آخر 10 مشاركات
بخصوص رواية قبلة المموت … (الكاتـب : فجر عبدالعزيز - )           »          1053ـ دليل الاتهام ـ جيسيكا ستيل. ع د ن (الكاتـب : عيون المها - )           »          واثق الخطى ملكاً فى قلبي *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : حياتى هى خواتى - )           »          السرقة العجيبة - ارسين لوبين (الكاتـب : فرح - )           »          متوجةلأجل ميراث دراكون(155)للكاتبة:Tara Pammi(ج1من سلسلةآل دراكون الملكيين)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          صفقة طفل دراكون(156)للكاتبة:Tara Pammi(ج2من سلسلة آل دراكون الملكيين)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          84-امرأة لورد الشمس - فيوليت وينسبير - ع.ج ( إعادة تنزيل)** (الكاتـب : * فوفو * - )           »          نوح القلوب *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : hadeer mansour - )           »          لُقياك ليّ المأوى * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : AyahAhmed - )           »          رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree2430Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-01-20, 10:57 PM   #151

حسناء_

? العضوٌ??? » 379692
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 202
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » حسناء_ is on a distinguished road
افتراضي


في انتظارك يا احلى شموسة 🥰🥰🥰🥰🥰

حسناء_ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-01-20, 11:01 PM   #152

Rima08

? العضوٌ??? » 410063
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,391
?  نُقآطِيْ » Rima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond repute
افتراضي

انا من متابعين الجزء الاول مبروك الجزء الثاني رواية تحفة متشوقة لقراءة الفصل الاول

Rima08 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-01-20, 11:02 PM   #153

Hour32
 
الصورة الرمزية Hour32

? العضوٌ??? » 435614
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 13
?  نُقآطِيْ » Hour32 is on a distinguished road
افتراضي منتدي روايتي

الف مبروك ياشموسه بالتوفيق حبيبتى

Hour32 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-01-20, 11:02 PM   #154

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم



رواية

وأشرقت في القلب بسمة


........................


المقدمة


خرجت بسمة تهرول في طرقات القرية مفجوعة غير مصدقة لما سمعت .. حتى أنها لم تنتبه لأن وشاحها قد سقط عن رأسها وأن شعرها يطير خلفها ..
كانت الطرقات خالية تماما ليس فقط لأن الساعة متأخرة من الليل .. ولكن لأن الجميع قد تجمعوا هناك يتابعون الكارثة .


ظل صوت الصرخات المفجوعة يقترب ويقترب حتى ظهر أمامها المشهد من بعيد .. حيث معظم أهالي القرية مجتمعون ..


اخترقت الأجساد بصعوبة ثم دخلت من البوابة تلهث بشدة وتوقف الوقت بعدها للحظات..
تطلعت بغير تصديق في الجسد الصغير الممدد على الأرض والمسجى تحت الأغطية وتحجرت الدموع في عينيها الزرقاوين .


الألم يعتصر قلبها .. وأصوات البكاء والنواح تصم أذنيها ولم تستوعب مما يحدث لحظتها سوى أن أحدهم يمسك بتلابيب أحد المسعفين صارخا غير مصدق بأنها ماتت .


شعرت لحظتها بأنها تموت ببطء..
بالتأكيد هذا كابوس .. مجرد كابوس وستصحو منه بعد قليل ..


في الخارج تطلعت وَنَسْ في مَليكة صَوالحة التي ترتدي اسدال صلاة منزلي وهي تترجل بصعوبة من السيارة ثم خانتها ساقاها .. فهرولت الأولى مبتعدة عن الجميع في حالة صدمة وهي تهمس في سرها " هذا كذب .. كذب !.. " .


بينما رفعت بسمة في الداخل مقلتيها الفيروزيتين الذاهلتين تدقق في الواقفين فلمحت أم هاشم تدفع المتجمعين عند البوابة بخشونة وعصبية ليفسحوا لها الطريق حتى تدخل .. ثم تسمرت أمام الجسد المسجىعلى الأرض.. ورفعت أنظارها الذاهلة نحو بسمة تحرك شفتيها ببطء ( ماتت !).
وسقطت تفترش الأرض بانهيار وهي تضرب رأسها بيدها تصرخ بلوعة .


أما بسمة فتسمّرت على حالة الجمود والشلل وعدم التصديق هذه ..
أو ربما هي الصدمة ..
تتطلع فيما حولها .. تحاول استيعاب ما يحدث ..
وتمنت أن تهرب ..
تهرب بعيدا .. بعيدا عن هذا المكان .



لتسمع أحدهم يقول وهو يضرب كفا بكف "هذا ما جناه الحُب يا أخي !"
فرد الآخر بأسف " لديك كل الحق ..لا حول ولا قوة إلا بالله !"


وكأن حديثهما طلقات أطلقت في صميم قلبها فرفعت يديها تمسك برأسها وصرخت فيهما بهستيريا "بل هي عاداتكم المقيتة .. بل هي أعرافكم الظالمة .. دمها في رقبتكم جميعا .. أنا أكرهكم وأكره هذا المكان .. أكرهكم .. حسبي الله .. أعرافكم السبب .. حسبي الله .. حسبي الله "
××××


يتبع




Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 03-01-20, 11:03 PM   #155

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 1

الفصل الأول



إنها النهاية..

نهايتها .

فألسنة النار تحيط بها من كل جانب ..

تحاصرها ..

تقترب منها ..

وتقترب ..

حاولت الصراخ بكل قوة لتطلب النجدة لكن صوتها كان محبوسا ولا أحد يسمعها ..

لا أحد ..

همت بتخليص نفسها والفرار .. فتحركت هنا وهناك لكن ألسنة النيران حاصرتها أكثر ولم تترك لها مخرجا..

فاستسلمت أخيرا لنهايتها.

وانهارت على الأرض تغطي رأسها بذراعيها برعب شديد واستسلام لقدرها..



ثم أطلقت صرخة رعب أخيرة ..

صرخة مكتومة ..

صرخة يأس وقلة حيلة .. وشكوى للديان ..

لكن صوت بعض الاخشاب المشتعلة يُدفع بقوة من الخارج جعلها ترفع رأسها بفزع.. واتسعت عيناها بذهول وهي تحدق في ذلك الرجل الذي ظهر أمامها من وسط النار !!..





شهقة قوية تزامنت مع تحديق عيناها الزرقاوان في سقف الغرفة تتطلع حولها لاهثة .. لتدرك بعد ثوان قليلة بأنها في غرفتها ..

إنه ذلك الحلم المتكرر المرعب الذي بات يزورها كل فترة ..

رفعت جذعها تمسح قطرات العرق الباردة من فوق جبينها وتحاول تهدئة ضربات قلبها الفزعة .

وامسكت بالدورق الزجاجي بجوار السرير ولم تنتظر حتى لتسكب الماء في الكوب بل رفعته إلى فمها وشربت منه شاعرة بالظمأ .. لتنفجر موسيقى المنبه في هاتفها المحمول فأجفلت مرة أخرى حتى كادت أن تسكب الماء على نفسها .. لكنها مدت يدها بغيظ لاخراسه.





أما التلفاز الذي تبقيه طوال الليل يتحدث بجوارها ويملأ فراغا مخيفا في ظلمة الليل فظل يتحدث بصوت خافت .. وخرجت منه أغنية المقدمة لأحد المسلسلات التي تعاد .



زمن الاحزان رمانا
غُربا.. ولا دريانين
الغربة دى ف دمانا؟!
ولاّ جاتنا منين؟!



تايهين ما بين غُمانا
وليل مالهوش عنين
فينك يا نجوم سمانا
دايبين لهفة وحنين
والخوف فى قلوبنا طايح
ولا عاد بياجينا عيد




سحبت بسمة نفسا عميقا وأنزلت ساقيها من السرير تستند بمرفقيها على ركبتيها وتدفن وجهها في كفيها فانسدل شعرها الحالك السواد كشعر الخيل ليغطي وجهها كستار أسود لامع .. وأخذت تقاوم ذلك الثقل الشديد الذي يعتريها وعدم رغبتها في مغادرة غرفتها اليوم بالذات .. فما كانت تتحاشاه على مدى ثلاث سنوات ستضطر اليوم لأن تواجهه .



قايمة علينا القِيامة
وايامنا مغيَّمين
وإن عشناها بَقتامة
رح نفضل قيَّمين



وانا فى الريح والغيامة
باحلفلكو ميت يمين
دنيتنا خيرها ياما
ومين اللى مانعُه مين؟!



والناى فى قلبى نايح
بس أنا واعى وشديد




تسللت كلمات الأغنية إلى أذنيها وكأنها تشجعها على المواجهة .. فتطلعت في الساعة ثم استجمعت قواها للوقوف وقد أدركت بأنها قد تأخرت كثيرا عن موعدها الذي تنتظره بعد فجر كل يوم فأسرعت نحو الحمام بمنامتها القطنية التي ترسم قدّها كلوحة متفجرة الأنوثة وهي تغمغم لنفسها بكلمات الأغنية وكأنها تشجعها " والناى في قلبى نايح..بس أنا واعى وشديد"




بعد قليل كانت بسمة قد فرغت من صلاة الفجر فأسرعت تنزع عنها اسدالها وترتدي الشبشب ثم التقطت هاتفها لتغادر غرفتها بسرعة ..

وعلى رائحة النسكافيه صعدت إلى سطح منزل والدها وقد بدأ النور يمحو ظلمة الليل .. فاقتربت من السور لتستعد للحظة التي تنتظرها كل صباح ..

لحظة الشروق ..

شروق الشمس على الدنيا .

فنظرت ناحية الشرق تستقبل شروق يوم جديد..




كان بطيئا .. خجولا .. يخرج من خلف الحقول الخضراء الواسعة الممتدة على مرمى البصر والتي تقع خلف بيتهم ..

لا تدري متى اكتسبت هذه العادة .. عادة انتظار شروق الشمس كل صباح ..لكنها بالتأكيد بدأتها بعد عودتها من العاصمة ..

راقبت الشمس وهي تظهر لتنير الظلمة ..فسرت القشعريرة في جسدها وكأنها لم ترى هذا المشهد مئات المرات من قبل ..

ولا تدري لمَ باتت تحرص على هذه العادة..

ولمَ أضحت تتأثر كلما رأته وتسيطر عليها رغبة في البكاء .



رشفت القليل من النسكافيه تبلع الدموع العالقة في حلقها مستمتعة بطعم القهوة ..



إنها عادة أخرى اكتسبتها بعد ذهابها للعاصمة ..إدمان القهوة على الطريقة الأوروبية بكل أنواعها .. هذا لا يعني بأنها وحدها من تشرب النسكافيه في بلدتها الريفية الصغيرة .. لكنها لم تقع في عشقها إلا في الفترة التي ذهبت فيها للعاصمة ..



تنهدت بقوة واستمرت في متابعة لحظات شروق الشمس.. وسيرة العاصمة تجلب عليها الكثير من الذكريات ..

أو ربما الخيبات ! ..



تلك الرحلة التي استمرت لأربع سنوات في تجربة زواج فاشلة عادت بعدها وقد اتخذت قرارها بالانفصال رغم أنف الجميع ..



وها هي بعد مرور ثلاث سنوات على انفصالها لم تعد بسمة القديمة ..

لم تعد تلك الساذجة الحالمة القديمة ..بل أضحت بسمة أخرى بسمة جديدة ..




سحبت نفسا عميقا من الهواء النقي المشبع بقطرات الندى .. واسرعت بفتح هاتفها وكتبت رسالة على الواتساب ( زارني نفس الحلم الغريب مجددا)

ثم ضغطت على زر إرسال

××××



"الرحمة يا الله .. ارحمني من هذا البارد السمج"

قالها أدهم وهو يتطلع في أخيه الأصغر منه بعام بينما تجاهله الأخير وظل يمشط شعره أمام المرآه بكل هدوء وتأني وهو يدندن إحدى الأغنيات المتداولة مؤخرا.. فدخلت مَلِيكَة الغرفة بسرعة تقول " لمَ تصرخ يا أدهم ؟"

رد أدهم من بين أسنانه وهو يستدير ليترك الغرفة "هذا المستفز سيجلطني اقسم بربي"

نظرت مَلِيكَة لإياد الذي لا يزال يصفف شعره بعناية بالغة وتجاهل تام لأخيه فقالت ببعض الحزم "إياد السائق أمام الدار منذ ربع ساعة وستتأخرون على المدرسة"

عدل إياد من ياقة قميص المدرسة ..وناظر نفسه بنظرة إعجاب في المرآة فصاحت مليكة بتوبيخ " إياد أنا أتحدث معك !!"

استدار إليها نصف استدارة يقول بهدوء" حاضر ..حاضر ألا يستطيع الانسان الاهتمام بمظهره قليلا !"

عقدت ذراعيها أمام صدرها تناظره بحاجب مرفوع فأسرع إلى حقيبة المدرسة يعلقها خلف ظهره وهو يقول مناغشا " لا تغضب يا موكّا يا جميل .. ها قد انتهيت "

لم تستطع مقاومة سحره ولا ابتسامته المليحة فابتسمت له تناظره بحنان وهو يقترب منها في طريقه لمغادرة الغرفة .. لكنه توقف فجأة وقد تذكر شيئا فقال وهو يعود بسرعة للمرآه " العطر .. نسيت أن أضع عطر "

ابتسمت ملكية وهي تراه يخطف زجاجة العطر ويرش منها بسرعة مغمغما " ثانية .. لن نحتاج سوى ثانية .. أرأيت يا موكّا كم أنا سريع "

انفجرت مليكة ضاحكة تضرب كفا بكف من هذا العفريت الصغير ثم قالت" هيا بسرعة الحق بأخيك وسأضع العباءة عليّ وألحق بكما"





بعد دقائق كانت مليكة تنزل من السلم الرخامي وقد وضعت فوق منامتها الأنيقة عباءة سوداء وغطت شعرها البني بالحجاب فسمعت حماتها تصيح في بهو الدار باستهجان "من قال بأنكما ستذهبان إلى المدرسة اليوم !!.. (ورفعت انظارها نحو مليكة فوق السلم تقول) أنت يا ست مليكة ..ألا يوجد لديك أي تمييز ؟!!.. أهذا يوم تصلح فيه الدراسة والمدارس؟!!"

قبل أن ترد اندفع أدهم يقول" لدينا quiz هام جدا اليوم يا جدتي "

طالعت الحاجة نحمده حفيدها بغباء وغمغمت بعدم فهم "ها ؟!!"

فأسرعت مليكة تقول" لديه اختبار شهري يا حاجة نحمدو"

ردت نحمده بامتعاض "فليذهب الاختبار للجحيم اليوم (يوم فرش* ) عمتهما"



رد أدهم ذو الثانية عشر من العمر يقول بإصرار " وأنا لن أغيب عن الاختبار الشهري لأي سبب"

ناظرته الحاجة نحمده بغضب وهي تقف في وسط البهو تستند بقبضتيها علي جانبيها فأسرعت مليكة تقول بدبلوماسية" لا تقلقي يا حاجة اليوم الخميس وقد قدمت لهم على إذن خروج مبكر بعد الاختبار مباشرة حتى منة ومَيّس قدمت لهما إذن أيضا لارتباطهما بالعودة مع أدهم وإياد ( ثم ربتت على كتف الولدين تحثهما على المغادرة وهي تقول ) هيا السائق في الانتظار "



اسرع أدهم بالخروج من باب دار عبد الرحيم الزيني عمدة القرية يقطع الساحة عدوا نحو البوابة الحديدية العملاقة بينما قال إياد لجدته بإغاظة "ابسطي وجهك يا نحمدو لازلنا في أول النهار cheer up baby"



امتقع وجه الحاجة نحمده بينما شهقت مليكة وأسرعت بارتباك تدفعه للخروج وهي تلملم طرفي عباءتها في يديها في الوقت الذي أتت ضحكات مكتومة من خلف الحاجة فاستدارت للنسوة المتابعات من إحدى الغرف القريبة وصاحت فيهن "علامَ تضحكن؟!.. هيا انتهوا مما تفعلن فلدينا يوم طويل"



في الخارج خرجت من دار فاضل الزيني المجاورة لدار العمدة فتاة صغيرة تحمل حقيبة مدرسية بعد أن ودعت أمها على البوابة فألقت مليكة الصباح على الواقفة خلف تلك البوابة قائلة " صباح الخير يا صفاء ( ثم حولت انظارها لتلك الصغيرة التي ترتدي مريلة المدرسة زميلة إياد وفي نفس صفه وقالت ترمقها بابتسامة حانية ) انتبهي ولا تهرولين بهذا الشكل حتى لا تنكفئين على وجهك"

قالت منة الله حين اقتربت منها "صباح الخير خالتي مليكة"

غامت عينا مليكة وطبعت قبلة حانية على رأسها .. فجز أدهم الجالس بجوار السائق على أسنانه وقال" تأخرنا .. سنصل في الحصة الثانية بهذا الشكل"

اسرعت مليكة بمساعدة منة على ركوب السيارة في المقعد الخلفي بجوار إياد الذي استقبلها بابتسامة عريضة ثم قالت للسائق العجوز مشددة "اغلق الأبواب بالأقفال يا عم طه أرجوك وخاصة بعد أن تركب مَيّس"

أومأ الرجل برأسه مطمئنا وأسرع بالتحرك لتقف مليكة تلملم في حجابها حول وجهها وهي تتطلع للسيارة التي تبتعد ثم نظرت في هاتفها لترى إن كان زوجها قد اتصل لكنها لم تجد سوى رسالة من بسمة أرسلتها لها قبل قليل .. فاستدارت تدخل وتغلق خلفها البوابة .



حين عادت للدار أسرعت بالركض على السلم لتبدل ملابسها قبل وصول زوجها القادم من العاصمة اليوم لكن صوت الحاجة نحمده جمدها وهي تقول بلهجة ساخرة "إلى أين إن شاء الله !"



استدارت مليكة تناظرها بعينين جليديتين وردت بهدوء "سأصعد لأبدل ملابسي وسأنزل بعد قليل"

اشاحت نحمده بيدها في الهواء تقول" لا يوجد لدينا وقت لتبديل الملابس يا بنت الأكابر ( ونظرت إلى عباءتها التي تدرك جيدا بأنها غالية الثمن وأضافت بلهجة متهكمة ) نعتذر والله فلدينا أعمال حتى رأسنا وليس لدينا وقت لدلال الهانم"

حافظت مليكة على وجهها الخشبي وردت ببرود وهي تعود بهدوء إلى بهو البيت "أنا لست مدللة يا حاجة نحمدو ولم أقل بأني سأترككم في يوم كهذا دون مساعدة "

لوت نحمده عنقها وغمغمت متهكمة في نفس وقفتها تسند قبضتيها إلى جانبيها " كتر خيرك والله !.. حسبت بأنك ستطلبين من باباه سليل البشوات أن يرسل لك خدم السرايا ليقوموا بالأعمال بدلا منك"



كظمت مليكة غيظها وتحركت متجاوزة حماتها نحو الغرفة الداخلية وهي تقول بكبرياء" لا داعي لذكر سيرة والدي يا حاجة من فضلك"

عوجت نحمده فمها يمينا ويسارا تتطلع فيها حتى اختفت في الغرفة ليأتيها صوت ابنتها مهجة التي نزلت من الطابق الأعلى تقول "ألن تكفي عن معاملتها بهذا الشكل يا أمي؟!"

التفتت إليها نحمده تقول " أهلا بالعروس ..الناس تلقي بتحية الصباح أولا"

"صباح الخير"



قالتها فايزة ابنتها الكبرى وهي تدخل من باب البيت فردتا الصباح بوجوم ..

تطلعت فايزة فيهما وقالت "ماذا يحدث؟"

قالت مهجة لوالدتها بصوت مخنوق" أنت لن تكفي حتى يعلم مفرح بالطريقة التي تعاملينها بها يا أمي وتعرفين بالضبط ما الذي سيفعله .. ويا ويلي لو علم أهلها ستقوم الدنيا بين العائلتين من جديد"

قالت نحمده ترسم البراءة على وجهها "وهل فعلت أنا شيئا غريبا؟!.. هل أطلب منها شيئا مختلفا عما تفعله زوجة الابن.. أليست كنة هذا البيت؟!"

وقفت مهجة بقامتها القصيرة وجسدها الضئيل بين أمها وأختها اللتان تفوقانها طولا وهتفت بحنق هامس "تعرفين يا أمي بأنها ليست كأي كنة وإنما ابنة الصوالحة.. كما أننا لسنا أي بيت يا أمي ..هذا بيت العمدة وما أكثر النسوة المساعدات فيه"

عدلت فايزة من نظارتها الطبية وتدخلت تقول ببرود "وهل اشتكت لك ؟.. إنها تعلم جيدا بأنها لابد أن ترضخ ولا تثير المشاكل .. أي امرأة ذكية في ظروفها تعلم ذلك"

هتفت مهجة باستهجان فعلا صوتها " ظروفها !!.. أية ظروف التي تتحدثين عنها؟!!!... لا أصدق يا فايزة أن موظفة كبيرة مثلك في ديوان المحافظة لازالت تتشدق بمثل هذه الأفكار الغريبة !"

ادارت نحمده وجهها نحو الغرفة الداخلية التي يتجمع فيها بعض النسوة المساعدات وهدرت بتوبيخ "مهجة لا تتدخلي في هذه الأمور واذهبي وتأكدي من أنك قد أخرجت كل شيء تريدين نقله لشقة زوجك"



حركت مهجة عينيها بين أمها وأختها شاعرة بالضيق .. فربتت فايزة على كتفها تقول ببعض الدبلوماسية "عروستنا الحلوة لا تتكدري بهذا الشكل ولا تنفعلي من أجل غيرك فكل شخص له ظروفه .. ركزي فقط في أننا بعد قليل سننقل جهازك لبيتك الجديد وأن مساء اليوم ليلة حنتك وغدا زفافك "

زمت مهجة شفتيها ثم استدارت صاعدة بعصبية وصوت الحاجة نحمده يتبعها قائلة" انزلي كل ما تريدين نقله للشقة بسرعة يا مهجة فالسيارات ستأتي بعد قليل(ثم غمغمت ) عَجّل الله في وصولك يا مِفْرِح يا ولدي"



في الغرفة الداخلية كانت النسوة العاملات يقمن بعجن الخبز الفلاحي وتسويته أمام فرن الغاز استعدادا لضيافة عدد كبير من الضيوف المهنئين بزواج أصغر بنات عمدة القرية سواء كانوا ضيوفا من أهل البلدة أو من خارجها سيحلون لعدة أيام ضيوفا عليهم.

فباشرت مليكة الاشراف على سير العمل وتوجيه المساعدات ثم تحركت تلملم قطع الخبز التي خرجت من الفرن وبردت لترصها فوق بعضها وتفسح المكان لدفعة جديدة ساخنة فأسرعت تماضر احدى المساعدات تقول" دعيني أنا أرصها يا ست البنات "



توقفت الاخيرة عما تفعل فحدجت تماضر باب الغرفة بغيظ مكتوم حيث تقف الحاجة نحمده خارجها تثرثر مع بكريتها فايزة الزيني بينما تبادل باقي النسوة المساعدات النظرات فيما بينهم ما بين متشف ومستهجن لمعاملة نحمده الوديدي لابنة الصوالحة .. لتميل تماضر على مليكة قائلة بهمس " والله انت تتساهلين معهم يا ست البنات وما يحدث هذا وما تسكتين عنه لا يليق بمقامك أبدا"

احتفظت مليكة بملامحها الهادئة وردت بحزم "اسكتي يا تماضر وانتبهي لعملك"

أخذت منها تماضر أرغفة الخبز تقول بتعاطف" دعيني احملها عنك يا ست مليكة والله لو يعرف الصوالحة أن ابنتهم تعامل هكذا في بيت العمدة وقد أرسلوني لخدمتك لأقاموا الدنيا ولعادت الحروب القديمة بين العائلتين من جديد"

نهرتها مليكة في حزم" تماضر .. ركزي فيما تفعلين "

قالتها ثم توجهت نحو أحد أركان الغرفة تباشر عمل باقي النسوة لتحضير إفطار الضيوف الذين أتوا من العاصمة مساء أمس ووقفت بينهما تخفي كالعادة تحت هدوئها الظاهري ..

نظرة انكسار ..

وغصة شديدة المرار .

××××

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
*يوم الفرش : هو يوم نقل حاجيات العروس من أجهزة ومفروشات وغيرها إلى بيت العريس ويتم في الريف باحتفال خاص *









يتبع







Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 03-01-20, 11:03 PM   #156

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 2

حين نزلت بسمة من غرفتها كان البيت في حالة استنفار لاستقبال حاجيات العروس .. فامتلأ بالنسوة المساعدات والمتطوعات للمجاملة في مثل هذه المناسبات لإعداد الغداء لأهل العروس القادمين كما هي العادات ..
وعلى الرغم من فرحتها لزواج أخيها الأصغر والوحيد ولاستقبال فردا جديدا في أسرتها الصغيرة وهي مهجة ابنة عمتها نحمده وابنة عمدة القرية ..



وعلى الرغم من سعادتها بذلك الضجيج الذي يشغل فراغ ذلك البيت الذي ازدادت كآبته منذ طلاقها من ثلاث سنوات ..
إلا أن شعور بالضيق قد تملك منها بل وطغى على فرحتها لاضطرارها لتحمل نظرات النسوة وهمزهن ولمزهن عليها منذ أن أصبحت مطلقة .. وهو السبب الذي جعلها تتجنب الاحتكاك بأهل البلدة وأقصرت تعاملاتها فقط على بعض المعارف وعدد من الفلاحين الذي باتوا مؤخرا يلجئون إليها في بعض الاستشارات التي تخص المحاصيل في حقولهم .. لكن اليوم ستضطر لمواجهة الجميع فهي أخت العريس .


استقبلتها والدتها بدهشة وقالت وهي تراها تهم بمغادرة البيت "إلى أين يا بسمة في هذا الوقت المبكر؟!!"
ردت بسمة وعيناها تدققان فيما يفعل النسوة في إحدى الغرف من ترتيبات "سأذهب لمزرعة العمدة يا أمي فهناك بعض الأمور عليّ أن اتفقدها بنفسي"
هتفت والدتها باعتراض وهي تنتحي بها جانبا بعيدا عن الغرفة التي تضج بالنسوة "ألا يمكن أن يؤجل هذا الأمر يا بسمة؟ .. اننا نحضر لاستقبال فرش العروس وسيكون ذهابك الآن غير لائق أمام الحاضرات"
ردت بسمة بهدوء وإصرار "الجميع يعلم بأني بت أتابع مزرعة العمدة يا أمي ولا أعرف متى سيأتي مِفْرح ابن عمتي اليوم من العاصمة .. وهناك أمرا هاما في الصُوبات الزراعية يحتاج لمتابعة وإلا لتضرر المحصول "
نكست أم بسمة رأسها تقول بضيق واستسلام "كما تريدين يا بسمة "


اشفقت عليها الأخيرة بشدة .. إنها تعاند الكل وتتمرد على الجميع ولم يعد يهمها والدها أو أخيها وليد .. لكن أمها هي نقطة ضعفها .. وتعلم كم هي حزينة بسبب طلاقها .. لكنها لا تستطيع أن تسعدها .. فببساطة لم تعد أحلامها تتوافق مع أمنيات والدتها .. كما لم تعد نسخة من والدتها كما كانت من قبل خلعت نفسها من عباءة أمها قبل ثلاث سنوات ..
اقتربت تقبل رأسها وتقول ببعض اللين متخلية عن وجهها جامد الملامح التي باتت تختبئ خلفه "سأعود بسرعة يا أمي أعدك "



عند باب الدار .. دار سليمان الوديدي قابلها المزيد من النسوة يلقون عليها السلام فردت بتحفظ قبل أن تضع نفسها في عربة التوكتوك الصغيرة التي تنتظرها وتقول لسائقها "صباح الخير يا حمادة "
رد الفتى المراهق ببشاشة " صباح الأنوار.. إلى مزرعة العمدة يا ست الكل ؟"



ردت بسمة بالإيجاب فتحرك التوكتوك ليمر ببطء بجوار سيارة الدكتور مهاب الراكنة للتو بالقرب من بوابة مزرعة الوديدي للمواشي التي تجاور دار الوديدي .. والذي وقف بجوارها مهاب يتطلع في بسمة بنظرة خاصة ملقيا عليها تحية الصباح .. فردتها بحرج قبل أن تسرع بها عجلات التوكتوك مبتعدة .


قابلها في الطريق المزيد من النسوة التي تعلم انهن متجهات إما لبيت الوديدي بيت والدها ووالد العريس أو بيت العمدة عبد الرحيم الزيني زوج عمتها ووالد العروس .. فأشاحت بنظرها بعيدا عن الجميع .. فالكل هنا يعرف بعضه تمام المعرفة .
كم تكره نظرات الشفقة أو التشفي أو الفضول في عيون الناس! ..
وكم تحاصرها أسئلتهم الصامتة الجارحة التي تلوح فوق شفاههم ! ..
وكم يؤلمها أن تكون محطا للأنظار أكثر من ذي قبل .. ليس لجمالها الملفت فقط وانما رغبة في مراقبتها في كل خطوة ولمحة ونفس باعتبارها مطلقة ..
وياله من شعور مهين أن توضع تحت المجهر ويفترض فيها الناس السوء لكونها قد أصبحت مطلقة ظانين بأنها قد تخطئ مادام الشمع الأحمر لبكارتها قد أُزيل ..



والأكثر إهانة وإيلاما أن تتحفظ بعض النسوة في التعامل معها وكأنها ستخطف منهن أزواجهن خاصة أنها بشهادة الجميع من أجمل نساء القرية إن لم تكن أجملهن .. فلن تنسى أبدا مقابلة بعض من قريباتها لها بتحفظ بعد طلاقها مباشرة حينما ذهبت للمباركة على إنجاب إحداهن .. تلك الحادثة بالذات كانت أشد إيلاما على نفسها من أي شيء آخر ..لتخرج من تلك الزيارة مقررة الاعتكاف وتحجيم علاقتها بالجميع وقد أدركت بأن جمالها قد تحول لنقمة عليها بعد أن كان مصدرا لفخرها وعزتها .


نفضت عنها تلك الأفكار التي تحاصرها وتضيق عليها أينما ذهبت وتطلعت في الحقول الممتدة على طول الطريق يمينها تلتمس من خضار لونها بعضا من الحياة لما تداريه في داخلها من رماد ..
××××




"هيا يا كاميليا الأولاد قد تأخروا عن المدرسة"
قالها جابر وهو يقف أمام بيته يتطلع في إحدى سيارات بيت العمدة التي تقل أولاد بيت الزيني وابنته لمدرسة اللغات التي تقع في مركز المحافظة .. وحين لمح تأفف وعصبية أدهم حفيد العمدة أسرع إلى داخل البيت ليستعجل زوجته التي كانت تقف في الصالة تمشط شعر ابنتها بعصبية .. فقال باستنكار "مادام اليوم سيغادرون المدرسة مبكرا ليلحق أحفاد الزيني بفرش بنت العمدة .. فلمَ لا تغيب مَيّسَة عن المدرسة اليوم؟!!.. ما أهمية ذهابها ما دمنا قد استيقظنا متأخرين !"
ردت كاميليا بعصبية "عندها امتحان شهري"
قال جابر ببساطة " لا توجد مشكلة يا كاميليا .. انها لا تزال في الصف الأول الابتدائي وليست في الثانوية! "
انتهت كاميليا من تصفيف شعر ابنتها لتقول بعصبية وهي تساعدها على ارتداء حقيبة المدرسة فوق ظهرها " دعها تذهب للمدرسة يا جابر حتى استريح قليلا من الزن والطلبات .. ألا يحق لي الانفراد بنفسي لبضع ساعات !!"
تطلع جابر في طفلته ثم قال باستسلام" تعالي يا حبيبة أبيك لأوصلك للخارج "


بعد دقائق دخل جابر غرفة نومه يقول لزوجته "حاولي ان تقللي من انتقادك لمَيّسَة يا كاميليا فهي لاتزال طفلة وما تقولينه أمامها قد يشعرها بالإحباط"
ردت كاميليا بقلة صبر" أنت لست متواجد معنا طوال اليوم لتعرف كيف تزعجني طوال الوقت لذا لا تتحدث .. يكفي تلك الواجبات التي ترهقني معها .. ( واستدركت تقول ) بالمناسبة عليك بإحضار معلمة لتدرِّس لها في البيت فمنذ أن بدأت الصف الأول الابتدائي وانا لا أفهم شيئا من المناهج فغالبيتها بالإنجليزية "
قال جابر بلهجة ساخرة" ألم يكن ذلك سبب رفضي لإلحاقها بمدرسة لغات من الأساس .. أننا لن نستطيع مساعدتها في دراستها .. لا زلت لا أفهم لمَ ادفع كل هذه المصروفات للمدرسة وفي النهاية اضطر لإعطائها دروسا خصوصية ؟!!!!"
قالت كاميليا بعصبية " هل سنعود لهذه السيرة يا جابر .. قلت لك ابنتنا لا يجب ان تقل أبدا عن مستوى أكبر العائلات في البلد وكل من في عمرها من عائلات البلد الكبار اصبحوا يلحقون أولادهم بمدارس لغات وابنتي ليست أقل منهم "


صحح لها جابر قائلا" اولئك كبار عائلات البلد ما شأننا نحن بهم !"
ناظرته بحدة ثم ردت بغرور" ماذا تعني بهذا الكلام أنا بنت حسيب العسال "
كادت ضحكة ساخرة أن تفلت منه لكنه سيطر عليها ثم وضع يديه في جيبي بنطاله الرياضي ورد بلهجة متهكمة مبطنة "عائلة العسال لم تكن سوى عائلة فقيرة حتى هبطت فجأة تلك الثروة الغامضة على والدك الحاج حسيب العسال رحمه الله يا كاميليا .. "
هتفت كاميليا " ماذا تقصد بكلامك يا جابر!!.."
مط جابر شفتيه وقال متنهدا " لا أقصد شيء دعينا لا نتشاجر .. سأحاول إيجاد معلمة لتدريس مَيّسَة حاضر"
عقدت كاميليا ذراعيها أمام صدرها وقالت مصححة وهي تناظره بتحدي" اسمها مَيّس يا جابر .. مَيّس وليست مَيّسَة .. ألن تكف عن مناداتها بهذا الاسم؟!"
قال جابر ببرود " تعرفين بأني لا استسيغ اسم مَيّس هذا ولا افهمه ومع هذا لبيّت رغبتك وسميتها بهذا الاسم لكن لن تجبريني على مناداتها به ولن نعود للشجار حول هذه النقطة مجددا يا كاميليا"
استدارت توليه ظهرها وغمغمت وهي تخلع مئزرها الحريري وتلقي به بعشوائية على السرير "انت من تحاول البحث عن أسباب للشجار يا جابر بالحديث في موضوعات سبق وأن تحدثنا فيها مرارا"



تطلع جابر في قدها مبهر التقاسيم .. ببشرتها البيضاء وتفاصيلها الأنثوية شديدة الإغراء .. ولشعرها الذي سحبت منه مشبك الشعر فانسدل على كتفيها ناعما اشقرا كما تصبغه دوما .. فبلع ريقه ثم اقترب يحضنها من الخلف قبل أن تهم بالاستلقاء على السرير قائلا بحشرجة " إلى أين؟"
قالت كاميليا بحنق " سأنام ..أريد أن أنام ..ألا يكفي بأني أستيقظ مبكرا جدا "
مرر جابر يده على ذراعها الطري الناعم وقال بإغواء " ليلة أمس كنتِ مشغولة مع الفيلم حين وصلت في ساعة متأخرة .. كما كنت أنا متعبا جدا بعد يوم طويل .. ما رأيك أن نستغل عدم وجود ميسة و ...."
صاحت كاميليا باندفاع " جابر !!.. أقول لك أريد أن أنام تقول لي نستغل عدم وجود ميسة !!.. ألا تفكر إلا في تلك الأمور !!.."
تجمدت يد جابر على قدها بينما أكملت كاميليا بلهجة أهدأ " كما أننا لسنا وحدنا والدتك تشاركنا البيت"
تحرك جابر للخلف وقد اظلمت ملامحه مرددا عبارتها باستهجان" لا أفكر إلا في تلك الأمور !!.. "


تركها وتحرك مبتعدا نحو خزانة الملابس يفتحها قائلا باقتضاب " لا تنزعجي .. لن أفكر في هذه الأمور يا ست كاميليا"
جلست كاميليا على السرير شاعرة بالندم أن اندفعت بهذا الشكل فقالت ببعض الدلال الذي تعرف بأنه يؤثر فيه "تعرف بأني أصبح عكرة المزاج حين استيقظ مبكرا يا جابر"
لم يرد .. وإنما استمر في تبديل ملابسه بملامح جامدة متجنبا النظر نحوها .. فشعرت كاميليا بأنه قد غضب بالفعل فاستقامت تقترب منه .. ثم وضعت كفها على صدره العاري تدلكه وهي تقول بدلال "هل احضر لك الإفطار "
ابعد جابر يدها واكمل ارتداء ملابسه وهو يقول متجها نحو باب الغرفة "ستعده أمي ككل يوم .. أكملي نومك حتى يتعدل مزاجك"
حين صفع الباب خلفه زفرت كاميليا بغيظ ثم حركت كتفيها بلا مبالاة واتجهت ناحية السرير تلقي بنفسها فوقه لتعود للنوم من جديد مغمغمة " سأصالحه حين استيقظ"
××××




غريبة هي الحياة ! ..
أو ربما البشر هم الغريبون ! ..
لقد باتت تحب الزرع بعد أن كان لا شيء بالنسبة لها ..هكذا فكرت بسمة وهي تتطلع في الحقول الممتدة على جانبي الطريق ..
فرغم كونها ابنة الريف لكنها لم تنظر يوما للحقول حولها باهتمام أبدا .. حتى حين التحقت بكلية الزراعة منذ ما يقرب من ثلاثة عشر سنة أمضت سنواتها الأربع فيها دون أي اهتمام إلا بأن تنتهي من الدراسة لتحصل على شهادة جامعية تتفاخر بها في وقت كانت الجامعيات في البلدة اعدادهن قليلة بعكس الآن ..


لكنها حين عادت محطمة من رحلتها إلى العاصمة قررت أن تكون بسمة جديدة..
أو ربما أجبرتها الظروف على ذلك .. فكان أول ما فكرت فيه أن تكتشف حقيقة شخصيتها .. حقيقة بسمة .. نقاط قوتها وضعفها .. أن تعي ماذا تريد بصدق .. وأن تتسلح بالأسلحة التي ستجعلها أقوى وأصلب في مواجهة الحياة وحدها ..
أجل وحدها ..
لا أب ولا أخ ولا زوج ..
فاقتنصت الفرصة التي قدمها لها مِفْرح الزيني ابن عمتها حين أسند لها مهمة الاشراف على مزرعة العمدة وبالتحديد الصوبات الزراعية التي يقيمها هناك بما أنها خريجة كلية الزراعة مثله .. واضطرت ساعتها لأن تعود لكتبها الدراسية وتعيد مراجعة واستذكار ما درسته من قبل .. وهذا شجعها لأن تعود للدراسة من جديد متخذة مفرح مثلا أعلى لها .. فهو حاصل على شهادة الماجستير في الزراعة ويحضر نفسه حاليا للحصول على شهادة الدكتوراه .. فبدأت هي الأخرى رحلة الدراسات العليا منذ عامين .. وحصلت على دبلومة في الزراعة .. وها هي قد بدأت رحلتها في الحصول على الماجستير..
وهي قفزة عملاقة .. لم تتخيل يوما أن تفكر فيها ..



لكن من قال بأننا لا نتغير ..
وأن الظروف لا تجبرنا أحيانا على تغيير أولولياتنا بل ونظرتنا للأمور.
لا تنكر بأن الشهادات قد أعطتها بعضا من الشعور بالقوة .. وجعلتها تثبت لنفسها وللجميع أنها ليست مجرد دمية جميلة فارغة العقل .. لذلك تحملت من أجلها اعتراضات من أهلها ونظرات مستهجنة ممن حولها.. ليس اعتراضا على التعليم أو على عمل المرأة فهي ليست أول ولا آخر امرأة في البلدة تحصل على شهادة عليا أو تخرج للعمل..
لكن لكونها مطلقة ..
ذلك اللقب اللعين الذي يحاصرها ..
يضيق عليها الخناق ..
يسلبها ابسط حقوقها لأن تعيش كإنسانة عادية ..
فباتت كل خطواتها محسوبة ..
مراقبة ..
لهذا قررت أن تنتحي بنفسها جانبا .. ولا تحتك كثيرا بالناس .. تركز على دراستها ومباشرتها لمزرعة العمدة حين يكون مفرح في العاصمة .. وفي سبيل تحقيق ذلك خاضت حروبا كثيرة مع أسرتها فهم لا يفضلون خروجها من المنزل من الاساس منعا للقيل والقال بالطبع لأنها مطلقة ويضغطون عليها بكل الوسائل لتتزوج من جديد وكأن بقائها في بيتها بهذا الشكل هو بمثابة شوكة في خاصرتهم .


"وصلنا يا ست الكل"
أفاقت من شرودها حين نبهها سائق التوكتوك .. فترجلت منه ليسألها " هل تريدين مني انتظارك يا باشمهندسة؟"
غمغمت وهي تهز رأسها بالرفض " لا .. اذهب أنت وإذا احتجت لك سأتصل بك يا حمادة "
فرفع حمادة يده إلى رأسه يؤدي لها تحية عسكرية قبل أن يسرع بالمغادرة .



(الباشمهندسة بسمة )


لقبها الجديد بين الفلاحين بالتحديد ..
ذلك اللقب الذي لم تعتقد يوما بأنه سيجعلها فخورة بنفسها كما تشعر الآن .. فكل ما كانت تطمح إليه في الماضي أن تصبح زوجة فلان .. أن يأتي ذلك الأمير الوسيم على حصانه الأبيض فيقع في غرامها ويتزوجها .. وهذا ما ظنت بأنها قد حصلت عليه حين تزوجت .. لكنها على مدى أربع سنوات قضتها وحدها في العاصمة اكتشفت أن هذا اللقب قد يفقد بريقه لسبب ما وقد يكون مصدرا للمعاناة أحيانا ..



لكن لقبها الجديد هذا ( الباشمهندسة ) حين حصلت عليه صدفة منذ ما يقرب من عام كان لسعادتها طعما خاصا ..
وكان ذلك حين تضرر أحد المحاصيل في البلدة بإحدى الآفات الزراعية فاستنجد الفلاحون بمفرح الزيني فهو مهندس القرية الزراعي لكنه كان في العاصمة يبرم إحدى الصفقات الهامة مع أحد المستوردين الأجانب للمنتجات الزراعية .. فطلب منهم اللجوء لبسمة الوديدي وتابعها أولا بأول على الهاتف حتى حددا المشكلة والحل .. ومن وقتها اصبحت (الباشمهندسة) وهو اللقب الذي يطلق على المهندس الزراعي في القرية..
وكم هي سعادتها وفخرها بهذا اللقب الآن .



قبل أن تدخل من بوابة مزرعة العمدة استدارت تنظر للجهة المقابلة وبالتحديد لذلك البيت ذي الثلاث طوابق وبجواره مبنى من طابق واحد كان يستخدم كمخزن وحولهما باحة كبيرة محاطة بسور ومغلقة ببوابة كبيرة … بيت جدها صالح رحمه الله.. ذلك البيت الذي ودعت في ساحته منذ ثلاث سنوات طليقها سيد صبرة وودعت فيها بسمة القديمة .. والذي سيصبح مكانا لمشروعها القادم بإذن الله .


عند تلك الخاطرة (مشروعها الخاص ) دب فيها الحماس واستدارت تدخل مزرعة العمدة وهي تفكر فيما توشك على تنفيذه قريبا ..
قريبا جدا ..
بعد حفل زفاف اخيها مباشرة .
××××


يتبع





Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 03-01-20, 11:04 PM   #157

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 3

أهلا بكم في قرية (×××××)


طالع مِفْرِح اليافطة الصغيرة وقرأ العبارة دون جهد رغم المسافة البعيدة نسبيا .. فإن لم يكن يدرك تفاصيلها ببصره فهو يحفظها عن ظهر قلب ..
وكيف لا يحفظ المكتوب فيها وهو يتردد عليها جيئة وذهابا باستمرار لأكثر من نصف حياته من وإلى العاصمة !..
وكيف لا يدرك ما هو هذا المكان وهو منبت جذوره ونشأته .. وحيث يسكن أهله وأحبابه!..
ورغم ذلك..
لا يستطيع أن يتحكم في حالة الاختناق التي تصيبه كلما عاد إليه !..
و لا ينكر اشتياقه إلى تلك البقعة من الأرض التي هو ينتمي إليها رغم كونه لم يتركها إلا بضعة أيام.



هكذا هو حاله مع قريته ..
مسقط رأسه وحيث تكون عائلته وزوجته وأولاده .. حين يدخلها يشعر بالثقل والاختناق ربما من تلك المسئوليات الملقاة على عاتقه .. وفي الوقت ذاته لا يحب مكانا على الأرض أكثر منها حتى العاصمة نفسها بكل أضوائها وإبهارها.
سحب نفسا عميقا وعيناه لا تزالا متعلقتان بمدخل قريته الذي يقترب أمامه عبر زجاج سيارته ويقترب أيضا من مفترق الطرق الذي ينتهي عنده الطريق الأسفلتي الممهد ويتفرع بعدها لعدة طرق فرعية مؤدية إلى قرية من القرى الواقعة على خريطة المحافظة التي ينتمي إليها .. ليلمح من ناحية اليمين تلك السيارة الآتية من الجهة المقابلة وبالتحديد من الطريق القادم من قرية مجاورة .. فانقبض صدره.. وزفر دخان أسود وقد تعرف على صاحبها ..
صاحب السيارة .. الذي كان يوما من الأيام صاحبه .



في نفس اللحظة علا صوت انذار صاخب لينبه المارة لاقتراب قطار فتوقف مجبرا بمجرد أن أغلق عامل التحويلة الطريق أمام المارة والسيارات .. لكنه رغم رغبته الشديدة في الاشاحة بوجهه عن تلك السيارة التي تركت الطريق الجانبي أمامه واعتدلت لتواجهه على الناحية الأخرى من شريط القطار تنتظر فتح الطريق .. ظل مثبتا نظراته للأمام رغم عدم توجيهها نحو سائق السيارة الأخرى الذي هو أكيد بأنه قد لمحه وتعرف على هويته ..



دقائق ..
فقط دقائق قليلة.. كان الشارع فيها في حالة جمود إلا من حركة ذلك القطار الذي اقترب شيئا فشيئا ليفصل بين الضفتين مخترقا ذلك الحجاب الغير مرئي الذي يضعه مفرح على ذكريات موجعة .. ليعود إليه كل شيء رغم مرور خمسة عشر سنة .. لكن الوجع هو نفسه .. ومشاعر الخذلان هي نفسها .



رحل القطار هو وصخبه.. وترك صخب الذكريات التي نُكأت خلفه .. ليفتح العامل الطريق فيتحرك المارة وتتحرك السيارتان فتقتربا من بعضهما .. ويلتقيا لثوان على شريط القطار .. لقاء خاطف .. قبل أن يفترقا كل منهما إلى وجهته فشعر مفرح وكأن السيارة الأخرى قد مرت من فوق صدره..



ربما لا تتكرر صدفة التقائهما كثيرا لأن كل طرف يتجنب بشدة الالتقاء بالأخر .. بالإضافة إلى امتناع كل منهما عن التواجد في قرية الأخر رغم تجاور القريتين .. فطبيعة المنطقة الجغرافية في محافظته تقسم المنطقة لعدة قرى صغيرة متجاورة حول مركز المحافظة والذي لا يبعد عن كل قرية بمسافة كبيرة لكنه تقسيم جغرافي منذ قديم الأزل فرضته الأحداث التاريخية وطبيعة العائلات الموجودة في كل قرية .



دخل مفرح إلى قريته يحاول التغلب على تلك المشاعر التي قلّبت عليه ذكريات بغيضة في هذا الوقت الباكر من الصباح فبلع غصة مرة في حلقه .. واستدار إلى المقعد المجاور يبحث عن هاتفه وسط ملفات كثيرة تخص عمله وصفقاته وابحاثه الخاصة برسالة الدكتوراه .. ليلمح تلك السيارة الآتية على الطريق الترابي فاتسعت ابتسامته وأبطأ من حركة سيارته حتى توقفتا متقابلتين ليسرع بالترجل من سيارته الثمينة ويقترب من الأخرى في الوقت الذي أسرع إياد يخرج بجذعه من نافذة السيارة حتى كاد أن يجلس عليها صائحا بفرح "أبيييييي"
نهره مِفْرح بحزم قبل أن يقترب منه ويمسك وجهه بكلتا يديه يقبّل رأسه ملقيا السلام على السائق .. ثم قال بتوبيخ "لا تفعلها مرة أخرى وتخرج حتى برأسك من السيارة فهذا خطر "
عاد اياد إلى موضعه بطاعة فمد مفرح ذراعه الأسمر يمسح على رأس منة الله التي تبتسم له بحبور ثم استدار حول مقدمة السيارة يضرب كفه بكف بكريه أدهم بسلام رجولي يتعانق فيه الابهامين .


ليقول إياد "ما رأيك يا أبي أن تتصل بأمي وتخبرها بأننا لن نذهب اليوم للمدرسة ونعود معك"
رد مفرح بلهجة جادة "أليس لديك اختبارا شهريا إذن عليك بالذهاب "
مط إياد شفتيه بتبرم طفولي معترض وهو يقول "ولكني اشتقت إليك لم أرك منذ خمسة أيام "
مال مفرح بقامته الطويلة يطالعه عبر نافذة السيارة وقال" بضع ساعات وستعود لتجدني في انتظارك إن شاء الله "
قالها وهو يفسح الطريق ويشير للسائق للتحرك فنفذ على الفور ..


تحركت السيارة تغادره ليخرج إياد رأسه من السيارة صائحا "إياكم أن تبدأوا بنقل فرش عمتي قبل أن نعود"
أشار له مفرح بسبابته بحزم ليدخل رأسه من النافذة ثم وقف يراقب السيارة وهي تبتعد وتخرج من القرية نحو مركز المحافظة..
حين عاد لسيارته من جديد كان يشعر بالتحسن بعد رؤية ولديه .. فضغط على مشغل الأغاني التي كان يسمعها أول الطريق وتحرك بسيارته مدندنا مع كاظم الساهر :


سيدة عمري الفاضلة
هذه رسالة عاجلة
من عاشق مضطهد


على الطريق الترابي الطويل على امتداد الترعة على يساره كانت الحقول الخضراء ترافقه يمينا ويسارا في رحلة امتدت لدقائق بين الحقول لم يقابله خلالها سوى بعض البيوت المتفرقة البعيدة عن بعضها والتي تعتبر فعليا بمنأى عن باقي بيوت القرية .. فمر على ذلك البيت القديم الذي يتخذ جانبا منه لعرض منتجات الفخار مصطفة بمحاذاة الطريق ليستدير ذلك الرجل العجوز ويرفع يده ليحييه حين تعرف على سيارته ليرد مفرح التحية على العم عيد القللي صانع الفخار بضغطة من بوق السيارة قبل أن يتجاوزه وهو لا يزال يدندن مع الأغنية ..


أنا بشر مو صنم
احترمي مشاعر رجل
كُثر ما حب انظلم
آه لو كنت بمكاني
كنت قلتي ننتقم
لكن آني مو أناني
وعمري ما أحب الظلم


أما العم عيد فقد تحرك ينقل بعض الأواني الفخارية من مكانها ويرصها بشكل هندسي ملفت.. في الوقت الذي أغلقت شابة صغيرة باب البيت بهدوء حتى لا تلفت انتباهه وجلست على عقبيها خلف الباب تزفر بعصبية متمتمة في سرها "باءت المحاولة الثانية للهروب هذا الصباح من سجن عيد القللي بالفشل ..( وأضافت بغيظ) أكان لابد أن يمر مفرح الزيني في هذه اللحظة بالذات وأنا على وشك الخروج فيترك عيد مكانه !! .. لكن لا تراجع ولا استسلام يا وَنَسْ"


قالتها وهي تخلع عن رأسها وشاحها الملون وتنكش شعرها الكستنائي المموج عدة مرات بغيظ ثم نفخت بكل الحنق المكبوت في صدرها في خصلة تدلت وغطت وجهها لتبعدها بعيدا عنها .


××××




على الطريق بعد قليل ظهرت بيوت القرية المتكدسة على يمين مِفْرِح ..وميز ظهر شابة تخطو بخطوات واسعة على مرمى بصره ترتدي بنطالا من الجينز وكنزة طويلة عليه وحجاب حول رأسها .. فلاحت ابتسامة على جانب فمه وغمغم وهو يهدئ من سرعة السيارة" ستفضحنا بهذا الجينز الذي تصر على ارتدائه"



ضغط على بوق السيارة عدة مرات وهو يقترب ببطء منها لكنها لم تعره اهتماما .. فأغلق صوت الأغنية وأخرج رأسه من النافذة قائلا" أتظنين نفسك تتريضين في تراك النادي حضرتك !"
توقفت بسمة على الفور حين ميزت الصوت واستدارت وشبه ابتسامة تزين ثغرها ترفع يدها لتعدل الوشاح الذي يغطي نصف شعرها.. ليشير لها مفرح برأسه كي تركب فتحركت بسرعة حول مقدمة السيارة في الوقت الذي أسرع هو بإخلاء المقعد المجاور له ووضع ما يخصه في المقعد الخلفي لتركب بجانبه وهي تقول" صباح الخير "
رد بصوته الأجش ذو البحة الطبيعية وهو يتحرك بالسيارة "صباح النور على فاتنة المجرة.. لمَ تسيرين على قدميك؟.. ألا توجد لدينا تكاتك فاخرة أو سيارات حديثة تليق بفخامتك حتى تسير جميلة الجميلات على قدميها !.."
ناظرته بسمة بنظرة ساخرة ليكمل مفرح وهو يوزع عينيه بينها وبين الطريق "بالتأكيد الهمس المنتشر الآن في هذا الوقت من الصباح تحت عنوان (ترى ماذا كانت تفعل فاتنة البلدة بالسير وحدها في الطريق؟ ).."
ابتسمت بسمة وردت" أردت أن اسير قليلا بعيدا عن البيت المكتظ بالنسوة الآن "
أدار وجهه لها قائلا ببرود متعمد " لمَ البيت مكتظ بالنسوة هل لديكم مناسبة إن شاء الله ؟!"
عقدت ذراعيها وردت" أجل لدينا حفل زفاف وبالمصادفة لديكم أنتم أيضا نفس حفل الزفاف .. أتوقع أن مهجة ستفجر رأسك حين تراك يا مفرح بسبب ذهابك للعاصمة بشكل مفاجئ بعد عقد قرانها مباشرة "



قهقه مِفْرِح وهرش في لحيته السوداء العصرية مغمغما "ليست وحدها الحقيقة .. مهجة وأم مهجة وأبو مهجة" فأكملت له بسمة القائمة تقول بتهكم " وزوجة أخو مهجة"
نظر مفرح للطريق أمامه ورد ضاحكا" لا .. مليكة لا تنزعج من غيابي غالبا يئست مني المسكينة"
اتسعت ابتسامة بسمة وأدارت وجهها تنظر من النافذة لتعود ملامحها للوجوم خلال ثوان فتطلع فيها مفرح ثم سألها بمحبة "كيف الحال يا بنت الخال ؟"
حركت بسمة كتفيها دون أن تنظر إليه مغمغمة "لا جديد"
فسألها مغيظا " ها .. أخبريني كم عريسا تقدم لخطبتك مؤخرا (وأكمل بلهجة ساخرة) سمعت يا بنت أن هناك من طلبوك من القرى المجاورة .. ( واستمر متهكما ) يااااااااه دوما تتخطين حدود القرية إلى ما أبعد منها!"
ردت بلهجة متهكمة وهي تعود لتنظر إليه "أجل لكن الفارق حاليا أن من يطلبوني للزواج جميعهم متزوجون بالفعل.. (واكملت بمبالغة) أعتقد بأنه لم يبق رجلا متزوجا في قريتنا لم يطلبني صراحة من أبي أو يلمح لذلك .."
رد مفرح يجاريها في مزحتها " بل هناك واحدا لم يفعلها بعد"


تطلعت إليه بعينيها الفيروزيتين لينظر إليها مفرح قائلا وهو يضع كفه على صدره" أنا .. الفقير إلى الله"
ابتسمت من جديد ثم غمغمت وهي تشيح بوجهها نحو النافذة "هذا ما ينقصني!"
حين شعر باستيائها أضاف قائلا "ومن أخبرك بأن جميع من يرغبون في الزواج منك متزوجون بالفعل انا شخصيا اعرف بعض الشباب لم يسبق لهم الزواج وارادوك زوجة لكن كما تعرفين سطوة العائلة هنا .. وبالطبع لم يقدروا على معارضة أهاليهم "



شعرت بسمة بالضيق لكنها غمغمت بصوت يخنقه البكاء "أنا لا أفكر في الزواج مرة أخرى .. لكن احساسي بأنهم يعاملونني كسلعة سبق استخدامها أمر مهين ومؤلم يا مِفْرح"


بلع مِفْرح غصة في حلقه وتمتم معترفا وهو يتطلع في الطريق أمامه" اتفق معك (ثم سألها يغير الموضوع ) متى ستبدئين مشروعك؟"
لاح الحماس على وجهها أخيرا لتعتدل في مقعدها وتجيب "بعد أن ينتهي حفل الزفاف مباشرة "



قال مفرح متفاجئا "بهذه السرعة !!.. ظننتك ستحتاجين لبعض الوقت لترتيب الأمور "
قالت باندفاع " لا لا ..لن انتظر .. لقد انتظرت كثيرا وحان الوقت الذي سأبدأ فيه الاستقلال المادي .. المهم هل وافقت على أن اشتري من مزرعة العمدة ما أريد؟"
رد مفرح مستنكرا سؤالها " بالطبع يا هبلاء وهل هذا سؤال! (ثم نظر إليها يسألها ) وهل حصلت على موافقة خالي العزيز ؟"
جمدت ملامحها وردت ببرود "أحاول الضغط عليه بكل السبل هو ووليد وأمي وسأفعل ما أريد وإلا سأرحل ولن يعرفوا لي طريقا"



نظر لها مفرح بنظرة موبخة ثم قال "ما هذا السخف أمجنونة أنت ! .. عموما أعتقد بأن خالي قد يأخذ تهديدك بجدية بعد أن كتب لك جدنا صالح رحمه الله بيته والأرض المحيطة به وقد كان خالي يظن بأنه سيكون من نصيب أمك وسيضع يده عليه .. كما أن بيعك للبيت الذي تركه لك طليقك ووضع ثمنه وثمن أثاث بيتك السابق كوديعة في البنك أعتقد بأنه سيجعل والدك يصدق بأنك قد تنفذين تهديدك بالرحيل فعلا .. "
غمغمت بسمة بوجوم معترفة "أعتقد ذلك خاصة وأنه يطمح لوضع يده على ما أملك كما تعلم"
غمغم مفرح وهو يدلك رقبته بيده الحرة "أعلم .. للأسف أعلم ..( وصمت لثوان ثم قال ) الحقيقة أن كتابة الجد صالح البيت باسمك كانت ضربة قوية قلبت الموازين لصالحك "
اغرورقت عيناها بالدموع وتمتمت " رحمه الله لقد اشتقت إليه"
ساد الصمت وكل منهما يتطلع في الطريق أمامه لتقطعه بسمة بعد قليل وهي تسأله "هل بدأت في رسالة الدكتوراه؟"
أجابها بلهجة بائسة "لم أفعل أي شيء منذ أن بدأت فيها .. انشغلت بالصفقات وبزواج مهجة وبالأمور الأخرى التي تعرفينها "
قالت بسمة " أنتَ أيضا ضغطت على نفسك الفترة الماضية يا مِفْرح ولم تنل أي راحة .. بل اسرعت وبدأت في طلب الحصول على الدكتوراه"
لم يرد .. وإنما قال مغيرا للموضوع "أمامي أيام حافلة أعانني الله فيها (ثم أدار وجهه إليها قائلا بحاجب مرفوع) هل أعد أبوكِ كل شيء؟ .. أخشى أن يفضحنا بسبب بخله"
مطت بسمة شفتيها وردت "لا أعرف لست متابعة للتجهيزات سوى ما يحدث في بيتنا وفي شقة وليد .. أما ما يعد خارج البيت فلا علم لي به ..لمَ لا تسأله أو تسأل وليد؟"
غمغم مِفْرح متوعدا وهو ينظر أمامه" بالطبع سأسأله وسأدقق في كل شيء (ثم أضاف بلهجة ساخرة وابتسامة صفراء ) إنه خالي العزيز وأعرفه جيدا"
صمت لثوان ثم زفر بحنق يضيف" لولا أن مهجة تحب وليد لم أكن لأوافق أبدا على هذه الزيجة "
رفعت بسمة حاجبا جميلا وقالت بمناكفة "ما بها مصاهرتنا يا ابن الزيني !"
رد مناكفتها بامتعاض قائلا " يكفي مصاهرة خالي وابنه وليد الذي لا أعرف ماذا يعجب مهجة فيه بصراحة .. لا يوجد فيكم يا ودايدة سوى أنت وأمك"
قالت بسمة بمكر " وأمك ؟ أليست من الودايدة أيضا !"
مسد مفرح على لحيته عدة مرات هاربا بنظراته من مواجهتها ثم رد ساخرا وهو يلملم ابتسامته " الحاجة نحمدو ! .. إن الجنة تحت أقدام الأمهات يا بنت خالي "
ردت بسمة ضاحكة " اللهم قوي ايمانك يا شيخ مِفْرح "
قهقه مِفْرح قائلا " استغفر الله ! .. ستدخلينا النار بأسئلتك الغريبة هذه يا بنت الوديدي !"
××××



يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 03-01-20, 11:05 PM   #158

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 4

في بهو بيت العمدة قالت فايزة لأمها بلؤم وهما جالستان على الأريكة المواجهة لباب البيت المفتوح بعد أن لمحت مليكة تقترب من باب الغرفة الداخلية التي تباشر فيها عملية إعداد الطعام للضيوف وإرساله مع المساعدات لمقر ضيافتهم "هل أنت متأكدة يا أمي أن مفرح ليس متزوجا في العاصمة ؟"

ابتسامة مستمتعة لاحت على شفتي الحاجة نحمده وهي تسترق النظرات نحو الغرفة وردت" الله أعلم يا ابنتي ..لمَ تسألين هذا السؤال؟ "

قالت فايزة ببراءة مصطنعة " هذا ليس كلامي .. بل ما سمعته من اشاعات تدور حاليا .. وهناك من سألوني مباشرة متعللين بتردده على العاصمة كثيرا ومبيته فيها لعدة أيام مقسما وقته بين هنا وهناك "

اعتدلت الحاجة نحمده ترتب أساورها الذهبية العريضة وردت "لو فعلها لا أحد سيلومه أبدا فالشرع يبيح له مثنى وثلاث ورباع "

في داخل الغرفة حافظت مليكة على وجهها البارد وتحركت مبتعدة عن الباب دون أن تمنحهما أي رد فعل .. بينما قالت مهجة الواقفة بجوار باب البيت بلهجة مستهجنة " مفرح يقسم وقته بين هنا والعاصمة طيلة عمره يا فايزة .. هذا الوضع ليس بجديد.. فهو يباشر دراسته العليا ومكتب تصدير الخضر والفاكهة الذي يدير فيه أعمال أرضنا وانتاج مزرعة العمدة وصُوَبِها .. فما الجديد في هذا الوضع لتظهر هذه الشائعة الآن لا أفهم !"

هتفت فايزة موبخة" اخرسي أنت يا ذات اللسان الطويل ولا تتدخلي في أحاديث الكبار"

في الخارج ركن مفرح سيارته في ساحة بيت العمدة بعد أن أوصل بسمة لبيت خاله سليمان الوديدي .. وترجل منها مسرعا .. لتتطلع فيه مهجة عبر باب البيت وهي تقف في انتظاره متكتفة.. فتأملته معجبة بأناقة ملابسه العصرية.. دوما كان مفرح بالنسبة لها فتى الأحلام قبل أن يكون أخاها الأكبر منها بخمسة عشرة عاما .



دخل الأخير مسرعا وعيناه مركزتان على أمه وأخته فايزة الأكبر منه بثلاث سنوات وقبل أن يفتح فمه أجفل حين فوجئ بمهجة تظهر أمامه .. فتحكم في ابتسامة محرجة قبل أن تقول أخته الصغرى بلهجة ساخرة " لم اتعبت نفسك وجئت مبكرا !.. كنت بقيت في العاصمة وأتيت مساء الغد في حفل الزفاف مباشرة !"

رد مفرح والابتسامة تزين شفتيه" لا لا ..فضلت أن ألحق بكم في نقل حاجيات العروس لبيت العريس .. فلا يصح أن أفوت عليّ يوم فرش اختي (ونظر أمامه قائلا ) السلام عليكم يا أمي كيف حالك يا فايزة ؟"

ردتا السلام ليسأل مفرح "أين أبي؟"

أجابت أمه "في غرفة المجلس مع بعض الضيوف يا حبيبي"

قال وهو يهم بالتحرك محاولا الهرب من وصلة توبيخ متوقعة من مهجة "سأغتسل أولا ثم اذهب إليه "

وقفت مهجة تعترض طريقه وصاحت بغيظ "الضيوف أتوا من العاصمة قبلك يا مفرح !"

رد مفرح ببساطة وهو يضربها على رأسها ويتجاوزها "لهذا تأخرت في العاصمة .. حتى أطمئن أن كل اقاربنا ومعارفنا سيحضرون يوم فرش أثاث الأميرة مهجة "

استدارت تتطلع في ظهره وهو يصعد السلم المؤدي لشقته بالأعلى وهتفت بحنق " يوم الفرش الذي تأخر بسببك ! .. كل العرائس ترسل فرشها قبل عدة أيام من زفافها حتى يتم ترتيب كل شيء بتأني وأنا العروس الوحيدة التي ترسل حاجاتها قبل الزفاف بيوم ولا أعرف متى سننتهي من ترتيب كل شيء لألحق بحفل الحناء في المساء "

رد مفرح ببرود " ومن طلب منك انتظاري؟!.. فيم سأفيد أنا في نقل حاجياتك من هنا لبيت خالي ؟.. فأبي موجود بارك الله لنا في عمره .. كما أن البلد كلها جاهزة للمساعدة "

هتفت الحاجة نحمده باستياء" ما الذي تقوله يا مفرح !! ..ننقل بدون أخيها عمدة البلدة القادم !!.. ألا يكفي العطلة والتأخير بسببك !.. بنت العمدة تنقل حاجياتها قبل زفافها بيوم !"

استدار مفرح يطالعها من فوق السلم ورد بهدوء قائلا" لم يكن بيدي يا أمي .. لم أتأخر لأني كنت ألهو في العاصمة .. وأبي يعلم التفاصيل .. عموما لا تقلقي كل شيء سيسير على ما يرام (ونظر لمهجة بلؤم يسألها بإغاظة ) أهم شيء .. هل وجدت حذاء ذا كعب مترين حتى لا يتهمنا الناس بأننا نزوج طفلة؟.. صدقيني الشيخ مبروك تطلع في بطاقتك الشخصية مرتين حتى يتأكد بأن عمرك عشرون سنة وليس اثني عشرة .. رغم أن الرجل يعرفنا جيدا لكن على ما يبدو كان يعتقد بأنك في المرحلة الإعدادية وأنني أخ جاهل يزوج أخته القاصر "

زمت مهجة شفتيها فاسرع مفرح بالهرب من الشرر الذي يخرج من عينيها واستدار يقول وهو يكمل صعوده" هل مليكة بالأعلى ؟"

غمغمت والدته بارتباك " بل هنا .. أصرت أن تباشر بنفسها إعداد الطعام للضيوف (وهتفت بصوت عال تنظر للناحية الأخرى) يا مليكة .. نادوا على مليكة واخبروها أن زوجها قد حضر "

حدجت مهجة أمها بنظرة مستاءة واستدارت تصعد هي الأخرى نحو غرفتها شاعرة بالضيق مما يصدر من أمها وأختها تجاه زوجة أخيها على مدى سنوات بدون معرفته .. ولا تفهم حتى الآن لمَ تسكت مليكة على هذه المعاملة؟!..

فمهما كانت عاقلة .. ومهما كانت تحب مفرح ولا ترغب التسبب في المشاكل كعادتها .. ومهما كانت تدرك بأن الوضع بين العائلتين قد ينفجر من اشارة واحدة .. لكن الأمر مستهجنا بالنسبة لها كمهجة ..

وفي نفس الوقت تتملكها الحيرة هل سيكون من الصواب أن تخبر مفرح ؟.. فلو علم فمن المؤكد سيكون رد فعله قويا.

زفرت وهي تفتح باب غرفتها تحاول نفض التفكير في هذا الموضوع عن رأسها .. وقررت أن تركز فيما ينتظرها من تفاصيل لا تنتهي قبل مساء الغد حيث سيكون حفل زفافها على وليد الوديدي ابن خالها .

××××





بعد قليل دخلت مليكة شقتها مسرعة تبحث عنه بلهفة .. ومن صوت الماء أدركت بأنه في الحمام فأسرعت إلى غرفة النوم لتجهز له ملابس نظيفة .. لتجد ملابسه كالعادة ملقاه في كل مكان على الأرض .. فابتسمت وهي تزيح الوشاح الذي يغطي رأسها ثم مالت ليميل معها شعرها البني الناعم معها والتقطت ملابسه المبعثرة في أرض الغرفة متمتمة" لا يفعل إياد هذه العادة من فراغ !"

بعد دقائق دخل مفرح الغرفة يلف جسده العضلي الأسمر بمنشفة فاستدارت مليكة تطالعه بابتسامة هادئة .



قلبه كالعادة بدأ يعزف معزوفات صاخبة تخصها وحدها فابتسم وهو يسألها مقتربا " لماذا لا تردين على هاتفك ؟"

قالت متفاجئة وهي تتحسس جيوب العباءة " ربما تركته في الأسفل تعلم أن البيت يضج بالضيوف حتى أن بسمة أرسلت لي رسالة صباحا ولم أرد عليها "

كان قد قطع المسافة بينهما بخطوات رجولية واثقة وعيناه الخضراوان تطالعانها بنظرات تلمس كل ذرة فيها .. فحانت منها نصف استدارة تحاول الهرب من عينيه .. فرغم كل هذه السنين بينهما لا يزال يربك دواخلها من مجرد نظرة من عينيه ..



منعها مِفْرح من الهرب مطوقا ذراعيه حول جذعها بقوة يلاصقها بوضع جانبي ورفع يده ليبعد شعيرات ناعمة عن عنقها ثم يدفن وجهه فيه هامسا بأنفاس محترقة" هذا يعني بأنك لم تشتاقي إلى مِفْرح"

قالت بابتسامة محرجة "بالطبع اشتقت لك"

رفع وجهه إليها يقول بمداعبة "كاذبة ..لو كنتِ اشتقتِ إليّ لما ابعدت الهاتف عنك أبدا لتطمئني في أي ساعة سآتي اليوم "

تطلعت في خضار عينيه .. واحتها الخضراء التي تهرب فيها من العالم .. وقالت بابتسامة هادئة " كنت أعلم بأنك ستأتي في وقت مبكر لتحضر فرش مهجة .. وأكيدة بأنك لم تنم ليلة أمس لتنتهي من بعض الأمور الخاصة بالعمل حتى لا تتأخر اليوم "

رفع حاجبا وقال بشقاوة " لازلتُ لا أصدق اثبتي لي "

تلون وجهها بالخجل وهي تطالعه بمقلتيها البنيتين ليضيف مِفْرح وهو يميل إلى شفتيها هامسا " أريني كيف اشتقتِ لمفرح "

جرس الباب جمد وضعه لثوان قبل حتى أن يدرك شفتيها فابتعد يتطلع في وجهها.. لترمش مليكة بعينيها عدة مرات وهي تعض على شفتها .. فانفجرت الحمم الساخنة في شرايينه وقد هاجت فراشات الشوق والرغبة في رأسه لكن الحاح الجرس جعله يقلب وجهه بانزعاج ويفلتها ليلتقط ملابسه النظيفة من فوق السرير بعصبية .. فأسرعت مليكة تقول "سأفتح أنا"

أوقفها قائلا بغضب " لا .. انتظري أنا من سيفتح"

توترت ووقفت تطالع عضلاته المتشنجة وقد أدركت بأنه غاضب ..




رن جرس الباب للمرة الثالثة مع صوت طرقات متردد قبل أن يفتح مِفْرح الباب هادرا" ماذا هناك؟؟؟!!"

ارتعبت المرأة الواقفة أمام باب شقته وبلعت ريقها تقول بلجلجة" الـ .. الحاجة نحمدو ...."



"يا مييفرح "

جاء صوت والدته من الدور الأرضي لينقذ المرأة المرتعبة من غضب مِفْرح الزيني فرد الأخير على أمه بمزاج عكر" ماذا هناك يامّة"

قالت نحمده "السيارات وصلت يا حبيبي وبدأ أهل القرية في التجمع "

تقبض مفرح يسحب نفسا ليهدئ من عصبيته ثم قال "حسنا أنا قادم يامّة وأرجوك لا ترسلي أحدا للطرق بهذا الالحاح على الباب .. كما تفعلون دائما طرقة واحدة وإن لم أجيب فلا داعي لتكرارها "

قالت أمه بلهجة دبلوماسية " حاضر يا حبيبي .. إنها أم سعيد ( ونظرت للمرأة التي نزلت من السلم تقول بلهجة موبخة ) لا تلحي بهذا الشكل مرة أخرى يا أم سعيد"

جحظت عينا المرأة وتمتمت باندهاش "أنا يا حاجة !.. ألم تطلبي مني أن ..."

هدرت نحمده فيها تقاطعها "هيا عودي إلى عملك"

أغلق مِفرح باب شقته فنظرت نحمده إلى أعلى السلم وغمغمت لنفسها بغيظ " لابد من أن تؤخره عن حدث هام مثل اليوم بمرقعتها وقلة حيائها بنت الصوالحة "

قالتها وزفرت بغيظ ثم تحركت تصيح بعصبية في النسوة ليسرعوا من الانتهاء من نقل حاجيات العروس الخفيفة من الغرفة الأرضية إلى ساحة البيت في الخارج ثم خرجت توجه الرجال لحمل الأجهزة الكهربائية والأشياء الثقيلة وسط زغاريد بدأت تتزايد من الخارج والداخل فقلبت دار العمدة عبد الرحيم الزيني رأسا على عقب .

××××





بعد دقائق خرج مفرح من باب بيت العمدة يتطلع حوله في ساحة البيت الذي امتلأ إلى آخره بحاجيات العروس من أجهزة كهربائية ومفروشات بأنواعها ومراتب وبطاطين وألحفة ملونة وسجاد ونجف وأدوات المطبخ وأطقم الأطباق بأنواعها المختلفة وغيرها مما قد وضع للعرض والتفاخر كعادة أهل القرية قبل تحميلها على سيارات إلى بيت العريس .. بينما بعض النسوة قد تجمعن يصفقن ويغنين الأغاني الفلاحي الخاصة بهذه المناسبات.



في طريقه إلى مدخل آخر بجوار باب الدار الداخلية حيث مجلس الحاج عبد الرحيم الزيني والده وعمدة القرية لمح كبير الغفر خارج البوابة يقف مع بعض الأهالي الذين تجمعوا لمشاهدة فَرْشْ بنت العمدة والمشاركة في نقله فتحرك ناحية البوابة متلقيا التهاني والتبريكات من كل من يقابله ثم نادى عليه " عويس "

تحرك الرجل الخمسيني البدين بأقصى سرعة لديه ملبيا نداء ابن العمدة يقول "مُرني يا باشا"

قال مفرح بلهجة حازمة" هل ستترك عملك لتقف أنت والغفر تتسامرون مع أهل البلد؟"

قال الرجل مدافعا " أبدا يا باشا اطمئن نحن مسيطرون على الوضع تماما "

قال مفرح بلهجة آمرة "أريدك أن تكون مستعدا أنت والرجال فسأحتاجكم في مهمة سرية اليوم"

لمعت عينا الرجل وتمتم بحماس "مهمة سرية!!"

قال مفرح "أجل فأنت تعلم أن عندنا مناسبة كبيرة وبالتالي عيون الأعداء والمدسوسين ستكون مفتوحة علينا لإفساد فرحتنا"

قال الرجل مطمئنا " لا تقلق يا مفرح باشا لن نسمح لأي من كان لإفساد فرح بنت العمدة الغفر كلهم جاهزون لأي شيء"

تطلع مفرح في الغفر الواقفين بالخارج وعددهم القليل وإلى عويس كبير الغفر وبالتحديد في كرشه البارز أمامه وغمغم بلهجة متهكمة رغم وجهه الجاد " بالنسبة للاطمئنان فأنا مطمئن جدا "

ثم تحرك يعود للداخل وهو يسمع غمغمة الرجل المتحمسة "سنعود لأمجاد العمودية القديمة وسنقوم بمهام سرية يا حلاوة يا أولاد ! "

رفع مفرح حاجبيه متعجبا من فرحة الرجل لاستعادة ماضٍ لم يعد له وجودا.. فمنصب العمدة انقرض تقريبا في معظم القرى وما بقي منهم مثل قريتهم بقي لمناسبته لطبيعة المكان ولثقة الجهات الأمنية في الدولة في أولاد الزيني الذين يتوارثون هذا المنصب منذ أجيال ..

دخل بعد دقيقة على والده ملقيا التحية على الغفرين الواقفين على باب المجلس واللذان اعتدلا بمجرد اقترابه ثم قال "السلام عليكم يا حاج عبد الرحيم "

في جلسته على مقعده المفضل يتصدر المجلس الذي يحتوي على أرائك خشبية تحيط بالمكان والذي غادره بعض المهنئين منذ قليل ابتسم الحاج عبد الرحيم لرؤية ولده مرددا السلام قبل أن يقترب مفرح ويقبل كتف والده فبادره الحاج يقول مبتسما "الشائعات تملأ القرية بأنك متزوج في العاصمة يا ولد"

اتسعت عينا مفرح ثم سأله بانبهار "حقا يا حاج !.. المهم أن تكون جميلة لو سمحتم؟!"

ضحك الحاج عبد الرحيم فاتسعت ابتسامة مفرح مغمغما "لابد أن يطمئن المرء على أن تكون الشائعات التي تخصه ساخنة ومثيرة "

استمر العمدة على ابتسامته لكنه قال بلهجة جادة" علينا أن نبحث عمن خلف هذه الشائعة يا مفرح .. وأن نعرف لماذا الآن بالذات خرجت .. فأنت تتردد على العاصمة كثيرا منذ سنوات طويلة وتبيت فيها ليلة أو اثنين في شقتك هناك لظروف العمل أو الدراسة .. وكل أهل البلد يعرفون بأنك تباشر مكتب تصدير المنتجات الزراعية التي ننتجها في حقولنا .. إذن ما الذي جد لتصدر هذه الشائعات ولماذا؟ علينا أن نعرف "



قال مفرح مطمئنا "وما الذي سيستفيده مطلق هذه الشائعة يا حاج من كوني متزوجا في العاصمة .. إذا أراد النيل من سمعتي ربما سيفضل أن يدعي بأني أرافق النساء أو أتردد على أماكن مشبوهة أو أي شيء أخر ..إنما شائعة (متزوج) هذه بمَ ستضرني؟!"

رد العمدة بحمائية مدافعا " ومن يجرؤ على ادعاء تلك الأكاذيب عنك والكل يعلم من هو مفرح الزيني وكيف هي أخلاقه وتربيته ..عموما ضع هذا الموضوع في رأسك وحاول البحث خلفه ..وأخشى أن يكون مصطفى الزيني خلفه ليضر بسمعتك "

رغم الضيق الذي انتابه من الأفكار المتشككة المرتابة التي تدور في رأس عائلته دوما عن كونهم مستهدفين من الجميع لاقتناص منصب العمدة منهم .. لكنه ربت على فخذ والده مطمئنا وهو يقول " قلت لا تقلق يا حاج .. فما الذي سيستفيده مصطفى الزيني من اطلاق شائعة كهذه ؟.. إن كان هناك شخصا يرغب في الحاق الضرر بي بهذه الشائعة فهو بالتأكيد يرغب في استنفار أولاد صوالحة أهل زوجتي ضدي"

عند ذكر اسم الصوالحة ظهر الامتعاض على وجه العمدة فأسرع مفرح بالقيام ليمد يده لوالده قائلا ببشاشة "هيا يا عمدتنا لنقف قليلا نتلقى التهاني من أهل البلد قبل أن تتحرك السيارات "



استقام الرجل العجوز بصعوبة مستندا على ذراع ولده الذي سار بجوار أبيه يداري حزنا عتيقا في صدره .. فبرغم كل الجهود التي بذلها للتقريب بين أولاد الزيني والصوالحة لإنهاء عقودا من المعارك والمنافسات على زعامة القرية لكن والداه لا يزالا غير مستسيغان لزواجه من بيت الصوالحة .



في الخارج وقف مصطفى الزيني يباشر ويوجه في عملية تحميل حاجيات العروس ابنة عمه على سيارات النقل.. وبمجرد أن لمح عمه العمدة يخرج من مجلسه مستندا على ذراع ابنه تحرك نحوه محييا ومال يطبع قبلة على كتفه قائلا" الف مبروك يا عماه"

ببعض البرود الذي لم يخف على مصطفى ومفرح رد الحاج عبد الرحيم" بارك الله فيك يا أبا حمزة.. العقبى لأولادك إن شاء الله "

سلم مصطفى على مفرح وبارك له ثم قال منسحبا" سأعود لأباشر البقية "

فغمغم مفرح "دقائق وسألحق بك يا أبا حمزة "

تابعه الحاج عبد الرحيم وهو يبتعد وتمتم قائلا" كلما كبر في العمر تحول أكثر فأكثر لشكل أخي فاضل بالضبط لم يكذب المثل الشعبي ( من أنجب لم يمت ) سبحان الله !.. (ونظر لمفرح قائلا بانزعاج ) أراك في الآونة الأخيرة تتودد له ولأخواته البنات"

هم مفرح بالحديث فقاطعه العمدة قائلا" أنا أعلم ميلك لنشر السلام في القرية .. ولا أعترض على ذلك.. لكن حاذر منه دوما ولا تأمن له "

قال مفرح بضيق" ماذا صدر من الرجل يا أبي؟ .. إنه نعم الرجل ونعم الجار .. الجدار بالجدار ( قالها مشيرا على بيت عمه فاضل الزيني الذي يجاور بيت العمدة ثم أضاف ) والقرية كلها تشيد به وبأخلاقه وبرجاحة عقله ولم نرى منه أي أذى "

رفع العمدة سبابته يقول بتحذير "قلت لك حاذر فقط فلربما تكون لديه خططا سرية للانقضاض عليك وانتزاع العمودية منك كما اقتنصتها أنا منه بمجرد أن توفى والده .. واحذر من وجهه الورع هذا .. فربما هي طريقة لاكتساب ثقة الناس ليضرب ضربته في أي لحظة بمجرد أن أموت "

أسرع مفرح يقول" اطال الله في عمرك يا حاج"

لمح العمدة علي ابن عبد الغني صوالحة أخو مليكة قد حضر .. وتأمل ترحيب مصطفى الزيني به فقال لولده "انظر كيف يسلم على ابن الصوالحة بحرارة متناسيا ما بين الصوالحة وأولاد الزيني من عقود من العداء"

اتسعت عينا مفرح ثم قال بضيق "أبي!... أنا متزوج من الصوالحة منذ سنين هل نسيت؟!! .. أنسيت أن بين العائلتين صلحا مضى عليه سنوات ؟!"

ناظره والده بامتعاض وغمغم بقرف" لولا أنك قد اجبرتنا على تلك الزيجة لما وافقنا وأنت تعرف ذلك جيدا"

قال مفرح باستهجان" ما الذي فتح سيرة الماضي الآن أنا لا أفهم !.. ألم ننتهي منه؟"

قال العمدة وهو يتحرك عائدا إلى الداخل بمجرد أن لمح علي صوالحة قد دخل لساحة الدار " سأذهب إلى مجلسي لم أعد قادرا على الوقوف "

شيع مفرح والده بنظرات حزينة قبل أن يستدير ليستقبل صهره مرحبا وهو يداري شعورا عظيما بالضيق والاختناق يصيبه عادة أثناء وجوده بالقرية .

قال علي صوالحة " مبارك يا مِفْرح "

رد مِفْرح بترحيب" العقبى لأولادك يا علي"

قال علي بدبلوماسية" اخوتي سيحضرون للمباركة في المساء وأنا جئت الآن بالنيابة عنهم جميعا .. أما اكرم وعامر فسيحضران من العاصمة غدا بإذن الله لحضور حفل الزفاف .. ( وتردد قليلا ثم أضاف ) أما أبي الحاج عبد الغني فتعلم ظروف صحته جيدا"

ربت مفرح على كتف صهره بمحبة قائلا "مجيئك وحده يكفي يا أبا محمد والعقبى عندكم جميعا "

تطلعت عينا علي نحو باب دار العمدة قائلا" أين مليكة ؟"

رد مفرح "بالتأكيد مع العروس تعلم بأن تأخري في العاصمة أجل نقل الفرش حتى صباح اليوم أتحب بأن أنادي عليها؟"

أسرع علي قائلا" لا لا بالتأكيد مشغولة سأراها فيما بعد"

قال مفرح وهو يربت على كتفه "إذا تعال لننضم للرجال في الخارج"

××××




في بيت سليمان الوديدي كانت الاستعدادات على أشدها أيضا لاستقبال حاجيات عروس البيت وتجهيز طعام الغداء لأهل العريس وضيوفهم.. فوقفت الحاجة أم بسمة بين النسوة تتابع وتباشر التجهيزات وتحاول أن تداري حزنها وهي تسمع الهمسات من هنا وهناك كلها تدور حول بكريتها بسمة .. ما بين مشفق على حالها أو متشف أو منتقد لرفضها للزيجات التي تعرض عليها ..




ورغم استهجانها لأن يتهامسن في بيت الوديدي بهذه الجرأة لكنها كتمت الحزن في قلبها كما تفعل على مدى ثلاث سنوات وحاولت التركيز في الحدث المرتقب وهو زواج ابنها وليد..

ودعت في سرها أن تتخلى بسمة اليوم عن ذلك البنطال الجينز الذي باتت تصر على ارتدائه إما تحت كنزة طويلة أو تحت عباءة مفتوحة من الامام حتى فوق الركبة .. فأهل البلدة يتحينون لأي شيء مهما كان صغيرا ليتحدثوا عنه بانتقاد هامس.

حين نزلت بسمة من الطابق العلوي تكدرت الحاجة فاطمة وهي ترى العباءة السوداء الناعمة التي ترتديها ابنتها بسمة وطرفيها المفتوحين من أسفل ليبرزان ساقي البنطال الجينز فهتفت بانزعاج" ما هذا يا بسمة؟!!.. ألا يوجد لديك سوى تلك البناطيل؟!!"



ردت بسمة ببرود وتحدي " ما به البنطال يا أمي؟؟.. ها أنا ارتدي فوقه عباءة"

تلفتت الحاجة فاطمة حولها تخشى أن تكون بعض الآذان تسمعهما ثم قالت بهمس متوسل" يا بسمة لمَ لا تحاولين تجنب الكلام حولك "

هتفت بسمة بحنق " أكثر من ذلك !!..أكثر من ذلك يا أمي؟!!.. أنا تقريبا أتجنب الخروج و الاختلاط ولا اخرج إلا للدراسة أو العمل (ورفعت طرفي العباءة تكشف أكثر عن البنطال وهي تضيف بانفعال ) ما به الجينز ما دمت ارتدي فوقه ملابس طويلة؟.. لست وحدي من ترتدي الجينز الكثير من بنات القرية أصبحن يرتدينه"

شعرت أم وليد بأنها على وشك الاصابة بنوبة قلبية وأخذت تتلفت حولها من جديد برعب من أن يسمع النسوة حديث بسمة المنفعل .. ثم رفعت رأسها لابنتها الواقفة على السلم وقالت بهمس" اششششش اخفضي صوتك لا نريد المزيد من الفضائح .. أنت لك وضع خاص يا بسمة وتعلمين ذلك جيدا "



وضع خاص! ..

وضع خاص !..

تلك العبارة التي سأمت من سماعها على مدى ثلاث سنوات فهتفت قائلة" أنا ارتدي بهذا الشكل منذ ذهابي للعاصمة يا أمي.. وكنت ارتديه على فترات متقطعة قبل ذلك أثناء ذهابي للكلية.. ما الذي تغير الآن لا أفهم؟ .. كيف يكون نفس الشيء مقبولا وأنا متزوجة وغير مقبول وأنا مطلقة!!"



شعرت الحاجة فاطمة بقلة الحيلة كالعادة وباليأس من أن تقنع ابنتها التي تغيرت كثيرا منذ طلاقها بأن تحاول تجنب كلام الناس أكثر من ذلك .. فنظرت لبسمة بحزن أخرس الأخيرة ورقق قلبها لأمها خاصة بعد أن لمحت لمعان الدموع في عينيها فقالت بشفقة "ما بك يا أمي ؟"

اطرقت المرأة برأسها تمسك بطرف حجابها وتمسح عينيها مغمغمة بخفوت " لا شيء يا ابنتي افعلي ما تريدين "

نزلت بسمة الدرجتين الباقيتين على السلم وربتت على كتف أمها تقول بتعاطف "حسنا يا أمي ماذا تريديني أن أرتدي؟ .. ( واضافت بلهجة ساخرة لم تستطع التحكم بها لا تخلو من الشعور بالقهر ) أخبريني ما الذي يليق بمطلقة في عيون الناس.. شوالا من الخيش مثلا ؟"

دخل الحاج سليمان الوديدي آتيا من الخارج يبدو الانشغال على وجهه .. لكنه انتبه لوقفتهما فقال بحاجب مرفوع" ماذا يحدث لمَ تقفان بهذه الشكل ؟"

اسرعت أم وليد تقول" لا شيء يا حاج لا شيء"

بينما بادلته بسمة نظرة باردة جعلته يقول بلهجة متوعدة وقد فاض كيله من الصبر عليها " سأنتهي من زواج وليد لأتفرغ لك يا بنت سليمان "

قبل أن تهم بالرد بادرت الحاجة فاطمة بقطع شجارا متوقعا بين الاثنين بأن دفعت بسمة برفق قائلة" اذهبي أنت يا بسمة وافعلي ما اتفقنا عليه (واستدارت لزوجها تقول) أكنت تريد شيئا يا حاج؟"

بعد بضع ثوان تبادل فيها الحاج سليمان نظرات متحدية مع ابنته قال لزوجته بامتعاض "أريد شايا للرجال بالخارج لمَ تأخر الشاي؟؟؟"

اسرعت زوجته تقول" الشاي جاهز حالا (وصاحت تنادي إحدى النساء) يا أم حنان الشاي يا أم حنان "

مرر الحاج سليمان نظراته بين الأم وابنتها ثم رفع سبابته قائلا بتحذير" لا أريد أي تقصير في أي شيء "

قالها واستدار خارجا من باب البيت بعد أن عدل من وضع العباءة الثمينة المعلقة على كتفيه فوق جلبابه الأبيض بينما جزت بسمة على أسنانها واسرعت بالصعود إلى الطابق الأعلى بخطوات عصبية.. فوقفت الحاجة أم وليد مكانها تشيع ابنتها بنظرات متحسرة على شبابها الذي يضيع عاما بعد الأخر دون أن تطمئن عليها في بيت يخصها وزوج يرعاها.



وغمغمت بتوسل " يا رب لأجل حبيبك النبي .. فوضت أمري إليك .. اجبر بخاطرها بسمة بنت بطني واهدِ لها نفسها .. ورد عنا كيد الأعداء يا كريم "

×××××


يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 03-01-20, 11:05 PM   #159

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 5

وقفت أمام المرآه المشقوقة من المنتصف تلف حجابها الأسود حول وجهها ذا السُمرة الداكنة وتأكدت من إدخال بعض الشعيرات الهاربة فوق جبينها من شعرها المجعد لتداريها بالوشاح.. ثم نظرت لعباءتها السوداء قبل أن تهم بالمغادرة .. لكنها توقفت مستاءة من منظر جسدها الطويل النحيف الذي تتعمد مداراته بعباءة سوداء وتأملت مقدمة جذعها التي تبدو مسطحة دون أي معالم أنثوية بارزة بوضوح .. فسألت نفسها نفس السؤال الذي تسأله كل مرة تنظر فيها لنفسها في المرآه ..
هل عليها أن تلبس تلك الملابس الداخلية النسائية المبطنة بالإسفنج لتحسن من شكلها وتصنع لها بروزا يشعرها بالثقة بين النساء ؟.
لتعود وتغمغم بصوت خفيض " من ستضللين يا أم هاشم؟؟.. البلدة كلها تعلم بأنك لا تملكين ذلك البروز الأنثوي .. هل ستفاجئينهم بأنهما قد نبتا إليكِ فجأة "
ضحكة ساخرة انفجرت من خلفها لتجد ابنة عمها تقول وهي تتلوى على السرير " لا تحاولي يا أم هاشم (ووضعت كفيها فوق مقدمة جذعها البارز بأنوثة ملفتة تفوق سنوات عمرها الستة عشر وأكملت بإغاظة ) فما لم يكبر في سنوات المراهقة لن ينبت في الثلاثين من العمر يا ابنة عمي "
بلعت أم هاشم المرارة في حلقها وردت ساخرة" هل بيّتِ لسانك في الرَدة* طوال الليل يا وفاء فاستيقظتِ لتجدينه قد نفش وبات طويلا !"
تلوت وفاء في السرير تضحك بميوعة وكأنها تغيظها بجسدها الممتلئ وبياض بشرتها .. فأمسكت أم هاشم بالوسادة وألقتها عليها قائلة" نامي يا وفاء .. لمَ أريتنا طلتك البهية في هذا الوقت المبكر من الصباح على غير عادتك .. فالساعة لا تزال العاشرة وهذا قد يضر بصحتك يا حبيبتي "
قالتها ثم تحركت تغادر الغرفة وهي تسمع الأخرى تقول" بل سأقوم حتى ألحق بفرش بنت العمدة"
خرجت أم هاشم إلى ساحة دار عمها تلقي تحية سريعة على زوجة عمها وتتجاوزها مغادرة لتلحق بها الأخيرة تقول" إلى أين يا أم هاشم؟"
توقفت الأخيرة واستدارت إليها ترد بوجه ممتعض " إلى ديوان عام رئاسة الجمهورية لأباشر عملي كرئيسة جمهورية البلاد !"
طالعتها المرأة بعدم فهم .. فضربت أم هاشم بيدها فوق الأخرى وهي تضعهما فوق بطنها قائلة بلهجة ساخرة "إلى أين برأيك سأذهب يا خالتي؟"
قالت المرأة " ألم تقولي ليلة أمس بأنك لن تذهبي للعمل اليوم رغم أن صاحب السوبر ماركت قد رفض أن يمنحك إجازة ؟.. (وفركت كفيها ببعضهما تقول بلهجة ناعمة بعض الشيء ) لهذا قلت لو أنك تصنعين لنا حَلّة من المحشي من يديك الحلوتين هاتين .. فخطيب سامية سيأتي اليوم وقد أعجبه المحشي الذي صنعتيه المرة الماضية"
عدلت أم هاشم من حجابها حول وجهها وقالت "وهل تعتقدين يا صباح أني قد أخذت إجازة من العمل لأطبخ للمحروس خطيب ابنتك .. ثم تخبرونه بأنها هي التي طبخت !"
ضحكت المرأة بحرج وردت وهي تربت على كتف أم هاشم بمحاباة مزيفة تدركها الأخيرة جيدا "إنهن أخواتك .. والأخت تقف بجوار أختها .. وفي المقابل سيرزقك الله بزواج قريب إن شاء الله"
جاءت السيرة التي تذبح أم هاشم ..
لكنها حافظت على ملامحها دون تأثر وردت متهكمة كعادتها " الآن تتمنين لي زواجا قريبا!.. وبالأمس كنتِ أنتِ وبناتك الخمس تتبادلن النكات بوصفي بالعانس السوداء !"
اسرعت المرأة بالقول" كنا نداعبك لا أكثر يا أم هاشم .. منذ متى وأنت تستائين من هذا المزاح!"
طالعتها أم هاشم بملامح هادئة لثوان غير مصدقة تلون البشر على حسب مصلحتهم بهذه الفجاجة ثم قالت " أنا لست متفرغة اليوم (وتحركت وهي تكمل ) لابد أن ألحق بفَرْش بنت العمدة .. فمهجة تريدني من أجل رص وترتيب النِيشْ* ..سلام"
قالتها أم هاشم وهي تبتعد بخطواتها العسكرية الخالية من الدلال الأنثوي في الوقت الذي مصمصت زوجة عمها شفتيها ثم تمتمت بتهكم" وهل اخطأت أنا وبناتي حين قلن عانس! .. أجل عانس سوداء.. وحمدا لله أن بناتي لم يتأثرن بعنوستك "
××××







"نعم !!!! .. لم أفهم يا كاميليا أي سيارة التي تريدين مني أن أرسلها لك ؟؟!!!"
قالها جابر في الهاتف غير مستوعبا وهو يقف في وسط محله الكبير لبيع الأجهزة المنزلية في مركز المحافظة .. فردت كاميليا موضحة "سيارتك يا جابر ( واكملت بلهجة يشوبها بعض السخرية) هل نملك أكثر من سيارة !"
جز جابر على اسنانه وقال يكتم الغيظ "يا كاميليا أنت ستذهبين لبيت الوديدي والأمر لا يحتاج سوى لعدة دقائق مشيا على الاقدام "
صاحت باستنكار "وهل تريدني وأنا متأنقة وأرتدي أفخم العباءات أن أذهب إليهم سيرا على قدماي !"
صمت لثوان يحاول استيعاب ما تقوله ثم قال باستغراب" منذ متى وأنت تهتمين بمجاملة بيت الوديدي! .. ألست لا تحبين بسمة؟"
ردت مصححة "بل لا أطيقها"
سألها باندهاش "إذا لمَ ستذهبين؟!!"
ردت ببرود وهي تنظر لنفسها في المرآة وتلعب بأطراف شعرها المصبوغ بالأصفر"
أنا لن أذهب من أجل عائلة الوديدي بل من أجل بيت العمدة .. فلابد أن نحافظ على الصلة القوية معهم كما أنني ( وصمتت قليلا تنظر لنفسها قائلة بابتسامة شامتة تزين شفتيها ) كما أنني أتحرّق الآن لمقابلة بسمة فلم استطع مقابلتها إلا لمحات خاطفة منذ أن عادت من العاصمة "
نظر جابر لأعلى متمتما بصوت خافت" لا حول ولا قوة إلا بالله (ثم سألها ) وما دخل ذلك بضرورة ذهابك بالسيارة يا كاميليا إن الأمر سيكون مبالغا فيه جدا "
هتفت بحنق "وهل تعتقد بأن مليكة ستأتي سيرا على الاقدام ؟.. أو سيسمح لها زوجها أو اخوتها بذلك ؟!.. وهل تعتقد بأن بسمة نفسها لو كانت المناسبة في بيت العمدة كانت ستذهب سيرا على الاقدام !! "
سكت جابر يحاول أن يجد مبررا لنفسيتها الحقودة تلك والتي يئس من اصلاحها لتضيف كاميليا بدلال تتقنه " هل ستبخل عليّ بأن أكون مدللة من زوجي أمام الناس يا جابر؟!"
وقف يحك جبينه غير مقتنع بما تطلبه ثم قال محاولا لإيجاد حلا وسطا " كاميليا المسافة بين بيت العمدة وبيت الوديدي بعيدة .. أما بيتنا فقريب جدا منه .. اسمعي سأرسل لك توكتوك ليأخذك من أمام البيت حتى هناك "
صاحت باستنكار " توكتوك !!.. توكتوك يا جابر!!!"
قال جابر موضحا "لولم أكن قد وعدت بعض الاخوة لاصطحابهم في رحلة عودتي من المحل للقرية للمباركة لكنت مررت عليك رغم أن المسافة فعلا لا تستحق .. فإن كنت سآتي بالسيارة هذا لأني آت من خارج القرية في هذا الوقت من النهار والكل يعلم بذلك ..لكن اذا مررت عليك لآخذك سيكون الأمر مبالغا فيه جدا أن نتحرك أنا وأنت من أمام بيتنا هذه المسافة الصغيرة بالسيارة"
هتفت بغضب "وأنا لن أركب توكتوك يا جابر "
قال جابر بحزم " إذن لا تذهبي يا كاميليا ..وهذا أفضل للجميع .. اتركيني الآن فلدي ما أفعله قبل أن اذهب للمباركة ..سلام"
قالها واغلق الهاتف يحوقل ويستغفر ويعيد التفكير في الأمر رغبة منه في ارضائها .. لكن الأمر كان مستهجنا جدا بالنسبة له فهو يكره المبالغة بشدة.
فوقف شاردا بينما ظل مساعده في المحل يراقبه بتمعن قبل أن ينفض جابر عنه الشرود ويقول محاولا التركيز "هات الفواتير لأراجعها يا عصفور قبل أن اذهب ..هات يا بني فمن الواضح أنه يوم لن يمر على خير "
××××
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ

* الردة : نخالة القمح

* النّيش: خزانة من الخشب بأبواب زجاجية ترص بها الاطباق من الخزف والبورسلين وغيرها وكذلك الفناجين وكاسات الكريستال بشكل ديكوري منسق ومفارش منقوشة لتتزين به شقة العروس .

يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 03-01-20, 11:06 PM   #160

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 6

في إحدى الاستراحات على الطريق السريع هدر صاحب المحل في الشاب الذي يعمل لديه" أنت يا فالح استيقظ"
انتقض الشاب مفزوعا في وقفته خلف طاولة الخدمة ينظر حوله مرتعبا وهو يقول " ماذا حدث .. ماذا حدث"
رد الرجل متهكما" حدث أنك تنام أثناء العمل يا حبيب والديك "
دلك الشاب رقبته وغمغم ناعسا" هذا طبيعي يا أستاذ فكري .. فأنا أعمل منذ مساء أمس وكان من المفروض أن أكون نائما الآن"
قال الرجل بغيظ "وما ذنبي أن صاحبك قد اعتذر عن المجيء في وردية الصباح .. هيا أفق فأنا أرى سيارات قد ركنت بالقرب من محطة البنزين"
قالها صاحب المحل وخرج بعصبية يقف خارجه يدخن سيجارته بينما برطم الشاب بغيظ "هو يعتذر وأنا أواصل الليل بالنهار"
بعد دقائق صوت الجرس الذي يحدثه باب المحل حين يُفتح جعل العامل يستدير بابتسامة مفتعلة مرحبا بذلك الشاب ذو القامة الطويلة والملابس الأنيقة الذي خلع نظارته الشمسية يضعها فوق رأسه بمجرد دخوله واهداه ابتسامة هادئة قبل أن يتجول في المكان ويلتقط عدة أنواع من الشكولاتة والمكسرات .. ثم اقترب من العامل قائلا" أريد كوبا من اللاتيه من فضلك"
ضرب العامل على ماكينة الكاشير سعر الشكولاتة والمكسرات والقهوة اللاتيه وأخبره بالمبلغ ليخرج الشاب حافظة نقوده وينقده المبلغ قبل أن يقول" سأترك مشترياتي هنا وأذهب للحمام حتى تعد اللاتيه "
ابتسم العامل وتحرك ليعد القهوة وهو يشاهد الشاب يختفي بالداخل .
بعد دقائق قليلة سمع العامل جرس فتح الباب فاستدار بنفس الطريقة بابتسامة متسعة ليستقبل زائرين جدد فوجد سيدة ومعها طفلاها قد دخلوا .. ليحييهما قبل أن تتجمد الابتسامة على شفتيه وهو يرى نفس الشاب الذي دخل منذ قليل يدخل مجددا من الباب .. فرفع حاجبيه مندهشا وقد ظنه قد توجه للحمام .

تحركت السيدة مع طفليها في المكان بينما اقترب الشاب منه بوجه عابس وقبل أن ينطق قدم إليه العامل كوب اللاتيه
فنظر الشاب للكوب ثم سأله بامتعاض "ما هذا؟؟"
نظر العامل للكوب وقال" طلب حضرتك "
ناظره الشاب بنظرات متسائلة عن مدى صحة قواه العقلية ثم قال واضعا يديه في جيبي بنطاله " أنا لم اطلب شيء بعد!"
رمش العامل بعينيه وشعر بالارتباك .. ثم نظر في الفاتورة التي في يده يقول " ألم تطلب اللاتيه والشكولاتة والمكسرات !!"


مط الشاب شفتيه ثم هدر فجأة قائلا" كلا لم أطلب شيء بعد .. هل سنقف نتحدث حتى المساء ؟!!..أم أذهب لأطلب من مكان آخر؟!!"
صوته العالي نسبيا واسلوبه العدائي جعل الشاب يسرع بالقول بارتباك " آ… آسف يا فندم ..ماذا تطلب؟"
رد الشاب " أريد نسكافيه بلاك"
ضرب العامل على الكاشير ثم سأله" أي شيء أخر؟"
حرك الشاب رأسه بلا .. وأخرج حافظة نقوده ..فأخبره العامل بالمبلغ الذي دفعه على الفور.
فسأله العامل بارتباك وهو يشير للكيس على المنضدة أمامه " وهذه المشتريات يا فندم ألن تأخذها؟"
نظر له الشاب باستغراب ثم قال بعصبية "أنا لا أريد هذه الأشياء أريد نسكافيه بلاك فقط .. أم أنكم تتعمدون بيع الزبائن أشياء اضافية لا يريدونها مع الطلبات (واستدار حوله قائلا) أين صاحب المكان؟"
ارتبك العامل وقال بسرعة وهو يمسك بكيس المشتريات من على المنضدة ويخفيه في أحد الادراج " أنا آسف .. آسف .. اعتبره غير موجود "
وقفت المرأة تتطلع فيهما بفضول وهي تنتظر دورها للكاشير فأفسح لها الشاب المجال بأدب ثم قال" أنا ذاهب للحمام"
رمش العامل بعينيه عدة مرات ثم ضرب رأسه بيده عدة مرات أخرى فطالعته المرأة بتوجس ليسرع العامل بحساب مشترياتها ويبتسم لها ابتسامة مرتبكة مودعة وعيناه تتحركان بين الحمام وباب المحل الزجاجي .. وحين غادرت أخذ يضرب يده برأسه قائلا "استيقظ يا بكر استيقظ .. لقد بدأت في الهلوسة (ثم غمغم وهو يعد النسكافيه) حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا شعبان"
بعد دقائق خرج الشاب من الحمام .. فتنفس بكر الصعداء أنه لم يكن يهلوس هذه المرة .. ليبادره الشاب بابتسامة متسائلة حين وضع أمامه كوب النسكافيه ثم قال" أنا طلبت لاتيه !"
اتسعت عينا الشاب ثم هتف بحنق " عرضت عليك اللاتيه لكنك رفضته وطلبت نسكافيه"
جحظت عينا الشاب وهتف باندهاش " أنا؟!!..(ثم نظر على المنضدة وقال بفزع ) أين مشترياتي؟!!"
قال بكر بارتباك " أنت رفضت أخذها يا فندم "
كشر الشاب عن أنيابه وقال باستياء " هذا نصب .. لقد حصلت على قيمتها من النقود بالفعل ألم ادفع لك حقها؟ .. (ونظر حوله مغمغما ) أين صاحب المحل ما هذا النصب العلني ؟!"
أسرع الشاب يقول بلهجة باكية " أرجوك ..أرجوك يا فندم .. أنا لم أنم منذ أربعة وعشرين ساعة ولم يأتي زميلي ليستلم وردية النهار فاضطررت للعمل بدلا منه .. سامحني.. "
تطلع فيه الشاب بشفقة ليقول بكر بارتباك وهو يخرج كيس المشتريات ويضعه أمامه" هذه الشكولاتة والمكسرات هل تخصك؟"
رد الشاب بهدوء" نعم "
غمغم بكر بارتياح "جيد (واستدار يضع كوبين أمامه مضيفا) وهذان كوبان من النسكافيه البلاك واللاتيه .. لا يهم أيهما تريد .. سأمنحك الآخر معه هدية .. لكن أخفض صوتك من فضلك ولا تشتكيني فأنا أحتاج بشدة لهذه الوظيفة وبدونها ستنهار المصائب فوق رأسي "
لاح التأثر الشديد على وجه الشاب فغمغم بتعاطف" نكتفي بهذا القدر ( وعلّا صوته قائلا ) اظهر وبان عليك الأمان"
خرج من ناحية الحمام شاب أخر صورة طبق الأصل من الشاب الواقف أمام بكر .. فشهق الأخير وجحظت عيناه وهو يخبر نفسه بأنه بالتأكيد يهلوس بسبب عدم النوم بينما قال الشاب العبوس موبخا الآخر "لماذا كشفت الأمر بهذه السرعة كنا تسلينا قليلا يا سمج "
قال الشاب البشوش بتعاطف" يكفي هذا على الشاب المسكين "
سألهما بكر بلجلجة " أنتما توأمان؟"
أومأ الشاب البشوش برأسه وهو يناول شقيقه الكوب الخاص به ثم يلتقط ما يخصه من مشتريات ويقول" كنا نمزح معك يا بطل"
قالها وهو يخرج حافظة نقوده وينقده منها مبلغا كبيرا كإكرامية ثم غمز له مغادرا.. ليقول الأخر ذو الوجه العبوس بلهجة متهكمة "كنا في فقرة الكاميرا الخفية "
وأشار له على بقعة وهمية في سقف المحل يضيف قبل أن يغادر محدثا خلفه ذلك الجرس الخاص بفتح الباب
"ابتسم للكاميرا "
وقف بكر متسع العينين يحاول الاستيعاب ثم غمغم بعد دقائق " سبحان الله الاثنان نسخة متطابقة كيف يفرقونهما عن بعضهما؟!!"
ثم عاد ينظر للباب الزجاجي هاتفا خلفهما "لم تخبراني على أي قناة سيذاع البرنامج؟؟؟"
ونظر لسقف المحل مجددا حيث أشار الشاب على موضع الكاميرا لكنه لم يجد شيئا!.
×××××


بعد دقائق
في سيارة دفع رباعي سوداء ضخمة تليق بطوليهما وعضلاتهما انفجر التوأمان كامل وشامل ضاحكين .. ليقول شامل وهو يجلس بجوار مقعد السائق بعد أن بدلا القيادة "اشفقت عليه المسكين كاد أن يجن "

شغل كامل السيارة وبدأ في التحرك بها ممسكا بيده الأخرى كوب النسكافيه وقال "خسارة ..كنت أتمنى أن نطيل اللعب لوقت أكبر .. حين دخلت ووجدته يقدم لي اللاتيه أحببت أن ألاعبه قليلا "
قال شامل مشفقا" كنت أود ان أجاري مقلبك حين أخبرتني في الحمام لكني لم استطع تحمل منظر وجه المسكين "

فتح شامل كيسا من الشكولاتة وألقاه لأخيه الذي التقطه قائلا" ستفسد علينا الحمية وتضيع تعب الشهور الماضية"

قال شامل وهو يلقي بقطع الشكولاتة في فمه" لا بأس سنرفع المزيد من الأثقال في صالة الحديد "

ساد الصمت لبعض الوقت يتطلعان في الطريق أمامهما ويتذكران أحد ألعابهما المفضلة في إرباك الأخرين بالتظاهر بأنهما شخصا واحدا.. فنظر شامل لأخيه متأملا ومتسائلا عن عدد المرات التي قاما فيها بهذه الخدعة منذ أن أدركا بأنهما متطابقين بشكل مخيف .. ليرتعش قلبه وهو يفكر كيف سيستطيع أن ينفصل عنه .. كيف سيقدر على تحمل الابتعاد عنه .. إنهما نادرا ما تحركا منفصلين .. دوما هما شخص واحد.. كيف سيقسم هذا الشخص إلى نصفين واحد هنا والأخر في امريكا ؟!.





"اخرس وكف عن ثرثرة الأفكار هذه ولا تحاول التأثير عليّ"



قالها كامل بعبوس وهو يركز على الطريق أمامه ليجيب شامل بإستهبال" وهل فتحت فمي!"





شتمه كامل ثم قال وهو يشير إلى رأسه "أرحمني من أفكارك التي تطن في رأسي كذبابة الفاكهة"






فضحك شامل ضحكة خشنة وادار وجهه نحو النافذة يتطلع فيها..
لكن داخله لا يزال حزينا ..




نهاية الفصل الأول
منتظرة انطباعاتكم بشوق

مع حبي

شموسة





Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:50 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.