آخر 10 مشاركات
594- فراشة الليل -روايات عبير دار ميوزيك (الكاتـب : Just Faith - )           »          قـيد الفـــيروز (106)-رواية غربية -للكاتبة الواعدة:sandynor *مميزة*كاملة مع الروابط* (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          319 - زواج غير تقليدي - راشيل ليندساى - احلامي (اعادة تنزيل ) (الكاتـب : Just Faith - )           »          307 – الحب والخوف - آن هامبسون -روايات أحلامي (الكاتـب : Just Faith - )           »          غزة والاستعداد للحرب القادمة (الكاتـب : الحكم لله - )           »          253- لعبة الحب - بيني جوردن - دار الكتاب العربي- (كتابة/كاملة)** (الكاتـب : Just Faith - )           »          في أروقة القلب، إلى أين تسيرين؟ (الكاتـب : أغاني الشتاء.. - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          1199 - مرارة الغيرة - روايات عبير دار النحاس ( كتابة /كاملة)** (الكاتـب : samahss - )           »          أيام البحر الأزرق - آن ويـــل -عبير الجديدة -(عدد ممتاز ) (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات القصيرة المكتملة (وحي الاعضاء)

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-09-20, 01:00 AM   #1

Ďonia Mohamed

? العضوٌ??? » 447817
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 77
?  نُقآطِيْ » Ďonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond repute
افتراضي ما بين مد و جزر * مكتملة *



بين مد وجزر



الفصل الأول ..
ظلت تتلمس رأسها الخالى من الشعر لفترة طويلة وهي ماثلة أمام مرآتها تنظر لنفسها .. لملامحها الجميلة .. دون أن ترى نفسها فعلياً .. فكانت تنظر بنصف عقل شارد .. وأصابع يدها تتلمس رأسها الصلعاء .. كم هي جميلة !!! .. وملامحها محببة للنفس ولكن كان ذاك قديماً فى عهد ولى وفات .. قبل أن يمتص المرض آخر ذرات جمالها .. ويتركها على تلك الهيئة الرثة .. بدون شعر .. حاجبان خفيفان .. ملامح شاحبة .. تحاكي روح صاحبتها شحوباً .. وانعدام رغبة فى الحياة .. الهى ..!
كم تمنت الموت من قبل فى أيام مؤلمة .. كان الموت فيها لها راحة من كل الآلام و الأوجاع .. أيام كان يتركها فيها "السرطان" جثة هامدة على فراش المرض بعد الجرعات الكيماوية غير المنتهية .. و التى لازالت مستمرة معها إلى الآن ... أليست صغيرة على كل ذاك العناء .. ايستحق الخمسة وعشرون عاماً من العمر كل ذلك الألم الذي تتحمله .. بربكم أليس ذلك كثير على شابة بمثل عمرها .. تنهدت بحمل يثقل كاهلها .. ثم انزلت يدها وهي تتمتم :
_استغفر الله .. لا اعتراض على امرك يارب .. الحمدلله على كل حال ..

و رغم ايمانها بالقضاء والقدر .. و رضاها على امر ربها .. ولكنها ظلت تنظر لنفسها في المرآة فترة طويلة .. اعتقدت فيها انها ستجن وهى تراقب ملامحها البسيطة ... عينيها الخضراوين .. وجهها المستدير ببشرته الشاحبة .. شفتيها الرفيعتين .. ثم رأسها الصلعاء مرة أخرى ... رباه .!
الا حداً لذلك الألم ؟؟ .. ألا هناك من خلاص من ذلك العذاب الذي تحياه .... ؟
استدارت معطية ظهرها للمرآة ثم توجهت نحو فراشها .. رفعت ذلك الوشاح الملقى عليه .. يفترض بها الان ان تلتحف به حتى تدارى صلع رأسها .. ولكن لا .. هى لم ترتدى الحجاب قبل ذلك لم ترتديه الآن كى تتخذه وسيلة لتغطية نقصها .. هىي كانت تفكر بارتدائه جدياً .. ولكن قبل أن يحدث كل ذلك .. ولكن الآن .. لا هى أقوى من ذلك تستطيع مواجهتهم ..
!!تستطيع ..
ولن تخذل نفسها بعد الآن ... ألقت نظرة اخيرة على نفسها بالمرآة ثم خرجت من الغرفة .. وتوجهت للأسفل حيث مائدة الأفطار مُعدة وتنتظر من سيحضر .. وكانت هي أول من حضر .. تلاها بعد ذلك الصوت الرجولى المشاغب اتياً من خلفها بقوة :
_يا هلا يا هلا ... عهد .. يا قرة عين العائلة .. واخيراً تشرفنا بجمال طلتك ..

التفت "عهد" مبتسمة بضعف لابن عمها .. والذى يكبرها بخمس سنوات ... وهو يقف خلفها مرتدياً حُلته الرسمية على استعداد للذهاب للعمل .. "يونس "..
كان دائماً وابداً صديقها ..وقت الشدائد .. وقت المحن لم يكن جوارها غيره .. ولم تكن تعلم أنها من دونه ليس لها حياة .. الا بعدما اصيبت بهذا الداء اللعين .. وكان هو خير العون .. خير الصديق .. وخير الأخ لها .. هى تعرف أنه يخاف مرارة الفقد كثيرا .. خاصة بعد رحيل أمه وأبيه عن هذا العالم .. وبقى هو وحيداً دونهما .. رغم كونهما يسكنان بيتاً واحداً .." بيت عائلة "كما يقولون .. لكنه كان رغماً عنه يشعر بالوحدة .. وكانت هى دعامته الوحيدة .. والان هو يخاف فقدها بشدة ..كما هى تخشى فقده أيضاً .... قالت "عهد" بابتسامة متداعية وصوتها الرقيق :
_اشتقت اليك يونس .. لم اكن اظن انك بمثل تلك النذالة والخسة .. كى لا تأتى لترانى يومين على التوالى ..

اقترب يونس منها .. أمسك بكفيها الباردين .. ثم قال بمرح ، مبتسماً باعتذار :
_أعذري يونس يا غالية .. فأباكِ و الذي بالمناسبة هو عمى .. متسلط جدا فى امور العمل و لا يقبل التهاون .. وكان يحتجزني في الشركة اليومين الماضيين دون سبب مقنع حقاً .. حتى ظننت أنه سوف يسجننى هناك لسبب لا اعلمه ..

ضحكت برقة تماثل رقة ملامحها .. ثم قالت :
_تأدب قليلاً .. هذا أبي .. ثم اننى يحق لي أن أعتب عليك وقتما أشاء وعلى ما أشاء .. ولا يحق لك السؤال .. أيها الصديق النذل ..

ارتفع حاجباه بدهشة ثم قال مهدداً بمرح :
صوني لسانك عهد .. فلا أعلم إلى متى سوف اتحمل سلاطة لسانك الذى يشبه المبرد هذا ..

اومأت بطاعة وهى تقول مبتسمة :
_امرك طاعة يا سيدى ..

ضحك بخفوت على هيئتها الطريفة .. وظلت هى مطرقة برأسها .. حينها ازدادت ابتسامته حناناً .. وهو يشدد على كفيها بين يديه هامساً :
_عهد .. كيف كانت جلسة العلاج قبل يومين ..

رفعت وجهها تنظر له بعينين مغروقتين بالدموع .. ثم همست بابتسامة حزينة :
_جيدة .. على ما يبدو .. الا من بعض الآلام المصاحبة .. والتى لم اتخلص منها إلى الآن .. تراك تسأل وكأنك مهتم بذلك ..

ازداد الحنان تدفقاً من ابتسامته .. وهو يرفع كفيها إليه محتضناً إياها برفق ..ثم همس :
_أيتها الغبية .. ان لم اكن مهتماً بكِ بمن سأهتم إذن .. انتٍ يا عهد .. من تبقيتي لى .. عديني .. بأنك ستكوني أقوى مما نظنك جميعاً .. حتى تبقى سالمة لى .. صديقتى ..

رفعت وجهها إليه وهى تهمس :
_اعدك .. لربما عطفت علي ، وقضيت معى نهارك .. تعويضاً عن غياب يومين .. فضلاً عن اننى اشعر بالوحدة كثيراً ..

ضحك بصوت عالٍ وهو يقول :
_أترضين لي أن يطردني اباك من العمل؟؟!

زمت شفتيها وهى تقول بغطرسة :
_لا تخف ..سأتوسط لك عنده .. فقط ابق معى ..

لم تختفِ ضحكاته وهو يقوم بالتلوى والخروج من معطف حلته الرسمية .. ثم رماه على أريكة قريبة بإهمال .. وفك زرى اكمام قميصه ورفعه إلى منتصف معصمه .. ثم فتح ذراعيه على مَصرعيهما .. ليهدر بسعادة :
_حسناً .. انا لكِ اليوم يا عهدى .. ولكن أن طردنى اباكِ .. لا دخل لى ..

ضحكت بسعادة وهى تتعلق بذراعه ثم قالت :
_اذاً هيا بنا .. أيها الوسيم ..
======

وحالما خرجت عهد ويونس من البيت تبعتهما زوجان من العيون الأنثوية التى تشع سعادة .. ثم قالت إحدى الأمرأتين الواقفتين :
_الم اقل لكِ .. الم اقل انهم الانسب لبعضهما .. إن لم يكونا قد خُلقا لبعضهما بالأساس ..

اتسعت ابتسامة والدة عهد وهى تستمع لدفقة الأمل التي تمليها زوجة شقيق زوجها .. على مسامعها .. ابنتها سوف تحظى بفرصة عظيمة أن ارتضى يونس زواجه منها .. ولما يرفض وهو يعاملها بكل ذلك القدر من الحنان ..
ترجم لسانها ما تتفوه به تلقائياً .. وهي تقول :
_حقاً يا وداد .. سوف يرضى بها ..

قالت وداد بجذل ورغبة عارمة فى لم شملهما :
_ألا يزال هناك شك لديك يا زينب .. عهد ويونس خلقا ليكونا سوياً وكفى .. ويونس ادرى البشر بحالتها .. وسيبقى معها لحظة بأخرى حتى تتحسن وتُشفى تماماً .. الم ترى نظرته لها كيف تبدو ...

رفعت زينب يديها للسماء وهى تهتف :
_يا رب .. يارب .. اسعدها واشفها .. ولا تريني فيها بئساً يبكيني ..

نظرت لها وداد بتعاطف .. وهى تتمنى فعلا ان يتحقق دعاء زينب .. فعهد هي زهرة العائلة .. والجميع يتمنى لها الأفضل بالتأكيد .. ومن سيكون الأفضل لها .. ان لم يكن يونس ..!!
======
فى نهاية اليوم عادت عهد مع يونس يتضاحكان بصوت عالٍ .. ومرحهما ملء البيت بمجرد دخولهم .. ويونس يحمل العديد من الأكياس الورقية وهو يقول :
_كل هذا المشتريات أيها المبذرة .. ستفترشينهم أرضاً في أحد الأسواق وتقومى ببيعهم ام ماذا ؟؟!

ضربته على كتفه وهى تعبس بشدة ثم قالت :
_ انت حقير يا يونس .. صدقني .. لم أكن أنوى أن أخرج من باب هذا البيت .. و لكنك وبكل حقارة أصطحبتني لذلك المجمع التجاري و الذي بالمناسبة انا لا احبذه اطلاقاً .. خاصة بعدما نالني هناك ..

تبدلت ملامحها إلى رقة حزينة .. بعد المرح الذي كان يعتريهم منذ قليل .. فأنزل يونس الأكياس أرضاً .. واحتضن وجهها بيديه .. نظر لها مشجعاً ثم همس :
_لا عليكِ .. لا تبالى بهم جميعاً .. كل من قالت كلمة سيئة في حقك .. هؤلاء جميعا مملؤون بالنواقص .. انت افضل منهم كلهم .. صدقيني لا أحد يمتلك قلباً كقلبك .. وانت وعدتينى أن تكونى اقوى .. ولا تنصتى لتلك التفاهات التى تتحدث عن مظهرك دون النظر فى جوهرك الثمين ..

غطت كفيه الممسكان بوجهها بيديها ثم همست بعينين دامعتين :
_أنت أخ رائع يونس ..

ابتسم لعينيها .. فى حين أكملت هى :
_حقاً أنا محظوظة بك .. ادامك الله لي ..

أنهت جملتها الأخيرة .. وعيناها امتلأت امتناناً وعرفاناً بجميله .. ولم تلحظ عيون امها التى تلاحقهم والتى راق لها ما يحدث .. ولا بعينين غاضبتين .. تقذفان حمماً بركانية قادرة على إحراق الأخضر واليابس .. تقف على مقربة منهم .. بينهما هما فى عالم آخر لا يشعران بشئ ..
=======
ضحك يونس بخفوت ثم قال بمرح :
_حسناً كفى هكذا .. اذهبي لترتاحي الآن .. فقد تعبتِ اليوم .. واشكرك على ذاك الحديث الرائع ..

_لما لا تنتظر قليلاً .. لتسلم على ابن عمها حتى ..

انتفض الاثنان على الصوت الرخيم الذي أتاهم من مدخل البيت ... فالتفتوا بسرعة مبتعدين عن بعضهما .. ناظرين إلى "يامن" …
القطب الثالث فى مجموعة أبناء العم المشتتة .. أول من استوعب وجوده هو يونس فنظر إليه مقطباً .. بينما فغرت عهد شفتيها بدهشة .. وقد توالت الذكريات لتحل كلاً منها محلها فى عقلها المرهق .. وهى تنظر لصاحب الملامح الحادة .. والعينين اللتين تشبهان عينيها كثيراً في خضرتهما ....

حين طال الصمت .. والصدمة .. وتأملهم ليامن الواقف بجوار حقيبة سفره على باب المنزل .. ابتسم يونس ابتسامة باهتة .. فاترة .. وقال بنبرة جاهد لجعلها طبيعية :
_يامن .. حمداً لله على سلامتك .. متى أتيت ؟؟!

لم تتأثر ابتسامة يامن المتيبسة على شفتيه .. وهو يقول بخفوت :
_لتوي وصلت !! ..

اومأ يونس بخفوت وهو لا يجد ما يقال .. ولا يعرف ماهية الحرب التى ستقام بعد قليل .. بعد أن يعرف الجميع بعودة يامن من منفاه البعيد .. والذي اختاره بنفسه .. وخاصة بعد معرفة والد عهد ..

اهتزت حدقتى عهد وهى تنظر ليامن بلا تعبير .. إلى أن قالت بتلعثم ، وقد ضاع مرح اليوم هباءاً :
_مر .. مرحباً يامن .. حمداً لله على سلامتك .. عن .. عن اذنكما .. انا .. انا ذاهبة ..

ودون إبطاء .. اخذت تهرع حيث غرفتها .. تشيعها نظرات يامن المتفحصة .. والتى دون أن يشعر .. طفى على سطح نظراته أول بادرة الم .. شعر بها فور رؤيتها .. بعدما تركها متعافية قبل خمس سنوات .. ولكن الآن قد أخذ منها المرض ما أخذه .. وتبدل حالها قدر ما تبدل ..

أفاق من شروده على صوت يونس يقول بتوجس ونبرة عصبية :
_.. هل يعرف عمى وابيك بأنك قد أتيت ..

نظر له يامن وقال بابتسامة باردة :
_لا .. لم يعرف أحد .. فقد أتيت من تلقاء نفسى ..

ازدرد يونس ريقه بتوتر وعصبية تطفو على ملامحه وقبل أن يقول اى شئ .. كان صوت عمه .. والد عهد .. الاخ الأكبر في العائلة يصدح غاضباً من أعلى الدرج :
_كيف تتجرأ وتأتى إلى هنا مرة أخرى .. بعد كل ما فعلته ..

زالت ابتسامة يامن .. وهو يدرك داخله .. إن "لحظة الصفر" قد حانت .. لذا استعد جيداً وهو يقول بقوة :
_هذا بيتي يا عمى .. وإن كنت قد نسيت فأنا ابن اخيك ومن حقى ان آتى وقتما أشاء ..

نزل عمه الدرج بسرعة وهو يقترب منه قائلا بحدة :
_كان بيتك قبل أن تفعل ما فعلته .. كان بيتك لولا دنائتك وقلة اصلك .. لولا خستك ونذالتك لما ضاع منك بيتك .. كان بيتك قبل أن تترك ابنتى منبوذة قبل سنوات .. قبل أن تتركها محطمة .. فقط لأجل نزواتك .. لذا هذا البيت لم يعد بيتك ابداً .. منذ أن تركته وخرجت منه بإرادتك .. ولن يكون بعد الآن ..

انهى هجومه وهو يشدد على حروف كلماته الأخيرة عله يقحم الكلمات فى رأس ابن أخيه الأحمق .. والذى لم يظهر عليه اى بادرة تدل على انه تأثر بحديث عمه ابداً .. ليقول عمه مرة أخرى بغضب :
_لذا ودون اى جدالات عقيمة .. ستعود من حيث اتيت .. ولن تطأ قدماك أرض هذا المنزل بعد الآن ..

امال يامن رأسه جانباً .. بهدوء ورد على عمه بخفوت وصوت يستفز اعتى الجبابرة :
"_لا عمى .. لن أذهب هذا .. بيتي .. وانا لن أخرج منه .. ابداً بعد الآن ..

همّ عمه (خالد) بقول شئ يسمم به بدنه .. لولا مجئ والد يامن .. (سامح) .. ووقف بين يامن وأخيه و قال بهدوء غاضب موجهاً حديثه ليامن :
_بنى .. اذهب الى حيث أتيت .. لم يعد لك مكاناً هنا ..

صمت قليلاً .. ولم يبد على يامن اي مشاعر إلى أن قال :
_ستظل ابنى .. لن انبذك مهما حدث .. ولكن ما فعلته لا يغتفر .. هيا اذهب .. كى لا تزيد المشاكل ..

همس يامن بخفوت .. ولأول مرة يبدو على نبرته الألم او .. الندم :
_أبى ..

فأتاه رد ابيه قاطعاً بقسوة :
_لا...

اخفض يامن نظراته أرضاً .. وقلبه يضرب جدار صدره بعنف ...هو يعرف أنه مخطئ .. يعرف انه يستحق كل ذلك .. ولكن .. لم يكن يدرى عواقب ما فعله .. عندما ترك عهد يوم زفافهم وسافر .. كان غبى .. يستحق كل ما يُفعل به الآن .. لكنه عاد لها .. عاد لأجلها .. فقط .. ومع ذلك لا يعرف أحد ما كان يعانيه .. لا احدٌ يعرف بما قاسى فى سنوات ابتعاده ..

رفع يامن رأسه وهو يحاول بشتى الطرق التصرف بطبيعية .. وقال :
_اعتذر عمى ..عن كل ما بدر منى قبل ذلك .. اعتذر منكم جميعاً .. وخاصة لعهد ..

صمت وانظار عمه تطالعه بغضب .. ونظرات أبيه اللائمة .. تقتله .. فتنهد بهم يثقل كاهله ..
كان يحاول التصرف بكل برود الأعصاب الذى درب نفسه عليه .. كان متخذاً قراره .. بأن يسير على اللامبالاة منهجاً له .. ولكن رؤيتها بهيئتها تلك .. حطمت لديه كل النظريات التى بناها .. وكل التوقعات عن كيفية استقبالهم له .. بل شتت كل تفكيره .. وكأنه ما كان يتخيل .. ان يراها.. هكذا ..

قال يامن بعد فترة صمت بنبرة تراجع قليلاً :
_عمى .. أبي ..... أنا جئت كى .. اصحح ما حدث قبل سنوات .. جئت كى ..

قاطعه عمه بنبرة قاطعة .. :
_لا تصحيح لما فعلته قبل ذلك .. فعهد الآن .. خُطبت ليونس ..

وكما توقع كان للكلمة وقع الصواعق على يامن الذى .. نظر لهم بشرر يتطاير من عينيه …
و طابع الدهشة الذى انطبع على وجه يونس من حديث عمه .. والذى لم يعقب .. فصمت وهو يحترق من داخله .. ولكنه لم يستطع التعقيب على كلام عمه .. وإسقاط كلمته أرضاً .. بينما نظر له يامن بعتاب .. فاخفض يونس نظراته أرضاً .. حتى هتف عمه مرة أخرى:
_أفهمت ذلك الآن ؟؟!

تعالى صوت عهد من أعلى الدرج وهي تهتف بدهشة :
_أبى ..

نظر لها ابيها .. ولم تلين ملامح وجهه الجامدة .. ثم قال بقوة :
_نعم بنيتى .. انا وعمك وحتى امك اتفقنا على زواجكم انتِ ويونس صباح هذا اليوم ..

عقدت عهد حاجبيها وشعرت ببوادر دوار تهاجمها .. لكنها ظلت صامدة ... نظرت ليامن الذى أخفى مشاعره دفعة واحدة ..وهى لا تستطيع تحليل شخصيته .. أو تفهم ردة فعله .. او حتى هدف مجيئه إلى البيت بعد كل تلك السنوات .. ازدادت قساوة قلبها تجاهه .. و هى تشعر بأنه غير مبالٍ للأمر ..
حتى قال ابيها بقوة :
_هل لديك أى رأى آخر يا عهد ؟؟!

اعتراض ..!!
وهل يسألها حقاً ؟؟!

ازدادت نظراتها قتامة ..
وهى تشعر بأنه يقتلها بسكين لثم .. سكين كانت حدة شفرته ب "لامبالاته" التى تقتلها .. الا يشعر بالذنب ولو بالنذر اليسير لما فعله بها قبل ذلك ..!
ياله من قلب قاسٍ .. كان .. وسيظل ..!!

_لا ابى .. ليس لدى اى اعتراض ..
قالتها عهد بخفوت شديد .. يتخلله بعض القوة .. ناظرة ليامن بنظرات نارية .. بها من اللوم ما كان يكفى لتحطم قلبه شر تحطيم ..!!

ثم نقلت نظرها ليونس الذى يطالعها بدهشة فاغراً فمه باستغراب .. فابتسمت لعينيه بخفوت .. إلى أن صدح صوت والد يامن قائلا :
_هيا يامن .. عد من حيث اتيت ..

لتقاطعته عهد بقوة :
_لا عمى .. يامن لن يذهب لاى مكان ..

نظر لها ابيها بتحذير ..ليقول بنبرة شديدة :
_عهد لا تتدخلي انتِ بتلك الشئون .. وعودي إلى غرفتك ..

زمت شفتيها بغضب .. ثم هبطت درجات السلم بتهور وهى تشعر بالدوار يلفها وتكاد تسقط من فرط الانهاك .. وقفت أمام أبيها ثم لتقول بقوة :
_بل انا من له كل الحق بالتدخل هذا الأمر يخصنى انا دوناً عن الجميع .. وانا لا احمل تجاه يامن أي ضغينة .. فليجلس في بيته ووسط عائلته .. وأنتم عليكم تقبله مثلما تتقبلونى أنا ويونس ..

أنهت حديثها وهى تجول بنظرها بين الجميع .. ابيها غير المقتنع بالحديث بعد الفضيحة التي تسبب بها ابن أخيه .. وعمها الذي طأطأ رأسه خجلاً من فعلة ابنه .. والدة يامن الباكية وهى تنظر لها بامتنان .. والدتها التى تنظر لها بحسرة .. يونس المطرق برأسه .. وتكاد تشعر بهالة الغضب والتمرد المحيطة به ..
إلى أن قالت بقوة راجية :
_ارجوك ابي .. اتركه يدخل ..

قاطعها يامن تلك المرة .. قائلا بحدة وملامح متيبسة :
_لا عهد .. لن ادخل .. سأعود من حيث اتيت عمى ... لن أدخل بيتكم يا ابى مرة أخرى .. واكرر اعتذارى لكِ يا عهد ..

ليبتسم بخفوت قاسٍ قبل أن يستطرد :
_أراكم على خير ..
ثم استدار ذاهباً .. تحت أنظارهم جميعاً .. وصوت بكاء امه يصله واضحاً .. فهى التقته بعد فراق دام خمس سنوات .. وسيرحل مجدداً دون أن تملى عينيها منه حتى .. اى ظلم هذا ؟؟!..

رحل يامن مرة أخرى .. وكأنه لم يأت بالأساس .. فالتفتت عهد إلى أبيها وعمها ونظرت لزوجة عمها الباكية .. قبضت يدها إلى جنبيها وقالت :
_لن اسامحكم .. ابداً .. ان لم تعيدوا يامن إلى هنا مرة أخرى لن اسامحكم ..

تقدم منها عمها وهو يمسك بكتفيها بحنان :
_يا ابنتى .. لا ترهقى نفسك بتلك الأمور .. يامن اخطأ وهذا جزاؤه فلا تجزعي انتى .. واتركي الأمر لنا ..

هزت رأسها نفياً بقوة وقالت :
_كيف هذا ؟؟!.. هذا ابنك عمى كيف تتركه يرحل بعيداً عنك وعن امه بهذا الشكل .. ماذا فعل ليستحق كل ذلك ..؟؟

نظر لها بعطف ثم قال :
_فعل كثيراً يا بنيتى .. فعل كثيراً بحقك انتِ .. لا اعلم كيف تدافعين عنه بعد كل ذلك ..

نظرت له بأعين دامعة قبل أن تهمس بخفوت:
_لا .. يامن لم يفعل شئ لى ابداً .. انا لا الومه على ما فعله .. لو كان تزوجنى رغماً عنه لكان حالى اسواء من الان بكثير .. هو فعل الصواب .. رغم انه حطمنى ولن أنكر .. ولكنه كان الصواب .. لذا ستعيده إلى بيته .. وإلا لن أسامحكم ..

ثم استدارت راحلة .. تحت أنظارهم ... وانظار يونس الذى يشعر وكأنه يشاهد مسرحية هزلية .. لم يفهم منها شئ إلى الآن .. وكانه ليس طرفاً فيها ..!!
من حُكم عليه بألا يدخل هذا البيت بعد الآن .. ومن حُكم عليه بأن يتزوج أبنة عمه و التى يعتبرها اخته بالمقام الأول .. ماذا حدث .. ؟!
فى حوار بسيط و"جدال عقيم" كهذا كما أطلق عليه عمه .. تقرر كل ذلك فى جلسة واحدة .. وأين قراره هو .. اين رأيه بين كل هذا .. هل أصبح مهمشاً فى تلك العائلة إلى تلك الدرجة .. يتقاذفونه بين أيديهم كالدمية وهو ليس له حق الاعتراض .. بربكم أي هراء هذا .. ؟!
======
دلفت عهد إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها .. ثم ارتمت فوق سريرها تبكي بعنف .. تدفن وجهها بين وسادتها .. تكتم بها شهقاتها وهي تهمهم :
_لماذا عدت؟؟؟!.. لماذا عدت بعد كل تلك السنوات .. كنت قد نسيتك .. صدقنى كنت قد نسيتك .. او احاول النسيان .. ماذا أوقعك بطريقى مرة أخرى ؟؟! .. ويونس .. ماذا سيفعلون به هو الآخر .. لماذا كل الأمور تتعقد بهذا الشكل .. لماذا ؟؟!

وظلت فترة طويلة على تلك الحالة .. إلى أن استقامت جالسة ،ضامة ركبتيها إلى صدرها .. وانفاسها تخرج على هيئة شهقات صغيرة متقطعة .. وقد عادت بها الذكرى ليوم مشئوم ... لا تعرف إن كان حقاً مشئوماً أم لا ....
Flashback....
هذا اليوم كان أسعد أيام حياتها .. يوم تقدم عمها لخطبتها لابنه يامن .. يامن حلمها الازلى .. امنيتها منذ أن وعت على الدنيا .. عشق طفولتها .. مراهقتها .. وشبابها .. لم يكن كوناً ليتسع فرحتها هذا اليوم .. وهي تتنصت على حديث عمها وابيها من خلف باب غرفة الجلوس .. وابيها يوافق مرحباً .. فهو لديه علم بما تكنه ليامن فى قلبها الرقيق .. وحين انتهى الحديث .. تنحت جانباً سريعاً حتى لا يراها أحد .. ولكن يامن كان قد خرج من الغرفة بسرعة .. فلم تتدارك حركتها وهي ترتد إلى الخلف فكادت تسقط ... لولا ذراعيه اللتان تلقفتها .. ضحكت بخفوت ضحكة صغيرة تنم عن طبعها المرح .. ثم همست بخبث :
_آسفة .. لم أكن .. لم يكن بقصدى أن..

ابتسامة طفيفة زينت شفتيه .. تكاد لا ترى .. وهو ينظر لها بنظرة مبهمة .. لم تستطيع تفسيرها إلى الآن .. نظرة من جُبر على شئ .. نظرة من أذنب ربما .. نظرة من يتأسف على شئ ما .. لم تستطيع تحديد ماهية نظرته وقتها .. إلا أنها استشعرت شيئاً خاطئاً .. فخفتت ضحكتها فوراً .. إلى أن همس يامن :
_انتبهي المرة القادمة خطيبتى .. فربما لن تجدى ذراعى ليتلقفانك لاحقاً..

عادت ضحكتها مرة أخرى .. وهي تعتدل فى وقفتها .. ثم قالت بسرعة :
_ اسفة .. انا .. ذاهبة ..

ثم استدارت .. وتركت قدميها للرياح .. تعدو إلى غرفتها ضاحكة بشدة .. فسعادتها هذا اليوم انستها امر تحليل نظرته الغامضة ..
انستها أن تفهم التحذير المبهم الذى كانت عليه كلماته العفوية منذ قليل ..
دلفت إلى الغرفة تضحك بهستيرية .. وتبعثر كل ما تقع يداها عليه .. إلى أن فُتح باب الغرفة فجأة ودلف يونس .. وهو يحذرها بخفوت :
_هشششش... اخفضى صوتك يا مجنونة .. سيسمعك عمك واباك .. وتكون فضيحة لكِ .. تعقلي ..

نفذت الأمر فوراً وهى تقف مكانها .. تكتم ضحكتها بصعوبة .. ثم همست بمشاغبة :
_يونس ..

نظر لها عاقداً حاجبيه بمرح :
_ماذا؟؟!

اجابته همساً :
_على ماذا اتفق عمى وابى ..

رفع حاجباً شريراً ثم قال :
_ألا تعرفين حقاً ؟؟.. من التى كانت تتنصت على حديثهم من خارج الغرفة إذاً ..!؟

هزت رأسها نفياً ببراءة مصطنعة ثم قالت باستنكار:
_من ؟؟! انا ؟؟!.. لا لا طبعاً انا لا افعل شئ كهذا ..

اقترب منها ثم ضربها بسبابته على جانب رأسها ثم قال :
_أصمتى يا وجه العبث .. أنت داهية حقاً ..

أمسكت بيده ثم قالت ضاحكة :
_احذر يونس .. سوف انادى على خطيبى الآن ليضعك عند حدك .. لا تعبث معي ..

ضحك يونس عالياً ثم قال :
_الآن وقد أصبح لكِ صوتاً .. ومكانة تتفاخرين بها .. اين أيام الماضى عندما كنا نشبعك ضرباً ..

احتدت عيناها بمرح وهي تقول محذرة :
_يونس ..

ضحك عالياً ولم يرد عليها .. بينما شاركته ضحكه بسعادة .. وهى لا تصدق حقاً ما حدث ...
End Flashback...
مازال صوت الضحكات يتردد فى اذنها إلى الآن .. وهى تتذكر كيف كانت هى ويامن ويونس من قبل .. كانت حياتهم سهلة بسيطة .. لا يعوقها اى شئ .. ثلاثة أصدقاء كانت حياتهم من أجمل ما يكون .. شتان ما بين الآن وبين قبل خمس سنوات .. الان كل واحد منهم وقد أصابته لعنة ما .. يامن وما فعله والذى إلى الآن لا تعرف سببه .. رغم يقينها بأنه كان لديه حجة قوية جعلته يفعل ذلك .. يونس وفقده لابويه .. وما عناه بعدهما .. وشعوره بأنه مهمش فى هذا البيت .. هى وهذا الداء اللعين الذى أصابها .. وكيف تقاسِ معه منذ عام .. لا تعرف ما حل بهم وما قلب حياتهم الهنية بهذا الشكل …
=======
رأيكم ♥️




روابط الفصول
الفصل 1 .. أعلى
الفصول 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، الأخير .. بالأسفل
الخاتمة .. بالأسفل






التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 01-10-20 الساعة 10:06 PM
Ďonia Mohamed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-09-20, 10:18 PM   #2

Ďonia Mohamed

? العضوٌ??? » 447817
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 77
?  نُقآطِيْ » Ďonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond repute
افتراضي

لفصل الثانى ..
"لن اكرر ما فعلت يا جزء من قلبي بل كل قلبي ..
حمقاء من تغض الطرف عن بريق العشق فى عينيك ..
وانا لست حمقاء كذلك .. لك من قلبي تحية وسلام وتلبية النداء واجب عليه .. وعشق لا ينضب بين اجفانى .. احفظه لك لحين الانتهاء من عزلتك الاختيارية .. كثيرة هى عطاياك لى .. جميل هو حبك حينما تكلل بقلبى .. لأجل ذلك كان الابتعاد عنك ضرباً من الجنون وما كان الجنون يوماً من صفاتى ..!! "
"عهد .."

==========

"جميلة انتِ يا معذبة الفؤاد .. زهيدة هى الراحة أن تقايضت بالشقاء فى لحن حبك .. فلا تخشى مصائب طالما درع قلبي لكِ حامياً ..ستنتهى المخاوف على ضفاف عينيك ..فلن يعرف الحزن لهما طريق .. باسم حبك .. باسم قلبك .. باسمك انتٍ يا تميمة العشق و الهوى .. أقسمت برب هذا الحب الا يعشق القلب سواكِ .. وعليه فقد عاهدته ان احميه مادمت حياً ..."
"يونس .."

==========

"ومن ثم تتخبط روحى فتعيث فساداً بين جنباتى فلا ادرى هل "اتسول" حبك .. ام "اتوسل" ك الرحيل ؟؟!..
جمعنا كتاب .. و فرقتنا رصاصة .. فهل فاز الحب أمام الشر يوماً .. ام أنه قدرٌ .. وما افلح يوماً من عاند الاقدار ..!!!"
"تميمة .."
=========
"لم اكن أدرى وقتها بأننى خسرت كل هذا فى حياتى .. فعقلى و قلبى كانا فى معركة ازلية لا تنتهى .. تائه ما بين مد وجزر ...
ولكنى أيقنت انه لا حياة سوى بكِ ..
ولا عشق إلا لكِ .. ولا يوم من حياتى ..سينقضى بعد ذلك .. الا جوارك ...!!"
"يامن .."
=========

فى صباح اليوم التالى ..
استيقظت عهد بقلب مثقل .. لا تقدر على الحراك حتى .. تشعر وكأن كل همومها تكالبت على جسدها لتزيد المه .. ولكنها تحاملت على نفسها ونزلت للأسفل .. فلم تجد سوى أمها وزوجة عمها بالخارج .. يقفان أمام غرفة مكتب ابيها بوجل .. وأصوات النقاش تأتى من الغرفة ولم تتبينها تماماً .. وقفت جوارهم وما كادت تسأل ماذا هناك الا وقد خرج أبيها وعمها من الغرفة .. فتبسم ابيها بوجهها ثم قال بحنان كعهده :
_تعالى بنيتي .. كنت اريدك فى شئ ..

عقدت حاجبيها بارتياب .. وهي تتقدم منه .. ورأت يونس يخرج من الغرفة خلفهم بوجه جامد بلا تعبير ..
لتهمس بصوت خفيض :
_ماذا هناك يا ابى .. أوافقتم على عودة يامن ..؟!

عبس وجهه .. وهى لا تنفك عن الحديث عن عودة يامن .. وكأن يامن قد أصابها بلعنته للأبد ولا سبيل لها للخلاص .... ليوقل بصوت هادئ :
_لا .. اريدك فى شئ آخر كنا قد تحدثنا به بالأمس ..!

صمتت بارتياب إلى أن استطرد أبيها ملقياً بقنبلته أمامها:
_اتفقنا على زواجكما انتِ ويونس .. مبارك حبيبتى ..

صمت .. صمت .. يحول بينهم جميعاً وهى تنظر لأبيها بعدم فهم .. وعيناها متسعتان .. صحيح انها سمعت الخبر بالأمس .. ولكنها ظنت أنهم .. إنهم يقولون ذلك فقط كى يثيروا حنق يامن .. ويشعروه بأهمية ما فقد بعد فعلته السوداء ... لكن الأمر يبدو بجدية تامة الان .. نقلت عينيها من وجه ابيها إلى يونس الواقف بالخلف .. فوجدته مبتسماً بافتعال .. فهمست بارتباك :
_لكن ……!

ليأتيها صوت ابيها محذراُ :
_لا ليس هناك لكن .. نحن نعلم ما بينكما انتِ ويونس منذ زمن .. فلا تحاولا الإنكار .. ثم اننا لن نجد لكِ أحداً افضل منه .. أليس كذلك يا يونس ..!؟

أومأ يونس بصمت تحت أنظارها المندهشة ..و كأن شخصاً آخر تلبسه .. قبل أن يتركها أبيها قائلاً وهو ذاهب :
_استعدا انتما الاثنان خطبتكما ستكون في نهاية الأسبوع ..!

ليرحلل الجميع من بعده ولم يتبق سوى يونس وعهد .. فانتصبت هى أمامه بقوة وهي تقول رافعة ذقنها بإباء :
_ما تلك المهزلة ؟! .. وكيف توافق على شئ كهذا يونس .. !؟

اختفت ابتسامة يونس دون تعبير محدد ليقول بخفوت .. مقراً أمراً واقعاً :
_ماذا يا عهد .. اى مهزلة .؟! اتعنين أن خطبتنا ستكون مهزلة ..؟!

مسحت بيدها على صفحة وجهها ببطء وتوتر .. لتقول بتعقل تحاول اقناعه بالعدول عن الأمر :
_اسمعنى با يونس .. لن نلف وندور سوياً .. انا وانت نعرف تماماً أن تلك الخطبة مستحيل أن تتم ..!!

جادلها يونس قائلا وهو يفرد كفيه أمامها باستسلام :
_ولما لا ..!؟

لتهتف بعصبية وقد عيل صبرها :
_يونس لا .. ماذا تقول …!!

ثم صرخت به وكل حديثه الهادئ المستسلم هذا يستفزها :
_ماذا دهاك ؟؟!.

ترنحت بعد صرختها تلك .. وهى تشعر بقدميها أصبحتا رخويتين .. غير قادرتين على حملها .. ليقترب يونس منها ممسكاً بيدها .. يسندها بقلق ويقول :
_عهد ماذا بكِ .. لا ترهقي نفسك ارجوكِ..!!

تشبثت بذراعه وهى تقول بخفوت مرهق ناظرة له بعينين مترجيتين :
يونس ارجوك .. انا متعبة .. لا تزد همى ارجوك .. لو تهمك راحتى .. أخبرنى على ماذا اتفقتم ؟؟!.. ولما وافقت على هذا الهراء ..؟

اسندها وهو يسحبها ورائه متجهاً إلى إحدى الارائك .. اجلسها عليها ثم جلس جوارها وقال بهدوء ناظراً إلى عمق عينيها :
_عهد .. اسمعيني انتِ جيداً هذه المرة .. اباكِ يخاف عليكى كثيراً .. وانا مدين له بالكثير .. لذا ..!
صمت قليلاً ثم أردف :
_لم أستطع أن ارفض طلبه .. صدقينى .. نحن نستطيع أن ننجح الأمر .. بإمكاننا ذلك .. انا يونس .. ألا تعرفين من هو يونس يا عهد ..؟!

نظرت له مبتسمة بإرهاق وشحوب ..اااه يا يونس آخى الحبيب .. شددت على يده ثم همست :
_ولأنني اعرف يونس .. ولاننى افهم يونس أكثر مما يفهم نفسه .. انا اعرف انك لا تستطيع أن تكمل الأمر .. ما بيننا أكبر من أن يُفهم .. أو ان يُترجم إلى علاقة زواج او غيرها .. انت اكثر من أخ يا يونس .. كيف سيحدث هذا ..؟؟! ارجوك افهم .. لا يستطيع أحد أن يجبرك على شئ .. انا وانت لن نفلح ابداً فى هذا …!!

نظر لها بإصرار ثم قال :
_ومع ذلك .. انا مُصر .. لابد وأن نحاول .. أنا متأكد إننا نستطيع انجاح الأمر .. لا تعقدي المسئلة.. نحن سنسافر قريباً .. لاستكمال علاجك بالخارج .. سنعقد قراننا ونذهب سوياً .. اتفقنا؟؟!

تنهدت بنفاذ صبر ثم هتفت بحنق وصبر نافذ :
_يا يونس لا تكن هكذا .. انا …!!

قاطعها وهو يقف قائلا بصرامة عكس ما تعودت عليه من حنانه منقطع النظير :
_انتهينا يا عهد .. انا اعرف ما اقول.. قلت لكِ نستطيع .. وانا عند وعدى ..لا تقلقى ..!

لا تقلق كيف لها إلا تقلق وهى تراهم مصرين على تحويل صديق العمر الوحيد .. اخاها بالمرتبة العليا .. الى أشد المواقع إيلاماً لها .. نعم مكانة الزوج عندها لم تكن متمثلة غير فى فرد واحد .. يامن وفقط .. فكيف لها أن تضع يونس مكانه وهى التى باتت تمقت أمور الزواج كلها … بعد ما عرفته من خذلان على يد يامن ..!!
ذهب يونس .. و ظلت تتطلع فى فراغه بملامح مبهوتة … وتتسائل بذهول ..
" ماذا دهى الجميع .. إلهى ماذا يحدث ..؟؟!"
=======
وقف يونس أمام باب الشقة التى طرقها للتو .. منتظراً أن يتكرم صاحبها ويفتح الباب .. وما هي إلا ثوانٍ وفتح يامن الباب بهيئته المشعثة عاري الصدر .. ولامبالاة تحتل قسماته .. ضربه يونس فى كتفه بخشونة ثم دلف إلى الداخل وهو يقول :
_تنحى عن الطريق .. لماذا تقف مثل الحائط هكذا ؟؟!

دلف يامن خلفه وهو يقول بنبرة فاترة :
_تتصرف وكأنك ببيتك !!.. انت مستفز جدا يا يونس ..

جلس يونس على أحد الارائك .. فارداً ذراعيه على ظهرها .. وباسترخاء تام قال :
_نعم يا ابن عمى انا ببيتي .. ألديك اعتراض ؟؟!

ارتمى جالساً على مقعد مواجه له وهو يقول بدون حماس وكأن الحياة أصبحت لعبة مملة مقتها من شدة ما ناله منها :
_حسناً .. هات ما لديك ..!!

زم يونس شفتيه ثم قال آمراً :
_لا .. أحضر لى فنجان من القهوة اولا .. أشعر بالم شديد برأسى ..!

نظر له يامن شزراً ثم استقام واقفاً متجهاً نحو المطبخ الصغير فى شقته المتواضعة .. بتباطؤ .. فنظر يونس فى أثره بتفكير … قبل أن يدور بعينين صقريتين فى المكان حوله بتفحص .. وأثناء نظراته الثاقبة للمكان .. لمح شيئاً لامعاً على طاولة بعيدة نسبياً عنه .. اغشى عينيه بضوء الشمس المنبعث من النافذة .. فاستقام واقفاً بتوجس .. واتجه نحوه .. ليمسكه بين يديه وعينيه تتسعان بغضب .. وعدم تصديق .. وفى تلك الأثناء عاد يامن وهو يحمل كوبي القهوة بين يديه .. فوجد يونس يوليه ظهره ولم ير الغضب الذى احتل ملامحه .. ولا تحديقه بشريط الأقراص الذى يحمله بين يديه ..

ناداه يامن بتوجس قائلا ، عاقداً حاجبيه بريبة :
_يونس ... ماذا تفعل عندك ؟! وماذا حدث البارحة بعد أن غادرتُ ..؟!

ارتعشت عضلة فى فك يونس وهو يضيق عينيه بشر .. ثم التفت ليامن والذى بمجرد أن رأى الشريط بيد يونس حتى اكفهرت ملامحه .. ثم اغمض عينيه بنفاذ صبر أمام أنظار يونس الثاقبة ... وضع يامن ما بيده على طاولة صغيرة جوار قدمه ... ثم قال بهدوء آمر:
_هات ما بيدك يا يونس ..!

احتدت عينا يونس وهو يقترب منه ببطء ثم قال بنبرة خطيرة :
_اريد تفسيراً منطقياً .. ذا أسبابٍ قهرية .. يجعلك تقتنى هذا السم مرة أخرى داخل بيتك يا يامن ..!!

اضطربت انفاس يامن وهو يقول بتلعثم :
_يونس .. انا ..

ولم يستطع إكمال جملته المبتورة .. إثر لكمة ضارية تلقاها من قبصة يونس فترنح للخلف حتى سقط على الأريكة خلفه .. ليصيح يونس به بغضب وهو يلوح بالشريط أمام عينيه :
_ما هذا يا يامن .. ما هذا أيها الأحمق ..؟! أأنت بهذا القدر من الغباء الذى يجعلك تعود لتناول هذا السم مرة أخرى بعد ما فعله بك فى كل تلك السنوات ..!!

صرخ به يامن وهو يمس فكه الملكوم بعدم تصديق :
_يونس ..!!!

تلقى لكمة مرة أخرى جعلت خيط دم رفيع يسيل بجانب شفته من يد يونس الخشنة .. والذي صرخ به ايضاً :
_ماذا .. ماذا تفعل بنفسك بالله عليك .. ألم تكفك ثلاث سنوات من العلاج كنت بها تتركه لتعود إليه حتى اضعت من عمرك الكثير بالمكوث فى المشفى .. حتى تعفنت لتعود إليه مرة أخرى .. ماذا أنت بحق الجحيم .. أتنوي على موتنا جميعاً .. الا يكفيك ما خسرته قبل ذلك .. الا يهمك ما ضيعته من عمرك انت وعهد .. ألا يهمك كيف أصبحت هى فى الوقت الذى كانت فى أمس الحاجة إليك بجانبها .. بربك أليس لديك اي إحساس بالمسؤولية ...؟؟!!!

اشتد صراخ يونس فى اخر هجومه على يامن .. ثم اقترب منه مستنداً بكفه على ظهر الأريكة التي يجلس عليها يامن .. وهو يعاود صراخه وتقريعه له .. فى حين كان يحاول ضرب يامن مرة أخرى ... فباغته يامن بلكمة قوية .. اسقطته أرضاً فاشتد غضب يونس وهو يعاود ضربه .. و اشتد عراكهما وتبادل الضربات بينهما .. إلى أن سقط الاثنان على الأرض تعباً .. ممددين ارضاً سوياً .. يلهثان بتعب واضح .. فقال يونس وهو يسعل قليلاً :
_حسبنا الله فيك يا يامن .. ماذا تفعل بنفسك وبنا ..؟!

باغته بضربة خفيفة بقدمه وهو يهتف :
_بل حسبى الله فيك انت على هذا الإرهاق الذى تسببت لنا به .. لم تعطنى الفرصة حتى أن أشرح لك .. أنا لم أعد اتناوله ابداً .. أنا لم أخذ منه حبة واحدة حتى .. !!

استقام يونس جالساً ثم قال بتشكك ، مضيقاً عينيه ناظراً إليه بتفحص عله استطاع سبر القليل من اغوراه :
_حقاً ..؟!

اومأ يامن بتردد ثم قال بتلعثم :
_فى الحقيقة ….

رفع يونس حاجباً واحداً مرتاباً وهو يقول بحدة :
_نعم الحقيقة انا لا اريد غيرها ..!

حك يامن مؤخرة رأسه ثم قال بارتباك :
_انا كنت على وشك أن أخذ منه مرة أخرى ..!

هب يونس واقفاً فجأة يشرف على يامن من علو .. ثم هدر فى وجهه وكأنه يبصق الكلمات فى وجهه :
_قسماً بالله لو كنت فعلتها يا يامن لكنت ابرحتك ضرباً حتى يتبين لك صاحب .. انت…..

قاطعه يامن صارخاً بقهر :
_كفاك يا يونس كفاك .. انت لا تعلم ماذا أصابني البارحة .. انت لا تعلم حالتي التي كنت عليها .. أرجوك أشعر بى ولو قليلاً .. ماذا كنت تريدنى أن أفعل ..!
هب واقفاً على قدميه ثم اكمل بصوت يقطر مرارة :
_أتعلم كيف شعرت عندما رأيتها لأول مرة بعد فراق دام خمس سنوات .. أشعرت بى وقتها ؟؟!.. وانا ارى الوحيدة التى خفق قلبي لها .. بهذا الحال .. صلعاء الرأس .. هزيلة الجسد .. وقد أخذ منها المرض ما أخذه .. أتعرف حجم الألم الذي انتاب قلبي وقتها .. أشعرت بى عندما نبذني ابى وطردنى عمى على مرأى ومسمع من أهل البيت كلهم .. ماذا كنت تتوقع منى أن أفعل بعد حالة اليأس التي تلبستني ليلة أمس .. ماذا كنت تريدنى أن أفعل ..؟؟!

دفعه فى صدره بخشونة وهو يصرخ به .. فصمت يونس تماماً .. وهو يتطلع له بلا تعبير .. ولم يقاومه حتى فظل يامن يدفعه وهو يصرخ :
_ماذا .. لماذا لا تتكلم أكمل حديثك .. أكمل صراخك واشعرني بدناوة مكانتى لديكم .. فيامن الابن الصالح .. المحب للجميع .. الزوج المنتظر لعهد زهرة العائلة .. ما هو إلا شاب فاسد مدمن على المخدرات أليس ذلك ما تريد قوله .. يامن عديم المسؤولية الذى ترك ابنة عمه ليلة زفافهم وحيدة ... تواجه نظرات الجميع اللائمة وحدها بينما هو هرب فى سبيل نزواته …!!!

رد يونس بهدوء عكس ما اعتمل صدره تلك اللحظة :
_تعرف تماماً أن نظرتى لك ليست بتلك الطريقة ابداً ..!

صرخ يامن ثانية حتى شعر بحلقه يكاد ينشطر نصفين :
_ولكنها نظرتهم هم .. هم ينظرون إلى بتلك الطريقة الدنيئة .. هذه هى نظرتهم عنى بعدما اخفيت عنهم خبر ادمانى .. وسافرت بمساعدتك كى اتعافى ... أليس هذا هو ما يرونه جميعاً وتريد بعد كل هذا أن أظل صامداً .. ولا اتراجع وأعود لتناول هذا السم مرة أخرى ..!

هز يونس رأسه نفياً وهو يقول بهدوء قاتل :
_لا يا يامن .. لا ..هذا ليس عذراً كافياً ابداً .. ما عانيته خلال خمس سنوات .. لم يكن ابداً هيناً حتى تكون ضعيف الإرادة هكذا أمام أول اختبار حقيقى تواجهه بعد شفائك .. هذا ليس عذراً .. وبهذا الشكل انا لا استطيع تسليمك عهد مرة أخرى ..!

عقد يامن حاجبيه وصمت فجأة لوقت طويل يحاول فهم ما يقال .. ثم همس بصوت متقطع وحلق مجروح :
_ماذا تعنى ؟؟!..

رمش يونس بعينه مرة واحدة قبل أن يقول بهدوء قاتل :
_أحذر ماذا حدث ؟؟!... ابيك وعمك عرضوا علىّ الزواج من عهد ..؟؟! و بعدها أخذها معى ونسافر لتكمل علاجها بالخارج ..!!

اصابته صدمة لن ينكر .. ولكنه رغم ذلك ادعى الثبات وبمثالية يحسد عليها …قبل ان ضيق عينه بتوجس ووجيب قلبه يتعالى بشكل مؤلم .. ثم همس متسائلاً:
_وماذا عنك ؟! ماذا قلت لهم ..

القى يونس كلماته والتى كانت لها وقع الصواعق على يامن :
_وافقت .. وانت الآن أكدت لى قرارى ..فإن كنت ترددت للحظة فأنا الآن محيت كل تردد لدى .. عهد .. أضعف من أن أسلمك إياها بحالتك تلك .. هي أكثر هشاشة من أن تتحملك .. انت حالتك ميؤوس منها اصلا .. يكفيها ما هى فيه .. هي .. ليست أهلا لتتحمل عُقدك وحالتك المضطربة .. وبعد تخاذلك وضعفك بهذا الشكل في أول مواجهة لك .. اثبتّ لى انك لا تستحقها .. ستضيعها من بين يديك ثانية مثلما أضعتها أول مرة .. وعهد لدى أكبر من أن أجازف بها من أجلك .. حتى وإن كنت تحبها فأنت لم تفعل شيئاً لهذا الحب .. ولم تكلف نفسك حتى عناء الحفاظ عليه .. لذلك .. انا وافقت .. ولن اتخلى عن عهد ابداً .. سنعقد قراننا آخر الأسبوع .. وانت من اول المدعوين بالطبع ..!

فغر يامن شفتيه يريد قول شئ الا ان الكلمات توقفت فى حلقه .. ولم يجد صوته ليرد عليه به .. فاستدار يونس راحلاً .. وعلى وجهه علامات تصميم مبهمة .. غامضة ..!
بينما ظل يامن واقفاً مكانه .. غير قادر حتى على الحراك .. وقد فقد فجأة كل رغبة لديه فى الحياة ..!
=========
عاد يونس إلى المنزل مثقلاً بالهموم .. حالة ابن عمه هكذا بعد عناء خمس سنوات .. لم تسره ابداً .. اشعرته أن عناءه معه قد ضاع هباءً …!
ارتقى الى غرفته .. وقد ابدل ثيابه إلى ثياب رسمية .. واستعد للذهاب للعمل ...
وقف أمام مرآته .. يتطلع إلى وجهه المكدوم بعبوس .. كيف سيذهب هكذا إلى العمل .. ما هذا اليوم ؟؟!.. لا يأتى من خلف يامن سوى المصائب ...!!!

طرقات رفيقة على الباب تبعتها دخول عهد إلى الغرفة .. ليغمض عينيه ثم همس بيأس :
_لا ليس الآن .. ماذا سأقول لها ؟؟!

وقفت خلفه وهى تتطلع له بعتاب ظلل نظرتها له .. فاستدار لها يونس .. فعبست بمجرد رؤيته .. ثم رفعت كفها و تلمست الكدمات في وجهه ، هامسة بقلق :
_يا الهى ما هذا ..؟؟!..

تأوه يونس تحت يدها .. ثم قال بخفوت :
_على رسلك عهد .. انها تؤلمني ..!

انزلت يدها على الفور ولكن لم يخف عبوس وجهها وهى تتسأل بقوة ام تنهر ابنها المشاغب :
_ما هذا يا يونس .. مع من تشاجرت ؟؟!

همس يونس بتلعثم وهو يحلق بعينيه حولها دون أن يجرؤ على مواجهة عينيها :
_كانت مشاجرة بسيطة في أحد الأزقة .. لا تهتمي ..

همهمت بعدم رضا وهى تنظر لوجهه المكدوم بشدة رافعة حاجبيها بتوجس :
_أحد الازقة ؟؟!!!!.. انت كمن القى بنفسه تحت عجلات عربة يجرها زوج ثيران ..!!

ضحك يونس لأول مرة فى هذا اليوم .. وهو ينظر لملامحها المحببة له .. ثم قال ممازحاً :
_حقاً عهد تشبيهاتك مضحكة جداً .. ومجازية بشكل مبالغ فيه …!!

نظرت له شزراً ثم قالت من بين أسنانها :
_اصمت يا يونس .. و تعال معي لاداوى بعضاً من كدماتك تلك ..

تحرك معها مسلما ، مستسلماً .. حتى اجلسته على طرف فراشه .. ثم ذهبت لمدة قصيرة .. وأحضرت معها منشفة بها بعض قطع الثلج .. ثم جلست جواره و بدأت بتمريرها على كدمات وجهه .. ليتأوه بخفوت وهو يقول :
_اوووو .. ببطء عهد لا تنتقمى منى الآن .. أيرضيكى أن يكون زوجك المستقبلى مشوه الوجه ..!

رفعت عينيها إليه بحدة .. ثم قالت بتحذير شديد اللهجة :
_كفاك هراءً يا يونس .. انت تعرف تماماً أن هذا لن يحدث ..ابداً …!!

ظل ينظر لها لفترة طويلة .. يتأمل ملامحها القريبة منه .. ثم همس بعد فترة :
_لنرى يا عهد أن كان سيحدث أم لا …!

رفعت عينيها إليه فجأة بعد أن كانت اخفضتهما .. وباغتته بقولها :
_أهو يامن من فعل بك هذا.؟!

عقد حاجبيه بشدة ثم قال دون مواربة :
_من اخبرك؟!

ابتسمت باستخفاف ثم قالت بنبرة ممطوطة :
_لم يقل لي أحد .. أنا الآن فقط عرفت .. ثم انك تغافلت عن انك لا تستطيع الكذب على انا من بين جميع الناس يا يونس ..

امسك بيدها التى تمر على وجهه و ثبتها فى الهواء .. ثم همس مجدداً :
_ نعم .. ولهذا .. أتقبلين بى زوجاً يا عهد ؟؟!

نظرت له بصدمة من جدية سؤاله .. ولكنها حاولت تغير الموضوع بارتباك قائلة :
_لماذا فعل بك يامن هكذا .. لماذا تشاجرتما ؟؟!"

فأعاد بأكثر قوة ، ناظراً لعينيها بإصرار مبالغ فيه :
_عهد .. أتقبلين بى زوجاً ؟!

نزعت يدها منه وهى تقول بحدة أقرب منها للصراخ :
_لا .. لا أقبل بك زوجاً يا يونس .. ما بينى وبينك كثير جدا .. ولكن قلت لك .. لن نستطيع ترجمته إلى زواج ابداً ابداً .. انا ...

صمتت لاهثة قليلاً .. قبل أن تقذف كلماتها بوجهه :
_انا مازالت احب يامن .. نعم .. رغم كل ما فعل .. لازلت احبه .. بل انا لم انقطع للحظة واحدة عن حبه منذ رحل .. رغم نظرة الناس لي يوم تركني ليلة الزفاف وسافر .. مازلت احبه .. رغم جرحى بسببه .. الا اننى احبه .. رغم كل ما ألمّ بى ..!

اختنقت نبرتها بالبكاء .. وهى تستطرد .. خالصة رأسها شاعرة بالخزى من نفسها .. وبالخذلان منها قبل أن يكون منه:
_رغم حاجتي له في أشد لحظاتى الماً وهو ليس بموجود .. الا اننى احبه .. رغم كوني لا استطيع مسامحته لكنى احبه .. أما زلت تسأل أأقبل بك زوجاً ام لا يا يونس ..؟؟!

نظر لها يونس بنظرات مبهمة طويلاً .. قبل أن يقف على قدميه .. وهو يعدل من سترة حلته ، قائلاً بهدوء :
_اراكى لاحقاً يا عهد .. انا ذاهب ..!

ثم استدار ليغادر دون أن يأبه لندائها النادم على كل ما قالته له ... بينما هبطت دموع عهد التى كانت تكبحها بقوة .. ولكنها خذلتها وابت الا تسقط .. سقطت جالسة أرضاً و بكائها يزداد حدة شيئاً فشيئاً .. ضمت ركبتيها لصدرها .. وهي تنتحب وتتذكر نفسها عروساً جميلة .. اميرة بكل ما تحمل الكلمة من معنٍ .. بفستان زفافها الأبيض وكل بهائها ... واقفة فى منتصف صالة بيتهم تنتظر "العريس الهارب" ... وما من أحد .. ظلت تنتظر وتنتظر وتنتظر .. إلى أن انقضت ليلتها ومازال العريس غير موجوداً .. وبالنهاية ةقفت أمام عمها وهى تتسأل بهدوء أقرب إلى البرود .. بل التجمد .. والتجرد من كل مشاعرها الآدمية :
_أين يامن يا عمى ..؟!

الا انه كان اكثر خزياً من ان يجيبها .. مطأطأ برأسه دون أن يجد قدرة على إجابة سؤال بسيط كهذا ..
حينها لستدارت عائدة إلى غرفتها .. ولم تعر اهتماماً لندائتهم المتكررة لها .. بل لم تكن اسمع سوى طنين يصم اذنيها .. وصوت مبهم يهمس من بعيد..
"لقد تركك ورحل…"
========
وصل يونس إلى مقر عمله بعد هذه الساعات المضنية .. وتقدم إلى الداخل ..
وقف أمام المصعد الخاص بالمدراء ... وللحظ العاثر الذى يكمل اليوم .. وجده معطلا .. فاضطر لاستقلال المصعد الخاص بالعاملين ... وقف أمامه بضيق من كثرة النظرات الموجهة له ...و انتظر حتى انفتح ثم دلف للداخل ... وأغلقه عليه وحده وهو يتنفس بسرعة وضيق ... ثم ضيق عينيه بتفكير .. مُتذكراً حديث عهد قبل قليل فى بيتهم .. ثم همس بتفكير :
_اذن يا عهد .. انت لازلت تحبينه ... حسناً .. لنرى ما سيحدث ..!

صمت ... و انتظر لحظات حتى انفتح باب المصعد مرة آخرى... وبينما يهم بالخروج ... ارتطم بشيء ما …!
شئ له عينين ساحرتين ... يغطي شعره الأسود اللامع وجهه كله عدا عيناه من قوة الاصطدام ... تقتصر المسافة بينهم على بضع شعيرات بسيطة جداً ... ليظل متأملاً بعمق عينيها الجميلتين وقد أدرك نوع المرتطم به من خلال عيونه العسلية اللامعة ... ارتد خطوة للخلف ... بينما قامت تلك الجميلة ... بنفض شعرها عن وجهها ... حينها شعر وكأنه ... وكأنه ... يفتح أحد له هدية ما ليريه إياها ... وما كان أجملها من هدية ...!!
شفتين كرزيتين لا يدرى لما نظر لهما ... وجه محمر ووجنتين كالتفاح ... ظل ناظرا لها بعضاً من الوقت ... إلى أن ... كاد باب أن ينغلق وهى ماثلة فى منتصفه ... اقترب منها بسرعة كبيرة ... وهو يمد ذراعيه ليمنع انغلاق الباب ... ارتبكت ووقفت ترتجف ... وشعر هو بارتجافتها ... فابتلع حديثه الهجومي الذي كان ينوي التفوه به ... وجذبها من ذراعها إلى الداخل ... هتفت بشراسة وحاجبيها منعقدان :
_ما هذا الذى تفعله ؟؟! .. لما تجذبني هكذا؟؟! ...

التمعت عيناه ببريق وحشى وهو يهتف بفظاظة عكس ما يمليه عليه المنطق للتعامل مع هذا الكائن شديد ال .. الجاذبية .. سيكون كاذباً لو قال رقة او نعومة او حتى هشاشة ..فعينيها كانتا تنضحان شراسة غير منتهية :
_نعتذر عن التسبب بالإزعاج لسيادتك .. ولكنك لم تلاحظى انغلاق باب المصعد عليكى ..

اكتسى وجهها بحمرة الخجل ولكنها رغم ذلك هتفت :
_ومع ذلك لا يصح أن تجذبني هكذا ..

وقف مسمرا ينظر لها وكأنما ينظر لكائن غريب ... لكنه عقد حاجبيه عندما لاحظ ... إن حمرة وجهها ليست طبيعية .. بل ناتجة عن انفعال ... أو غضب ... وهى واقفة تلهث بشدة ... كمن لتوه أنهى ماراثون للجرى ... كمن يهرب من أحد ما ...
شعر وأنه يزيد الموقف عن أهميته ... وسخف موقفه هكذا ... استدار عنها و ولى شطره باب المصعد بجمود دون أن يعيرها اهتمام أكثر ...
عقدت حاجبيها بدهشة منه .. أى مختل هذا؟؟!
لتوه كاد أن ينفجر فيها ... للحظة واحدة أدار وجهه وكأنها ليست بموجودة ... استدارات هى الأخرى بجمود مماثل وانتظروا بصمت مطبق عليهم ... حتى انفتح باب المصعد مرة أخرى ... فخرجت هى أولا وهى تتقصد ذلك ... لاحت شبه ابتسامة على شفتيه وهو يرى طفلة أمامه ليست بانثى ناضجة كما يبدو ... خرج وهو يمنى نفسه أنه موقف ليس إلا. .... ولكن من يعلم فقد يمتد إلى المالانهاية .... اتجه نحو مكتبه الخاص ... وقد إصابته بداية اليوم بالضيق الشديد فماذا سيفعل بقيته ... بدأ فى عمله حتى سمع طرقا على الباب ... فاذن للطارق بالدخول فوجد إحدى زميلاته ... ورئيسة لأحد الأقسام .. تدلف إلى الداخل .. وتعلمه بهوية الموظفة الجديدة والتى سوف تتولى مكانها ... فقال يونس بهدوء :
_فريدة .. أنا لا أريد أى شخص والسلام .. انا اريدها بنفس كفائتك .. ولولا اصرارك على الرحيل والاستقالة .. انا لما كنت تركتك ابداً ..

هتفت فريدة بابتسامة دبلوماسية :
_لا تقلق سيد يونس .. أنا اخترتها بعناية .. وإن شاء الله ستكون لدى حسن ظنك ...
اومأ لها بصمت وابتسامة جامدة حتى خرجت ... ودلفت بعدها بلحظة ... نفس تلك الفرسة الجامحة التى رآها فى المصعد ... ما بالها ... ألن تتركه حتى يهنأ فى عمله ... اتسعت عيناه باتساع غير ملحوظ ... وهو يفكر أن تلك هى المديرة الجديدة ... يا للكارثة .... امتثلت واقفة أمامه بتهذيب ينافي تلك الشراسة التى رآها بها منذ قليل حتى قالت بتهذيب مفاجئ :
_تحت أمرك ...

ظل ينظر لها مليا بصمت طويل حتى قال بهدوء مستفز:
_هناك أوراق فريدة ستسلمك إياها ... ومستندات لابد أن تناقشيها معى ... وعقود لابد أن تتراجع ... وعمل لابد أن يُنجز .. وأشياء كثيرة تنتظر لنفعلها .. اليوم ..

وشدد على كلمته الأخيرة ... بدا وكأنه يريد أن يجعلها تقدم استقالتها هى الأخرى ... ولم يتوقع أن تقول بتهذيب :
_أمرك سيدى .. كل شئ سوف يُنجز .. عن اذنك ..

والتفت لتخرج ... اعترته دهشة من تهذيبها المفاجئ لكنه لم يعقب عليه ... بل ناداها قبل أن تخرج قائلا :
_قلتى لى ما اسمك ؟؟!

قالت دون أن تلتفت له :
_اسمى .. تميمة .. تميمة الاسيوطى .. سيدى ..!

قالت جملتها ثم خرجت .. بينما هو .. أومأ برأسه بشرود .. وهو يشعر بأن وراءها لغزا محيرا ... سوف يتعبه فى حلوله ......وهمس باسمها وعينيه تشردان بعيداً :
"تميمة .."
=======
"هناك شئ خاطئ .."

فى نهاية اليوم .. كان يوماً حافلاً بالعمل مثلما قال لها .. وقد هده التعب .. وخاصة وهو يفكر كيف ستسير الأحداث مع عهد اليوم ..!
وقف أمام شرفة مكتبه ينظر منه للخارج وللمارة فى الشارع .. فى لحظة هدوء نادراً ما يحصل عليها فى يومه الحافل .. نظر لأسفل للسيارات والمارة وهو يرى كل شئ فى حجم عقلة الأصبع من الارتفاع الشاهق الذي يقف على بعده ..
فى تلك اللحظة .. شعر وكأن الدنيا أصغر وأتفه من أن نقيم لها كل تلك الأهمية .. للحظة زهد الدنيا وما فيها .. لم يعد يريد شيئاً من تلك الدنيا ابداً .. يريد أن يرتقى لأعلى جوار ربه .. وجوار أمه وأبيه .. همومه ثُقلت .. وحياته أصبحت عبئاً لا يحتمل .. شعر وكأن روحه تطفو فوق سطح شفاف .. لحظة صفاء له .. تعوضه عن مشقة اليوم بأكمله .. ولكن ذلك الصفاء لم يستمر إذ به يُفاجئ برؤية تميمة .. تمشي بتعثر وغير هدى .. تتلفت حولها بارتباك .. وهى تقف على جهة من شارع السيارات أمام طريق البحر السريع .. ظلت عينيه مسمرتان عليها .. يراقب كل حركة منها .. إلى أن وجدها تلتفت مولية ظهرها لجهة الشارع الأخرى بذعر .. ولم تمر دقيقة .. إلى أن وجد سيارة أجرة تقف خلفها .. وشاب يترجل منها .. ثم وقف خلفها بلهفة .. فاستدارت فجأة وهى تقترب منه بشدة حتى تلاشت نهائياً .. واختفت قامتها القصيرة أمام طوله الفارع ..
احتدتا عينا يونس فجأة .. وتوحشت بشدة .. وتلك الفتاة المسماة تميمة .. تنتقل مع الشاب إلى سيارة الأجرة وملامحها مخفيه فيه تماماً .. ماذا تظن نفسها فاعلة .. وما أصلها ؟؟!.. ومن ذلك الشاب اصلا ؟؟!..
شعر وكأنه لا يفقه شئ ابداً ... هو يعلم من خلال مقابلة العمل التى اُجريت لها بواسطة فريدة .. انها وحيدة هنا فى تلك المحافظة .. إذن من ذلك الشاب .. ولماذا ذهبت معه طالما انها ليس لديها اقارب هنا ؟؟! ... انطلقت السيارة من أمامه .. وهو يراقب الطريق بملامح مبهمة .. وعقله يحدثه .. بعلامة الخطر ..
....... هناك شئ خاطئ ....!!!!!
=====
"أنا وأنت ... كضفتى نهر .. متشابهتان .. اكثر مما تتخيل ... ولكن يستحيل لقائنا .. لأننا إذا تلاقينا .. رُدم النهر وأصبح غير ذا قيمة لساكنى ضفتيه .. كذلك نحن .. كتلكما الضفتين .. محكوم عليهما بألا يجتمعا .. طالما وجدا على الأرض ... الا بحلول كارثة ما ...!!"

هذا ما كان يجول بخاطر عهد وهى تفترش الأرض .. تتناثر حولها صور عديدة .. قديمة وجديدة .. وبيدها تقبع إحدى الصور القديمة نوعاً ما .. ليس قِدم زمن .. بل قِدمُ الذكرى .. ذكريات عاشتها هى و يامن و يونس .. حدثت فى إحدى الأيام التى ليست بالبعيدة .. ولكنها تشعر بأنها آتية من اعمق اعماق ذاكرتها .. حين كانوا يمرحون كالأطفال لا شباب قد تجاوزوا العشرين .. ظلت تتأمل الصورة التى بيدها .. والتى كانت فيها هى تقف فى المنتصف .. تتعلق بذراعي يامن و يونس .. وعينيها موجهتان ليامن الذى ينظر لعدسة الكاميرا ضاحكاً .. بينما يونس ينظر لها هى باستغراب .. وكأنه يستغرب لما كل ذلك الاهتمام بيامن .. ولكن الصورة كانت قبل أن يتقدم يامن لخطبتها اى قبل أن تُعلن اى من مشاعر الطرفين .. ضحكت بخفوت ودمعة شريدة تسقط فوق وجنتها ... وهى تتطلع لملامح يونس المعقدة .. فهمست بخفوت :
_ااه يا اخى الحبيب كيف لى أن أفكر ولو للحظة بما يملونه على ... بل .. هل مع هذا المرض سأعيش إلى ذاك اليوم الذي سأكون فيه اماً لأطفال أحدهم ...

_ولما لا ؟؟!..ولكن السؤال الأهم .. من هو هذا الاحدهم يا ترى ؟؟.!

رفعت عينيها بحدة ليونس الواقف بباب الغرفة .. مستنداً إلى إطاره بكتفه .. وهو ينظر لها مبتسماً ..
اخفضت عهد عينيها إلى الصورة مرة أخرى .. ثم قالت بوضوح دون مواربة :
_لما لا !!.. فأحب أن أعلمك أن لم تكن تعلم بأن مرضى يمكن أن يودي بحياتى في لحظة ما ... اما بالنسبة عن هوية الاحدهم .. فإنه بالتأكيد ليس أنت يا يونس ..!

اقترب بخفة .. و جلس جوارها أرضاً دون أن تتأثر ابتسامته .. ثم قال بهدوء :
_اتركى الجدال فيما بعد .. دعينا الان نستمتع قليلاً بالذكريات القديمة ..!

ابتسمت ابتسامة خفيفة .. لا ترى بالعين المجردة .. ثم ناولته إحدى الصور وقالت بلامبالاة مدعاة :
_إذن كيف حال وجهك الان .. ؟!

اومأ بخفوت وهو يتأمل الصورة ثم قال شارداً :
_بخير نوعاً ما ..!

صمت قليلاً .. ثم استطرد :
_أتعلمين يا عهد .. دائماً ما كنت اعتبرك مثل اختى واكثر .. حتى انكِ كنتى لى العائلة التى فقدتها ..

استبشرت عهد بالبداية فقالت بلهفة وهى تومئ برأسها تأكيداً :
_نعم .. نعم انا اختك يا يونس .. لا تنسى هذا ..!

ابتسم بسماجة وهو يرفع وجهه لها قائلاً :
_ولكنك لم تعودي اختى الآن .. فقريباً جدا ستكونين زوجتي ..!

كانت تمسك بصورة فى يدها .. رمتها فى وجهه بقوة وهى تعبس وتزم شفتيها بحدة .. ثم صرخت به :
_أغرب عن وجهى يا يونس .. لا اريدك فى غرفتى بعد الآن ..
ضحك يونس عالياً قبل أن يلف ذراعه حول كتفيها ويضمها إليه وهى تقاوم بشراسة :
_هيا يا اختي لا تكوني عنيدة ..

شهقت باكية وهى تضربه بقبضتها فى صدره .. ثم قالت بتلعثم :
_لا اريدك بعد الآن .. لا ابن عمٍ .. ولا أخ ولا اى شئ .. لم أعد أريد شيئاً من أحد ..

غطت وجهها بكفيها منتحبة .. فربت يونس على كتفيها قائلا :
_كفى ياعهد .. لا ترهقي نفسك .. كل شئ سيكون على ما يرام .. صدقينى .. اخوكِ يعدك بذلك ..

همهمت بخفوت من بين كفيها :
_إذن تعترف بأنك اخى ...

ضحك يونس ضحكة صغيرة خبيثة قبل أن يقول :
_حسناً .. لأكون صريحاً ليس لوقت طويل .. إلى أن تصبحين زوجتى فقط ..

ازداد بكائها حدة .. ولم تعقب على قوله سوى بضربه فى منتصف صدره ...
========
رأيكم..


Ďonia Mohamed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-09-20, 04:34 PM   #3

Ďonia Mohamed

? العضوٌ??? » 447817
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 77
?  نُقآطِيْ » Ďonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثالث ..
بعد فترة قصيرة كانت عهد تجلس جوار يونس فوق سور البحر .. تقضم من الدرة التى تمسكها بين يديها بقوة .. ثم قالت وهى تمضغها :
_أتعرف يونس .. لولا أنك قمت بإخراجى من هذا البيت الخانق لما كنت سامحتك ابداً ..!

فأجاب يونس ضاحكاً وهو ينظر لها تأكل من الذرة بشراهة لطالما عهدها شرهة فى كل ما تحبه :
_اعرف نقاط ضعفك جيداً .. لهذا استغلها دائماً ..!

نظرت له بازدراء ثم قالت كمن يحاكى طفلا صغيراً :
_حسناً لا تفعلها ثانية ..

ضحك عالياً وهو يرد بدوره:
_امرك يا امى ..!

فجأة تعالى رنين هاتف يونس .. فأخرجه ونظر له للحظات.. ثم قال لعهد :
_سأذهب لدقيقة فقط .. ثم أعود ..

اومأت بصمت وهي تنظر للبحر أمامها .. سواده ليلاً هكذا مخيف جدا .. لا ينيره سوى شعاع بسيط من القمر يتكسر فوق صفحة مياهه فينعكس بلمعان يغشى عينيها انبهاراً.. وهى التى لم يبهرها اى شئ فى الكون قبل ذلك سوى التماعة عينا يامن شغفاً كلما كان يراها .. و لكنها فى النهاية اكتشفت ان شمس الحب لا تبهر العميان ..
الغريب ها هنا .. انها ليست خائفة .. فقد فقدت كل خلايا الإحساس لديها .. لم تعد تشعر بشئ .. تشعر بأنها أصبحت متبلدة المشاعر بدرجة تثير حنقها على نفسها ... تشعر وكأنها .......
قاطع تفكيرها الجهنمى ذاك .. جلوس احدٌ ما جوارها .. ما كان سوى ...
_يامن ..!!
هكذا نطقت باسمه بدهشة ... وهى تتطلع له باستغراب من وجوده بهذا المكان .. بهذا الوقت تحديداً .. عقدت حاجبيها وبوادر الإدراك ترتسم على محياها الجميل .. ثم زمت شفتيها بصبر وهى تعاود النظر إلى البحر أمامها .. دون أن تعير المبتسم جوارها اى اهتمام ...

لم يتأثر يامن بلامبالاتها له .. فهو يعلم جيداً عمق الجرح الذى سببه لها .. لكنه كان مجبراً .. لم يكن يستطيع أخبار أحداً بشأن إدمانه .. رغم أن احداً لن يؤذيه إطلاقاً .. لكنه لم يستطع .. شئ بغيض داخله حثه على الهرب دون إعلام أحد .. ولم يكن يعلم بحالته سوى يونس .. كان يشعر بأنه لو عرفت عنه ذلك لكان سقط فى نظرها .. لكنه أيضاً لم يحسب عواقب فعلته .. ولم يدرك أبعاد الموضوع جيداً .. إذ بها نظرتها له الآن أبشع عما لو كانت عرفت بالأمر ...
همس يامن باسمها بخفوت وكأنما يتذوقه :
_عهد ..!

تنهدت بصمت داخلها .. واغمضت عينيها لوهلة .. لتفتحها وقد بانت بهما القوة جلية .. ثم قالت بهدوء :
_ماذا تريد يا بامن ؟؟!..

رد مبتسماً ، مراقباً لها :
_ماذا ؟؟!.. الا يحق لى أن أجلس مع ابنة عمى بعضاً من الوقت ..

ابتسمت بمرارة شديدة ثم قالت بصوتٍ يحاكى ابتسامتها مرارة :
_ابنة عمك .. تلك التى ظلت يومين بلياليهم تنتظرك .. تنتظر أن تظهر .. فقط تظهر ولا شيئاً آخر ..!

مست كلماتها قلبه .. فلمس كفها المستريح فى حجرها ثم همس :
_سامحينى يا عهد .. ارجوكِ .. لو تعلمين ما كنت اعانيه لما كنت قلتِ كل ذاك الان ..!

شعرت بكهرباء تسري بأوصالها .. فانتشلت يدها بسرعة ثم قالت منهية الحوار :
_ لم يعد هناك مجال للحديث بيننا يا يامن .. ارجوك اذهب ..

تمسك بكفها بإصرار .. رافضاً أن يتركها .. ثم قال برجاء :
_ارجوكِ يا عهد .. انا .. كنت .. أنا ..

نظرت له على أمل أن تجد تبريراً قوياً منه .. وهي تحثه قائلة :
_انت ماذا يا يامن .. اجبنى ..؟!

اغمض عينيه لوهلة .. يا إلهى ماذا كان سيفعل .. كان سيخبرها بكل شئ .. لا لا تعقل يا يامن ..

فتح عينيه بعدها ثم قال بهدوء :
_فقط اردت قول ... سامحينى .. هذا فقط ما أريده ..!

نظرت أمامها وهى تشعر بخيبة أمل تجتاحها .. ماذا كانت تعتقد .. هل سيعطيها مبرر قوي عن هروبه ذاك اليوم .. كالعادة قلبها اللعين يضعف أمامه .. ويتمنى انه لو كان لديه مبرر ولو من اتفه الأسباب .. لكانت سامحته من فورها .. ولكنه لا يعطيها امل .. ابداً .. بل يقتله فى مهده ..!

أفاقت من شرودها على كلماته :
_أتتزوجينني يا عهد ؟؟!

لم تنظر له .. بل ابتسمت بمرارة وهى تشعر فى هذا اللحظة أن كل الألم على مدى ثلاث سنوات من العلاج قد تجمع كله فى تلك اللحظة وهو يقول له تلك الكلمات .. أتتزوجينني ؟؟! .. وكأن التاريخ يعيد نفسه أمام عينيها الذائبتين به .. انحدرت دمعة صغيرة فوق وجنتها .. ثم همست بعد فترة طويلة .. طويلة جداً :
_لقد تأخرت كثيراً .. تأخرت كثيراً يا يامن …!

نظرت له ... ثم نزلت عن السور .. وتركته وذهبت أوقفت سيارة أجرة .. ثم ركبتها وانطلقت بها .. ويامن يجلس مكانه .. يحدق في فراغها بأعين دامعة .. تطل منها قلة الحيلة .. وخيبة الأمل .. والندم على شئ ضاع يعتقد بأنه لن يجده مرة أخرى .....

_انت تزيد الأمر سوءاً يا يامن .. صدقنى .. كل شئ تفعله خاطئ ..!!

التفت يامن إلى يونس الواقف على مقربة منه .. والذى كان يشاهد الموقف من بعيد دون أن يتدخل ، بأعين غامضة ..
عقد يامن حاجبيه ثم قال :
_منذ متى وأنت هنا ؟؟! .. وماذا ؟؟!..

صمت وهو يدرك وجود يونس منذ أول اللقاء .. لم يكن يعرف بأنه موجود .. فقد أتى ينشد بعض الراحة والهدوء .. ليفاجأ برؤية عهد وحدها جالسة على سور البحر .. فى مشهد خلب لبه .. ولكن لم يطرأ على باله وجود يونس .. او ان رؤيتها قد منعت عقله من التفكير ..
استقام يامن واقفاً وهو يبتعد عن يونس دون أن يجيبه .. امسك يونس بذراعه يوقفه.. ثم قال بقوة :
_كف عن ملاحقتها يامن .. انت تزيد الأمر سوءاً قلت لك ..

نزع يامن يده بقوة ثم قال بحدة :
_لا دخل لك .. ألن تتزوجها بعد مدة قصيرة ما شأنك أنت بما افعل انا ..؟

نظر له يونس شزراً .. ثم قال بقوة :
_اذهب يا يامن .. اذهب ..

رمقه يامن بنظرة غاضبة قبل أن يلتف مغادراً .. ليقف يونس مكانه .. وحيداً .. ثم همس محدثاً نفسه بتعب :
_تعبت .. تعبت منكم جميعاً .. كلما حاولت جمعنا .. تفرقوا انفسكم بمنتهى الغباء ..!
========
فى غرفة بسيطة جدا .. داخل شقة تحاكيها بساطة .. وعلى سرير مهترئ جلست تميمة باكية .. ضامة ركبتيها لصدرها .. تنظر أمامها بنظرات فارغة .. ووشاح يلتف حول رأسها كحجاب .. واصوات كثيرة من ماضٍ قريب تتردد في آذانها .. تكاد لا تشعر بشئ من فرط انهاكها .... تكاد تغوص فى أفكارها القاتلة .. تموت ببطء كل يوم .. خوفاً من اكتشاف أمرها ... تذهب وتجئ وهي تتمنى انشقاق الأرض لتبتلعها ..
طرقات بسيطة على الباب تبعها دخول شابة فى مثل عمرها تقريباً .. اقتربت من فراشها ثم ربتت فوق كتفيها وقالت :
_ألن تأتي لتأكلى يا تميمة ..؟!

هزت رأسها نفياً .. دون أن تنظر لها حتى .. فصمتت الأخرى دون أن تزيد كثيراً .. وهى تهز رأسها بقلة حيلة .. وخرجت من الغرفة .. بينما ظلت تميمة مكانها
عقلها يعمل كمكينة لا يكف عن التفكير .. ترى هل ما فعلته قبل ذلك صحيح ؟؟!.. أم أن قرارها لم يجلب لها سوى التخبط والخراب ....!!
==========
بعد مرور يومين ...
ذهب يونس إلى بيت يامن ليراه .. بعدما انقطع عنه اليومين الماضيين ... خشى أن يعود لتناول تلك السموم مرة أخرى بسبب ما يحدث حوله ..
ظل واقفاً أمام الباب .. وضغط الجرس ولم يجد رداً .. ظل حوالى العشر دقائق دون رد .. إلى أن تمكن منه القلق .. فحاول الاتصال بيامن الذى استجاب للمكالمة بعد وقت طويل .. فهتف يونس بحنق فور فتح الخط :
_أيها الأحمق .. اين انت الان ...!؟ مر وقت طويل وأنا واقف أمام شقتك ولا رد .. اين انت ..!؟؟؟

صرخ بآخر جملته .. والتى تبعها ضحكة صغيرة من يامن الذى قال :
_أنا لست فى المدينة يا يونس .. انا تركت المدينة ليلة أمس ... فلا تتعب نفسك بالانتظار ..!

عقد يونس حاجبيه ثم قال بتوجس :
_تركت المدينة ..؟؟!.. ولكن لماذا ؟!؟..

صمت طويل قابله من الجهة الأخرى إلى أن قال يامن بنبرة شاردة :
_أردت أن ، استعيد يامن الحقيقى .. أردت إنهاء أمر كونى عالة فقط .. أردت أن اكون نفسى يا يونس ..!

ليهتف يونس بحنق :
_ما هذا الكلام غير المفهوم أيها الأحمق .. عد يا يامن من حيث أنت .. كم مرة سأضطر لأن أقول لك .. ألا تزيد الأمر سوءاً ..

تنهد يامن قبل أن يجيب بهدوء :
_يونس .. لا مجال للجدال العقيم الان .. انتهى الأمر .. أنا جئت إلى هذه المدينة لأبدأ من جديد .. لاعتمد على نفسي كلياً .. لا أريد شيئاً من أحد .. وعهد قد اطمأننت عليها معك ..

صمت لبرهة وكأنه يجاهد لإخراج الكلمات من فمه .. ثم أردف بخفوت متألم :
_أنا أعلم بأنني لم أعد أصلح لها .. أنت ستكون خير عون لها كما كنت دائماً .. بينما انا لم اقدم لها سوى الألم طيلة حياتى .. لذا فهى معك بأمان أكثر منى .. وانا لا أريد لها سوى الخير ..

رمش يونس بأهدابه عدة مرات .. ثم حاول القول بأسلوب مقنع :
_يامن .. فقط عد .. ابدا من الصفر من هنا .. وافعل كل شئ لكن هنا ، بجوارنا .. لاننا كلنا نريدك ..

ضحك يامن بسخرية .. ثم قال :
_من هؤلاء الذين يريدونني ؟! .. هل أنت أحمق لتلك الدرجة .. هل نسيت الاستقبال الحافل الذي استقبلوه لى ..!

كادت أعصاب يونس تحترق وهو يقول بعصبية :
_لم يكن احداً يعلم بشئ يا غبى .. لا أحد يعرف بما مررت به .. لا أحد يعلم معاناتك ابداً .. لذلك هم يتصرفون بهذا الشكل ..

فاجأه يامن بقوله العاتب :
_وانت .. الم تكن تعلم بما مررت به منذ البداية .. ومع هذا هددتنى بأخذ عهد منى .. وعاملتني وكأننى نكرة
.. دون مراعاة لفارق السن بيننا حتى ..

هتف يونس بحرارة :
_كنت اريد أن اثنيك عما كنت تنوي فعله .. ولاننى أدرك معاناتك جيداً .. لم أشأ لك الشر ابداً .. ولم اردك لأن تعد لتلك السموم مرة أخرى .. لهذا فعلت ذاك وكنت قاسٍ معك ..

قال يامن بهدوء متنهداً :
_هذا لا يهم الآن يونس ، فقد حدث ما حدث .. لن أوصيك بعهد .. لأنك خير حافظ لها .. وليكن الله معك أينما كنت ..

ثم ودون إنذار أغلق الخط ، تحت مسامع يونس المصعوق .. وهو لا يدرى إلى أين السبيل من تلك المصيبة ...
=========
ذهب يونس إلى عمله هذا اليوم .. وهو يشعر بأختناق من فكرة ذهاب يامن .. عقله يؤنبه على تلك القسوة التي عامله بها فى آخر لقاء لهما .. هو لا يعلم ماذا دهاه .. دلف إلى مكتبه .. ثم فك ربطة عنقه ونزع السترة خاصته .. ووقف أمام نافذة غرفته مرة أخرى .. يشعر انها متنفسه الوحيد .. يحاول إيجاد طريقة لإقناع يامن بالعودة ... ولكن استرعى انتباهه .. تلك التميمة وهى تسير على غير هدى .. تنظر ورائها بين الفينة والأخرى ... وكأنها تهرب من شبح ما .. ثم انزوت إلى شارع جانبى .. واختفت عن انظاره .. رغم أن مقر الشركة يبعد بضع خطوات فقط عن موضعها عندما كانت تسير .. ومع ذلك سلكت طريقاً مطولاً ، من خلال الشارع الجانبى .. انها تثير ريبته .. كل افعالها متضادة .. ورائها شئ هو لا يستطيع تحديد كنهه .. منعزلة عن الجميع .. تصد الناس جميعاً عنها وترفض التعامل مع ايا كان .. رغم تحررها وعدم التزامها .. حتى انها لا ترتدي الحجاب .. إلا أنها ترفض أن تصافح أحداً باليد .. ترفض الحديث مع اى أحد من نطاق العمل ..حتى كل عملها معه بكلام مقتضب دون تحية حتى .. هو يعترف بأنه لابد أن تكون هناك رسمية فى العمل .. ولكن ما تفعله ليست رسمية بل تعنت .. ومن ينظر من بعيد يراها تتكبر .. ولكنه يشعر باضرابها وخوفها .. وترددها الدائم .. وانعزالها لذا هو يشعر بأن هناك شئ غريب يحوم حولها ...
********
فى هذا اليوم عندما عاد إلى البيت ... وجد الجميع واقفين أمام غرفة عهد والقلق ظاهر على وجوههم جميعاً .. فاقترب منهم بلهفة .. ثم قال بقلق :
_ماذا هناك .. ماذا بها عهد؟؟!

وجد والدتها تبكى بشدة .. ووالدة يامن تحاول مواساتها .. ووالدها واقفاً مستنداً إلى الجدار بعجز ..
ولم يعطه أحد الجواب .. فقال بصوت اعلى واكثر اضطراباً :
_ماذا بها .. فليجاوبنى احدكم .. انا لم ارها منذ يومين ماذا حدث معها ..؟!

حدثه عمه -والد يامن- قائلا :
_لا تقلق يا بنى .. عهد فقط متعبة قليلاً .. وقد جئنا بالطبيب ليطمئننا عليها ...

عقد يونس حاجبيه ..وقبل أن يتفوه بشئ .. كان الطبيب قد خرج من غرفة عهد .. و قال :
_سنضطر لنقلها للمشفى .. تحتاج للرعاية المشددة ..

صُعق يونس .. وشعر بأنه يضيق ذرعاً بكل من حوله .. وكأن الأرض قد ضاقت عليه بما رحبت ....!
==========
انتقلت عهد إلى المشفى بأمر من الطبيب .. فقد ساءت حالتها جدا خلال اليومين التى لم يرها فيها يونس .. تعبت كثيراً .. وكأنها تتمنى الفرصة التى سوف تترك بها تلك الأرض الفانية ...
ظل يونس جالساً بالمشفى على احد الكراسى الجلدية .. دافناً وجهه بين كفيه ، مستنداً بمرفقيه على ركبتيه .. وهو يشعر بأن روحه تنسحب منه ببطء ..
******
مر عليهم وقت طويل وهم جالسون بالمشفى دون جديد يُذكر .. واعصابهم على شفا الانهيار .. حتى طال الوقت أكثر .. شعر يونس فيه بأنه سوف يختنق .. فخرج من المشفى بأكملها .. متجهاً نحو مقر الشركة ..
وقد خشى أن يذهب إلى البيت .. حقاً خشى أن يدخله .. فصورة عهد ويامن تداهمانه دائماً .. ولا يعلم لما يشعر بكل هذا القدر من تأنيب الضمير تجاههما ..
دلف إلى مكتبه .. وظل يعمل لوقت متأخر .. وهو يلهي نفسه بالعمل .. ويضغط على أعصابه بشكل رهيب ..
إلى أن حل الليل وتأخر الوقت جدا .. وشعر بضرورة الذهاب للاطمئنان على عهد .. فاستقام واقفاً بعدما انهى آخر أعماله .. علق السترة خاصته فوق كتفه ممسكاً إياها بإصبع واحد بإهمال .. وأثناء مروره بالمكاتب المغلق نورها .. وجد أحد المكاتب التى مازالت مفتوحة ونورها مضاءً وكأن صاحبها لا ينوى المغادرة .. فعقد حاجبيه وتوجه نحو هذا المكتب والذى لم يكن سوى لتلك التميمة المريبة ... وقف يونس بإطار الباب المفتوح .. وهو يراها تقف فى شرفة المكتب تتطلع إلى أسفل وكأنها تراقب أحداً ما .. تستطيل على اطراف اصابعها وتنظر من النافذة لتعود وتدس نفسها بالداخل بتوجس و ريبة .. رفع حاجبيه بتوجس ... قبل أن يقول باستغراب :
_تميمة …!

شهقت بفزع وهي تستدير له .. لوهلة ارتبكت معالمها بحرج .. ثم فجأة تحولت لشراسة وهى تهتف :
_ما هذا سيد يونس .. كيف تدخل هكذا دون طرق الباب ..؟؟!

ضيق عينيه بشر .. وهو يرفع حاجباً واحداً شريراً .. ثم قال بسخرية :
_الأبواب تُطرق عندما تكون مغلقة .. لا وهي مفتوحة على مصرعيها ..

ابتلعت تميمة ريقها بتوتر وهي تقول بنبرة متراجعة :
_اعتذر .. ولكن ماذا هناك .. هل هناك شئ ؟!

قال يونس بهدوء :
_لماذا تجلسين إلى الآن هنا .. ألم ينتهي موعد الدوام منذ زمن ..

ارتبكت بشدة وشعر هو بها ولكنه رفض التهوان .. لعلها فرصة ليعرف كنهها .. قالت تميمة بتلعثم :
_كان لدى .. كان لدى بعض الأعمال التى لابد أن انهيها .. وقد تأخر الوقت قليلا .. ولم أشعر به ..

أمال رأسه جانباً بعدم اقتناع .. ثم قال :
_إذاً …!
صمت لبرهة ثم أضاف :
_هيا بنا .. سنغادر جميعاً .. وأقصد ب جميعاً هنا انا وانت.. لأنه لم يتبق سوانا ...

ازداد توترها وهي تفرك بأصابعها الطويلة بتوتر .. ثم قالت :
_حسناً .. سيد يونس انا .. سوف انهى ما تبقى لدى من أعمال .. واذهب ..

سألها يونس بهدوء مريب :
_وما هى أعمالك المتبقية .؟!

رمشت بعينها عدة مرات وهي تقول بارتباك كاذب :
_لدى .. لدى .. بعض المستندات التى لابد أن .. أن ..

ولم تكن تشعر كل ذلك أثناء حديثها بأن عينيها تسقطان دموعها رغماً عنها دون أن تدرى من فرط هلعها .. وهى تقف على حافة بركانين .. إحداهما يونس الذى يقف أمامها الآن بوجه جامد التعابير ينتظر الاجابة دون أن تملكها هى فعلياً ...
اقترب يونس منها ببطء .. واقدامه تدب الأرض بحفيف مريب .. إلى أن وقف أمامها تماماً .. فرفعت وجهها عالياً كى تجارى طول قامته .. ثم قالت بصوت مبحوح ودموع تتساقط :
_سيد يونس ارجوك اتركنى فقط لنصف ساعة وبعدها سوف أغادر من فورى ..

أصابته الحيرة من مطلبها .. ثم قال بجمود :
_ولكن لماذا ..؟!

همست بهلع وعينين متسعتين :
_ارجوك .. حياتي ستكون بخطر إن ذهبت الآن صدقنى ..

رفعت كفيها لوجهها .. وأجهشت بالبكاء .. دون رد .. فأمسك يونس بكفيها وهو يبدعهما عن وجهها ولم يحررهما ثم قال بقوة :
_ان لم تخبريني الآن فلا مكوث هنا للأبد لا لنصف ساعة فقط ... ستخبريننى الان بكل شئ .. اى شئ عنكِ .. اريد ان اعرف ..

شدد على آخر كلماته بقوة ، بينما هى تهز رأسها نفياً .. وهي تهمس بخوف :
_لا .. لا استطيع ..

ظل يتقدم بها حتى ارتطم ظهرها بالحائط .. فقال يونس بقوة بقدر هلاك اعصابه على مدار اليوم :
_أخبريني يا تميمة ماذا يحدث .؟!؟

ظلت فى حالتها الهستيرية كثيراً والخوف يتملك منها .. وهي مطرقة برأسها وتهمس دون وعى :
_لا استطيع .. لا استطيع صدقني .. لا استطيع ..

عقد حاجبيه وهو ينظر لها مشدوهاً .. ولا يعلم ماهية حالتها .. ولا ماهية الموقف الغريب الموضوعين به ..
امسك بكتفيها برفق وهو يقول بهدوء قدر الإمكان حتى لا يثير فزعها .. إذ أن القوة لم تأتى معها بنتيجة :
_تميمة .. اهدئي .. استرخي .. لا يوجد أحد هنا ينوى أن يعرض حياتك للخطر .. انتِ هنا بأمان فقط اهدئي ..

همست بصوت متقطع .. وهى تنظر له بترجى :
_سيقتلونني .. انا اعلم ان هذا ما يريدونه لأنني خالفت العرف .. سيقتلونني ..!!

اصابته الريبة من حديثها .. ولكنه قال بهدوء :
_من هم ؟؟!.. من الذى يريد قتلك ؟؟! ولأجل ماذا ؟..

هزت رأسها نفياً .. ومازالت دموعها تتسابق للهطول .. ثم همست :
_لا .. إن علم أحد سيشى بى عندهم .. انا لا اريد ذلك .. انا لا اريد ان اموت .. لم أفعل شيئاً خاطئاً ..!

رد بهدوء واصابعه تشتد على كتفيها دون وعى تقريباً :
_حسناً .. حسناً لم تفعلى شيئاً خاطئاً .. ولن يضرك أحد .. فقط قولي لي لأساعدك …!

ابتلعت ريقها بتوتر .. وحدقتيها تهتزان باضطراب .. ثم همست بصوت مرتعش :
_ابى .. ابى واخى و جميع الرجال فى عائلتى يريدون قتلى .. لاننى .. لاننى هربت يوم زفافى ..!
=======
فى الأسفل ....
عدة رجال يقفون سوياً متربصين امام باب الشركة يراقبون تحركات الجميع والتى اختفت تماماً بعدما رحل كل من بالشركة .. الا من نافذة مضاءة فى الأعلى .. وحسب تفكيرهم على الأرجح أنها هى .. لأنها لم تخرج من الشركة إلى الآن ... ملابسهم التقليدية .. تدل على اصلهم والذى يعد من إحدى عائلات الصعيد فى الجنوب .. حيث التشدد للعادات والتقاليد .. و … العرف ... !!
========
كان يونس يراقبهم من نافذة الغرفة متنحياً جانباً حتى لا يظهر فى النافذة .. هؤلاء الاناس شاهدهم مراراً ولكن لم يسعفه عقله في التفكير بغرضهم .. هو ظنهم مثلهم مثل الالاف الناس الذين يقفون أمام البحر يومياً ولم يعلق على الموضوع .. ولكنه لم يخيل له انهم هنا لأجلها .. رغم انه شاهدها وهى تهرب ذاك اليوم وهم خلفها ولكنه ابداً لم يتوقع ..
يضيق عينيه ، وحاجباه ينعقدان .. مع كل كلمة تتفوه بها تميمة المرتجفة خلفه :
_ابى وعائلتى عامة أحد أكبر العائلات فى الصعيد .. وانا البنت الوحيدة لدى ابى .. ابى هو الأخ الأوسط في العائلة .. ذات يوم جاء شيخ البلد ليعقد بعض الأعمال مع ابى .. وهو استضافه فى بيتنا .. رأنى .. وأعجبته .. وقرر أن يجعلنى ضريبة عمله مع ابى .. اما انا او لن يكون هناك عمل ..

زفر يونس بضيق وهو يشاهد تربصهم بالخارج وأعينهم التي تشبه عيون الصقور تحوم في المكان حولهم .. ثم قال بوجوم وملامح متجهمة :
_وبعدها .. ماذا حصل ؟؟!

بللت شفتيها الجافتين .. ثم قالت بصوت هامس :
_ابى لم يعترض ... بل وافق على تسليمى له بأمر من جدى .. تحت مسمى توسيع تجارتنا وأعمالنا .. فلا بأس بتزويجى لرجل يبلغ ضعف عمرى .. بل إنه أكبر من أبي ببضع سنوات .. ولا احد يلقى بالاً لتلك التى من المفترض أن تُسمى عروس .. بل وافقوا على بيعى من أجل المال ..!

شعر يونس بالدماء تفور بعروقه .. ثم قال بهدوء ينافي دواخله ، مستنتجاً بقية الحكاية :
_وانتِ بالنهاية هربتى ..!

لكنها فجاءته بردها :
_ليس تماماً .. صدقنى لم اكن لافعل ذلك .. بل هربى جاء بعد محاولات للرفض بائت جميعها بالفشل .. وفي النهاية استسلمت لمصيرى .. ووافقت على الزواج ..

جاءها صوته خافتاً متسائلاً وعينيه مازالتا على الواقفين بالخارج :
_وافقتى؟!؟

همست وهي تومئ برأسها وكأنه يراها :
_نعم وافقت .. أبى كان له فضلاً على .. هو من ساعدني حتى أتم دراستي .. رغم رفض الجميع حسب العادة فى عائلتنا و بحجة أن الفتاة ليس لها سوى بيت زوجها بالنهاية فما فائدة التعليم .. ولكنه ساعدني لاكمل دراستى الجامعية .. رغم انه لم يسمح لى بالعمل لكنه على الأقل وافق على إتمام الدراسة .. وبالمناسبة كنت انوى المطالبة بالعمل لولا هذا الخبر الذى جائنى على حين غرة منى ..
المهم .. استسلمت لقدري بهذا الرجل .. ولكننى لم أستطع الصمود .. لم اتحمله للحظة واحدة .. لم اتحمل نظراته لى ولا جلوسه معى بأى مكان ...كنت أشعر بأننى أموت .. وللأسف اغبى خطوة أخذتها هى أننى كنت أقص كل شئ على ابنة عم لى ... هي من اقترحت فكرة الهرب .. وهى من مهدت لى الطريق وسهلت كل شئ .. وساعدتني حتى خرجت إلى محطة القطار وتركتنى هناك ..

رد يونس بهدوء :
_وبعدها جئت إلى هنا ؟؟!

هزت رأسها نفياً وهي تقول :
_أيضاً .. لا .. ليس صحيحاً تماماً ..

أولاها يونس شطره .. وهو ينظر لها عاقداً حاجبيه ثم قال :
_أهناك المزيد؟؟!

همست بخوف من تعابير وجهه المجهولة التفسير :
_نعم .. عندما وصلت لمحطة القطار وقفت هناك وسط الزحام .. وعدت أفكر ماذا سيكون وضع ابى بين العائلة .. ماذا سوف يحدث أن هربت أنا بهذا الشكل .. سيطأطئ أبى رأسه وينحني بعد فعلتي .. وهذا رغم كل ما حدث يظل ابى .. ومهما حصل .. فعدت ادراجى مرة أخرى .. عائدة إلى بيت العائلة .. دون أن اجرؤ على أن أخطو خطوة واحدة خارج البلدة .. ولكن حين عودتى .. شاهدت البيت مليئاً بالناس فاليوم كان يوم الزفاف وعقد القران .. ولكن الحركة كانت غير طبيعية بالمرة .. كان الجميع فى حالة اضطراب عارمة .. تخفيت عن أنظارهم وانا اراقب كل ما يحدث .. إلى أن شاهدت اخى يخرج من البيت حاملاً سلاحه .. ويهتف بأنه (سيقتل تلك الفاجرة التى وضعت اسمهم فى الوحل ..) .. صُعقت حينها وفكرت بأنهم عرفوا بأمرهربى .. وكنت سأظهر نفسى وانهى الأمر .. لكن الوضع كان ملتهباً جداً وما خفي عنى كان أعظم .. بعدها وجدت يداً تسحبنى إلى بيت مجاور .. ما كانت سوى لامى التى ادخلتنى وقفلت الباب خلفي بإحكام .. و امتثلت أمامى بوجل .. ثم أملت على كل ما حدث .. وهو أن ابنة عمي المصونة .. قد وشت بى عندهم وزورت فى الحقائق .. وقالت بأنني .. "بأنني فقدت شرفى عندما اغوانى زميل لى بالجامعة وهذا ما جنيناه من التعليم .. لهذا لم أستطع مواجهتهم واتزوج هذا الرجل .. ولاجل هذا لُذتُ بالفرار" .. وقتها شعرت بركن بعيد فى قلبى قد كسر ولن استطيع ان اثق بأحد بعد ذلك ايا كان .. لكن امى الحبيبة هى من لم تصدق هذا علىّ .. بل وثقت تماماً بى .. ولكنها قليلة الحيلة لن يستمع لها أحد .. ما استطاعت فعله فقط .. سوى أنها ساعدتنى للهرب ولكن هذه المرة دون رجعة او اى شعور بالندم ...... انا لا اعرف لماذا فعلت ابنة عمى بي هكذا ؟! دائما ما كنت أرى نظرات الغيرة فى عينيها ولكننى لم اكن لاهتم بأمر كهذا .. كانت تغار منى .. انا من أكملت تعليمى للنهاية .. انا من حظيت بأكبر قدر من الاهتمام فى العائلة .. كل هذا كان بمثابة تقليل من شأنها ربما لهذا فعلت ما فعلت ..!!

ظلت نظرات يونس لها مثبتة دون تعبير .. وهو يشاهد دموعها التى لم تجف عن وجنتيها .. ومازالت تهطل .. قالت تميمة فجأة وهى تخرج من حقيبتها وشاحاً ما وتريه إياه بين يديها بقلة حيلة :
_ لكنى لست كذلك .. لست كما يرانى الجميع .. انا لست متعنتة ولست متحررة .. صدقنى .. انا فتاة عادية .. بل أكثر من عادية .. انظر .. هذا حجابى والذى لم أستطع ارتدائه منذ أن جئت إلى هنا .. أحاول تغيير شكلى بشتى الطرق حتى لا يتعرفوا إلى.. أخشى أن يعرفونني و يفعلوا ما جاءوا لأجله .. وأنا إلى الآن ليس لدى أدنى فكرة عن كيفية معرفتهم لمكان عملى ووجودى بهذه المدينة بالأساس .. لم أعد اعرف شئ سوى اننى .. بخطر .. دائماً ..

اعتصرت الوشاح بيديها .. وهى تنحنى وتجلس على مقعد خلفها بقلة حيلة .. وخوف ظاهر على ملامحها ..

اقترب منها يونس ثم وقف أمامها يشرف عليها من علو ثم قال بهدوء :
_لا تقلقى .. كل شئ سيكون على ما يرام ..

رفعت وجهها المغرق بالدموع له .. ثم قالت بصوت مبحوح :
_والان ارجوك اسمح لى بالبقاء لمدة قصيرة هنا حتى يرحلوا وبعدها اذهب .. والا فهكذا سيقتلوننى .. انا اطلعتك على كل شئ فأرجوك اتركنى ابقى ..

رد يونس بهدوء مقاطعاً :
_لا ليس هناك بقاء ...

عقدت حاجبيها وكادت أن تتفوه بشيء .. لولا انه قاطعها وهو يمسك بحجابها ويلفه حول رأسه كيفما اتفق معه .. نظر لها يونس بنظرة لم تعرف كنهها ولم تحاول حتى فك شفرتها .. لان النتيجة لن تعجبها بالتأكيد .. ربت يونس على خدها بلطف وهو يقول :
_هيا بنا ..

فغرت شفتيها ونسيت بأنها كانت تبكي بالأساس ثم قالت ببلاهة :
_هيا بنا إلى أين ..؟

أومأ بخفة وهو يقول بطبيعية :
_الى بيتى ..

عبست بشدة ثم قالت بحدة ، مهاجمة وكأن نوبة الضعف تلك ما كانت :
_اعذرنى سيد يونس .. فأنا لست من هذا النوع .. ثم ماذا أكد لك بأننى لا أكذب عليك مثلا ..!!

لم تتبدل ملامحه المتجمدة .. بل مشى بضع خطوات نحو الخروج ثم قال دون أن ينظر لها :
"أمامك دقيقة واحدة لتقررى فيها إما أن تغادرى الشركة الآن وللابد ..و إما ان تأتى معى ..!

هتفت بتصميم وهى تنظر لظهره العريض :
_أتى معك إلى أين..؟!

اتاها رده قاطعاً دون أن يستدير لها :
_لن أعيد حديثى مرتين ..!

ازدادت ريقها بتوتر ثم قالت :
_ولكن ..

قاطعها قائلا بنبرة ذات مغزى :
_ليس هناك ولكن.. انتِ تعلمين جيداً اننى لست من هذا النوع ... فهيا بنا بصمت .. ثم اننى اعلم صدق حديثك فلا تحاولى الكذب ابداً …

ظلت مكانها .. تفكر فى الأمر .. وتعقل الفكرة .. هى دائما تشعر بالخطر أينما ذهبت .. وكيفما كانت تشعر بهم فى كل مكان حولها .. إذاً.. هل سيكون أمانها مع يونس …!

لم يلتفت لها يونس وهو يوليها ظهره .. وإذ به فجأة شعر بيدها تمسك بكفه.. فالتفت لها .. ونظر لملامحها المترددة .. حتى
قالت هى بخفوت ناظرة بعمق عينيه للحظات طالت برجاء :
_سأتى معك ..

صمتت لبرهة ثم اضافت بحرارة :
_لكن ارجوك .. لا تخذلنى ..!

نظر لها يونس .. دون حديث .. تكاد تشعر بتبسم عيناه دون أن يبتسم فعلياً .. تكاد تجزم بتغيير نظرته دون أن تعرف لماذا .. كل ما علمته انها تسير معه كالمنومة مغناطيسياً … فقط هذا كل شئ .. حتى لا تعلم كيف صدقها بالأساس ..!

نزلت معه إلى الأسفل .. وخرج بها من باب خلفى .. بعيداً عن أنظار عائلتها بالخارج .. وركبوا سيارته .. ولكن قبل أن ينطلق بها .. كان قد التفت لها ممسكاً بالمقود بيديه .. وعقد حاجبيه قائلاً :
_ولكن تميمة .. اين كنتِ تقيمين قبل ذلك .. وذاك الشاب الذى ذهبتِ معه ذات مرة من هو ؟؟!

عدلت ححجابها فوق رأسها بارتباك ثم قالت :
_هذا يكون .. حمدى .. احد جيراننا القدامى .. ولكننا ساعدناه كثيراً قبل ذلك .. ويسرنا دخول امه إلى أحد المستشفيات ذات مرة .. وهو انتقل إلى هنا منذ حوالى السنتين وعندما جئت إلى هذه المدينة .. ساعدنى .. و كنت اقيم عنده .. ومع زوجته وأولاده …

رفع يونس حاجباً واحداً غير مرتاحاً .. ثم قال :
_حسناً … لن تكون هناك إقامة لديه بعد الآن ..

ابتلعت ريقها وهى تقول بتوتر :
_سيد يونس لا أريد أن اسبب لك مشاكل .. يمكننى ان اتدبر امرى ..

نظر أمامه وهو يغمض عينه بصبر .. ولكنه فجأة قال باندفاع :
_هل انتِ غبية لتلك الدرجة .. ألم تفكرى ولو للحظة واحدة انه من الممكن أن يعثروا عليكِ بكل سهولة ويسر .. عندما تمكثين عند هذا الرجل .. انتِ غبية ..!

ترقرت عينيها بالدموع وهى تهتف باحتداد :
_قل ما لديك دون إهانة انا لستُ تحت إمرتك ..!
… صمت ولم يُعقب ناظراً أمامه بتركيز وكأنها غير موجودة تماماً..!
ادارت هى وجهها إلى النافذة .. تنظر من خلال الزجاج إلى الخارج .. وهو لم يحاول ترضيتها ولو بكلمة ايضاً .. بل اندفع بالسيارة .. وظل يمشى قرابة النصف ساعة .. إلى أن وصل امام مبنى عالٍ .. يبدو عليه الترف و الرقى بعض الشئ .. ترجل من السيارة .. ثم فتح لها الباب .. وقال :
_هيا …

نزلت ووقفت أمامه .. دون أن تجرؤ وتنظر إلى عينيه .. فتقدمها ومشت هي خلفه .. حتى وصل إلى الطابق المنشود .. وفتح لها إحدى الشقق .. ودلفا للداخل ..
جالت تميمة بنظرها فى أنحاء المكان .. شقة واسعة نسبياً .. تتميز بالطابع الرجولى .. والالوان القاتمة … وكالعادة يغلب الأسود على معظم الأشياء .. التفتت تنظر له .. عندما شعرت بنظراته تحرق ظهرها ... لتجده عاقداً ذراعيه امام صدره .. ينظر لها بنفس تلك النظرة والتى لا تستطيع تفسيرها ..
اخفضت وجهها .. و وقفت تنتظر منه أن يبادر هو بالحديث .. وبالفعل كان حين مد يده لها بمفتاح .. وهو يقول :
_حسناً .. خذى هذا المفتاح الخاص بالشقة .. يمكنكِ أخذ راحتك هنا .. لن يزعجك أحد ..

مدت يدها على استحياء اخذت منه المفتاح ثم قالت بخفوت :
_اشكرك سيد يونس على كل شئ .. واعدك أن هذا الوضع لن يطول .. وسأغدر المكان بأسرع وقت ..

لم يرد ولو بإيمائة حتى .. ثم اتجه نحو الباب ينوى الخروج ..
وبالفعل خرج .. ومع صوت إغلاق الباب … شعرت وكأنها .. وكأنها ولدت من جديد ..
….
مر بعض الوقت .. وهى تتمشى بأرجاء الشقة .. وفجأة أصدر هاتفها صوت وصول رسالة .. فتحتها بتوجس .. وقرأت ما بها …
(عذراً .. نسيت أن أقول لكِ .. بأنه ليس هناك عمل بالتأكيد ..
تصبحين على خير ….)
….
ولا تعلم ماهية تلك الابتسامة البلهاء التى افترقت عنها شفتيها .. إثر قراءة تلك الكلمات المقتضبة الأقرب إلى التهديد منه الاطمئنان عليها ..
========
رأيكم ..


Ďonia Mohamed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-09-20, 06:54 PM   #4

Ďonia Mohamed

? العضوٌ??? » 447817
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 77
?  نُقآطِيْ » Ďonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الرابع ..

بعد مرور أسبوع …
فى المدينة التى يقطن بها يامن حالياً ..
كان يقف أمام أحد المقاهى .. والتى بالمناسبة هو يمتلكها الآن .. بعد أن عمل على شراكة مع أحد أصدقائه القدامى .. فقد كان صديقه والذى يماثله عمراً .. كان يعمل على المشروع منذ زمن..وقد أتى يامن وشاركه فور معرفته بالأمر .. وقد بدأ المشروع سوياً على أن امل ان ينجح .. ويتحول إلى سلسلة مقاهى ومطاعم متفرقة .. لا هذا المكان فقط .. ولكن كل شئ بالهدوء .. وخطوة تلو أخرى .. سيتحقق حلمه .. دون اللجوء إلى اى فرد من عائلته التى خذلته ..
عند هذا الحد .. واغمض يامن عينيه .. وهو واقفاً أمام المقهى .. يرتدى ثياباً صبيانية جداً .. زادت مظهره شغباً .. قميص قديم بلون فاتح .. وبنطال جينز مهترئ .. وقبعة فوق رأسه مقلوبة الوضع .. تكبح داخلها شعره الكثيف بنعومة … يمسك بيده بعضاً من المال يقوم بعده .. وهو مخفض رأسه .. ولكنه فجأة استشعر شيئاً خاطئاً أثناء تفكيره بعائلته الذى خذلته .. وقد اعلمته ردارات الاستشعار لديه بأن هناك من يراقبه .. فرفع رأسه فجأة .. ليبصر ابيه ويونس .. يقف كلاً منهما متجاوراً .. ينظران إليه بابتسامة .. فخورة بعض الشئ … وحزينة البعض الآخر ..
للحظة تفاجأ .. ولكنه لم يظهر شيئاً مما بداخله .. طبق الوريقات المالية ووضعها بجيبه قبل أن يقف شامخاً أمامهم .. فتقدموا منه .. ووقفا أمامه .. أبتسم ابيه وهو يقول :
_أهذا المقهى لك ؟!

اومأ يامن بوجوم وهو يقول :
_نعم .. شريك به انا وطارق ..

القى ابيه ناظرة خاطفة على المكان .. ونظر يامن ليونس بتساؤل .. فابتسم يونس دون ان يجيبه .. إلى أن قال ابيه بهدوء :
_ألن تدعونا للدخول إلى مكانك بنى ؟؟!

تنحى يامن جانباً بسرعة وهى يشير له علامة الدخول قائلاً دون ترحيب حقيقى :
_بالطبع تفضل ..

دلف ابيه أولا .. ثم بعده يونس والذى ينظر له يامن باستفهام وهو يأبى أن يريحه ..

ولكن بعد قليل من الوقت لم يحتج يامن لاجابة يونس .. فقد وصلته الاجابة من ابيه .. الذى قال بهدوء وهم جالسون على إحدى الطاولات :
_لماذا لم تخبرنا يا بنى بما كنت تعانيه .. لم التجئت إلى كل ذلك .. وفعلت كل تلك المشاكل .. أكل هذا فقط كى لا تخبرنا بأمر ادمانك لتلك السموم …

اخفض يامن رأسه ثم قال بخفوت :
_أبى .. لم أشأ أن اسقط من نظركم ابداً .. ولكن على ما يبدو انى كنت مخطئاً وسقطت من أنظاركم رغماً عنى .. بل وجعلتكم تنبذوننى ايضاً …

ربت ابيه فوق كتفه برفق ثم قال بحنان :
_لا تقل هذا يا بنى .. كل شئ سيكون على ما يرام .. يونس اخبرنا بكل شئ .. وعمك عرف كل ما حدث قبل ذلك .. ولكنه أيضاً يعتب عليك فى أمر اخفائك الأمر عنا …

نظر يامن ليونس شزراً .. وهو يضيق عينيه بشر .. فضحك يونس دون مرح فعلى .. ضحكة باهتة جدا .. تفصح عما يحوى داخله من بهتان .. هذا ما استشعره يامن .. حتى قال يونس بمرح :
_لا تنظر إلى هكذا .. لم أفعل شيئاً خاطئاً ام كنت تريدنى أن اظل صامتاً إلى أن يزوجوننى عهد رغماً عنك وعنى ..!

التعمت عينا يامن ببريق لحظى حالما ذكر اسم عهد .. عهد صحابة القلب .. ومالكة كيانه .. والتى لم تغب عن باله لحظة منذ أن انتقل إلى هنا .. ولا بحياته كلها .. مازالت صورتها جالسة بوداعة على سور البحر .. تداعب خياله كل ليلة وتأبى أن تفارقه مهما حاول .. ولن تفارقه ابداً .. فكيانه كله منها ولها .. ولاجلها …
حين طال صمته .. قطعه قائلاً بتردد :
_وعهد .. كيف حالها الان .. ولما لم يأتى عمى معكم إذن ..؟؟

اظلمت عينا يونس تلك المرة .. بينما بان الحزن على ملامح أبيه .. الذى قال بقلب مثقل :
_عهد لها الله … انها … ما بين الحياة والموت يا بنى ..
========
مرت عدة ساعات ….
استغرقها يامن للوصول إلى المدينة التى بها بقية عائلته .. وبالتأكيد عهد .. من اشتعل قلبه ناراً هوجاء .. منذ أن علم بحالتها ومكوثها بالمشفى منذ أسبوع ..
كان قلبه يموت كل لحظة وأخرى .. إلى أن وصل امام الغرفة التى تقطن بها .. وقف من خلف الزجاج يشاهدها وهى متصلة بعدة اسلاك وأجهزة .. لم يصدق عيناه .. ولم يشأ عقله أن يستوعب ما يرى أمامه .. حبيبته ..على فراش الموت .. تنازع الموت وحدها دون أن يكون هو جوارها ..
رفع يده يتلمس الزجاج الاملس بأصابع مرتجفة .. وعينين تعبتا من حجز الدموع بهما.. قسقطت على خديه مدراراً .. وهو يهمس بصوت خافت :
_أبعد كل ذلك ..؟؟!.. تنوين الرحيل … بعد ان استقر الأمر .. وأصبحت على استعداد لاكون جوارك .. تتخلين عن حبى بتلك السهولة .. هل كان صحيحاً حين قلتِ لى بأننى تأخرت كثيراً .. هل بالفعل تأخرت .. افيقى واجيبينى .. ولا تكونى قاسية القلب هكذا على يا عهدى .. هل بالفعل تأخرت …؟!

شعر بيد تربت فوق كتفه .. ما كانت إلا لعمه الذى قال بصوت اجش :
_الله معها يا بنى .. فلا تجزع ..!

التف يامن لعمه ماسحاً دموعه بظاهر يده .. ثم تسائل :
_ماذا قال الطبيب ..؟؟!.. ماذا اخبركم عن حالتها ..

رد عمه بهدوء :
_سيأتى الان .. ويخبرنا بآخر التفاصيل . .

اومأ يامن بصمت .. بينما التفت عمه وتركه .. و عاد يامن مرة أخرى لرؤية من بكى القلب لأجلها .. وهو يخرج تنهيدة معذبة قائلاً :
_ااااه يا عهدى … أستخونين عهدنا وترحلين ؟؟! ..

…….

بعد فترة .. أتى الطبيب .. ووقف يتحدث مع والد عهد بعضاً من الوقت .. إلى أن لاحظه يامن وانضم إليهم .. فوجده يقول :
_لا تقلق عليها .. هى قوية .. واراداتها قوية ايضاً .. فهى تستجب للعلاج بشكل ملحوظ .. اللوكيميا او (سرطان الدم) .. الذى تعانى منه .. ليس صعباً فى حالتها إلى تلك الدرجة .. ويمكن علاجه بجرعات الكيمياوى المعروفة .. هى فقط فى الفترة الأخيرة وحسب ما وصفتم لى .. كانت تعانى من نزيف بانفها كثيراً .. ودائماً مرهقة ومتعبة ولديها الم برأسها .. ولكن لا تقلقوا فهذه أعراض مرضها ومن الطبيعي أن تظهر فى حالتها .. ولكنها ستتداوى بالجرعات الكيماوية .. حتى وإن طالت فترة العلاج لابد الا نجزع لان فترة العلاج من الممكن أن تمتد لسنوات .. فلابد من بال طويل .. وإرادة أقوى .. كى تستمد هى قوتها منكم …

لم يزول قلق يامن بعد بل هتف بلهفة :
_ومتى ستفيق ؟؟!.. هى هكذا منذ أكثر من أسبوع ..

قال الطبيب بدبلوماسية :
_لا تقلق سيدى… ستفيق قريباً أن شاء الله .. هى ليست غائبة عن الوعى كلياً .. ولكنها معظم الوقت غائبة عنه بسبب ارهاقها .. وما تعانيه من أعراض .. وضعف بنيتها هو ما يضعفها لتلك الدرجة ..

وبعد أن طمئنهم الطبيب على حالتها.. تنفس أبيها الصعداء بعض الشئ … بينما يامن لم يهدأ له بالاً بعد .. وكأنه لا يصدق الأمر ..

طلب عمه منه الذهاب إلى البيت ليطمئن على زوجته فحالتها انتكست هى الأخرى لرؤية ابنتها بهذه الحالة .. فقال يامن بأرهاق :
_حسناً عمى اذهب وانا هنا سأظل جوارها .. ويونس سوف يأتى بعد قليل ..

اومأ عمه بصمت .. قبل أن يربت على كتفه برفق .. ثم قال بلطف :
_حسناً بنى .. وفقك الله … كنت أود فقط أن.. وددت أن اعتذر لك عما بدر منى قبل ذلك فى حقك .. يشهد الله على انه كان من خوفى على ابنتى ليس الا .. ولم يكن أحد يعلم بحالتك بعد ..

ابتسم يامن باهتزاز .. ثم قال بخفوت :
_لا يهم .. المهم أن كل شئ أصبح على ما يرام الآن …

بادله عمه الابتسام ثم قال :
_نعم ...كل شئ أصبح على ما يرام .. فليوفقنا الله …

او لم يصبح على مايرام بعد .. فمن يخصها الأمر بأكمله ليست على ما يرام الان ..!
==========
بعد قليل من الوقت
جلس يامن على إحدى مقاعد الاستراحة فى المشفى .. و كان قد غادر عمه .. ولم يمر سوى بعض الوقت حتى أتى يونس من عمله .. ومر على المشفى اولاً ..

اقبل يونس عليه من بعيد بمظهر متعب ...لكن كان ومازال ودائماً سيكابر ولا يسمح لنفسه بالانهيار ابداً … اقترب من يامن والذى ما أن رأى هيئته حتى عقد حاجبيه .. هيئته ليست المعتاد عليها .. فهو يرتدى قميص اسود اللون على بنطال يماثله لوناً وتلك ليست من عادات يونس بالتأكيد .. ذقنه غير حليقه.. تركها نامية فما زادته سوى وسامة …
ارتمى يونس جالساً جوار يامن .. دون ان يلقى تحية حتى ..ثم أشار بعينه نحو غرفة عهد .. ثم قال :
_كيف هى الان ..؟؟

اومأ يامن بخفه ثم قال :
_بخير .. الطبيب طمئننا بأنها قريباً ستفيق .. ولن تسوء حالتها كثيراً فمن الممكن أن تأتى بالعلاج دون اللجوء للجراحة .. ولكنها يمكن أن تطول …

صمت يونس وعينيه مثبتتان على غرفتها .. وكأنه يراها من خلف الجدران .. ترى ماذا بها الان ؟؟.. كيف تشعر ؟؟.. هل تفتقدنا؟؟
هل هى بالأساس بالمشفى الان .. ام هذا كابوس مرهق وسيفيق منه قريباً …

اخرجه صوت يامن من شروده وهو يقول بنبرة خافتة شرسة :
_سؤال واحد يا يونس .. إن لم تجبنى عليه .. فوعد منى سأجعل خريطة وجهك ليس لها معالم …

انتبه يونس له ثم ضحك بخفة وهو يقول :
_اذاً .. ما هو السؤال الجهنمى هذا ..؟!

قال يامن من بين أسنانه :
_بما انك تكرمت وافشيت سرى يا عديم الأمانة .. وأعلمت الجميع بالأمر .. لماذا إذن استمريت بلعبتك تلك عن انك ستتزوج عهد .. ولماذا مثلت هذا أمامها هى أيضاً .. بل لماذا كل هذه اللعبة من الأساس ..؟؟

علا صوت يامن كثيراً فى اخر جملته حتى أصبح أشبه بالصراخ ..
مرت ممرضة جوارهم .. نظرت له شزراً وامتعاضاً على هذا التصرف .. فرمقها يامن بنظرة جانبية مذنبة إلى أن رحلت .. فضحك يونس بصوت مكتوم حتى لا يعلو صوته .. فلكزه يامن ببطنه و همس بشراسة :
_اجبنى ..

تأوه يونس بخفوت .. ثم قال ضاحكاً :
_حسناً .. حسناً سأجيبك …

رفع يامن حاجباً شريراً منتظراً الاجابة .. إلى أن قال يونس باتزان :
_اسمعنى إذاً .. ابيك وعمك لم يكونوا ليسامحوك ابداً على ما فعلت فلم اجد سوى تلك الطريقة .. ان أخبرهم بما عانيت .. وانا لم أقل سوى الحقيقة ..

همس يامن بوداعة كاذبة .. وصوت ناعم مضحك ..وهو يكبح غضبه بصعوبة :
_هذه ليست إجابة على سؤالى يا سيد يونس ..

ابتسم يونس بخبث .. ثم قال بتملق :
_اما بالنسبة لتلك اللعبة البسيطة الممتعة .. هى إننى كنت اريد تلقينك درساً فعالاً كى لا تتهور مرة آخرى وتعود لتلك السموم …

سأل يامن بسخرية :
_ولماذا مثلت على عهد أيضاً ؟؟!. أتريد تلقينها درساً هى الأخرى

رد يونس بابتسامة فطِنة :
_ليس تماماً .. كنت اريد التأكد من أن حبك مازال بقلبها وحسب ..!

لانت نظرات يامن وشردت بعيداً .. بحنان غريب ليوم يتمنى لو يعود .. يوم كان لها فيه كل شئ .. كما هى له كل شئ .. وصمت اطبق عليهم لفترة طويلة بعد جملة يونس .. إلى أن قال يامن بشرود :
_وماذا قالت لك .؟! هل مازالت ..؟

بتر جملته ...و لم يكملها .. ولكن يونس قد فهم ما يرمى إليه .. فقال بابتسامة :
_لا تقلق .. فهى ..

مال إليه برأسه وهو يقول بنبرة من يفشى سراً :
_هى عاشقة .. حتى النخاع ..

اخفض يامن عينيه أرضاً .. مبتسماً بضعف .. ثم رفع رأسه ونظر ليونس الذى يبادله النظر باهتمام .. فقال يامن :
_أتعرف شيئاً .. كنت انوى معاقبتك على افشائك سرى بهذا الشكل .. لكن لأجل تلك الكلمات فقط انا اسامحك ..

لم يبدو على يونس انه سمعه بالأساس وهو يدير رأسه بعجرفة قائلا بتعالى :
_وكأننى كنت انتظر صفحك عنى .. لا الفينك بعد الآن .. ولا اريدك ان تتذكر أنك لديك أبن عمٍ يدعى يونس بالأساس .. دعونى وشأنى ..

قال يامن بمرح وهو يلكزه بكتفه :
_لا تقل هذا .. من سوف اضرب .. ومن سوف أحتفظ باسرارى لديه إذاً ..!

رمقه يونس بنظرة جانبية ثم قال بابتسامة مرحة :
_إذن اعلموا قدر قيمتى بعد الآن .. فلديكم شخص لا يعوض ..

ضحك يامن عالياً ونسى طبيعة المكان المتواجد به من الأساس.. ثم قال :
_مغرور …

بادله يونس ضحكه بخفوت .. ثم صمت وهو ينظر أمامه بنظرات شاردة .. لامعة .. نظرات عرف يامن كنهها .. فهى لا تخفى على أحد .. وخاصة على رجل مثله …

ضيق يامن عينيه بتدقيق .. ثم قال بخبث :
_أخبرنى يا يونس من هى ؟؟!

عقد يونس حاجبيه وهو ينظر له ثم قال بتوجس :
_من تقصد ب هى ؟؟! أأنت مجنون ؟

زم يامن شفتيه .. ثم قال بوضوح :
_لا لست مجنون .. ولكنى اريد معرفة هوية من تشغل بالك بهذا الشكل ؟؟ انا متأكد أن وضعك هذا سببه فتاة بالتأكيد

شردت ملامح يونس .. وهو يهمس بخفوت :
_لا هى ليست فتاة .. بل ساحرة فرعونية ذو أعين لامعة .. اوقعتنى فى شباكها وانا الذى قد تبت عن الحب منذ سنين ..

فغر يامن شفتيه بانبهار ..وقال بدهشة :
_يونس ...يا ابن عمى .. هل أنت مريض ؟!

ضحك يونس بخفة .. وهو يقول :
_جعلت منى شاعراً .. لم أكن أتوقع أن يخرج منى هذا الكلام ..

انتبه له يامن .. وهو يقول باهتمام :
_هيا قص على الأمر منذ أن طرقت الباب حتى قلت السلام عليكم ..

ابتسم يونس ثم قال :
_سأخبرك …
…….
وأثناء حديث يونس عن الأمر .. كان الاندهاش قد تلبس يامن .. وقد ربع قدميه تحته على المقعد .. وارخى يديه على ركبتيه .. وفغر شفتيه بانبهار .. فأصبح كصورة حية للكاتب المصرى القديم …….
بعد أن انتهى يونس .. نظر ليامن بهيئته تلك .. وضحك بخفة وهو يهز رأسه بيأس من مظهره .. وقال :
_هاا ما رأيك بهذه الحكاية ...؟

هز يامن رأسه وكأنما ينقى أفكاره ثم قال :
_ولكن يا يونس .. هل تأكدت من صحة حديثها .. اقصد فى وقت حدوث الحوار هل تأكدت من ….

رفع يونس يده يوقفه ثم قال مقاطعاً :
_اهدأ .. انا تأكدت من كل شئ .. هى صادقة .. ثم اننى كنت اعلم صدق حديثها من اول كلمة .. هى حالة نادرة .. ملامحها شفافة تفضح ما تكنه فى جعبتها دون الحاجة للحديث ..

صمت قليلاً ثم همس :
_أحمق من يظن نفسه قادراً على غض الطرف عنها .. وهى التى أتت كملكة تحتل ما تبقى من شتات مملكته الهالكة … ثم تعيد ترميم كسوره ولا يبدو عليها نية الانصراف ..

ابتسم يامن دون أن يقطع لحظة شروده .. هو يعلم حالته .. يعلم ما يجول بخاطره فى مثل تلك الاوقات .. فيوماً ما كان كذلك .. حين هام على وجهه دون وجهة .. يريد تصديق ذاك الإحساس الجديد عليه .. وقد تولدت بهجة غير مألوفة بقلبه .. تنبئه فرحة قلبه بالمالكة الجديدة ….
……..
قاطعتهما الممرضة التى أتت مبتهجة .. وهى تقول :
_من منكم يونس … فالسيدة عهد افاقت ونادت باسمه …!

هب يونس واقفاً مستعداً للذهاب .. بينما لم يتزحزح يامن من مكانه .. وعلى قدر ما ابتهج .. على قدر ما احس بشئ قد كسر فى اعماق قلبه .. شئ لن يمكن إصلاحه ..!
========



Ďonia Mohamed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-09-20, 06:56 PM   #5

Ďonia Mohamed

? العضوٌ??? » 447817
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 77
?  نُقآطِيْ » Ďonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond repute
افتراضي

( الفصل الخامس …)

تلفتت تميمة حولها .. ضامة جسدها النحيل بذراعيها .. ترفع رأسها .. ناظرة بابتسامة لكل ما حولها ..
هل كانت يوماً أكثر اماناً منه الآن .. لا .. لا تعتقد … تشعر بأنها بخير .. بخير وحسب ..!

منذ أن جاء بها إلى شقته هنا .. وهو لم يأتى مرة أخرى بعدها .. كل أحاديثهم كانت عبارة عن رسائل نصية موجزة ..
(هل أنتِ بخير ..؟)
(هل هناك اى مشاكل .؟)
وعلى هذا المنوال كان الحديث بينهم طوال أسبوع وهو يتجنب الإتيان إلى هنا … وهى كانت ممتنة لذلك بشدة ..!
فهى لم تكن اهلاً لمواجهته بعدما أفضت له بكل ماضيها والذى لا تحبذه ابداً ..!

ظلت تمشى عبر الشقة إلى أن دخلت إلى الغرفة التى تبيت بها طوال هذا الاسبوع ..!
غرفة يغلب عليها الأسود .. تحتوى على مرآة طويلة .. وفراش.. ودولاب .. ولكن ما يميزها هى تلك المكتبة بعرض الحائط .. تحوى من الكتب كل ما تشتهيه الأنفس .. وتلذ الأعين .. وبهذه عرفت عنه صفة .. انه قارئ نهم .. ولكل أنواع الأدب …!

هنا احست بالأمان .. صحيح انها فى بيت حمدى - جارهم - كانت بأمان نوعاً ما .. ولكنها كانت فى خطر بنفس الوقت .. لانه اذا علم أحد من أهلها بوجودها لديه .. فحمدى لن يستطع التصدى لهم بالتأكيد .. وكانوا سيعلمون عاجلاً ام آجلاً بوجودها عنده .. فقط أن تذكروه سيعرفون من فورهم …

ارتمت مستلقية على السرير خلفها .. وهى تنظر للسقف متنهدة بعمق .. ثم همست :
_من أين ظهرت لى ؟ .. بل ما الذى اوقعك فى طريقى ..؟

كانت تظن نفسها بلهاء بالكامل لانها وثقت بشخص دون أن تعرف عنه اى شئ .. صحيح يونس كان ومازال غامضاً .. مبهماً بالنسبة لها لا تعرف عنه شيئاً .. ولكن حَدسٌ ما داخلها هو ما حثها على الوثوق به .. دون دليل .. دون اى شئ .. فقط احساس مجرد داخلها هو ما حثها على الوثوق به .. كلمتها حين اوقفته وقالت :
_لا تخذلنى ارجوك ..!

اعتبرتها ميثاقاً ...ووعداً ... وقد وثقت بوعد عينه غير المنطوق.. بأنه لن يخذلها .. ابداً ….

مدت يدها أمسكت بهاتفها ورفعته أمام عينيها .. تنتظر تلك الرسالة التى تعتبر التواصل البشرى الوحيد لها فى يومها ..
وما هى إلا دقائق حتى اتتها … وما أن اصدر هاتفها صوت الوصول .. وقبل أن تفتح الرسالة حتى .. همست بتلك الكلمات بمرح ...
(كيف حالك ؟؟ هل أنتِ بخير الان ..؟!)

و لم يكذب خبراً .. كانت تلك الكلمات تماماً هى فحوى الرسالة …
ضحكت بخفوت وهى ترى الكلمات المخطوطة أمامها على الشاشة .. خفتت ضحكتها إلى ابتسامة صغيرة وهى تتأمل الكلمات وكأنما تتأمل مظهر خلاب أمامها ..
تحركت اناملها على الشاشة وخطت بضع كلمات كرد موجز على كلماته ..
(نعم انا بخير ..)
وكفى … لن يكون هناك كلمات بعدها .. تلك هى المحادثات بينهما …
اغلقت الهاتف ووضعته جوارها على السرير .. ثم نظرت لأعلى مرة أخرى ..
بهتت ابتسامتها وصوت بعيد يهتف داخلها يعنفها :
(الى ماذا تسعين تميمة ..؟؟!.. وبما تفكرين ..؟ أأحببتيه حقاً .. ام مجرد طلبك للامان هو ما يدفعك للذك الوهم .. هل اخذتى الوقت الكافى بالأساس لتقررى ذلك .. انتِ لم تريه سوى مرات معدودة على أصابع اليد .. ترى اى هراء تسعين ورائه ..تعقلى ولا تفسدى حياتك بالأوهام .. ما الذى سيجعله ينظر لكى نظرة تعلو الشفقة .. هو يحسن عليكِ فقط لا غير … بل الأجدر بكِ الان ان تفكرى كيف ستتدبرين امرك بعد أن ييأس اهلك ويعودو ادراجهم خاليين الايدى .. لن يعود لكِ حجة للمكوث هنا وقتها .. فبأى وجه ستجلسين وقد زال الخطر عنكِ …)

وأثناء شرودها وتفكيرها غير المنقطع كانت صدمتها حين أعلن هاتفها عن وصول رسالة .. أخرى …

استقامت جالسة فجأة وامسكته بين يديها بقوة .. ثم فتحته وهى تدقق به .. عاقدة حاجبيها .. وهى تتأكد من وضوح ما ترى أمامها على شاشة الهاتف .. ام تراه حلماً وردياً مازالت هى غارقة به .. مثله مثل جميع اوهامها المطلقة …
(تميمة … أيمكننى أن آتى الان ؟؟.. انا امام المبنى .. هل استطيع الصعود اليكِ …)

ضحكت عالياً جداً .. جداً .. وكأن ذلك الشئ الذى يدعى ضميراً و كان يعنفها منذ قليل .. قد اصبح سراباً .. وكل ما قالته فى نفسها .. قد ضاع فى مهب الريح … أصبح "هباءً منثوراً" ..!
انتفضت ثم ارتدت حجابها .. وهندمت من ملابسها ..
ثم أمسكت بالهاتف وكتبت :
(نعم نعم تستطيع الصعود الآن …)
…..
رمت هاتفها … والقت نظرة اخيرة تقيمية على نفسها .. لا بأس بذاك الجلباب البيتى الذى ترتديه والذى هو من أتى به بالتأكيد ..
ذوقه فى ملابس النساء لا بأس به .. جلباب مطرز يضيق من أعلى ثم ينزل باتساع إلى أسفل .. داكن اللون مطرز بخيوط ذهبية .. ويكمل طلتها حجابها البنى .. نعم ذوقه ليس بسئ.. بل هو رائع …

خرجت تزامناً مع رنين الجرس .. فتقدمت من الباب وفتحته بملامح متحفظة .. بل وأخفضت نظرها لأسفل .. فلم تلحظ سوى حذائه الأسود وبنطاله الذى يماثله لوناً .. و اتاها صوته مبتهجاً مثلاً .. ام هى تتوهم :
_مرحباً .. كيف حالك يا تميمة ..؟

رفعت نظرها ببطء إليه .. فاصطدمت عيناها بعينيه الحادتين السابرتين لاغوارها .. فرمشت بعينها مرة واحدة ثم همست :
_بخير .. الحمد لله ..

صمت قليلاً يتأمل هيئتها الصادمة بالنسبة له .. ام تراه هو ما يُصدم بأى شئ فى هذا اليوم الصادم بأحداثه .. بداية بإفاقة عهد .. إلى رؤية تلك الأميرة الهاربة التى أسرته ..

قال يونس بعد فترة :
_لدى لكِ اخباراً .. لا أعلم ستكون سارة لكِ ام لا …

نظرت له بتساؤل عاقدة حاجبيها ثم همست :
_ما هى ؟!

ابتسم بخفة.. هذا أن صح تسميتها ابتسامة.. ثم قال :
_اهلك .. اقصد أباكِ واخاكِ .. قد غادرا المدينة ..!

صُدمت ملامحها .. ها قد حدث المحظور .. وغادر أهلها .. اين ستذهب الان …؟!

ازدردت ريقها ببطء.. ثم قالت :
_وكيف حدث هذا ..؟! كيف غادروا.. وهل علموا بأننى مازلت هنا .. ام يعتقدون اننى ذهبت لمكان آخر …

ابتسم يونس بشرود .. وخبث قليلاً .. وهو يستعيد لقائه مع اهلها ..

حين امر رجالة بإدخالهم الشركة لمقابلة مديرها .. فدلفوا واستقبلهم هو .. وبعد حوارات ترحيبية لا طائل منها .. سوى أنه أستشف من خلالها صعوبة عرفهم وتقاليدهم .. وصعوبة عقليتهم هم شخصياً ….
وبعدها بوقت قليل كان الوضع فيه قد أصبح مملاً .. لانعدام الأحاديث والمواضيع التى من الممكن فتحها بينهم .. فأراد يونس أن يلهب الجو قليلاً .. فألقى بقنبلته على مسامعهم والتى تلاها انفجاراً كان اصعب من تخيلاته :
_انا اعرف من انتم .. وماذا تريدون من تواجدكم فى مدينتنا …

احتدتا عينا الشاب الواقف معهم .. والذى هو أخيها و قال بانفعال :
_ماذا تقول ؟؟!.. وماذا تعرف عنا بالأساس.. نحن لتونا تقابلنا فقط ..

أسند يونس ظهره إلى ظهر مقعده .. ثم قال بجدية وحدة :
_اتركوا تميمة وشأنها ..!

هجم عليه ذاك الشاب على يونس دون أن يصدر الرجال معه اى اعتراض .. حاول الاشتباك معه بشراسة وهو يهتف بغل وغيظ :
_اذاً انت .. انت هو ذاك السافل الذى فرطت بشرفها وباسمنا من اجله .. قل لى بماذا وعدتها .. هاا… انطق يا جبان يا عديم الشرف …

انتفض يونس واقفاً أمامه .. أثناء تلقيه لكمه بوجهه من ذاك الحائط الماثل أمامه .. ردها له يونس بأقوى منها .. القته أرضاً .. ثم صرخ يونس فيهم بعنف :
_اخرس .. انت الجبان عديم الشرف .. أتريد قتل أختك ؟؟!. انا احذرك من مجرد التعرض لها اصلا .. وانتم جميعاً اسمعوا ..

هب الرجال واقفين أثناء ضرب يونس للشاب .. انحنى احدهم ليرفع الشاب من على الأرض .. بينما تكلم ابيها بنبرته الغليظة لأول مرة منذ اللقاء :
_اسمع .. نحن نريدها فقط .. انت لا تعرف …

هتف يونس بصرامة مقاطعاً إياه :
_بل اسمع انت .. وجميعكم .. احذركم من مجرد التعرض لها .. اتركوها وشأنها.. انا لست ذلك الدنئ الذى تتحدث عنه .. وهى بالأساس لم تفعل شيئاً .. تميمة انقى واطهر من أن يلوثها أحدكم بقاذورات الحديث تلك …

عقد ابيها حاجبيه العريضين .. ثم هتف بقسوة :
_وانت ما الذى يجعلك متيقن من حديثك بهذا الشكل .. ويجعلك تثق بتلك السافلة القذرة ؟

احتدت ملامح يونس .. وبان الغضب على ملامحه .. قبل أن يهتف بقسوة تحاكى قسوته :
_لآخر مرة احذرك .. قلت لك انتقِ الفاظك عند الحديث عنها .. ثم اننى متيقن من حديثى .. لاننى زوجها..

صمت اطبق على الجميع .. قبل أن يهتف ابيها بغلظة :
_و ما هو دليلك على حديثك هذا ؟؟!

لم تهتز ملامح يونس كما هو الطبيعى فى هذا الموقف.. ولكنه كان يحسب حساباً لمثل هذا السؤال .. فاستدار بثقة واخرج وثيقة من درج مكتبه .. ورماها امامهم أرضاً .. و قال :
_ها هى .. قسيمة الزواج .. تأكد بنفسك ..

رفع الرجل الوثيقة - المزورة بالطبع - عن الأرض .. ثم امسكها بين يديه .. وفحصها جيداً .. لوقت طويل ظل ينظر لها .. قبل أن يرفع رأسه له بملامح منهزمة .. ثم قال :
_انت الذى رضيت بالعار لنفسك .. إذن فلتتحمل ما جنته يداك ..

رمى الوريقات على سطح المكتب .. ثم لملم عبائته وهتف بمن معه :
_هيا بنا .. لم يعد لنا وجود هنا .. سنرحل إلى بلدتنا .. واتركوا هذا الديوث لما جنته يداه ..

ضرب يونس سطح المكتب بقبضته بقوة عقب قول الرجل .. ضربة أدت إلى شرخ الزجاج تحت يده بشكل سرطانى مخيف .. بينما خرج الرجال من المكان بأكمله .. بعد أن رمقه ابيها بنظر استحقار .. اخيرة ..
_____________________
عاد يونس إلى واقعه وهو واقفاً أمام تميمة التى عقدت حاجبيها بدهشة من شروده .. قبل أن يبتسم ابتسامة جانبية وقال بهدوء :
_غادروا .. غادروا فحسب … ويعرفون بأنك هنا .. فى هذه المدينة .. ولن يجرؤ أحد على التعرض لك ...مرة أخرى ..

للحظة اعتقد بأن ملامحها قد اظلمت .. او ان تعبيراً حزيناً قد تلبسها للحظة .. قبل أن تبتسم بارتجاف وهى تقول بعدم اقتناع :
_حسناً … اتمنى الا يكون اذى قد اصابهم أى اذى فهم بالنهاية اهلى … حتى وان ظلمونى فأنا لا اتمنى لهم الشر ابداً .. وبالنهاية .. شكراً لك سيد يونس..

بادلها الابتسام .. وقال ببطء :
_انتِ .. على الرحب … دائماً ..!

صمت وصمتت هى .. قبل أن تخفض وجهها وهى تقول بتلعثم :
_سيد يونس .. انا .. انا كنت قد .. كنت اطلب منك ان .. اطلب منك ...اقصد ..

شعر بحرجها.. فقال يحثها على الحديث :
_قولى يا تميمة .. ماذا تريدين ؟؟

بللت شفتيها بتوتر .. ثم قالت :
_أنا عملت لديكم فى الشركة لعدد أيام لا بأس بها … و كنت … اقصد اردت أجر ما عملت فى هذه الأيام فقط .. لأننى احتاج الى المال لاشترى .. اشياء خاصة ... بى .. اعذرنى سيد يونس على طلبى هذا .. ولكننى احتاج المال ..!

ابتسم بخفة وهو ينظر لها .. ولارتباكها الذى يفتنه ..
ثم أخرج من جيبه عدة ورقات مالية .. و مد يده لها بها قائلاً :
_تفضلى .. اشترى ما تريدين ..!

عقدت حاجبيها بضيق .. ثم قالت وهى تنظر له بارتباك :
_سيد يونس انا لا .. فقط كنت اريد أجر ما عملت وهذا كثير على الأيام التى عملتها ..

كبح ابتسامته بصعوبة .. قبل أن يسحب ورقة واحدة من المال .. ثم قال :
_حسناً أهذا افضل ؟؟!

نظرت له عاقدة حاجبيها .. ثم قالت باندفاع :
_وهل هكذا تكرمون عمالكم دائماً .. لا اعتقدك تعامل كل من عمل لديكم لبضعة أيام بهذا الكرم .. والا لكنتم أعلنتم افلاسكم من فوركم ..

لم يسحب يونس يده الممدودة بالمال .. بل أمال رأسه جانباً وهو يقول بابتسامة صغيرة :
_ليس تماماً .. فقط .. بعض الحالات الخاصة ..

زمت شفتيها وهى تمد يدها واخذت بعض المال .. ثم وضعت البعض الآخر بيده قائلة :
_حسناً هذا يكفى .. واعذرنى أن كان أكثر مما استحق …

ضحك بخفوت .. ضحكة قصيرة جدا .. جعلت قلبها ينتفض داخلها انتفاضاً .. وهى تنظر له مشدوهة وكأنه كائن من خارج المجرة ..
إلى أن امسك بيدها بعفوية ووضع بها المال المتبقى … حينها كانت ضربته القاصمة لها ..فارتعشت يداها بشدة قبل أن تسحبهم سريعاً قبل أن يلاحظ ارتجافها .. وهى تتمسك بالمال .. لا يهم تتمنى فقط الا يكون قد لاحظ ارتجافها …

ظلت الابتسامة تتراقص على شفتيه .. فى حين قال وهو على استعداد المغادرة :
_حسناً تميمة اراكِ على خير …

فغرت شفتيها بلهفة تريد إيقافه .. ولكنها لم تستطع .. بل هتفت فى نفسها :
(تعقلى تميمة .. ماذا تفعلين ..)

ولكنه استدار ومشى بضع خطوات قبل أن يلتفت لها قائلاً :
_دعواتك لابنة عمى قد افاقت اليوم من غيبوبة ..!

عقدت حاجبيها بتأثر ثم قالت :
_حمداً لله على سلامتها … فليشفها الله ويعافيها …

همس يونس بخفوت وهو ناظراً أرضاً :
_امين ..

ثم التفت مرة أخرى .. واستقل المصعد .. أمام عينيها وذهب ..
فظلت هى واقفة مكانها لفترة ..!
هل صدقاً كم المشاعر التى رأته بعينيه وهو يتحدث عن ابنة عمه .. ؟!
هل حقيقياً أن تتلون أعين أحدهم بكل ذاك القدر من المشاعر لمجرد ذكرها فى الحديث فقط .. فكيف الحال إذن عندما يراها .. مؤكد انه .. انه .. يهيم فيها حباً ..!
========
وقف يامن جوار سرير عهد بالمشفى .. ينظر لملامحها الذابلة .. ولذاك اللون القاتم الذى يظلل عينيها .. جسدها الذى قد ازداد هزله بعد مرورها بتلك الوعكة .. كل شئ فيها يستدعى غصة مؤلمة بقلبه تكاد تشطر قلبه العليل بحبها .. نصفين ..

((عندما .. أخبرتهم الممرضة بأنها نادت باسم يونس فور افاقت .. تألم ركن صغير بقلبه وقتها .. ولكنه لم يعره اهتماماً قدر اهتمامه بإفاقتها … فدلفوا إليها من فورهم ..
انحنى يونس عليها ممسكاً بكفها حين همست وهى مغمضة العينين بتعب :
_يونس .. يونس … اين انا الان .. واين امى وابى .. وأين .. أين يامن ؟؟ …

صاعقة ضربت قلبه حين نطقت باسمه بهذا الوهن .. صاعقة احيته … كمريض على شفا الموت .. تم إنقاذه بصدمة كهربائية ..

صدمته جعلته يتقدم منها وهو ينحنى إليها جوار يونس :
_انا هنا عهد .. انا هنا … حبيبتى ..

"حبيبتى" ها هنا قد خرجت منه شديدة العفوية ..شديدة اللهفة أكثر حتى مما كان يريد ..!

رفرفت بأهدابها الخفيفة بضعة مرات وهى تنظر له بنظرات تائهة غير واعية بعد .. ثم همست بوهن :
_انت .. بخير .. لم يحدث لك مكره .. صحيح.. لقد.. لقد رأيتك وأنت وأنت .. كنت ل .. لست بخير …

رفع يدها إلى فمه لاثماً باطنها بقبلة رقيقة جدا.. بينما ابتعد يونس ليفسح لهم المجال .. فاقترب منها يامن أكثر وهو يهمس بأعين ترقرقت دمعاتها خوفاً وقلقاً .. وفرحاً :
_مؤكد كان حلم .. مجرد حلم يا عهدى .. انا بخير .. كما انكِ بخير .. وكلنا بأنتظار افاقتك.. وعودتك سالمة انا فقط…

كانت تهلوس بالحديث .. وكلمات غير مترابطة .. وهى يبدو لم تفق تماماً .. فهمست بعتاب وصوت متقطع :
_ولكنك تركتنى يا يامن .. تركتنى وحدى يوم الزفاف ...كنت ارتدى الفستان الأبيض وانتظرك .. كنت انتظرك وانت لم تأتى ..
كنت اتألم كثيراً ولم اجدك جوارى .. لن اسامحك .. لا استطيع مسامحتك ابداً ..

تألم يامن كثيراً من حديثها .. وشعر بأنه غير قادر على المتابعة .. ولكنه شعر بيد يونس تربت على كتفه وصوته يأتيه هامساً :
_لا عليك يامن .. هى لا تعرف شيئاً من الذى حدث .. ثم انها بغير وعى .. لا تجزع ..

اومأ يامن ببطء .. وهو يتطلع لها ثم همس لها :
_ستعلمين اننى كنت مضطراً .. ستعلمين كل شئ حبيبتى ..

أغمضت عينيها تماماً وهى تذهب فى عالم آخر وكان آخر ما همست به :
_ولكننى اظل احبك ... يا يامن ..!

اعتصر يامن جفنيه بقوة .. وهو يستقيم فى وقفته .. كلماتها كانت وكانه يركب مركبة ملاهٍ .. تارة تصعد به عالياً .. عالياً جدا .. فيصرخ فرحاً .. وتارة أخرى تسقطه من السماء السابعة .. إلى أعمق اعماق الأرض ..
غريبة هى .. كما هو غريب عشقهما .. كما كل شئ فى علاقتهما المعقدة غريب ..

خرج من الغرفة هو و يونس .. وبعد قليل كان عمهما وزوجته قد اتيا .. ولكنها قد عادت لتغيب عن الوعى من جديد ..

***
والان هو واقفاً جوارها بعد رحيل عمه وزوجته وحتى يونس قد ذهب ليطمئن على ست الحسن والجمال ..
وهو لم يستطع أن يظل بعيداً لوقت طويل .. بل دلف إليها .. ليشبع عينيه من ملامحها المقربة له .. قبل أن يرحل .. فلو كان يستطع المبيت معها لفعل .. ولكنه لا يستطيع مع الأسف ….
….
حين طال الوقت وتوجب عليه الرحيل .. انحنى إليها ...مقبلاً جبهتها .. ثم همس أمام عينيها :
_وعد منى .. سأمحو كل هذا … يوماً ما سنجتمع سوياً .. حتى وإن طالت السنون بيننا .. فالعهد باقٍ .. كما انتى باقية يا عهدى…
======
( كنت اريد ان اقول لك .. بأننى اريد فقط بضعة أيام … لاتدبر امرى .. واجد سكناً لى .. فلو تسمح سأظل ببيتك لحين أن أجد بيتاً آخر .. و انت مشكور على كل شئ )

كانت تلك رسالتها الموجزة التى بعثت بها له .. على ما يبدو قد نست قول تلك الكلمات عندما كان معها … ولكن على كلٍ هى لن تخرج من بيته مطلقاً .. سيكون ملعوناً أن تركها ترحل وتتسرب من بين يديه …
كان يعلم بأنها سوف تقول تلك الكلمات .. ولدهشته هى لم تقلها أمامه فظنها نسيت .. ولكنها لم تخيب ظنه وقالتها حتى وإن أرسلتها مكتوبة … فقد انتهى الأمر .. كما هو منتهى منذ وقت طويل .. منذ ان اقسم فى قرارة نفسه .. انها لن تخرج من شقته تلك الا وهى تزف.. عروساً له …

والان وهو مستلقياً على فراشه .. جائته تلك الرسالة .. ولكنه لن يلقى بأوراقه أمامها الان .. فليتريث قليلاً فلربما يجد لها مدخلاً ما .. هو فقط سيلقى بإحدى الوريقات فى ساحة اللعب الان .. وهى انها لن ترحل ...ابداً …

كتب عبارته وارسلها لها ..
(لا ...لن ترحلى إلى أى مكان .. الشقة لك .. افعلى بها ما تشائين .. انا اصلا لم اكن استعملها … فأنا اقيم ببيت عائلتى .. فلا ضير من مكوثك بها ..)

اتته رسالتها …
(ولكن .. سيد يونس .. لن استطيع .. هل من الممكن أن تؤجرنى إياها …)

رفع حاجبيه بدهشة .. وهو يقرأ كلامها .. إلى أن اتته بالجملة التالية…
(أنا سأعود إلى عملى منذ الغد .. هذا أن كان مكانى مازال فارغاً فبهذا استطيع ان اسدد ثمن الإيجار ..)

كتب لها ..
(على كلٍ انتِ لن تعملى بعد الآن .. ولن يكون هناك خروجاً من الشقة يمكنك فعل اى شئ داخلها … ولكن لا خروج منها …)

اتته رسالتها وقد شعر بغضبها ينبع من كلماتها …
(بأى حق تقول ذلك .. و كيف سأمكث ببيت ليس لى حق به .. سيد يونس قلت لك .. انت مشكور على كل شئ إلى الآن .. وبعد ذلك انا ولية امر نفسى .. )

(انا سآتي غدا لنتحدث ..)

(لا ارجوك لا تأتى .. لن يصح أن تأتى كثيراً .. واخر حديث لدى .. اريد ان أعود إلى عملى بعد اذنك .. وسأستأجر منك الشقة .. هل اتفقنا …)

ظل فترة ينظر للكلمات .. إلى أن وجد ان كثرة الضغط تولد انفجاراً .. وهو لا يريد ذلك .. فليفعل لها ما تريد .. لذا كتب ..
(حسناً .. اتفقنا .. ستعودين لعملك بعد غد .. اقصد بعد يوم العطلة .. وستظلين بالشقة كما انتى …)

صدمه ذلك السؤال الذى اتى بعد فترة صمت طويلة .. ظن فيها انها اغلقت الهاتف .. واكتفت بموافقته …
(سيد يونس ...لماذا تفعل كل هذا معى ؟!)

توقفت يداه على الحروف فى هاتفه لثوان .. قبل يلعب بجملة قالها لها قبل قليل …
(نحن لدينا -فى عملنا- بعض الحالات الخاصة .. وبالتأكيد انتِ اهمهم … تصبحين على خير ….)

لم يجد رداً على عبارته الآخيرة .. يبدو انها قد صدمت .. وهو أكثر من سعيد بصدمتها .. علها تلمح بعض حديث قلبه منها …

وعليها .. فقد اغمض عينيه مستعداً للنوم .. وهمس قبل أن يغرق فى ثباته :
_تصبحين على خير … تميمتى الفرعونية…
========
صعد يامن السلالم المؤدية لشقته التى كان يقطن بها قبل أن ينتقل لتلك المدينة .. دلف إلى الشقة .. وأغلق بابها .. ثم ارتمى جالسا على الأريكة … كان يستطيع أن يذهب إلى بيته …
فقد تم فك الحظر المفروض عليه .. ولكنه لا .. لن يذهب إلى بيته … دونها .. دون عهده .. لن يدخل هذا البيت مرة أخرى إلا بها .. سيمسك بيدها ويدخله بها بعد فراق السنوات الماضية …
فقد أخذ عهداً على نفسه .. لن تخطو قدمه خطوة داخله .. الا ويده بيد عهده …. وكفى …!
=======



Ďonia Mohamed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-09-20, 10:31 PM   #6

Ďonia Mohamed

? العضوٌ??? » 447817
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 77
?  نُقآطِيْ » Ďonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السادس ..

بعد يومين …
كانت عهد فيهم قد استردت صحتها قليلاً .. وأصبحت بوعى اكبر عن الأيام الماضية ..
و فى هذا اليوم تحديداً ..
فى صباحه الباكر .. استيقظت عهد بالمشفى .. ولم يكن أحد قد أتى بعد .. سوى … يامن …

بمجرد أن فتحت عينيها واخترق الضوء وعيها الغافل .. حتى وجدته جوارها … مبتسماً بحب .. أثناء شروق شمس عينيها الخضراء .. نظرت له دون انفعال او تعليق .. وكأنها لا تهتم لوجوده بالأساس …
بينما هو لم يتأثر بلامبالاتها المرسومة على وجهها … إلى ان همست هى بصوت واهن :
_ماذا اتى بك الان ...؟

قال بهدوء وطبيعية :
_جئت كى اطمئن عليكِ … الا يحق لى المجئ ..؟!

اشاحت بوجهها بعيداً عنه وهى تغمغم :
_لا … ليس لك الحق بالمجئ .. وخاصة اليوم لا .. لم أكن احبذ بدايته برؤيتك .. فاليوم لدى جلسة علاج .. ولا ينقصنى شئ غير مريح اليوم…

غامت عيناه بعاطفة مقهورة … قبل أن يقول بنبرة لائمة.. عاتبة :
_أأصبح وجودى غير مريح لكِ ...بل ولا تحبذى وجودى فى يوم علاجك …؟!

حقيقة هو يعذرها .. فآلامها والذى تعانيه ليس بالهين .. ولكنه يموت الف مرة عندما يراها تتألم .. ومع نفورها منه .. ورفضها له بهذه الطريقة .. يزيد آلامه اضعافاً مضاعفة…!

حين لم ترد عليه .. مد يده يمسك بكفها .. وضعطه برفق ثم همس :
_يوماً ما … ستعلمين مقدار الألم الذى سببته لى بكلماتك تلك .. وحينها ستتمنين لو اسامحك على ما فعلتِ .. وانا سأسامحك .. بل وسأعشقك فوق عشقى لكِ عشقين .. فلا قلب يحزن من قرينه .. ولا انا قادر على معاتبتك .. لتعلمى مقدارك عندى يا عهد .. فأنت أغلى من أغلى شئ عندى .. وليكون هذا ببالك .. انا لن اتركك حتى لو أردتِ انتِ ذلك …

توجهت رأسها له كطلقة رصاص بعد كلماته .. إذن هناك ما يُخفى عنها .. حدسُها صدق .. وقلبها لم يخنها .. بل كان رأيه هو الصائب .. هناك شئ منعه .. ولكن ما هو .. ماهية العذر القهرى الذى دفعه لفعل ذلك … ولماذا يوم الزفاف تحديداً … لماذا ؟؟…

ترجم لسانها ما دار بخاطرها فهمست :
_لماذا يا يامن ؟!

ابتسم بخفة .. ابتسامة لا ترى بالعين المجردة .. قبل ان يربت على يدها برفق .. وانحنى مقبلاً جبهتها ثم قال متجاهلاً الرد على سؤالها الان :
_فليبعد الله عنك كل الم ...انا سأكون جوارك .. لا تقلقى .. فقط كونى جاهزة للجلسة …!

استقام واقفاً وخرج من الغرفة .. وتركها هى فى بحر حيرتها .. كيف تعرف ما يُخفى عنها … كيف .. أيعقل أن يكون يونس يعرف كل شئ .. بالتأكيد ومن غيره مقرب ليامن لتلك الدرجة …
=======
وقفت تميمة أمام المكتبة .. صديقتها .. منذ أن اتت إلى هنا .. وهى كل ما لها .. لهذا لم تبخل عليها ابداً .. بل خصصت لها جزءاً من المال الذى أعطاه إياها يونس مقابل ايام عملها.. فى جلب أشياء عدة تزينها بها .. وتعيد لها الروح … أحضرت عدة فروع للنور بألوان عدة ومختلفة .. فروع مزينة ذات أشكال مختلفة ينبعث من داخلها الضوء بألوانه .. وفروع أخرى بلاستيكية .. لا ينبعث منها الضوء ولكنها تضفى شكلاً جمالياً على الصورة .. بالنهاية وبعد استخدام عدة أدوات … اغلقت النوافذ .. وأغلقت الضوء .. ثم ضغطت على مقبس التحكم فى الفروع ..
وفجأة أضاءت الفروع بشكل ابهرها … حول المكتبة ملتفة بعناية وإتقان … جعلت المظهر جمالياً ...وقِبلة للنظر ..

ضحكت بخفوت مذهولة .. وهى تتطلع للمكان حولها … هذا مآمنها … هذا بيتها .. وما أجمل من بيت فيه رائحته .. بيت هو هدية منه .. ليس هدية تماماً بالمعنى الحرفى .. ولكن رائحته العالقة بالمكان تكفى … كل فعل تتخيله وهو يفعله بكل زاوية فى المكان.. يكفى .. تلك هى هديتها .. مجرد ذكر البيت باسمه يكفيها.. ويزيد ..

أضاءت الأنوار وفتحت النوافذ … ثم توجهت للمكتبة واحضرت كتاباً … وذهبت لتجلس فى الشرفة .. مع كوب قهوتها …

وبدأت تقرأ وتغرق بين أحرف الكتاب ….
إلى أن انتشلها من عالمها الوردي .. صوت جرس الباب …
فوضعت الكتاب ونهضت .. وضعت حجابها فوق رأسها .. ثم خرجت لتفتح .. وما كان سوى يونس.. على اي حال.. من سيكون غيره ..؟!

وقف يونس امام باب الشقة .. مبتسماً لذلك الوجه الملائكى .. آآه والف آآه كم داعب خياله كثيراً فى لياليه القاتمة .. تلك العينين … ستصيبانه فى مقتل عما قريب لا محالة ..

فى الحقيقة .. هو أراد أن يأتى .. ولكن بأى حجة سوف يأتى .. وجوده معها بهذا المكان وحدهما غير محبذاً لها .. وهو لا يريد على سمعتها غبار .. وبعد ليلة معبئة بالتأليف فى الحجج .. وتأنيب العقل .. وعناد قلب عاشق يريد رؤية من أسرت كينونته .. فرعونيته السابية .. تذكر مكتبته تلك التى فى شقته .. وتذكر انه يريد من هناك كتاباً منذ وقت طويل .. الان .. حان وقت أخذ الكتاب .. ان كان تقاعس قبل ذلك وتكاسل فالان لا .. لن يتنازل عنه .. سوف يأتى به ..

والان هو موجود أمامها بحجة الكتاب …
قال يونس بخفوت وهو ينظر لها نظرة اربكتها :
_السلام عليكِ .. يا تميمة ..

اخفضت عينيها أرضاً ثم قالت بتهذيب :
_وعليك السلام سيد يونس .. تفضل ..

تنحت جانباً .. و افسحت له الطريق .. فدلف إلى الداخل وقال بنبرة طفل أذنب .. ويحاول مداراة الأمر عن امه :
_اعتذر عن قدومى هكذا .. ولكننى كنت اريد كتاباً .. من مكتبتى هنا .. وجئت كى اخذه ..

اومأت بتأكيد وهى تقول :
_بالطبع سيد يونس تفضل هذا بيتك … ثم اننى كنت اريد التحدث معك بشأن الإيجار .. ولكن اولاً تمم ما جئت لأجله ..

الايجار .. وهل هناك ايجار فعلى .. هو مجرد عقد وهمى بينهما من صنعه هو بالتأكيد فقط كى يوهمها باستقلالها المزعوم هذا …
فقط لا تخرج من هنا .. هذا كل ما يريد ..!
يوم أمس .. حين قررت الخروج لأول مرة بعد انتهاء الأمر رغم تأكده بأن أهلها قد غادروا .. ولكنه مازال خائفاً .. شيئاً مبهماً ..غير مفهوم داخله حثه بجنون على السير خلفها حتى اتمت مشوارها .. وعادت إلى الشقة .. حينها تنفس الصعداء بعض الشئ .. ولكنه أراد الاطمئنان أكثر.. او ربما تلك حجته الوهمية ليراها اليوم ...

اومأ ببطء دون معنى .. ثم تقدم للداخل ..
وأثناء تقدمه وهو يولي شطره الباب .. صدحت كلمات تحذيرية بعقلها المغيب .. غرفة .. مكتبة … لا .. لا .. يا إلهى سيرى المهذلة التى قمت بها حول مكتبته .. لا لا …
ولكن الفأس قد وقعت فى الرأس ودلف يونس الغرفة وانتهى الأمر …
فظلت واقفة مكانها لا تتحرك .. منتظرة خروجه وصب جام غضبه وتعنيفه لها .. وهى لن تعارض ..
ولكن الوقت طال .. ويونس لم يخرج .. فقررت البدء بالحرب .. إذ أن انتظار الهجوم لا يفيد ..
فدلفت للداخل بخطى وئيدة .. وقلب وجل .. لتجده واقفاً أمام المكتبة مولياً ظهره للباب .. يمسك بيديه أحد الكتب على ما تعتقد …
تقدمت منه .. ووقفت جواره .. وصدق حدثها فوجدته ممسكاً بأحد الكتب ويقرأ فيه بهيام .. بل شرود تام و انفصال عن كل ما حوله ..

همّت بقول شئ تبرر به ذلك الزفاف الذى أقامته على المكتبة .. فلم تجد الفرصة .. إذ أنه رفع وجهه عن الكتاب الذى يقرأ فجأه .. ثم قال وكأنما يقص عليها ما قرأه من كتاب نذار قبانى الذى يمسك به :
_(عيناك .. آخر مركبين يسافران .. فهل هنالك من مكان ؟؟! ..
انى تعبت من التسكع فى محطات الجنون .. وما وصلت إلى مكان ..
عيناك آخر فرصتين متاحتين لمن يفكر بالهروب ..
وانا افكر بالهروب ..

عيناك آخر ما تبقى من عصافير الجنوب ..
عيناك آخر ما تبقى من حشيش البحر ..
آخر ما تبقى من حقول التبغ ..
آخر ما تبقى من دموع الاقحوان ..
عيناك آخر زفةٍ شعبيةٍ تجرى ..
واخر مهرجان ..
آخر ما تبقى من مكاتيب الغرام ..
ويداك .. آخر دفترين من الحرير عليهما ..

سجلت احلى ما لدى من الكلام ..
العشق يكوينى .. كلوح التوتياء ..
ولا أذوب..
والشعر يطعننى بخنجره .. وأرفض أن أتوب ..)

صمت لبرهة .. ثم اكمل بجدية عن ذى قبل ...وملامح اتسمت بكل انواع التأثر عله يقحم ما يريد برأسها :
_(نى احبك ..
ظلى معى ..
ويبقى وجه فاطمةٍ يحلق كالحمامة تحت أضواء الغروب ..
ظلى معى .. فلربما يأتى الحسين ..
وفى عبائته الحمائم ،والمباخر، والطيوب ..
ووراءه تمشى المآذن والربى ..
وجميع ثوار الجنوب ……)

طوال حديثه وهى تشعر بنفسها على وشك البكاء ، وتكبح دموعها بصعوبة .. الا بعد أن انتهى شعرت بنفسها غير قادرة على كبح دمعاتها أكثر.. فسقطت اول دمعة على خدها .. وهى تنظر له دون أن تتحدث .. فرفع يده بتردد .. يريد أن يمحو الدمعة عن وجنتها .. ولكنه توقف أمام وجهها دون أن يلمسها ..

ثم همس:
_ارجوكِ تميمة .. لا تبكى .. لم .. لم أقل لك كى تبكى .. بل لافصح عما ارهقنى طوال ليالٍ …

هزت رأسها نفياً وهى تهمس بأختناق :
_وانا ليس لى حق بك .. لاسمع هذا الكلام .. انت تشفق علىّ ليس الا …

وضع الكتاب من يده .. ثم استدار لها بكليته وقال :
_لماذا ..؟؟ لماذا ليس لك حق بى .. انا امنحك هذا الحق فلما ترفضين .. اعطينى سبباً مقنعاً واعدك الا ترينى مرة أخرى ..

ظلت صامتة لفترة … إلى أن مسحت دموعها بقوة
وهى تقول :
_أتعرف انت نظرة الشفقة التى تعتلى عينيك تلك .. هى ما لا يمنحنى الحق بك .. وان كنت داخلى اتمنى .. ولكن ليس كل ما يريد المرء يدركه …

ظل يحدق بها طويلاً .. لم يعد لديه أوراقاً مخفية .. فقد كشف كل شئ أمام فرعونيته.. فأصبح الآن اعزل مجرداً من كل أسلحته ..
فقط قلبها والذى هو متيقن من احتلاله .. هو الذى يرسل إليه قبس من نور ينير عتمة قلبه الغائم حزناً لرفضها له …

التفت توليه ظهرها .. ثم قالت بنبرة حزينة شابها وعد قاطع :
_اعدك يا يونس ..!

صمتت وكأنها تستجمع الكلمات .. ولدهشته فقد نطقت اسمه مجرداً تلك المرة فهل يعتبر هذه اول خطوة على سلم قلبها ؟! .. إلى أن أستطردت :
_إن استطعت نزع الشفقة من عينيك … حينها .. سأكون لك …!

عقد حاجبيه بحيرة .. أهى مختلة لتلك الدرجة.. اى شفقة تلك التى تتحدث عنها الفرعونية المخبولة .. هو لا يشفق عليها البتة .. بل هى من تسئ فهم نظرة عينيه العاشقتين لها .. هذه ليست شفقة .. بل لهفة .. خوف على حب جاء على غفلة منه ويخشى أن يتسرب من يديه كالماء فى غفلة منه أيضاً ..

لم يستطع كبح الكلمات فى حلقه بل هتف بها وهى مازالت توليه ظهرها :
_هذه ليست شفقة .. انا لا اشفق عليك ابداً .. تلك لهفة .. لهفتى عليكِ أينما حللتى… خوفاً على حب أتى على غفلة كماء المطر .. أخشى ان يتسرب من بين يدى كالماء كذلك…

_وهل تثق بى يونس ؟؟!
صدمه سؤالها الهادئ .. فقال دون تفكير :
_بالطبع ..

فعادت تقول بتأنيب وعتاب :
_ولماذا إذن اتبعتنى ليلة أمس .. أن لم تكن خائفاً من أن تكون حقيقتى مثلما قال أهلى ..

التفت ليقف أمامها قائلاً بدفاع :
_هذه المرة الثانية التى تسيئين فيها فهم تصرفاتى.. انا لم اتبعك خوفاً من حقيقتك .. بل اتبعتك خوفاً عليكِ من اى اذىٍ من الممكن أن يصيبك ..

هبطت دمعة أخرى من عينيها .. قبل أن تقول :
_وكيف لى أن اصدقك….؟

امسك بكفها بحركة متهورة منه.. ثم وضعه فوق صدره … فوق قلبه تحديداً .. ثم قال باندفاع وصوت عالٍ :
_اشعرى بهذا فقط .. وستعرفين وقتها بأننى ابعد ما يكون عن التصنع والتمثيل .. بل انى لم أكن صادقاً فى حياتى قط .. كما انا الان ..

سحبت يدها ببطء منه .. ثم قالت بهدوء أقرب إلى البرود :
_ارجوك .. دعنى وحدى قليلاً …

استدارت توليه ظهرها .. حتى قال هو متنهداً بصبر :
_حسناً تميمة .. سأتركك وحدك الان .. ولكن لن أرحل تأكدى من ذلك …

ثم تركها وهمّ بالخروج … توقف للحظات أمام باب الغرفة .. ثم نظر لها من فوق كتفه … قبل أن يتابع طريقه ويخرج ..

صوت إغلاق باب الشقة وجد صداه فى صدرها .. وكأن شيئاً اصابها بالخواء .. وكل فرحة الصباح قد تلاشت .. باعترافه .. لن تنكر بأن قلبها قد ازهر بكلماته .. ولكنها اضفت الملح على جرحها من النبذ والخذلان من عائلتها التى تريد قتلها .. وهى لم تخطئ ..
تخشى ان يصيبها حبه بجرح مماثل … فهى أصبحت تخشى حتى الخيال .. تخشى نظرة الشفقة فى عينيه .. ولا تعلم لماذا ذاك الشعور المتناقض داخلها .. حتى انها أصبحت لا تفهم نفسها حقاً ..
========
فى نهاية اليوم ..
كان صعباً جداً على عهد .. وعلى قلب من يعشق عهد …
المها كان فوق الوصف .. وبعد وقت إلى أن هدأت قليلاً …
جلس جوارها يامن بالمشفى وهى مستلقية على سريرها …يمسد على جيهتها بيد ترتعش وهو يقول بوجل :
_أأنت بخير الان ؟؟!

ربتت هى على يده .. بحركة عكسية ثم همست بوهن :
_انا بخير … لا تقلق .. فقد اعتدت الألم …

رفع كفها إلى شفتيه مقبلاً إياه وهو يهمس :
_لا تقولى هذا .. ستشفين قريباً .. الطبيب طمئننا وقال لنا ستتعافين قريباً فقط كونى قوية ..

نظرت له بامتنان وهى تهمس :
_أنا قوية بكم … ولكن .. اين ابى وامى .. ويونس ..

اظلمت عيناه بشراسة لحظية .. كتمها على الفور .. عقب ذكرها يونس .. ثم قال بحنان :
_امك لم تحتمل أن تراك هكذا .. فأخذها عمى وذهبوا .. ويونس فى عمله .. كل شئ يقع على عاتقه هذه الأيام .. وسيمر علينا بعد قليل …
وانا سأبقى معك هنا .. إلى أن يحل الليل ويحين موعد المغادرة .. فأنا لا أستطيع أن ابقى ..

صمت قليلاً تحت نظراتها التى يفهم مغزاها .. تريد معرفة كل شئ وهو يأبى أن يريحها … لذا هرب بعينيه عن مرمى عينيها .. وهو يقول :
_سأخرج قليلاً ..

امسكت بيديه بوهن وارتجاف ..ثم همست بخفوت وترجى :
_ارجوك ارح قلبي .. وقل لى ماذا حدث …

ازدرد ريقه بتوتر .. لن يستطيع مواجهتها .. لن يمكنه قول ذلك .. نفس ذلك الخوف من نظرتها هو الذى منعه من البوح لهم قبل تلك السنوات … ودفعه لافتعال كل تلك المشاكل فقط كى لا يرى نظرة خذلان فى عينيها رغم انه قد خذلها بالفعل بما فعله …

ظل صامتاً لفترة وهى لم تنبث ببنت شفه .. تريده هو أن يتحدث .. تريد الحقيقة الكاملة من بين شفتيه هو لا غيره …

اغمض يامن عينه لوهلة الى ان فتحهم و قال :
_حسناً … سأقص عليكِ كل ما حدث …

ومع مرور الدقائق ويامن يقص عليها كل ما حدث .. كانت ملامحها ثابتة .. جامدة .. الا من ذلك الوهن الذى يحتل قسماتها ..
إلى أن انتهى بقوله .. وهو يشيح بوجهه عنها :
_هذا كل ما حدث .. إلى أن عدت .. ولا تسألى لماذا يوم الزفاف بالذات لاننى نفسى لا أعرف لماذا .. ربما كنت اتوهم قبلها اننى قادراً على مداوة الأمر دون علم أحد.. ودون أن اسقط فى نظرك … ولكنى اكتشفت بأننى سأفشل فشلاً ذريعاً فى الأمر .. بل اننى سأصيبك انت معى ..ولم أكن لارضى أن اكون سبب شقائك ابداً ..

ظلت متمسكة بيده دون أن تفلتها .. فشددت عليها .. لينظر هو لها بذنب يظلل نظراته .. فقالت عهد بخفوتٍ ألمه :
_بل كنت .. سبب شقائي .. وفرحى .. حزنى .. وسعادتي .. كنت ومازالت .. وستظل دائماً وابداً …

ادارت وجهها بعيداً عنه .. ثم همست :
_بحياتى لم احقد عليك يا يامن .. ولم يحمل قلبى لك اى ضغينة بل على النقيض تماماً .. لم يحمل سوى حبى لك … لهذا لن أقول لك انى سامحتك .. لاننى حتى وإن كنت تألمت منك .. فقلبى لم يبغضك ولو للحظة ….
========
انجز يونس عمله … و استقل سيارته .. واستعد للذهاب للمشفى لرؤية عهد .. ولكنه ما لبث ان أدار السيارة مستعداً للذهاب .. حتى أعلن هاتفه عن وصول رسالة … فالتقطه .. وفتحه لتكون .. صدمته او .. فرحه لم يعلم ماهية الشعور الذى احتل قلبه وقتها …
فكلمتان موجزتان كان لهما اثر وقع الصواعق عليه ..
(أحبك يونس …)
حينها وجد اصابعه تتسابق لتكتب جملة أراد قولها صراحة ولم يستطع …دون تفكير ..
(وانا … اعشقك يا فرعونية …)
=========


Ďonia Mohamed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-09-20, 10:36 PM   #7

Ďonia Mohamed

? العضوٌ??? » 447817
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 77
?  نُقآطِيْ » Ďonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السابع
بعد مرور يومين ..
خرج يامن من غرفة الطبيب وملامحه مبتسمة ببهجة …
توجه إلى غرفة عهد .. ليجدها جالسة على فراشها تنظر أمامها بلا تعبير .. إلى أن وجدت يامن يدلف كالعاصفة .. مبتسماً وهو يهتف بسعادة تشع من عينيه :
_هيا يا عهدى … سنذهب لبيتنا اليوم .. الطبيب سمح لكِ بالخروج ومتابعة الجلسات بعد ذلك …!

ابتسمت بخفوت .. ولم تتأثر تعبيراتها وكأن الأمر لا يعنيها .. فليفعلوا ما يشاءون هى لا تهتم … استسلمت .. بالمعنى الحرفى ..

لاحظ يامن فتورها من الأمر .. فاقترب منها ثم جلس على حافة الفراش .. امسك بيدها بين كفيه وهمس :
_ماذا هناك يا عهد؟؟!. لماذا أشعر بأنك لست سعيدة بالعودة للمنزل .

هزت رأسها نفياً بإشارة غير مفهومة ..ثم همست :
_الأمر لا يعنى بأننى لست سعيدة .. بل انا اريد ان اذهب لبيتى .. الأمر وما فيه هو اننى لست مهتمة ..

عقد حاجبيه وهو ينظر لها .. شدد على يديها .. وقال بقلق :
_عهد .. لماذا صارت عزيمتك فاترة بهذا الشكل .. لم اعهدك ضعيفة .. انا استمد قوتى منكِ .. صدقينى .. يمكنك رؤية الأمر غريباً لكننى فعلا استمد قوتى منكِ .. صلابتك .. قوة تحملك .. صبرك .. كل هذا يجعلنى اقوى بكِ … فلا تضعفينى ارجوكِ …

ابتسمت ببشاشة فى وجهه .. ثم ربتت على يده وقالت :
_حديثك هذا هو ما يجعلنى استمر .. رغم إننى فعلياً .. تعبت ..

ظل يامن متمسكاً بكفها دون أن يتركه .. واقترب بوجهه منها … احاط وجنتها بيده الأخرى وهمس أمام عينيها ...بنبرة صادقة .. نبعت من اعمق أعماقه المُحتلة من قِبلها :
_حسبك والسقوط يا عهدى .. فلا حياة بعدك .. ولا شمسٌ ستشرق بعد شمس عهدك إن غربت …!
========
وقف يامن ممسكاً بيدها امام باب المنزل الكبير .. لقد وعد .. و برّ بوعده .. عاهد نفسه بأنه لن يدخل الا ويده بيدها .. وقد فعل ..
تقدموا للداخل بخطى وئيدة .. وعهد تتطلع حولها للمكان بنظرات يملؤها الشجن .. وكأنها قد تركت بيتها منذ سنوات .. لا لبضعة أيام فقط … اقترب يامن منها .. وهمس جوار اذنها وهما واقفان فى ردهة المنزل :
_حمداً لله على سلامتك عهدى .. فليعجل الله باليوم الذى سأسمع فيه خبر شفاؤك ..

نظرت له مبتسمة … ولم تجد فى نفسها القدرة لترد… مهما كانت سهولة الكلمات المجاملة التى لابد أن تنطقها فى مثل هذا الموقف .. لكنها تشعر بنفسها غير قادرة على فعل شئ .. سوى الشعور بنفسها حية من جديد فى بيت حمل فيه ذكريات عاشتها بكل تفاصيلها مع يونس ويامن .. ابيها وامها .. ذاك الشعور بالرضا والذى وجد صداه فى نفسها بشدة …
………….
إلى أن مر وقت طويل ولم يظهر فيه يونس بعد … فنظرت نحو أبيها لائمة وقالت بعتاب :
_ أبى.. لماذا سمحت ليونس بالذهاب للعمل اليوم .. الا يعلم بأننى سوف اخرج اليوم من المشفى ..؟؟!

ضحكة صغيرة خبيثة صدرت عن يامن جوارها جعلتها تنظر له بتوجس فى حين قال أبيها بحيرة :
_لم يحدث بنيتى ...انا امرته بأن يظل اليوم لاستقبالك .. وهو وافق ولا أعلم اين ذهب بعد ذلك …

حولت نظرها من ابيها إلى يامن المبتسم بمكر .. ثم قالت بحزم آمر .. لم يخلو من وهنها :
_هيا يامن قل لى .. اين ذهب ..؟!

زم يامن شفتيه بحيرة ...ثم قال بنبرة ممطوطة :
_أتعلمين شيئاً .. أود لو افشى سره كما فعل معى .. ولكننى لا استطيع ..

توجهت كل الأنظار ليامن .. ابيه وامه وعمه وزوجة عمه … حتى عهد غلبها فضولها لتعرف ما يخبئه يونس عنها ...وهو الذى يكون أمامها ككتاب مفتوح تستطيع قراءة ما تشاء فيه بسهولة .. الان وقد أصبح له سراً … وعلى من ؟!.. عليها !!!…
لذا تصنعت الدلال وهى ترمق يامن بنظرات متفحصة قائلة :
_يامن .. ألن تخبرنى .. انا أشعر وكأن الأمر فيه فتاة ربما ..!!

ضحك يامن عالياً ….وضحكته أكدت صدق تنبؤها .. فعقدت حاجبيها وهى تقول :
_اذاً صدق حديثى .. ماذا هناك يا يامن .. على ماذا ينوى يونس ..؟

كان يامن سوف يفصح عن كل شئ .. ضارباً بسر ابن عمه عرض الحائط .. ولكن القول التالى قطع عليه الأمر :
_ماذا تريدين أن تعرفي يا "عهدى" وانا سأخبرك إياه …

هنا وقف يامن فجأة بحمائية وهو ينوى الدفاع عن لقب عهده الخاص .. بينما الاربع أزواج من العيون المسنة قد تعلقت بهم .. بيونس ومن تقف جواره بدهشة .. يونس… وفتااة!!! .. انه لزمن العجاب إذاً ..
بينما نظرات عهد تجمدت عليهما وهما واقفان على باب الغرفة التى يجلسون بها .. وقد تعلقت عينيها -بكفيهما المتشابكان- بحمائية ورغبة عارمة بالاحتواء تعرفها فى يونس جيداً .. وتلك الهالة التى تحيط بهما .. هالة توحى بشئ من … الانتماء من قِبل تلك الفتاة … هكذا شعرت .. فى تلك الثوانى المعدودة .. قبل أن يهتف يامن عالياً مقاطعاً شرودها :
_هااااى ايها الكائن .. اذ لقبتها ب "عهدى" مرة أخرى فلن أجعل عهدك المقبل يظهر بعدها …

كبحت تميمة لجام ابتسامتها بصعوبة .. بينما يونس يرمق يامن بنظرات محذرة مشيراً لها .. إلى أن وقفت عهد فجأة امامهم بابتسامة مشرقة تناقض ذاك الوهن المنتشر على قسماتها .. وتلك الهالات التى تحيط خضرة عينيها ك "صحراء حول بقعة يانعة "..
كتفت عهد ذراعيها أمام صدرها ثم قالت بمرحها المعتاد مع يونس بالذات :
_مهلا يا سيد يونس… مازال الوقت باكراً …
تعلقت بها نظرات تميمة بدهشة .. من أين لها بكل تلك الثقة لتقف وقفتها تلك بحالتها الرثة .. ورأسها الصلعاء دون حرج او عدم رضا عن نفسها .. بل قوة نظرتها التى تناقض وهنها .. مرحها.. وثقتها كل شئ فيها يناقض حالتها .. فلا عجب من هوس يونس بها وهو الذى ظل اليومين الماضيين بأكملهم يحكى لها عن نفسه وعن عائلته .. والتى تمثلت فى عهد لا غيرها .. حتى انها بدأت تشعر بالقليل من .. الغيرة .. ان صح تسميتها بالغيرة .. من تلك التى يتحدث يونس عنها بأنبهار و التى ظنته يعشقها ذات يوم …
يونس …
ومن لا بعشق يونس وهو يمطرها بهذا الحنان وتلك السكينة طوال أيامه الماضية ..
منذ أن اعترف لها بحبه بتلك القصيدة التى اخترقت أعماقها بضراوة دون سابق إنذار .. وهى لا تعى شيئا سوى أنها أصبحت كنجمة تدور فى فلكه .. هو وحده دون غيره …
((بعدما تركها ورحل ذاك اليوم .. ظلت واقفة مكانها مبهوتة ..
ماذا قال ؟؟
أأعترف لها بحبه للتو ؟؟.
وهى … هل كانت من الغباء القاتل بحيث لم توافقه كلامه وترد اعترافه باعتراف اشد حرارة منه ..
وهى التى ينكوى قلبها بنار عشقه ليلة بعد أخرى..
ماذا فعلت ؟؟ وماذا دهاها؟؟
وما تلك التفاهات التى تفوهت بها عن نظرته لها.. ؟؟
كيف واتتها الجرأة بأن تنعت نظرت عشقه ب "الشفقة" ..!
وان كانت شفقة ..فليكن ..!
فأى شفقة تلك التى تشبه "السماء" وهى تمد لها سلماً من السحاب لترتقى عليه .. وتصل ل "عناق القمر" ؟؟.
بربها ..!!
ما الذى دهاها ..ماذا دهى قلبها وعقلها والذى يطيحان بها ما بين مد وجزر..!
"مدٍ" يدفعها بعيداً .. نحو الشاطئ .. يُغريها برفاهية السكينة والأمان بين ذاراعيه و داخل احضانه ..!
و "جزرٍ" يجرها نحو الأعماق .. يدعوها ل "خذلانه" و خذلان نفسها .. و "قلبها" قبلهما .. يحثها على الابتعاد داخل صومعتها والصوم عن حبه إلى أن يأتى عليها يومٍ لا تجد شربة ماء تجدى ظمآءها ..!
لذا وما أن هدأت حتى حسمت أمرها -رغم الخجل والتردد الذى اعتراها - بأن تعترف له بحبها .. لا يهم ماذا سيقول .. لا يهم تبعات هذا الأمر .. هى فقط تريد أن ترتاح من ثقل هذا الحمل الذى يجثم فوق صدرها .. و قد فعلت !!!
بحركتها المتهورة وهى تبعث له برسالتها … و التى رد عليها باعتراف اشد حرارة .. مصحوباً بذلك اللقب والذى لا يفتئ بأن يناديها به منذ يومين ..
(فرعونية ..)
لكم راق لها اللقب ولكم احبته .. وهى تراه يشبهها بالتمائم الفرعونية القديمة .. فى ندرتها ..وأهميتها .. وفخامة قدرها .. وسحرها ..!!))
…….
افاقت على صوت حديث عهد ويونس الذى طال .. وبمرحهما المعتاد .. حيث ترك يونس يدها وتوجه نحو عهد ليغمرها بين ذراعيه.. محتضناً إياها بتلك الحركة التى يراها طبيعية .. وقد اعتاد عليها .. الا انها فى نظر تميمة لم تكن كذلك .. لا تعلم ماهية هذا الشعور بالضيق الذى راودها حين تركها واقفة بالباب كالغرباء
واهتمامه كله ينصب نحو عهد فى حديث طال عن حده فى نظرها ..
لذا لم تجد بداً من نادته بخفوت قائلة :
_يونس …

ويبدو أنه لم يسمعها ..ولم ينتبه لها إلا عندما لكزه يامن فى كتفه بخفة مشيراً بعينيه نحوها .. فالتفت لها مبتسماً وهو يتوجه ناحيتها قائلاً :
_حبيبتى اسف انشغلت عنكِ .. ولكن فرحتى بعودة عهد انستنى كل شئ …

(بدايات غير مبشرة بالمرة ..)
هكذا تمتمت تميمة داخلها دون أن تجرؤ على التفوه بها …
إلى أن قالت عهد وهى تتمسك بذراعه من الجهة الأخرى :
_حسناً يا يونس ألن تعرفنا على ضيفتك الجميلة ..

نظرة يونس نحو تميمة فى تلك اللحظة انبئت عهد بخطأ وصفها لها .. بأنها ابداً لن تكون "ضيفة" بل "صاحبة" بيتٍ كتب لها أن يعشقها قلب مالكه …!

_اعرفكم على تميمة … عشقى الحالى .. وزوجتى مستقبلاً ..!

ابتسمت تميمة بوهن لنظرته .. قبل أن تنبهت قليلاً و يونس يقدمها للجميع بطريقة رأتها هى جريئة بعض الشئ .. لان يعترف بحبه لها هكذا امامهم جميعاً .. مع عدم إنكارها فرحتها بهذا الفخر الذى ينطق به كلماته وكأنها محور كل شئ حوله.. فرحتها التى بددت كل ضيق اللحظات الفائتة وكأنها لم تكن ..
و راقها الأمر حين اختلطت مع الجميع .. والذين تلقوها برحابة ...وقد اندمجت معهم كثيراً .. وبالرغم من ذلك كانت تتحاشى عهد قدر استطاعتها .. ولكن الاخيرة لم تكن لتتركها ابداً فهى من مال إليها قلب ابن عمها .. واخيها فى المقام المعنوى ..!
وعهد كأى اختٍ أصيلة .. رفضت أن يمر الأمر هكذا مرور الكرام .. بل دفعتها حميتها للحوم حول تميمة تلك التى يبدو انها قد ملكت قلب يونس حقاً ..!

قول عهد إلى تميمة جاء على حين غرة منها وهم جالسون سوياً .. وقد رحل الامرأتان لإعداد مأدبة الغذاء ..
ورحل الرجلان لاتمام الأعمال .. مصطحبين معهم يونس ويامن بالطبع ...فبقين وحدهن وقد وجدت عهد فرصتها :
_ أهلا بكِ بيننا يا تميمة ..

ابتسمت تميمة بتكلف وهى ترد عليها بعبارات لبقة تقليدية.. سبقت سؤال عهد والذى جعلها وقتها ك "أمٍ أصيلة" تتفحص عروس ابنها المحتملة :
_لم تقولى لنا .. من أبيك وما هى عائلتك .. هل لك اخوة ام لا ..لم يحدث لنا الشرف بأن تعرفنا إليك عن هذا القرب فى الساعات الماضية..

ازدردت الأخيرة ريقها بتوتر وهى تشيح بوجهها عنها .. تناجى ربها سراً بأن يأتى يونس ويرحمها من ذلك الموقف العصيب ..
وكأن ربها قد استجاب ندائها ...فوجدت يونس يدلف من الخارج مجيباً هو على عهد :
_لا تقلقى يا عهدى .. ستعرفين كل شئ.. ولكن اتركى تميمة الان فعندى حديث لها ..

اومأت عهد وهى تنهض لتخرج وعلامات عدم الرضا تمتزج بعلامات وهنها وهى تتحامل على نفسها طوال النهار .. وتجاهد لتجلس دون الم فقط كى لا تشغل بال عائلتها عليها .. وخاصة امها التى بدت وكأنها كانت تموت طوال مدة مكوثها فى المشفى ..
وما أن اقتربت من يونس وهى تخرج حتى امسك ذراعها بلطف وهو يلاحظ وهنها قائلا :
_اذهبى لترتاحى يا عهد .. انتِ متعبة ..

اومأت بابتسامة صغيرة .. ثم انصرفت بينما يونس قد عاد ل تميمة الخائفة .. والتى ما أن جلس جوارها حتى بادرته بالقول بلهفة :
_يونس ماذا قلت لهم؟؟.. وبماذا سترد على ابنة عمك .. هل ستقول لهم شيئاً عنى ؟؟

ابتسم ببطء وهو يربت على يدها المستريحة على قدميها قائلاً باطمئنان لم يخلو من المواربة :
_لا تقلقى.. كل شئ سيكون على ما يرام ..

ورغم أن العبارة لم تريحها كلياً.. ولكنها لم تمتلك الخيار ...هذا يونس .. حبيبها .. كل كلمة يحكيها ما هى الا وعد قُطع كحد السيف .. وقلبها العاشق لا يمتلك .. سوى الموافقة والاطمئنان ..

======

بينما بالخارج ..
توجهت عهد نحو السلم متجهة لغرفتها ...تناشد الراحة ..
تعبها اليوم فوق احتمالها .. خاصة مع هذا المجهود الذى تبذله ..
صعدت درجات السلم بتثاقل .. وتوقفت فجأة فى منتصف الطريق ثم هوت جالسة على درجة منه وهى تستند برأسها إلى جداره ..
ضمت قبضتيها إلى صدرها ثم صدرت عنها أنات خفيفة انهتها بتنهيدة هامسة :
_يا ألله أما لهذا الألم من نهاية ..؟!

_بل له .. نهاية وستكون على يدينا معاً أن شاء الله ..!
اتاها الرد بكلماته البسيطة من يامن الذى قالها وجلس جوارها على الدرج .. تلك العبارة والتى ورغم بساطة كلماتها الا انها أوقعت فى داخلها الأثر المنشود .. وكأن وديان قوتها الجافة .. قد امتلئت بسيل امطاره الجارفة …
انتقلت رأسها تلقائياً من الاستناد إلى الدرج الصلب .. إلى كتفه الأشد صلابة .. اشد قوة من أن يخذلها مرة أخرى ..
حينها احتضن يامن كفها وهو يقربها من فمه .. لاثماً باطنه بدفء مس قلبها .. ثم قال بنبرته المرحة :
_ماذا يا عهدى .. أرؤية يونس مع حبيبته قد جعلتك تغارين أم ماذا؟؟!

ابتسمت بضعف وهى تتمسك بكفه قائلة :
_ولماذا أغار ؟؟ وانا لدى حباً يفوق ما تملكه "مُحدِثة الحب" هذه ..!

اشتدت ضحكته قليلاً وهو يشعر بعبارتها تلك تجتاحه رغم بساطتها .. قال يامن وهو يضم كتفيها إليه :
_لا .. انتِ تغارين يا عهدى .. تغارين وتغارين أيضاً .. ولكن انا الذى سوف يغار .. فهى حبيبة يونس وليست حبيبتى انا .. ان اختلط لديك الأمر نوعاً…

زمت شفتيها وهى ترفع وجهها إليه قائلة :
_لتكن محاطاً بالعلم انا لا اغار من اى شئ اوعلى اى أحد .. انا أثق فى نفسى حد الغرور ...سيادتك ..

ضحك ملء شدقيه وهو يزيد من ضمه إليها .. وكأنه خائفاً أن تتسرب من بين يديه … قبل أن ينحنى مقبلاً رأسها الصلعاء ثم همس :
_فلتثقين بنفسك حد الغرور والنرجسية قدر ما تشائين يا عهدى .. حق لك انت تفعلى ذلك .. فأنت عهد لا يزول ..

هل عليها الآن بعد كلماته تلك أن تتركه وتقف لتذهب وترتاح .. ام ان راحتها الكبرى تكمن بين ذراعيه الحنونتين .. واللتان تحتويانها الان بمزيج من قوة .. ودعم .. وقلق من فقدها.. وعشق لا ينضب ابداً … وكأن ريعان حبه لن تجف …
كانت ستخسر كثيراً .. خسارة كبرى كانت ستحتم عليها السقوط يوم صارحها بحقيقة ما مضى ...لو كانت استسلمت لاضغاث اوهام مالها في عرف الحقيقة تأويل عن تركه لها.. حقاً كانت ستخسر حنانه وقربه الذى يداوى جرح قلبها الذى لا يندمل ..

لم تشعر الا به وهو ينهض وينهضها معه .. فقالت بتساؤل :
_إلى أين؟؟

ضحك بخفة وهو يتحرك معها .. تستند هى على ساعديه اللذين يطوقان خاصرتها .. متجهين نحو غرفتها ..
ثم قال يامن ضاحكاً :
_أأعجبتك الجلسة ؟؟ .. اعدك ان نجلسها طويلاً ولكن على سلم بيتنا وحدنا ..

انتفض قلبها وهى تتخيل بيتهما المرجو هذا .. وظلت تشطح بخيالاتها بعيداً .. قبل أن تفيق من شرودها على قوله العابث :
_هيا عهدى قد وصلنا غرفتك .. ولا تقلقى على بيتنا المستقبلى .. سنشيده معاً .. حجر بججر .. وزاوية بأخرى إلى أن يكتمل فنعمره بدفء حبنا .. وبعدها تمتلئ حدائقه بفريق أطفال يامن ولن أقبل بأقل من تسع أطفال يركضون حولنا …

ابتسمت بخجل دون أن ترد عليه .. إلى أن جعلها تستلقى على السرير ورفع الغطاء عليها ...مسد على بشرة رأسها الظاهرة ثم همس :
_طابت ليلتك عهدى ..!

رفعت يدها وامسكت بكفه قبل أن تقبل ظاهره بمبادرة غريبة عليها .. رغم الخجل الذى يعتريها .. حركتها تلك جعلت قلب يامن ينتفض داخله بشعور غامر بالسعادة .. وكأنما هى تثبت له انها سامحته ..الى ان قالت عهد بخفوت وعينيها تنغلقان بنعاس :
_شكرا يامن .. شكرا على كل ما فعلت .. انا .. انا احبك ..

ومن ثم اغلقت عينيها ولم تعى شئ ..
ظل يامن ناظراً لها لفترة وهو لايدرى كيف سيطاوعه قلبه لينهض الان .. حقاً لا يعرف.. كلماتها كانت كسيل من الغمام ...امطر على صحراء قلبه القاحلة ...فأينعت …
=======
ركبت تميمة السيارة جوار يونس قبل أن ينطلق بها ليقلها لشقتها ..
ظلت تميمة صامتة دون أن تنبث ببنت شفه .. مستندة برأسها إلى النافذة جوارها مبتسمة بشرود .. حقاً ستكون سعيدة بين هذه العائلة .. ستجد عائلتها التى نبذتها فيهم بالتأكيد ..
لم تشعر الا بيونس وهو يمد يده مشبكاً خنصره بخنصرها دون أن يمسك يدها … ابتسمت بخفة .. و هى تتنهد قائلة :
_ماذا تفعل يا يونس ؟ ..

_ماذا لم أفعل شئ ؟

قالها يونس بمرح مستنكراً وهو ينظر لها نظرة جانبية سريعة وعاد بنظره للطريق مرة أخرى .. إلى أن تسائلت تميمة :
_ألن تخبرنى يونس ماذا قلت لاعمامك ..

تنهد يونس بعمق .. قبل أن يمسك بيدها كلياً وشد عليها قائلا :
_حسنا يا فرعونية سأخبرك …

_يونس .. ألن تكف عن مناداتى بهذا اللقب ..؟!
قاطعته بها تميمة ضاحكة بخفوت .. ليجيبها هو بدفء :

_لا لن أكف عنها ابداً .. انا احبها كثيراً ..

ابتسمت بخجل تجاوباً مع كلماته .. إلى أن قال يونس بجدية :
_حسنا .. اسمعى .. انا أخبرتهم بأمرك .. دون تفاصيل .. بمعنى أنك تعيشين وحدك هنا .. ولم أذكر تفاصيل إتهام عائلتك لك .. فقط أخبرتهم انك لم يعد لك صلة بهم ..

همست بحزن وتردد :
_و بالطبع أصبحت فكرتهم عنى .. اننى فتاة غير صالحة .. لطالما تركها أهلها .. اذاً هى ..

قاطعها يونس برفق .. وهو يشدد على يدها .. ثم قال :
_اصمتى يا تميمة .. انا لن اكذب عليكِ بشئ .. هم بالبداية لم يقتنعوا .. وذلك لاننى اعطيتهم تفاصيل مبهمة فقط .. ولكنهم يثقون بى .. ويعرفون جيداً صواب اختيارى …

اطرقت برأسها دون رد .. وهى تشعر بأن نبذها من قِبل أهلها .. سيظل وصمة لها ..
بينما يونس يشد على يدها أكثر بحنان ناسب قوله الخافت :
_لا عليك تميمة .. كل شئ سيكون على ما يرام ..

نظرت له برجاء يائس .. قبل أن تقول بحرارة :
_اتمنى ذلك يا يونس .. اتمنى ذلك ..

منحها إحدى ابتسامته المطمئنة .. والتى تخبرها بأنه زاهد الدنيا وما فيها وهى جواره .. يشعرها حقا انها شمس كونه وكل شئ من بعدها يتمحور حولها هى فقط دون غيرها ..
…..
انقضت المسافة سريعاً وكأن الوقت يأبى أن تنعم بقربه للحظات أطول .. ستعود لتلك الشقة الخاوية مرة أخرى والتى لا يواسيها فيها فقط سوى رائحته العالقة بها ..
وقف يونس بالسيارة أمام المبنى منتظراً إياها أن تخرج دون أن يفلت كفها .. فهمست بخفوت :
_يونس …

_اممممممم ...!

_اترك يدى حتى أنزل …
لم يترك يدها من فوره .. بل تباطأ وهو يرفعها نحو شفتيه لاثماً إياها بقبلة رقيقة .. قبل ان يفلتها قائلا بابتسامة :
_حسناً اذهبى ..

تخضبت وجنتيها بحمرة قانية ...لا تعرفها الا فى وجوده .. الذى يخل بوتيرة وجيب قلبها بطريقة تشعر بأنها ستودى بها ذات مرة ..
قبل أن تترجل من السيارة وابتسامة حالمة تزين شفتيها .. اقتربت من باب المبنى ونظرات يونس تشيعها من الخلف …
لماذا هذا القلق الذى يعتريه ؟؟.
لماذا تتعالى دقات قلبه هكذا حد الألم ؟؟
لماذا يبدو أنه ليس بخير ؟؟
لماذا ...؟؟
وآخر لماذا من تساؤلاته انقطعت عندما التفتت له تميمة بنظرة اخيرة مودعة قبل أن يرحل .. تلاها صوت طلقة رصاص اخترقت جانب صدرها بشدة محت ابتسامتها … وخلت بتوازن وجيب قلبه لمدة من الزمن .. فارقت فيها الحياة جسده هو للحظات وكأنه هو من اصيب ..وعينيه شاخصتان عليها بصدمة .. قبل أن يفيق على صوت ارتطام جسدها بالأرض متزامناً مع صرخته .. وكل شئ أمامه يمشى بتصوير بطئ دون رفق بمن مثله .. من لم ينتظر يوماً سقوط :
_تميمممة…!!!!!
======


Ďonia Mohamed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-09-20, 12:10 AM   #8

Ďonia Mohamed

? العضوٌ??? » 447817
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 77
?  نُقآطِيْ » Ďonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثامن ..

تلك الدقائق التى تمر ببطء وتشعر فيها بأنك تنفطر داخلياً ...ما هى الا دقائق وهمية تكون فيها مخدراً بالكامل.. و لا تشعر بحجم المصيبة التى تلقيتها ..ولا علم لديك بضريبة النجاة والتى لابد من الوفاء بها .. حينها فقط تشعر بتوقف الزمن للحظات من حولك .. قبل أن تشخص عيناك بصدمة إدراك .. ثم ألم استيعاب الموقف برمته .. وذاك النصل الثلم الذى يشق قلبك نصفين .. فلا تعد تميز هل أنت حى .. ام ان روحك طفت وصعدت لبارئها …!

هذا هو بالضبط ما شعر به يونس قبل أن يترجل من سيارته بسرعة مقترباً من تميمة المسجية أرضاً فاقدة لوعيها .. او لروحها هو لا يعلم .. لا يشعر بنفسه وهو يرفع رأسها عن الأرض .. ضاماً إياها إليه.. وهو يمسح وجهها بيده هامساً باسمها عدة مرات ظناً منه انها ستستجيب ..
الناس تتجمع من حوله .. والأصوات تتكاثر وهو لا يسمع الا ذاك الطنين الذى يصم أذنيه .. لا يشعر بشئ حقاً لا يستوعب شئ سوى جسدها المسجى بين يديه … وثيابه التى تلطخت بدمائها فحسب ..
_تميمة .. افيقى فرعونيتى وافتحى عينيكِ فلا قِبل لى بخسارة أحدهم مرة أخرى .. ارجوكِ .. افتحى عينيكِ ..!
======
بعد فترة …..
كانوا انتقلوا إلى المشفى .. وحضر يامن و ابيه وعمه ..
بينما منذ دخول تميمة لغرفة العمليات .. ويونس يتلظى على فراش من جمر .. لا يعرف له وجهة .. قلبه يؤلمه فحسب …
كان جالساً على أحد المقاعد الجلدية الخاصة للاستراحة .. فأتى يامن وجلس جواره .. و تحدث بصوت خفيض للا يصل صوته لابيه وعمه :
_يونس أأنت متأكد من رحيل اباها واخاها عن المدينة .. قلبي ليس مطمئناً .. واشعر أن هناك شئ خلفهم …

تركزت نظرات يونس الخاوية على الأرضية أمامه قبل أن يهمس :
_لا أعلم .. لم أعد اثق فى شئ ..
_ولكن يجب علينا التحقق من الأمر هذه الحادثة لا يسكت عليها حقاً..
يقولها يامن بحذر وصوت مرتعب وجد صداه فى قلب يونس الذى حول نظره إليه بنظرة غامضة ..
كيف نسى ؟؟
كيف نسى ؟؟
نظرة ابيها قبل رحيله لم تكن طبيعية ولم تكن صادقة ابداً ..
وهو خير من يعلم ذلك …

يخرجه من شروده صوت هاتفه الذى اهتز بجيبه معلناً عن وصول رسالة .. رسالة ما كاد أن يفتحها .. حتى فُتحت أبواب جهنم أمام عينيه ..
نار .. نار ضارية اندلعت بين ضلوعه .. وهو يحمل نفسه ذنب ما حدث .. وعينيه تجريان على الحروف بسرعة ورهبة ..
ولا يدرى كم مرة قرأ فيها الرسالة ..
(لا تظن بأنك استطعت خداعى بتلك الورقة المزيفة عن الزواج التى اريتنى إياها .. خانك ذكاؤك هذه المرة… فرجل سوق مثلى لن تنطلى عليه خديعتك .. عارى وقد غسلته بدم تلك الماجنة .. وما بقى من دنس فدمك هو ما سيطهره .. ودمك حلال لى …)
======
_يونس.. يونس..
هتف بها يامن وهو يهزه مرة بعد مرة .. إلى أن نظر له يونس وهو يغلق هاتفه ببعض العنف .. وكأنما الرسالة قد أعادت إليه بعض القوى بعد حالة الوهن التى اعترته اللحظات السابقة ..
قبل أن يقف قبالة يامن هاتفاً بقهر تحت نظرات يامن غير الواعية لشئ :
_لن ارحمهم .. لن ارحمهم جميعاً ان حدث لها شئ ..

ولم يكد يتم جملته حتى خرجت تميمة من غرفة العمليات محمولة على ذلك الفراش الأبيض الطولى … فتوجه إليها من فوره ناسياً تهديده وفورة اعصابه فى ثوانٍ وهو ينحنى عليها هامساً بعينين امتلئتا دموعاً :
_افيقى يا فرعونية .. افيقى ولا تخذلنى قلبى هذه المرة .. فمثلى لم يعد يحتمل السقوط ..

ابتعد عنها عندما هموا بالتحرك بالسرير المتحرك وعيناه تشيعانها بنظراته الغاضبة.. إلى أن وقف الطبيب أمامه وتجمع حوله بقية أفراد عائلته .. فقال الطبيب بنبرته العملية :
_لا تقلقوا .. إصابتها بسيطة جداً .. الرصاصة أصابت كتفها ..
وستتعافى عما قريب …

أغمض يونس عينيه بارتياح وهو يزفر بقوة .. قبل أن يحول نظره نحو يامن المتوجس قائلا :
_ تعال يامن .. اريدك معى …
======
افاقت عهد من نومها وهى تشعر بصداع رهيب يكاد يمزق رأسها…
ضغطت بكفيها على صدغيها وهى جالسة فوق فراشها ..
قبل أن تتحامل على نفسها وتنهض مقاومة آلامها .. خرجت تبحث عن اى أحد فلم تجد سوى فراغاً .. اين ذهب الجميع ؟؟
ولماذا لم يوقظها أحد ؟؟
نادت بصوت عالٍ :
_ياااامن ..يا امى ..
ولم يأتها رد .. إلى أن هرولت الخادمة نحوها بسرعة وهى تتمتم :
_انسة عهد .. هل تحتاجين لشئ ؟؟

_لا ولكن أين الجميع ؟؟
قالتها عهد وهى تغمض عينيها على الام رأسها… وهى تترنح فى وقفتها .. فاقتربت منها الخادمة مشفقة ..اسندتها برفق وردت :
_ الجميع ذهب .. السيد يونس فى المشفى ..

انتفضت عهد وهتقت بذعر تملك جنباتها بمجرد ذكر اسم يونس مرافقاً لمكان مقبض لنفسها كالمشفى :
_يونس ؟؟ مشفى ؟؟ لماذا؟؟

ربتت الخادمة على كتفها وهى تقول برفق :
_ليس هو … السيدة تميمة التى أتت معه اليوم .. تعرضت لطلق نارى والسيد يونس معها وبقية العائلة ذهبت إليه ..

عقدت عهد حاجبيها بضيق وحزن ..
صحيح انها لم تقبل تميمة تلك كليا.. ولكنها لا تنكر بأن رقتها وجمالها وطيبتها بالأخص قد وجد صداه فى صدرها ..
حزنت لاجلها .. وبالأخص لأجل يونس ..
أطلقت تنهيدة خافتة جعلت الخادمة تسندها أكثر دون حاجة ولكنها لم تكن تتألم .. بل كان همها على يونس يزداد .. هى تعلمه جيداً .. تحفظه بكل تفاصيله .. اقل ما يمكنها توقعه انه الان محطم داخلياً .. اجل … هذا اقل تقدير.. يونس لم يعد له قِبلاً بفقد أحد .. اى أحد .. فما بالك بحبيبته .. فجيعة موت ابيه وامه مازالت تؤثر عليه .. فكيف الحال إذن بالوحيدة التى أحبها … ولكن !!
لماذا يحدث لها هى ذلك .؟
ومن يجرؤ على فعل ذلك ؟؟
.. طلق نارى !!
أمن الممكن أن يكون له علاقة بماضيها الذى يرفض قصه على الجميع .. ؟؟ ام ان الوضع غير ذلك .؟
هى حقا لم تعد تعلم ؟؟
همست بصوت لا يكاد يسمع وعينيها تزيغان فى كل الاتجاهات :
_ لك الله يا يونس .. فليعنك الله على ما انت فيه ..
=======
ركب يونس سيارته بعصبية … و جواره يامن الذى نظر له بضيق هاتفاً :
_ايمكنك أن تشرح لى ماذا ستفعل ؟؟

لم يعره يونس اهتماماً وهو ينتبه للطريق أمامه مما جعل اعصاب يامن تستشيط غضباً فصاح به :
_ قلت لك أخبرنى ماذا ستفعل وكيف تتركها وحدها فى المشفى وتخرج هكذا؟؟

_ انا احتاجك معى يا يامن الان .. ولأنها وحدها فى المشفى .. فأنا لن استطيع المكوث بالخارج طويلا .. ستكون انت مكانى بالخارج .. وانا سأذهب لها ..
قالتها يونس بخفوت ناسب الم قلبه هذه الحظة
وتهدج أنفاسه يفضح عظم الصراع الذى يعانيه .. فلانت ملامح يامن له .. ليربت على كتفه مهدئاً برفق :
_لا تقلق يا يونس .. الطبيب طمئننا بأنها بخير الوضع ليس مقلقاً .. ولا يستحق ما تفعل الان ..

أطرق يونس برأسه لثوانٍ .. ثم رفعها بأعين دامعه .. دل عليها اختناق صوته أثناء همسه :
_ إن كان الوضع ليس مقلقاً الان .. فمالذى يضمن لى بإنه سيكون مطمئناً المرة القادمة .. ما الذى سيضمن بأن المرة القادمة لن تفلت من يدى .. لن تتسرب من بين أصابعي كالماء .. قل لى من يضمن .. أبيها او أخيها … هما من فعلا ذلك لا ريب .. ولكن انا لن اصمت .. اقسم لن أعرضها لخطر بعد ذلك ولو جازفت بحياتى ..

صمت يامن غير قادراً على الرد عليه .. امام عظم المه وحبه لتلك التى لا يعرف متى أحبها ابن عمه لذاك الحد … و لكن لا بأس .. كل شئ سيكون على مايرام .. بالتأكيد ..
ترجمها لسانه وهو يربت على كتف يونس برفق :
_كل شئ سيكون على ما يرام .. لا تقلق …!!
=========
عاد يونس إلى المشفى بعد أن كلف يامن بمهمة البحث عن اى شخص من عائلتها فى المدينة … وجاء هو إليها لعله يهدئ اضطراب قلبه قليلاً ..
قلق عليها؟؟
لا بل هذا وصف يبخس حق ما يشعر به تلك اللحظة .. بل إن قلبه يكاد ينفطر .. شعور غريب .. و مغالى على حالتها المستقرة .. شعور ليس له فى عرف الحقيقة تأويل ..!!!

دلف إلى الغرفة التى نقلوها إليها بعد خروجها من العمليات ..
تقدم من جسدها المسجى على الفراش ببشرة شاحبة .. وشفتين زرقاوتان ..
أقترب .. ثم جلس على الكرسى جوار السرير ..
مد يده يمسك بكفها البارد قليلاً .. ويطبق عليه بكفيه ..

دمعة باردة انحدرت على وجنته .. أثناء همسه المعذَب :
_ماذا يا فرعونية ؟؟
هل يستكثرونك علىّ ؟؟!.. وهل بقى لى غيرك ؟ ..!!

مرت برهة سادها صمت مشحون قبل أن يستطرد بوعيد :
_ولكننى أعدك .. لن اسمح لأحد أن يمسك بسوء بعد الآن ..

رفع كفها إليه .. يلثمه بقبلة خفيفة .. ثم تركها وخرج من الغرفة ..
طلب من زوجة عمه "والدة يامن" أن تبقى معها .. لعدم سماح إدارة المشفى ببقاءه هو كرجل فى قسم النساء ..
…..
ثم عاد لبيته فى وقت متأخر من الليل .. ولكن ليس لبيته بل لشقتها هى ..!!

دلف من باب الشقة الخشبي ثم اغلقه خلفه .. تقدم بخطٍ وئيدة إلى الداخل .. وهو يتلفت حوله ..
رائحتها العالقة فى المكان تداهمه .. فتفقده ما تبقى من تماسكه .. هل هى حقاً كانت منه بكل هذا القرب !!؟
لتحتل بيته .. وقلبه .. وتخترق كل شئ يخصه بتلك الطريقة .. حتى مكتبته لم تسلم من غزوها الضارى .. !!
مكتبته ..!!
ابتسم وهو يراها بنفس زينتها التى زينتها بها هى … فروع الأنوار .. والمصابيح الصغيرة ملونة الإضاءة … !!
تلك الزينة التى ما أن رآها ذاك اليوم حتى غير نظريته كلياً .. وخانه قلبه.. كما خانه لسانه واعترف لها بحبه دون تردد ..

اتجه نحو مفتاح إضاءة الغرفة واطفئه .. ثم أشعل انوار الزينة حول المكتبة .. فبرقت حولها الأنوار مغشية عينيه للحظة … بعدها وجد نفسه يسحب ذاك الكتاب الذى قرأ لها القصيدة منه ذات يوم .. وجلس على كرسيها الخاص أمام المكتبة .. وأخذ يقرأ به …

(أحبك جداً
وأعرف أن الطريق إلى المستحيل طويـل
وأعرف أنك ست النساء
وليس لدي بديـل
وأعرف أن زمان الحنيـن انتهى
ومات الكلام الجميل
...
لست النساء ماذا نقول
أحبك جدا...
...
أحبك جداً وأعرف أني أعيش بمنفى
وأنت بمنفى
وبيني وبينك
ريحٌ
وغيمٌ
وبرقٌ
ورعدٌ
وثلجٌ ونـار
وأعرف أن الوصول لعينيك وهمٌ
وأعرف أن الوصول إليك
انتحـار
ويسعدني
أن أمزق نفسي لأجلك أيتها الغالية
ولو خيروني
لكررت حبك للمرة الثانية
...
يا من غزلت قميصك من ورقات الشجر
أيا من حميتك بالصبر من قطرات المطر
أحبك جداً
...
وأعرف أني أسافر في بحر عينيك
دون يقين
وأترك عقلي ورائي وأركض
أركض
أركض خلف جنونـي
...
أيا امرأة تمسك القلب بين يديها
سألتك بالله لا تتركيني
لا تتركيني
فماذا أكون أنا إذا لم تكوني
أحبك جداً
وجداً وجداً
وأرفض من نــار حبك أن أستقيلا
وهل يستطيع المتيم بالعشق أن يستقيلا...
وما همني
إن خرجت من الحب حيا
وما همني
إن خرجت قتيلا …)
…..
ولا يعرف بعدها كيف نام على ذاك الكرسى .. إلى أن بزغت الشمس فى السماء .. وداهمت ذهبية اشعتها عينيه …!!
========
حل الصباح و"يامن" ليس فى البيت … لاجل هذا تلبس القلق قلب "عهد " الوجل وهى جالسة على مائدة الإفطار وحدها فى البيت تنتظر اى أحد لينزل وما من أحد .. امها وابيها اتيا من المشفى فى وقت متأخر .. ووالدة يامن مع تميمة فى المشفى .. و يونس أيضاً ليس فى البيت ..!! ولا احد أتى إلى الآن ..

قلبت الحساء فى طبقها بشرود وذهن صافن إلى أن انتبهت لذاك الواقف فى باب الغرفة مستنداً بكتفه إلى اطاره وينظر لها مبتسماً ..

_يامن ..!!
هتفت بها وهى تنهب المسافة بينهم بسرعة .. وتتعلق فى عنقه دافنة وجهها بين ثناياه هامسة :
_اشتقت اليك !!
اين كنت طوال الليل ؟؟ اقلقتنى عليك ..!!

ضحك بخفوت وهو يربت على ظهرها برفق قائلا بمراوغة :
_ماذا يا عهدى ؟؟ اتحبيننى لتلك الدرجة!!

_توقف عن المزاح يامن !! انا اتكلم بجدية .. اين كنت واين يونس أيضاً هو الاخر ليس فى البيت ..!!
قالتها بصرامة دون أن تبتعد عنه .. فضم يامن رأسها إليه وهو يقول بهدوء:
_لا تقلقى عليه .. هو بخير فى شقته الخاصة من ليلة البارحة .. وانا توليت أمر البحث عمن فعل هذا بتميمة .. لذلك لم أعد منذ ليلة أمس ….

رفعت وجهها إليه .. ولا حظت ارهاقه لعدم نومه الليلة الماضية .. أحاطت وجنته بكفها الصغير قبل أن تقول بخفوت :
_انت مرهق كثيراً يامن .. هيا بنا لترتاح قليلاً ..!

ربت على كفها المحاوط لوجهه وقال بهدوء:
_لا تقلقى علىّ .. الان يجب أن أذهب ليونس لاطمئنه .. لقد جئت كى اطمئن عليكِ فقط ..!!

قبّل باطن كفها بحب قبل أن يستطرد باستعجال:
_يجب أن أذهب الان .. اعتنى بنفسك ..!

اومأت بصمت وهى تراقب رحيله .. وسؤال قديم قد طرحته على نفسها قبل ذلك .. يعاود احتلال تفكيرها مرة أخرى ...
"ماذا حدث لكم أبناء عمى ؟؟!
ما الذى قلب حياتنا الهنية بهذا الشكل..؟؟"

=======
يوم خروج تميمة من المشفى ….
استندت إلى كف يونس الذى يمسك بيدها ويقودها إلى خارج المشفى .. لتهمس بصوت واهن :
_الى اين يونس؟ اريد ان اذهب إلى البيت لارتاح قليلاً ..!

_حسناً سوف نذهب ولكن لدينا مهمة بسيطة سنؤديها قبل أن نذهب ..!
قالها يونس وهو يعاونها على الجلوس بسيارته .. ثم التف حول السيارة وجلس جوارها وهو يرمقها مبتسماً .. فبادلته الابتسام بخفوت وهى تنظر له بحيرة ولا تعرف على ماذا ينوى … لتقول أخيراً بتساؤل :
_اين خالتى وداد .. تعبت معى كثيراً فى المشفى ...لماذا لم تأتى معنا ؟؟

_ستلحقنا هى وعمى لا تقلقى ..!!
طمأنها يونس بلطف قبل أن ينطلق بالسيارة نحو وجهته الذى يريد .. فتسألت تميمة بإلحاح :
_الى اين يا يونس؟ أخبرنى !!

تمتم يونس بخفوت وهو يرتكز بنظره على الطريق أمامه:
_قلت لكِ ستعرفين بعد قليل يا فرعونية .. لا تقلقى ..!!
=====
_عقد قران من؟؟؟
قالتها تميمة باستنكار تام للامر الذى يُتلى عليها .. وللمكان الذى تقف به .. حيث يفترض بها انها ستحضر "عقد قرانها "وهى لا تعلم !!!
فهمس لها يونس مبتسماً :
_عقد قراننا يا فرعونية !!!

عقدت تميمة حاجبيها وهى تقول بتردد :
_ولكنك .. فاجئتنى.. لماذا لم تقل لى قبل ذلك ؟؟!

زفر يونس بضيق قبل أن يرد :
_لم أشأ أن ازعجكِ فى المشفى .. ولكن يجب ان نعقد قراننا فوراً فلن استطيع ان اتركك وحدك بعد الآن .. خصوصاً بعد الذى عرفته !!

_وما هو الذى عرفته؟؟
_لا يهم الان .. سأخبرك فى وقت لاحق!!
_اخى من فعل بى هذا !! أليس كذلك ؟؟
صدمه سؤالها الأقرب إلى الإقرار بشئ حدث بالفعل .. هل تراها كانت تعلم !!
_صمتك هذا يؤكد لى ما شعرت به !!!
قالتها تميمة مبتسمة بمرارة بالغة .. وحزن حدد محياها الجميل .. شدد يونس على كفها الذى امسكه بيده .. وهو يقول :
_لن ادعه يفلت من يدى هذه المرة .. انا علمت انه هو من فعل ذلك .. حيث كان قريباً منكِ يومها.. واصابك بالسلاح بعدما عرفوا انك معى …!!

_يونس انا لا افهم شئ مما تقول ؟؟!!

ربت على يدها وهو يقول مهدئاً :
_سأشرح لكِ كل شئ ولكن الآن دعينا ندلف لهم الجميع ينتظرنا بالداخل…!!
اومأت بصمت وهى تسير معه.. ووجيب قلبها يتعالى منذراً بمؤشرات خطر قريب .. !!
ولكنها تناست ذلك عندما اندمجت مع بقية العائلة .. و مراسم عقد القران الذى قرع لها قلبها الطبول .. والجميع يشهد بأنها تُوجت ملكة لعرش قلبه العنيد .. انتهى عقد القران .. هكذا بكل بساطة ..
أصبحت زوجته بعد أن كانت تعتقد بأنها ابعد ما تكون عنه الأيام السابقة .. بالرغم من أنه لم يكن يتركها الا ليلاً .. الا انها كانت تشعر به بعيداً كثيراً . متباعد عنها ذهناً وقلباً .. !!
ولكن الآن .. الان .. أصبحت زوجته .. واقرب ما يكون إليه ..!!

========
تعلقت عهد بعنق يونس وهى تودعه على باب شقته الخاصة .. ثم قالت بمرح :
_سأشتاق إليك .. لا تدع تميمتك تأخذك منا .!!

ربت يونس على كفها مبتسماً :
_لا تقلقى يا عهد .. لن يبعدني شئ عنكم .. وعنكِ انتِ خاصة .. انت تعرفين مكانتك عندى !!

_ وهى لا تحتاجك !!
أضف هذا لمعلوماتك سيد يونس .. هى لديها من يهتم بها !!
هتف بها يامن بابتسامة سمجة… وهو يقف جوار عهد ممسكاً بيدها بتملك .. فضحكت عهد بصوت عالٍ وهى ترمقهما بنظرات متفحصة .. قبل أن تقول :
_أنت تغير يا يامن !! ممن؟؟ يونس!!!

شدد يامن على يدها ليقول بجدية :
_هيا بنا !!
لوحت عهد ليونس قبل أن تذهب خلف يامن .. حتى خرجوا من بوابة البناية … فقالت لاهثة :
_على رسلك يا يامن .. لا أستطيع إلتقاط انفاسى !!

ترك يامن يدها وهو يلتف لها قائلا بقلق :
_انتِ بخير ؟؟ انا اسف لم اقصد!!

رفعت عينيها له باسمة ثم قالت :
_ لا تخف إلى هذا الحد انا بخير .. ولكنك انت من لست بخير !!

زفر يامن بحدة قبل أن يجيب :
_ لا أعلم .. انا فعلاً لست بخير هذه الأيام ..!!

عقدت عهد حاجبيها بقلق وهى تقترب منه ممسكة بمعصمه قائلة :
_ماذا بك يامن ..؟؟ ماذا حدث معك ؟؟

ربت يامن على يدها مطمئناً :
_لا تقلقى انا فقط مرهق قليلاً .. واحتاج لبعض الراحة قبل أن اسافر ..!!

_تسافر !!
رددتها بتعجب فأجابها بلطف :

_نعم سأذهب لعملى فى مدينة (...) لن استطيع ان اترك العمل كله على طارق هناك .. ثم اننى مسؤول عن المكان .. واتيت فقط وقت مرضك !!

تعقدت ملامح عهد برفض تام قبل أن تقول بتردد وهى تركب السيارة جواره :
_ولكن يا يامن!!! ….

ادار يامن السيارة وانطلق بها قبل أن يلتفت لها مبتسماً .. ثم قال فجأة :
_هل تريدين المجئ معى!!

اتسعت عيناها بدهشة لوهلة قبل أن تومئ برأسها عدة مرات بموافقة متحمسة .. فضحك يامن بخفوت قبل أن ينظر لها ثم قال بنبرة من يفشى سراً :
_اذاً … نعقد قراننا ونذهب سوياً !!!!!!
========
جلس يونس جوارها على الأريكة التى تجلس عليها شاردة جوار النافذة … مد يده خلف ظهرها ضاماً إياها إليه بحرية .. مستنداً بذقنه إلى رأسها.. ثم همس بخفوت ناظراً لذراعها المجبر :
_كيف حال ذراعك الان .؟!

_بخير !!
قالتها موجزة وهى مستمرة بالنظر إلى الخارج .. قبل أن تقول فجأة بخفوت :
_يونس هل ما حدث هذا صحيح ؟؟
_ماذا هو؟؟
_عقد قراننا !!!

ضحك يونس بخفة ثم همس :
_اجل يا فرعونية لقد تم عقد القران .. واصبحتِ زوجتى ..!!

التفتت له رافعة وجهها إليها .. ثم همست بنبرة بدت طفولية على مسامعه :
_يونس !! هل تثق بى ؟؟

ظل ناظراً فى عمق عينيها بعضاً من الوقت .. قبل أن يعطيها رده على سؤالها عملياً .. لا شفهياً ..!
لاثماً شفتيها بقبلة رقيقة .. عاصفة .. لفتها فى دوامة .. وهى تجرب شعوراً لم تختبره من قبل .. !!!
"قبلتها الأولى" ..!!
هل هكذا تكون عادة.. ام انه هو من يختلف عن الجميع وحسب !!

جوابه شفهياً لم يكن ليوصل لها عمق الاجابة كما فعلتها قبلته التى عصفت بكيانها .. !!
ذراعه يلتف حولها بقوة .. ضاماً إياها إليه بقوة اكبر .. وهو يمنحها من عطايا عشقه بسخاء .. وهى تتقبله كعطشان فى صحراء قاحلة .. لاقى غنيمته بعد طول رثاء …!!

ابتعد عنها اخيراً لاهثاً .. وهو ينظر بعمق عينيها قائلاً :
_هل تريدين المزيد من الاجوبة يا "فرعونية" ؟؟!

سألته بصوت لاهث منخفض :
_لماذا تلقبنى ب"الفرعونية" ؟؟

_لانك تشبهين التميمة الفرعونية .. فى اصالتها .. و جمالها .. ضروريتها لإكمال جزءاً ناقص بداخلى .. وترميم كسر كنت أحسبه لا يندمل … كما أنكِ ساحرة مثلها..!!
قالها بخفوت عكسى لاضطراب وجيب قلبه المتعالى .. !!
قبل أن يهبط بوجهه إليها مرة أخرى .. مقتنصاً شفتيها فى قبلة أخرى .. تلقتها هى ك "قُبلة اولى" مرة أخرى …!!!!!
=====
_يونس!! الان أخبرنى ماذا حدث… وكيف علمت أن اخى من فعل هذا ؟؟!
قالتها تميمة وهى جالسة جواره على نفس الأريكة .. بعدما ابتعد عنها ملتقطاً أنفاسه التى ضاعت بين شفتيها ..
ربت على يدها برفق قبل أن يبدأ فى شرح ما حدث لها :
_يوم دخولك المشفى .. كلفت يامن بمعرفة ما حدث .. بعد أن اتتنى رسالة على هاتفى من والدك غالباً .. تؤكد أن من فعل بكِ هذا هو أحد من عائلتك .. وبالفعل استطاع يامن وقتها بشهادة بعض الناس حول المكان هنا أن واحداً ذا هيئة غريبة عن المكان كان يحوم حول المبنى لوقت طويل وكأنه ينتظر عودة احدٌ ما .. ويامن ايضاً لم يكن قليل الذكاء ولا قليلة الحيلة .. استغل معارفه وأصدقائه الكثيرين .. ومنع اخاك من الخروج من المدينة .. والآن هو محتجز لدى …!!!

صمت مطبق .. سادهم لقليل من الوقت.. قطعته تميمة بقولها الخافت و هى شاردة فى اللاشئ أمامها :
_ولكنه يظل آخى.. يا يونس .. ولن أكون ابداً سبباً فى إيذاءه ..
_انت لا تعلمين ماذا تقولين حقاً .. هل جننتى ؟؟
صرخ بها يونس بشدة وهو يهب واقفاً بعصبية .. فرفعت له وجهها الباكى هامسة :
_اعلم انك قد ترانى مجنونة ..!! ولكنك لا تشعر بى .. هذا اخى .. هل تفهمنى؟؟ لن استطيع ايذاءه حتى لو استطاع هو .. لن استطيع.. كل ذكرى لنا سوياً تطوف أمام عيني كقصة يطول شرحها يا يونس .. كل مرة حملنى فيها وانا صغيرة مازلت أذكرها .. صحيح أنه لم يكن يُظهر حنانه هذا كثيراً .. ولذلك انا أتذكر تلك المرات النوادر التى شاركنى فيها حنانه ورفقه بى .. !!

لانت ملامح يونس نوعاً ما .. وهو ينظر لها .. ولخطى الدموع اللذين سالا على وجنتيها .. فلم يتوانى للحظة أن يمد ذراعيه نحوها .. ويحتويها بين ساعديه القويين مقرباً إياها من قلبه .. هامساً :
_صدقينى اعلم .. استطيع الشعور بك .. ولكن .. حين يتعلق الأمر بسلامتك فإنى ..يجن جنونى .. افقد عقلى .. تميمة !! مالا تعلميه هو انكِ انتِ من لا تشعر بى .. مثلى لم يعد له مقدرة لفقد أحداً .. قد أخذ الموت منى من أخذ .. ولن اسمح له بسلب المزيد ..!!

_ولكن ليس على حساب آخى .. ارجوك !!
همست بها بترقب لرد فعله .. والذى لم يأتيها الا بصمته القاتل .. فتشجعت على القول وهى مازالت تخفى وجهها فى صدره :
_اقبل أن أظل حبيسة تلك الشقة لأوقات طويلة .. أقبل أن أعيش فى رهاب طوال الوقت .. أفضل أن أعيش حياة ناقصة .. مفتقدة للطمئنينة على أن يتأذى أحد من عائلتى بسببى .. ان استطاعوا هم اذيتى فأنا لا أستطيع ..!!!

تركها يونس ببطء بعد حديثها هذا .. وهو ينظر فى عمق عينيها بخيبة أمل كبيرة .. قبل أن يربت على وجنتها بكفه برفق .. وهو يهز رأسه نفياً ببطء .. متراجعاً بظهره إلى الخلف.. حتى وصل نحو باب الشقة .. فهمس بكلمة واحدة اشعلت نيران قلبها قبل أن يخرج من المكان نهائياً :
_لا …!!
==========
بعد عدة أيام ..
وقف يامن أمام باب البيت بعد ما ودع ابيه وامه استعداداً للسفر .. وها هو الآن يستعد لوداع "عهده" ..
_أمازلتى ترفضين .. لازال أمامنا فرصة كى نعقد قراننا ونسافر سوياً ..!!
تمتم بها بخفوت وهو ينظر لها مبتسماً .. ولملامحها الصغيرة التى تلمع تحت ضوء الشمس فى وضح النهار .. وكأنه يغريها بالحديث ..!!!

كيف تخبره ؟؟ كيف تخبره بأنها مازالت تعانى عقدة نقص لديها لن يداويها الا هو !!
كيف تخبره ..؟ وهى كل مرة تنظر لنفسها فى المرآة وتذكره .. تتذكر أيضاً كم هو يرنو إلى الكمال بينما هى من يمكن الموت أن يسلبها روحها فى اى لحظة !!
همست بارتباك :
_يامن انا لا…!!!
اقترب منها يامن ملاحظاً ارتباكها .. وكأنه قرأ أفكارها .. ضمها إليه بذراع واحد بينما الاخر يتمسك بحقيبته هامساً قرب اذنها :
_اى صورة ترين نفسك عليها .. لا تهمنى حقاً !!
سأصف لكِ كيف أراكِ وبعدها سيكون الاختيار لك .. والذى سينحسر فى انا وانا .. و لن تكون هناك خيارات أخرى !!
انا لست إنساناً كاملاً .. او صالحاً كما ترين .. أخطأت كثيراً فى حياتى .. واكبر اخطأى هو ما ارتكبته منذ خمس سنوات تحديداً حينما سمحت لتلك السموم بالسيطرة على .. وسمحت لها بإبعادى عنكِ .. لذا سامحينى .. و اقبلى بى كما انا .. بكل قصورى .. ونواقصى … واعلمى ..اننى احبك كما لم احب أحداً من قبل .. فلطفاً ورفقاً بذاك القلب الصغير لا تزيدى ثقل شعوره بالذنب تجاهك انتِ بالذات .. واختزلى مسافات الفراق بيننا .. الى أميال من اللهفة .. لذا سأنتظر قرارك حين عودتى المرة القادمة .. وسنتمم عقد قراننا ان شاء الله ..!
=======
(ومن ثم تتخبط روحى .. فتعيث فساداً بين جنباتى .. فلا ادرى هل "اتسول" حبك .. ام "اتوسل" ك الرحيل ..؟؟!)
=======
مر وقت طويل وهى مازالت حبيسة شقتها تنتظره !!
شقتها او شقته هى لا تعلم ؟؟! كيف أصبح كل شئ فيها ولها محتلاً من قبله بهذا الشكل .. !! أصبح يتسرب لكل ذرة من كيانها بصورة اعمق من ذى قبل .. وكأنها بمجرد أن أصبحت زوجته .. وفى عصمته ...صار كل شئ فى عصمته أيضاً …!!

تجلس على تلك الأريكة التى بثها عليها عاطفته منذ عدة أيام .. تشعر وكأنها دهر قد مر .. عينيها تراقبان الباب فى كل لحظة .. تنتظر أن يُفتح .. ويطل عليها .. لتملى عينيها منه وهى التى اشتاقته كثيراً … !!
وعلى حين غرة منها .!!
ها هو صوت الباب يُفتح .. !!
هل يمكن لمجرد صوت أن يبث الأمان لشخص كما هى الان ؟.!

واخيراً ظهر هو مغلقاً إياه خلفه ..!!
_يونس ..!!

همست بها بصوت لا يكاد يسمع وهى واقفة مكانها وكأن قدماها قد تسمرت بالأرض لوهلة !!
قبل أن تجد نفسها تعدو نحوه بسرعة ولهفة وجدت صداها فى قلبه
.. وهو الذى ظل طيلة تلك الأيام باله مشغولاً بها وبحديثها عن أخيها وعائلتها.. فلم يستطع سوى تحقيق لها رغبتها .. ولم يؤذ اخاها قط ..!!!

التصقت به فضمها بدوره إليه قبل أن تستطيل هى على أطراف أصابعها .. مجتاحة إياه بقبلة رقيقة صدمته فى عمق قلبه !!

ليس لانها مبادرة منها هى بتقبيله ؟؟!ولا لجرأتها لفعل ذلك ؟؟
بل صدمه شعوره بها .. وكأنها كالغريق التى يتمسك بطوق نجاته وسط امواج عاتية تكاد تطيح به فى ظلماتها …!!!
وكأنها تلتمس الخلاص منه .. وليس مجرد تقارب حسى بينهما .. هو يعلم أن ما بينهما اسمى من ذاك و لا يستطيع حتى تفسيره ..!!

ابتعدت عنه قليلاً لاهثة وكأنها كانت تعدو فى سباق ربحته حين تخطت حاجزاً بينهما .. قبل أن تهمس بنفس لاهث وصوت متقطع :
_اياك والابتعاد هكذا مرة أخرى .. لن استطيع وقتها أن اضمن رد فعلى حيال هذا .. صدقنى … لقد اشتقت لك ..!!

قربها منه ، مقبلاً رأسها ، وهمس فوق شعرها :
_اعلم .. وانا ايضاً اشتقت لك .. ولكن كلاً منا كان بحاجة لتلك الفترة لينقى أفكاره ويستطيع تقبل الواقع وما يحدث لنا .. لذا ابتعدت لبعض الوقت .. ولكن اعدك لن ابتعد مرة أخرى …!

_اذاً ماذا فعلت؟؟
همست بها بصوت خفيض .. دون أن تجرؤ على رفع عينيها له .. وكأن راحتها لن تكتمل إلا برفع ذاك الثقل الجاثم على قلبها حيال امر أخيها ..!!
فابتسم يونس بتهكم قبل أن يقول بصوت خفيض :
_وماذا عساى بفاعل غير الذى تأمرين به يا "فرعونية" ..؟!!

رفعت رأسها له بدهشة .. ثم قالت بصوت متقطع :
_لم .. تفعل .. شئ .. به .. أليس كذلك ؟؟

هز رأسه نفياً عدة مرات .. قبل أن يقول بتشفى وكأن بهذا يشفى بعضاً من عدم راحته لذاك الأمر :
_ولكن ليس دون ضمانات مادية بألا يتعرض لك مرة أخرى ..!!

صرخت بمزيج من فرحة وعجز .. قوة و وهن .. حزن لما آل إليه حالها مع أخيها .. فرح لما عوضها الله به .. وهى تتعلق بعنقه بذراعها الواحدة الحرة دافنة وجهها فى عنقه :
_يونس … انا .. انا احبك .. اقسم انى احبك.. حب من لم يعرف هذا الشعور الا على يدك .. حب من كان قلبه بِكراً .. شبّ وشّاب فى رحاب قلبك .. والذى لو ضاقت الدنيا اجمع بى .. لن يضيق بى هو …!!!
=====


Ďonia Mohamed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-09-20, 12:16 PM   #9

Ďonia Mohamed

? العضوٌ??? » 447817
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 77
?  نُقآطِيْ » Ďonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الاخير ..
يوم عقد قران يامن و عهد ..!!

_حسناً قلت لك لن يكون هناك سوى خيارين .. انا وانا فلم تستمعى لى .. هل لك أن تحددى من اخترتى الان يا عهدى ،؟!

همس بها يامن بمشاكسة وهو يقبل جبينها بعد عقد القران وسط الجو العائلى الذى ساد الجلسة .. وزغاريد والدة عهد التى لم تنقطع من اول إبتداء عقد القران حتى ختامه بجملة الشيخ الشهيرة :
_بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير ..!!

_لن تستطيع اقناعى بشئ لا أريده .. انا كنت اريدك لولا ذلك لما اخترت انت .. او انت !!
ردت عهد ناظرة إليه مبتسمة .. ابتسامة حقيقة تلك المرة .. ابتسامة نادراً ما يراها عليها .. فشاب ابتسامته هو بعض الشرود ..
ألهذا الحد كان مصدر تعاسة لها ..؟؟
ألهذا الحد ألمها بابتعاده غير المبرر مسبقاً ؟؟
هو خائف..!!
نعم خائف ..!!
خائف من أن ينتزعها المرض من بين يديه دون أن يجد الوقت الكافى ليكفر عن خطأه فى حقها ..!!
ولكن هل له سوى الانتظار ؟؟ وبذل أقصى جهده لترميم ذاك الشرخ الغائر بينهما ..!!
قاطع تفكيره تقدم يونس منهم .. وهو يزيح يامن من أمامه مفسحاً طريقه نحو عهد .. هاتفاً بمرح :
_ابتعد يا يامن .. ليس لاننى سمحت لك بالزواج منها اذاً اسأتركك تتمادى .. !!

هتف بجملته وهو ينحنى إليها محتضناً إياها برفق هامساً :
_مبارك لكم يا عهد .. اطال الله عمركما وامدكم بالذرية الصالحة ..!
تشبثت عهد به وهى تهمس بصوت لم يصل سوى لمسامعه
صوت عرفان بالجميل … صوت من يدرك أهمية هذا الشخص أمامه فى حياته .. وكيف كان ليبدو من دونه :
_شكراً لكَ يونس .. شكراً على كل شئ.. شكرا لوقوفك بجانبى كل هذا الوقت ..شكراً لكونك أقرب اليّ من روحى ..!!

ابتعد يونس عنها مبتسماً قبل أن يمسك بيدها ويشد عليها برفق :
_قلتها لكِ مسبقاً وسأعيدها الفاً أن اضطررت .. عهد انتِ من تبقى لي فى هذه الدنيا .. تعتقدين انه انا من كان يدعمك .. اذاً فنظرتك خاطئة كلياً .. انتِ .. انتِ من كانت لى كل الحياة يا عهد .. لولاك لما كنت استطعت أن أكون لما انا عليه .. كنتى خير الأخت والصديقة .. ولا عجب أن قلتِ لكِ انك كنتِ …

صمت لهنيهة قبل أن يهمس بخفوت شديد :
_كنتِ امى …!!!

استقامت عهد واقفة متعلقة فى عنقه تبكى بشدة وقد أصاب حديثه قلبها فى الصميم .. كيف لها أن تشرح له عمق مكانته فى قلبها .. كيف ؟؟!

ربت يونس على كتفها برفق ويمسح بيده الأخرى دمعة عالقة بطرف عينه قائلاً بمشاكسة وصوت مختنق :
_كفاكِ حزناً اليوم يا عهد ..! اليوم يوم فرح يا غبية
..!

_انا احبك يونس … أنا أحبك ..!!

تمتمت بها بصوت باكٍ قبل أن يقاطعها اباها وهو يتقدم منهم مربتاً على ظهرها برفق قائلاً :
_حماكما الله .. ودام المحبة بينكم يا ابنتى ..

ثم وجه حديثه ليونس قائلاً :
_انا من يتوجب عليه شكرك .. لانه بدونك لما استطعت أن أفعل شئ.. كنت سنداً وظهراً كما كان والدك رحمة الله عليه ..!

تمتم الجميع بالرحمة والغفران على روح ابيه وامه .. ودار بينهم حديث عائلى للحظات .. قبل أن يجد يونس كفاً يتشبث بكفه بقوة .. ما كانت سوى تميمة الصامتة منذ أول اللقاء .. تنظر له بعينين باسمتين دون حديث .. فبادلها النظر ليدور بين اعينهما حديثاً مخفياً لم يكن ليفهمه اياً منهما أن كان قد خرج عبر الأفواه .. حديث ما له فى عرف المنطق تأويل .. حديث قطعه تساؤل عهد القلق :
_اين يامن ؟؟!
=====
قل لي – ولو كذباً – كلاماً ناعماً
قد كادً يقتلني بك التمثال
مازلت في فن المحبة .. طفلةً
بيني وبينك أبحر وجبال
لم تستطيعي ، بعد ، أن تتفهمي
أن الرجال جميعهم أطفال
إني لأرفض أن أكون مهرجاً
قزماً .. على كلماته يحتال
فإذا وقفت أمام حسنك صامتاً
فالصمت في حرم الجمال جمال
كلماتنا في الحب .. تقتل حبنا
إن الحروف تموت حين تقال..
قصص الهوى قد أفسدتك .. فكلها
غيبوبة .. وخرافةٌ .. وخيال
الحب ليس روايةً شرقيةً
بختامها يتزوج الأبطال
لكنه الإبحار دون سفينةٍ
وشعورنا ان الوصول محال
هو أن تظل على الأصابع رعشةٌ
وعلى الشفاه المطبقات سؤال
هو جدول الأحزان في أعماقنا
تنمو كروم حوله .. وغلال..
هو هذه الأزمات تسحقنا معاً ..
فنموت نحن .. وتزهر الآمال
هو أن نثور لأي شيءٍ تافهٍ
هو يأسنا .. هو شكنا القتال
هو هذه الكف التي تغتالنا
ونقبل الكف التي تغتال
*
لا تجرحي التمثال في إحساسه
فلكم بكى في صمته .. تمثال
قد يطلع الحجر الصغير براعماً
وتسيل منه جداولٌ وظلال
إني أحبك من خلال كآبتي
وجهاً كوجه الله ليس يطال
حسبي وحسبك .. أن تظلي دائماً
سراً يمزقني .. وليس يقال ..
(نذار قبانى ..)
"يامن .."
=====

_يامن لماذا انت هنا ..؟؟ جميعنا نبحث عنك بالأسفل..!!
قالتها عهد بدهشة وهى ترمقه بنظرات حائرة .. لقد تركهم فجأة بعد ظهور يونس بقليل وصعد الى سطح البيت عالياً .. مستنداً بكفيه إلى السور يوليها ظهره .. !!
ماذا حدث ؟؟ ولما تغير فجأة هكذا ؟؟
_يامن !!
نادته مرة أخرى باستغراب .. ودهشة .. وهى واقفة خلفه مباشرة .. قبل أن تسمع صوته وكأنه يأتيها من بئر سحيقة :
_اتركينى وحدى يا عهد ..!

وكانت تلك من المرات القلائل والتى ينطق بها اسمها مجرداً من "ياء ملكيته" ..!!
تراه قد زهد فيها حين ملكها ؟؟!!
لذا عقدت حاجبيها بشدة وهى تعيد اسمه مرة أخرى وكأنها لا تملك غيره فى حروف ابجديتها :
_يامن !!

_ماذا.. ماذا؟؟ الا يحق لى ان اظل وحدى قليلاً …!!
صرخ بها وهو يستدير لها بحدة … مما جعلها تنتفض خارجياً وداخلياً .. ولكن ما هالها حقاً أن ترى دموعه وقد سالت فى خطين رفيعين على وجنتيه .. فاقتربت منه بخفة وهى ترفع يدها نحو وجهه هامسة بصوت ملتاع :
_يامن.. انت تبكى؟؟!!!

امسك بيدها قبل أن تصل إلى وجهه فعقدت حاجبيها وهى تنظر له مشدوهة .. ولكن كانت دهشتها حقاً حين بدل موضع يدها إلى ما فوق قلبه مباشرة .. مغمضاً عينيه لتسيل دمعتان اخرتان على وجهه فى حين همس:
_هنا ..هنا من يبكى ؟؟ هنا من لا يحتمل ذنبه .. هنا هذا الذى يرى أن ذنبه فى حقك انتِ دوناً عن الجميع لن يُغتفر …!!

_يامن .. ماذا تعنى ؟؟ ما الذى تقوله ..؟؟
همست بها بتشتت وهى تهز رأسها نفياً .. ليفتح عينيه وينظر لها مبتسماً بمرارة قبل أن يقول بخفوت :
_لا تهتمى .. لا عليكِ بشئ ابداً ...انا نفسى لا افهم نفسى فهل عليكِ انتِ ذلك ..!!

نظرت له بتعقيد لوهلة .. قبل أن يسعفها عقلها ...لتفعل الشئ الوحيد الذى تجيده ..!!
وهو "احتواءه .." ..!!
لذا رفعت ذراعها الحر تضم رأسه إليها .. ثم حررت كفها من يده ملحقة إياه بذراعها الاخر .. فى حين لف يامن ذراعيه حولها بقوة وهو يدفن وجهه فى ثنايا عنقها .. ووتيرة بكائه تزداد شيئاً فشيئا ..!!

لتهمس عهد بخفوت شديد :
_يامن .. ماذا بك؟؟ أخبرنى انا عهد !!!

_و تكمن المعضلة فى كونك انتِ .. انتِ "عهد " ..!!
رد عليها همسها همساً مماثل قبل أن يستطرد بنفس نبرته :
_دائماً ما كنت بعيداً عن الجميع ..! دائماً ما كنت مصدر تعاسة لكم .. وخاصة انتِ .. احياناً اتسأل لما لست ك "يونس" مثلاً .؟؟ يونس!!
سند الجميع .. يونس من أعاد لكِ الحياة .. فى حين لم أفعل انا ..!!اتظنين أن حديثك عنه بكم تلك المشاعر التى تتحدثين بها .. لا يجعلنى اتمزق داخلياً .. بل يجعلنى احترق صدقينى .. فى كل مرة يظهر بها يونس بهذا الدور المثالى بينكم جميعاً يجعلنى اشعر بالضآلة أمامه .. انا لا اغار منه .. ولا احقد عليه ابداً .. على العكس تماماً .. انا مدان له .. هو من كان السبب الذى جعلنى أعود اليكم بعد ما كدت أن اودى بحياتى .. ولكن هذا ما يمزقنى .. كونى لم أستطع حتى مساعدة نفسى .. فهل سأستطع تحمل المسؤلية التى تقع على عاتقى .. لوهلة شعرت بأن قرار زواجى منكِ لم يكن صحيحاً .. ولم يكن علىّ ان اقحمك مع من هو عديم المسؤولية مثلى .. انا ……

وضاعت بقية جملته المطولة بين شفتيها .. حين شعرت بأن حديثه يخدش قلبها بنصل ثلم .. لم تستطع مواصلة سماعه .. لن تسمعه يذم نفسه .. وهو يرى نفسه بهذا القدر من الدنائة …!! لذا اوقفته بشكل يليق بحجم شوقها إليه .. والذى يفوق شوقه الذى يدعيه بمراحل عديدة ..!!

اشتعلت خلاياه وهو يشعر بها تقاوم خجلها بألا تبتعد عنه من فورها بعد حركتها تلك والتى قطعت عليه لحظة "البوح" الوحيدة التى سمح لنفسه فيها بأن يعرى روحه أمامها تماماً .. نعم .. روحه الآن معراة .. بكل عيوبه الذى يسعى جاهداً لسترها .. !!
يبادلها قبلتها بحرارة بقدر اشتياقه .. وشكه فى صواب قراره .. وصواب ما يفعله بالأساس…!!!!
يتسأل لماذا اقحمها فى عالمه البائس ؟؟ .. ولكنه يعود ليقنع نفسه بأنها تحتاجه بقدر ما يحتاجها هو .. وأكثر..!!

هى "عهده" من طال بها الزمان انتظاراً .. واتى الوقت الذى يتحتم عليه فيه بألا يجعلها تنتظر ثانية .. فمن هو كى يعاند الأقدار …!!!

ابتعد عنها أخيراً لاهثاً وهو يحاوط وجهها بكفيه .. لتهمس هى قبل أن يتفوه بشئ :
_اعلم اننى لست من تتمناها .. اعلم اننى لا أستطيع أن أكون كما تريد .. لاننى انا .. وبما انا عليه .. لا استطيع الا ان اكون عبئاً فى حياة غيرى .. لحظة واحدة كفيلة بجعل المرض يسلبنى روحى .. فهل تقبلنى كما انا .. "بكل قصورى ونقصى"…!!

انهت حديثها بجملة كان قد وجهها هو لها ذات يوم .. يتسأل أن تقبله بكل قصوره ونقصه .. دورها الان كى تسأل هى نفس السؤال ..!
احتضنها بشدة رافعاً إياها بين ذراعيه حتى كانت قدميها لا تلامسان الأرض .. ليهمس لها :
_سأكون ملعوناً أن تركتك تبتعدين هذه المرة .. سنتقبل بعضنا كما نحن تماماً .. فانا قدرك يا عهد .. كما أنكِ قدرى دائماً .. فهل افلح من عاند الأقدار ...؟؟!
=======
ها هى مرة أخرى تعود إلى شقتها وحيدة .. !!
ولكن اليوم عزائها الوحيد بأن موعد زفافها على يونس قد حُدد بعد أسبوع .. سيقام حفل زفافهما مع يامن وعهد فى نفس الليلة .. ولكن لا بأس .. سيكون كل شئ على ما يرام بالتأكيد .. !!!

ارتمت جالسة على الأريكة فى صالة الشقة .. تنظر حولها بملل .. ما لبث ان تحول لحزن عميق بعينيها .. !! وهى تتذكر ..
ابيها .. اخاها .. و امها ..!!
ما كانت تعتقد يوماً بأنها قادرة على الابتعاد عنهم .. ابداً ..!!
دائماً ما كانت تعتقد أن الحياة دونهم لهى المستحيل بعينه .. !!
ولكن الآن !! كل شئ تغير .. كل شئ أصبح غير ما كان عليه !!
لن تقول سيئاً .. ستكون جاحدة أن نعتت وضعها بهذا الوصف . !!
قدرها الان .. اروع ما يكون .. يكفى وجود يونس جوارها ..!
لكن أفعال ابيها واخيها مازالت تترك أثرها الغائر فى نفسها ..!!
وامها !!
يا الهى كم اشتاقتها .. !! هل تعلم أنها ستصبح عروساً عما قريب .. هل تعلم بأنها سترتدى الأبيض والتى لطالما حلمت ان تلبسها هى إياه ..!!
كيف هى الان؟؟ و كيف يعاملها الجميع هناك بعد كل ما حدث ..!
امها دائما قليلة الحيلة .. لا تعرف كيف تتكيف مع الوضع هناك .. فكيف الحال بعد كل الذى حدث ..؟!

مالت على الأريكة .. متكورة على نفسها فى وضع الجنين .. وقد سالت دمعة واحدة فوق وجنتها … وقبل أن تسترسل فى أفكارها السوداء .. جاءها طوق نجاتها متمثلاً فى صوت وصول رسالة على هاتفها .. فتحتها دون أن تعتدل فى جلستها ..
بضع كلمات .. كان لها مفعول السحر عليها .. بضع كلمات غيرت حالها إلى حال غير الذى كان تماماً .. رسمت بسمة على شفتيها الورديتين ما كانت تظنها ستظهر الان …!!

(حبك يا عميقة العينين
تطرفٌ .. تصوفٌ .. عبادة
حبك مثل الموت والولادة
صعبٌ بأن يُعاد مرتين)

=====
يوم الزفاف …

لم يكن زفافاً بقدر ما كان تجمعاً عائلياً دافئاً .. لم يكن هناك مدعويين كثر .. بل بالكاد أقرب الأقربين .. !!

فى الغرفة حيث تمكث عهد مع تميمة .. تقوم بضع فتيات بتجهيزهما ..
تنظر عهد نحو تميمة الجالسة جوارها أمام المرآة .. تعدل من وضع حجابها فوق رأسها .. تدس بضع شعرات من شعرها الكثيف تخرج من خلف الحجاب .. ابتسمت بمرارة بينما تلقى نظرة على رأسها الصلعاء …
ماذا؟؟! هل حقاً كانت تعتقد بأن اليوم سيمر دون الم .. !!
لقد توقعت ذلك .. مجرد مقارنة وهمية فى عقلها بينها وبين تميمة -تلك التى ترنو إلى الكمال- ستكون مجحفة بالنسبة لها .. هى من عاث المرض بها فساداً .. فصنع منها شبه أنثى .. لا تشعر بكمال أنوثتها الا معه هو .. انعكاس صورتها فى عينيه بهذا الشغف يشعرها بانها تملك من جمال العالم ما يكفى و يفيض ..!!

وضعت الفتاة آخر لمساتها على وجه عهد .. قبل أن تبتعد عنها لتتركها تنظر لنفسها .. جميلة .. رغم كل شئ جميلة .. رغم رأسها الصلعاء جميلة .. رغم ملامحها الذابلة جميلة .. رغم ارهاقها الذى يتزايد -رغم طمأنة الطبيب لهم بأنها بخير وفى سبيل التعافى- .. أيضاً جميلة .. وما سيزيدها جمالاً نظرته لها .. ستكون كفيلة بمحو الآلام بالتأكيد ..!!!

نظرت تميمة لانعكاس صورتها فى المرآة بتوتر .. وابتسامة تجتاح شفتيها على استحياء … اشتياقها لامها يتزايد .. وتوترها هو ما يزيد الأمر سوءاً .. تتمنى لو كانت جوارها الان .. تنصحها بحكمتها .. وتربت على احزانها .. فلا تحزن بعدها ابداً ..!!

افاقت من شرودها على صوت الباب يُفتح وصوت والدة عهد تدلف إليهم وأثار دموع الفرحة فى عينيها .. تبعتها وداد -والدة يامن- تقدمت والدة عهد من تميمة قبل أن تقبل رأسها قائلة بتأثر :
_فليحفظك الله يا ابنتى .. جميلة .. محظوظ يونس بك .. جعلك الله قرة عين له .. لقد تعب كثيراً يا ابنتى لن اوصيك عليه .. فهو بمثابة ابنى الأكبر…!!

تقدمت وداد بملامحها الطيبة منهم وهى تربت على كتف تميمة قائلة بابتسامة بشوشة :
_لا تخافى يا زينب نِعم من أختار يونس .. ونِعم من أختارها يامن أيضاً ..!!

قالت آخر كلماتها بنبرة ذات مغزى وهى تنظر لعهد الشاردة .. و التى تسمع مدح الجميع فى جمال تميمة .. ولكن لم يكن قصد امها على كل حال .. هى كانت فقط تحاول فقط التخفيف عن تميمة فى غياب امها رغم أنها لا تعلم شيئاً عن ماضيها برغبة من يونس .. والذى رفض الافصاح حتى بعدما حدث مع تميمة فى الآونة الأخيرة .. ولكن الفتاة فى مثل هذا الوقت تحتاج إلى والدتها والتى لم تكن موجودة على كل حال..!!
لذا تدبرت وداد الأمر وهى تتجه نحو عهد التى ابتسمت بارتجاف
وهى تمطرها بوابل من كلماتها السخية والتى لم تبالغ فيها رغم كل شئ .. تلك هى نظرتها لعهد حقاً ..!
صحيح انها كانت تتمنى لابنها حياة سوية أكثر من هذا .. ولكن نظرته الراضية نحو عهد تكفيها لان تمحو اى شك من ذهنها ومهما قل شأنه …!!!
============
انبعثت الألحان الناعمة حال نزول عهد فى ممسكة بيد والدها إلى صالة المنزل الواسعة .. تكاد تذوب خجلاً وهى تتقدم من يامن الذى اشتعلت عيناه بمجرد رؤيتها فى فستانها الأبيض ذى حبات اللؤلؤ المتألقة .. التى تزيدها بريقاً .. وزينة وجهها الخفيفة جداً .. مع طرحة الزفاف الطويلة التى شُبكت فى تاج رقيق فوق رأسها ..
ال .. "صلعاء.."..!!
تلك التى تتحسسها من آن لآخر .. فيبدو انها ترتبك بشدة على غير عادتها فى ثقتها فى نفسها ..!!
لكن بالنسبة له .. فهل سيكون مجنوناً أن قال انها لو كانت بشعرها الان لما اخترقت قلبه بتلك القوة .. دائما ما كان يراها بشعرها قبل ذلك ولكن الان .. الان فقط تلتمع عيناه بذاك البريق الذى لا يعنى فقط سوى أنه.. "مفتون بها "..!!

استلم كفها من ابيها و الذى كان ينظر لها بنظرة مملوءة بمشاعره .. قبل أن يبتعد عنهم متمتماً بمباركة خافتة لهم .. !!
قبّل يامن كفها بدفء .. قبل أن يهمس :
_لما انتِ بكل هذا الجمال .. كثيرٌ على قلبي هكذا ..!!

ضحكت بارتجاف وهى تصعد معه نحو المكان المخصص لهم.. قبل أن تقول باهتزاز :
_هل .. حقاً .. ترانى جميلة ؟؟!

_بل ...اجمل من اى مرة مضت ..!!
رد بها تلقائياً وكأنه كان يتوقع اهتزاز الثقة فى النفس الذى تعانى منه تلك اللحظة .. ولكن صدق نبرته كان يخالف كل هذا تماماً .. !!

ضحكت عهد بخفوت شديد وهى تبعد نظرها عنه .. ومرت لحظات لاحظت فيها غياب يونس وتميمة .. فالتفتت له قائلة :
_اين يونس وتميمة .. أليس من المفترض أن يحضرا ..؟؟

شدد يامن على كفها بحميمية قبل أن يقول وهو يزم شفتيه بيأس من ابن عمه :
_نعم سوف يحضرا .. ولكن يونس يعد أمراً ما اولاً ..!!

عقدت حاجبيها وهى تسأل :
_ما هو هذا الأمر..!؟

_انظرى لتعرفى ..!!
قالها ثم أشار لها نحو مدخل البيت .. والذى تزامن دخول يونس منه .. مع نزول تميمة من أعلى الدرج جوار والدة يامن و والدة عهد ..
تقدم يونس إلى أسفل الدرج وهو ينتظر نزولها .. ببذلته الأنيقة وهيئته التى ازدادت وسامة … !!

التفتت عهد إلى يامن مقطبة وهى تقول بنزق :
_ماذا .. لم يحدث شئ..؟؟

_انتظرى ..!!
قالها ضاحكاً على شغفها و فضولها للامر .. فى حين انقضت المسافة بين يونس وتميمة التى امسك يونس بيدها مقرباً إياها منه .. وهو يقبل جبينها برقة هامساً لها بكلمات جعلت وجنتيها تتخضبان بحمرة محببة .. !
إلى أن انضموا إلى عهد ويامن كلاً منهم فى جانب الاخر .. !!

ومر وقت ضئيل بعدها .. حتى شخصت عينا تميمة إلى تلك المرأة التى تتقدم منها .. نعم .. امها !!
فعلها يونس !! واتى بأمها لها ..!! رغم خطورة الأمر..!

استقرت امها أمامها وتميمة فاغرة شفتيها غير قادرة على الاستيعاب بعد .. قبل أن تلتفت ليونس ناظرة له بدهشة .. فبادلها الابتسامة .. وبادرها بقول :
_هيا اذهبى لها .. تم تسوية الأمر ..!!

_امر ماذا ؟؟
همست بها بتشتت.. قبل أن يدفعها هو بخفة ورفق .. قائلا :
_هيا تميمة ما هذا السكون الذى انتِ عليه..؟؟!

استقامت واقفة بعدما وقف هو و جذبها لتقف جواره وهو يتوقف بها أمام امها التى بمجرد أن اقتربت منها حتى ارتمت داخل أحضانها ليمتزج بكاء امها مع بكائه تميمة التى ظلت متمسكة بيد يونس لم تتركها.. ابتسم يونس بخفوت وهو ينظر ليدها المتشبثة بيده وكأن فرحتها لن تكتمل إلا ويدها بيده …!!
تطلعت تميمة لامها وهى تهمس بانفعال :
_كيف اتيتِ .. ومن سمح لك .. ؟؟ وكيف هو ابى و اخى ؟؟

_لا تقلقى حبيبتى .. نعم من اخترتِ .. يونس قد أثبت أنكِ بريئة .. استعان بحمدى جارنا القديم واستغل محبة والدك له .. واقنعه بعقد زواج صحيح هذه المرة ..

قالتها امها بمحبة وهى تمسح دموعها التى ترقرقت على وجنتيها بكفيها الحنونتين… قبل ان تومئ تميمة بإشارة دون معنى .. وهى تتسأل فى ذهنها … عقد زواج صحيح هذه المرة ؟!
هل كان هناك مزيف آخر قد خدع يونس ابيها به من قبل ؟! … هى تتذكر انه رفض الافصاح عن طريقة تسوية الأمر مع ابيها واخيها قبل الحادثة .. وفى غمرة ما حدث نسيت حتى أن تسأله عن الأمر…..!!

أعادت نظرها الزائغ إلى امها مرة أخرى .. وهى تبتسم بارتجاف .. وتقبل كفها الدافئ باشتياق… كان الفضل فى تبديده له هو .. يونس… !!
==========
انقضى حفل الزفاف وغادرت امها بعد أن ودعتها على باب شقتها الخاصة .. او لنقل شقتهما الخاصة الآن …!!
دلفت إلى الداخل ودلف يونس خلفها .. مبتسماً تلك الابتسامة التى توقن هى أن ما بعدها سوف تكون إحدى عواصفه بالتأكيد … !!

اقترب منها أكثر ثم قال عندما لاحظ عبوس وجهها :
_ماذا .. لماذا تنظرين الىّ هكذا..؟؟
_اى عقد زواج صحيح تحدثت امى عنه ،؟؟
هتفت بها بحدة تلقائية .. فتلاشت الابتسامة عن شفتيه قبل أن يزفر بقوة ..وهو يستدير عنها قائلا :
_عقد زواج كنت احاول خداع ابيكِ به … ليبتعد عنكِ .. ولكن أباكِ كان اذكى من هذا على مايبدو .. ولم تنطلى الخدعة عليه وبعث بأخيك خلفك .. وحدث ما حدث … !!

عقدت حاجبيها بشدة وهى تنظر لظهره العريض متصلباً أمامها ...قبل أن تتسأل بخفوت :
_و كيف أقنعت ابى ..؟؟ وان أقنعته لماذا لم يأتى معك هو الاخر ؟؟!

واجهها يونس بملامح لا تنم عن شئ .. قبل أن يتنهد بضيق وهو يقترب منها .. محتضناً إياها برفق .. مقبلاً رأسها المرتاحة على صدره .. ليهمس أخيراً :
_ارجوكِ .. أمر وانتهى .. لا تفسدى سعادتنا الليلة … !!

_انا لا افسد سعادتنا ابداً .. هذا حقى ان اعرف ما دار خلف ظهرى .. اتعتقد ان هذا كثير ؟؟
قالتها تميمة دون أن تفلت نفسها منه ..او بالأصح لم ترد أن تفلت نفسها منه .. هنا -بين ذراعيه- مكمنها … تشعر وكأن هذا مكانها الطبيعي الذى لن تستطيع الابتعاد عنه وحتى لو أرادت… كحالها تلك اللحظة … !!
_لا هذا ليس كثير .. سأخبرك ..!
منذ أن عرفت ما حدث معك .. وتعهدت بأن احميكِ .. لم أجد طريقة ابعد بها ابيك سوى الزواج .. بالتأكيد حين يعلم انك متزوجة لن يضر هذا فى شئ بالنسبة لهم .. ولكن تفكيرى كان خاطئاً .. عندما قدمت له عقد زواج مزيف اعتقدت انه سيُخدع به .. وانك هكذا بأمان وهو لا يعرف عن مكان إقامتك .. ولكنه لم يصدق و حدث لكِ ما حدث .. اما عن تسوية الأمر فقد استعنت بحمدى ذاك الذى حدثتينى عنه من قبل .. وهو شهد بالذى يعرفه أمام عائلتك وكبار البلدة .. وحاكم البلدة لديكم يعرف اسم عائلتنا جيداً ويعرف أن لا أحد عندنا يفعل اى شئ مشين .. لذا تم إنهاء ذلك الموضوع فى جلسة عرفية ببلدتكم .. تم فيها رفع التهمة عنكِ .. وتبرئتك أمام الجميع .. وعليه فقد جئت بأمكِ معى لتريها .. اما اباكِ واخاكِ فقد رفض كلاهما أن يأتى .. !!!
ضحك بخفوت ضحكة قصيرة قبل أن يردف:
_فهم مازالوا يكنون ضغينة لىّ .. حتى وان سامحوكِ ..!!

صمت بالنهاية .. وصمتت هى .. لفترة طويلة .. اطبق عليهم الصمت .. قبل أن تقطعه تميمة وهى مازالت فى احضان يونس :
_شكراً …!!!
_هكذا دون زيادة ..!!
قالها مبتسماً ابتسامة عابثة لم ترها .. قبل ان ترفع رأسها إليه .. هامسة :
_لم اسامحك كلياً لإخفاء الأمر علىّ .. ولكن مجئ امى معك هو من شفع لك بالقليل .. لذا …..

واتبعت جملتها المبتورة .. بأن استطالت على أطراف أصابع قدميها .. لتمس شفتيه بشفتيها مساً خفيفاً .. قبل أن تتراجع إلى الخلف هامسة :
_شكراً ..!!
حاولت التراجع للخلف .. لتجد ذراعاه يحتجزانها دون أن يفلتها .. قبل ان يهبط بوجهه إليها… ليقبل شفتيها بشغف وجد صداه فى صدرها .. إلى أن ابتعد عنها هامساً بأنفاس متهدجة :
_لا مهرب اليوم يا "فرعونية" .. "شكر ..بشكر" والبادى اكرم ..!!
=============
وقف يامن خارج الغرفة لوقت طويل .. ينتظر أن تخرج والدة عهد منها .. !
منذ أن انتهى الحفل .. وصعدا إلى جناحه الخاص والذى تم إعداده لاجلهما .. وعهد يتلبسها توتر شديد .. فدلفت مع امها إلى الداخل وبقى هو خارجها .. وعلى هذا الحال منذ ما يقارب الساعة ..!!
تأفف بنفاذ صبر .. وهو ينظر لباب الغرفة عاقداً حاجبيه بأنتظارٍ قطعته والدة عهد بخروجها من الغرفة .. وهى مبتسمة ببشاشة .. لتقترب من يامن وهى تربت على كتفه قائلة بود :
_بارك الله لكما بنى .. لن اوصيك عليها .. هى متوترة قليلاً الان فقط تعامل معها بهدوء ..!!

هز رأسه إيجاباً قبل أن تنصرف هى تاركة إياه واقفاً بحيرة أمام باب الغرفة ...قبل أن يحسم قراره ويدلف للداخل .. !!
_وياليتنى ما دخلت !!
تمتم بها بصوت خفيض جدا لم يسمعه الا هو .. وهو ينظر لعهد الجالسة فوق طرف الفراش .. ترتدى قميصاً ابيض ناعم .. يناسب نعومة طباعها .. وفوقه مئزره الخاص .. فكانت تبدو شديدة الرقة وشديدة الهشاشة بطريقة خلبت لبه .. بل اشعلته ذاتياً .. !!
تفرك اصابعها بتوتر وهى مرتكزة بنظرها أمامها على نقطة وهمية فى الأرض .. وكأنها لم تشعر به حتى .. !
يقترب يامن منها بخفوت متعمداً إصدار صوت حتى لا تفزع .. وبالفعل انتبهت له فتوقفت يداها عن الحركة .. وتصلبت مكانها كتمثال رخامى ..!
جلس جوارها على طرف الفراش .. قبل أن ينظر لها نظرة جانبية متفحصة .. ثم امسك بكفها البارد بين يديه هامساً بحنان :
_ماذا ؟؟ لماذا تبدين متوترة هكذا ؟؟

حاولت سحب كفها من بين يديه ولكنه لم يسمح لها بل ظل متشبثاً به .. فى حين استسلمت هى له وهمست بتشتت :
_هل تعلم اى ذكرى راودتني الان ؟؟

_اجل .. اعرف ..!
تمتم بها بخفوت وهو يجتذبها برفق ..و لم تشعر به يقربها منه حتى التصقت به.. إلى أن استطرد حديثه بكل بساطة وخفوت .. وكأنه يتعمد الحديث بهذا الشكل حتى يمحو تلك الذكرى عنها :
_يوم تركتك وذهبت فى يوم كهذا .. وانتِ كنتِ تنتظرين مجيئ وان تزفين لى عروساً ..!

حتى البساطة لم تجدى نفعاً هذه المرة فشعر بنفس تلك الغصة التى تحتل قلبه كل مرة .. حتى هى نالت منها الكلمات ما نالت .. وبائت محاولته بالفشل .. !
حقيقة هو الاخر متوتراً بشدة .. لا يعلم مدى تأثير الذكرى عليها ولماذا الان بذات وليس قبل قليل من الوقت .. !!

همست عهد أخيراً بصوت متحشرج :
_لماذا تركتنى يومها ..؟!
_هل ما زلتى تسألين يا عهد ..!!؟
سألها بخفوت .. لتكرر هى همسها:
_اعنى كيف استطعت فعلها ؟ أتعرف كم كنت انتظرك يومها .. لما انتظرت ليوم الزفاف تحديداً ؟ افعلت هذا لتؤلمنى ؟؟

ابتلع غصته المسننة فى حلقه .. قبل أن يهمس .. وهو يجذبها أكثر لتجلس على قدميه مغمورة بين أحضانه :
_لم أكن لافعل شئ يؤذيكِ قط .. لأجل ما تعانيه الان كنت اتمسك وقتها بأخر طوق للنجاة .. كنت اقول لنفسى اننى استطيع فعلها وانتِ جوارى ولا بأس فى شئ .. ولكن.. اتصدقيننى أن قلت لكِ أن بعدما بدأت رحلة العلاج حمدت الله انكِ لست معى .. وأيقنت بصواب ما فعلت .. !!
صمت لبرهة قبل أن يستطرد همسه :
_لم أكن لاحبذ تلك الهيئة التى كنت عليها لترينى بها .. انا كنت غير طبيعياً بالمرة .. ان وقتها المتك بأبتعادى .. فأنا كنت اقيك شر ان ترينى بتلك الصورة .. وأسقط من عينيك للأبد ..!!

لفت ذراعيها حوله .. مشددة من احتضانه .. قبل أن تهمس ،
مغيرة مجرى الحديث :
_أشعر بالبرد .. !!

تراجع بها على الفراش مستلقياً .. ثم رفع عليها الغطاء وهو يحاوطها بذراعيه .. الى ان استقروا لتهمس هى بخفوت:
_لا .. لا اقصد هذا البرد .. اقصد برداً من نوعاً آخر .. برداً يحتل قلبي .. يصيبنى بخوف من آن …
بترت جملتها دون تكملة .. فحثها هو بالقول :
_ماذا ؟؟ ما الذى يخيفك ؟؟

_اخاف ان اتركك وأذهب .. بعيداً .. بعيداً جداً حيث لا ترانى ولكننى أراك ..!! أخشى انك قد ضيعت من العمر ما كان كفيلاً بصنع ذكريات .. ستمكنك من العيش بعد رحيلى .. !!

صمتت .. وصمت هو .. ولكن صمته كان يصرخ بالكثير ..!
صمت يرجوها بأن تصمت هى .. بأن تكف عن تذكيره بأحتمالية فقدها فى كل كلمة تحكيها .. هذا هو جلّ ما يخشاه .. ولا يحتاج لتفسير آخر منها …!! حقاً لا يحتمل ..!!

لذا ابتعد عنها ليشرف عليها من علو .. قبل أن يهمس بانفعال يشى بما يعتمل فى صدره :
_اياكِ يا عهد .. اياكِ ثم اياكِ .. ذكر شئ عن الموت مرة أخرى .. أرجوكِ .. كُفى عن ملاحقتى بالذنب القديم وتذكيرى بما ضيعت من بين يدى .. دعينا نعيش ما تبقى لنا ولو حتى ساعة واحدة ..!!
ومن ثم اتبع جملته بقبلة رقيقة ، عاصفة فى رقتها ..!!
لا تعلم لما شعرتها هكذا .. وهى تراه يُعبر عن مكنونات قلبه بهذه الرقة رغم أنها تعلم أن ما بداخله يغلى.. كآتون مشتعل ..!!

أحاطت عنقه بذراعيها .. وهى تبادله قبلته على استحياء .. !!
تكاد تذوب بين ذراعيه من فرط ما يعتملها من مشاعر متناقضة له .. وضده ..!!
ابتعد عنها .. ليقول بنبرة مرتجفة تماثل ارتجاف اصابعه التى أحاطت وجهها :
_هل فهمتِ ما قلت .. أرجوكِ ..اطوى صفحة الماضى نهائياً !!
ورداً على رجائه .. ما كان منها إلا إثبات ما يريد .. وتأييد رغبته بالصمت عن الماضى تماماً .. فصمتت .. وهى تنظر بعمق عينيه .. قبل أن تباغته هى تلك المرة وهى تقتحم شفتيه بجرأة غير معهودة لديها .. تطلبت منها مجهوداً جباراً لاستحضارها والتغلب على خجلها منه .. متبوعة بهمستها والتى كانت آخر ما سمعه وسط صخب المشاعر الذى سادهما بعدها :
_سنطويها … سوياً …!!!
============
الفصل الأخير .. و مازال متبقى الخاتمة!


Ďonia Mohamed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-10-20, 11:22 AM   #10

Ďonia Mohamed

? العضوٌ??? » 447817
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 77
?  نُقآطِيْ » Ďonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond reputeĎonia Mohamed has a reputation beyond repute
افتراضي

الخاتمة ..

استيقظت عهد من نومها على ضوء الشمس الذى تخلل عتمتها و اجبرها بالقوة على النهوض ..!
فتحت عينيها ببطء حتى أعتادت الضوء .. ثم نظرت تجاه النافذة الزجاجية العريضة لتجده هناك .. واقفاً أمام النافذة … ينظر للمسطحات الخضراء أمامه دون أن يدرى بأنها استيقظت بل و تراقبه أيضاً ..!

يبدو شارداً بل متباعداً تماماً عن عالمهم الان .. يعقد ذراعيه أمام صدره العارى .. و يسرح بعينيه الخضراوين بعيداً بعيداً جداً ..!

اما عنه فقد كان كما وصفته هى تماماً .. ينظر لكنه لا يبصر ما يراه ..!

_اخاف ان اتركك وأذهب .. بعيداً .. بعيداً جداً حيث لا ترانى ولكننى أراك ..!! أخشى انك قد ضيعت من العمر ما كان كفيلاً بصنع ذكرياتٍ .. ستمكنُك من العيشِ بعد رحيلى .. !!

بصوتها يسمعها كما قالتها له ليلة أمس قبل أن تغيب معه فى طوفان عاطفته الذى اكتسحهما معاً … لكن رغم -كل ما كان بينهما- ظلت تلك الجملة تصدح بعقله من اللامكان .. لكنه كان ينحيها عن عقله بصعوبة .. إلى أن فرضت سيطرتها كاملةً عليه .. فلا هرب بعدها من أن يعترف لنفسه ..!
انه .. هو يخشى فقدها .. يخشاه بشدة .. ولو حدث ... هذا ما لن يمكن أن يحتمله ابداً ..! … يزجرها بشدة عندما تتحدث عن الموت .. لكن مالا تعلمه أن ذاك "الخاطر" لا يبارح مخيلته مطلقاً .. وكأنه أصبح مخافه الوحيد بهذه الحياة ..!
هو يعلم أن لكل اجلٍ كتاب .. و ان حدث شئ كهذا .. فهو قضاء و قدر .. لكنه لن يقوى ابتعاداً عنها ..!
غريب صحيح ..؟!
لكن منذ متى كان هو متعقلاً فى اى شئ يخص علاقتهما .. او يخص عهد بالتحديد .. ؟! ومنذ متى وُجد شئٌ فى علاقتهم ليس بغريب ..؟!

_يامن ..!
همستها التى اتته ضعيفه جعلته يلتفت لها بسرعة و لكنه لم يتزحزح من مكانه وهو يقول بخفوت بعد لحظة :
_صباح الخير .

_صباح النور يا يامن .
ردت بابتسامتها الحنونة لكن قلقه كان اكبر من أن ينتبه لأى شئ .. الا حينما حاولت أن تنهض وهى تتأوه بخفوت حينها اقترب منها بسرعة ناهباً المسافة بينهم فى خطوتين ليقول بقلق و انفعال وهو يسندها بذراعيه :
_ماذا .. ماذا تشعرين ..؟ أأنتِ متعبة ؟

نظرت له باستغراب عاقدة حاجبيها وهى تنفض عنها الغطاء لتستقيم أمامه قائلة :
_ماذا بك يا يامن .. لماذا تبدو قلقاً هكذا ؟

ازدرد ريقه بصعوبة وهو يجاهد الغصة التى تكاد تشطر حلقه نصفين .. قبل أن يجد نفسه يضمها نحوه بقوة … ليدفن وجهه فى حنايا عنقها هامساً :
_انا اسف ..اسف لأننى ازعجك هكذا .

رفعت يدها .. تحوطه بها وهى تهمس :
_بل انا الاسفة … لم يكن علىّ الحديث عن الموت بكثرة و خاصة ليلة أمس ..!

رفع وجهه ينظر لها للحظات طالت … قبل أن يقبل شفتيها بخفة وهو يهمس :
_لا لا تتأسفى .. انا فقط انفعلت قليلاً .. لا بأس .

_صدقنى انا لا اريد الحديث عن الأمر .. لكن .. لكن ..
لم تجد ما تكمل به جملتها ..و لم تحتج لتكملة حين احتضن هو شفتيها بشفتيه للحظات قبل أن يرفع رأسه لها هامساً ، وهو ينحنى ليحملها فوق ذراعيه :
_لا ..ليس هناك لكن الان .. كفاكِ حديثاً لن ينفع .. نحن سنغلق هذا الأمر و للابد هذه المرة ..!

استدار ليضعها فوق الفراش مرة أخرى .. قبل أن يتمدد جوارها محتضناً إياها برفق وهو يربت على رأسها بلطف ..و ظل صامتاً للحظات طالت …!
و صمته هذا اساءها .. لتهتف فى نفسها بسخط :
_ماذا .. هل سيظل صامتاً هكذا .. لا شيئاً آخر ..نحن فى شهر عسل يا استاذ !!!

كتمت ضحكتها بصعوبة من خاطرها الأخير العابث .. لتجده يقول لها فجأة بخبث ، ماكر :
_لا تقلقى .. هناك من "هذا" الكثير .. لكنى اراعيك .. و ارعى صحتكِ ليس الا .

رفعت عينيها له بوداعة وهى تقول ببراءة مصطنعة :
_ماذا تقصد ب "هذا" يا حبيبى .

ضيق عينيه وهو ينظر لها قائلاً :
_"حبيبى" !!! .. انتِ تتطورين يا عهد ..و أخلاقك بدأت تفسد .

ضحكت بصوتٍ عالٍ وهى تطوق خاصرته بذراعها هاتفة بدلال :
_هذا فقط تأثيرك علىّ .

_حقاً ..!! لم أكن أعلم أن تأثيرى سئ إلى هذا الحد .
قالها ضاحكاً لتشاركه ضحكته لثوانٍ قبل أن تقول :
_بل هو سئ لدرجة ستستغربها انت حين تعلمها .. انت جعلتني أشبه بمجنونة تجوب الطرقات بحثاً عن "حبيبٍ مفقود يا اولاد الحلال" .

تركها ليشرف عليها من علو وهو يقول بخبث :
_و "اولاد الحلال" .. هل ساعدوكِ ؟ ام أساعدك انا الان .. لا مانع لدى ..!

رفعت ذراعيها .. فتطوق بهما عنقه ..لتقول بخفوت وهى تمط شفتيها بعدم استحسان :
_لا بأس بهم … لكن مساعدتك انت افضل بالطبع ..!

_حسناً .. تعالى لاساعدك الآن .
قالها مبتسماً بخبث وهو يعبث بربطة مأزرها … فأشاحت بعينينها عنه بخجل، فضحك هو و قال :
_انتِ تخجلين !! لا أصدق !!

ضحكت بمرح وهى تزداد تشبثاً به هاتفة :
_هل قال لك احدٌ عنى اننى متبلدة المشاعر !

_حقيقة لو كان أحدُ قال هذا لما صدقته .. خاصة بعد ليلة أمس !
قالها غامزاً بمكر .. فضحكت عهد وهى تضربه بقبضتها فى كتفه هاتفة بتحذير خجول :
_يامن ..!

قبل جبينها الوضاء برقة متناهية وهو يهمس :
_يا مَشرِق يامن و مَغرِبه .. يا كل من ليامن على تلك الأرض .. لا خجل بيننا بعد الآن .. انتِ روحى يا عهد .. بعضٌ منى .. فهل يخجل المرء من بعض روحه ..!

أغمضت عينيها على تلك النظرة التى رأتها بعينه ..!
نظرة احتكرت حنان العالم كله بها..!
نظرة كانت رؤيتها بعينى يامن بالنسبة لها مجرد حلماً ..لا يرقى لمستوى الحقيقة ..!
فهل تصدق الان ما يحدث معها ..!
تصدق عدل القدر بعدما جازاها بعد كل الصبر … بكل الحب الذى تمنته يوماً ..!

اما هو فكان فى عالم مغاير تماماً ..!
عهد هنا .. معه .. بين ذراعيه .. سامحته على كل ما مضى .. فهل هناك ما يمكن أن يحلم به أكثر من هذا ..؟!

داعب جفنيها بأنامله وهو يهمس باسمها .. ففتحت عينيها بابتسامة ولكن قبل اى حديث سمعوا صوت طرقات خافتة جداً على الباب ..
عقد يامن حاجبيه وهو ينظر لها قائلاً :
_هل سمعتى ما سمعته .. هل هناك أحد يطرق على الباب؟

مطت شفتيها بجهلٍ وهى تقول :
_لا أعلم .. اعتقد اننى سمعت شيئاً ..

ظل منصتاً للباب ولكن الطرقات لم تعود مرة أخرى .. يبدو أن فاعلها كان لبقاً و رحل سريعاً .. فعاد يامن إليها مرة أخرى وهو يقول بابتسامة :
_حسناً ..اين توقفنا ؟

ضحكت عالياً وهى تقول بخفوت :
_أتذكر يا يامن .. كيف كنا نلعب معاً ونحن صغاراً .. انا و انت و يونس . كنا نظل نركض و نركض حتى يهلكنا التعب و نسقط أرضاً ..

ابتسم يامن بحنين لتلك الأيام .. لكن إبتسامته اتسعت وهو ينظر لها قائلاً :
_نعم أذكر .. و اذكر أيضاً ما كنا نفعله بكِ بعدها .

_ماذا ..!!
_كنا نفعل هكذا !
اتسعت عيناها بإدراك وهى ترى يامن ينكب عليها ضاحكاً ..وهو يدغدغها بقوة
.. لتتلوى هى تحت يده هاتفة بضحك لم تستطع السيطرة عليه :
_كفى يا يامن ..كفى ارجوك …… يا يامن لا … لا ..!

لكنه لم يستمع لها بل ظل يدغدغها و ضحكتها تتعالى أكثر فأكثر حتى بلغت عنان السماء …!
و بالخارج كانت امها أتية لتطمئن عليها .. لكنها لم تطرق سوى مرة واحدة .. تعالى بعدها صوت ضحكات عهد -من الداخل- بهستيرية .. لتبتسم وهى تهز رأسها برضا قبل أن تستدير راحلة مرة .. تاركة إياهم لسعادتهم …!!
ابنتها .. قد وجدت راحتها أخيراً .. ولا شئ احب إلى قلبها من هذا ..!!
======
_يا تميمة ..تميمة …!
نداء يونس العالى يصلها من غرفة نومهما وهى واقفة فى المطبخ تصنع لهما الإفطار .. زفرت بضيق وهى تتمتم بحدة، مندفعة بخطواتها نحو الغرفة :
_لا يكفى انه لم يدللنى فى يوم كهذا .. يجعلنى أصنع له الفطور بنفسى بل و ينادى علىّ هكذا كالمجذوب .. لا لن ينفع هذا الحال ..

وصلت للغرفة لتستمع لندائه القادم من الحمام فزفرت مرة أخرى وهى تجيب بصوتٍ عالٍ :
_نعم يا يونس .. نعم .. انا هنا لن اطير .

اتاها صوته ، ولكنها لم ترى ابتسامته الماكرة خلف الباب :
_و من سيسمح لكِ بالطيران مثلاً .. كفاكِ تذمر و ناولينى ثيابى المعلقة فى الخزانة .. لانى نسيتها .

رفعت شفتيها بامتعاض وهى تنظر لباب الحمام كأنها تنظر له و تصب لعناتها عليه .. ثم توجهت نحو الخزانة أخرجت له ثيابه .. و توجهت نحو باب الحمام ، تطرق عليه ، ولسانها لا يكف عن التمتمة الحانقة ..

_افتح يا يونس ها هى الثياب .
تقولها بفظاظة و طرقاتها الفظة على الباب لم تتوقف .. الا حين فتح الباب بقوة جعلتها ترتد للخلف شاهقة بهلع .. بينما هو خرج وهو يلف منشفة حول خصره :
_هكذا يفتح أحد الباب .. افزعتنى .

ابتسم بسماجة وهو يقول بهدوء :
_اسم الله عليكِ يا غالية .

تبتسم رغماً عنها بنزق و تهز رأسها بقلة حيلة ، قبل أن تناوله الثياب وهى تقول بفظاظة :
_حسناً .. خذ .. هذه الثياب .

يمسك الثياب بيديه قبل أن تسقط أرضاً .. و ينظر لها شزراً ، رافعاً حاجباً واحداً شريراً .. قبل أن يقول بهدوء خطير :
_تميمة ..! تعقلى .. هل تَجُرين المشاكل فى اول النهار ؟

تأففت بضيق حقيقى وهى تستدير عنه متمتمة ببضع كلمات لم يفهمها ..!
وهو يفكر .. انها تقريباً تتحدث بلغة "الهنود الحمر" هذا الصباح ..!

يرمى يونس الثياب من يده فوق السرير قبل أن يلحق بها وهو يضم ظهرها نحوه هامساً جوار اذنها برفق :
_ماذا بكِ يا فرعونية ؟ لماذا انتِ غاضبة هكذا ؟

شهقة بكاء غادرت حلقها قبل أن تكتم صوت بكائها بقوة .. فأدارها يونس من كتفيها نحوه وهو ينظر نحوها بقلق .. هامساً :
_ماذا بكِ يا تميمة ..؟ لما البكاء هل اغضبتك فى شئ ؟

تهز رأسها نفياً دون حديث .. و هى غير قادرة على التوقف .. فى حين حاوط يونس وجهها بكفيه و يمسح دموعها بإبهامه .. هامساً :
_حسناً ..اهدأى .. اهدأى .

يجذبها يونس برفق حتى اجلسها على طرف الفراش .. محتضناً إياها برفق ..وهو يربت على ظهرها .. حتى بدأت تستكين بعد فترة .. فقبل رأسها وهو يعيد سؤاله عليها :
_ماذا بكِ ؟

هزت رأسها نفياً فوق صدره .. قبل أن ترفع عينيها نحوه هامسة بصوتٍ اجش :
_لا .. لا يوجد شئ لكن .. لكنى كنت اتمنى .. ان تكون أمى معى فى هذه اللحظة .

رفع حاجباً واحداً بدهشة .. وهو يقول بصوتٍ خافت :
_حسناً يا تميمة .. لنفترض انه لا يوجد شئ يعوق إتيان والدتك إلينا .. فهل يا تُرى كانت لتأتى فى هذه اللحظة تحديداً .

رفرفت بأهدابها وهى تقول ببساطة :
_نعم يا يونس .. كانت ستأتى .

كز على اسنانه بغيظ وهو يقول من بينهما :
_ستأتى .. ستأتى هذه اللحظة بالذات .. دوناً عن ايام رَبنا كلها كانت ستأتى هذه اللحظة ..!
تميمة لو اختلط عليكِ الأمر مثلاً .. هذه صبيحة زفافنا .. يعنى انه يومٌ خاص جداً .. فلن يأتى أحدٌ -على كل حال- حتى لو كنتِ تسكنين معها بيتاً واحداً .

دفعت ذراعيه عنها بضيق وهى تهتف :
_ابتعد عنى يا يونس .. انت لا تفهمني .

رفع عينيه للسماء بتضرع .. وهو يتمتم بينه و بين نفسه :
_عوض علىّ عوض الصابرين يا ألله .

اخذ نفساً عميقاً .. ثم التف ليجلس مواجهاً لها .. وهو يقول بلطف :
_يا تميمة .. فليهدكِ الله .. هل فعلت انا شيئاً اغضبك ؟ هل آلمتكِ فى شئ ؟

ازدردت ريقها ببطء وهى تقول بخفوت فى حين تضرجت وجنتيها بحمرة محببة :
_لا يا يونس .. انت لم تفعل شئ .. كنت حنونً .. و مراعٍ جداً معى .

تنفس الصعداء وهو يرفع يديه و عينيه للسماء هاتفاً :
_الحمدلله شهد شاهدٌ من اهلها .. بل شهدت هى على نفسها .

ضحكت بمرح وهى تخفى فمها بقبضتها .. فابتسم وهو ينظر لها .. و يزيح يدها عن شفتيها ليلثمهما بقبلة رقيقة .. قبل أن يقول بخفوت وهو يبتعد عنها ضاماً كتفيها نحوه :
_لا حرمنى الله من ضحكتك هذه .. لا تفكرى كثيراً فى الماضى يا تميمة .. وثقى دائماً ان الله لا يفعل شيئاً سيئاً بعباده .

انهى تلك الجملة الحكيمة الذى لا يعرف كيف كان حكيماً هكذا وهو يقولها .. ثم عاد لمرحه وهو يقول بزهو :
_تخيلى لو لم يكن كل ما حدث معكِ هذا قد حصل .. هل كنتِ ستقابليننى مثلاً .. هل كنتِ ستحظين بزوج يحسدكِ عليه الجميع هكذا مثلى .. لا والله لم تكونى لتقابلى أحداً يشبهنى ولو بالشكل حتى .

ضحكت بصوتٍ عالٍ وهى تضربه بفبضتها فى كتفه بخفة هاتفة :
_مغرور .

_ماذا تعرفين انتِ عن الغرور .. هذا ليس غرور .. هذه ثقة فى النفس يا جاهلة .
_تركنا لكَ العلم يا صاحب العقل و الحكمة .
_بل و تركتى لي شيئاً آخر .. كل هذا الحب الا يملى عينيكِ ؟!

_تعرف انى أحبك كثيراً ..أليس كذلك ؟
تقولها بخفوت شديد .. لينظر هو اليها مضيقاً عينيه بشكٍ وهو يقول:
_دعينى اتأكد اولاً .

ابتسمت وهو يقترب منها كثيراً .. حتى لاصقها وهو يقتنص ابتسامتها بين شفتيه برقة كعهده معها .. قبل أن يدفعها برفق لتستلقى وهو يشرف عليها .. ليبتعد عنها بعد لحظات هامساً بخفوت :
_لا أريد الحزن أن يطال عينيكِ الجميلتين بعد ذلك يا فرعونية .. حافظى على ابتسامتكِ الرائعة تلك طويلاً لتنير وجهك .. وانا اعدك ان أكون لكِ دوماً كل ما تريدين .. أباً و أخاً و زوجاً و صديقاً و حبيباً .. و سأكون أماً و أختاً حتى إن اردتى .. مع انى اشك ان كان هناك رجلاً قال لزوجته يوماً بأنه سيكون لها أماً و أختاً .. لكنى لأجل عيونكِ افعلها .

ضحكت برقة وهى تطوق عنقه بذراعيها هامسة بصدق .. و نظرة حملت كل مشاعر الامتنان و الحب و الانبهار بشخصٍ مثل يونس يذهلها كل يومٍ عن سابقه :
_انت حقاً .. رائع .. لا أجد لك وصفاً سوى انك رائع .. لا أعرف حياتى كيف كانت لتكون لو لم تكن انت فيها .

ابتسم لحديثها وهو يجيبها عملياً هذه المرة .. لكنها دفعته عنها بقوة بعد لحظات وهى عاقدة حاجبيها و تقول :
_هل تشم تلك الرائحة .. رائحة شئ محروق !!

نظر يونس خلفه نحو المطبخ بحاجبين منعقدين قبل أن يجدها تدفعه بقوة وهى تندفع راكضة نحو المطبخ :
_الطعام يا الهى .

رفع حاجبيه بدهشة وهو يهتف خلفها :
_طعام ..!! طعام ماذا ؟ هل كنتِ تطبخين شيئاً .. هل كنا سنتناول "ملوخية" على وجبة الإفطار ؟!!

ضحكت تميمة بخفوت وهى تهز رأسها بحسرة أمام الشئ الذى كان من المفترض ان يكون بيضاً مقلياً .. والذى تفحم و تفحم معه الإناء المعدنى أيضاً ..!

أمسكت بالمقلاة لتتخلص من تلك التهمة قبل أن يراها يونس وهى تتمتم بمرح :
_لا بأس .. اخذ الشر و ذهب ..!!!
======
بعد عام و أكثر …!

انتفضت عهد على صوت صرخات تميمة التى تأتى من داخل غرفة العمليات ..!
من المفترض انها تلد .. لكنها تشعر بهم يعذبونها بالداخل ..!
وضعت كفها فوق بطنها البارز قليلاً وهى تتحسسه بقلق ..!
هل سيكون هذا الألم من نصيبها هى الأخرى بعد عدة شهور ..؟!
انعقد حاجباها للخاطر الأخير .. لتجد يامن يضع يده فوق كفها المستريح فوق بطنها وهو يهمس برفق :
_لا تقلقى يا عهدى .. كل شئ سيمر .. لا بأس .

اومأت له بصمت وهى تحتضن كفه نحوها .. ليقبل هو رأسها برفق ..!
رأسها التى لم تعد "صلعاء" أخيراً بعد طول عناء مع هذا الداء اللعين ..!
و لكن هو لا يضمن شئ إلى الآن .. فمازال يسكن جسدها ولم يتركها ..!
شعرها الذى استطال متخطياً اذنيها منحها مظهراً جذاباً .. كعهدها معه فى كل حالاتها ..!

_اهدأ قليلاً يا بنى .. هل هى آخر او اول من تلد فى هذه الدنيا .
تقولها زوجة عمه بحنق وهو يذرع الممر ذهاباً و اياباً أمامهم بتوتر .. ولكن قبل أن يرد عليها لمح والدة تميمة تأتى من آخر الممر متجهة نحوهم بقلق يحدد محياها .. فتوقف يونس وهو يبتسم أخيراً ..!
كان يعلم انها ستواجه زوجها و ابنها و تأتى من اجل ابنتها ..!
لكن ما هاله ليس هذا .. بل من جاء خلفها ..!
نعم .. كان والد تميمة و أخيها .. رغم تجهم ملامحهم و كأنهم مغصوبين على ذلك .. لكن يكفى انهم هنا .. جوارها و كم ستسعد تميمة بهذا ..!
=====
وقف يونس جوار سرير تميمة فى المشفى وهو يحمل "طفلته" فوق يديه بانبهار ..!
جميلة .. جميلة جداً ..و صغيرة جداً ..!
سلبت عقله حقاً .. بشعورٍ لم يختبره من قبل .. لكنه شعور جميل ..!

_اعطنى الفتاة يا يونس .. كفاك هكذا !
تهتف بها والدة عهد بنزق وهى تحاول أخذ الطفلة منه ، لكنه يبعدها عنهم هاتفاً :
_لا ..لن يمسكها أحد .. انتظروا حتى اشبع منها اولاً .

ضحكت تميمة بإرهاق وهى تمد يدها لتمسك بمعصمه بضعف هامسة :
_اتركها لهم يا يونس .

نظر لها بطرف عينه قبل أن يعطي الفتاة لزوجة عمه التى ابتسمت وهى تأخذ الفتاة لتتجه بها نحو والد تميمة الجالس فى على الأريكة فى الغرفة متباعداً عنهم .. و جواره ابنه الذى ينظر نحو تميمة بشعورٍ من الذنب لم يستطع اخفاؤه رغم محاولته المستميتة لتوريته .. لكن ذلك لا يجدى مع تميمة التى تنظر له بابتسامة مشوبة بعتاب ..!
وقفت والدة عهد أمام الرجل وهى تقدمها له قائلة :
_تفضل سيدى .. ابنة تميمة .. حفظهن الله لك .

ظل ينظر لها بتجهم يشوبه التردد قليلاً .. قبل أن يحسم أمره وهو يمد يديه ليأخذ الطفلة . فينظر إلى ملامحها المنمنمة .. الشبيهة بملامح امها كثيراً .. فيرتسم شبح ابتسامة فوق شفتيه .. هذا أن استطعنا تسميتها بابتسامة .. لكنها كانت كذلك .. خاصة لعينى تميمة التى نظرت لهم بأعين دامعة .. و داخلها تحمد الله الف مرة على هذا الجمع الذى لا تتمنى يوماً اكثر منه ..!
…..
مر القليل من الوقت ..
و أثناء رحيل عائلتها .. احتضنتها امها وهى تودعها .. بينما تقدم منها ابيها ملقياً عليها نظرة اخيرة وهو يقول بخفوت جامد :
_حمداً لله على سلامتك ….. يا ابنتى .

دمعت عيناها وهى تنظر له برجاء .. رجاء أن يحتضنها و يؤكد لها انه سامحها و ان كل ما كان يحول بينهما قد ذهب ادراج الرياح .. لكن لا .. لم يفعل .. ولكن يكفى عليها هذا .. ربما البقية تأتى به الأيام ..!!

و ما ارتجته حقاً فعله اخيها أخيراً .. بعدما خرج ابيها و امها .. مقاوماً شعوره .. و انحنى إليها ليضمها برفق هامساً بصوتٍ اجش :
_سامحى اخيكِ يا غالية .. أنا أخذت لكِ حقك ممن افترى عليكِ .. عمكِ و ابنته كلٌ أخذ جزاؤه على ما فعلته فيكِ .. لا يتبقى سوى أن تسامحى اخيكِ يا تميمة .

هنا لم تملك دموعها التى تساقطت على خديها وهى تهمس :
_سامحتك .. يشهد علىّ الله .. ان قلبي لم يحمل نحوك ضغينةً يوماً .
=====
جلس يامن على ذاك المقعد الطويل فى حديقة البيت الخلفية ..!
هنا يستطيع أن يختلى بنفسه قليلاً ..و بالطبع بعهد ..تلك التى تأخرت الان كثيراً ..!
لم يمر بضع لحظات أخرى حتى وجدها تقترب منه بخيلاء .. إلى أن جلست جواره وهى تقول بخفوت ، مبتسمة :
_هل تأخرت عليك ؟

_لا .. دوماً فى ميعادك !
قالها بسرعة قبل أن يقترب منها مقتنصاً شفتيها برقة … فضحكت وهى تبعده عنها قائلة بمرح :
_لا .. لا ليس الان .. ليس هذا المكان أيضاً.

رفع حاجبيه بتعجب قبل أن يسألها بنبرة متشددة :
_و لماذا ليس هذا المكان .. هل نفعل شيئاً مشيناً .. لا سمح ربى !

ضحكت بأنطلاق وهى تجيبه بدلال واضعة كفيها فوق صدره :
_لا بالطبع .. و تعلم أن الأمر ليس هكذا لدى .. لكن ليس الان .

اخفض حاجباً و ابقى الاخر مرفوعاً .. وهو يلوى شدقيه قائلاً .. يقلد نبرتها الناعمة :
_لكن ليس الان .. تعلم أن الأمر ليس هكذا لدى .

مقاطعته باعتراض حانق :
_يا يامن انا …..

_اصمتى .
هدر بها بصرامة اجفلتها .. قبل أن يستدير بوجهه عنها .. لتلمح هى طيف الابتسامة المتلاعبة على شفتيه .. فتصرخ بصوتٍ حانق وهى تضربه فى كتفه بقبضتها :
_يا بغيض .. لا ترفع صوتك علىّ مرة أخرى .. يا يامن .. انا .. انا اكرهك .

و ظلت تضربه بقوة .. و صوت ضحكته التى ترك لها العنان يصدح بقوة فى الخلاء حولهم …!
قبل أن يمسك يامن بكفيها وهو يقول بضحك لم يستطع السيطرة عليه :
_كفى ..كفى .. ألمتِنى .

_تستحق الضرب .. و الجلد ..بل و السلخ حياً أيضاً .

تعالت ضحكته أكثر عقب قولها الشرير .. ثم قال بنبرته العابثة :
_اخشى ان تفعلى فى يوماً شيئاً سيئاً مثل أن تقتلينى و تقطعينى ثم تعبئينى فى أكياس سوداء نكالاً لما فعلته بكِ قبل ذلك .

صمتت فجأة تلهث .. وهى تنظر له عاقدة حاجبيها … قبل أن يجدها تقترب منه فجأة وهى تقبل عينيه و وجبينه .. ثم وجنتيه .. و توقفت أمام شفتيه وهى تهمس :
_تعلم اننى لن استطيع ان اتسبب لك يوماً ولو بجرح اصبع .. لا أستطيع ان أقتل نملة حتى .

انتهت وهى تقبل وجنته مجدداً .. و تفك انعقاد حاجبيها و تنظر له ببراءة .. رامشة بأهدابها .. ليعقد هو حاجبيه هذه المرة وهو يسألها بتوجس :
_هل هذه دعوة صريحة لأن اُقبلك .

أومأت برأسها وهى تنظر له ببراءة تزداد عن سابقتها .. ولكنه لم يتحرك انشاً ناحيتها .. ففعلت هى .. وهى تقترب منه كثيراً حتى لاصقته و لكن .. لا رد فعل من ناحيته وهو مستمر فى النظر إليها بعدم استيعاب .. فتململت بضيق وهى تقول بنزق :
_ماذا .. ألم تكن تريد تقبيلى منذ قليل .. ها انا ذا امامك ..!!

هز رأسه نفياً ببطء وهو يتسأل بخفوت و جدية زائفة يخفى بها مرحه :
_ألم ترفضى منذ قليل .. و قلتى انا اكرهك بل و ابغضك أيضاً .. والآن تريدين منى تقبيلك .. هل تريننى عديم الكرامة لهذه الدرجة .

رفعت كفيها لتعقدهما خلف عنقه وهى تقربه منها أكثر هامسة بتملق :
_لا والله .. انا أراك سيد الرجال جميعاً .. والآن قبلنى … ارجوك ..!!

اتسعت عيناه بدهشة وهو ينظر لها .. ثم قال بنبرته العابثة :
_عهد !!
_نعم !!
_هل هذه هرمونات الحمل ؟!
ابتسمت وهى ترفرف بأهدابها قبل أن تقول له بوداعة وهى تومئ إيجاباً :
_نعم .. شئ من هذا القبيل !!
_اذا على بركة الله .

لم تفهمه لوهلة .. لكنه اقترب منها مقبلاً إياها برفق .. قابلته هى بقوة وهى تزداد تشبثاً به .. و لكن قبل أن تتعمق قبلته أكثر سمعا صوت شجار و عراك عنيف يأتى من الأعلى …!
فابتعد عنها يامن وهو يقول بأسف حقيقى :
_اسف لكن هؤلاء يونس و تميمة منذ جائوا إلى هنا بعد ولادة تلك العفريتة الصغيرة وهما لا يكفان عن الشجار .. دعينى اذهب لأرى ماذا هناك !!

هزت رأسها نفياً وهى تقول بضيق :
_لا .. دعهما و شأنهما و دعنا نحن و شأننا !!
_عهد .. هذا صديقك .. يونس ..!!!
قالها بتعجب .. فمطت هى شفتيها بنزق وهى تدفعه عنها بعنف قائلة :
_حسناً اذهب لهم .. أيها المصلح الاجتماعى .

ضحك وهو يستقيم واقفاً قبل أن يلثم شفتيها بقبلة رقيقة .. وذهب بعدها .. لتتحسس هى بطنها برفق وهى تقول بمرح :
_والدك هذا سيصيبنى بذبحة صدرية ذات يوم .. لا يكف عن حل مشاكل الآخرين .. ولا يعلم كيف يحل مشاكله هو اولاً .
====
_الا تسمع ابنتك تبكى يا يونس .. لماذا تجلس كالصنم هكذا ..قم و ساعدنى او أفعل اى شئ .
تقولها تميمة بانفعال شديد .. وهى تهدهد الطفلة التى لا تكف عن البكاء بين يديها .. فلم يجيبها يونس الذى ضغط ما بين عينيه بتعب وهو يهتف :
_ماذا افعل لها .. لا تكف عن البكاء ماذا افعل .
_لا تفعل شئ ..انت ابٌ مستهتر .
_والله كرهت اليوم الذى فكرت فيه أن أكون اباً .. كفاكِ يا امرأة ..!

_بل كفاكما انتما الاثنان .. بل انا الذى كرهت حياتى يوم دخلتماها .. حسبنا الله فىيكم و فى اليوم الذى عرفناكم فيه .
صرخ بهم يامن بقوة جعلتهم يصمتون هما الاثنان .. حتى بكاء الطفلة هدأ لثوانٍ قبل أن تشرع فى البكاء مرة أخرى .. فضرب يامن صفحة وجهه بكفه المفرود قبل أن يقترب من تميمة قائلاً بنزق :
_هاتها … هاتها .. هل سماكى هو الفرعونية ذات يوم .. حسناً انا اسحب اللقب .. او اعدله … انتم لعنة الفراعنة التى حلت على هذا البيت .

_هل تهيننى يا يامن ؟
تسأله تميمة بدهشة وهى تناوله الطفلة التى ما أن ضمها نحوه قليلاً حتى هدأت تماماً .. فنظر لها يامن بابتسامة سمجة وهو يقول :
_لا يا تميمة .. انا لا اهينك .. بل اود لو ادس لكم سم فئران فى الطعام انتِ و زوجكِ المبجل هذا .

_حسناً انت تماديت كثيراً !!!
يقولها يونس بنبرة خطرة وهو يقترب منه ممسكاً بياقة قميصه ..فنظر يامن ليده قبل ان يعود بعينيه إلى يونس قائلاً :
_قسماً بربى .. لو لم تترك ثيابى لاترك لك ابنتك تحيل حياتك لجحيم .

رفع يونس طرف شفته بسخرية قائلاً :
_هل تهددنى بابنتى يا يامن .

_نعم .
_حسناً اخرج انت وهى الان .
قالها وهو يتركه ثم فتح الباب وهو يقول له بقوة و رجاء غريب :
_انا اسف ..لكن خذها من هنا الان انا تعبت ..اعصابى لم تعد تحتمل بكاء .. وهى تحبك كثيراً و تصمت معك .. خذها و اذهب .

ثم الصق كفيه ببعضهما وهو يقول :
_ارجوك .

ضحكات عهد التى تعالت جواره من خارج الباب جعلته يلتفت لها تارة .. ثم ليامن -الذى شاركها ضحكتها- تارة أخرى .. و قال بحسرة :
_منكما لربكما انتما الاثنان .

استمرت ضحكة يامن وهو يأخذ الطفلة و يخرج ليقف جوار عهد وهو يمد ذراعه الحر و يحيط كتفيها ويتحرك معها ليغادرا بعد أن رمق يونس بشماته وهو يقول :
_بالطبع مننا لربنا … لا لعبده .

أغلق يونس الباب خلفهما وهو يستند بكفيه عليه وهو يتنفس الصعداء :
_كان يوماً لم تطلع له شمس يوم جائت .. منكِ لله يا تميمة ..

_لكنك تحبها لا تنكر ذلك .
همستها الخفيضة المشبعة بمرحها اتته من خلفه .. فالتفت لها ليرى ابتسامتها فابتسم رغماً عنه وهو يرفع كفيه بقلة حيلة :
_بالتأكيد احبها .. ليس بيدى حيلة .. لكنها صعبة المزاج مثل امها .

_وهل هانت عليك امها لتقول عليها هذا الكلام ؟
تقولها بدلال وهى تقترب منه .. فابتسم بخبث وهو يديرها ليصلق ظهرها بباب الغرفة قائلاً بعينين ملتمعتين :
_الطفلة ذهبت صحيح ؟

أومأت برأسها وهى تقول بابتسامة واسعة :
_نعم .
_اذاً ..
_اذاً .. ماذا ؟
و لم تكمل كلمتها الا و قد ضاعت بين شفتيه .. ليغيبها معه للحظات طالت كثيراً .. بعيداً عن صراخ الطفلة الذى يصم الآذان …..!!!!
=====
" لا شئ يطفئ نيران الكون فى عين الرجل .. كرحيل امرأة كان يعتبرها أرضه وسماؤه وكونه .."
(غسان كنفاني ..)

انهى يامن حديثه بتلك الجملة البسيطة .. و التى يتذكر اقتران قرائتها بذكرى اخرى من ذكرياتها الجميلة .. والتى عملت جاهدة على صنعها معه .. فى خضم السنوات الفائتة جميعها …!!
كم مر على رحيلها ؟!
دقيقة .. اثنتين ؟؟
المعذرة ..!!
فهو لا يتذكر انه قد فقدها بالأساس !!
لا ليس عيباً من ذاكرته لتقدمه فى العمر .. !
بل كل نفس تردد فى صدره كانت معه فيه .. فأى أحمق هو كى ينعت "وجودها" الرائع ب "الفقدان" ..!!
هو ليس مجنوناً .. او مختلاً .. ببساطة هو رجل .. قد عاش طفلاً بها .. شبّ على ريعان أنوثتها -المنقوصة فى نظر الجميع و فوق الكاملة فى نظره هو - .. وشابّ على حبها .. نعم حبها - وان كان طيفاً - فلا يمانع .. !!

_ماذا حدث بعد يا "جدى" ؟؟ بعد أن قبّلتها ؟؟
تسأل بها حفيده بجدية تامة .. فابتسم يامن ابتسامة عذبة .. تغضنت بها عيناه المجعدتين .. يتذكر ذلة لسانه بكلمة "قبلة" أثناء شروده فى ذكرياته معها .. قبل أن يهمس بصوته الرخيم :
_تأدب يا ولد .. انا لم اذكر اى شئ عن القُبل ..!

_بل ذكرت انا سمعتك .. لا تكذب على الأطفال يا يامن احترم سنك على الأقل ..!
هتف بها يونس صاحب الشعر الرمادي بمرح والذى لم ينقص من وسامته شيئاً بعد كل تلك السنوات ..!

فنظر له يامن بتحذير قائلاً :
_أيمكنك أن تصمت قليلاً ؟؟!

ضحك يونس عالياً قبل أن يهتف :
_اصمت انت قليلاً يا يامن .. وكف عن سرد الماضى أمام الأطفال كحال كل يوم ..

_اتركه يا يونس .. لما تقف له هكذا ..كالجندى ..
قاطعته تميمة التى تقدمت منهم لتوها ضاحكة ضامة وشاحها الصوفى حول جسدها .. قبل أن تكمل :
_هيا بنا يا اولاد إلى الداخل المساء بدأ يحل والبرد يشتد ..!

هتف الحفيد الأكبر معترضاً :
_لا يا جدتى .. نريد أن نستمع إلى الباقى ..
ضحك الفتى بخبث قليلاً قبل أن يستطرد :
_وبالمناسبة جدى قد حكى لنا القليل عن لقب "الفرعونية" ..

نظرت تميمة ليامن بيأس وهى تهز رأسها قائلة :
_لا يوجد فائدة .. كل مرة تقول شيئاً للأولاد اسواء من سابقه ..

ضحك يامن عالياً ضحكة مرحة شاركه فيها يونس .. قبل أن يقاطعهم أحد الأحفاد قائلا بنزق :
_هيا جدى يامن .. احكى لنا آخر شئ حدث كى ندلف للداخل فالبرد بدأ يشتد فعلا..

صمت يامن مبتسماً .. و ران الصمت بين الخمسة احفاد انتظاراً .. وبين يونس وتميمة ايضاً .. اللذان عادت بهما الذكرى لذاك اليوم المشئوم .. فابتلت عينا تميمة بالدموع .. مما جعل يونس يضمها نحوه بذراع واحدة .. فاسندت رأسها على كتفه .. فى حين بدأ يامن فى الحديث قائلاً بشرود :
_كان يوماً .. غير موصوف .. لن توجد كلمات تستطيع وصف ما كنا عليه وقتها جميعاً .. !!
_متى توفت الجدة "عهد" يا جدى؟؟
_تركتنى .. بعد عشر أعوام من زواجنا .. كنا قد انجبنا ابيك .. وصار مثلكم او اكبر منكم قليلاً وقتها ..!

أفاق يامن على احداً يقف جواره وينحنى مقبلاً رأسه بحنان .. فابتسم وهو يرفع وجهه لابنه الذى يحمل ملامح امه جميعها .. لطالما كان سبب حبه له .. هو الشبه الكبير بينهما ليس الا ..!

نظر له "عامر" ابنه نظرة امتنان وعرفان بجميل هذا الرجل عليه .. قبل أن يهتف مخاطباً الأطفال :
_هيا يا صغار .. انتهى الوقت الآن .. هيا إلى الداخل ..!

انصاع له الصغار .. وهبوا من مكانهم نحو الداخل مهللين بحماس .. بينما ضم يونس تميمة الباكية الى صدره هامساً :
_كان مقدراً أن يحدث .. لا تحزنى يا "فرعونية" لا يليق بكِ الحزن ابداً ..!!

شهقت تميمة بخفوت وهى تخفى وجهها فى صدره هامسة باختناق :
_ تلك الأعوام القليلة التى عشتها معها جعلتنى اتعلق بها رغماً عنى .. كانت اختى التى طالما عشت اتمناها .. وحين وجدتها رحلت .. وكأنها عاشت أيامها القليلة .. توزع من جمالها على الآخرين حتى فنيت ..!!

ربت يونس على كتفها مهدئاً .. هامساً لها ببضع كلمات عن الأيام الخوالى.. فابتسمت بشحوب قبل أن ياخذها ويدلفا للداخل …!

نظرعامر ليامن بابتسامة هادئة قائلاً :
_هيا ندلف للداخل ..!

بادله يامن الابتسام .. قائلا بنبرة ذات مغزى :
_ليس الان .. !!

ثم هب واقفاً على قدميه .. فأسنده عامر برفق .. لينتزع يامن يده منه قائلا بمرح :
_لا أحتاج مساعدتك يا ولد .. لم اكبر إلى تلك الدرجة ..!!

ضحك عامر بخفوت قائلا:
_حاشا لله يا والدى .. انا الذى كبرت!!

ابتسم يامن قبل أن يبادر بالتحرك بعيداً هاتفاً :
_حسناً يا كبير .. ادخل انت الان .. !!

_هل ستذهب اليوم أيضاً ..
سأله عامر وهو يعرف الاجابة فعلياً قبلها والتى جائته كما توقع تماماً :
_وهل تأخرت عنها يوماً ..!!

قالها ثم ابتعد كثيراً عنه .. حتى دار حول البيت ومنه إلى الحديقة الخلفية له .. ثم إلى ذاك المقعد الخشبى الطويل فى إحدى الزوايا .. نائياً عن الجميع .. فجلس عليه متنهداً .. وانتظر لبضعة دقائق قبل أن يشعر بها تأتى …!
نعم .. "الطيف" .. طيفها يقترب منه شيئاً فشيئاً .. حتى جلست جواره .. فنظر يامن صوبه .. مازالت صورتها فى عقله كما هى لم يغيرها الزمن ..ولم يقدر عمر مهما طال على محوها من ذاكرته ..
هى بكامل بهائها .. بشعرها الذى نبت و استطال قليلاً حتى عنقها .. فمنحها هالة من الجاذبية .. قبل أن تخبو روحها تماماً فى انتكاسة تعرضت لها قبل سنوات بسبب مرضها والذى لم يتركها طوال تلك السنوات ..!!
_هل تأخرت عليك ؟؟!
تردد الصوت فى أذنه كما حدثته به قبل سنوات .. وكأن ذاكرته وقدرته الذهنية تتضاعفان عند تلك اللحظة .. فقامت بتخزين المشهد بكل تفاصيله الذهبية …!
همسها المتسأل بدلال .. ثم قبلته التى ألحقها على شفتيها .. كعقاباً على التأخير .. او .. تعبيراً عن الاشتياق .. ان يكن .. هو مازال يتذكر كل تفصيلة فى تلك اللحظة الحميمية التى تشاركاها على هذا المقعد بالذات .. والذى مازال طيفها معلقاً به .. رغم كل تلك السنوات …!!
نظر يامن لطيفها الذى يراوده .. قبل أن يهمس :
_ولا يومٍ تأخرتى فيه يا "عهدى" .. فى كل لحظاتكِ حاضرة .. حتى وان غبتِ .. يكون غيابك اجمل الحاضرين .. !!
===========
قل للذين رحلوا بعيداً عنّا .. و اوتهم تلك القبور .. أنتم داخل القلب سُكناكم .. صدقاً حبكم لدينا متغلغل داخلنا .. فلا تعتقدوا بأنا غافلون عنكم مهما طال الزمان او قصُر .. فأنتم فى الأعماق باقون .. ولعناقكم ودفء كفوفكم تالله نحن مشتاقون .. عبثاً حاولنا النسيان .. ولكن .. اسمائكم فى العقول مسطورة .. وذكرياتكم على جدار القلب محفورة ..!!
#دنيا_محمد … !!💛🌻
===========
تمت بحمد الله …!!
===========


Ďonia Mohamed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:39 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.