القفص هل سيجتمع بها بالقفص الوردي، أم سيظل حبيس سجن الخذلان القابع به منذ سنوات.
أنقذه من حالة التيه التي اجتاحته شقيقته وهي تهمس له:
_ فور أن تعود يسر سنودعها ونذهب لنلتقي بالمحامي، لنضرم النيران بعائلة الدالي وليحترق من يحترق، ولينجو من يستحق، هذا إن وُجد بيننا من يستحق النجاة.


safeia Elgayar غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 11:45 PM   #95

safeia Elgayar

? العضوٌ??? » 458058
?  التسِجيلٌ » Nov 2019
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » safeia Elgayar is on a distinguished road
Rewitysmile25 رواية أفيندار الكاتبة صفية الجيار

#أفيندار
#صفية_الجيار
الفصل الرابع والعشرون
لم تستطع مريم استعادة جأشها، واستسلمت لحالة التيه التي كانت قد تلبستها بالفترة الماضية خاصة بعد انفصالها رسميًا عن أمجد بإجبارٍ من مراد الذي قام بتهديده برفع قضية طلاق ستكون عواقبها وخيمة، ولأن أمجد لا يفرق معه وجود مريم من عدمه لم تكن سوى امرأة تزوجها ليرضي عائلته؛ فرط بها بسهولةٍ، والاتفاق كان أن تحت أي ظرف من الظروف الحياتية ومتى يتخلص من تلك القضية المخلة بالشرف، لن يمنعه أحد من رؤية ابنته، وافق مراد بشرطٍ ألا يتعرض لمريم والتعامل سيكون معه شخصيًا، اجراءات الطلاق انتهت بكلمةٍ واحدةٍ من أمجد وأصبحت مريم عصفور طليق، تخلص من قفص مدنس بالخيانة وملوث بدمائها التي نزفتها على مدار سنوات، كان ليسر دور هام بتلك الفترة لقد اعتنت بمريم دون أن تكل أو تمل، تقضي النهار بصحبتها، والليل تعانق ابنتها التي كانت تفتقد حنان أمها، بينما يعكف مراد على مراقبتهما ليلًا، وما فعلته يسر كان له مقابل، صحيح لم تفعل ذلك حتى يصفقون لها ويقولون أبليتِ حسنًا سنحبكِ من بعد الآن، بدأت شروق بالتعرف على يسر الإنسانة القوية، النقية، زوجة الابن التي تُضحك ابنها بنظرةٍ واحدةٍ منها، تسلب لبه بعفويتها، وتعتني بابنتها وحفيدتها.
دلف مراد إلى الغرفة وهو يدعو ربه ألا تكون متطفلته الصغيرة تحتل المكان كعادتها منذ أسبوع مضى، ويستطع أن ينفرد بمحبوبته حتى وإن كان لدقائقٍ معدودةٍ، بحث بعينيه عنها وهو يُقسم أنه سيستغل فرصته الاستغلال الأمثل حتى تقع فريسته تحت سيطرته، عثر عليها تجلس بالشرفة، تفترش الأرض كعادتها تستند بظهرها على الحائط، وتضع الحاسوب المحمول على ركبتيها ويبدو أنها تصب جم تركيزها فيما تفعل، فلم تلحظ حضوره ظل يتابعها مبتسمًا، كانت تبتسم بمكرٍ، كما تفعل دومًا عندما تقم بتنفيذِ أمرٍ ما رغمًا عن رغبة الشخص المقابل لها أو الشخص الذي تتعامل معه؛ علم أنها أصابت أحدهم بالغيظ بفعلةٍ ما لذا تنتشي بسعادةٍ هكذا، قال وهو يجلس بالقربِ منها:
"ماذا تفعل شريرتي الصغيرة"
التفتت إليه وقالت:
"شريرتكَ!"
قال:
" نعم"
تحدته قائلة:
"لست شريرة أحد"
لكزها بمرفقها وقال بمشاكسةٍ:
" لكنكِ شريرة"
"مع من يسيء معاملتي، أو يجرؤ على أن ينال مني أو من أحد أحبائي"
قرر استغلال تقاربهما وقال قاصدًا إنهاء المهمة التي وكلها له صديقه:
" كما تفعلين مع رهف ؟"
امتعض وجهها وقالت:
" تسأل عن رهف زوجة صديقكَ المستقبلية، أم رهف ابنة عمي؟"
"وهل هناك فرق؟"
" رغم أنكَ أجبت على السؤال بسؤال، لكن سأجيبكَ، بالطبع هناك فرق، إن كنت تسأل عن زوجة صديقك العلاقة بيننا سطحية للغاية، لن تتعدى السلام والترحاب أو المباركة على الزواج، أما إن كنت تسأل عن ابنة عمي، أنا شريرة للغاية معها، شريرة لدرجة محوها من دفتر حياتي، ولا يحق لكَ مجادلتي، إن كنت جئت للتحدث عنها"
أدرك أن أمر الإصلاح بينهما لن يكن سهلًا لكنه لن يتراجع خاصة أنه يعلم مدى احتياجهما لبعضهما البعض فقال:
" لكن أنتِ هكذا تتخذين قوتكِ وضعفها أسلحةً تعاقبينها بها"
" ليس للأمر علاقة بالقوة أو بالضعف، وضعتها بمحلِ ثقةٍ لم تكن أهل لها، لذا أعاقب نفسي قبلها على تهوري، أسامح بكل شيء سوى ما يتعلق بتلك المسألة"
سألها:
" أي مسألة؟"
تطلعت به بنظراتٍ ذات مغذى، فبادلها بأخرى معاتبة وقال وهو ينهض:
"فهمت، أنتِ تتساهلين بكل المسائل إلا مسألة عشقكِ الأسطوري"
لم تصدق ما قاله، أغضبتها جرأته، وصلت الدماء بجسدها حد الغليان، من ذكره لأمر عشقها، لقد تحدث بتلقائية وبساطة مستصغر أمر التحدث عن عشقها لآخرٍ، أرادت محاربته بنفسِ أسلوبه فقالت:
" هذه حقيقي، ولأن رهف تدخلت بيني أنا وكر............."
وقبل أن تنهي جملتها كان يشير لها بسبابته محذرًا وعينيه هددتها بأقوى التهديدات، قبل لسانه، ثم هدر بها:
" انظري إليّ، نلعب كالقط والفأر، تراوغين، تستغلين نقاط ضعفي، لكن تذكرين اسمه على لسانكِ، أقتلكِ، أُلقي بكِ من هنا، ولأتخلص من لسانكِ السليط أيتها المغرورة"
مدت قدميها وقالت وهي تحركهما بدلالٍ وتعقد ذراعيها أمام صدرها:
" وتصبح قاتلًا؟"
" على يدكِ إن شاء الله"
نهضت وقالت وهي تعانق حاسوبها المحمول متوجهة إلى الداخل:
" لا تقلق ستصبح قاتلًا على يدي هذا شيء مؤكد، هيا سأتجهز لدينا عقد قران بعد بضع ساعات"
جذبها من ذراعها وقال بحدةٍ:
" هل ستذهبين إلى منزل عمكِ!"
" بالطبع، هل ستذهب إلى عقد قران صديقكَ بدون عائلتكَ، أنا ومريم ووالدتكَ سنذهب لنبارك للعروسين"
تطاير الشرر من عينيه وقال:
" يسر لا تصيبيني بالجنون هل ستذهبين إلى منزل ذلك الحقير"
قالت بنبرةٍ أكثر حدةٍ متطلعة به بثقةٍ لم يرها بها من قبل:
" مراد سنذهب سويًا يدًا بيد، كزوجين في أسعد أيامهما، لن نفتعل المشاكل فقط سنبارك القران، ونشعل النيران بقلوبهم ونعود"
قال معاتبًا:
" هل ستستخدمينني آداه تحرقين بها قلب هذا الحقير"
تبدلت نبراتها ونظراتها واكتست عينيها بالدموع وقالت بضعفٍ رق قلبه على إثره:
" بالطبع لن أفعل فقط سأسترد كرامتي التي بُعثرت على أيديهم لقد قالوا عني ما ليس بي، وجودكَ معي يُثبت كذب أحاديثهم، أعلم أنكَ ستفعل ما بوسعكَ لتكذب افتراءات منار عني طوال السنوات، وما يتفوه به هذا الحقير، أعتقد أنك خير من يدافع عني بهذا الأمر تحديدًا"
قبض على ذراعها وقال وقد عانقتها نظراته معتذرة لها آلاف المرات عما بدر منه ومن كل المحيطين بها:
" إن تجرأ أحدهم على لفظ اسمك على لسانه سأقتله، سأذهب بكِ إلى هناك ليس من أجل أن نثبت لهم مدى سعادتنا المزيفة، ولكن لأن مكانكِ الطبيعي معي، مع زوجكِ الذي سيفعل ما بوسعه لتتبدل تلك النظرة القاتلة التي بعينيكِ."
**
" لأسمح لكَ كي تستعد، نتحدث منذ البارحة يا رجل ألم تمل، وأنا أيضًا عروس ولابد أن أتجهز"
قالت رهف وهي تُحدث حمزة عبر الهاتف المحمول، فأجابها بصوتٍ رخيمٍ عذبٍ:
"وماذا هناك لو كان الأمر بيدي لوضعتكِ أمامي وشاهدت جمالكِ لسنوات، لقد تبقى القليل يا قلبي تحمل، بعد عقد القران سنذهب لنحتفل بمفردنا ليكن لديكِ علم بذلك "
صرخت به:
" لا، الليلة مستحيل إنها اطلالة أفيندار"
شهق غير مصدقًا، هل ترفض دعوة على العشاء احتفالًا مع زوجها بعقد قرانهما، من أجل أفيندار فقال:
" تبًا لكِ يا رهف، هل تتخلى عني من أجل أفين!"
" ومن قال لكَ تحدد موعد العشاء مزامنة مع اطلالة أفين، تعلم مدى عشقي لكلماتها"
" لأفيندار مكانة خاصة لدى كلينا، لذا لنحتفل ونقرأ كلمات أفين معًا ما رأيكِ؟ كما أنني قررت إخباركِ كيف تعرفت عليكِ"
همست له:
"طالمًا ستخبرني بهذا السر الكبير لنحتفل، لنقرأ كلمات أفين معًا"
"هل وافقتِ من أجل معرفة السر فقط!"
"عنصر الرفض غير مطروح من البداية، معكَ بكل وقت زوجي العزيز"
**
التحضيرات بتلك الأثناء كانت تسير على قدم وساق، يسر تتجهز لتبدو بأجمل وأقوى إطلالة لها، بعد أن تأكدت من ذهاب مريم ووالدتها معهما بعد رحلة اقناع دامت لأيام من قبل يسر، فمريم لم تكن تخطت أوجاع طلاقها بعد، أما عن سمية وشقيقها كانا يفعلان ما بوسعهما لكي لا يذهبان ليقدما التهنئة
بأيديٍ فارغة، فبعد دعوة نجيب لهما قررت سمية أن تُهدي منار هدية لن تنساها طوال حياة "هدية باللون الأسود كقلبها"، وفي منزل نجيب الدالي كانت الأعمال تسير بتوترٍ بالغٍ، صراخ منار كان كالصاعقة الكهربائية التي تصيب كل من يتقاعس عن أداء عمله، هذه التوتر طال ابنتها عندما أنهت مكالمتها مع حمزة وغادرت غرفتها تطمئن على سريان التجهيزات، التقت بأخيها بالرواق المؤدي إلى غرفة والدها، العلاقة بينهما تكاد تكون منقطعة منذ مواجهتها مع يسر، نعم شقيقها، وتحبه، وتمنت له أن يسترد قلب يسر مرة أخرى، لكن ولنضع ألف خط تحت تلك الكلمة لديها ما يثير شكوكها خاصة بعد معرفتها بالفعل المشين الذي أقدم عليه تجاه ابنة عمه، ولولا مراد لحدث ما لا يحمد عقباه، قال وهو يتطلع بها بحيرةٍ فلم يفهم لما تتهرب من الحديث معه منذ وقتٍ:
"فوفي هل نحن متخاصمان؟"
قالت وهي تشيح بنظراتها بعيدًا عنه:
" من قال هذا"
"أفعالكِ"
"لا يوجد أمرٍ كهذا فقط منشغلة بالتجهيزات للزفاف، اسمح لي مصفف الشعر على وشك الوصول"
مرت من جانبه فأوقفها عندما أمسك بذراعها وقال بصوتٍ خفيض خوفًا من التقاط الأذان لكلماته:
"هل ستحضر ابنة عمنا عقد القران؟"
قالت مستفهمة:
"من"
أجابها بسخريةٍ:
" وهل لنا سواها"
قالت ونظراتها الثاقبة تقول ما لم يقله لسانها:
" بالطبع بعد أن قُتلت ياسمين، لم يتبق لنا سوى يسر، لأطمئنكَ أخبرني حمزة رفضها للمجيء، وهل تنتظر مجيئها إلى منزلنا بعد كل ما حدث!"
تبدلت نظراته لم تستطع تفسيرها هل هي نظرات غضب أم حزن وخيبة أمل، قال وهو يوليها ظهره:
" سأذهب لأتفقد الأعمال"
**
فيلا مراد عزام
وقف مراد ببهو المنزل مرتديًا حُلة كلاسيكية سوداء، زادت من وسامته وجاذبيته، وهو يمسك بليان، منتظرًا قدوم أميرته، قالت مريم بانزعاجٍ وعدم ارتياح:
"لو لا أذهب معكم، ليس لدى مزاج لأحضر هذا النوع من الاحتفالات"
امتعض وجه مراد بينما تمزق قلب والدتها من أجلها، كانت ستشجعها ببعضٍ من الكلمات المحفزة، لكن سبقتها يسر عندما قالت وهي تقف بأعلى الدرج، متحلية ببسمة كفيلة أن يسقط قلب مراد صريع على إثرها:
_ خطأ جميلتي هذه الاحتفالات خُلقت لنحضرها.
لفتت الأنظار إليها بنعومة صوتها وهي تطل عليهم كالأميرات، بفستانها الأزرق الزاهي وملامحها الملائكية، هبطت السلم وأربعة أزواج من الأعين تتابعها، أعين تتابع بامتنان لوقوفها بجانبها، وأعين تتابعها بإعجاب لما فعلته مع ابنتها، وأعين بريئة تتابعها بينما تصفق بطفولةٍ، وأخيرًا أعين عاشقة، تعانقها بنظراتٍ يقسم من يراها أن صاحبها غارق ببحور العشق ولا أمل من نجاته، لم تستطع ابعاد نظراتها عنه وكأن هناك مغناطيس يجبر عينيها على مبادلته للنظرات، نظرات مبهمة لم تستطع تمييزها، لكنه تعرف عليها، لقد أصابته سهام العشق المنبثقة من عينيها، تيقن أن به استجاب لدعواته أفاقت من شرودها على لمسة يده التي تمسك بيدها بتملكٍ وسعادةٍ لم يشعر بها من قبل،مال نحوها وهمس بشغفٍ قائلٍ:
"سنسير معًا يدًا بيد برغبتكِ للمرة الأولى"
اجتاحتها رجفة مربكة، إنها تُقدم على خطوة في غاية الخطورة، ستذهب لمنزل عمها أي منزل منار وابنها، ممسكة بيد زوجها، ستشعل النيران بقلوبهم، ستعطي الصحافة لقمة سائغة لأيام، ستعطي مراد أمل كاذب من وجهة نظرها، لكن ماذا يتوجب عليها أن تفعل سوى أن تقابل المكر بالخداع، لاحظ توترها؛ فابتسم لها مطمئنًا وقال:
" البند الأول في اتفاقية السلام بيننا، القوة بمواجهة كل شيء وأي شخص سوانا، لنكن بأضعف حالاتنا ونحن سويًا ونطلق العنان للضعف الكامن بداخلنا أن يتحد ونصبح قوة لا يستهان بها،وأقوى بمواجهة أعدائنا، لذا تخلي عن رجفة جسدكِ يا زوجة عزام"
أجفلت على إثر ثقته بتقبلها قربه، ونبرة صوته الرخيمة المفعمة بالمشاعر، وكلمته التي أنهى بها حديثه، فأومأت برأسها دون أن تنبس ببنت شفة، ابتسمت له ممتنة من وقوفه بظهرها بمواجهة الريح،وكأنه دعوة مستجابة من أجلها.
قال وهو يشدد من قبضته على يدها:
"والآن هل يعانق القمر النجمة؟"
مدت يدها له بتوجسٍ لقد صدق فيما قال، تلك هي المرة الأولى التي تُعطيه يدها بإرادتها، سار بها ومن خلفه عائلته،وبالسيارة ابتسم وقال بمزاحٍ وهو ينظر لها بالمرآه أثناء جلوسها بالمقعد الخلفي:
"رجل وأربعة زهرات كل زهرة أجمل من الأخرى"
قالت يسر:
" أجملنا قطتكَ المدللة بالطبع"
تابعت شروق حديثهما وقد بدأ قلبها بالميل إلى يسر والتعرف على شخصيتها عن قربٍ، نظرت إلى ابنتها الشاردة بعالمها الخاص ودعت ربها أن تتخلص سريعًا من أحزانها، أما عن مراد فقد تعمد القيادة على مهلٍ متخوفٍ من اندلاع النيران بين عائلة الدالي بسبب حضور يسر مما يكن سببًا في تأجيل القران، وقرر أن يصل متأخرًا كي يتفادى افتعال المشكلات.
**
تملك منها الخوف والتوتر فور وصولهم إلى فيلا عمها، ها هي ستلتقي به مرة أخرى بعد مواجهتهما الأخيرة، ها هو سيراها مع زوجها، هاهو سيرى النجمة تعانق القمر بيدٍ غير يده، ها هو سيرى سعادتها المصطنعة بعينيها، لكن السؤال هنا هل تلك السعادة مصطنعة حقًّا أم أنها من تتوهم بذلك؟ قال مراد وقد أدرك مخاوفها:
"إن أردتِ لنعد، إن نظرنا لحالة المنزل سنعلم أن عقد القران قد فاتنا"
تنهدت وهي تنظر له عبر انعكاس صورته بالمرآه:
" يكفي أن أستمد القوة منكم، أنتم عائلتي الجديدة"
كانت كلماتها تأشيرة لمشاعره أن تتحرك برعونةٍ غير مسبوقةٍ، فترجل من السيارة وسار ممسك بيدها ليشعلون فتيل الغيرة بقلوب الكثيرين، صدق فيما قال لقد انتهى عقد القران بالفعل قبل وصولهم، تهللت أسارير رهف فور رؤيتها لهم، وقالت بصوت مرتفع:
" جاءت يسر، لم تتركني وحيدة"
توجهت الأنظار الغير مصدقة نحوهم، نظرات حانقة مشتعلة بالغيرة كنظرات منار وابنها ونظرات ممتنة كنجيب وابنته لاستجابة يسر لدعوتهما، ونظرات متباهية فخورة بمراد وما يفعله من أجل يسر كنظرات سمية، مال نحوها وقال:
" تلك هي اللحظة المهمة، ابتسمي يا يسر كما لم تبتسمي من قبل"
لم تعير وجود كرم اهتمام حاله كحال والدته، وراحت تبارك للمتواجدين من عائلتها بالحفل وفي نهاية المطاف وصلت إلى رهف، تملك منها حبها وصدق مشاعرها وتخلت عن قرار معاقبتها مؤقتًا، فبكت وهي تعانقها، كما الحال مع والدتها التي كانت تتخيل ولدها"ياسين" طوال الوقت يجلس ويُعقد قرانه على محبوبته بدلًا من حمزة، لكنها اودعت حقها عند الخالق الذي لا تضيع ودائعه، قالت يسر وهي تعانقها:
" مبارك عليكِ"
"هل تصالحنا"
وكأنها ذكرتها بالموقف الذي اتخذته منها؛ فابتعدت عنها وقالت:
"لم نتخاصم لنتصالح، ليرزقكما ربي السعادة والهناء"
عادت أدراجها إلى الخلف لتقف بالقرب من شروق ومريم، وكأنها تقول ها أنا وسط عائلتي الجديدة، قال حمزة معاتبًا:
"أين كنت يا صديق، لقد شهد على عقد قراني رجلًا غيركَ هل هذا اتفاقنا!"
تعمد مراد رفع نبرة صوته وقال:
" ماذا أفعل؟ لكَ أن تتخيل حالتي أعيش مع أربعة من أجمل نساء الأرض، إن تجهزت تلك ستتأخر الأخرى، غير انشغالي بجمالهم طوال الطريق"
قبض كرم نجيب على يده وحاول التماسك كي لا تحدث جريمة قتل بعقد قران شقيقته، بينما قال نجيب متداركًا الموقف:
" ليشهد التاريخ أن وثيقة زواج ابنتي الشاهدان عليها هما كرم الدالي"
قهقهة الجميع، وأدركت يسر أن خالها وابن عمها هما الشاهدان، فنظرت يسر إلى خالها الذي قال:
" وإن لم يشأ ربي أن أُنجب، أنتما ابنتاي، إن لم أشهد على زواجكما من سيفعل"
فور انتهاء حديثه غادر المجلس متوجهًا إلى الحديقة فقد كانت ومازالت مسألة عدم انجابه غصة يختنق بها منذ سنوات، تتبعته النظرات الحزينة، وقد اتضح سبب خسارته للنجمة والقمر، استمر الحفل لبعض الوقت، حاولت يسر بشتى الطرق أن تبدو قوية سعيدة، ولم يتوانى مراد لحظة واحدة عن احتواءها، بينما جلست سمية واضعة قدم فوق الأخرى بتفاخرٍ تتابع كرم الذي فقد السيطرة على نفسه وراح يلهث بسرعةٍ وكأنه ركض لأميالٍ وهو يشهد على انسجام يسر مع عائلة عزام من أصغر فرد لأكبرهم.
وبعد وقتٍ استأذن حمزة من نجيب أن يصطحب رهف للاحتفال بأحد المطاعم، وافق نجيب على مضضٍ، بعد أن وعده أن يعودا قبل تأخر الوقت، أراد مراد الذهاب لكن حدقت به سمية محذرة، وطلبت منه الانتظار لبعض الوقت وسيذهبون جميعًا، فقط يمهلها الوقت لتتحدث مع نجيب ببعض الأمور.
**
على ضفاف النيل بأحد المطاعم الراقية الهادئة، حول طاولة تم حجزها خصيصًا من أجلهما جلست رهف رفقة حمزة، الذي كان يتطلع بها بعشقٍ لم يستطع اخفائه، مرر أنامله على يدها، وقال:
" مبارك عليكِ أنا زوجتي العزيزة"
" مبارك عليكَ أنا زوجي الحبيب"
قالت رهف، فتابع حمزة:
" ألا يمكن أن نوفر على عائلتينا تكاليف الزفاف، ونذهب لمنزلنا الآن؟"
" وتسرق من السيدة منار فقرة التباهي بزفاف ابنتها الأسطوري؟"
تنهد محاولًا تغيير مجرى الحديث وقال:
"لن نتحدث عن أحدٍ الليلة، الليلة ستتحدث قلوبنا وأعيننا فقط، بأحاديث لم يتحدث بها سوا العشاق"
قالت بنبرة فضولية:
"لتخبرني كيف تعرفت عليّ رغم دخولي على مواقع التواصل الاجتماعي باسم وهمي أولًا، وبعدها افعل ما يحلو لكَ"
ابتسم لبراءتها وقال:
" تستغلين الموقف يا زوجتي الغالية لكن سأخبركِ"
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت:
"كلي أذان صاغية"
ابتسم لها وقال:
" تعليقاتكِ وآرائك عما تعرضه أفين جذبتني وأثارت اعجابي، رأيت بكِ نقاء وبراءة الأطفال، خشيت عليكِ من البشر، وددت أن أعانقكِ في كل مرة تتحدثين بها عن الظلم، عن الفراق، وجدتني أنتظر أفين فقط لأقرأ آرائكِ وكأنني على موعد معكِ، الحزن القابع بين حروفكِ رغم أنه قاتل إلا أنه أحيى بداخلي مشاعر لم أستطع تفسيرها، وفي ليلةٍ كتبتِ جملة كفيلة لقتل أي عاشق، مازلت أتذكرها لقد كتبتِ{ وهناك قلوب كُتب عليها أن تبكي كل ليلة بصمتِ دون أن يراها أحد، دون أن يسمع آهاتها أحد، دون أن يطيب جراحها أحد، كُتب عليها أن تموت أن يتركها من حولها، هذا إن كان بحولها أحدٍ من الأساس، هذه القلوب ميتة على قيد الحياة، لذا لا تحاولون إيلامها، لقد فقدت الشعور بالألم منذ وقت،وكل ما تشعر به ليس سوى موت بطيء، متكرر} حينها تحديدًا أقسمت أن أبحث عنكِ وأجدكِ، سأعانقكِ، سأعوضكِ، سأزيل تلك الدمعات وأفقأ أعين من يتسبب بها، سأحيي هذا القلب مرة أخرى، وبالفعل استخدمت خبرتي في مجال البرمجة وتتبعت حسابكِ الشخصي وتوصلت إلى رقم هاتفكِ ومن بعدها هويتكِ وعنوانكِ وتقدمت لخطبتكِ ووافقتِ وأنتِ الآن زوجتي ما رأيكِ؟"
لم تستطع الإجابة عليه لكن دموعها فعلت، وانسابت على وجنتاها، كفكف دمعاتها وقال:
"حُذفت كلمة دموع من صحيفتكِ، لن أسمح لكِ بالبكاء مرة أخرى حتى لو كان بفعل الفرح"
قالت وهي تجاهد ألا تنهض وتلقي بجسدها بين ذراعيه، على مرأى من المحيطين بهما:
"أحبك، وكأنني خلقت الليلة، خُلقت من أجلكَ أنتَ"
قال هائمًا بعينيها:
" أُحبكِ كما لم يحبكِ أحدٍ من قبل، أحبكِ حب خُلق من أجلكِ أنتِ"
**
فيلا نجيب الدالي
شعرت منار بالريبة من حضور سمية للحفل إنه لشيءٍ غريب، مثير للشكوكِ، والأغرب هو حضور يسر والسعادة التي تحاول إظهارها بشتى الطرق، وإصرارهما على المكوث لهذا الوقت المتأخر رغم احتقان الوضع بين كل من كرم نجيب ومراد وكرم الذي اندفع نحو مشاعره وراح يراقب تحركات مريم طوال الوقت، وعلى حين غفلة من مراد اقترب كرم من ابنة عمه الجالسة بجانب مريم تداعب الصغيرة، أثناء انشغال مراد بالحديث مع خالها، لقد قرر ممارسة ضغوطاته وتهديداته عليها فقال:
"أرى أنكما تداركتما الأزمة التي كانت بينكما بسرعةٍ"
أجفلت وكأن أحدهم قبض على عنقها يحاول خنقها، ارتجف جسدها، مازال يمتلك تأثير طاغٍ عليها، تذكرت كلمات مراد المحفزة والمحذرة لها من ضعفها إن حاول كرم استفزازها، فقالت دون أن تنظر له:
" عفوًا عن أي أزمة تتحدث"
رفعت عينيها تُحدق به لأول مرة منذ وصولها، صدمتها تلك العبرات التي تتجمع بمقلتيه المتورمتان المحتقنتان، وكأنه كان يبكي، تلك العبرات لم تُخفي العتاب الواضح بعينيه، تذكرت ما فعله منذ سنوات، وما تجرأ عليه من استغلال لضعفها بآخر لقاء لهما؛ فأطلقت العنان لمشاعرها وأصبح المشهد نظرات عتاب مقابل نظرات عتاب وكره بعد عشق كبير، قطع سيل تلك المشاعر الحقيقية، صوت مراد وهو يقول بعد أنا أحاط خصرها بيده،وضمها إليه:
" هل جاء ابن عمكِ يهنئنا على زواجنا"
لاحظت سمية احتقان الموقف فتابعت سير الأحداث وهي تدعو ربها أن تتم الأمور كما خطت لها، قال شقيقها محذرًا: "لو يتماسك مراد قليلًا، ولا نضطر على الذهاب قبل أن تنفجر القنبلة"
ابتسمت بثقةٍ وقالت وهي تشير إلى الباب الرئيسي للمنزل:
" ستنفجر القنبلة بحضورنا لا تقلق، بل نحن من فجرناها يا عزيزي، هيا استعد لنتأهب كي نشاهد أشلاء منار وهي تتناثر هنا وهناك"
التفتت أنظاره نحو هؤلاء الرجال القادمون نحوهما كما حدث مع جميع المدعوين، خاصة بعد التعرف على هوية الزائرون، وهم رجال الشرطة، اتجه نجيب صوب ذلك الرجل الذي يتقدم الحضور وقال:
" عفوًا من أنتم، وماذا تريدون؟"
قال الضابط:
" من نحن؟ نحن فريق من رجال الشرطة المصرية، وماذا نريد؟ نريد حضور السيد كرم نجيب الدالي إلى مقر الشرطة لأجراء تحقيق سريع معه، أين هو؟"
انهار جسد منار على المقعد بعد أن تنبأت بما سيحدث لاحقًا، قال كرم وهو يتقدم نحوهم:
"ما تهذي يا هذا؟ بماذا سأتحدث معكم؟"
حذره الضابط وهو يرفع سبابته محذرًا:
" ستأتي معنا دون أي تجاوز"
هدر نجيب:
" هل هناك تهمة تتهمونه بها؟"
قال الشرطي وهو ينظر نحو سمية الدالي التي ابتسمت له بامتنانٍ:
" لدينا أمر من النيابة بالقبض عليه بتهمة القتل العمد للراحلة ياسمين طاهر الدالي"
**


safeia Elgayar غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 11:47 PM   #96

safeia Elgayar

? العضوٌ??? » 458058
?  التسِجيلٌ » Nov 2019
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » safeia Elgayar is on a distinguished road
Rewitysmile25 رواية أفيندار الكاتبة صفية الجيار

#أفيندار
#صفية_الجيار
الفصل الخامس والعشرون
حالة من الهرج والمرج سادت بالمكان بعد تصريح الشرطي باتهام كرم بقتل ابنة عمه، وإعادة فتح ملف القضية من جديد، كانت الأسبقية في ردة الفعل من نصيب منار، التي ركضت نحو ابنها تجذبه بعيدًا عن الشرطي وكأنها قادرة على حمايته منهم، وراحت تحذره وهي تتمتم ببعضِ الكلمات المبهمة، صوبت أنظار الجميع على كرم وأمه، وانقسم حال المتواجدين إلى قسمين، قسم يتابع بصدمةٍ وهو حال المدعوين وعائلة عزام، وقسم أًصابه التيه وراحوا يهذون بطرقهم المختلفة، صدمة نجيب، صراخ منار وهرولتها بين الجميع، كانت تستنجد بأحدهم لعلها تجد من ينقذ ابنها، وأثناء انهيارها الذي لم يستغرق ثوانٍ تلاقت أعينها بأعين سمية التي كانت تطالعها بتشفٍ ومازالت تجلس تضع قدمٍ فوق الأخرى، وابتسامة ماكرة لم تعتد عليها احتلت محياها، أخر المتواجدين ابداءً لردةِ الفعل كانت يسر التي ظلت تحدق بمن حولها بذهولٍ، كان على أحدهم توضيح هذا الهراء لها، فالتفتت إلى مراد تنوي سؤاله، حاولت التحدث فلم يطاوعها لسانها، رأت تلك الدمعة المتجمعة بعينيه حزنًا على حالها؛ هربت بأنظارها عنه لا تريد تصديق أن ما سمعته حقيقة، ونظرت نحو والدتها، في البداية لم تستطع التعرف عليها، بدت وكأنها شخص جديد لم تألفه، لم تعرفه من قبل، غريبة، حزينة، مبتسمة، منكسرة، حاقدة، قوية، مالت بنظراتها أكثر نحو خالها وكأنها تسأله ماذا يقولون، عن أي كرم وياسمين يتحدثون، هل ياسمين خاصتنا، هل كرم ابن عائلتنا، بالأصل من هذه، لما تبتسم هكذا، لما نظراتها غريبة هكذا؟ لجأت إليه لينفي ما تسمعه وتراه لكن نظراته الخجلة أكدت ذلك، التفتت نحو مراد مرة ثانية توسلت إليه لينتشلها من كابوسها، فقبض على كتفيها وقال بصوتٍ مرتبكٍ:
" يسر اهدئي، سآخذك ونذهب من هنا"
وقررت أخيرًا أن تُنهي المشهد التصويري المميت الخاص بعائلة الدالي، ونظرت إلى ذلك الواقف لا حول له ولا قوة، بالتأكيد ستجد اجابتها بعينيه، لم ترى سوى الخوف والكثير من الندم؛ ركضت نحوه بكل ما أوتيت من قوةٍ، من يراها وهي متوجهة نحوه على هذا النحو يظن أنها ستعانقه تودعه، أو ترتمي بين يديه تجذبه إليها تحميه منهم، أو تحتمي به، لكن الحقيقة أنها فور وصولها إليه،مدت يدها كانت ستعانقه، لكن لم تكد يدها تلامس صدره وأبقتها معلقة في الهواء، صُمت أذانهما عن صراخ منار وتساؤلات المتواجدين، سألته نظراتها كل الأسئلة التي سألتها لخالها، عاتبته، قتلته بنظراتها، وأخيرًا قالت له:
" هل قتلت أخوتي؟"
الاجابة أقوى من أن تُنطق، أصعب من أن يجهر بها، والسؤال قاتل للحد الذي يستحيل له إجابة، لذا طأطأ رأسه في خجلٍ، فبهذه الجريمة هو المذنب البريء، إن قالوا له أنتَ قاتل سيصمت فإن ثبتت براءته سيتورط أكثر، دفعته، نهرته، انهالت عليه بوابلٍ من اللكمات والكلمات الموجعة:
"سارق، سرقت أموالنا وقلبي وسعادتي، سرقت عائلتي مني، قتلت ياسمين، أصبت أبي بالشلل، أحنيت رأس أمي، نعيش بجحرِ الفئران بفضلكِ، فعلت بنا أمكَ ما يفوق قدرة تحمل البشر"
صمتت للحظةٍ تحدق به وكأنها ترفض ما ستبوح به، و تابعت ويديها ترتجف، تحاول لمسه لكن قوة ما منعتها من ذلك:
" هل كان ياسين صادقًا، هل تخلى عن الحياة عندما لم يصدقه أحد، أي شيطان أنتَ، أي شيطان أنتَ"
ظلت تردد هذا السؤال إلى أن سقطت مغشي عليها، كاد يلتقطها بين يديه، لكن أيدي مراد كانت الأسرع، حدق به بتحذيرٍ وقال وهو يحيط جسدها بذراعيه:
"ارفع يدكَ عن زوجتي"
جملة مراد كانت آخر طعنة بقلب كرم، ارتد على إثرها للخلف كمن أصابته الصاعقة، وكأنه يقول له بينما ارتكبت كل هذه الجرائم بحقها لن أضع يدي عليها، اندفعت شروق نحو يسر بينما احتضنت مريم ابنتها، وحاول مراد بشتى الطرق أن يجعل يسر تعود إلى وعيها.
ووسط تلك البلبلة اصطحب رجال الشرطة كرم معهم، وسط صراخ منار، لكن قبل أن يختفي عن الأنظار هدرت سمية:
"كرم"
التفت إليها هو ورجال الشرطة، فقالت:
" ألم أقل لكَ، أموت ولا أعطيها لكَ وإن مت سأترك لها ما يجعلها تكرهكَ، لقد حفرت قبركَ بيدكَ عندما قررت لمس يسر بيدكَ القذرة كما فعلت مع ياسمين"
لم تدرك أن يسر استفاقت واستمعت لما قالته، وتابعت اتمام دورها الانتقامي على أكمل وجه عندما جذبت منار من ذراعها ثم مالت عليها قائلة:
"كيف حالكِ الآن، هل مرارة فقدان الابن تؤلم، هل تمزق النياط؟"
حدقت بها بذهولٍ لا تصدق أن ما حدث من تدبيرها، لجم لسانها، صمتت تستوعب الأمر، في حين انهار جسد نجيب وهو يتابع ما يحدث، ولم يلحظ أحد ما آل إليه حاله، أو غيابه عن المشهد ظلت عينيه تتابع رحيل ابنة رفقة الشرطة إلى أن اختفى كالسراب، وعند تلك اللحظة تلاشت الصورة بعينيه، وانقطعت أنفاسه، ويبدو أن القدر سيقول كلمته.
أدركت يسر ما قامت به والدتها، فطلبت من مراد أن يأخذها بعيدًا عن المكان على وجه السرعة، تاركة خلفها منار تحترق على ابنها ولأول مرة تشعر بالعجز، وتتجرع من نفس الكأس الذي تجرعت منه والدتها لسنواتٍ، ذهب من ذهب وبقى من بقى، وأول الراحلين بعد يسر كانت سمية وشقيقها، ومن بعدهم الكثير اللهم عدد قليل قرر الوقوف بجانب منار خاصة في غياب ابنتها واكتشاف حالة زوجها الصحية، وعلى صعيدٍ آخر كانت تعيش رهف أجمل لحظات عمرها لا تدرك المصيبة التي حلت على رؤوسهم.
جاور مقعده مقعدها وقال وهو يمسك الهاتف المحمول بين يديه، يحدق به بنفاذِ صبرٍ وتذمرٍ:
" نجلس ننتظر أفيندار، في ليلة احتفالنا بزواجنا"
"المهم أننا نجلس سويًا، أفيندار من أولى اهتماماتي إن كنتُ ستمنعني عن متابعتها لي حديث آخر معك؟"
ابتسم لها بعذوبةٍ وقال:
" حسنًا لنتابع أفين لعلها تكتب لنا كلماتٍ رومانسية هذه الليلة"
ثم راح يقرأ ما خططته أفين بصوتٍ رخيمٍ.
**أفيندار**
"ترددت كثيرًا قبل أن أكتب رسالتي، لكن أنا بحاجة للمساعدة ولم أجد سواكِ، لدي خوف كبير، خوف مما هو قادم، فكرة أن من حولي يضعون أمالهم على عاتقي تقتلني، أشعر أن هذه الحمل يفوق قدرة تحملي، نظرات الرجاء بأعينهم كي لا أخذلهم تقتلني، القلق والخوف قد سيطروا عليّ تمامًا،ولا يشعر بي أحد، لم يفكر أحد بمساعدتي، أو يُشعرني أنني لست بمفردي، يطمئنني، يقول لي لا تخافي أنا بجانبك، لكنني متأكدة مليون بالمائة أنني لن أجد من يفعل ذلك فما رأيك أفيندار؟"
{ سأخبركِ أمرًا بالبداية أنتِ أقوى من هذا الضعف الكامن بين أحرفكِ، لو كنتِ ضعيفة لِمَ وكلكِ من حولكِ بحمل هذه المسؤولية، أنتِ حنونة، عطوفة تمتلكين من طيبة القلب وسعة الصدر ما يؤهلكِ لتحمل تلك المسؤولية، فقط أحيانًا أعباء الحياة ترهقنا وتشعرنا أننا بمفردنا، ونحتاج لمن يساندنا، وهنا يتوجب أخذ قسطًا من الراحة فاصل قصير نستجمع به قوانا ونعود أقوى بوجه مبتسم لنتخلص من هذا اليأس المسيطر علينا، اهدئي، انعزلي عن ضغوطات الحياة ليومين، افعلي ما يسعدكِ، أو ما يُحسن حالتكِ النفسية، فكري بايجابية بمن حولكِ ستجدين من يحاول الوقوف بجانبكِ لكنكِ في خضم مسؤولياتكِ، وتلك النبرة البائسة بكلماتكِ أغمضتِ عينيكِ عن رؤيته، وإن لم تجدِ لتساندكِ قدميكِ، صدقيني بعدها ستعثرين على تلك القوية بداخلكِ}
**
التفت حمزة إلى رهف وقال مبتسمًا:
"دومًا ما تبهرنا أفين بقوة شخصيتها، وحكمتها في مجابهة الأزمات، ومواجهة الأمور"
قالت رهف وهي تتطلع بشاشة الهاتف تنتظر نهاية تحميل الفيديو الخاص بالخاطرة:
"مسكينة بطلة أفيندار اهتمت بالجميع ولم تجد من تتكئ عليه"
"ألا يمكن لأنها عودتهم على ذلك، ولم تُظهر لهم مدى احتياجها للمساندة؟"
تنهدت بحزنٍ غريب على تلك الليلة المبهجة وقالت:
"من يعتاد على تحمل الآخرين لمسؤولياته، أضعف من أن يقف بجانب أحد، ثق بهذا عن تجربة شخصية"
كاد يتحدث لكنها أشارت له ليصمت، وقالت بلهفةٍ:
" لنشاهد أجمل قسم بالليلة"
وراحت تستمع للموسيقى المبهجة المفعمة بالأمل المرفقة بالفيديو الخاص بالخاطرة، وتقرأ كلمات انتظرتها بلهفة.
{ تسير بينهم كالنسمة، لها ضحكة لا تقتصر كونها بسمة، ضحكة تحمل الكثير، ما بك طمئنني عليك، هل أنت بخير؟ إن كان يحزنك شيء لنشاركه، أينقصك شيء أكملك، أتحتاج شيء أوفره لك، ألديك ما يرهقك روحك كالجاثوم يجثم على صدرك أحمله عنك؟
هذه هي حنونة، قوية، متسامحة، لكن هل تساءل أحدهم خلف تلك الأقنعة ماذا يوجد؟ كيف لهذا الأمل وسط اليأس أن يولد؟ أم أنهم اعتادوا على الآخذ، وعند الحاجة باعوا القوية بثمنٍ بخسٍ، آن الأوان للقوية أن تُظهر احتياجها ليس للآخرين ولكن لنفسها، تنفسي، ابتسمي، تحدثي، أخرجي ما يكتظ به صدركِ، اغتنمي من الحياة ما يُبهج قلبكِ، عودي إليهم أقوى، مهيأة للشكوى، لا تجعلي من حزنك عدوى}
**
قال حمزة وهو يضع الهاتف بجيب سترته:
"انتهت اطلالة أفيندار، لنعود إلى موضوعنا"
" موضوعنا!"
" نعم عشقنا يا زوجتي الجميلة"
لم يكد ينهي جملته إلا وتلقى من مراد مكالمة وضعته بموقفٍ لا يحسد عليه، فكيف سيخبر زوجته بتلك الكارثة التي حلت على أسرتها؟
**
آثرت الصمت طوال الطريق لم تنبس ببنت شفة، تفهم وضعها خاصة بعد أن رفضت الحديث مع والدتها،، صعدت إلى غرفتها بصمتِ ينم عن بركان سينفجر بعد قليل، كرم قاتل سارق و ما رفضته حقَّا إن كان قاتل ياسمين من أقام العلاقة الغير شرعية معها؟ هل اكتشف سوء خلقها فعاقبها، هل كان ياسين يعلم أنه القاتل وآثر الصمت؟ هل هناك ملابسات لم تكشف بعد؟
أبدلت يسر ثيابها بمساعدة مريم ثم تدثرت جيدًا بفراشها، وأغمضت عينيها مستسلمة لأفكارها القاتلة بينما أجرى مراد عدة مكالمات هاتفية، أَلَمَّ بعدها بمجرى الأحداث وعلم بما حدث مع نجيب الدالي وتعرضه لأزمة صحية، ثم توجه إلى غرفته يطمئن على زوجته، دلف إلى الغرفة في هدوءٍ وجلس على طرف الفراش مرر يده على رأسها بحنوٍ وقال:
"يسر"
لم تجيبه، صمتت، لأنها إن تحدثت ستسأل وإن سألت لن تعجبها الاجابة، لكنه لم يستسلم وتابع:
" لستِ نائمة، ولا داعِ للهرب، لن أترككِ تحملين هذا الهم بمفردكِ لنتشارك حزنكِ كما تشاركنا كل شيء من البداية"
أدركت أن حديثها سيؤلم روحه فقررت السكوت، لأول مرة تُفكر به على هذا النحو ولم ترد كسره، أو تحطيم قلبه في رثاء حبيبها السابق أمام عينه، لكنها بحاجة للدفء، للحنان، لمن يسكت تلك الحرب الدائرة بروحها؛ فقالت دون تفكير لثانية واحدة لماذا أقدمت على هذا الفعل الأهوج:
"مراد، أوصاك أبي ألا تتخلى عني، لقد جاء دورك لتعوضني غيابه، أنا قوية للغاية لكن إن ضعفت أسقط وإن سقطت لا أنهض، أنكسر وأرتجف، أبرد ولا يدفئني سوى عناقه،عانقني وكأنكَ أبي ملاذي وموطني"
طلب يسر بمثابة فتح باب زنزانة لسجين قضى عمره بداخلها فلم يضِع الفرصة وهرول راكضًا إلى الخارج، وهذا ما فعله مراد فور طلبها لعناقها، استلقى بجانبها ألصق صدره بظهرها، حاوطها بذراعيها يخبئها من وحش كاسر سيفتك بها، وحش الشك والخوف من اليقين، ظل صامتًا صامدًا أمام رجفة جسدها، كاد يصرخ بها
"لا يستحق كل ذلك، ليس إلا رجل وضيع تكالب على كل ما تملكين وسرقه دون شفقة" لكن ضعفها رحمها من كلماته القاسية التي أبدلها بأخرى عاشقة عندما همس:
"يسر نامي الآن، أنا بجانبكِ وإن تخلى عنكِ الجميع"
**
وبينما تستمد يسر القوة من زوجها، كان كرم نجيب في أضعف حالته أثناء التحقيق معه، علم أن القضية فتحت بطلب من سمية الدالي شخصيًا، بعد تقديمها لأدلة تثبت تورطه بالقضية وطالبت أيضًا بتقديمه للطب الشرعي واثبات تطابق البصمة الوراثية له مع البصمة الوراثية الخاصة بمغتصب ابنتها ياسمين على حد قولها، فقد نفت تماما قيًام ابنتها بهذا الفعل الشنيع، وإنما تم تخديرها من قبله أولًا ومن ثم اغتصابها وقتلها واستدراج شقيقها لتظهر الجريمة على أنها قضية شرف، نفى تمامًا اغتصابه لابنة عمه وظل يردد أنها شقيقة زوجته تصغره بالعمر وكان ينظر لها على أنها شقيقته، ولم يفعل ذلك مطلقًا لكن هيهات، لم يصدقه أحد وتم التحفظ عليه لحين صدور تقرير الطب الشرعي .
**
قضت رهف ليلتها أمام باب غرفة الرعاية المشددة، تنتظر لعلها تحصل على أخبار جيدة فيما يخص حالة والدها الصحية، ولولا مساندة حمزة وعائلته، لِمَ استطاعت الوقوف على قدميها بمفردها في غياب الأب والأم التي عكفت تبحث عن حل مع محامي العائلة عن سبل نجاة ابنها من مكيدة سمية.
وكما قالت رهف لحمزة من يعتاد على تحمل الآخرين لمسؤولياته أضعف من أن يقف بجانب أحد، فطوال الوقت كانت تجاهد ألا تهاتف يسر وتطلب منها العون رغم تأكدها أن حالتها لا تقل سوءً عنها بل تزداد فللقاتل والمقتول مكانتهما الخاصة بقلبها، لذا قرت الصمود في مواجهة الريح، تفاجئ حمزة بتماسكها لقد رآها من قبل في حالة انهيار تام وتوقع أنها لن تصمد أمام ما اكتشف فسألها:
"إن نظرنا لحالتكِ، سنكتشف إما أنكِ كنت على علم مسبق بما حدث، أو أنكِ وصلتِ لمرحلة من عدم التصديق تجعلك لا تبدين ردة فعل حيال الأمر"
نظرت له نظرة ذات معنى وقالت:
"ردة فعلي سأبديها عندما أتأكد مما يُقال، انتظرني سأنال شرف الكلمة الأخيرة"
**
شعرت بثقلٍ ما على كتفها ورائحة غريبة عنها تتغلغل بأنفها سرعان ما تعرفت عليها، تذكرتها وتذكرت عناقه لها، إنه هو من رفضته لأشهر والآن تنام بين ذراعيه بطلبٍ منها، حاولت تحرير جسدها من بين يديه لكنه شدد من عناقه وقال بصوت رخيم ينم عن استيقاظه لتوه:
"صباح الخير"
أزاحت يدها بعنفٍ ثم قالت:
"صباح النور من فضلكَ دعني أنهض، أنا على عجلة من أمري"
قال وهو يبتعد عنها يعطيها مساحة من الحرية:
" لم أمنعكِ من النهوض، فقط خُيل لي أنكِ ما زلتِ بحاجتي"
ارتبكت عند تذكرها طلبها للعناق البارحة، فقالت وهي تتجه نحو المرحاض:
"كنت ضعيفة للغاية اعذرني"
"أي عذر أنتِ زوجتي يحق لكِ طلب ما تشائين، خاصة بحالتكِ تلك، يسر أنا بجانبكِ أكثر من أي وقتٍ مضى"
أوقفتها كلماته، كانت بحاجة لهذا النوع من الاحتواء؛ فالتفتت له وقالت:
"إن كنت بجانبي حقَّا خُذني إلى منزل أبي"
ولأنه دومًا ما كان بجانبها، ذهب بها إلى منزل عائلتها لكن بعد أن تأكده من تناولها للإفطار، وعاهدته على ضبط نفسها لأقسى حد حتى تفهم لِمَ أخفت والدتها الأمر عنها، ولِمَ أقدمت على تلك الخطوة بعد مرور سنوات على الحادثة.
تعد سمية محظوظة جدًا بشقيقها فهو يسير خلفها كظلها، يرافقها في السراء والضراء، لا يدخر جهدًا في مساعدتها، وافقها في قرارها الأهوج الأخير دون تفكير في العواقب فقط لتتخلص من بلاء كرم ووالدته، وأثناء تناولهما لوجبة الافطار وشرود سمية وانتظارها بترقبٍ لنتيجة التحقيقات، سمعا باب الشقة يُفتح؛ فعلما أن يسر القادمة، قال كرم وهو ينهض:
"استعدي للعاصفة"
قالت بلا مبالاة وهي تلوك الطعام بفمها:
"تحلى بضبط النفس، ستدمر نفسها ما إن تهب"
دلف مراد على استحياء لاقتحام المنزل دون استئذان على عكس زوجته التي هبت كالعاصفة كما قال خالها، حين قالت وهي تلقي بحقيبتها على الطاولة:
"ليخبرني أحدكما ماذا يحدث، وأي جنون فعلتما"
قالت سمية وهي تضع الشوكة التي بيدها بترويٍ على المائدة، دون أن تطلع بأحدٍ:
"يبدو أنني لم أحسن تربية ابنتي، فأحسن أنتَ ترويض زوجتكَ يا مراد"
كاد يتحدث حين قاطعته يسر:
"أمي أنا لست منار أو هذا الحقير لتتعاملين معي بهذا الأسلوب، لا يوجد ما أخشاه وأعرف جيدًا كيف أحاوركِ بذات الأسلوب لذا دعينا نتحدث بهدوءٍ، وليشرح لي أحدكما ماذا حدث البارحة؟"
نهضت سمية عن المائدة وقالت وهي تتجه نحو المقعد:
"إذًا اجلسي عاقلة واستمعي إليّ، لا داعِ لتصرفات عرق الدالي الأهوج"
طلب منها مراد الجلوس والتعقل لحين فهم ما يدور وطاوعته، فاسترسلت سمية بالحديث تروي ما حدث:
"نعلم جميعًا موقف رهف من القضية وكيف ساندت ياسين، رغم تخلي أسرتها عنه وعنا جميعًا، لقد صرخت بعشقه في أروقه المحاكم ولم تخجل، وذات صباح بالتحديد قبل الحكم النهائي عليه، جاءتني منهارة وطلبت مني التحدث على انفراد وبعد قسم وعهود كثيرة اعترفت لي بأمر غاية في الخطورة، أرادت أن تتخلص من ذنبه، أرادت أن تبرئ ابني على الأقل بنظري، لقد استمعت إلى حديث دار بين والدتها وشقيقها حيث قال لها بالنص{ لو تعلم يسر أنني السبب في فقدانها لشقيقتها، لقتلتني}، وكانت تلك الجملة بذرة الشك التي أنبتت بداخلي حكايات....."
قالت يسر مقاطعة إياها:
"هل اتهمتِ كرم بتلك التهمة بناءً على جملة رهف، ولا نعلم مدى صحتها!"
تطلع بها مراد متعجبًا لتمسكها بالدفاع عن كرم رغم كل شيء، تساءل أي تعويذة تسيطر عليها وتجعلها مغيبة هكذا، قالت سمية وهي تحدق بها بتحذيرٍ:
" يسر اخرسي ودعيني أكمل حديثي لأننا لن نذكر هذا الأمر بمنزلنا بعد اليوم، وبناءً على جملة كرم كونت حينها سيناريو مبدئي لِمَ حدث، لقد أراد كرم الانتقام منا لسببٍ لا أعلمه، من الممكن أن يكون بأمر من منار، فقام باستدراج ياسمين رحمة الله عليها إلى تلك الشقة المشئومة، وبطريقة أو بأخرى جعلها تتناول الحبوب المخدرة وقام باغتصابها، ثم نجح أيضًا باستدعاء ياسين رحمة الله عليه، لا أعلم ما حدث وقتها لكن على حسب رواية ياسين لقد قام أحدهم بإخباره بتردد شقيقته على أحد الأماكن المشبوهة، وذهب على الفور إلى هناك، ووجد شقيقتكِ بوضع لا داعي لذكره فبحث بالشقة عمن كان رفقتها، وعند عودته وجدها مقتولة، وهكذا تم التخلص منهما والنيل منا والتشهير بنا، واجهته كثيرًا فلم يعترف لكنه لم يصمد وارتبك وتأكدت شكوكي، حالتكِ حينها لم تكن تسمح بمعرفة هذه الأمور، هل كنتِ ستتحملين أن يكون زوجكِ هو قاتل أختكِ ومغتصبها؟ فقمت بالاتفاق معه إما يرحل أو أبلغ عنه وكعادته تعامل معي بقذارةٍ هو ووالدته، واستخدم حالتكِ وانهياركِ حينها لصالحه، وكان الاتفاق أن يغادر البلاد في سبيل سكوتي عنهما..."
صرخت يسر مرة أخرى:
"هل تخليتِ عن حق أبناءكِ، باتفاق حقير مع كرم، بعد أن قتل ثلاثتنا، هذا إن كان هذا الحق معه وما ترويه صحيح؟!"
"سأقولها مرة أخرى اخرسي يا يسر لأكمل حديثي، مرت سنوات وحدسي يخبرني أنه القاتل، لكن ماذا أفعل لا يوجد بيدي دليل ملموس، حالة والدك الصحية لا تسمح بفضيحة أخرى، خالكِ يقسم كل يوم أنه سيقتل منار فأجبرته على السفر هو الآخر للخارج وقررت التعايش مع هذا السر، لكن أوصيته إن مت يخبركِ لأنني أعلم مدى ضعفكِ تجاه هذا المجرم، إلى أن جاء هذا اليوم ورأيت صوركِ بين أحضانه، وبعدها رأيتكِ أنتِ بين أحضانه ويحاول الاعتداء عليكِ حينها أقسمت سأنهيه وأتخلص من شره لن تلمس يده القذرة ابنتي كما حدث مع ياسمين، خاصة والدكِ لم يعد موجود وأنت هناك من يقف بجانبكِ، وحالتكِ تسمح بتحمل هذا الثقل"
قالت يسر بهجومٍ شديدٍ وشلال دموعها ينهال على خديها وكأن ياسمين توفيت اليوم:
" لا تستطيعي اثبات الجريمة من خلال جملة رهف فقط"
هدرت سمية:
"يا غبية ملف القضية مازال موجودًا وهناك نتيجة لتحليل البصمة الوراثية للمغتصب، إن قارناه بتحاليل كرم ستتطابق وحينها سنثبت أنه كان متواجدًا بالشقة وما بعد ذلك سهل"
نهضت وقالت نافية ما تسمعه:
"مستحيل أن يغتصب كرم ياسمين"
فتدخل خالها بالحديث لأول مرة بعد أن اغتاظ من دفاعها عن كرم وقال:
"إذًا كان بينهما علاقة غير مشروعة، وقاما بخيانتكِ، وبالتالي قتل ياسين ياسمين عن عمدٍ، هل هذا التحليل يروق لكِ؟"
خارت قواها وجلست تصم أذنيها بيديها وراحت تصرخ:
" لا يفعلها لا يفعلها هو حقير سارق لكنه لا يغتصب، هل قاما بخيانتي، بالأصل ياسمين لا تفعل شيئًا كهذا"
تحلى مراد بالصبر لأقسى درجة لكنه لم يحتمل دفاعها المستمر عنه فقال:
"يسر إما اغتصب شقيقتكِ وقتلها لينتقم منكم لسبب لا أعلمه، أو قام بخيانتكِ مع شقيقتكِ وعندما اكتشف ياسين الأمر قتلها اختاري الحقيقة الأقل سوءً وصدقيها"
بكت وتطلعت به بضعف ثم قالت:
" لا يمكن أن يقومَ بكل هذا السوء معي، إن اغتصبها أو أقام علاقة معها في كلا الأمرين ذبحني"
تطلع بها فاغرًا فاه، فصرخت سمية:
"مراد خذ تلك المجنونة وارحل لا أتحمل رؤيتها"
دق جرس الباب فنهض أقلهم انفعالًا ليفتح، قال كرم وهو يتطلع بريبةٍ من حالة رهف:
"رهف مابكِ؟"
مرت إلى الداخل وهو تقول:
"خانت شقيقتكَ وعدها معي يا عماه "
صوبت الأنظار إليها وهي تدلف كالبرق إلى غرفة استقبال الضيوف، فقالت سمية:
" كيف حال والدكِ يا صغيرتي؟"
قالت بنبرة باكية مرتجفة:
"الآن بالرعاية المشددة وبعد أن يلتف حبل المشنقة حول عنق ابنه بعد أن تشهد عليه شقيقته بالتأكيد سيموت، تمامًا كما فعلنا بكم أخي كان السبب بموت عمي وأبنائه وأنتِ ستكونين السبب بموت أبي وأخي، انظروا للعدالة الإلهية، فقط سؤالي لكِ، لما أفشيتِ سري،كيف سأتطلع بوجه بابا، كيف سأجابه ماما"
قالت يسر والخوف يتقافز من عينيها:
" عن أي حبل مشنقة تتحدثين؟"
أخرجت رهف ورقة مطوية من جيب سترتها وقالت وهي تمدها لها:
" أمر استدعاء من النيابة، لأشهد بما أعرفه وأخبرت والدتكِ به قبل سنوات فيما يخص قتل كرم لياسمين"
**


safeia Elgayar غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-04-20, 12:18 AM   #97

safeia Elgayar

? العضوٌ??? » 458058
?  التسِجيلٌ » Nov 2019
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » safeia Elgayar is on a distinguished road
Rewitysmile25 رواية أفيندار الكاتبة صفقية الجيار

#أفيندار
الفصل السادس والعشرون
"يسر لا تفعلي خسارتكِ ستكون فادحة، لم يتبقَ لكِ سوى سمية ومراد وأنا بالطبع، يتوجب على تنبيهكِ تمردكِ هذه المرة سيودي بكِ للسقوط من الهاوية"
قالها خالها وهو يجلس بصحبتها على الأريكة بحديقة منزلها، ثم مرر يده بحنوٍ على كتفها، لتبث يده ما يريد قوله، وطمأنها بوجوده جانبها مهما عصفت بها الحياة، لم تعير حديثه اهتمامًا، وظلت تحدق بالفراغ من أمامها، كمن اتخذ قراره ومحاولة إثناءه عنه ليست سوى سكب الماء بكوبٍ فارغٍ، يدرك ما آلت إليه الأمور بداخلها، لقد هدم أمين العربي ضابط الشرطة صديق أسرة طاهر الدالي المقرب مدن بأكملها فوق رأسها عندما أفصح عن اتهام كرم بقتل شقيقتها، ثم هدمت سمية باقي القارة فوق رأسها عندما واجهتها بحضرةِ مراد، لتبقى بقايا إنسانة تحت الهدم، لا روح لا جسد، هذه حالة يسر على مدار أربعة أيام منذ مواجهة والدتها وشهادة رهف ضد شقيقها، و رقود عمها نجيب بغرفة الرعاية المشددة يصارع الموت، سنتخطى حال علاقتها بمراد، لأن ما حدث مع يسر نتج عنه اعادة علاقتهما لنقطة البداية، أغراب كما لو لم يحدث معهما الكثير من قبل، التفتت نحوه وقالت بِحدةٍ:
"كرم، كنت أتمنى أن تكونَ مدركًا للنيران المندلعة بداخلي"
خفض من نبرةِ صوت وقال:
"بالطبع مدرك لكل ما يحدث معكِ، رأيت ما تحاولين اخفاءه، وأدركت ما لم يدركه أحد؛ لذا أقول لكِ هذه المرة لا تخسري الشخص الخطأ، بينما تنزفين دمًا من أجل من لا يستحق"
هاجمتها الدمعات التي تقافزت من عينيها بغزارةٍ في سباقٍ، لقد حاولت مرارًا منعها، قالت بصوتٍ مرتجفٍ:
"أشعر وكأن جاء أحدهم وسرق مني خمسة وعشرون عامًا بلحظةٍ واحدةٍ"
"أعلم كرم ماضيكي، وظهوره على حقيقته جعلكِ تشعرين وكأنكِ لم تتعرفِ عليه من قبل، أًصبح شخص غريب عنكِ بالفعل"
شعرت أنها تحارب بمفردها، لا يفهمها أحد، تجدف بمفردها بين الأمواج المتلاطمة؛ فانفعلت قائلة:
"لا على العكس، حقيقة كرم وإن كنت لم أتخيل مدى بشاعتها لكن ليست بأمر جديد عليّ، الطامة يا كرم هي ما فعلته أمي، كيف لها أن تترك قاتل أخوتي دون عقاب!"
صعق كرم مما يجول بخاطرها لقد اتضح أن ما جعلها في حالة عداء تام مع الجميع، مغاير تمامًا عما يعتقدونه، بينما يغضب مراد من حزنها لما يحدث مع ابن عمها، وصُدمت بها والدتها من دفاعها عنه، كانت حزينة منها لتركها كرم حر طليق بعد جريمته، سألها مستفهمًا:
"وما ذنب مراد؟"
"ذنبه أنه يريد أن يكون معي"
تتطلع بها لبرهةٍ وقال:
"تريدين الابتعاد عنه بإرادته، لن تقولي ارحل، لكن ستفعلين ما يجعله يرحل"
"هذا ما يحدث"
"وصورتكِ السيئة بعينه، زوجته حزينة على طليقها، هل أنتِ مدركة لِمَ تفعلين؟"
أسندت رأسها على حافة المقعد وقالت وهي تحدق بالسماء:
"أنا متعبة جدًا، متعبة لدرجة لن أتمسك بمن يرحل، لن أمسك بطرف فستان أمي، ولن أتوسل لمراد لتصديقي أو فهم ما يجول بخاطري، ويمزق نياط قلبي، لن أقول له أحتاجكَ"
"ومن قال أنهم راحلون"
"لم يقل أحد، أنا لا أريدهم من بعد الآن"
"يسر حبيبتي، تفكيركِ خاطئ، الأمور تتضح، كلُّ علم وجهته رهف الآن تمكث بمنزلنا، على الرغم أن سمية تلف حبل المشنقة حول عنق شقيقها، بالله عليكِ هل فكرتِ ماذا تقول أفعالكِ العدائية معهم"
قالت بانفعالٍ:
" قلت ابتعدوا"
قال باستياء:
"لماذا؟"
"أخشى الفراق"
فسألها:
"وابتعدوا"
"بعد أن اقتربوا"
"وماذا عن الفراق؟"
انهارت فاحتضنت رأسها بكفي يدها وقالت باكية:
"مازلت أحترق به"
وهنا أدرك كرم أن يسر تجاهد ألا تنصاع لما يريده قلبها، يسر تُبعد مراد عنها حتى لا تعتاد وجوده ويغيب، حتى لا تعطيه ثقة ويخونها، فما كان منه سوى أن يثبت له أنه بجانبها درع يحميها من المخاطر والأوجاع، وترك أمرها مع مراد للأيام تثبت مدى تمسكه بها.
أسوء أنواع الرحيل، الرحيل دون تكبد عناء المصارحة، دون ابداء سبب، أن يجبرك الطرف الآخر أن ترحل عنه ولا يرحل منك، أفعاله تتغير، كلماته تصبح بلا روح، جافة وكأنه يقوم بدوره فقط، مرة يحضر مرة يغيب، يضع خطة ويعتمد تنفيذها، يبتعد تدريجيا لا يبرر غيابه، لا يكترث للدموع، لا يهمه الإجابة على التساؤلات، لما ابتعدت؟ هل بدر منا ما يحزنك؟ كل ما يفعله هو أن يغيب عن عالمك ويحضر بعوالم أخرى، وهنا لا يسعك سوى الرحيل، وتبقى تختنق بمشاعرك.
**
وقف كرم نجيب بصحبة المحامي الخاص به أمام غرفة وكيل النائب العام ينتظر البت في أمره، بعد ظهور تقرير الطب الشرعي الخاص به، تملك منه الخوف خاصة أنه لا يعلم ما هي الأدلة التي قُدمت حتى تم فتح ملف القضية من جديد، قال مستفهمًا:
"أشعر وكأن الجميع تخلى عني أين رهف وأبي، لِمَ لم يأتيا لزيارتي؟ لم أرهما منذ القبض عليّ!"
أجابه بحكمةٍ:
"السيد نجيب ارتفع ضغط دمه قليلًا ونصحه الطبيب بالمكوث بالمنزل وعدم التعرض للضغوطات، أما السيدة رهف لقد قامت بدورٍ فعالٍ بالقضية، ندعو أن تقف نتائج الطب الشرعي بجانبكِ"
لم يدرك كرم ما قاله الطبيب فيما يخص رهف، لكن اختلج قلبه عندما علم بما ألَّمَ بوالده، مر حديث المحامي مرور الكرام خاصة بعد حلول وقت دخولهما للغرفة ومعرفة قرار النيابة بشأنه.
**
قرر كرم المغادرة، بعد تحدثه مع يسر لبعض الوقت، استأذن منها على وعدٍ لزيارتها في وقتٍ لاحقٍ، كانت سترافقه لكنه رفض وأخبرها أنه ليس بغريبٍ،وأثناء سيره فوجئ بارتطام جسده بجسد أقل حجمًا، أكثر نعومة، إنها مريم، اختلج قلبه من هول المفاجأة لكنه تماسك حينما شعر أن مريم ستسقط أرضًا فأحاط جسدها بذراعيه وظلت أعينهما معلقة ببعضهما البعض، هي ترتجف وأهدابها في سباق مع الحركة وهو كالتمثال، يتشبث بها كما لو أنه حصل عليها بعد سنوات عجاف، والصمت في حضرة جمالها ليس خياره وإنما كان مجبرًا، لقد كتم جمال عينيها أنفاسه، دفعته بعيدًا عنها وقالت:
"عذرًا، كنت أتابع أمر هام على الهاتف، لم ألحظ مروركَ"
ارتبك ثم ارتد خطوتين إلى الخلف وقال معتذرًا:
" أعتذر منك كدتِ تسقطين لذا ساعدتكِ"
قالت وهي تشيح بعينيها بعيدًا عنه خجلة، لم تقترب من أحدٍ إلى هذا الحد سوى زوجها:
"لا عليكَ، برأيي وفر المساعدة ليسر، ستحتاج مساعدتكِ الآن"
لم يستطع إدراك ما تشير إليه فقال:
"لماذا؟"
ناولته هاتفها ليقرأ ما يُعرض على شاشته، ففوجئ بهذا الخبر الصاعق الذي ملأ الصحف الالكترونية، فتطلع بها مشدوهًا وقال:
"اللعنة، عدنا إلى نقطة الصفر من جديد"
وبعد حديث دام لعشرِ دقائق عُقد بينهما اتفاق من أجل مصلحة يسر، اتفاق ينذر ببداية جديدة، اتفاق على أن يرحل كرم لأن سمية بهذا الوقت تحديدًا بحاجته، وذهاب مريم للحديث مع يسر وإلهاءها عن الوصول للهاتف أو الدخول لمواقع التواصل الاجتماعي.
**
تسللت لتجلس بالقرب منها دون أن تلاحظ وتابعتها بصمت لثوانٍ إلى أن أدركت وجودها فقالت:
"يسر كيف حالك حبيبتي؟"
التفتت لها بوهنٍ وقالت:
" بخير اعذريني انشغلت عنكِ بالأيام السابقة، لم اطمئن عليكِ، هل أصبحتِ بحالٍ أفضل؟"
قالت وهي تربت على يدها:
"بخير مجبرة أن أكون هكذا، من يتخلى عنا لابد وأن يرانا صامدين لا منكسرين"
انتقت مريم كلماتها بعنايةٍ، أرادت أن توصل ليسر الرسالة، كرم تخلى عنكِ وعندما يراكِ لابد وأن تكوني قوية صامدة، شردت يسر بحديثها وقالت:
"يبدو أنكِ لملمتِ شتات قلبك، تتحدثين بثقةٍ لم أعدها بكِ"
تنهدت مريم بحزنٍ وقالت:
"أحيانًا نكتشف أن هناك جراحًا تفوق آلامها حدة آلام جراحنا، فنصمد ونقرر أنها فرصة من رب العالمين لنتماسك."
سالت دمعة بائسة من يسر وهي تحدق بالفراغ وقالت:
"أشرس الآلام التي لا يمكن تحملها، الفراق والخذلان"
أزالت مريم دمعاتها بأناملها وقالت وهي تنهض:
" سيعوضنا رب العالمين بمن هو خير لنا هذه ثقتي بربي، ما بكِ تجلسين كالعجوز البائسة هكذا! هيا لنذهب ونتفقد لي لي وماما، ثم نقوم بصنع كعكة الشوكولاتة، ليتحسن مزاجنا قليلًا"
لم تعطها فرصة للرفض وسارت وهي تجذبها خلفها تاركة هاتفها المحمول على الطاولة، ابتسمت بانتصار فهكذا ضمنت مريم أن خطتها مع كرم تسير على أكمل وجه.
**
مر يومه في الشركة بصعوبةٍ بالغةٍ مزاجه سيئ للغاية، ينفث عن غضبه بمن حوله بدا كقنبلة موقوتة ستنفجر بمن لا يحترس منه، تعامل يسر معه بالأيام الماضية جعله يفقد الأمل أن تبادله ما يشعر به، وأيقن أن تخلصها من عشق طليقها حلم لا سبيل في تحقيقه، وما زاد الأمر سوءً هو إخبار كرم له بما تم نشره بالصحف، قرر العودة إلى المنزل ليكون متواجدًا معها عندما تعلم نتيجة تقرير الطب الشرعي، أدرك أن عاصفتها هذه المرة ستهب محملة بالنيران التي ستحرق من حولها.
وفور وصله إلى المنزل، دلف إلى غرفة تحضير الطعام يدور بعينه بحثًا عنها، بعد أن علم من والدته أنها تساعد مريم في تحضير بعض الحلوى من أجل الصغيرة، وجد شقيقته وصغيرتها تتراشقان بالمياه ويضحكان ملء فمهما، فابتسم لسعادتهما وقال:
"عادت البسمة لمنزلنا مرة أخرى"
التفتت له مريم وقالت بتوجسٍ:
"أخي حمدًا لله أنكَ جئتَ، هل قرأت ما نُشر بالصحف؟"
تنهد وهو يفرك وجهه بكفي يده وقال:
"للأسف،أين يسر؟"
"ساءت حالتها قليلًا، منذ الصباح تشعر بالدوار والغثيان وذهبت لتتناول بعض الأدوية، يبدو أن ما يحدث معها يؤثر على حالتها الصحية"
انتابته حالة من القلق عليها فقال:
"سأذهب لأطمئن عليها"
كاد يغادر الغرفة حين قالت:
"ماذا ستفعل يا أخي لقد أصبح ابن عمها الضحية الآن؟"
أجابها بضيقٍ:
"وضعت ماما سمية نفسها بموقفٍ صعبٍ للغاية عندما اتهمته بدونِ أدلةٍ واضحةٍ، ها هي لم تستطع إثبات تورطه بالجريمة"
صوبت مريم أنظارها على نقطة ما خلفه، وراحت ترفع حاجبيها وتحدق بمن تنظر، عله يفهم ويسكت لسانه الذي سيندم على ما تفوه به، وقبل أن يلتفت ليرى ما يحدث، سمع يسر تقول:
"هل ظهرت نتائج التحقيقات؟"
لعن تهوره وشهقت مريم بغضبٍ، لقد هدم مراد ما فعلته بجملةٍ واحدةٍ، بينما تجاهد منذ الصباح كي لا تعلم يسر بما حدث قبل مجيء والدتها، ومعرفة كرم ما حدث بالتفصيل.
**
جلست سمية ونيران الغضب تتطاير من عينيها، لا تصدق ما آلت إليه الأمور، لقد وضعت التكهنات وصوبت أًصابع الاتهام نحو كرم بناءً على ما قالته لها رهف، وخوفه عندما لاذ بالفرار عند مواجهته، والآن أثبت الطب الشرعي عدم تطابق بصمته الوراثية مع بصمة من كان رفقة ياسمين وقت الحادث، سالت الدمعات من عينيها عندما شعرت بقلة الحيلة وتَمَلَكَ العجز منها، مهما بدت قوية هي أم ضعيفة تجاه ابنتها لقد تحملت أن يجول قاتل ابنتها والمتسبب بانتحار ابنها حر طليق حتى لا تزيد من حزنها، ارتأت أن تفقد يسر ياسمين ويكون ياسين قاتل، على أن تفقد إخوتها وابن عمها وزوجها هو القاتل، تحملت نظرة الترفع والتعالي بأعين منار، رغم أنها قادرة على تسليم ابنها للعدالة وحينها سيكون مصيرهم كمصير عائلة طاهر الدالي، وستخسر منار أموالها ووضعها الاجتماعي، تحملت كل شيء في سبيل ألا يصبح كرم قاتل في أعين يسر، وعندما استشعرت أن يسر أقوى وستتحمل تبعات انكشاف حقيقة كرم، وتجرأت وقدمته للعدالة وأقنعت شقيقته لتشهد لصالحهم، برأه الطب الشرعي، يبدو أن النصر حليف منار وابنها هذه المرة، فقالت بيأسٍ:
"لم أظلم أحد بيومٍ، لم أتمنى ما بيد غيري، أحسنت تربية أبنائي، راعيت ربي في معاملة زوجي، أكرمت الفقير واليتيم، لكن كل مرة أخسر أمام تلك الحرباء، أين الخطأ يا كرم؟"
شاركها أحزانها وقلة حيلتها عندما قال:
"آخر مرة شعرت بعجزٍ كهذا كان لحظة سماعي لحكم الاعدام بحق ياسين رحمة الله عليه"
أطلقت زفرة محملة بالنيران التي يتأجج بها صدرها وقالت:
"كنا ننوي كشف حقيقته أمامها، الآن أًصبح المظلوم الذي اتهمته والدتها بهتانًا وزورًا، كيف سنقنعها أنه متورط، بل كيف سنثبت تورطه؟"
ربت على يدها وقال:
"لن نفعل شيء الأمر متروك للقضاء الآن، أما عن يسر ابنتكِ تجاهد ألا تنصاع لما يريده قلبها، ترفض الاعتراف بعشق مراد، سترضخ له عما قريب، خاصة أن مراد يستحق عشقها ويفعل ما بوسعه، على الأقل نضمن أنها لن تركض إلى ذلك الحقير"
تنهدت فتطلعت للأعلى تناجي ربها وقالت:
"أدعو ربي ليحدث ذلك من أجلها هي فقط، كل ما أفعل من أجلها"
**
تعالت أنفاسها وراحت تلهث كمن يعدو في سباقٍ، استندت بكف يدها على المائدة، ووضعت الأخرى على صدرها وكأنها تحاول كبح أنفاسها المتسارعة، حاولت التحدث، لكن صعب عليها إدراك الأمر، بعد أن أخبرها مراد أن نتائج التحاليل الخاصة بكرم نجيب ليست متطابقة مع النتائج الموجودة بملف القضية، لقد أنهكها التأرجح بين الحقيقة والكذب، لم تعد تعرف من تصدق ومن تكذب، من القاتل، من البريء ومن المذنب، غلفت الغشاوة عينيها، وشعرت أنها غير قادرة على إبصار من حولها؛ فقالت بصوت متعب:
"مراد، لست على ما يرام"
التقط جسدها لتصبح بين يديه، وقال وهو يتوجه بها للأريكة بغرفة المعيشة:
"اهدئي، سيمر كل شيء"
استلقت على ظهرها، وتحلق الجميع من حولها فسلطت أنظارهم الخائفة عليها، قال مراد وهو يمرر يده على وجنتها:
"ما حدث بالفترة الماضية أجهدكِ من فضلكِ اهدئي"
قالت بانفعالٍ:
" من قتل أختي يا مراد، أخي أم ابن عمي؟"
رق قلب شروق وقالت:
"بنيتي وجهكِ شاحب منذ عدة أيام ويبدو عليكِ الإرهاق، ولا تتناولين الطعام، اهدئي وكل شيء سيمر، سأطلب لكِ الطبيب المعالج لمريم ليأتي ونطمئن عليكِ"
صرخت:
"ليخبرني أحدكم من هو القاتل؟"
مرت الساعات بطيئة، حزينة على الكل بمن فيهم كرم نجيب الذي غادر سراي النيابة بعد أن قرر وكيل النائب العام محاكمته حر طليق، بعد أن جاءت نتائج الطب الشرعي لصالحه، فور خروجه علم بما حدث لوالده وما قامت به رهف فتوجه إلى المشفى ليطمئن على والده وأقسم أن تعاقب رهف على فعلتها الرعناء تلك، أما يسر طلبت من مريم أن تساعدها في الصعود إلى غرفتها لتنال قسطًا من الراحة، أراد مراد ترك لها مساحة من الحرية، خاصة بعد أن لاحظ شحوب وجهها، بينما ذهبت شروق تحضر الحساء من أجلها، خرجت مريم خلسة إلى الشرفة وقامت بالاتصال بكرم خال يسر وأخبرته أن يسر علمت بما نشرته الصحف وأنها لم تتحمل وساءت حالتها قليلًا، شكرها على اهتمامها بها وطلب منها أن تبقى جانبها وتهتم بها إلى أن يأتي لزيارتها بعد أن يرتب أموره، وبعد أن أنهت المكالمة عادت إلى الغرفة ثم جلست بجانبها وبثت لها الطمأنينة وبعض الراحة من خلال الكلمات المحفزة لها، دلفت شروق إلى الغرفة بعد أن طرقت على الباب طرقات خافتة، قالت وهي تقترب من الفراش وتحمل صحن الحساء بين يديها:
"آن الأوان، لتستريح زوجة ابني ونهتم بها، بعد أن اهتمت بالجميع بالفترة الماضية"
ابتسمت يسر بامتنانٍ فبرغم كل شيء، يسعدها تقبل وتجاوب شروق لها، ما زاد ابتسامها هو تهكمها على تفكيرها الطفولي ووضعها المشوش، تارة تقرر اجبار مراد بجفائها على البعد عنها، وتارة تلجأ له عندما تصاب بالدوار، والآن تسعد لاهتمام والدته لها، قالت وهي تعتدل بجلستها:
"من دواعي سروري اهتمامكِ بي، لكني بخير لم يكن هناك داعِ لذلك"
قالت وهي تمد يدها بالحساء:
" هذا الحساء مفيد، الخضروات ستمد جسدك بالطاقة والفيتامينات، وسيحسن من حالة معدتكِ"
قالت مريم:
"يبدو أن معدتها تتأثر بحالتها النفسية"
ابتسمت شروق والسعادة تغلف صفحة وجهها، وقالت وهي تقرأ ردة فعل يسر بحنان أم لا مثيل له:
"لا ليس لمعدتها ذنب، حفيدي يعلن عن وجوده"
قالت مريم:
"ماذا؟"
أجفلت يسر، وكاد قلبها يتوقف من هول المفاجأة، حركت رأسها نافية، وقالت وهي تطلع نحو مريم:
"لا،لا مستحيل أن يحدث ذلك"
أجابتها مريم:
"ولمَ، مر وقت كافٍ على زواجكما"
ابتسمت يسر ثم اقتضبت ملامحها مرة أخرى، عاودت الابتسام ثم قالت:
"هل ممكن حدوث شيء كهذا؟"
ثم وضعت يديها فوق وجهها، لتواري ارتباكها خلفهما، وعلى باب الغرفة تراقبها زوج من الأعين بترقبٍ، أعين محب لن يكل أو يمل من عشقه سيظل يبث عشقه لها إلى أن تبادله إياه.


safeia Elgayar غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-04-20, 12:22 AM   #98

safeia Elgayar

? العضوٌ??? » 458058
?  التسِجيلٌ » Nov 2019
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » safeia Elgayar is on a distinguished road
Rewitysmile25 رواية أفيندار الكاتبة صفية الجيار

#أفيندار
الفصل السابع والعشرون
جلس يطالع والدته بلومٍ شديدٍ، يحملها مسؤولية ما جرى منذ سنوات، رمقها بغضبٍ قالت عينيه ما لم يتجرأ لسانه على قوله، قال لها كُرهكِ لحبيبتي وأمها أوصلني إلى هذا الحالة، مؤامراتكِ التي أتقنتِ القيام بها دومًا كانت السبيل ليرقد أبي على فراش المرض لا حول له ولا قوة، الغدر والخبث الكامن بروحكِ جعلني أخسر حب عمري، قسوتكِ وافتقاركِ للحنان والأمومة جعل ابنتك تلتجئ لألد أعدائكِ لتبقى تحت كنفها، الشر المنبعث من عينيكِ سيجعلني أُقدم على خطوة لم ولن أندم عليها من بعد الآن، لم يتحمل الضجيج الذي يعج بداخله؛ فنهض متوجهًا إليها ينفث عن غضبه، قال بصوتٍ خفيضٍ وهو يقف مقابلها:
"أيعجبكِ ما وصلنا إليه الآن؟ زوجكِ يصارع الموت، ابنتكِ اتهم شقيقها بيومِ عقد قرانها بقتل ابنة عمه، وتهرب من عائلتها بعد أن أدلت بشهادتها لتضع شقيقها بمأزقٍ الله وحده يعلم متى وكيف سيخرج منه، ابنكِ أكثر شخص أحبكِ بالحياة، أطاعكِ بالصحيح والخطأ وكأن عصيانكِ بالحالتين حرام، فعل من أجلكِ ما لم يتجرأ على فعله من قبل، خسر بسبب طمعكِ وجشعكِ عائلته وشقيقته وحبيبته، شرفه، وسمعته، والأهم خسر نفسه...."
صرخ وبات فاقدًا للسيطرة على انفعاله، وانسابت العبرات على خديه وهو يقول:
"والأهم خسر نفسه، نعم لقد خسرتني، انظري هل أنا موجود؟ كرم نجيب الدالي رجل الأعمال الشاب، الحنون، المُقدم على الزواج من حب طفولته، المفعم بالحياة والحب، تطلعي بوجهي، هل هذا أنا؟"
مال عليها أكثر بينما تتابعه بصدمةٍ وقال:
"ما يحدث الآن عقاب رب العالمين، لن أسعي لتبرئة نفسي من ذنب اغتصاب ياسمين من بعد الآن، رغم براءتي منه، سأترك الأمور للعدالة الالهية، لن أقم بحمايتك، فعلت من قبل وندمت، لن ألوم رهف، سأهتم فقط بحالة أبي الصحية، وسأنتظر عقابي، وعقابكِ"
كادت تتحدث، لكنه وضع سبابته على شفتيه يحذرها وتابع بكلماتٍ تشي أن قائلها يحتضر:
"لم يعد بيننا مجال للحديث، كلمات كادت تصيبيني بالاختناق وقلتها ليس إلا، لا تكترثي لها"
ابتسم بتهكمٍ، وتابع وهو يوليها ظهره:
"كل تفكيركِ منصب على سمية، ومتى اكترثتِ لنا!"
جذبته من ذراعه وقالت وهي تحدق به تحذره مما قرر القيام به:
"إياكَ أن تضعف، لن يستطيع أحد الايقاع بكَ، أنا بظهركَ، سأقوم بحمايتكَ، وأبيك سينهض من مرضه بكامل عافيته، يكفي أن تتماسك"
صرخ بها:
"أنسيتِ؟ ابنتكِ شهدت ضُدي، رهف هي من ستلف حبل المشنقة حول عنقي، التفكير بهذا الشيء قاتل لا أتحمل أن شقيقتي من تفعل ذلك"
لاحت ابتسامة خبيثة على ثغرها، ولمعت عينيها بمكرٍ كعادتها عندما ترفع راية الانتصار على جثة أعدائها، وكأن ابنها لم يقل لها ما لا تتحمله أم قط، فبنظرها الخروج من تلك المعضلة أهم بكثير من مشاعر ابنها، أو الحالة التي أوصلته إليها، لقد انهارت فور إلقاء القبض عليه، حالها كحال أي أم، لكن فور معرفتها بملابسات فتح ملف القضية من جديد اطمئنت، فهي على ثقة تامة من براءته من التهمة المنسوبة إليه، وتيقنت أن الطب الشرعي سيبرئه؛ لذا لم تُحرك ساكنًا، وكرست اهتمامها بزوجها، وقررت ترك أمر رهف للأيام، ستلقنها درسًا لن تنساه طوال حياتها من شأنه أن تصبح رهف يتيمة ووالديها على قيد الحياة، قلصت المسافة بينهما وقالت:
"اذهب إلى المنزل يا صغيري، رهف كانت ومازالت طفلة من سيأخذ بحديثها"
تطلع بها بعدمِ فهمٍ، لم يدرك مقصدها، لكن خيل له أنها لا تعطي شهادة رهف أهمية ليس إلا، أشاح لها بيده ورحل متوجهًا إلى منزله، ليستجمع رباط جأشه ومن ثم ينفذ أول خطوة في طريق الخلاص.
**
منزل طاهر الدالي
"الغريب بالأمر ردة فعل يسر توقعتها ستشن الحرب علينا بعد اطلاق سراح كرم!"
قالت رهف موجهة حديثها إلى حمزة وزوجة عمها وشقيقها، كان يبدو عليها القلق والتوتر فهي متهمة من قبل البعض بالخيانة، خاصة بعد مواجهتها لوالدتها بالمشفى والتي انتهت بصفعة على وجهها رحلت بعدها بصحبة حمزة، أقسمت بعدها ألا تعود إلى منزلهم إلا بعد أن يتعافى والدها، لقد أيقنت أنها غريبة في منزلها بغيابه، ترددت كثيرًا في اللجوء إلى منزل عمها، لكن دومًا ما تكون سمية سباقة بالخير فبمجرد أن علمت بما جرى معها دعتها إلى البقاء بمنزل عمها إلى أن تتحسن حالة والدها الصحية، قال حمزة مؤكدًا حديثها:
"وأنا توقعتها ستأتي إلى هنا وتعاتبكِ؛ لذا جئت على وجه السرعة فور قراءتي للأخبار"
قال كرم:
"إن كنت أعرف يسر سأقول لكم أنها ليست بحاجة لطب شرعي أو محكمة تتهم أو تُبرأ كرم، لقد نصبت محكمته منذ زمن، واتخذت القرار بشأنه يكفي أن تعلن الحكم وتنفذه، وهذا ليس ببعيد"
طأطأت رهف رأسها بحزنٍ ممزوج بخجلٍ واضح، ها هي تجلس بمنزل الفتاة التي يتهم شقيقها بقتلها، تشاك أمها وخالها المجلس، يشهد زوجها على خجلها مما فعله شقيقها، لاحظت سمية حالتها؛ فقالت:
"صدقوني أتمنى أن يكونَ ما يحدث كابوسًا وسنستفيق منه عما قريب، خاصة من أجلكِ أنتِ يا رهف"
سالت دمعاتها رغمًا عنها فتمزقت قلوبهم من أجلها، قبض حمزة على يده حتى ابيضت مفاصله، وظل يتابعها والحزن يحتل قلبه، بينما عينيه تصرخ وهي ترى سيل دمعاتها؛ فقالت سمية عندما لاحظت حالته:
"كرم تعال لنرى كيف سنواجه المجنونة ابنتي عندما تداهمنا"
فور مغادرتهما للغرفة توجه حمزة إليها وجلس بالقرب منها، مد يده ليمررها على وجنتها بحنوٍ وهو يزيل دمعاتها، وراح يهمس لها بالكلمات المطمئنة ويبث عشقه من خلال لمساته الحنونة مما جعلها تنهار أكثر، وانخرطت في البكاء فضمها إليه وقال بصوتٍ رخيمٍ:
"سلمي أموركِ لرب العالمين"
"لقد استهلكت، أنا على وشك خسارة أبي، أمي لم أكسبها بيومٍ لأخسرها، أخي متهم بقتل ابنة عمي، وأنا.........."
قبل أن تكمل جملتها، أبعدها عنه وقال:
"لم يعد بأيدينا شيء نفعله سوى الانتظار، سننتظر ظهور الحقيقة، الشيء الوحيد الذي أريدكِ أن تعرفيه أن بجانبكِ، لو بيدي لأخذتكِ الآن إلى منزلنا"
تنهدت ثم قالت وهي تكفكف دمعاتها:
"لأطمئن على أبي هذا ما يهمني الآن وبعدها لن أفكر بشيء"
ضمها إليه مرة ثانية وقال:
"لنطمئن عليه، ونجتمع بعدها، لن تبقي هنا مدى الحياة أو أخبركِ شيئًا تعالي ننتظر تحسن حالته بمنزلنا"
ابتعدت عنه وقالت:
" انظر إليّ هل تستغل ضعفي الآن وتتقرب مني، عناق بين الدقيقة والأخرى وأشياء من هذا القبيل!؟"
تصنع الابتسام رغم حزنه على حالها وقال:
"ومن لا يستغل الوضع أمام هذا جمال؟"
عاودت عناقه لكن هذه المرة شددت من قبضة ذراعيها حوله وقالت:
" أنتَ مصالحة القدر لي يا حمزة، وكأن الحياة اعتذرت لي بكَ، أرجوكَ لا تتغير كن كما عرفتكَ أول مرة"
همس لها:
"لن أعدكَ بذلك، سأعمل جاهدًا أن يكبر حبكِ بقلبي كما يكبر الرضيع يومًا بعد يوم"
**
فور سماع مراد لحديث والدته مع زوجته، ورؤيته لنظرات مريم السعيدة والقلق والترقب بأعين يسر عاد أدراجه إلى خارج الغرفة دون أن يلاحظ وجوده أحد، وابتسامة مشرقة تزين صفحة وجهه وصدره يعلو ويهبط كمن يصعد الدرج مهرولًا، لقد صعد مراد درج علاقته بيسر متأنيًا أعجب بها وأخفى الأمر بداخل قلبه حتى لا يخسرها، وقف بجانبها في المحن رغم تخلي الجميع عنها، كان ملاذًا لها، حتى عندما أقدم على هذا الفعل الأهوج ندم، ندم كثيرًا لكنه الآن ليس نادمًا إن كان هذا الخطأ الذي اقترفه سينتج عنه أن يصبح أبًا لطفل يسر والدته لن يندم مطلقًا، بل سيشكر كرم على تلك الصور التي جعلته يفقد أعصابه، آثر الصمت وأخفى مشاعره ليرى ردة أفعالها وليتأكد من الأمر، لكنه سيعكف على راحتها حتى لا يعرضها للخطر، ما تمر به نفسيًا كفيل أن يفقدها جنينها إن كانت تحمل طفله بأحشائها، هذه هي مخاوفه، وعلى مدار يومان ظل يتابعها ويهتم بها كثيرًا، على الرغم من عدم تجاوبها معه كما تفعل مع عائلته، ورفضت التحدث بشأن القضية أو عائلتها، وأثناء ذهابه إلى العمل كان يطلب من مريم متابعتها عن كثبٍ، وأصبحت مريم مرافقة لها بتوصية من مراد وخالها، مما أتاح لعلاقة مريم وكرم الفرصة أن تتوطد أكثر،وبدأت الأمور تتطرق إلى حالتها النفسية أثناء حديثهما عن يسر.
منذ طلبها منه النوم بجانبها ومعانقتها بتلك الليلة وهو يستغل ضعفها ويصر على مشاركتها السرير، وحتى لا تتجادل معه أصبحت تسمح له بذلك دون أن تنبس ببنت شفة، هذا ما تبرر به موافقتها لنفسها، لكن الحقيقة مغايرة تمامًا، حقيقة لا تود الاعتراف بها، لم تعد تطمئن إلا بوجوده، شعرت به يتحرك على السرير بصورة متتالية، كان يلفت نظرها لوجوده وأنه ما زال مستيقظًا، بداخله الكثير يود التحدث به ولم يستطع؛ بداخله كلمات يود قولها وأرقت مضجعه، لم تبادر بالحديث لذا قرر محادثتها، قال وهو ينظر لسقف الغرفة:
"يسر هل ما زلتِ مستيقظة؟"
أجابت:
"لا"
ابتسم لعفويتها وتابع:
"وكيف تجيبين وأنتِ نائمة"
"هذا أمر طبيعي بعائلتنا، نتحدث ونحن نيام، حنى أننا نغادر الغرفة عندما يوقظنا أحد ليتحدث معنا الثالثة فجرًا"
اتسعت ابتسامته، وصلته رسالتها إنها تقوم بتهديده بترك الغرفة إن لم يصمت، قال وهو ينظر لها بحبٍ:
"لا ينتابني النعاس ماذا أفعل؟"
"انهض وتوجه إلى الحديقة، أو اقرأ كتابًا، أو تصفح بريدكَ الالكتروني، شاهد التلفاز، افعل أي شيء سوى التحدث معي"
أولاها ظهره وقال قاصدًا كل حرف نطق به:
"ومن قال أنني أريد كل هذا؟ لو أردت لفعلت دون أن أسألكِ مستيقظة أم لا، كنت أريد شيئًا آخر، لكن أخبركِ شيئًا، أنا الآن أريد اللعب مع ليان وحدهم الأطفال قادرين على تخفيف آلامنا، واكتشافنا لجمال الحياة"
ابتسمتٍ بسعادةٍ ثم دون أن تشعر توجهت يدها إلى موضع وجود جنينها وراحت تمررها بلطفٍ وهي تهمس:
"كن بخير، لن يخفف آلامي سواك"
وفي صباح اليوم التالي وبعد مغادرة مراد للعمل، وتأكد يسر من انشغال مريم بصغيرتها وتوجه شروق لمتابعة إنهاء الطعام تسللت إلى الخارج على وجه السرعة، وهي تدعو ربها ألا يلاحظ غيابها أحد وبعد نصف ساعة عادت إلى المنزل وهي تتلفت من حولها وتقبض على شيءٍ ما بين يديها، حالتها تثير الشكوك العبرات تغشي عينيها، وجهها يتضرج بالحمرة، تبتسم ببلاهةٍ، إن حدثها أحدهم ستبكي لا محالة، توجهت مسرعة إلى غرفتها ثم قامت بالكشف عن كنزها الثمين الذي ذهبت لتبتاعه من أقرب صيدلية، جهاز كاشف للحمل منزلي، قامت بالخطوات المدونة عليه وانتظرت للحظاتٍ ظهور النتيجة، لحظات كالسنوات، لحظات تذكرت بها حديث مراد ليلًا، عناقه واحتواءه لها بعد أن توهمه أنها غفيت، كل ليلة تمارس حيلتها عليه تتظاهر بالنوم فيعانقها إلى أن يغلبه النوم، تذكرت عائلتها أشقائها أمها وأبيها، تذكرت ليان، وتمنت أن يصبح لديها طفلة صغيرة مثلها، وفجأة بدأت خطوط السعادة والأمل ترتسم، سقطت العبرات من عينيها، كما سقط الجهاز من بين يديها، فتبعتهما وسقطت أرضًا تبكي، تبكي سعادة، تبكي احتياج، تبكي خوف مما هو قادم، تبكي لأنها لن تستطع الذهاب إليه ومعانقته والقول له"أنظر ها أنا أحمل بأحشائي قطعة منكَ"
وبعد مرور وقت استعادت نفسها وقررت أن تتماسك، أن تحافظ على هدية رب العالمين لها، والأهم من ذلك، قررت ألا تخبر أحد بسرها الكبير ستخفيه عن الجميع ستستمر في حالة اللامبالاة التي تلبستها منذ أيام، ستنتظر بترقبٍ نتيجة المحاكمة وعلى أساسها ستتخذ قراراتها الحاسمة.
وصل مراد إلى المنزل قبل ميعاده بوقتٍ فسألته والدته:
"لما جئت باكرًا يا بُني؟"
ابتسم لها وقال وهو ينحني ليحمل الصغيرة:
"أنهيت أعمالي سريعًا وعدت لأقضي الوقت مع أربعة من أجمل نساء الأرض"
قالت مريم بخبثٍ عندما لاحظت هبوط يسر للدرج:
"ليس من العدل أن نكون رجل وأربعة نساء، أنتَ مظلوم بيننا يا عزيزي"
سايرها في الحديث بعد أن أدرك المغزى من حديثها وقال:
"وماذا أفعل هل أدعو أحد موظفي الشركة ليعيش بمنزلنا؟"
تابعت والدتهما ما يفعلان، ونظراته السعيدة لابنة أخته، بينما قالت مريم لتزيد معيار الضغط على يسر:
"لسنا بحاجته يا شقيقي، ستقوم يسر بهذه المهمة عما قريب إن شاء الله"
تعرقلت يسر وكادت أن تسقط من أعلى الدرج حين تزامنت كلمات مريم مع نظرات مراد العاشقة لها، عندما طالعها مبتسمًا، لمعت عينيه بوميض الحب، الكلمات التي ارتسمت حروفها بنظراته قالت لها الكثير؛ فارتبكت وكادت أن تسقط لكنها تمسكت بدرابزين السلم، فركض إليها كالبرق وفور وصوله إليها وضع يده على وجنتها والأخرى على بطنها، نظر لها والخوف يتقافز من عينيه، قال بنبرةٍ مرتجفةٍ تنم عن مدى فزعه:
"يسر هل أنتِ بخير، هل يؤلمكِ شيء؟"
خفضت أنظارها لتحملق بيده التي ترتكز على أسفل معدتها تحديدًا، ثم عاودت النظر إلى عينيه تعجبت من حالته والخوف بنظراته وأفعاله، خُيل لها أنه يعلم بأم حملها، ارتدت خطوتين إلى الخلف وقالت:
"مراد ما بكَ أنا بخير، كدت أسقط لكن لم يحدث شيء لمَ كل هذا الخوف!"
رفع يديه إلى الأعلى وقال وقد شعر بالخجل ولام نفسه على تهوره:
"أعتذر منكِ خشيت أن يحدث لكِ مكروه"
لم يستطع اخفاء ارتباكه وخوفه عنها، ليس من الطبيعي المبالغة هكذا خاصة بعد وضع يده بهذا المكان تحديدًا، من يراهما يعتقد أنه يعلم بحملها وقد قلق عليها، فأولاها ظهره، وقالت وهي تتبعه إلى الأسفل:
"لم يحدث شيء، بالمناسبة سأذهب الآن لزيارة عائلتي، عيب بحق رهف لم أطمئن عليها"
توقف وهو يفكر لبرهةٍ ثم قال:
"تتجاهلين الجميع منذ أيام هل تذكرتِ أمر رهف الآن، أم أن هناك شيء تودين القيام به في الخفاء؟"
انزعجت من تلميحاته، وفهمت ما يقصد فقالت بعد أن تخطته:
"تعلم ليس لدي ما أخفيه، أنا بحاجة لوقتٍ مقتطع، سأذهب لأطمئن عليها، أخبرني خالي أن حالتها النفسية سيئة بعد هجوم والدتها عليها"
"علمت من حمزة أنه تجاوز مرحلة الخطر ويمكث بغرفة عادية بالمشفى أيام وسيغادرها إن شاء الله عما قريب"
وضع يدها على كتفها وقال وصوته يتخلله نبرة رجاء:
"يسر أنا قلق جدًا حيالكِ، ويحزنني تجاهلكِ لي، إلى متى سيستمر هذا الوضع؟"
دارت بعينها بالمكان لتلاحظ نظرات والدته المتابعة لهما بصمتٍ؛ فقالت:
"وأنا أتعجب من تقربكَ مني طوال الوقت، والدتكَ تنظر لنا"
اقترب منها؛ لفحت أنفاسه الدافئة وجهها وأربكتها وقال:
"لا يهمني وجود أحد، أنتِ زوجتي، ليرى من يرى، المهم أن أطمئن عليكِ"
"أنا بخير يكفي أن تمر هذه الأيام على خير"
عانقتها نظراته، بث حبه وحنانه من خلال نبرة صوته، بات يشعر أن علاقتهما تتخذ منحنى آخر، صورتهما الخارجية تبدو كزوجٍ وزوجة يحملان لبعضهما البعض الكثير من الحب، قال:
"تناولتِ طعامكِ؟"
"نعم"
"حسنًا سأقوم بتوصيلكِ إل منزلكِ"
توترت فأثارت بنفسه الريبة وقالت وهي تهرب بنظراتها بعيدًا عنه:
"لا جئت لتوكَ، سأذهب بمفردي"
"قلت سأذهب معكِ"
**
زفرت بضيقٍ فور وصولهما إلى منزل والدها، وقالت وهي تتطلع به غاضبة جدًا من قيادته للسيارة على مهلٍ لقد استغرقا ضعف وقت وصولهما الطبيعي:
"حمدًا لله أننا وصلنا، تخيلت أننا سنصل غدًا"
ابتسم لها وقال:
"مزاجكِ متقلب جدًا هذه الفترة، منذ قليل كنتِ منسجمة مع أشعار عمرو حسن كنتِ ترددين الكلمات معه، والآن منزعجة من طول الطريق!"
" مراد استغرقنا ساعتين لنصل"
"تعلمين أفضل القيادة على مهلٍ"
تطلعت به بغيظٍ وقالت وهي تغادر السيارة:
"بل تفعل كل شيء على مهلٍ"


safeia Elgayar غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-04-20, 12:01 AM   #99

safeia Elgayar

? العضوٌ??? » 458058
?  التسِجيلٌ » Nov 2019
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » safeia Elgayar is on a distinguished road
Rewitysmile25 رواية أفيندار الكاتبة صفية الجيار

أفيندار
الفصل الثامن والعشرون
امتدت جلستهم لبعض الوقت وهم يتبادلون الحديث حول الأعمال وكيف تسير تجهيزات زفاف رهف وحمزة بعد أن قرر نجيب عدم تأجيله رغم الظروف، وطلب من رهف أن تبقى بمنزل عمها إلى أن يغادر المشفى، وأصبحت تذهب لزيارته يوميًا وتحاول جاهدة أن تبتعد عن مواجهة كرم، لاحظ الجميع أن نظرة يسر العدائية تجاههم تحولت، لقد خُيل لمنار أن وقت الحساب قد حان وجاءت يسر تكيل لهم الاتهامات وتعاتبهم على ما اقترفوه بحق ابن عمها لكن الحقيقة مغايرة تمامًا، جلست بهدوءٍ ولم تستطع اخفاء البريق المفعم بالسعادة الذي يغلف نظراتها، أحيانًا تبتسم وتدارك الأمر عندما يلاحظها أحد، لقد تحولت تمامًا أصبحت هادئة الطباع تركيزها منصب حول والدتها ورهف، تختلس النظرات بين الفينة والأخرى لتتابع زوجها وهو يتحدث، لم يتطرق الحديث إلى القضية أو أي من تلك الأمور، حفاظًا على مزاجها الجيد، راقبها مراد طوال الجلسة، ووارى ضحكته خلف يديه لأكثر من مرة عندما تتساءل سمية أو كرم بنظراتهما عن التحول الملحوظ بمزاج يسر، ذهبت يسر وجاءت أخرى، لم يكن بوسعه إخبارهما سبب هذا التغيير لكنه أومأ لهما لأكثر من مرة ليطمأنا، لم يتأكد بعد لكن حدسه يخبره قطعة من روحه بداخلها الآن، وأثناء انشغالهم بالحديث استأذنت يسر أن تختلي برهف في غرفتها لتتبادل الحديث معها؛ تهللت أسارير الأخيرة، منذ مجيء يسر وهي تلاحظ نظراتها وارتباكها، تعرفها جيدًا وتعرف أن لديها ما تريد قوله أو تسأل عنه، هذه عادتها تُخفي حزنها جيدًا لكن فرحها يصعب عليها أن تخفيه، إن لم تتحدث عنه نظراتها ستفعل، جلست على السرير وأشارت لها بيدها دون أن تتحدث لتجلس، تبادلتا النظرات لبعض الوقت، عاتبتها يسر على الكثير واعتذرت رهف دون أن تنطق، وأخيرًا قطعت يسر حالة الصمت وقالت:
"رهف أود أن أسألكِ كيف تعاقب الأم صغيرها؟"
عقدت رهف ما بين حاجبيها وحركت رأسها تسألها دون أن تنطق، فتابعت يسر:
"أجيبي يا رهف كيف تعاقب الأم ابنها إن أخطأ؟"
هزت كتفيها بلا مبالاة، وقالت:
"إن تحدثنا عن ماما سمية ستخاصمه لدقائق أو بضع ساعات، أو تتحدث معه عن خطأه حتى تثنيه عن فعله ثم تقبل رأسه وتعانقه وكأنها تعتذر عن عقابها له، أما إن تحدثنا عن منار ستعاقبه بشتى الطرق، رصيدها في طرق العقاب لا تنتهي، ستبرحه ضربًا أو تنهره بشدة لدرجة الدماء ستهرب من جسده على إثر هلعه من نظراتها، إن كان جرمه كبيرًا، مثلا طلب منها الطعام أثناء تحدثها لصديقتها، أو كسره للكوب من خوفه منها، ستقوم بقفل باب الغرفة المظلمة عليه، ويظل يصرخ إلى أن يحين موعد عودة والده من العمل ستذهب إليه تترك له أثار صفعة مؤلمة على وجنته وتخبره ألا يغادر غرفته إلا بالصباح، وسيقضي ليلته ينتحب بصمتٍ، ولن يسلم الأمر بكل مرة، مؤكد ستترك علامة لعينة بجسده كذكرى للأمومة التي لم تمارسها بيومٍ، كهذه"
ختمت حديثها وهي تمد يدها بوجه يسر لتظهر تلك الندبة التي شوهت كف يدها، انهالت دمعاتها لتهبط على شفتيها المرتجفة، بتلك اللحظة تحديدًا صًكت رهف بصك اليتم رغم وجود والديها على قيد الحياة، لم تتفوه بتلك الكلمات لتترجي عطف يسر أو مسامحتها لها، وإنما ما تفهمه عن الأمومة متمثل بقسوة منار وحنان سمية، ولأن حنان سمية ممتد بقلب يسر، التقطت يد رهف وانحنت عليها لتنهال عليها بوابلٍ من القبلات على موضع الندبة فاستقرت دمعاتها على الندبة وكأنها تود محو آلامها التي لا تنتهي منذ سنوات، قالت ووجها منكب على يد رهف:
"لا أستطيع الغضب منكِ أو عليكِ، أنتِ طفلتي الصغيرة مارست عليكِ الأمومة قبل أن أمارسها على ابني ألا يكفيكِ ذلك"
مالت رهف بجزعها عليها فاستندت برأسها على رأس يسر، وقالت وقد انفرطت في البكاء لتختنق بشهقاتها:
"لا تعاقبي طفلتكِ يا يسر، عاقبها الزمان بشتى الطرق، ألا يكفيكِ ما تفعله بها الحياة، ألا يكفيكِ أنها تعيش لاجئة لا أب لا أم لا أخ، اطمئني يا ابنة عمي لقد ثأر لكِ القدر منا"
لقد تماسكت بقدر المستطاع الفترة الماضية ليس لقوة شخصيتها، رهف أضعف من أن تواجه أو تُدلي بإفادة من شأنها أن تدمر شقيقها وما خفي كان أعظم، ولكن لأنها تعلم جيدًا إن استسلمت لأحزانها لن تنهض إلا عندما تمد يسر يدها لها، خاصة في غياب والدها، ويسر لم يبدو عليها أي مظهر من مظاهر المسامحة لها، بكت وأطلقت العنان لدمعاتها حررت أحزانها وأفكارها التي تعصف بروحها، شعرت يسر بضعفها، ندمت رغم أنها تستحق العقاب لكنها ندمت أنها تركتها وحيدة بوقتٍ كهذا، جذبتها لتستقر بين أحضانها وراحت تمرر يدها بحنانِ أمٍ على ظهرها، وقالت قاصدة معاتبتها وتعنيفها، واحتواءها، بذات الوقت:
"يا غبية، أين عقلكِ؟ ذهبتِ إليه وأخبرتِه بحديثنا، حتى أنكِ تمنيتِ أن تعود علاقتنا، أخفيتِ عني عودته إلى البلاد، وعندما علمتِ أنه حاول إيذائي استنكرتِ فعلته، كنتِ تعلمين أنه قتل ياسمين وأخفيتِ الأمر لكنكِ جئتِ إلى ماما واعترفتِ لها، وعندما أبلغت عنه وذكرت أمر شهادتكِ غضبتِ لكنكِ ذهبتِ وأدليتِ بشهادتكِ، بأي تخبط تتعاملين، لما تمرين بتلك التناقدات، أين عقلكِ؟!"
قالت بنحيب وقد ارتفعت نبرة صوتها قليلًا:
"ما قاله قبل سنوات رفض عقلي تصديقه كثيرًا، وضعت الكثير من التكهنات أهمها أن أخي ليس قاتلًا، جزء بي رفض التصديق لكن ضميري حتم عليّ أن أخبر ماما سمية بالأمر، وعندما مرت السنوات ولم تقدمه للعدالة توقعت أنها لم تقتنع بما قلت، فتعايشت على أن لهذه الجملة معنى آخر، وعندما عاد رأيت تدهور حالته، لقد كان نادمًا بشدة، يشتاق إليكِ، يقسم أنه سيخلصكِ ويعوضكِ عما مضى، توقعت أن الأفضل لكما أن تعودا لكن فور معرفتي بما فعل أيقنت أنه لم يتغير، وكان قد فات الأوان وأخبرته بما تحدثنا به فصمت، واستسلمت لقدري، أما شهادتي لم أتجرأ على الإدلاء بها من قبل لكن فعلت الآن حتى أتخلص من هذا العبء الذي يجثم على روحي، حتى ينال كل منا ما يستحقه، السؤال هنا إن كان كرم لم يغتصب ياسمين من فعل ذلك؟"
ابتعدت عنها وتطلعت بها بذهولٍ وتابعت الحديث:
"السؤال الأهم الآن لما تبدل حالكِ هكذا! كنتِ تصرخين وتجولين هنا وهناك وتلقين الاتهامات علينا، وتقسمين على براءته، كيف تبدل حالكِ، كيف أثُلج على صدركِ هكذا؟"
كفكفت يسر دمعاتها وقالت بعد أن تنهدت براحة:
" أنا لم أقسم على براءته، لم يكن كرم بيومٍ ما بريء بعيني فور رحيله مات كرم نجيب بقلبي، على العكس أنا أثق تمامًا قضية أخوتي لن تنتهي النهاية التي نتخيلها جميعًا، أكاد أُجزم هناك أمور بالخفاء وستظهر، أنا خسرت كثيرًا، خسرت لدرجة تمزق قلبي إلى أشلاء، وأحاول الآن تجميع شتات روحي، لذا قررت ترك الحزن والصدمة إلى أن تنتهي القضية"
هدرت رهف بنفاذِ صبرٍ:
"وكيف استطعتِ فعل هذا من عاونكِ؟"
ترددت كثيرًا فيما ستقُدم عليه، لكنها لم تعد تتحمل لابد وأن تتشارك بهذا السر مع أحد، قلبها لا يستطيع تحمل تأثير ما يحدث بمفردها، هي بالأساس جاءت لتخبرها ولم تعد تتحمل السكوت أكثر زفرت براحةٍ، ثم ابتسمت، مدت يدها بتوجسٍ لتمسك بيد رهف وتحركت بها نحو بطنها لتضعها فوقها وقالت، بعد أن هبطت دمعاتها بسعادة لتمتزج مع بسمتها:
"هذا"
اتسعت حدقتا عينا رهف، فشهقت ووضعت يدها الأخرى على شفتيها وقالت:
"يسر أنتِ حامل"
انتفضت الأخيرة، وقالت وهي تضع يدها على فهما لتسكتها:
"اخفضي صوتكِ، لم أخبر أحد بالأمر بعد"
استمر حديثهما لنصف ساعة أخرى، وصفت بها يسر مشاعرها تجاه معرفتها بحملها، وما تكنه بقلبها لمراد، وما تنوي فعله، والأهم من ذلك صارحتها أنها سامحتها لكن بشرطِ أن تتماسك بعد أن تظهر نتائج التحقيقات، وأنها لابد وأن تتوقع الأسوأ، لأن الأسوأ قادم لا محالة، أكدت عليها أن تفعل ما بوسعها ليتم زفافها بأوانه، مما جعل رهف تتوجس خيفة وكأن يسر لديها ما تخفيه بشأن هوية القاتل، سألتها كثيرًا عما تضمره بصدرها لكنها أقسمت أنها لا تعرف أكثر منهم، وأن ما يهمها الآن أن كرم ليس مغتصب ياسمين، وأنهما لم يقوما بخيانتها، يكفي ألا يكون ابن عمها مغتصب شقيقتها، أو أقام علاقة معها.
**
مرت عدة أيام أخرى على هذا اللقاء غادر نجيب المشفى، استمرت يسر بإخفاء حملها عن الجميع، هذا ما تعتقده بالحقيقة شروق وابنتها لم يخفي عليهما حالة الإعياء الشديدة التي تمر بها، وقد رجحا أنها أعراض طبيعية لبداية الحمل، أما مراد كان يتابعها بترقبٍ، لم تذهب إلى الطبيب أو تقوم بعمل الاختبار لتتأكد، فانتابه الشك أنها مجهدة مما تمر به من أحداثٍ، خاصة بعد تبدل أحوالها بين اللحظة والأخرى، تارة يستيقظ ليفاجئ بها تضع يدها على صدره ولا تغضب عندما تستيقظ وتجد نفسها بين أحضانه، وتارة أخرى تهدم المنزل فوق رأسه إن ابتسم لها، ترك كرم نجيب المنزل فور عودة والده ولم يستطع أحد الوصول إليه، إلا بعد أن فجرت منار قنبلتها المدمرة عندما استطاع المحامي اثبات عدم أهلية رهف لإبداء الشهادة وبطلان ما شهدت به ضد شقيقها، بعد تقديمه مستندات تثبت مكوثها لأشهر بمصحة للأمراض النفسية و تلقيها العلاج النفسي منذ سنوات، خُيل لمنار أنها هكذا أنقذت ابنها من حبل المشنقة، ولم تعلم أنها هكذا قتلت آخر أمل بداخله أن يكونَ إنسانًا.
انهارت رهف، لم تتحمل أن تصبح بنظر الجميع والقضاء غير مؤهلة عقليًا لإبداء رأيها وشهادتها، بكت، صرخت، كرهت دماء الدالي التي تسري بجسدها، أكثر ما ألمها هو أن من فعل بها هذا شقيقها، لم يتركها حمزة وكذلك يسر أما سمية شعرت بالذنب من أجلها هي من وضعتها بموضع كهذا؛ لذا قرت ألا تنبش أكثر خلف الحقيقة، واقتنعت أن منار هي الرابحة هذه المرة أيضًا.
منزل طاهر الدالي
جلست شاردة بالشرفة تبكي وترثي حالها، أثناء قيام سمية بإعداد الطعام، ووجود كرم بالعمل، سمعت جرس الباب يدق فتوجهت بوهنٍ لتفتحه، فوجئت بشقيقها يقف مطأطأ الرأس وكأنه لا يقوى على رفع عينيه بها، قالت:
"أنتَ ماذا تفعل هنا، هل جئت لتخبر سكان البناية بجنوني كما فعلت بالمحكمة؟"
رفع وجهه، لتُصدم من هيئته، ذقنه مهملة، وعينيه متورمتان، مكتسيتان باللون الأحمر وكأنه يبكي منذ أسابيع، وجهه شاحب جسده، هزيل يبدو أثناء بكاءه بهذه الأسابيع لم يتناول الطعام، قال ليزيد من صدمتها:
"بل جئت أرد إليكِ كرامتكِ"
قالت:
"ما بكَ لما حالتكَ هكذا؟"
دارت عينيه بالمنزل يبحث عن معذبة قلبه، فلم يجد أحد فقال:
"هل يرافقكِ أحد؟"
تنهدتِ بحزن وقالت:
"نعم ماما سمية بالداخل، قل لي ما بكَ ولما جئت؟"
"هل علمتِ بقرار المحكمة؟"
قالت بعتابٍ بالغ:
"نعم، أصبحت غير مؤهلة، مجنونة بفضلكِ"
دفعها قليلًا إلى الداخل وقال:
"لم أفعل شيء، إنها أفعال منار"
ابتسمت بتهكمٍ:
"منار!، ألم تغضب عندما لا أناديها بماما؟"
"رهف جئت أخبركِ، أنني لم أفعل هذا الأمر إنها تدابير أمي"
"لاأصدقكَ"
"هذه مشكلتكِ، أقسم لكِ بحياة يسر لم أفعل"
صرخت به فجاءت سمية على صوت صراخها، ووقفت تتابعهما بصدمةٍ من حالة كرم، لقد كان يستند على الحائط وكأن قدمه لم تعد تحمله، قالت رهف وهي تسدد له اللكمات بصدرهِ:
" اخرس إياك أن تُقسم بها، إياك أن تلفظ اسمها من بين شفتيكَ"
أومأ بحزنٍ، وقال:
"حسنًا لن أقسم بحياتها، سأقسم بحياتكِ أنتِ، أنا برئ من هذا الذنب، يكفي أن تصدقيني"
تطلعت به بدت كأنها تقرأه، نظراتها الثاقبة أربكته، قبضت بأسنانها على شفتيها حتى سالت دمائها، تعلم كلماتها ستكون خنجرًا ستصوبه على قلبه لكن انغرز بقلبها أولًا، قالت وهي تنظر له بترقبٍ:
"وذنب ياسمين هل أنتَ بريء منه؟"
طأطأ رأسه، وراح يلهث، باتت الأحداث تجثم على روحه لابد وأن يتخلص من الاتهامات التي توجه له دومًا، ذنبه الوحيد أنه أحب، أحب الجميع والدته وزوجته، تمزق نياطه حزنًا، أكثر من أحبهما بالحياة وفعل من أجلهما ما لم يتخيل أن يفعل يومًا تخلتا عنه، رفع وجهه لينساب سيل دمعاته وقال:
"إجابة هذه السؤال لدى منار، تتهمين الشخص الخطأ يا صغيرتي"
اندفعت سمية كالإعصار الذي ضرب المدينة وسيقلب الأمور رأسًا على عقب، وقالت:
"هذا ليس سؤال، إنه اتهام صريح دماء أبنائي برقبتكَ وأنتَ والحرباء منار؛ لذا لا تأتي تدافع عن ذنب صغير كذنب جعل شقيقتك مجنونة لا يُعترف بشهادتها، من إي فصيلة من البشر أنتما!
حدق بها نيران الكره والغل بعينيه، جعلتها لأول مرة تخشاه، لأول مرة تراه منهزمًا هكذا، الإنكسار بعينيه أربكها، وما قاله جعله تتوجس خفية منه:
"نعم أنا مذنب وأمي كذلك، لكن أول الذنوب كانت من نصيبكِ أنتِ لا تنسي هذا مطلقًا، أنتِ السبب فيما عليه أمي الآن، أنانيتكِ خلقت منها حاقدة، أنا سأنهي هذه الحرب سأخبر يسر بالحقيقة كاملة، سأخبرها بما حدث منذ سبعة وعشرون عامًا وما حدث منذ ما يقارب الأربعة سنوات، لن أحترق بمفردي سأحول حياتكم إلى مقبرة موتاها قد وضعوا أعينهم على ما لا يستحقون"
حدقت به سمية بصدمةٍ بينما جذبته رهف من ذراعه، فأبعد يدها وقال وهو يغادر:
"ابتعدي إن كنت مذنب بنظرها لتعلم من أوصل أمي لما هي عليه الآن، لأتخلص من الهموم التي تخنقني وليحدث ما يحدث"
صرخت به:
"مستحيل أن تذهب، إياك أن تخبرها بشيءٍ"
التفتت إلى سمية تستنجد بها وقالت:
"ماما سمية عن ماذا يتحدث؟"
أجابتها:
"اتركيه ليس لدي ما أخفيه"
ابتسم بتهكمٍ وقال وهو يغادر:
"عرق الدالي الأصيل، لا يعترف بذنبه مطلقًا"
أيقنت رهف أنها لن تستطيع إيقافه فصرخت به:
"لا يمكنك أن تخبرها بشيء اتركها لا تسرق منها سعادتها"
حدق بها غير مدركًا لما تقصد، وقال والمرارة تغلف كلماته:
"وهل السعادة تعرف طريقها كي أسرقها منها، اتركيني يا رهف لأتخلص من هذا الحمل"
تابعت صراخها:
"بلا تعرفها قدمها لها مراد على طبق من ذهب، إنها تحمل جنينه بأحشائها لم يعد لكَ مكان بحياتها، اتركها وشأنها، لا تجعلها تحزن، هي تركت الأمر وأقسمت ألا تسعى لكشف الحقيقة، تقبلت الأمر وقالت يكفي ألا يكونَ مغتصبًا لياسمين"
شهقت سمية وقالت بتوترٍ بالغٍ:
" هل يس حامل"
قالت رهف:
"نعم وإن أخبرها كرم بالحقيقة ستسوء حالتها، هي تخلت عن الانتقام لا تفكر سوى بصغيرها، أنا راضية أن أكون مجنونة لكن أتوسل إليكما أتركوها وشأنها، تنازلي يا ماما عن شكواكِ، وأنتَ يا كم هيا غادر البلاد وكأنك لم تعد من غربتكَ"
وبينما تتبادل سمية ورهف الحديث كان كرم يتابعهما مصدومًا، عزائه الوحيد كان أن يسر مازالت له، لم تسلم قلبها إلى مراد، والآن يكتشف أن قلبها وجسدها ملكًا له، صرخ:
"لا يمكن ليسر أن تفعل بي هذا"
أطلق العنان لقدميه، وركض قبل أن تستطيع رهف منعه من الذهاب، ركض ينهي هذه المهزلة، هذه الأرض لن تحمله هو ومراد لن يجتمعا عليها، لابد وأن يغادرها أحدهما، لابد وأن يسترد عشق طفولته.
**
وبعد مرور بضع ساعات، كان يقف شارد الذهن، يحدق بالسماء الشاسعة من أمامه، شلال دموعه لا يتوقف نبضات قلبه تهتف باسمها، يقبض على يده بشده، يكبت غضبه كي لا يصرخ، وإن صرخ ستحرق صرخاته الأرض، خفض نظره ليرى القاهرة تحت قدميه، صغيرة الدنيا عندما ننظر لها من الأعلى، لا تستحق الحياة عندما ننظر لها بنهايتها، لا تساوي شيء عندما نخسر من نحب، أطلق زفرة كفيلة أن تحرق روحه وهمس:
"لا يمكن أن تسلمه قلبها، لا تفعل بي هذا"
جاءه صوتها من الخلف فقالت:
"بلا فعلت وأكثر من ذلك"


safeia Elgayar غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-04-20, 08:18 PM   #100

safeia Elgayar

? العضوٌ??? » 458058
?  التسِجيلٌ » Nov 2019
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » safeia Elgayar is on a distinguished road
Rewitysmile25 رواية أفيندار الكاتبة صفية الجيار

#أفيندار
الفصل التاسع والعشرون
وجودنا من حولهم يطمئنهم، حديثنا المستمر عنهم ومعهم يخبرهم أننا نسير في مدارهم، تمسكنا بهم يجعلهم لا يلتفتون لأوجاعنا، لكن باللحظة التي يشعرون بها بالخطر وأننا راحلون، وسنطبق عليهم ما تعلمناه منهم، أي سنتخلى، سيدركون أننا لسنا خالدون بحكاياتهم إن انتهت حكاية ستبدأ الأخرى، سيحاولون التمسك بنا لكن هيهات من اتخذ قرار الرحيل، لن يوقفه الندم.
غادر كرم منزل عمه فور معرفته بحمل يسر، بل غادرت روحه جسده، هربت الدماء من عروقه، عندما تفوهت رهف بها الخبر التعيس بالنسبة له، كم تمنى أن يحمل بين يديه طفليهما، الشيء الوحيد الذي جعله يبقى بخارج البلاد على مدار سنوات هو تأكده أن قلبها معه، صُك باسمه، لن تسلمه لغيره، شعر أنها تُسرق من بين يديه عندما علم بزواجها من مراد فقرر العودة ليستردها، لم يجول بخاطره أنه فقدها عندما قدم لها مراد ما فشل به، وفي حربه مع مراد وسمية استمر في التخبط لعله يستردها لكن للقدر رأي آخر، قال القدر كلمته عندما طلبت من مراد أن يعانقها بينما يقضي كرم ليلته بالحبس، ظل بسيارته لبعض الوقت يبكيها، يبكي عشقه وابنه عمه بل بالحقيقة يبكي حاله، من أجل من فعل بنفسه هذا؟ سالت دموعه صرخ، فكر وهداه تفكيره لأول مرة للصواب لطريق النهاية، لكن قبل ذلك عليه أن يضع النقاط فوق الحروف، عليه أن يهدي يسر هدية لن تنساها، سيهدي رهف هدية لابد وأن تنساها، وبعد انتهاء ما قرر القيام به، أرسل لها رسالة على هاتفها يخبرها أنه يود لقائها وأنه سيكون الختام بعدها لن يكون هناك سرًا بحياتهم، سيزيل من على عاتق الجميع هذه الهموم، لم تهدر الفرصة رغم معرفتها بخطورة ما تُقدم عليه، يسر أحبته، أحبته لدرجة تستطيع تمييز عندما يكون كرم هو كرم ذاته، وعندما تتلبسه قسوة وحقد منار، لذا ذهبت دون تردد، دون أن تخبر أحد.
**
التفت بجسده مشدوهًا، حدق بها كأنه يراها لأول مرة منذ سنوات، كان مغيبًا، والآن أبصرها أبصر يسر ضحيته، ألقت عليه سهام العتاب، فبادلها بسهام العشق فلم تصيبها لقد تحصنت بعشق مراد، سالت دمعة منه فرافقتها أخرى منها، لأول مرة تشعر يسر أنه كرم نجيب الدالي كرمها هي وهذا الذي كان يلوح بالأفق بالفترة الماضية ليس إلا مسخًا سلطته عليهم منار، حزن الكون من أجلهما، فغابت الشمس وخفشت السماء، واصطدمت قطراتها بوجهيهما، مما آثار توترهما لوهلةٍ، صنعت الطبيعة لوحة رمادية أبطالها عشاق، قتلهما الحقد، وسالت دمائهما على قمم الجبل، ومراسم توديع عشقهما سيخلدها التاريخ، رفعت يسر وجهها ونظرت للسماء؛ فأجفلت ثم امتزجت دمعات السماء بدمعاتها، خفضت وجهها للأسفل، استجمعت جأشها، شعرت به يقترب فعاودت رفع وجهها تحذره، تطلعت به حاولت أن تبدو بموضع قوة، الجهة الأضعف بهذا اللقاء كان كرم، وما أصعب ما يعيشه هذا العاشق، عصفت كلمات رهف عن حملها بروحه، فبكى بكى حتى وإن لم تسمع نحيبه، صرخ حتى وإن فقد النطق صرخ بقلبه وروحه، نظر إليها، فكرة أن يكون بداخل أحشائها جنين لرجل غيره قتلته فرفضها، أشار بسبابته نحوها وقال بصوتٍ حزينٍ، بنبرةٍ متقطعةٍ، وكأن لسانه يرفض نطقها:
"هل تخليتِ عن ذكرى عشقنا؟"
كانت تتساءل عما أوصله إلى هذه الحالة، وفور سؤاله علمت أن رهف للمرة الثانية لم تسيطر على لسانها، أغمضت عينيها، هذا فوق قدرة تحملها، عندما تزوجت مراد كانت تخجل أن تنظر بعين كرم وهي زوجة لغيره، فكيف الحال إن كانت تحمل بأحشائها طفل ليس هو أبيه؟، لكن هذا الذي يقف أمامها ليس كرم زوجها السابق، بل رجل تحيط به علامات استفهام كثيرة، ومن الممكن أن تكونَ يده تلطخت بدماء شقيقتها لذا تشجعت وقالت وهي تطلع به بصلابةٍ:
"لم يكن عشقًا لأتخلى عن ذكراه، إن نسيت لأذكركَ"
قلص المسافة بينهما وقال لائمًا ومهاجمًا:
"بلا كان عشقًا صادقًا، حافظت عليه على مدار ثلاث سنوات، أما أنتِ سلمتِ جسدك لهذا اللعين مراد"
"إياكِ أن تتفوه بكلمة واحدة عنه، لن أسمح لكَ"
غضب منها، تملكت منه الغيرة فقال:
"حسنًا لن أتحدث عن صاحب الجلالة، لا تغضبي"
" تفعل خيرًا، هيا قُل ما طلبت مجيئي من أجله"
خفض من نبرة صوته يترجاها أن تصارحه، وقال:
"ليس قبل أن تخبريني، هل تعشقينه، هل تبادلينه الحب، تبتسمين له، يده القذرة تركت أثارها على جسدك، هل يهمس لكِ بكلمات الحب، هل تحملين طفله بأحشائكِ، هل جهزتما الغرفة من أجله، هل بنيتما أحلامكما معًا، هل تخليتِ عني يا يسر؟"
"كرم، لنتخطى الحديث عن مراد، أخبرتني أنكَ ستخبرني بالحقيقة إذًا أفعل، أنا متعبة جدًا"
استنشق الهواء لعله يُطفئ النيران المندلعة بصدره، ثم جلس على الأرض وحدق بالفراغ من أمامه وقال:
"حسنًا إن كنتِ صرتِ زوجته حقًا ليكن ما سأرويه عليكِ عقابًا لكِ"
جلوسه بهذه الهيئة، نبرة صوته، نظراته ودموعه، الحزن الذي يحتل كيانه دليل أن ما سيرويه قاتل لا محالة فقالت:
"لم أخطئ لأعاقب، لكن هيا أخرج ما بجعبتك، لننهي هذا اللقاء حالتكَ تزداد سوءً"
رفع رأسه قال بتهكمٍ:
"كل شيء سينتهي وليس لقاءنا فقط، والآن استعدي لتتعرى كل الوجوه الكاذبة، سنبدأ بأمي بالتأكيد هي الرأس المدبر لكن ليست المتسبب بكل هذا"
شرد قليلًا ثم هدر:
" لا،لا لن نبدأ بأمي سنبدأ بأمكِ أنتِ لأنها المتسبب بكل شيء من البداية، هي من أوصلت أمي لهذه الحالة، هي السبب فيما نعيشه الآن...."
قبل أن يتم جملته صرخت:
"إياك أن تحمل أمي وزر أخطاء منار"
حذرها بنظراته، أيقنت أن حالته لا تسمح بالجدال فصمتت وتابع:
"سأخبرك ما علمته بالصدفة أثناء جدال أبي وأمي ذات مرة، كان جدي أي والد أمي يعمل بشركة جدك أي والد والدينا رحمهما الله، كان لديه ثلاثة أبناء أمي وخالتي رهف وخالي حسين رحمة الله عليهما، مع مرور السنوات توطدت العلاقة بين المدير والموظف وأصبحا أصدقاء، فتعارفت العائلتان ونشأت قصص حب بالخفاء مكتوب عليها بالفشل قبل أن تبدأ، أحب حسين سمية ابنة عائلة الدالي العريقة فرفضته، ولم تكتفي بذلك أسمعته مر الكلام، من أنتَ لتبني أمالكَ معي، من أنتَ لتنظر لي، لم يتحمل رفضها وإهانتها، فعاد إلى المنزل روى لأخوته ما حدث، ففكرت أمي أن تهون عليه أحزانه ودعته للعشاء بالخارج، واصطحبا رهف ابنة الخمسة عشر عامًا معهما، وأثناء انفعاله وهو يتحدث عن ابنة الدالي قام بحادثٍ فقدت على إثره منار شقيقيها، مرت الأيام وهي تبغضها هي وكل شيء له علاقة باسم الدالي إلا فردً واحدًا، ابن عائلة الدالي "طاهر الدالي" أحبته وكبر حبه بقلبها يوم بعد يوم إلى أن فوجئت بيومٍ بخبرِ زواجه من ابنة عمه، سرقت سمية منها عشقها وإخوتها، فأقسمت أن تصبح فردًا من أفراد عائلة الدالي وستنتقم من سمية وتسرق منها كل عزيز، ومن هنا تحولت منار من شابة مفعمة بالحب إلى كتلة من الحقد والكره، وحدث ما عايشناه منذ نعومة أظافرنا.
هب واقفًا وهو يحدق بها وعينيه كشرارة لهب تبحث عن أي شيء لتلتهمه، وكانت يد يس ضحيته عندما قبض عليها وقال بحفيفٍ دب الخوف بأوصالها:
"يعني إن كانت أمي مخطأة سمية الدالي ليست قديسة"
نفضت ذراعها وابتعدت عنه، لأول مرة تشعر بالخوف منه منذ أن وصلت للمكان، قالت بنبرة أرادت أن تكون قوية حتى لا يشعر بخوفها:
"أي جنون هذا! وما ذنب أمي إنه حادث قضاء الله وقدره"
"إذا إن كان الموت قضاء وقدر لما تعاقبيني الآن؟"
قالت بصراخ بعد أن هطلت دموعها بغزارة، وكأنها تقول لمياه الأمطار تنحي أنتَ إغراق الأرض مهمتي:
"أنا لا أعاقبكَ، أنتَ تخليت عني وأنا أكملت حياتي من بعدكَ لست راهبة، أنتَ حقير سارق، لا تعرف شيء عن النخوة لذا لا يحق لكَ معاتبتي، إن كان هذا ما دعوتني لأجل أن تقوله سأرحل"
دارت بجسدها تنوي المغادرة، تابعها لثانية فقال ساخرًا:
"هاربة، تهربين متى شعرتِ بالخطر، تعرفين جيدًا أن الجزء القادم هو الأكثر قسوة في حديثنا فقررتِ الهرب، لن يروق لكِ ما ستعرفينه، فاخترتِ عدم المعرفة، أحيانًا المعرفة تقتل"
التفتت له حدقت به بغضبٍ وقد بدا عليها التعب،لاحظ وضعها ليدها على أسفل معدتها، حركتها هذه ضغط بالسكين على جرح قلبه أكثر، قال وهو يقترب منها:
"لست ضعيف لذا اخترت المعرفة رغم أنها تقتل، يسر هل أنتِ حامل بابن مراد عزام؟"
صرخت به:
"ما شأنك، إن قلت نعم هذا الأمر لا يعنيك وإن قلت لا ليس دليل على أنكَ مازلت بقلبي؟"
فاض الكيل وتماسك كرم تلاشى، إنه لا يتحكم بغضبه عندما يتعلق الأمر بيسر وفقدانه لها، فما الحال بعد كلامها اللاذع؟ انقض الأسد على فريسته، قبض على ذراعيها، صرخ بها، وعينيه تصرخ شوق وعتاب، وتكذيب لحقيقة كونها باتت ملك مراد قلبًا وجسدًا:
"لا يمكن لغيري لمسكِ، لا يمكن لكِ فعل هذا بي"
حاولت التملص من بين يديه فتابع:
"ماذا هل تخشي ايذائي لجنينكِ"
ارتجفت بين يديه، حالته مذرية ضعيف، تخطى حد الانهيار، فأيقنت أنها ستهلك بين يديه، دارت بعينيها تستنجد بأحد لكنها لم تجد، جبل المقطم خالِ إلا من سواهما، لا تعلم لما خطر على بالها مراد، فصرخت"مراد أين أنتَ"
جاء المدد، وسمعته يهتف:
"جئت يا صغيرتي جئت"
عادت روحها إلى جسدها، بينما صعق كرم عند رؤيته لمن حولهما.
منار، مراد،حمزة ورهف.
لم يتوقع أي من الحضور أن تكون حالة يسر هكذا عند وصولهما، فريسة بين يدي الصياد، حتى رهف التي كانت السبب في تلك الجمعة الأخيرة لم تتوقع ذلك، نعم رهف هي من جمعتهم حينما هاتفت حمزة وأخبرته أن كرم علم بحمل يسر، تزامن حضورهما إلى المنزل مع مغادرتها وقام بمراقبتها إلى أن وصلت إلى جبل المقطم فعلم أنها ستلتقي بكرم وظل يراقبها إلى أن حضر مراد الذي أخبره بالطريق بما حدث، أما منار فقد استدعتها رهف عندما علمت من يسر أنها بطريقها للقاء كرم للمرة الأخيرة حيث سيعترف لها بكل شيء ، رفضت أن تخبرها أين ستلتقي به، ولأن رهف تعلم جيدًا أن بعد يسر لا يستطيع أحد السيطرة على شقيقها سوى والدتهما فقامت بالاتصال بها وطلبت منها الحضور حتى تمنع كرم من ارتكاب الحماقات.
وهكذا تم اجتماع الكل بمصادفة لن تنتهي كما تمنت رهف.
لم يتحرك أحد ظلوا يتابعون الموقف بصدمة، بخلاف مراد الذي كان آخر الحاضرين، ركض نحو زوجته وصرخ وهو يلكمه على وجهه:
"قلت لكَ سابقًا ابتعد عن زوجتي"
تزامن سقوط كرم على الأرض مع جذب مراد ليس لتستقر بين ذراعيه، حاطت جسده بذراعيه، اختبأت بين يديه وقالت ببكاء:
"أين أنتَ؟"
قبل رأسها وقال وهو يحدق بكرم بصوتٍ خفيضٍ:
"لمَ جئتِ إلى هنا بمفردكِ؟"
قبل أن تجيبه، قال كرم وهو يصوب سلاحه نحوهما:
"جاءت تسمع الحقيقة"
تعالت الصرخات والهتافات المتوسلة له أن يخفض سلاحه، لكن لم يستطع أحد اقناعه فقالت رهف:
"كرم لا تفعلها، أنتَ لا تستحق أن تصبح قاتلًا يا أخي"
لكل نهاية سبب وسبب نهاية هذه المواجهة كانت جملة رهف، كما أن نهاية كرم سببها يسر، صرخ بها:
"يسر من ستحدد ذلك"
التفت إليها مرة أخرى وفوهة سلاحه مصوبة إليها:
"هذه أخر مرة سأطرح سؤالي، هل تحملين ابن هذا اللعين بأحشائكِ"
كل رجل بهذه الحياة يحلم باللحظة التي سيعلم بها بحمل زوجته بأول مولود لهما، وكل زوجة تخطط كيف ستخبر زوجها بحملها، ولأن علاقة يسر ومراد لم تكن طبيعية بيومٍ، معرفته بخبر حملها لم تكن عادية أيضًا، لم تجيب كرم لكنها أدارت جسدها ليصبح وجهها مقابل كرم وظهرها يلتصق بصدر مراد، همست له بصوتٍ لم يسمعه سواهما:
"مراد، أنا وطفلنا بأمانتكَ"
لم يكن متأكدَا من أمرِ حملها، رغم شكوكه في الأمر منذ أيام، وها هي تستنجد به وتطلب حمايته لصغيرها، ابتسم رغم صعوبة الموقف، أرادها وتمنى لنفسه طفل منها، لكنه يسمع الخبر السعيد في لحظة خطر يهدد حياته وحياتها، تطلع للسماء لبرهة يطلب المدد من رب العالمين، أحاط خصرها بيديه لتستقر راحة يده على خصرها، فعانقت يديه بيديها، كانت هذه إجابة يسر القاتلة على سؤال كرم، انهمرت الدموع بغزارة من عينيه، لا يوجد توضيح أكثر من أن تقف قبالته بين أحضان زوجها، بدت صورتهما وكأنهما يحميان صغيرهما من بطشه؛ فقال بصوتٍ يكاد يكون صداه دوى بالسماء وسمعه أهل الأرض:
"يسر، طالما اعترفتِ بخيانتكِ لي وقتلتني أفعالكِ، سأعترف بخيانتي وأقتلكِ بحقيقتي، حلال عليكِ ما سأقوله يا ابنة عمي"
دار بين الجميع إلى أن تلاقت نظراته بنظرات رهف، ابتسم لها، أغمض عينيه ود أن يعود به الزمن ولن يفعل ما فعل، تقدمت منه منار وقالت وهي تحاول جذب المسدس منه:
"كرم هل جننت ماذا تفعل!"
منار وإن كرهت كل من حولها لكن قصة عشقها لابنها متبادلة، وإن كانت نقطة ضعفه فهو بالتأكيد نقطة ضعف وقوة لها بنفس التوقيت، لذا استغل ضعفها تجاهه وألصق فوهة السلاح على عنقه وقال:
"لن أفعل شيء بل سأقول، لم تحين لحظة الأفعال بعد، والآن تراجعي، سأروي لكم قصة جميلة، إهداء مني إلى يسر على زفافها وحملها بابن هذا الحقير، ليكن عقابها مني، أما عن عقابي فهو أيضًا سيكون مني"
ساد الهرج والمرج للحظة فصرخ بهم:
"كلمة واحدة وأقتل يسر وأنا من بعدها، اخرسوا لننهي هذا الأمر ونرتاح"
أشار بسلاحه نحو يسر وقال:
"ذات يوم كنت ذاهب إليكِ كنا على موعد لنرى التحضيرات النهائية بحفل الزفاف بهذا اليوم المشؤوم، سمعت أمي تهمس باسم ياسمين لأحدهم، وتقول له هكذا بالنص فأنا لم أنسى ثانية واحدة ما حدث يومها، قالت، "انهي عملكَ كما أمرتكَ، يكفي أن يذهب شقيقها ويجدها بين أحضانك، إما يقتلها أو صورها ستغزو مواقع التواصل الاجتماعي" لم أصدق ما سمعته، واجهتها ضغطت عليها، أقسمت إن لم تخبرني بالعنوان الذي ستتواجد به ياسمين سأبلغ عنها، أقنعتها أنني سأذهب وأخذ ياسمين فقط، ركضت إلى ابنة عمي كي أنقذها من براثن الشيطان، لكن من سوء حظي وحظ الجميع وحسن حظ أمي كان هذا الحقير أنهى عمله وترك ياسمين بوصمة عارٍ لن تمحى مهما حدث، سترت جسدها بأول شيء سقطت عيني عليه، شعرت بالعجز كما لم أشعر من قبل، وبينما عقلي يفكر بحلٍ كنت أذرف الدمعات على ابنة عمي التي فقدت شرفها، لم أفكر بمصيرها فقط وإنما بحالكِ أنتِ عندما تعلمين أن أمي من فعلت هذا، كنت أفكر كيف سأخرجها من هذا المكان قبل قدوم ياسين، وأثناء غرقي بهذه المصيبة سمعت خطوات تقترب من الغرفة، الحقير لم يغلق الباب من بعده اختبأت بالمرحاض المرفق بالغرفة، كان ياسين القادم ذُهل مما رأى راح يبكي ويصرخ ظل لبعض الوقت يحاول افاقتها، وعندما فقد الأمل غادر يبحث عن من كان برفقتها بالخارج وبتلك الحظة فتحت ياسمين عينيها حدقت بي حاولت النهوض لكن كان مفعول المخدر ما زال ساريًا، منعتها، ترجيتها بهمس أن تصمت، خشيت أن يعود ياسين ويجدني بالغرفة حينها كان سيتخيل أنني من قمت بهذا الفعل الحقير، لكنها أبت أن تصمت، حاولت النهوض فأجبرتها أن تبقى بمكانها وكممت فمها بيدي، وفي كل مرة تحاول الحركة كنت أزيد من ضغط يدي، كنت أفكر كيف سأتخلص من هذه المعضلة، كيف سأخرج بها من هذا المكان اللعين دون أن يراني ياسين، أقسم لكِ لم أفكر سوى بحمايتها، وكيف سأمنع ياسين من قتلها، والحال أنني قتلتها، اختنقت كتمت يدي أنفاسها، لم ألحظ أنني أكمم أنفها وفمها معًا، فراحة يدي كانت تغطي معظم وجهها، وفور أن لاحظت عدم مقاومتها لي غادرت الشقة راكضًا يبدو أن ياسين كان يبحث بالغرف عن ذلك الحقير"
ارتفعت نبرة صوته لتتحول إلى الصراخ بينما نظراتهم مسلطة عليه في حالة ذهول تام، عاود سرد ملابسات الواقعة وقال:
"قتلتها بينما ذهبت إلى هناك لأحميها، لست قاتل، أنا لم اغتصب ابنة عمي أنا ذهبت لأحافظ على شرفها، أنا ذهبت حتى لا يصبح ياسين قاتلًا، أنا غادرت البلاد حتى أتخلص من مواجهتكِ بكل مرة تلاقت نظراتنا يا يسر رأيت جسد ياسمين الساكن بعينيكِ، بكل مرة اجتمعنا سمعت صراخ ياسين بالمحكمة، يسر بكيتِ بين أحضاني كما تفعلين الآن، لحظة دفن وردتنا وردة عائلة الدالي تحت التراب، كنت سأصرخ بكِ، سأخبركِ بما حدث لكن لم يطاوعني لساني، لنفس السبب الذي منع أمكِ من إخبارك، بينما خسرتِ إخوتكِ كيف سأخبرك أنني القاتل، وأمي من حرضت على اغتصاب ياسمين؟ ها قولي لي كيف كنت سأعترف لكِ"
كُتمت الأنفاس سحبت كلمات كرم الأوكسجين من الهواء، كل الأصوات اختفت إلا صوت نبضاتهم التي تصرخ ألم، تصرخ استنكار، تصرخ عتاب، كانت يسر ابتعدت عن مراد منذ بداية حديث كرم، وعندما أنهى حديثه، لم تتحرك قيد أنمله، أو تفه بحرف، حالها كحال رهف التي شلت حواسها وتيبس جسدها، شدد حمزة من قبضته على جسدها حتى لا تسقط، ضحكت يسر بهستريا، ضحكت ملء فمهما، ضحكت حتى بح صوتها وانهالت دمعاتها، تحول ضحكها إلى صراخ وقالت :
"كاذب، أنتَ لم تقتلها، ياسين فعل"
التفت إلى منار وقالت:
"أنتِ لا يمكنكِ فعل هذا، هل ما يقوله صحيح، هل جعلتيهم يغتصبون شقيقتي، هل انتحر أخي لأنه لم يجد من يصدقه، هل قتل كرم ياسمين عندما كان ذاهب لحمايتها؟"
ركضت صوبها، تهجمت عليها، أرادت قتلها وتخليص العالم من شرها لكن تكالب عليها كل من مراد وحمزة ومنعاها، ليس خوفًا على منار وإنما خوفًا عليها، وأثناء ذلك صرخ كرم:
"اتركيها يسر الجميع نال عقابه ودورها قادم"
"اخرس، لا أريد أن أسمع صوتكَ قاتل كاذب، أنا أكرهك يا كرم، سرقت مني كل شيء"
صُدم، توقع من حديثها مع والدته أنها تصدق أنه لم يقصد قتل ياسمين، قال وهو يعاود تصويب فوهة المسدس نحو جبينه:
"يسر لم أقتلها عن عمد، كنت أحاول الهرب من ياسين"
"ليتكَ لم تهرب ليتكَ اعترفت بما فعلته الحقيرة منار، كان أخي بيننا الآن، كنا داوينا جراح ياسمين، لكن أنتَ اخترت أمكَ وأنا خسرت أبي وإخوتي، أي الرجال أنتَ!"
ساد الصمت للحظات، كسر مراد حالة الصمت وقال:
"يسر حسنًا الشرطة بالطريق، اتركيه لينال عقابه"
قالت بعجزٍ:
"وما الفائدة بعد أن مات ياسين؟"
صرخ كرم:
" أنا عوقبت في اللحظة التي امتلكت بها حبيبتي يا ابن عزام، والآن لتنال أمي عقابها، ويسر أيضًا إن كان بقلبها لي ولو القليل"
صرخت منار، لم يبالِ لصراخها، ابتسم لرهف الجامدة بمكانها معتذرًا، ثم نظر ليسر طالت نظراته قال:
"يسر سامحيني"
"لن أفعل"
"يسر سامحيني"
"قلت لن أفعل"
"سامحيني، سامحي لاجئ استُهلكت روحه في بلاد الغربة، سامحي قلب أحبكِ بصدق، سامحي رجل قتل ابنة عمه حتى لا يصبح مغتصبها بعينيكِ، سامحيني يكفي رؤيتي لعشقكِ له بعينيكِ"
"لن أفعل لتبقى تحترق هكذا"
صرخت رهف ولأول مرة يطاوعها لسانها:
"سامحيه يا يسر لأجل خاطري سامحيه واتركيه للعدالة"
فكرت لثوانٍ ثم قالت:
"سأسامحكَ فقط حتى تتخلى عن عنادك حتى تنال عقابك، حتى تُحاكم، وتراك منار خلف القضبان بلا حيلة، كما حدث مع أمي سامحتك حتى أُثأر لأمي"
قال وقد أصبح جسدًا بلا روح، ظل لرجل ليس له وجود:
"ستنال منار عقابها الآن عندما ينتحر ابنها كما انتحر ياسين"
صرخ:
"حمزة رهف لا ذنب لها لا تتركها ستحتاجكِ من بعدي، رهف سامحيني صغيرتي أنتِ ملاك بحكايتنا، ولا يمكن لملاكٍ العيش بين الشياطين، ماما أتخلى عن حياتي نتيجة لأفعالكِ، وأنتِ يا يسر لقد أحببتكِ كما لم يفعل أحد، أفنيت عمري من أجلكِ، تذكري هذا جيدًا"
صوب فوهة السلاح نحو صدره فوق قلبه تحديدًا، اختلج قلب منار وتوجهت نحوه إنها أم رغم كل شيء، ومن يرى كرم يُدرك ما سيقدم عليه، وبسرعة البرق دوى صوت إطلاق النار بالمكان ليسقط كرم على الأرض ومعه رهف بنفس اللحظة، وتصل يسر إليه قبل منار، افترشت الأرض بجانبه، قالت وهي تميل برأسها إليه:
"ماذا فعلت يا غبي؟"
قال بصوتٍ متقطع:
"صوبت على قلبي الذي عشقكِ حد الجنون، عاقبته"
قالت وهي تضع يدها على كتفه:
"كرم تماسك، ليطلب أحدكم الاسعاف"
همس لها:
"فات الأوان، سو سامحيني"
"سامحتكَ سامحتكَ، يكفي أن تتماسك أنظر رهف بحاجتك"
"ضميني إليكِ لأموت بين يديكِ، لأغادر الحياة ورائحتكِ تملأ صدري"
عانقت رأسه وضمته إلى صدرها وقالت :
"ستكون بخير من أجل رهف"
مد يده ليمسك بيدها، مرر أصابعه على النجمة القابعة بإصبعها، تلك النجمة التي طالما حلم أن تصبح له، لكن سرقت عداوة منار وسمية منه حلم الاجتماع بنجمته، أشعل قربه من يسر قلب مراد بالغيرة، ابتسم لها، اختلطت بسمته بدمائه، همس وهو يلفظ آخر نفس له بين يديها:
"أصبحت بخير"
قالها وأغمض عينيه، ليعاقب منار، ليأخذ بثأر سمية، ليرد لياسين حقه، ليظهر براءة ياسمين، لتتحقق العدالة الإلهية، لتعيش رهف بلا شقيقها، لينتصر مراد، أغمض عينيه لتخسر يسر قلب أحبها بصدقٍ، ليتأكد مراد أن يسر وإن تظاهرت أنها تخلصت من عشق كرم ليست سوى كاذبة كبيرة، أغمض عينيه ليضيف إلى قصص العشق الأسطورية قصة، قصة عاشق مات من أجل ألا يموت بعين محبوبته.


safeia Elgayar غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:59 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.