شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء) (https://www.rewity.com/forum/f394/)
-   -   وأشرقت في القلب بسمة (2) .. سلسلة قلوب مغتربة *مميزة ومكتملة * (https://www.rewity.com/forum/t464653.html)

Shammosah 04-09-20 11:00 PM

3
 
(3)



لا تزال الصدمة كبيرة ..
وكأن السماء قد وقعت فوق رأسها ..
إنه لأمر مخيف أن تكتشف بأنك شخص أخر غير الذي تعرفه .. أو أن هناك ( أخر ) يسكنك .. يسلبك الإرادة ويفعل ما لا تعلم عنه شيئا ..
هكذا كانت ترى الأمر.. فما تثرثر به الطبيبة منذ ربع ساعة لم تفهم منه شيئا سوى هذا أو ربما لا تريد أن تقتنع بغيره..
أ كُل هذا لأنها ترفض الحديث عن نجمة؟؟!..
كل هذا لأنها كتمت وجعها عن الجميع؟ ..
كانت مقتنعة بأنها بذلك ترحم من حولها من بؤسها وشقائها .. ترحمهم من عذاباتها وآلامها .. احتفظت بكل هذا لها وحدها .. تجرعت الحزن وحدها .. فإذا بها تكتشف بعد كل هذا الوقت بأنها تؤذيهم جميعا أثناء نومها ..
لقد سمعت عن موضوع السير أثناء النوم لكنها لم تتوقع أبدا بأنها قد تكون واحدة من ضحاياه .. كان كالسمع عن شيء بعيد .. يحدث في عوالم أخرى ليس له علاقة بها ..
لقد نامت طوال الوقت منذ تلك المواجهة بينها وبين أخوتها ولم تستيقظ إلا لفترات قصيرة متقطعة وتعود للنوم بعدها .. كل هذا يشعرها بأنها كالتي تسبح في فجوة زمنية ..فهي غير قادرة على تحديد كم مر من الوقت ..ولا تريد ..فلم يعد للأيام معنى ..
لقد ضاعت نجمة .. وهي على وشك الضياع..
منذ وفاة ابنتها وهي تشعر بأنها كبالون مملوء بغاز الهيليوم يريد أن يرتفع ويرتفع ويترك سطح الأرض .. فكانت تتشبث بمن حولها .. وتمارس ألعابا عقلية لتخدع نفسها بأنها قد نسيت أو بأنها قوية ومتماسكة ..لكن يبدو أن كل هذا كان زيفا .. وها هي قد أذت من تحبهم .. أضرت بسمعتهم وفضحتهم في مجتمع صغير يعرف بعضه البعض .
عليها الآن أن تترك تشبثها بهم .. وتختار الضياع كالبالون في الفضاء السرمدي المظلم .. حتى تبتعد هي وأحزانها وأوجاعها بعيدا عن الجميع ..
ويا ليتهم ينسونها ولا يتذكرون لها إلا أنها كانت تحبهم بالفعل .. وأنها كتمت كل شيء عنهم حتى لا تُمرِر حياتهم فما تحمله بين جنباتها من الوجع يهد جبالا .
"أنا أعرف بأنك تسمعينني يا مليكة"
قالتها الدكتورة أمنية وهي تتطلع فيها راقدة على جنبها تثبت نظراتها في الفراغ ..
لم تنطق بشيء منذ تلك اللحظة التي واجهها فيها أخوتها بما صدر منها .. لم تنظر حتى للطبيبة حين دخلت ..ولا تريد أن تنظر ولا تريد أحدا فليتركوها لتضيع في الفضاء السرمدي المظلم.
أضافت الطبيبة بعد أن شرحت لها حالتها وأخبرتها بما فعلته مع أخويها ليلة أمس حين استيقظت تريد الذهاب لنجمة "أنا أعرف بأنك لا زلت مصدومة لكني على ثقة من أنك ستتغلبين على صدمتك في أسرع وقت فما علمته عنك ممن يهتمون بك وما لمسته أنا بنفسي في تلك الزيارة التي زرتني فيها في العيادة بأنك امرأة قوية وحمولة .. صدقيني يا مليكة حالتك هذه نستطيع أن نحجمها ونسيطر عليها وتتعلمين كيف تتعايشين معها ..الأمر فقط يحتاج منك تقبل الحالة والتعاون معي في فتح جروح الماضي وتطهيرها حتى تتماثلين للشفاء .. أنت بذلك لا تنسين نجمة أبدا ..فهي ستظل ندبة مؤلمة في قلبك كلما لمستها احسست بالوجع .. تفريغك لشحنة ضغط المشاعر التي تعيشين بها سيساعدك على أن تستمري في حياتك .. سيساعدك على التطلع للأمام.."
طُرق باب الغرفة ودخلت الممرضة تقول "الدكتور أكرم بالخارج "
هزت الدكتورة أمنية رأسها بالموافقة ثم نظرت لمليكة التي تبدو أمامها كصنم مفتوح العينين وقالت" هل سترفضين مقابلته هو الأخر؟.. إن اخوتك لم يتركوك منذ أن جئتِ إلى هنا"
دخل أكرم يتطلع في مليكة بعد أن منعت عنها الزيارة منذ صباح أمس حتى تستريح تماما من أي ضغوط .. فقال وهو يقترب ويتطلع في أخته بقلب مفطور "كيف حالك يا مليكة؟ (وحين لم يجد منها ردا أضاف ) ألن تردي على أخيك أكرم ؟"
مدت مليكة يدها ببطء وشدت الغطاء عليها حتى غطت رأسها بصمت وشعور كبير بالخزي من نفسها يسيطر عليها فأغمض أكرم عينيه لثوان متألما بينما قالت الطبيبة بهدوء وهي تترك مقعدها بجوار السرير "لنعطيها المزيد من الوقت حتى تستعيد سيطرتها على نفسها واستيعاب الأمر .. (ونظرت لمليكة المختبئة تحت الغطاء وأضافت ) أنا سأنتظر منك إشارة لنبدأ العلاج يا مليكة وكلي ثقة في قوتك"
تحركت الطبيبة مغادرة بينما وقف أكرم يشعر بالعجز وهو غير قادر على مساعدتها على تخطي هذه المحنة.. نفس الشعور الذي كان يشعر به بعد وفاة ابنتها ..
كان قد اطمئن عليها حينما استطاع أن يزوجها من الرجل الذي أحبته ولم يكن يعلم بأن القدر سيقول كلمته وأن الله سيمتحن صبرها بما حدث .. ورغم معرفته بأن أي علاج نفسي لابد من تعاون المريض فيه حتى يؤتي ثماره لكنه لا يزال يلوم نفسه على أنه لم ينتبه لحالتها .
لقد كانت تبدو أمامه عادية .. حزينة وتعاني من بعض الاضطرابات في النوم لكنها بدت عادية وكان هو متفهما لحزنها ويعلم بأن التجربة صعبة عليها لكنه لم يكن يتصور أبدا بأن حالتها سيئة إلى هذه الدرجة ..
تألم قلبه وهو يجدها مستمرة في الاختباء منه ولم يعرف من ناحية أخرى ماذا سيفعل مع والده الذي يصر على الحضور لزيارتها .. يشك في تلك الكذبة التي أخبروه بها ..
قال بحشرجة" حسنا أنا سأتركك كما تشائين ..فخذي وقتك.. لكن عودي لنا أقوى من ذي قبل .. واعلمي بأننا كلنا معك وفي ظهرك ومستعدون لأي شيء مهما كان حتى تتخطين كبوتك .. فمن منا ليس له كبوة .. أو لحظات ضعف .. أو أخطاء ..وأنت لم تتعمدي أي شيء .. بل كنت تحبسين أوجاعك بداخلك .. كلنا مقدرون حجم مصابك يا مليكة لكني سأقول لك ما سبق وقلته بعد الحادث الأليم .. إنها أقدار وأعمار .. ومكتوب لها أن تغادر في تلك اللحظة لا أنت ولا أمي التي حملت نفسها الذنب هي الأخرى ولم تتحمل الصدمة ورحلت ولا أي منا قصر في شيء "
قالها ثم مال عليها يربت عليها و يقبل رأسها من فوق غطاء السرير قبل أن يسرع بمغادرة الغرفة .. ليطالعه عمار في الخارج ويحاول أن يلتقط من ملامحه المتجهمة أي إشارة تريحه لكنه لم يجد بينما أخرج أكرم الهاتف من جيبه وتحرك في طرقات المستشفى بخطوات عصبية وهو يضعه على أذنه قبل أن يأتيه صوت مفرح يسأله بلهفة" هل حدث شيء يا دكتور أكرم ؟طمئنني "
هدر أكرم فيه بعصبية" متى ستأتي لتراها ها ؟.. أنت تتركها منذ يومين وأنا لا أعرف هل عليّ أن أخبرها بأمر والدك فتشعر بالثقل أكثر وبأنها السبب أم ماذا .. كيف تتركها بهذا الشكل يا مفرح فهي بالتأكيد تنتظرك "
قال مفرح بصوت متألم " اقسم بالله أني اتقطع في كل دقيقة منذ أن سلمتها لكم .. لكني غير قادر على ترك المكان هنا .. اسأل بنفسك بشر سيخبرك بأن حالة أبي لا تزال غير مستقرة وقد تعرض لبعض المضاعفات..(وأمسك برأسه وحدق لأعلى في جلسته فوق مقعد في استراحة المستشفى يقول بخفوت متألم ) ليلة أمس قررت بعد منتصف الليل أن أسرق بضع ساعات إلى العاصمة لكني تساءلت من سيسمح لي بالزيارة قبيل الفجر .. ما يمنعني عنها شديد يا أكرم والله شديد"
أطرق الأخير برأسه وقال بلهجة أقل حدة" أعلم ذلك يا مفرح لا تؤاخذني أخرجت ما أشعر به من عجز على مساعدتها فيك "
سأله مفرح بلهفة لأن يسمع خبرا مطمئنا " كيف حالها الآن؟.. أنا فكرت أن أتحدث معها على الهاتف لكني شعرت بأني سأنهار لو فعلت ولن أقدر على الصمود بعيدا عنها ..وكما فكرت أنت فكرت أنا بأنها لو علمت عبر الهاتف بأن والدي في المستشفى قد يزيد هذا من سوء حالتها أعرفها لا تتحمل الأذية لأحد ..خاصة وأني غير موجود معها لذا فضلت أن تراني أمامها أولا ثم أخبرها بحالته وبأنه قد عبر مرحلة الخطر .. ولن أخفيك سرا أنا أشعر بصعوبة رؤيتها في هذه الحالة لا أعرف كيف ستكون حالتي حينما أراها"
غمغم أكرم "الحقيقة لا أعرف إن جئت هل سترفض مقابلتك أم لا فهي ترفض التحدث مع الجميع "
تماسك مفرح بصعوبة وأشاح بنظراته هنا وهناك ثم قال بحشرجة "ادع لوالدي أن يطمئننا الطبيب بأنه قد عبر مرحلة الخطر حتى أستطيع أن أتركه لبضع ساعات فأنت تعلم بأنه ليس له سواي "
قال أكرم بلهجة صادقة " أتمنى من الله أن يشفيه ويشفي مليكة ويلطف بنا في مصابنا إن شاء الله .. اذهب الآن يا مفرح "
أغلق مفرح المكالمة وتطلع حوله بغير هدى يشجع نفسه حتى لا يسقط وينهار تحت وطأة الضغوط والآلام .. فاعتصر الهاتف في يده بقوة حتى كاد أن يسحقه في قبضته ورفع أنظاره للسماء مرددا " القوة من عندك يا رب .. اللهم لا تحملنا مالا طاقة لنا به "
××××
الثامنة مساء
توقفت السيارة أمام بيت العم عيد وقال شامل لونس بلهجة محذرة "كما اتفقنا إياك أن تتحدثي عن مرض مليكة فلا نعرف بعد ماذا قيل لأهل البلدة عنها .. وإياك والحديث عن موضوع كامل فهو أمر خاص بالعائلة وأنت بالتأكيد لن تفضحي عائلة زوجك سأغضب منك بشدة لو تحدثت في هذا الأمر مع والدك"
لم يبد عليها أي ردة فعل كحالتها الغريبة طوال الطريق بعد أن أصرت بانهيار شديد أن تسافر مما اضطر شامل لأن ينفذ لها رغبتها ويسافرا في هذا الوقت من المساء ..
يتملكه الحيرة والتعجب والحزن ولا يفهم ماذا يحدث معها بالضبط ..وهل كل هذا بضغط من هرمونات الحمل أم لا ..
فتحت ونس باب السيارة وترجلت منها مسرعة حينما خرج عيد ليتفقد الوضع خارج المنزل بعد أن سمع صوتا ليتفاجأ بونس التي هرولت إليه وتعلقت برقبته تحضنه فتمتم عيد بعينين متسعتين "ونس! .. ما الذي أتى بك فجأة هل حدث شيء؟!"
شددت من احتضانها له فتطلع عيد في شامل الذي ترجل من السيارة واقترب منه مسلما فبادره بالسؤال" ماذا حدث ماذا فعلت لها ؟"
الجدية التي تعلو وجه شامل أصابت عيد بالقلق أكثر وهو يرد "لا أعلم ..لقد أصرت فجأة على أن تأتي إلى هنا وتبيت في غرفتها القديمة فاضطررت لإحضارها بسبب إلحاحها "
ابعدها عيد عنه يسألها" ما بك؟.. من أحزنك؟"
هزت ونس رأسها بلا شيء وعادت لحضنه فقال عيد لشامل "تفضل إلى الداخل"
قال شامل معتذرا" لا .. لابد أن أعود فورا فأبي ضغطه عالي وقد أحضرنا له الطبيب اليوم كما أن لدي مشوار هاما في الصباح أنا مضطر للمغادرة فورا "
قال عبارته الأخيرة وهو يضغط على حروفها ويحدج ظهر ونس شذرا لربما غيرت رأيها ..بينما غمغم عيد " ألف لا بأس عليه .. سأتصل به في الصباح لأطمئن "
استدارت ونس إلى شامل تناظره بنظرات معتذرة فتحرك بوجوم يلف حول سيارته ويركبها أمام ذهول عيد الذي لم يستوعب بعد ما يحدث .
اشار لهما شامل وتحرك بالسيارة مغادرا يشعر بضيق شديد وباختناق وحيرة .. وأخذ يدعو في سره أن تحفظ ونس الأسرار ولا تتحدث بما تعرفه .
أما ونس فسألها عيد مدققا" هل تشاجرتما؟"
هزت رأسها نافية فعاد عيد يسأل" هل أحزنك أحد ؟"
ترقرقت عيناها بالدموع لكنها هزت رأسها نافية ثم عادت وتعلقت بعنقه تحضنه مجددا فقال عيد وهو ينظر حوله في المكان المظلم الهادئ "تحشمي يا بنت عيد ماذا تفعلين في الشارع !!.. هيا ادخلي .. (وأبعدها يسألها ) هل أنت جائعة ؟"
هزت رأسها بالإيجاب فعبس عيد ونظر في أثر السيارة التي اختفت وعاد يقول لها باستنكار" هل يتركك ابن نخلة بدون طعام!!"
ابتسمت ورفعت سبابتها تحركها في الهواء نافية ثم فتحت حقيبة يدها لتريه بداخلها سندويشات مغلفة ومخبوزات وعلبة عصير وزجاجة مياه وأنواع من الشيكولاتة فقال عيد متسع العينين "ما شاء الله وتطلبين الطعام !"
عوجت رأسها تطالعه بتدلل وتربت على بطنها بميوعة فعبس عيد وهو يتطلع فيها ثم سألها" هل أنت متأكدة بأنك حامل؟.. أنا لا أرى على بطنك أي علامة على الحمل !"
××××
طرقت بسمة على غرفة حمويها فجاءها الإذن بالدخول .. فلملمت شتات نفسها بعد بضع ساعات قضتهن وحدها في تلك الغرفة ثم قررت أن تتحلى ببعض المسئولية وتنزل للطابق الأرضي للاطمئنان على حمويها خاصة بعد أن علمت من زيلا بأن شامل سافر بونس إلى القرية فراسلتها على الواتساب منذ قليل واطمأنت على وصولها.
دخلت الغرفة ترسم ابتسامة ضعيفة مواسية لحميها الذي يجلس على السرير صامتا أمام التلفاز فسألته" كيف حالك الآن يا عمي ؟"
هز غنيم رأسه بدون كلام فعادت لتسأله" أين سوسو؟"
أشار لها نحو الشرفة فقطعت الغرفة نحوها وهي تقول "سأطمئن عليها"
في الشرفة الأرضية المطلة على جانب من جوانب الحديقة كانت سوسو تجلس ساهمة حزينة تحدق في الأضواء الخافتة فاقتربت بسمة وقالت "كيف حالك يا سوسو؟"
أدارت الأخيرة رأسها ورفعت إليها أنظارها تتمتم بابتسامة ضعيفة دون رد ثم سألتها" هل تواصلت مع ونس أو شامل؟"
ردت بسمة "تواصلت مع ونس وأخبرتني بأن شامل قد تركها في بيت والدها "
عادت سوسو تنظر أمامها وتقول متنهدة "لا أعرف ماذا أصابها بل ماذا أصابنا كلنا فجأة"
بلعت بسمة طعما مرا في حلقها وردت" هي بخير لا تقلقي أتوقع ما حدث لمليكة بالإضافة لضغط هرمونات الحمل يؤثر عليها ( ثم سألت حماتها ) هل آمر بإعداد العشاء؟"
تنهدت سوسو بحزن وردت " افعلي ما تريدين ليس لدي شهية مادام غنيم لن يأكل فأنا أيضا لن أأكل"
تأملتها بسمة كيف تجنح للصمت كلما شعرت بالحزن وكأن الصدمات تجبرها على اجترار الأحزان الماضية كلها .. وفكرت بإعجاب في ذلك الارتباط القوي بينها وبين زوجها وتمنت أن تكون هي وكامل مثلهما ..
لكن السؤال الذي ألح عليها .. ماذا كانت ستفعل سوسو لو كانت مكانها ؟.. وما هي حدود التضحية مع زوج تحبه ؟.. ترعبها فكرة أن يكون تلقيها الخبر بهذا الثبات بسبب مشاعرها وحبها لكامل دون الانتباه لكرامتها ..
وضعت بسمة يدها على كتف سوسو قائلة" أنا سأقنع عمي غنيم حتى يأكل .. "
ربتت سوسو على يدها فتحركت بسمة تخرج الهاتف من جيبها ووقفت على باب الشرفة تطلب كامل في المطعم والذي بادرها بالرد بسرعة لكن صوته كان واجما "نعم"
نازعها شعوران ..شعور بالغضب منه وشعور بالشفقة عليه فقالت بلهجة محايدة "هلا أمرت الطباخين بإرسال طعام العشاء لوالديك؟"
رد باقتضاب" تمام"
سألته باهتمام" وأنت ..هل تناولت عشاءك؟"
أجاب بنفس الاقتضاب "ليس لدي شهية كلي أنت مع والداي وأنا سأنتظر شامل حتى يعود "
"تمام"
أغلق الخط دون كلمة أخرى فمطت شفتيها وهمست لنفسها "عدنا لعنجهية ابن نخلة وغروره "
تقدمت في الغرفة نحو غنيم الذي يدعي متابعته لنشرة الأخبار لكنه كان لاه عنها شاردا فيما حدث صباح اليوم ..فجلست بسمة بجواره على السرير تقول" ألا تثق في كلامه وبأنه لم يفعلها في وعيه على الأقل ؟"
صمت غنيم قليلا ثم أومأ برأسه قائلا دون أن ينظر نحوها "بلى أثق فيما قال لكنني غير قادر على تقبل أمر شربه للخمر وما قد يكون قد فعله في لحظة غياب لعقله "
شعرت بسمة بالوخز المؤلم في قلبها لكنها قالت مدافعة "بالنسبة لموضوع الخمر كانت مغامرة كما قال أما الأمر الأخر فالحقيقة لا أعرف بم أرد "
غمغم غنيم بحزن "لو كان ابنه لن أتحمل ..والله قلبي لن يتحمل هذا الأمر"
ربتت بسمة على صدره تقول بمواساة صامتة" أشعر بك ولا أعرف كيف أتصرف أنا الأخرى "
نكست رأسها تفكر فتأملها غنيم ثم قال بلهجة متفهمة "أعتقد بأن الخبر قلّبَ عليك بعض الأوجاع القديمة"
رفعت إليه عينين دامعتين ولم تمر ثوان حتى انفجرت في بكاء غريب رغم أنها كانت متماسكة منذ تلقيها الخبر حتى لحظتها من ألا تنهار .. فربت عليها غنيم ثم أخذ رأسها ليسندها على صدره ويضمها إليه في حضن أبوي دافئ وداعم شجعها على إفراغ المزيد من الدموع وجعلها تغمغم فوق صدره "أنا آسفة ولكني اشعر بالارتباك الشديد .. لو كان نفس الموقف حدث بدون أن تتدخل مشاعري في الأمر كنت سأكون أقوى وردود أفعالي أعمق"
سألها غنيم متفهما "والآن ؟"
ردت من بين بكائها " الآن مشاعري متورطة في الأمر وهذا يرعبني يا أبي "
قالت الكلمة الأخيرة بدون أن تعي أو تنتبه تحت وطأة المشاعر التي ترزح تحتها لكن غنيم سمعها جيدا .. وأبهجته الكلمة العفوية بشكل لا يوصف .. خاصة وهو يعلم كيف كانت متحفظة بشدة في علاقتها مع الجميع .. تتقنع بقناع بارد جاد لا يبدي أية مشاعر ظنا منها بأنها بذلك ستبدو صلبة ..فابتسم وسألها" ولماذا ترعبك هذه المشاعر؟"
رفعت رأسها تناظره قائلة بلهجة أقل انهيارا " لا أعرف .. أخاف من أن تجعلني ضعيفة غير قادرة على اتخاذ قرار حاسم في حياتي .. أخشى من أن أرضى بوضع يقلل من كرامتي"
شاكسها غنيم قائلا" لابد أن هذه المشاعر قوية جدا حتى أنها أرعبتك وخفتي إلى هذه الدرجة من أن تؤثر على قراراتك"
ازداد نحيب بسمة فربت على كتفها مبتسما ثم قال" أتعلمين كيف تعرفين إن كانت هذه المشاعر معك أو ضدك؟ "
ناظرته بترقب وهي تمسح دموعها فرد غنيم" من قدر ثقتك في الأخر وفي حبه لك ومن قدر احترامك له ولمبادئه كانسان .. "
أطرقت بسمة برأسها شاردة فيما قال ليضيف غنيم" مشاعر وثقة واحترام متبادلون بين اثنين اعتقد بأنه رباط متين بينهما مهما كانت العواصف التي ستعصف بحياتهما معا ..سيظلان متشبثين ببعضهما بقوة"
صمتت تفكر ثم رفعت أنظارها تقول بحنق "وماذا إن كان هذا (الأخر) عينيه زائغتين؟!! .. فإن كانت هذه المرأة على حق.. فبالطبع ستحتك به في المستقبل من أجل الطفل ..فماذا يكون الوضع؟.. إن كان قد قبّلها من قبل أن يكون بينهما رباط فما بالك بعلاقة ستمتد العمر كله حتى لو كانت أم لابنه فقط"
ضحك غنيم رغم الألم في صدره ورد عليها بلهجة ذات مغزى "هذا الامر يعود لشخصيتك كزوجة أنا لا استطيع أن أفيدك فيه لكن كما يقول المثل ( قصي ريش طيرك قبل أن يذهب لغيرك )"
شرست ملامح بسمة وقالت بوعيد وتشفي من بين أسنانها "أنا لن أقص ريشه فقط.. أنا سأنزعه منه نزعا.. سأعذبه"
ضحك غنيم مجددا وقال" أنا شخصيا سأشجعك على هذا الأمر حتى تقتصي لنا جميعا منه "
ابتسمت له بسمة بامتنان تشعر ببعض الراحة ثم سألته "وماذا عن موقفك أنت منه؟"
عاد غنيم لوجومه وقال موضحا" أنا موقفي مختلف عنك ..فأنا حزين على استهتاره وتهوره .. أتمنى من الله أن يلطف بنا في النتيجة وتكون مجرد شدة أذن له .. فأنا أملي في الله كبير أن يرحمنا من هذا الابتلاء "
ربتت بسمة على صدره تؤمن على ما يقول بتذلل شديد لله .. ليس فقط من أجلها .. ولكن من أجل كامل وأسرته الذين لن يتحملوا أمرا كهذا .
××××


يتبع





Shammosah 04-09-20 11:00 PM

4
 



(4)


قبيل الفجر

هتف شامل بانتصار ونظر لأخيه الواجم مغيظا ومرقصا حاجبيه .. فألقى كامل بمتحكم الألعاب الإلكتروني على الطاولة المنخفضة أمامه بعصبية وعاد بظهره يستند على ظهر الأريكة بمزاج عكر .

قال شامل وهو يتصنع المرح للتخفيف على توأمه بعدما قرر أن يسهر معه الليل فكلاهما يشعر بالتوتر" هذه الجلسة ينقصها ابن الزيني "

رد كامل بوجوم "مسكين.. اشفقت عليه حينما حدثناه منذ بضع ساعات للاطمئنان عليه.. إنه لم ينم منذ ثلاثة أيام تقريبا"

أطرق شامل برأسه في حزن ثم عاد يتطلع في أخيه الذي ألقى برأسه للخلف مغمض العينين فقال له" إن شاء الله ستكون النتيجة سلبية أنا أتذكر جيدا أنك كنت تعذبني طوال الليل بسبب نومتك خلف ظهري وكدت أن توقعني من فوق السرير مرتين "

رد كامل بنفس العبوس" يا رب يا شامل يا رب "

قال له شامل بلهجة ذات مغزى وقد استشعر ضيق توأمه من موقف بسمة المتعنت معه" ما دامت قد رجعت في كلامها وعادت لتنام في غرفتكما ربما هذه إشارة لتدعوك للعودة للغرفة أيضا "

عدل كامل رأسه ورد بنفس الوجوم " لا فهي سألتني بعد العشاء إن كنت لازلت مصرا على أن أترك الجناح وأنام في مكان أخر أم سأنام في الجناح فتبيت هي في غرفة أخرى ففهمت الرسالة وأخبرتها بأني لن أنام في الجناح الليلة (ثم أضاف ساخرا يقلدها مداريا شعورا بالضيق لقرارها هذا) من فضلك يا كامل أنا أعصابي متعبة وأريد أن استريح (وأضاف باستنكار ) أنا اتعب أعصابها؟!! .. أنا ؟!!. عموما كما تريد فالأمر لا يفرق معي "

طالعه شامل بطارف عينيه بما يعني( الكذب حرام) .. فاستمر كامل على انكاره فقال وهو يهز كتفيه" صدقني أنا أيضا أعصابي متعبة وأحتاج لأن أبتعد عنها لبعض الوقت"

قال شامل بابتسامة ممتعضة " أحيانا تنسى ما بيننا يا حلوف ..( وأضاف بلهجة وقحة ) بل تقصد أن أعصابك متعبة وتحتاج جدا لأن تقترب يا ***"

لم يجاريه كامل في مزاحه بل ظل على وجومه يسيطر الامتعاض على ملامح وجهه فقال شامل بلهجة تمثيلية واضعا يده على صدره" ألا يكفيك وجودي معك يا أخي !.. وجود أخاك .. توأمك .. الذي قرر أن يقضي معك الليل بطوله ليؤنس وحدتك .. ويشعرك بالعضد والسند والمؤازرة "

تحركت مقلتا كامل ليناظره بقرف بينما استمر شامل في مناكفته قائلا بنفس اللهجة المسرحية المبالغة " لقد حرمت على نفسي النوم اليوم من أجلك يا توأمي .. حتى لا تكون وحدك في هذا الليل الموحش حولك "

تطلع كامل حوله في غرفة الألعاب .. ثم عاد إليه بنظراته ليضيف الأخير "أخوك الذي يقول لك لا تبتأس يا أخي فأنا معك .. "

اهتزاز صدر من هاتفه فالتقطه شامل من فوق المنضدة أمامه وهو يضيف " أخوك الذي يقول لك ( ونظر في الهاتف ثم استقام فجأة واقفا يقول بسرعة ) يقول لك اسهر وحدك يا كامل فقد أرسلت لي ونس"

اتسعت عينا الأخير وهو يراقبه مغادرا بسرعة فضرب كفا بكف بعدم تصديق ثم استلقى على الأريكة رافضا حتى أن يذهب لأي غرفة أخرى للمبيت فيها وكأنه يعاقب بسمة أو ربما يعاقب نفسه ..فانتظر أن يؤذن للفجر ليصليه ثم ينام.

أما شامل فأسرع بإلقاء نفسه على سريره ورد على ونس .

قبل دقيقة

تململت في سريرها القديم الذي اشتاقت إليه رغم بساطته .. الغرفة كلها اشتاقت إليها .

لقد كانت ليلة مؤرقة لم تنم فيها إلا قليلا تشعر بأنها محاطة بالكثير من الضغوط ..ففتحت الهاتف وأرسلت لشامل عبارة" صباح الخير"

كان لا يزال الوقت فجرا لكنها لم تصبر حتى يأتي الصباح وترسل له بعد أن وبخت نفسها على ما فعلته معه وذلك الانهيار الذي كانت عليه بل وعلى إصرارها أن يحضرها إلى هنا رغم معرفتها بالوضع الذي كان فيه بيت غنيم ..لكنها بالفعل كانت على شفا الانهيار وبحاجة ماسة للانفراد بنفسها.

تفاجأت باهتزاز الهاتف فأسرعت بفتحه لتجد شامل يرد "صباح النور ( وجه حزين)"

كتبت تسأله "لماذا أنت حزين ؟ولماذا أنت مستيقظ في هذا الوقت ؟"

رد عليها " لأني وحيد بائس .. جنيتي تركتني وذهبت لأنها لم تعد تحبني ( وجه حزين )"

"ولكنها تحبك جدا ( عينان تترقرقان بالدموع تأثرا) "

"لو كانت تحبني لم تكن لتتركني وحيدا .. أنا أشعر بالخوف (وجه يبكي ) "

ابتسمت وكتبت تسأله" مم تخاف؟"

كتب مجيبا "قلت لك وحيد وليس معي جنية لتدافع عني ضد الأشرار ( وجه يبكي )"

اتسعت ابتسامتها واعتدلت على ظهرها تحدق في الهاتف بعينين غائمتين .. فكتب يسألها بجدية" هل تشعرين بأنك أفضل ؟"

"أجل "

"الحمد لله "

"شامل"

"شبيك لبيك"

تسارعت دقات قلبها تشعر بالحنين فكتبت وقد انهمرت دموعها فجأة "أنا آسفة لتلك الحالة التي كنت عليها أمس لكني كنت أشعر بضغط شديد على أعصابي"

سألها باندهاش "لماذا يا ونس؟.. لقد كدتُ أن أتصل بطبيبتك واحجز موعدا للزيارة لنرى حلا في هذا الانهيار "

صمتت ونس ولم ترد ..فسألها" هل هذا بسبب ما حدث لمليكة؟"

"بالتأكيد له جزء كبير"

انتظر شامل لبرهة ثم سألها" والجزء الباقي؟"

صمتت قليلا تشعر بالحيرة .. هناك ما يلح على رأسها لتتحدث عنه لكن هناك ما يمنعها أيضا .

"ونس هل لازلت موجودة ؟"

"أجل"

"أخبريني ما الذي يضغط عليك بالإضافة لموضوع مليكة ؟"

صمتت ولم يتلق منها ردا فسألها "هل موضوع جلسات التخاطب له دخل في الأمر؟"

ردت بصدق" أجل"

"لماذا؟!"

"لأنها تشعرني بأني فاشلة"

زفر شامل واستلقى على السرير يكتب " أنت لست فاشلة يا ونس .. والاخصائية أخبرتني بأنك تستطيعين الآن نطق بضع كلمات لكنك تبخلين علينا بفرحة سماعها"

"لأني بنصف لسان "

كتب بصبر " يا ونس قلت لك أكثر من مرة عليك بتقبل نفسك كما هي .. كما نتقبلك نحن كما أنت .."

مسحت دمعة من فوق خدها وكتبت " لو كنتم تتقبلوني كما أنا لماذا تصرون على تلك الدروس الخاصة بالتخاطب؟! "

"لأنك بحقيقتك تستطيعين التحدث ببعض الكلمات هذه هي حقيقتك ونحن نتقبلك بها حتى لو كانت بضع كلمات ليست متقنة النطق"

غلبها بمنطقه ولم تجد ردا مناسبا فكتبت "لا أعرف أشعر بالضغط الشديد "

سألها شامل " حسنا ..ما رأيك أن نوقف دروس التخاطب؟"

سألته بفرحة " حقا! (وجه يصدر قلوبا حمراء)"

رد شامل مؤكدا " بالطبع فأنت لست مجبرة أبدا ..كان ذلك من أجلك أنت لتحققي حلم عزيز بعد ارتدائك للسماعات الجديدة "

شعرت بالتردد والحيرة فكتبت" من الممكن أن نوقفها لبعض الوقت "

كتب بسرعة " لك هذا وإن لم تريدي أن تستأنفيها فلا بأس الجنية تأمر والجني ينفذ (وجه يغمز)"

أرسلت له قبلة حمراء وقلب .. فسألها" هل هناك شيئا أخر يزعجك ؟"

ردت بمراوغة تنفي ثم سألته "متى ستذهب لذلك التحليل؟"

"قبيل الظهيرة"

"حين تنتهي هل ستستطيع أن تحضر لتأخذني؟"

سألها بشقاوة "هل اشتقت لي؟"

"جداااا .. لم أنم طوال الليل بسبب افتقادي لوجودك معي "

تراقصت ابتسامة عابثة على شفتيه وسألها" هل افتقدت لجانب معين فيّ؟ ( وجه يغمز)"

اتسعت ابتسامتها في خجل ثم كتبت" نم قليلا وسأحاول أنا أيضا أن أنام وسأنتظرك بعدما تنتهي من ذلك التحليل"



بعد قليل تحركت تغادر الغرفة حينما لمحت والدها قبل دقائق يستعد للصلاة فوضعت الهاتف في جيبها وخرجت للبحث عنه .

كان عيد قد فرغ من الصلاة حينما دخلت عليه الغرفة فاستقبلها مبتسما وهو يشعر بدفء البيت من جديد بوجودها .

اقتربت وجلست على الأريكة أمامه بينما ارتكن هو بظهره للحائط المقابل مفترشا الأرض فوق سجادة الصلاة يفرد ذراعه فوق إحدى ركبتيه المرفوعة أمامه ويمسك بالسبحة.. فابتسمت له بهدوء .

تأملها عيد في صمت .. لقد تغيرت ابنته .. هذا ما لاحظه منذ أن تزوجت .. صارت أكثر هدوءً ونضجا ..لكنها رغم ذلك لا تزال بالمقارنة بقريناتها شقية ومتهورة ومندفعة .

سألها للمرة العاشرة" هل أنت متأكدة بأن كل شيء بينك وبين زوجك بخير ؟"

هزت رأسها بتأكيد ثم شكلت له بسبابتيها وابهاميها شكل قلب فغمغم متبرما وقد اشتاق لها ولحركاتها المائعة" كفي عن الميوعة التي أصابتك بها الحياة في العاصمة يا بنت عيد"

ابتسمت فتأملها من جديد تستند بكفيها إلى جانبيها فوق الاريكة العالية وتهز جذعها للأمام والخلف بحركة بطيئة قلقة فقال مدققا "لماذا أشعر بأنك تريدين قول شيء؟"

كانت تتمنى أن تتحدث في أمر معين .. لكنها تراجعت وعبارة ما تمر في رأسها .. عبارة لوالدها عمرها ثمان سنوات يقول ناهرا بصوت مرعب ( اخرسي تماما ولا تتفوهي بتلك الترهات ..فما تقولينه من هذيان سيقلب البلدة كلها فوق رأسي ورأسك وسنصير مسخرة الناس حين يتأكدون من أنها إحدى تخيلاتك المراهقة .. إياك والتحدث في هذا .. ولا شأن لنا بما يخص أكابر البلدة )

هزت ونس رأسها بقوة تنكر ثم مالت على جنبها على الاريكة تتوسد كفيها تحت خدها فسألها عيد "هل ستنامين هنا ؟"

هزت رأسها بالإيجاب مغمضة العينين فقال لها "ولماذا لا تنامين في سريرك ؟!"

حركت كتفها رافضة فقال لها" حسنا نامي لبعض الوقت ثم أوقظك لتفطري .. (وأضاف متهكما ) ألا تزال معدتك تهضم الفول والطعمية؟.. أم أنها تعودت على أكل العاصمة المائع "

اتسعت ابتسامة ونس ولم ترد .. فتأملها حتى ذهبت في النوم ثم استقام واقفا وأحضر غطاءً يضعه فوقها ومسد على رأسها يقاوم شيطانه الذي يرعبه من اللحظة التي ستلد فيها طفلها.

××××

السابعة صباحا

عبس عيد وهو يسمع طرقا على الباب فترك المطبخ قائلا لونس "ضعي طبق الفول على الصينية واغسلي الجرجير جيدا"

ثم خرج مسرعا ليفتح الباب قبل أن تتسع عيناه ويقول متفاجئا" شامل !"

بابتسامة واسعة لا تمت لحالته العابسة الليلة الماضية بصلة قال شامل بلهجة منغمة "صباح الخير يا حمايا العزيز"

تطلع عيد فيه وقال "كيف جئت في هذا الوقت المبكر جدا من الصباح؟.. بل متى خرجت من منزلك ؟"

أجاب شامل وهو يدخل من الباب" لقد صليت الفجر ثم ركبت السيارة.. قلت لابد أن ألحق الإفطار( واستدار إليه يقول بابتسامة عريضة أثارت غيظ عيد ) افتقدت الإفطار معك يا حمايا العزيز "

خرجت ونس من المطبخ تصدر صيحة فرح متفاجئة قبل أن تسرع نحو شامل الذي استقبلها بين ذراعيه فتعانقا يرفعها من فوق الأرض أمام نظرات عيد المغتاظ والذي هدر فيهما "تحشما أنا أقف أمامكما ألا يوجد أي احترام لوجودي !!"

ابعدها شامل قائلا لحماه ببرود" لا تؤاخذنا يا حاج فقد اشتقنا لبعضنا "

عوج عيد شفتيه وطالعه بنظرات ممتعضة قبل أن يشيح بيده قائلا لونس التي أنارت الابتسامة وجهها" هيا يا مدللة أمامي لنكمل إعداد الإفطار "

تعلقت عينا ونس بشامل سعيدة بقدومه وتحركت بظهرها مبتعدة بينما هو يقف أمامها يديه في جيبي بنطاله بوقفة متباهية وقال مجيبا على السؤال الذي يطل من عينيها "قلت فلآتي وأعيد جنيتي مبكرا قبل الذهاب لذلك المشوار "

قال عيد بعصبية "هيا يا ونس وتحدثا فيما بعد"

تنحنح شامل يقول " ما رأيك أن تستريح أنت يا حماي العزيز وأعد أنا معها الفطور؟"

قال عيد مغيظا وهو يربط على ذراعه " لا يا حبيب حماك .. تفضل اسبقنا أنت إلى الغرفة وسنعود إليك بالفطور بعد قليل (وتحرك يقول لونس بعصبية ) هيا أمامي"

تبادلت الأخيرة النظرات التي تتفجر منها القلوب مع شامل الذي غمز لها بعينه ثم دخلت .. ليدخل عيد خلفها وهو يبرطم لنفسه بخفوت " لم يتركها سوى بضع ساعات ثم يقول مشتاقان لبعضهما.. ما هذا الجنون!"

××××


يتبع







Shammosah 04-09-20 11:01 PM

5
 


(5)




بعد يومين

العاشرة صباحا

تبادل مفرح ومصطفى النظرات السعيدة بشأن ما أخبرهما به الطبيب للتو من استقرار حالة العمدة .. فتنفس مفرح الصعداء وقبل ظاهر كفه وباطنه شكرا لله .. ليقول مصطفى وهو يتطلع في هيئته شديد الإجهاد "أنت لم تنم سوى سويعات يا مفرح خلال الخمسة أيام الماضية ..هيا اذهب وأنا سأبقى مع العمدة "

قال مفرح بعزم " بل أحتاج لزيارة مليكة فهلا ساعدتني في الاعتناء بالحاج يا أبا حمزة ؟"

قال مصطفى مؤكدا " لا تقل هذا الكلام يا ابن عمي .. طبعا .. لكن نم لبضع ساعات أولا "

تحرك مفرح بعض الخطوات المسرعة للخلف وقال" لا ليس هناك وقت للنوم سأسافر فورا "

قالها وأسرع مهرولا.. فلحقه مصطفى بصوته يقول بقلق "انتظر وسأرسل معك أحد الأولاد ليقود لك السيارة"

أشار له مفرح بالرفض وأسرع بالركض عبر ممر المستشفى فغمغم مصطفى بقلق" حفظك الله وأوصلك بالسلامة"

××××

بعد ثلاث ساعات

دخلت الممرضة تقترب من مليكة التي تنام على جنبها محدقة في الفراغ قائلة بصوت هادئ" سيدة مليكة.. زوجك مفرح الزيني بالخارج .. وأخبرتني الطبيبة المعالجة أن أسألك إن كنت توافقين على مقابلته أم لا"

أدارت مليكة عينيها نحو الممرضة وبدا عليها انتباها جعل الممرضة تميل عليها قليلا وتكرر" مفرح الزيني زوجك بالخارج هل يدخل؟"

رفعت مليكة يدها في الهواء وتكلمت بحشرجة" هلا ساعدتني على النهوض من فضلك ؟"

ابتسمت الممرضة مندهشة من ذلك البصيص من الطاقة الذي دب فيها .. فعدلتها لتجلس وتنزل ساقيها من فوق السرير .

تكلمت مليكة ببطء وخفوت وهي ترفع يدها الثقيلة نحو شعرها" أريد مشطا"

في الخارج كان مفرح يقف في حالة غريبة ومرتبكة ..لقد قطع الطريق كله إلى هنا في أسرع وقت ممكن له .. لكنه بمجرد أن تحدث مع الاستقبال واتصل بالطبيبة التي طلبت منهم أن يسألوا مليكة إن كانت توافق على الزيارة أم لا سيطر عليه الارتباك .. ولم يعرف كيف سيقابلها..

هل يجري عليها بلهفة حينما يراها ؟.. أم يتعامل ببساطة كأن شيئا لم يكن حتى لا يشعرها بالحرج؟.. أم يتكلم بتهكم وممازحة حتى تشعر بأن الأمر بسيط وأنه ليس عليها أن تشعر بأي إحساس بالذنب أو شعور بالحرج ؟..

لم يعرف.

وضع كفه على الحائط بالقرب من غرفتها وكأنه يتحسس وجودها قبل أن يدخل .. وتساءل في سره.. ماذا لو رفضت أن يدخل إليها؟! .. من حقها أن تفعل ذلك فهو لم يستطع زيارتها طوال خمسة أيام ولم يقدر على التحدث معها في الهاتف حتى .. لم يطاوعه قلبه ..بالإضافة لأنها كانت ترفض الحديث والزيارات .

تطلع في مقبض الباب وهو يتحرك وتسارعت دقات قلبه بشكل هستيري وهو يرفع نظراته للممرضة التي خرجت تفسح له الطريق بالدخول ثم تحركت مغادرة .

بحركة تلقائية رفع يديه يمشط شعره ونظر إلى تلك الملابس التي ارتداها على عجل حينما ذهب للبيت ليغتسل ويبدل ملابسه.. وبخطوات مرتبكة وأنفاس ثقيلة دلف إلى غرفتها وتطلع فيها ..

أخيرا رآها بعينيه شاخصة أمامه بعد أن مرت عليه لحظات رعب خلال الأيام الماضية بأنه ربما قد فقدها للأبد .

كانت شاحبة الوجه جالسة على طرف السرير ترتدي منامة أنيقة يجزم بأنها جديدة فلم يرها عليها من قبل .. شعرها العسلي الناعم ينام على كتفها الأيمن كضفيرة واسعة .. وكانت تضم كفيها إلى حجرها وتتطلع فيه بصمت وترقب..

تأوه باسمها بخفوت وهو يسرع الخطى نحوها حتى دون أن يدرك ذلك " مليكة "

تطلعت فيه بابتسامة ضعيفة فسقط أمامها على ركبتيه يتطلع فيها مدققا وكأنه يطمئن على كل جزء فيها لكنه كان متحفظا من المبادرة بلمسها فقد أعطته الطبيبة توجيهات بأن يتعامل معها بحذر شديد ويستقرئ منها ما الذي ستسمح به .

ردد مجددا بهمس وهو يرفع أنظاره لها" مليكتي"

كانت أطرافها مخدرة بل هي بكليتها في حالة من حالات الارتخاء الشديد بفعل المهدئات القوية التي تتناولها فرفعت ذراعها ببطء وعيناها تتجولان على صفحة وجهه المرهق والهالات الداكنة تحت عينيه وتحسست خده ولحيته وهي تقول بخفوت "هل أنت حقيقة .. أم .. هلوسة"

ترقرقت الدموع في عينيه ووضع يده فوق كفها على خده ثم أغمض عينيه بقوة وحرك وجهه ليقبل باطن كفها بقبلة بطيئة فهمست "ظننت بأني لن أراك مجددا"

فتح عينيه وناظرها قائلا بحشرجة" هل هذا ما تظنينه في مفرح؟"

ردت بخفوت مبررة" قصدت بأنهم سيضغطون عليك لتطلقني بعدما اكتشفوا الأمر.. سمعت عمار يتحدث مع أكرم بأن والدك في المستشفى ففهمت"

عاد ليقبل باطن كفها الذي يحضنه بين كفه و خده وهو يلجم نفسه من الانقضاض عليها وسحقها بين ذراعيه .. فقالت مليكة وهي تتأمله بعينين دامعتين "إن اضطررت لتطليقي يا مفرح ..أنا سأتفهم موقفك ..فأنا أعلم جيدا حجم المصيبة التي تسببت فيها وحجم الضغط الذي يمارس عليك"

"هل استطيع أن أحضنك؟"

سألها مفرح باستجداء مرتعش الصوت فردت بترجي "أرجوك"

قبل أن تتم كلمتها كان قد استقام واقفا ورفع جسدها بين يديه وحضنها بقوة يدعم جسدها المرتخي من السقوط.

لم تقدر مليكة على رفع ذراعيها لاحتضانه لكنها قالت ببطء "آسفة جلبت لكم الفضيحة"

حضنها بقوة قائلا بجوار أذنها "الحمد لله لم تتسببي في أية فضيحة ..لقد تم احتواء الأمر فلا تشغلي بالك.. كما أنك لم تفعلي أي شيء في وعيك"

قالت بخفوت متألم" لقد أحرقت الزرع يا مفرح وكان من الممكن أن احرق الناس "

أبعدها قليلا يمسك بكتفيها قائلا "لا أنت لا تقدرين على أذية نملة صغيرة.. و هناك بالتأكيد تفسير نفسي ستخبرنا به الطبيبة عن سبب فعلك لذلك لكني أكيد بأنك لم تتعمدي أذية أحد ..كما أن ما أحترق كانت أجزاء صغيرة فالأمر كان منذ اللحظة الأولى واضحا بأن من يقوم به يفتقر للخبرة أو صغير السن ( وابتسم ابتسامة ضعيفة مضيفا) أو امرأة حلوة "

لم تستجب لمزاحه وخانتها ساقاها وشعرت بارتخاء جسدها فساعدها مفرح لأن تعود للجلوس على طرف السرير وعاد يجلس أمامها على ركبة واحدة لتقول ببطء وكأن لسانها مخدر هو الأخر" إنهم يعطونني مهدئات هذه الفترة ..لهذا أبدو هكذا بلهاء أمامك غير .. غير قادرة على .. تكوين جملة"

تألم قلبه بشدة على حال حبيبته فحضن كفيها بين كفيه وقال بلهجة عاشقة "بل أنت رائعة اقسم بالله رائعة.. وهذه مجرد فترة بسيطة ستخرجين منها أقوى من ذي قبل أنا متأكد من ذلك .. أتمنى فقط أن تتعاوني معهم"

قالت بخفوت وتقطيع " ولكني أخشى من أن ..يعطونني شيئا لأنسى الماضي ..فأنساك .. أنا لا أريد ..أن يمحوك ..من ذاكرتي يا مفرح "

لم يستطع مفرح التماسك .. لم يقدر أمام كلماتها المعذبة له والمؤلمة لقلبه .. فاستقام واقفا من جديد وأمسك بوجهها ينقض على شفتيها بقبلة قوية تحمل كل عنفوان مشاعره نحوها .. وكأنه يمنحها قبلة الحياة.. فتلقتها مليكة باستسلام وامتنان وانحدرت الدموع من جانبي عينيها .

حرر شفتيها يلهث لكنه أبقى وجهها مرفوعا إليه يحضنه بين كفيه وهمس ببحة أمام عينيها والدموع تتساقط من عينيه دون أن يدري "لو كان هذا هو المقابل حتى تتخلصي من كل آلامك وأوجاعك السابقة وتعيشي حياة سعيدة فانسي مفرح يا مليكة.. انسيه لو كان هذا هو ثمن سعادتك.. (وأضاف بصوت متهدج ) لكني متأكد بأنك ستحبيني من جديد ..فعشقنا لبعض هو قدرنا "

قالها ثم مال عليها يقبلها من جديد بقبلة مصاحبة لأنين متألم قبل أن يطلق سراحها ويتبادل معها النظرات المشتاقة.. ثم عاد لينزل على ركبة أمامها فقالت مليكة بخفوت مرتجفة كقلبها "لكني لا أريد أن أنساك .. من سأكون إن محيتك من ذاكرتي .. فأنت والولدان الجزء الحلو من الماضي والحاضر "

"والمستقبل يا مليكة والمستقبل .. (قالها مفرح وأضاف بتأكيد وهو يحضن وجهها ويحدق في عينيها ) لهذا إياك أن تستسلمي إياك .. إن كنت تحبينني أنا والولدين فإياك أن تستسلمي فنحن في انتظار خروجك .. في انتظار انتصارك على الوجع والألم كما كنت دوما"

قالت يائسة " لا .. لقد اكتشفت بأني أكبر كاذبة ..كنت أدعي أمامكم ما لست أنا عليه"

تكلم مفرح بإصرار "لا تقولي هذا.. فما مررت به قادر على أن يذهب عقل الكثير من الناس لكنك كنت لكل من حولك طاقة النور التي يلتف حولها الجميع .. أتدرين أن ونس وبسمة منهارتان بسببك .. بسمة اتصلت بي وأنا في الطريق وحين علمت بأنني ذاهب إليك بكت وحملتني رسالة لك بأنها تنتظر سماحك لها بالزيارة وبأن لديها الكثير لتخبرك به"

سألته بشوق أمومي "كيف حال أدهم وإياد؟"

أجاب مفرح "إنهما بخير عند مهجة (وفتش في جيوبه يقول) لقد أحضرت لك هاتفا جديدا .. لا أعرف إن كان القديم في السرايا أم لا ولم أجد الوقت لأمر عليها كما لم أرغب في مقابلة والدك فهو لا يزال لا يعرف بحالتك كاملة .. المهم أني أحضرت لك هاتفا وخطا جديدا حتى تتحدثي مع الولدين"

تطلعت في الهاتفين الذين أخرجهما ومدت يدها ببطء تأخذ الهاتف الذي أعطاها إياه قبل أن تسأله بخفوت "هل أضعت هاتفك مجددا ؟"

اتسعت ابتسامة على وجهه ثم هرش في مؤخرة رأسه بحرج فمدت يدها تتحسس لحيته قائلة بعينين غائمتين بالعشق "لا فائدة بك "

قال لها بسرعة " هل اتصل لك بالولدين لقد أخبرناهما بـ..."

"لا "

قالتها بلهجة قاطعة رغم خفوتها فناظرها مفرح بتساؤل لتضيف بتألم " لن استطيع .. سأنهار إن تحدثت مع أحدهما .. ولا أعتقد بأن لساني وذهني قادران على التجاوب أو اختلاق أي كذبة .. ولا أحبهما أن يعلما بما أصابني .. كما أنني (وصمتت قليلا ثم نطقت بارتعاش) بت غير كفء لمصاحبة الأطفال"

هتف مفرح بعبوس "من قال هذا؟؟"

قالت بلهجة مُرة " امرأة تسير وهي نائمة وتحرق الأشياء ماذا تعتقد بأنها قد تفعل دون إدراك"

رد مقارعا " لكنك أمهما ولم تؤذيهما أبدا"

تكلمت بعقلانية وباعتراف ضمني لنفسها بحالتها " كان هذا قبل أن يتفاقم الأمر ..فما فهمته أني كنت أسير أثناء النوم حينما أذهب للسرايا وأنام في غرفتي القديمة لكن منذ الحادثة أصبحت أسير هنا في الغرفة كل ليلة"

قال مفرح مشجعا "لا بأس سنستشير الطبيبة في هذا الأمر هل تريدين أن أتصل بهما وأفتح مكبر الصوت ؟"

ناظرته بتردد ثم قالت بخفوت" لا .. أشعر بأني قد أنهار وهذه المرة سأتلاشى في الهواء بلا رجعة ..ارسل لي مقاطع مصورة لهما فيما بعد .. (ولمست لحيته تقول بتوسل ) وأرجوك يا مفرح .. مهما حدث .. لا تجعلهما يكرهاني ..قل لهما أي حجة لاختفائي المفاجئ من حياتهما "

قالتها بلهجة مترجية أوجعت قلبه فتطلع في عينيها اللتين تنضحان بالألم وقال بإيمان قوي وهو يمسح بقايا دموع من تحت عينيه " ستعودين لهما أنا أكيد"

غمغمت يخنق البكاء صوتها " أشعر بأني سأحرم منك ومنهم للابد فحينما افكر فيما سمعته من الطبيبة أشعر بالخوف .. فمرض السير أثناء النوم ليس له علاج نهائي "

رد عليها بثقة " لكنك ستتعلمين كيف تحجميه وسنتعلم معك كيف سنتعايش معه .. نحن معا في السراء والضراء يا مليكة .. (وحدق في عينيها يقول بإصرار وهو يمسك بيديها ) أنا معك ..أنا وأنت لن يفرقنا إلا الموت أنسيت عهدنا !"

سألته " هل عرف والداك بما فعلت ولهذا دخل العمدة المستشفى؟"

رد عليها بهدوء " دعك من هذا الأمر .. أنا وأنت في محنة كبيرة ولن ننجو منها إلا بالعزيمة والصبر والدعاء الكثير .. أتعلمين .. رغم قسوة ما حدث .. ربما كان ذلك من أجل الخلاص.. من أجل أن أحررك من أسوار القرية .. وبإذن الله حين تتحسنين سآتيك بالولدين وسأقسم وقتي بين القرية والعاصمة ربما أقسم الأسبوع بين الاثنين"

باحت بما يؤلمها منذ دهر فقالت " لا أحب أن يعاني أحد بسببنا .. وفي نفس الوقت لا أفهم بم نحن أذيناهم بحبنا لبعض !"

وقف وحضن وجهها ثم مال عليها يقول" هل تذكرين تلك الأغنية التي أرسلتها لك يوما مع بسمة لأخبرك بأني لازلت أحبك رغم الفراق؟ "

هزت رأسها ببطء وتطلعت فيه والأمل يحاول أن يتلمس طريقه بداخلها بين ظلام دامس يسيطر على روحها ليضيف مفرح مدندنا الأغنية ببحة صوته "لو حبنا غلطة ..أتركنا غلطانين ..ما زال عشقانين .. مع بعض مرتاحين .. مين اللي قلك مين .. عن حبنا غلطة "

داهمتها الذكريات بحلوها ومرها فانهمرت دموعها ليجلس مفرح بجوارها ويسحبها لصدره فيضمها بقوة ثم يقبل رأسها عدة مرات ..قبل أن يستند بذقنه فوق رأسها ويرفع عينين دامعتين للسماء مرددا " الحمد لله .. الحمد لله على كل شيء ..الحمد لله أنك لا زلت معي "

××××





بعد ساعة

طرقت الممرضة على باب الغرفة طرقة خفيفة وانتظرت لثوان ثم فتحتها لتدخل قبل أن تتجمد خطواتها وتتطلع في المشهد أمامها بذهول ..

بجوار النافذة كان يجلس مفرح على المقعد يحمل مليكة متقوقعة على حجره ورأسها مستندا على صدره بينما هو رأسه ملقاة إلي يمينه يستند بها على الحائط وكلاهما يغطان في نوم عميق .

ارتبكت الممرضة ولم تعرف ماذا تفعل فانسحبت للخلف وأغلقت الباب مقررة أن تتصل بالطبيبة لتسألها هل توقظهما لتأخذ مليكة جرعة الدواء أم لا .

بمجرد أن أغلقت الباب قابلها أكرم يسألها" هل غادر الباشمهندس مفرح من عندها ؟"

بلعت الممرضة ريقها واحمرت وجنتاها وهي تقول بحشرجة" لا يزال موجودا "

تطلع أكرم في الدواء في يدها وعبس يناظرها بتساؤل وهو يقول "هل رفضت أخذ الدواء؟"

بنفس الوجنتين الحمراوين أجابت" بل .. أردت أن أسأل الطبيبة كيف اتصرف ..أقصد.."

رفع أكرم حاجبيه مندهشا وتقدم خطوتين يفتح الباب ويدور بعينه في الغرفة حتى توقفت أنظاره على تلك الزاوية بالقرب من النافذة ثم رفع حاجبا ووقف يناظرهما لا يعرف كيف يتصرف هل يصيح فيهما حتى يتحشما ويعتدلا أم يرأف بحاليهما ويسعد بتمسك زوج أخته الشديد بها .. فهو الأكثر دراية بقوانين القرية التي لا تغفر للمرأة بالذات أية غلطة.. ولا تتقبل فيها أي عيب .. وتمارس ضغوطا على الزوج للتخلص منها إن لم يكن هو المبادر بفعل ذلك ..

وهو الأكثر دراية بقوانين العائلات الكبيرة التي لا تسمح أبدا بالمساس بسمعتها حتى لو من أجل ذلك ستسحق قلوب تحت الأقدام .. ويعرف حساسية وضع مفرح كابن عمدة وتفاصيل علاقته بأهله .. كل هذا جعله يهيئ نفسه لقرار قد يضطر مفرح لأن يتخذه مجبرا خاصة بعد معرفة والديه بما فعلت مليكة وبعد دخول العمدة المستشفى .. وهذا كان يرعبه من أن تنتكس حالة أخته .. لكن مفرح كبر في عينه أكثر وأكثر رغم أنه كان كبيرا قبل ذلك .. وشعر بالفخر لأن زوج أخته رجل شجاع وعاشق لها حتى النخاع..

مط شفتيه وهو يعيد غلق الباب بهدوء فوجد الممرضة قد اختفت .. ليقف مطرق الرأس مفكرا يديه في جيبي بنطاله .

رن هاتفه فأسرع بالرد" أهلا عمار .. مليكة ؟.. إنها بخير .. مفرح؟ بخير أيضا .. لا لم يغادر بعد .. ( وأضاف بلهجة متهكمة ) يخضعان لجلسة تعافي من الصدمة حاليا "

××××



يتبع





Shammosah 04-09-20 11:02 PM

6
 
(6)


قبيل المغرب
فتح مفرح عينيه وعدل رقبته شاعرا بألم شديد فيها وتتطلع في الغرفة المظلمة بعض الشيء ثم تطلع في النافذة ليجد الشمس قد غادرت ..فاعتدل وقد أدرك بأنه قد نام لعدة ساعات دون أن يحس بشيء ..
أنزل أنظاره يتطلع فيها بعينين غائمتين بالحنان وهي مستقرة بملامح مستكينة آمنة على صدره فاعتدل في جلسته ثم استقام يحملها فوق ذراعيه بحرص حتى وضعها على السرير .
بعد قليل فرغ من الصلوات التي فاتته ونظر نحوها فوجدها تتوسد كفها وتتطلع فيه بسكون فابتسم ابتسامة ضعيفة وكلاهما يعرف أن لحظة الفراق قد حانت .. فاستقام واقفا ومال عليها يقول بخفوت أبح "تعلمين بأن عليّ أن أعود فأبي لا يزال في المستشفى "
هزت رأسها بضعف وقاومت رغبة بداخلها للتشبث به كالأطفال ..مستحضرة إرادة امرأة قوية كانت تشبهها يوما .. فمال مفرح على رأسها يقبلها بقبلة حارة يمنع نفسه من الاستسلام لمشاعر أكثر حسية تقديرا للمكان والزمان ولحالتها النفسية وقال بهمس "لابد أن أطير فورا "
قالت بضعف آلم قلبه "كُل شيئا في الطريق"
قال وهو يضع هاتفه في جيبه" حاضر "
"ولا تنس أن ترسل لي مقاطع مصورة للأولاد"
"حاضر .. وأنتِ ابقي هاتفك بجوارك دوما .. وعديني بأني سأجدك المرة القادمة افضل "
"حاضر .."
تحرك بخطوات ثقيلة نحو الباب متمنيا أن يأخذها معه لتبقى في حضنه .. لا يصدق بأنه سيقدر على تركها هنا في مكان غريب ويغادر ..
اقترب من الباب واستدار يناظرها قائلا" هل أشعل ضوء الغرفة "
"لا"
"هل أنت متأكدة؟"
"أجل "
"سأراسلك منذ اللحظة التي ستأتي بعد لحظة"
"سأنتظر"
أسرع الخطوات عائدا إليها ومال عليها يرفع رأسها بين كفيه يودعها بقبلة حارة على شفتيها .. ثم أعادها بحرص وغادر قائلا دون أن يستدير حتى لا يضعف "السلام عليكم"
بمجرد أن أغلق الباب خلفه انفجرت مليكة في بكاء حار وتمنت لو يبقى لساعة أخرى .
أما مفرح فمسح من طرف عينيه دمعة باغتته وفرت وارتدى قناع الوجوم وهو يسير بخطوات عصبية في ممر قصير حتى خرج على مكان أوسع به مقاعد للاستراحة قابل فيه علي وعمار اللذين وقفا يرحبان به وعمار يقول بلهجة متهكمة "صح النوم"
ابتسم مفرح ابتسامة ضعيفة محرجة وفهم بأنهما قد علما بأنه قد استسلم للنوم بإرهاق فسألهما "ستبيتان معها أليس كذلك ؟"
هز عليّ رأسه قائلا" أنا من عليّ الدور"
ربت مفرح على كتفه وهو يقول "أنا لابد أن أغادر فورا فقد تأخرت كثيرا .. سأتصل بك حينما أصل لأطمئن عليها .."
سلم عليهما وتحرك في عجلة من أمره يشعر بالثقل في قدميه اللتين لا تريدان التحرك من المكان ويشعر بألم عظيم جدا في قلبه لمفارقتها .
××××
بعد ساعة
اهتز الهاتف بجوارها فدفعت مليكة صينية الطعام تقول لعلي بضعف" يكفي هذا لست بقادرة على أكل المزيد "
تطلع أخوها في الصينية التي لم تأكل منها بشكل مرضي لكنه أعترف بأنها قد أكلت أكثر بكثير من اليومين الماضيين فقال مهادنا وهو يرفع الصينية من فوق السرير ويضعها جانبا "حسنا عديني أن تأكلي المزيد غدا "
التقطت الهاتف وفتحته ببطء لتجد إشارة لرسالة جديدة على الواتساب ففتحتها وقرأت ما كتبه مفرح ( هذه هي الأغنية .. أتذكرينها ؟ .. أرسلتها لك قبل عشر سنوات حينما نزلت في الأسواق .. وأصبحت بعدها أغنيتنا المفضلة .. سأسمعها أنا الآن في السيارة وإن كنت مستيقظة اسمعيها).
سألت مليكة أخيها "هلا أعرتني سماعات هاتفك فباقي ملحقات الهاتف في كيس وضعته الممرضة في الخزانة ؟"
هز علي رأسه وتحرك يلتقطها من على منضدة جانبية صغيرة بجوار هاتفه ثم سألها "هل أرسل لك مفرح شيئا؟"
هزت رأسها بالإيجاب فابتسم لتورد وجنتيها ومال يطبع على رأسها قبلة حانية ثم همس" سأنزل للكافيتريا لعدة دقائق "
في السيارة كان صوت وائل كافوري صادحا بالأغنية والذكريات تداهمه عن أول مرة اتصل فيها بمليكة بعد مرور عام من وفاة زوجته الأولى وبعدما استبد به الشوق .
لو حبنا غلطة
اتركنا غلطانين
مازال عشقانين
مع بعض مرتاحين
مين اللي قالك مين
عن حبنا غلطة ؟!
قبل إحدى عشر سنة
كان مرتبكا وجسده يرتجف وهو يتصل برقمها بعد أن سأل بسمة إن كانت لا تزال تحتفظ برقمها القديم الذي يحفظه أم لا .. ووقف في انتظار الرد وهو يتطلع حوله في شقته الفارغة في الوقت الذي كان ولداه الصغيران جدا يبيتان بغرفة بالأسفل لتتابعهما نسوة البيت .
أسئلة كثيرة كانت تنهال على رأسه لحظتها ..ومخاوف من الصد والرفض تسيطر على قلبه ..ولهفة عاشق على مشارف الجنون يتوق للتواصل مع حبيبه ليسأله (ألا زلت على عهد الهوى !).
جاءه صوتها رقيقا هادئا رزينا يخفي شوقا ولهفة ورغبة في البكاء وهي تقول" نعم مفرح"
انفجرت دقات قلبه لحظتها لتعلن عن عودته للحياة من جديد .. ودبت في جسده حرارة عشق كادت أن تحرق الروح فبلع ريقه وسألها بحشرجة" أما زلت تحتفظين برقمي؟"
عبارة واحدة قالتها كاد بعدها أن يفقد زمام أمره ويجهش بالبكاء " احفظها في رأسي كاسمي"
مش هاممني الدنيا كلها ..انت حدي
مش همي هِنِّي شو بدُن بعرف شو بَدي
بدي حبك أكتر بعد
بدي أعطي عيونك وعد
لولا بكرة تركنا بعض
هاي أكبر غلطة
انهمرت الدموع من عيني مليكة والسماعات في أذنيها تستمع للأغنية وتستعيد الذكريات .. وتذكرت تلك الأسطوانة التي أرسلها لها مع بسمة مربوطة بشريط من الساتان وعليها ورقة مكتوبة عليها بخطه الأنيق ( تقولين أن حبنا غلطة وعلينا الاستسلام .. لتعرفي ردي على كلامك اسمعي هذه الأغنية جيدا ) .. ثم قفزت ذاكرتها للحظة عقد قرانهما بعد ثلاث سنوات من الصراع للتأليف بين العائلتين .. ربما أهلها كانوا الأكثر لينا فوالدها كان يشعر بالذنب لما فعله بها بسبب ذلك الصراع وحين تقدم له مفرح للمرة الثانية وعلم منها بأنها لا تزال تحبه وتريده خاصة وأنها بعد طلاقها كانت ترفض الزواج رفضا تاما استسلم والدها لرغبتها وقد وعى الدرس جيدا تاركا لمفرح الفرصة الكافية لإقناع والده حتى تم الاتفاق على عقد القران بحضور المحافظ ومدير الأمن بالمحافظة كضيوف .
قبل ثماني سنوات
مط عبد الرحيم الذي يجلس بجوار ابنه في سرايا الصوالحة الضخمة شفتيه يحاول ألا يظهر عليه مشاعره الغير راضية ثم مال يرحب بالمحافظ الذي يراقب مراسم عقد القران ومفرح يضع يده في يد عبد الغني صوالحة وفوق يديهما منديلا أبيضا ..
في الوقت الذي جالت فيه نحمده بأنظارها بحقد في السرايا ذات الأثاث الفخم والتحف والثريات الكريستالية اللامعة حتى انتهت من تفحصها للمكان بتطلعها في الحاجة كوكب بنت العاصمة التي تزوجها وأتى بها عبد الغني الصوالحة للقرية قبل ذلك التاريخ بأربعين سنة .. ولم تقدر نحمده على أن تتحكم في وجهها المقلوب طوال الجلسة أو تخفي مشاعرها كزوجها فتطلعت في تلك الطفلة نجمة التي ترتدي فستانا منفوشا من التل الأبيض بدون أكمام أو أكتاف وتعلق على ظهرها جناحي فراشة من التل الأبيض أيضا تجلس على حجر جدتها .. فلوت عنقها تشيح بوجهها للناحية الأخرى حين لكزتها بكريتها فايزة التي تجلس بجوارها متأنقة ثم مالت عليها تهمس بشيء بعد أن اختلست نظرة لمليكة التي تجلس على كرسي بعيد ترتدي ثوبا باللون العاجي مزين بخرزات لؤلؤية وبجوارها بسمة وأم هاشم سعيدتان.
أما مهجة ذات الاثنتي عشرة سنة فكانت تمنع أدهم ذا الخمس سنوات وإياد ذا الأربع سنوات من التهام المزيد من الشيكولاتة من فوق الطاولة .
علت الزغاريد فملأت بهو السرايا معلنة انتهاء مراسم عقد القران ليسلم مفرح على حماه عبد الغني الصوالحة بحرارة شديدة ثم المحافظ ومدير الأمن قبل أن ينتفض واقفا ليجد في طريقه أخوة مليكة فسلم عليهم ثم يندفع مختزلا المسافة بينه وبين مليكة التي اتسعت عيناها بحرج حينما وجدته مقبلا عليها بهذا الاندفاع أمام الجميع .. فاستقامت واقفة بخجل ليسحبها مفرح إلى حضن قوي ملهوف كاد أن يحطم ضلوعها به.
تقبضت مليكة إلى جانبي جسدها بحرج شديد رغم فرحتها العارمة وانهمار دموعهما بينما همس مفرح" أخيرا .. أخيرا .. يا الله أخيرا "
اقترب أكرم منهما متنحنحا .. فلملم مفرح أعصابه واستعاد تحكمه في نفسه وتركها يستدير لأكرم الذي حدجه بنظرة لائمة قبل أن يقترب ويحضن أخته مباركا ..
بعد دقائق كانت مليكة تقبل ابنتها التي يحملها خالها علي على وجنتيها ثم قالت لها" هيا قولي مبروك للعم مفرح يا نجمة "
استدارت نجمة إليه فتطلع فيها مفرح يشعر بوخز في الندبة التي في قلبه وهو ينظر لذلك الكائن الملائكي الرقيق وأجبر نفسه على أن يركز فقط في عينيها اللتين تشبهان أمها بينما باقي ملامحها للاسف تذكره بصاحبه وكأنها قد تخلقت لتكون خيانة صاحبه له شاخصة أمام عينيه .. لكنه من أجل مليكة سيتحمل كل شيء حتى لو كان عذاب تعايشه للأبد مع ابنة صديقه الخائن ..
أخفى مشاعره عن الجميع بينما قالت نجمة وهي تشير بأصابع كفيها الصغيرين" سأعد حتى رقم ثلاثين من الأيام حتى تكون قد انتهيت من تجهيز غرفتي في بيتك الجديد أنت وأمي "
ابتسم مفرح وقال لها واعدا" كما وعدتك ثلاثون يوما يا نجمة "
قالت متخصرة "لكني أريد غرفتي بعيدة عن ولديك الفظين أدهم وإياد "
قالت مليكة موبخة "عيب يا نجمة ..( ثم ابتسمت مضيفة )عموما لا تقلقي لقد اخترت لك غرفة بعيدة عنهما وكل الأثاث الذي اخترتيه سنرسل لطلبه .. كما أن مفرح ينوي بأن يبني في المستقبل شقة من دورين سنجعل لك غرفة معنا بالطابق العلوي بينما أدهم وإياد ستكون غرفتهما بالطابق السفلي إن شاء الله .. (وغامت عيناها وقالت لها بحشرجة بكاء وهي تحضنها ) وأنا سأزورك خلال هذه الأيام الثلاثين يا حبيبتي كما أنك تستطيعين الاتصال بي في أي وقت"
قالتها وقبلتها ليقول علي وهو يناغش ابنة أخته ويهزها فوق ذراعه" اذهبي أنتِ يا مليكة فأنا ونجمتي والقرود أولادي سنلعب كثيرا في غيابك أليس كذلك يا نجمة؟"
هزت الأخيرة رأسها ثم عادت لمفرح تسأله "هل سأعد الثلاثين بداية من اليوم أم من الغد؟"
ابتسم مفرح ورد " من اليوم إن شاء الله"
وصمت يفكر في الحروب الكبيرة مع أكثر من جهة التي سيواجهها ليحقق لمليكة طلبها ورغم شعوره بالإجهاد الشديد بعد الفترة الصعبة التي مرت به لنيل مليكة أخيرا لكنه كان عازما على تحقيق رغبتها فهمس" في سره الله المستعان "
كانت الأغنية لا تزال تملأ الفراغ في السيارة حول مفرح كما تملأ الذكريات رأسه وفكر فيما مر به هو ومليكة منذ أن أحبا بعضهما .. فانفطر قلبه كيف وصل به الحال بعد كل هذه الرحلة الصعبة وبعد كل هذه المعاناة وحرب طواحين الهواء لأن يضطر لتركها في مستشفى للحالات النفسية والعصبية في العاصمة ويعود بدونها .. فدمعت عيناه وهو يتطلع في الظلام الدامس أمامه على الطريق وشعور بالرجفة يسيطر على قلبه المتألم .
مكتوب علينا نشتاق للحب الهني
تا يخلص عمر الأشواق تا تفنى الدني
بدي حبك أكتر بعد
بدي أعطي عيونك وعد
راح نبقى دايما لبعض
لولا بكرة تركنا بعض
هاي أكبر غلطة
××××
بعد يومين
قالت بسمة في الهاتف بمراوغة "يا أم هاشم قلت لك أخوها أكرم مريض وهي موجودة معه "
سألتها الأخيرة "وهاتفها؟!"
ارتبكت بسمة وردت " علمت بأن به مشكلة؟"
كان كلامها غير مقنع لأم هاشم التي قالت "هل تريدين أن تقنعيني بأنها لم تتحدث معك يا بسمة كل هذا الوقت !!"
قالت بسمة بتلعثم وهي تنظر لكامل الصامت بجوارها يصف السيارة بهما بالقرب من المستشفى " اطمأننت عليها من مفرح وسمعت بأنها ستسافر مع أخيها أو سافرت معه لعلاجه خارج البلد لست متأكدة "
كان ما تقوله غريبا وغير مقنع فسألتها أم هاشم "وتركت الولدين ؟!!"
ردت بسمة بثبات " هذا ما فهمته"
قالت أم هاشم باندهاش " لماذا أشعر بأنك لا تقولين الصدق وبأن هناك شيئا غامضا يخص مليكة قد حدث "
قالت بسمة مطمئنة "لا شيء يا عروس انتبهي أنت لحياتك .. كيف حال الزواج معك ؟"
ردت أم هاشم بعبوس في وقفتها في الصالة تضع قبضتها في ظهرها "في نعمة كبيرة والحمد لله.. إذا توصلت لشي يخص مليكة من مفرح اخبريني أرجوك فقلبي غير مرتاح "
قالت بسمة مطمئنة "حاضر .. عموما اطمئني عليها"
صمتت أم هاشم عابسة غير مقتنعة ثم قالت "وأنت كيف حالك ألن تزوري البلدة قريبا سمعت بأن هناك عمل ناحية بيت الجد صالح ؟"
احمرت وجنتا بسمة وردت وهي تختلس النظرات لكامل "أجل فكامل مصر على إعادة بناء البيت"
غمغمت أم هاشم "حفظه الله لك ..إن علمت شيئا عن مليكة أخبريني لا تنسي وإن كانت غيرت رقمها أعطني الجديد "
عادت بسمة لتؤكد على كذبتها " أعتقد بأنها سافرت مع أخوها كما قلت لك سأتأكد من الخبر وأبلغك (وأضافت بسرعة ) سأعاود الاتصال بك فيما بعد لأني سأدخل مكان سلام "
نظرت أم هاشم في الهاتف بعبوس وظلت شاردة فيه لتسألها حماتها بتوجس "ما بك يا أم هاشم؟"
انتبهت الأخيرة وردت" لا شيء لا شيء "
وتحركت ترفع أطباق الإفطار بعد مغادرة جابر وزين ..فرن جرس الباب لتسرع لفتحه وهي تسأل "من ؟"
جاءها صوت نصرة تقول" أنا أم كريم يا أم هاشم افتحي "
اتسعت ابتسامة الأخيرة وهي تفتح لتجد نصرة ومعها اسراء التي قالت بابتسامة دافئة" السلام عليكم يا عروس "
أما بسمة فتطلعت بعد دقائق في كامل الذي يسير بجوارها في بهو المستشفى يحمل سلة صغيرة في يده بها بعض الورد التي ابتاعها من محل صغير بجوار المستشفى واتجها في صمت نحو المصعد.
لا تزال علاقتهما متأثرة منذ ذلك اليوم الذي ظهر فيه أمر شيرويت رغم أنهما يتعاملان بشكل عادي طوال النهار لكنهما يتجنبان الحديث في ذلك الموضوع بالذات في انتظار ظهور النتيجة ..أما في الليل فلا تزال بسمة تطلب مزيدا من الوقت وحدها ولا يزال هو يعزف بغرور ذكوري عن محاولة الالحاح عليها للمبيت في الغرفة معها ..يشغله كثيرا أمر تلك النتيجة التي كلما اقترب موعد استلامها توتر أكثر .
خرجا من المصعد في الدور المقصود وتحركا نحو غرفة مليكة ليقول كامل وهو يعطيها سلة الورد "سأنتظر في الكافيتريا بالأسفل اتصلي بي حين تقررين المغادرة"
أخذت السلة فتحرك كامل يهم بالمغادرة لتنادي عليه بسمة" كامل "
استدار إليها فقالت محذرة "تجلس في الكافيتريا ظهرك لغالبية الجالسين "
رفع حاجبيه وسألها باستنكار" نعم !!"
رفعت ذقنها الذي يشتاق لتقبيل طابع الحسن فيه وقالت ببرود وهي تتطلع إليه بعينيها الزرقاوين الجميلتين " كما تفعل معي يا كامل ..هل تظنني لا انتبه لما تفعله حين نكون في مطعم فتختار لي المقعد الذي يكون فيه ظهري لغالبية الجالسين (وابتسمت ابتسامة صفراء تضيف ) وما دمت ستجلس وحدك بدوني فلا أريد للأخريات التحديق بك "
تغيرت ملامحه الواجمة لملامح أكثر لينا وتسلي فرفع حاجبا مستهجنا بينما أضافت بسمة بلهجة متهكمة ذات مغزى "خاصة وأن عينيك زائغتين وقدراتك مضروبة في عشرة أضعاف جعلت امرأة تحمل بقبلة"
لو كان في مزاج ونفسية غير التي كان عليها لانفجر ضاحكا ولانتفخت أوداجه بغرور ذكوري لكنه في تلك اللحظة شعر بالوخز في قلبه فاكتفى بالابتسام ثم رفع يده وضربها بخفة على رأسها قائلا وهو يغادر" بت خفيفة الظل بشكل لزج"
تطلعت في ظهره المغادر ورغم مشاعرها المجروحة شعرت بالشفقة عليه .
بعد دقيقة كانت تسحب نفسا عميقا بعد أن طرقت باب غرفة مليكة التي وافقت أخيرا على زيارتها ودخلت لتجد الأخيرة تجلس فوق السرير .
استقبلتها مليكة بابتسامة دافئة رغم ضعفها فأسرعت بسمة نحوها تلقي بالسلة بإهمال بجوار السرير وتميل عليها لتحضنها وهي تقول باكية "مليكة .. حبيبتي مليكة .. حبيبتي"
ابتسمت مليكة شاعرة بالسعادة لمشاعر صديقتها .. فتظاهرة الحب التي تستقبلها من كل المحيطين بها تؤثر فيها وتمنحها وقودا للمواصلة ..في الوقت الذي ابتعدت بسمة عنها تتطلع فيها عبر دموعها .
تأملتها مليكة ترتدي بنطالا من الجينز الأزرق فوقه فستانا أبيضا من الكتان فوق الركبة وسترة قصيرة من الجينز الأزرق بينما شعرها معقوصا خلف رأسها في كعكة أنيقة فقالت بخفوت "تبدين في حال جيد يا بنت الوديدي"
قبلتها بسمة على وجنتيها بحرارة وقالت بلهجة باكية أثرت في مليكة" بل أنا افتقدك بشدة يا بنت الصوالحة .. "
قالت الأخيرة بسخرية مُرة وابتسامة باهتة ترتسم على شفتيها "هل رأيت مغامرات صاحبتك المجنونة!"
أسرعت بسمة بالقول بحمائية" لا بأس الحمد لله أن توقف الأمر عند هذا الحد وأنت ستخرجين قريبا وستخضعين للعلاج ..( وأمسكت بيديها تقول بمحبة ) علمت من مفرح بأنه يفكر في شراء فيلا صغيرة أو شقة بجوار فيلا الدكتور أكرم حتى تكون بيتكم في العاصمة أي أننا سنكون مع بعضنا في نفس المحافظة .. صحيح كنت أتمنى أن تكوني في نفس المدينة السكنية التي أسكن فيها لكني أعلم بصعوبة تنفيذ ذلك لضرورة أن تكوني أنت والولدين في المستقبل بجوار أخويك في الأيام التي سيكون فيها مفرح في القرية"
قالت مليكة بلهجة متأثرة "أشفق على مفرح إنه مجهد جدا وممزق بيني وبين أهله"
ردت بسمة "لكنه يحبك .. دوما ما كنت أتمنى أن يحبني رجل مثلما يحبك مفرح "
ابتسمت مليكة وسألتها بلهجة ذات مغزى" وهل وجدت هذا الرجل ؟"
أطرقت بسمة برأسها وأجابت" وجدته للأسف"
عقدت مليكة حاجبيها وسألتها "لماذا تقولين ذلك؟!"
ردت بسمة بلهجة بائسة " لأنني بعد أن وعدت نفسي ألا اتنازل.. تعلمت بسببه أن من يحب يتنازل عن بعض الأشياء من أجل الأخر "
سألتها مليكة بقلق "هل تشاجرتما؟"
قالت بسمة بلهجة غامضة لم تفهمها مليكة "سأحكي لك كل شيء في وقته لا أريد أن أضغط على أعصابك"
ازداد قلق مليكة وسألتها "هل الأمر بهذه الخطورة؟"
تنهدت بسمة وأجابت " لا أعرف ..كل ما أعرفه بأني لن استطيع أن أرحل هذه المرة حتى لو اضطررت لتقبل بعض التنازلات من أجله "
"شوقتني لمعرفة الحكاية"
قالت بسمة وقد عادت للابتسام " دعك من هذا الآن .. بالمناسبة ونس ترسل لك السلام .. وستزورك خصيصا مع شامل قريبا أما أم هاشم فتلح لتعرف أين اختفيت ولا أعرف بما أخبرها فأنا لا أرغب في أن احزنها وهي لا تزال عروس تعلمين كيف تكون عاطفية بشدة إذا حدث لأحدنا مكروها "
غمغمت مليكة مطرقة برأسها شاعرة بالخزي" زوجها كان واقفا تلك الليلة التي استيقظت فيها ووجدت نفسي عارية الرأس وسط الظلام .. يبدو أنه قد حفظ السر ولم يخبرها "
قالت بسمة تحاول أن تنفض عن مليكة الذكري المؤلمة " اسمعي عليك بمعرفة أنها لن تتركني في حالي وستظل تستجوبني وتلح وسأخبرها في النهاية لكني أحاول تأجيل الأمر بقدر المستطاع "
ابتسمت مليكة ولم تعقب بل مدت يدها لهاتفها الذي أصدر اهتزازا لتلتقطه ثم تطلعت في الورود الجميلة تقول بابتسامة" جميل هذا الورد سلمت يداك "
ابتسمت بسمة بينما نظرت مليكة في هاتفها تقرأ رسالة من مفرح "هل وصل الورد ؟"
قبل أن تجيب سمعت طرقا على الباب ودخلت الممرضة تحمل باقة كبيرة من ورود حمراء ملفوفة بلفة أنيقة فأعطتها لمليكة بابتسامة ثم تحركت مغادرة ..فكتبت مليكة" هل تحسب وقت صعود الورد للغرفة؟!"
رد عليها بمفاخرة "بالطبع سيدتي ( ثم ارسل رسالة أخرى تقول ) واسمعي أيضا هذه الأغنية .. هل وصل والدك؟"
ردت مليكة بتوتر " لا .. بسمة عندي وأنا متوترة جدا لاستقبال أبي "
كتب مفرح " بشر يقول بأنه لم يقدر على المراوغة أكثر واضطر لإخباره والحمد لله أنه كان أكثر صلابة مما توقعنا لكنه أصر على أن يأخذوه إليك فورا"
كتبت مليكة بحزن " كنت أتمنى أن يراني في بيت أكرم بعدما أخرج من هنا"
قال مفرح مشجعا " لا تقلقي ولا تتوتري الكل يحبك ويدعمك .. سأذهب الآن لأن الطبيب يخرج من عند أبي وسأحدثك فيما بعد سلام "
تأملت مليكة باقة الورد فوق حجرها بابتسامة لتقول بسمة بلهجة ذات مغزى " يا عيني يا عيني هل هذه الباقة من مفرح؟"
هزت مليكة رأسها بالإيجاب لتقول الأخرى" سآخذ سلتي المتواضعة في يدي وأنا مغادرة فهي لا تقارن بفخامة وجمال باقة الباشمهندس مفرح"
غمغمت مليكة بعينين غائمتين "المجنون يرسل واحدة كل يوم "
بعد قليل
طرق قوي على الباب تبعه دخول أخوتها الثلاث واحدا تلو الأخر ليملؤوا غرفتها الصغيرة فاستقامت بسمة واقفة ترحب بهم بابتسامة مترقبة في الوقت الذي دخل فيه الحاج عبد الغني صوالحة يستند على ذراع بشر وهو يقول بلهفة" مليكة "
تحركت بسمة بسرعة تلتقط حقيبة يدها وهمست "أنا سأغادر لأتركك سلام "
افسحت الطريق للحاج عبد الغني في الوقت الذي نزلت مليكة من فوق السرير ووقفت لاستقباله تقاوم رغبة ملحة في البكاء يسيطر عليها شعور كبير بالخزي والخجل أمام والدها فالتقطها الأخير بين ذراعيه ودمعت عيناه مغمغما" أنا السبب .. كل ما يحدث لك بسببي أنا .. لأني انجرفت في منافسة سخيفة مع عبد الرحيم الزيني .. ولأني أجبرتك على الزواج ممن لا تريدين .. أنا السبب والله يعاقبني بكل ما تمرين به من شقاء "
انفجرت مليكة في البكاء في حضن والدها وأخذت تهمهم ببعض الكلمات الغير مفهومة تحاول أن تخفف عنه جلده لذاته الذي لا ينفك بالقيام به منذ وفاة نجمة بتلك الطريقة البشعة .
أما بسمة فتحركت مودعة لأولاد صوالحة المتابعين لما يحدث بتأثر .. فقال لها علي" هل أنت وحدك هل أطلب لك سيارة أجرة؟"
ردت بسمة بابتسامة" لا شكرا فزوجي ينتظرني في الطابق الأرضي السلام عليكم "
قالتها وتحركت تمسح دموعها متأثرة وهي تدعو أن تمر تلك الأيام الثقيلة على الجميع على خير.
××××


يتبع





Shammosah 04-09-20 11:02 PM

7
 
(7)


بعد الظهر
قالت ميس في الهاتف " لكني يا أبي أريد أن أخرج للنزهة معك أنت وأمي سويا "
ابتسامة متلاعبة تراقصت على شفتي كاميليا وهي تجلس أمام المرآة تمشط شعرها ثم قربت وجهها من المرآة لتدقق فيه جيدا بينما قال جابر ببعض الحزم في جلسته خلف مكتبه بالمعرض " يا ميسة لقد تحدثنا في هذا الامر أكثر من مرة وأخبرتك بأن هذا الأمر بات صعب التحقيق .. عموما سأمر عليك لآخذك في نزهة أنا وعمك زين الذي جلب لك أشياء رائعة من السفر وسنخرج لنتنزه في كل الأماكن التي تحبينها وإن أردت أن نحضر جدتك وأم هاشم أيضا معنا لا مانع "
قالت ميس بعصبية "أنا لا أريد أم هاشم ..أكرهها"
لاح الغضب على وجه كاميليا وتركت المرآة لتدير وجهها لابنتها وتجز على أسنانها مما سمعته بينما قال جابر ببعض الحزم وهو يتبادل النظرات مع هلال الجالس أمامه" حسنا يا ميسة لن يذهب معنا إلا من تريدين لكن كما قلت لك لن نستطيع أن نخرج أنا وأمك سويا "
زفرت الأخيرة بغيظ وقالت "حسنا شكرا يا أبي لا أريد شيئا "
وتحركت نحو أمها بعصبية تعطيها الهاتف رغم أنه هاتفها وليس هاتف أمها ثم غادرت الغرفة فانتهزت كاميليا الفرصة وتنحنحت تقول بصوت متمسكن "ألهذه الدرجة لازلت غاضبا مني يا جابر حتى تتجاهل مكالماتي لك "
ازداد غضب جابر وعبوسه أكثر وقال لها بلهجة صلبة " أي شيء يخص ميسة أخبريها بأن تتصل بي من رقمها أو ترسل لي رسالة واتساب يا أم ميسة ( وتذكر ما باتت ترسله له كاميليا من رسائل جاهزة متداولة على الانترنت تتحدث عن القسوة وغدر القلوب وهجر الأحبة وقال بلهجة قاطعة ) أو اجعلي أحد أخوالها يتصل بي إن كان هناك شيئا عاجلا .. السلام عليكم "
قالها وأغلق الخط فعادت كاميليا للجز على أسنانها تشعر بالغيظ من أنه لا يستجيب لأي مما تمارسه عليه فألقت بالهاتف على طاولة الزينة وعادت تنظر لنفسها في المرآة في إعجاب وحسرة وهي تغمغم" هل جنوا حينما فكروا في أن أكون زوجة لبسطاويسي .. أنا وبسطاويسي ذو الكرش !!"
على تلك السيرة رفعت ظفر ابهامها لأسنانها تقضمه مفكرة .. لقد انتهت عدتها يوم أمس فماذا ستفعل؟!.
أما جابر فألقى الهاتف على المكتب أمامه بعصبية ليسأله هلال "هل حدث شيء ؟"
رد جابر باقتضاب" لا شيء سوى أن ميسة تضغط بشدة بشأن رغبتها في أن نعود أنا وأمها لبعضنا وقلبي يؤلمني عليها ..( ثم تطلع في هلال مدققا وقال مغيرا للحديث ) دعنا من هذا الأمر وأخبرني عنك .. ما بك ولماذا هذا الوجه المتجهم الذي دخلت عليّ به منذ قليل؟"
عاد هلال لوجومه ونظر أمامه وهو يقول" نصرة عادت للضغط من جديد في موضوع تزويج إسراء .."
سأله جابر مستفهما" هل جاءها عريس مناسب ؟"
رد معترفا "بصراحة هناك شاب تقدم لها من عائلة الدكروري ..جامعي ولم يسبق له الزواج"
هلل جابر قائلا "رائع .. إن أولاد الدكروري ذوي سمعة طيبة "
قال هلال بامتعاض "لكن البنت غير موافقة وأنا أيضا"
عقد جابر حاجبيه وقال " عدم موافقتها هي مفهوم.. فطبيعي أن تعزف عن الفكرة لبعض الوقت بعد ما حدث لها .. أما أنت فما هو سبب رفضك هل هناك شيء يعيب الشاب؟"
هز هلال ساقه بعصبية وقال معاندا "أنا رافض للفكرة من أساسها"
سأله جابر باستنكار "أية فكرة؟"
نظر إليه هلال وأجاب بعصبية " فكرة زواجها .. غيرت رأيي ولن أزوجها"
قال جابر باستهجان " نعم!! .. وهل ستبقيها بجوارك!"
ضرب هلال على المكتب يقول معاندا " أجل سأبقيها بجواري معززة مكرمة تنعم في بيت والدها بدلا من أن ألقي بها عند أناس لا تعرفهم تظل تصارع عادات تقيّمها بما جلبت معها من أشياء وبما هي ماهرة فيه"
سحب جابر نفسا عميقا يشعر بالتعاطف مع صاحبه ثم قال" اسمع يا هلال ..أنا مقدر جدا لشعورك ..خاصة وأن الأمر لم يمر عليه وقت كبير .. لكن عليك بعدم الاستسلام لهذا التفكير .. وأن تحاول اقناع ابنتك أن تجتاز هذه المرحلة سريعا خاصة مع وجود فرصة جيدة لها"
تألم قلب هلال على ابنته التي أضحت مطلقة قبل أن تبدأ حياتها فقال بعصبية "تقول ذلك لأنها مطلقة لذا عليّ أن أجري لأستقبل ذلك الشاب وأفرش له الأرض بالورد لأنه تكرم وتنازل وسيرتبط بابنتي المطلقة رغم أنه لم يسبق له الزواج !!"
غمغم جابر بأسف " لا حول ولا قوة إلا بالله! .. أنت تتصرف بعاطفية وحماية زائدة يا هلال وهذا خطأ "
دخل أحد العمال يمسك بصينية عليها فنجانين من القهوة وضعها أمامهما فمرت أم هاشم في ذهن جابر سريعا وتلاعبت ابتسامة صبيانية معاندة على شفتيه وهو يفكر في أنه يشرب الفنجان الثاني له اليوم من القهوة من خلف ظهرها وتذكر جملتها التي قالتها بحركاتها خفيفة الظل التي تقطر عسلا ( أنا مسؤول تموين القهوة والشاي على كوكب الأرض ) .
أفاق من شروده اللحظي حينما سأله العامل إن كان يأمر بشيء أخر فشكره بينما مد هلال يده يلتقط هاتفه ويغمغم بضيق ردا على ما قاله جابر " خطأ أو صواب المهم أن تكون ابنتي بجواري معززة مكرمة مرفوعة الرأس في بيت أبيها .. بلا زواج بلا ذل حماة بلا قرف "
ناظره جابر ثم قال له بغيظ" اشرب قهوتك يا هلال هداك الله "
ورفع فنجانه إلى فمه يهمس في سره" لو يهديك الله يا زين ستأخذ جوهرة لكن ماذا نفعل في العقل الغبي"
رن هاتف هلال فأسرع بالرد " نعم اسراء (ثم هتف بجزع) كريم ما به كريم !!"
××××
اليوم التالي بعد الفجر
دخل جابر لبيته عائدا من صلاة الفجر وقبل أن يصعد لغرفته دخل المطبخ وهو يضع السبحة في جيب جلبابه الأبيض يقول لنفسه" لأصنع لها شيئا ساخنا ليدفئ معدتها"
بعد دقائق كانت أم هاشم تنام على طرف السرير ترتدي اسدال الصلاة وتشعر ببعض المغص في بطنها منذ أن استيقظت مع جابر لصلاة الفجر .
فتح جابر الباب فاعتدلت لتجده يحمل كوبا ساخنا ويدخل قائلا" لم أجد سوى يانسون فصنعت لك كوبا ..كنت أتمنى أن أجد بعض النعناع الجاف كان أفضل لمعدتك"
غمغمت أم هاشم بابتسامة ممتنة "يوجد نعناع لكنك لن تعرف مكانه لا بأس سأشرب اليانسون (وغامت عيناها وهو يضعه فوق الكومود وأضافت ) سلمت يدك"
سألها جابر وهو يخلع جلبابه ويبقى ببنطال صيفي رياضي وفانلة داخلية" هل صليت الفجر ؟"
ردت بخفوت "ليس بعد"
قال بشفقة " لا بأس صليه وأنت جالسة"
استقامت تقول " ليس لهذه الدرجة "
فردت السجادة ووقفت عليها تكبر وتبدأ في الصلاة التي فاتتها معه .. فهي رغم حرصه على صلاة الفجر في المسجد كانت تصليها في نفس التوقيت في البيت وهي لا تزال تتخيل بأنها تصلي خلفه .. ثم تروي عطشها للصلاة معه فعلا في صلوات أخرى خلال اليوم.
تحرك جابر والتقط وسادتين كبيرتين وضعهما أرضا ثم جلس أرضا فوق سجاد الغرفة بين سجادتها ومقعده الذي يواجه حامل المصحف.. فوضع إحدى الوسادتين خلف ظهره ثم سحب المصحف من فوق الحامل .
انتهت أم هاشم من الصلاة ونظرت إليه وهو يجلس على الأرض بأريحية ممددا ساقيه واحدة فوق الأخرى فابتسمت وهي تكشف غطاء رأسها للخلف ثم افترشت الأرض بجواره تضع الوسادة الأخرى خلف ظهرها والتقطت الكوب الساخن من فوق الكومود.
صدق جابر وقال دون أن ينظر إليها" ربما بردت من مكيف الهواء في تلك المنامة التي ارتديتها أول أمس من قطعتين قطعة فوقية وشورت قصير بينهما مساحة كبيرة عارية "
تلاعبت ابتسامة شقية على شفتيها ورشفت بعضا من المشروب ثم أدارت وجهها إليه قائلة "كانت تعجبني المنامة يا جابر وكنت سأموت لأجربها هل تريدني أن أموت دون أن أرتديها !"
رد الأخير ضاحكا " بعيد الشر على المشمش.. وأنا أعجبتني بشدة ألم تري كيف احتفيت بها بطريقة مميزة "
نظرت أمامها تضغط شفتيها ببعضهما في حرج فازدادت غمازتها عمقا بينما قلبها يتقافز في صدرها بجنون كلما دعاها بمشمش تشعر وكأنها في حلم لا تريد أن تستفيق منه ليضيف جابر بلهجة ذات مغزى" هذا الموديل يليق بك جدا يتماشى مع نحافتك وسمرتك"
وجمت ملامحها فجأة وادارت وجهها إليه تقول "لا إله إلا الله!.. كان كلامك حلوا منذ ثانية.. من أين جاءت سيرة النحافة والسمرة الآن!!"
قهقه جابر وضربها على رأسها قائلا بيأس "لا فائدة لا زلت تصدقين في تلك الخرافات "
وضعت أم هاشم يدها على بطنها فعبس جابر وقال مشفقا "اشربي اليانسون وهو ساخن "
هزت رأسها بطاعة فعاد للقراءة .. لتقول بعد رشفتين أخريين وهي تضع الكوب بجوارها على الكومود "هذا يكفي لا أريد المزيد"
وتحسست بطنها بتوجع فمد جابر يده يسحبها إليه لتستقر تحت ذراعه وعلى صدره ثم صدق بعد قليل ليسألها مازحا "هل شربت عصير ؟"
ضحكت ورفعت سبابتها نافية ..فابتسم جابر وعاد للقراءة .. لتنكمش أم هاشم وتلتصق به في سعادة جمة ممتنة لعاطفته ودفئه واحتوائه الأبوي لها ..
أحيانا يتسلل إليها أمل ماكر ليخيل لها بأنهما قد يبقيا معا للابد ..لكنها سرعان ما تطرده من رأسها حتى لا تتعلق أكثر فيكون الألم أكبر .. فيكفيها ذلك الشعور القاتل الذي يعتريها كلما فكرت كيف ستغادر هذا البيت يوما ؟.. وكيف ستنزع نفسها من حضنه ؟ ..
هل سيتحمل قلبها ذلك الألم؟ ..
وهل ستبقى حية بعد هذا اليوم؟ .
إنها كالكويكب الذي إن فقد مداره احترق ذاتيا .. رفعت رأسها عن صدره ثم مالت لتنام برأسها على فخذه وتتقوقع في اسدالها كالجنين بجواره يعتريها خوف لم يزرها من قبل .. خوف من الاستيقاظ يوما لتجد نفسها مضطرة للانسحاب .. للمغادرة .. للابتعاد .. لفراقه .. وتشعر بأن ذلك اليوم قد اقترب منذ تلك المكالمة التي خرج ليتحدث فيها في ساحة البيت .. لقد قامت خلفه لتغلق باب الشقة حتى لا يدخل الناموس فالتقطت أذنها صوته وهو ينطق باسم كاميليا ففهمت سبب خروجه ليتحدث بالخارج فهو لا يفعلها حتى في مكالمات العمل ..
يومها أغلقت الباب بهدوء على حلم يوشك على الانتهاء وعادت لمقعدها تجرجر قلبها خلف قدميها مع أذيال الخيبة .
مد جابر يده يمسح على شعرها المجعد الخشن بحركة رتيبة حانية وهو لا يزال يقرأ فغمغمت أم هاشم في سرها "القوة من عندك يا رب"
بعد قليل انتهى جابر من وِرْده فصدق وأغلق المصحف ليضعه على المقعد بجواره وعدل الوسادة خلف أم هاشم التي كانت قد ذهبت في النوم ثم رفع رأسها برفق من فوق فخذه لتنام على الوسادة قبل أن يتمدد بجوارها على الأرض متوسدا الوسادة الأخرى بجوارها..
أخذ يتأملها لبرهة ورفع بأصابعه خصلة مجعدة من على جبينها وهو لا يزال متعجبا كيف تسربت هذه المخلوقة في هذا الوقت الوجيز إلى داخله حتى احتلت كل ذرة فيه؟!..
إن كل يوم يمر عليه معها يتأكد أكثر من ذلك الشعور الذي أحسه حين أتم زواجه منها .. شعور بأنها شريكة بمرتبة توأم لروحه.
عاد يمسح على شعرها بحنان ودعا الله ألا تمرض أبدا فقلبه يتألم حينما هي تتألم .. يتألم بنفس الطريقة التي تفعلها فيه بعض العبارات والنظرات التي تصدر منها .
اقترب يطبع قبلة على مقدمة رأسها ثم استسلم للنوم بجوارها في هذا الركن من الغرفة الذي يشع منه دفؤهما ..
ولم يعرفا بأن لحظتها كان هناك كائن يتخلق في رحمها ..
كائن حمل بعضا منه وبعضا منها ..
لن يُكتشف وجوده إلا بعد بعض الوقت .
××××
في صباح اليوم التالي
نزل جابر من الدور العلوي يقول لنجف "صباح الخير يا أم جابر "
ردت أمه الصباح بابتسامة ثم سألته" هل سيأتي زين اليوم من العاصمة ؟"
مط جابر شفتيه ورد" إنه على وشك الوصول لقد هاتفني منذ قليل"
سألته والدته" وكيف حال ابن هلال؟"
أجاب جابر "بخير الحمد لله لقد اطمأننت عليه في المساء .. مجرد كسر في ذراعه بسبب لعب الكرة ووضعوا له جبيرة"
غمغمت نجف "حفظه الله من كل شر"
نظر جابر نحو المطبخ ليتأكد من أن أم هاشم ترتدي زيا مناسبا لاستقبال زين فوجدها ترتدي عباءة مطرزة وترفع شعرها في عقدة فوضوية مجعدة فوق رأسها فوقف على باب المطبخ يقول" صباح الخير "
ردت أم هاشم بابتسامة "صباح الرضا من الرحمن"
قال لها منبها "زين على وشك الحضور "
هزت رأسها وردت "لا بأس وشاحي خلف باب المطبخ"
سألها متفحصا "كيف حال المغص ؟"
استدارت إليه تقول بابتسامة متسعة" استيقظت بخير والحمد لله( واخفضت صوتها تضيف ) لم يكن عليك النوم على الأرض بجواري "
بادلها الابتسام قائلا" فضلت عدم ايقاظك من النوم إن حملتك إلى السرير بعد أن نمت أخيرا .. لذا استلقيت أنا بجانبك "
تلاقت العيون اللامعة فأضاف جابر " أنا لم أنس أنك تريدين الاطلاع على البرنامج المحاسبي الذي لدي بالمعرض .. أنا فقط أنتظر يوما هادئا لآخذك لتري المعرض "
اتسعت ابتسامتها بسعادة وغمغمت " لا حرمني الله منك "
رد بلهجة مناغشة " ليأمر الحلو الأسمر "
كانت ضربات قلبها تصم أذنيها الفرحة.. فابتسمت وقالت "لحظات وسيكون الفطور جاهزا"
رن هاتف جابر فأخرجه من جيب جلبابه وتطلع في الاسم بامتعاض ثم رد "نعم "
قال زين " أنا وصلت للشارع هلا خرجتم جميعا أنت وأمي وأم هاشم؟ "
قال جابر متنهدا بيأس وهو يتوقع السبب" تمام"
بعد دقائق كان الثلاثة يقفون على البوابة يتطلعون في زين الذي يقف بوقفة استعراضية بجوار سيارته الجديدة والذي سألهم بفرحة عارمة" ما رأيكم؟"
ساد الصمت لبرهة ثم قطعته أم هاشم بعد أن مررت ناظريها بسرعة بين زوجها وأمه ثم قالت" ما شاء الله لا قوة إلا بالله رزقك الله خيرها وحفظك من شرها"
ربت زين على صدره بزهو فقال جابر بامتعاض" مبروك .. هذه السيارة غالية الثمن"
رد زين بفخر "بالطبع وهل كنت تتوقع أن أشتري واحدة بنفس قيمة العام الماضي (ونظر لأمه الصامتة وسألها) ما رأيك يا نجف ؟"
قالت الأخيرة متنهدة "مبروك يا بني .. بارك الله لك فيها"
قالتها وعادت للداخل فتطلعت أم هاشم في الوجوه ثم قالت "سأذهب لأكمل رص الفطور على السفرة مبروك مرة أخرى يا زين"
تركت جابر وزين وحدهما ودخلت .. فقال الأخير وهو يقترب من أخيه" ما بها أمي ؟"
رد جابر من بين أسنانه" تحتسب احباطها عند الله"
رفع زين حاجبين وسأل بعدم فهم " لماذا؟!!"
أجاب جابر بعبوس " هل أنت غبي! .. لأنها كانت متأملة في أن تخطب لك هذه الإجازة يا بارد بدلا من أن تشتري سيارة "
قال زين بحنق " وأنا قلت لا نية لي في الزواج (ومال برأسه يقول لأخيه مغيظا ) سأجرب السيارة الجديدة يوم الجمعة في الذهاب للساحل مع أصدقائي .. هذه المرة سنذهب لمكان جديد ما رأيك أن أحجز لكم معي شاليه بجوار شاليه أصدقائي ؟"
غمغم جابر " ليس الآن يا زين .. أنا بالفعل أريد أن آخذ أم هاشم لأكثر من مكان لكن ليس الآن .. المهم ادخل وطيب خاطر والدتك الذي كسرته "
أطرق زين برأسه لثوان ثم قال ببؤس "لا أفهم لماذا تلحون على زواجي هذه المرة بهذه القوة !"
قال جابر من بين أسنانه" حتى تستقر وتكون عائلة كباقي البشر "
رد عليه زين بلهجة ساخرة " أنا مستقر بالفعل ..هل تراني أمامك أتقافز على ساق واحدة !"
رفع جابر مقلتيه للسماء بيأس ثم عاد ينظر إليه قائلا" يا غبي تزوج فالزواج حلو "
اتسعت ابتسامة وقحة على شفتي زين وربت على صدر أخيه قائلا " أها !.. ومن غيرك قد يفتينا في الزواج يا جبورتي .. فقد تزوجت البيضاء والسمراء وأصبحت خبيرا "
قالها وانفجر ضاحكا فقال جابر بلهجة صارمة "احترم نفسك وكف عن الوقاحة .. (وتحرك عائدا للمنزل وهو يقول مشيحا بيده) عموما افعل ما تشاء إنها حياتك"
لحق به زين قائلا وهو لا يزال يضحك "هل كسرت بخاطرك أنت أيضا بعدم زواجي يا جبورتي"
دخل جابر من باب البيت فقالت أم هاشم" هيا إلى الفطور يا جماعة"
اقترب زين من أمه يقول مناغشا "لماذا لم تفرحي لي يا نجف "
ردت الأخيرة بهدوء" أنا سعيدة من أجلك يا ولدي "
شد زين شعره ثم قال بغيظ " يا نجف ..ليس لي رغبة في الزواج ..لماذا تلحين هذه المرة ..(ثم ضيق عينيه ) هل هناك فتاة معينة في رأسك ؟"
صمتت نجف قليلا ثم واجهته ترفع أنظارها إليه قائلة" أجل"
وضع زين يده على صدره يقول" استر يا رب .. من في رأسك يا نجف يجعلك تصرين هذه المرة.. هيا اخبريني "
قالت نجف موضحة " كل مرة تأتي فيها في إجازة أنتظر منك أن تريح قلبي وتتزوج لكنك لا تفعلها والعمر يهرب من بين أصابعك عام بعد عام يا بني "
رد زين بابتسامة واسعة متفكها "لا تقلقي أمسك به جيدا"
سألته بعدم فهم " تمسك بماذا ؟
رد عليها " بالعمر"
قهقه ضاحكا ثم قطع ضحكاته فجأة حينما لم يجد تجاوبا معه من الأخرين .. فكتف ذراعيه وأطرق برأسه يقول بامتعاض "تفضلي يا أم جابر أكملي .. من هي المرشحة ربة الصون والعفاف ؟!"
قالت نجف" يا بني أنا أريدك أن تتزوج ليس بالضرورة من من أتمنى فأنا لا أتدخل أبدا في اختيارك أنت أو أخوك"
قال زين بعدم صبر " قولي يا نجف واتحفيني باختيارك "
ضيق جابر عينيه يتطلع في أمه بنظرات متسائلة لتضع نجف يدها فوق الأخرى على بطنها بطريقة أم هاشم وتقول "اسراء"
اتسعت ابتسامة جابر براحة بينما قالت أم هاشم بسرعة "اللهم صل على النبي !"
حرك زين أنظاره بين ثلاثتهما بسرعة ثم قال مستفهما "اسراء من يا حاجة؟.. هل هناك في عائلتنا من تدعى إسراء؟"
رد جابر بسعادة كبيرة " سلمت يا حاجة نجف وسلم اختيارك والله إنها امنية تمنيتها منذ فترة له لكن لكل شيء نصيب "
تدخلت أم هاشم من خلف زين في جلستها على طرف السفرة فاستدار لها نصف استدارة يرفع حاجبا وهي تقول "وهل هناك أفضل منها ولا أنسب منها"
أمسك زين ملابسه يقول بغيظ "إسراء من يا عالم أفهموني"
ردت أمه" إسراء بنت هلال"
عقد زين حاجبيه ينظر لأخيه وقال مستفهما" هلال جمعة جارنا !!"
هزت أمه رأسها فرفع حاجبا يقول باعتراض شديد "تلك الرفيعة كعود القصب الممصوص !"
وهم بالاسترسال لكنه بلع بعض الكلمات الجريئة التي كان ينوي أن يقولها لتصف نحافتها بينما جاءه رد أم هاشم من خلفه" لا إله إلا الله! ..لماذا اللسان الطويل ؟.. ما لك أنت وأعواد القصب إنها خلقة ربنا..والله"
نظر إليها من فوق كتفه ورد ببرود "اسكتي أنت "
هتفت بمناكفة" لا والله لن اسكت فمن حق أعواد القصب أن تعيش "
ضحك جابر وأمه بينما مط زين شفتيه ثم عاد لأمه يقول باستنكار " إنها مطلقة !.. هل تريديني أن أتزوج من مطلقة يا حاجة لتفعلي الخير في جيرانك! .. هل قال لك أحد بأني مدير صندوق الإغاثة الإنسانية "
غمغم جابر قائلا بضيق "لا حول ولا قوة إلا بالله!"
بينما تدخلت أم هاشم تقول "أنت لا تعرف قصتها "
رد زين من فوق كتفه " بل أعرف ..لقد أخبرني جابر يومها بما حدث وحكي لي أحد أصدقائي التفاصيل .. (وأضاف بفخر صبياني) أنا أصدقائي في البلدة يقدمون لي تقاريرا مفصلة عما يدور بها أولا بأول"
قالت نجف موضحة " يا بني أنا لا أجبرك ..هذه فقط تمنيتها كنة لي لكن إن لم تعجبك فاختار من تناسبك وأرح قلبي "
أغمض زين عينيه يجز على أسنانه قائلا بصوت مسموع "سنبدأ في وصلة الابتزاز العاطفي الأمومي (ثم فتح عينيه يقول لأمه ) بعيدا عن كونها مطلقة يا أمي وأني لا أجد سببا لأتزوجها هي بالذات دونا عن باقي الفتيات كيف بالله عليك وأنا في عمري هذا أتزوج فتاة في الإعدادية!"
تطلعت فيه أمه بذهول ثم نظرت لأم هاشم الجالسة على يسارها وإلى جابر الواقف على يمينها باندهاش بينما سأله جابر بعبوس وعدم فهم "من التي في الإعدادية؟!"
أجاب زين بثقة" اسراء بنت هلال جمعة ..أتظنني لا أعرفها "
قال جابر بغيظ من بين أسنانه "كانت في الإعدادية ..كانت .. حينما سافرت أول مرة .. هل توقف الزمن عندك "
هرش زين في رأسه معترفا بغبائه لتقول أم هاشم من خلفه "ثم هل هناك من سيُعقد قرانها وتطلق في نفس الساعة وهي في الإعدادية يا ذكي !"
رد عليها متهكما "وهل أنت لم تري من قبل في قريتنا من هي في الإعدادية وأصغر منها وتزوجت يا ذكية!.. تشعرينني بأنك من أمريكا "
ردت عليه بنفس التهكم "ليس زواجا على يد مأذون شرعي في هذا السن يا أبا الاذكياء "
جز زين على أسنانه وقال بغيظ "اسكتي يا أم هاشم"
ردت مقارعة بدون هوادة "أنا لا أخذ أوامر منك ثم أن زوجي يقف إن أمرني بالسكوت سأسكت "
ناظر زين أخيه بعينين تقذفان الشرر فابتسم جابر يقول ببرود وهو يلعب بمفاتيحه بين يديه" أنا مغتاظ منك هذه اللحظة ولا أطيقك فلا تطلب مني شيئا "
زفر زين وعاد يقول موجها الحديث لأمه "حسنا يا أمي لقد اخطأت التقدير .. في أي سنة دراسية أصبحت الآن ؟..في الثانوية ؟"
ضربت أمه كفيها ببعضها بينما رد جابر "يا بني لقد توقف الزمن عندك بالفعل .. إنها تخرجت من كلية التربية قسم اللغة الإنجليزية بعد أن كانت من أوائل الثانوية العامة على مستوى المحافظة كلها ولولا ظروف اسرتها لدخلت كلية الطب .. إنها معلمة في مدرسة ميسة للغات "
تدخلت أمه تضيف "وعمرها ثلاثة وعشرون عاما"
ضرب زين يده فوق الأخرى على بطنه بطريقة أم هاشم وقال بامتعاض "تشرفنا أهلا وسهلا"
غمغم جابر متهكما" وتدعي بأن أصحابك يقدمون لك تقاريرا عن كل ما يدور في البلدة! .. كيف تكون جارتك وابنة صديق أخيك ولا تعرفها !"
هرش زين في مؤخرة رأسه قائلا "أنا أعرف كل المعلومات التي قلتها لكني لم أربطها بالشخصية في رأسي .. كل جزء كان على حدة .. ربما لأني لم ألمحها منذ زمن .. ( وأضاف بابتسامة عابثة ) كما أن أصدقائي يخبرونني عن أخبار بعض الفتيات بالذات وليس كلهن"
قالت نجف لتنهي الموضوع" عموما لا تهتم يا زين افعل ما تريد يا بني أنا فقط كنت أريدك أن تفكر في الأمر لا أكثر"
قال بغيظ "كيف أفكر فيها وأنا لا أعرفها بعد أن كبرت وكنت أظنها في الإعدادية .. كما أنني لا أرغب في الزواج يا نجف "
قالت الأخيرة بإحباط" افعل كما تريد يا بني هيا لنفطر سويا حتى لا يتأخر جابر عن عمله"
أطرق زين برأسه أرضا ووقف صامتا لبرهة يديه في جيبي بنطاله يفكر .. فناظره جابر بغير رضا .
تركت أم هاشم مكانها وقالت لحماتها بجزع من خلف زين وهي تقترب منها غامزة " ما بك يا خالتي كفاك الله الشر!"
اسرعت بالإمساك بحماتها فناظرتها نجف ببعض الارتباك وعدم الفهم لثوان قبل أن تلتقط الإشارة وتمسك برأسها وتقول" أشعر بالدوار لا أدري ماذا حدث لي "
زينت ابتسامة مخفية شفتي جابر وهو يقول من مكانه منضما للتمثيلية" ما بك يا حاجة؟"
ساعدتها أم هاشم لتجلس على كرسي السفرة وهي تقول "هل أصنع لك ماء بسكر؟"
رفع زين رأسه وقال من خلف كتفه" كفا عن التمثيل لست طفلا لتفعلا هذا أمامي"
هتفت أم هاشم فيه بغيظ "ما دمت لست طفلا قم بإسعاد والدتك"
استدار إليها قائلا" ارحمينا أنت من نصائحك (ثم نظر لأمه يقول هاربا ) حسنا يا حاجة أنت قلت فكر وأعدك أن أفكر"
قالت أمه " لكنك لا تعرف شكلها حتى كيف ستفكر ؟"
أغمض زين عينيه وقال "وما المطلوب مني؟.. "
رد جابر بهدوء وابتسامة منتصرة على شفتيه" أن نذهب لزيارة تعارف لا أكثر "
فتح زين عينيه وقال بانزعاج "زيارة تعارف !! قلت سأفكر فقط ..لماذا نحرج الناس في حالة إن لم تعجبني!.. وأنا متأكد أنها لن تعجبني ..لكني أريد فقط أن اريح أمي"
قال جابر ببرود متعمدا استفزازه " لا تقلق سنذهب بحجة معينة لزيارتهم فكريم ابن هلال ( وسأله متهكما) هل تعرفه أم لا تزال تعتقده كما هو قبل تسعة سنوات عندما سافرت أول مرة ؟"
أجاب زين بامتعاض "أعرف كريم جيدا .. قل خلصني فغربان بطني جائعة"
أكمل جابر فكرته" كريم قد وقع يوم أمس وجبر ذراعه سنذهب يوم الجمعة في زيارة عادية بين الجيران لنطمئن عليه وهناك تراها"
هتف زين " الجمعة !!.. الجمعة قلت لك سأسافر مع اصحابي "
رد جابر بلهجة صارمة وقد فقد صبره "الجمعة مناسب للجميع وأجِّل اصحابك أو الحق بهم بعد ذلك "
تنهد زين وأطرق برأسه يفكر فقال جابر وهو يمر من جواره ويربت على كتفه "يوم الخميس احضر لنا دستة من الجاتوه وبعض الفاكهة للزيارة"
هتف زين قائلا "ناعااااام .. لاااا .. أنا لن أدفع مليما في هذه الزيارة .. يكفي بأني تنازلت وقبلت أن أؤجل مشواري يوم الجمعة لآتي معكم ارضاء لأمي( ووضع يده على صدره يقول لأخيه بلغة التجار ) أكثر من ذلك ستكون خسارة كبيرة عليّ يا معلم جابر"
رفع جابر قبضته في الهواء يجز على أسنانه متمنيا أن يلكمه في ابتسامته السمجة المستفزة التي يراها أمامه لكنه قال من بين أسنانه "هات الأشياء وسأحاسبك أنا عليها"
هز زين رأسه وقال ببرود متعمد لربما أفسد الزيارة " اتفقنا إذن على بركة الله .. أعتقد أنكم لن تجدوا من هو أكثر تعاونا ومرونة مثلي .. لا حرمكم الله مني (وأضاف وهو يستدير ليقترب من السفرة) هيا للإفطار فغربان بطني تنعق "
ناظر جابر أمه بغيظ فمطت نجف شفتيها ولسان حالها يقول ( أنا غير متفائلة )
××××
العاشرة صباحا
نزلت بسمة للطابق الارضي تقول في الهاتف بابتسامة سعيدة " انا سعيدة لأنك قد غادرت المستشفى يا مليكة هل مفرح معك؟"

قالت الأخيرة وهي تتطلع في مفرح الذي يقف يتحدث في بهو فيلا أكرم مع اخوها بشر "أجل .. حين علم من الطبيبة ليلة أمس اني أستطيع المغادرة جاء مبكرا ليأخذني إلى فيلا أخي "
مرت بسمة على غرفة تستخدمها سوسو للتمارين الرياضية وفتحتها تقول" صباح الخير يا سوسو "
فردت الأخرى عليها من فوق جهاز المشي ..لتعيد بسمة اغلاق الباب وهي تسأل مليكة " هل ستبقين في فيلا الدكتور أكرم ؟"
ردت مليكة متنهدة " أجل حتى تستقر حالتي وينتهي مفرح من شراء مكان يخصنا أنا وهو والأولاد"
تحركت بسمة ناحية المطعم وهي تسألها "عندي تساؤل هل لاحظ الاولاد عليك أي شيء أثناء تواجدهما معك في السرايا فما فهمته أن غرفتهما في الناحية الأخرى بجوار غرفتك الجديدة التي اتخذتِها في جناح الضيوف بينما غالبية ساكني الفيلا في الجانب الاخر"
ردت مليكة بحزن فلا تزال تشعر بالخزي مما تعاني منه "أدهم وإياد كان يعلمان بأني اترك الغرفة لأنام في غرفتي القديمة لكن أدهم لمحني مرة أخرج من الفيلا وظن بأني اذهب لإطعام الفرسة .. لذا اعتقد بأنه لو كان قد رآني مرة أخرى كان سيظن أنني أخرج لنفس السبب ..( وصمتت قليلا ثم قالت بخفوت حزين ) لقد اشتقت للأولاد بشدة وتلك المقاطع التي يطلب مفرح منهما ليرسلوها له بحجة انه لايزال يقضي وقته كله بالمستشفى بجوار والده ومباشرة بعض الأمور الأخرى ..تلك المقاطع لا تروي شوقي إليهما وفي الوقت نفسه لست مؤهلة بعد لرعايتهما ولا للرد على أسئلتهما فلا يكفان عن سؤاله كلما اتصل بهما سألا عني ولماذا لا اتصل بهما وهو يراوغ ويراوغ ولم يعد لديه حجج مقنعة"
قالت بسمة بلهجة صريحة " اعتقد أن عليكما اخبارهما بحقيقة مرضك فهما ليسا صغارا .. واعتقد أنهما قادران على الاستيعاب والتفهم "
زفرت مليكة وقالت " لا أعرف سأسأل الطبيبة إن كان هناك طريقة لإخبارهما بدون أن يصدما فيّ أو يخافا مني يتملكني الرعب من ذلك"
أشارت بسمة عند دخولها للمطعم لشامل وونس محيية بينما اقتربت ابتسام زوجة أكرم ومعها إحدى الخادمات تقول "هيا يا مليكة غرفتك جاهزة بالأعلى"
قالت الاخيرة لبسمة مودعة "سأعاود الاتصال بك يا بسمة سلام"
اقتربت الاخيرة من شامل وونس وهي تتطلع حولها قائلة "صباح الخير ألم ينزل كامل بعد؟ "
رد شامل بعبوس "لا لم ينزل ..ويا ليته لا ينزل اليوم حتى يرحمنا من عصبيته هذه الأيام .. ليلة أمس وتر الطباخين كلهم فاخطأ بعضهم في إعداد الطلبات بسبب عصبيته معهم ومع الندل متصيدا للاخطاء "
صمتت بسمة ولم تعقب فهو كلما اقترب موعد النتيجة ازداد توتره .
اقترب ديمتري يقول بعربية ركيكة ولهجة مهذبة "صباح الخير سيدة باسمة "
قبل أن ترد الصباح قال شامل "بسمة ..انطقها بسمة بالله عليك ..وليس باسمة كما ينطقها كامل .. لا نريد أية إصابات بين العاملين لدينا فلدينا شخص مجنون هذه الأيام"
عقد ديمتري حاجبيه وقال" أنا اقولها مثلكم باسمة"
ابتسمت بسمة بينما قال شامل مصححا "بسـ مة وليس بااا سمة"
حاول ديمتري نطق الاسم في الوقت الذي وقفت ونس خلف شامل تحاول تحريك لسانها وشفتيها لتجربة الاسم دون صوت .
بعد دقيقة قال شامل بعصبية حين استمر ديمتري على نطقه للاسم بطريقة كامل "ادعوها (بالسيدة) وخلصني"
ابتسم ديمتري وسأل" هل أعد لك قهوتك السيدة كامل"
ابتسمت بسمة وردت" بل سأعدها لنفسي يا ديمتري شكرا"
حياها الأخير وابتعد ليباشر عمل عمال النظافة بينما تطلعت بسمة في ونس وقالت "مليكة خرجت من المستشفى حمدا لله"
لاحت السعادة على وجه ونس واخرجت دفترها لتكتب "هذا خبر سعيد .. لقد أخبرتني حينما أرسلت لي ليلة أمس على الواتساب من رقمها الجديد أنها ستخرج قريبا"
قالت بسمة وهي تتحرك نحو ركن القهوة" الحمد لله"
فكتبت ونس لشامل في الدفتر" متى سنزورها؟"
فكرت بسمة في أن تصنع القهوة لها ولكامل وتصعد لترى لماذا تأخر في النزول فلا يزالا منفصلين في غرف النوم ..في الوقت الذي دخل أحدهم من باب المطعم فتطلع فيه شامل عاقدا حاجبيه بينما لمحته بسمة بطارف عينها ثم استدارت كليا تتطلع فيه بعينين متسعتين وقالت شاهقة" يا الهي !.. ماذا يفعل هذا هنا !!.. وفي هذا التوقيت بالذات !!"
نهاية الفصل الحادي والثلاثون
مع حبي
شموسة





Shammosah 04-09-20 11:04 PM


ام زياد محمود 04-09-20 11:04 PM

تسجيل حضور



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 616 ( الأعضاء 219 والزوار 397)

ام زياد محمود, ‏زهرةالقرنفل, ‏جوهره فى القصر, ‏طابعة الحسن, ‏fifi fofa, ‏عبير سعد ام احمد, ‏Anisa zayd, ‏Sara Ali❤️, ‏حبيبيه, ‏k_meri, ‏Yousefsaied, ‏Embarka, ‏لبنى أحمد, ‏شوقا, ‏lilyan lilyan, ‏جنون امراه, ‏ام جواد+, ‏Nagat farouk, ‏Shammosah+, ‏أميرة الساموراي, ‏sunsat, ‏كوثر سالم, ‏ربى غفور, ‏الذيذ ميمو, ‏نفحات عطره, ‏amira98, ‏Ayaibrahim, ‏رودى رامى, ‏rasha emade, ‏eylol, ‏Rosalita, ‏سنا عسل, ‏just life, ‏shaherozozo, ‏Mayaseen, ‏ريري المصري, ‏احمدالعلاوي, ‏ارض اللبان, ‏Nanayoya, ‏sleepyprincess, ‏شهدsoso, ‏Berro_87, ‏asaraaa, ‏صمت الهجير, ‏فلونا علي, ‏toka_16, ‏Asmaanasser, ‏كائن النونا المحبوب*, ‏emtalal, ‏د/عين الحياة, ‏زالاتان, ‏bahija 1981, ‏asmaaasma, ‏Shadwa.Dy, ‏دينا السيد, ‏ميمات4, ‏هبه هلال, ‏اشراقه حسين, ‏بنت الورد, ‏Mon abdou, ‏رقيةرقية16, ‏Dina abd elhalim, ‏Nadoucha11416, ‏رتوجججة, ‏رانيا محمد19, ‏alan, ‏jewa, ‏gegesw, ‏Time Out, ‏نغم سوري, ‏Diego Sando, ‏ابتسامتي دليلي, ‏angel hunter, ‏آلاء الليل, ‏Faten Farid, ‏رولاممدوح, ‏رزونة روز, ‏Tame jo, ‏Samaa Helmi, ‏Joud1, ‏a girl, ‏Menna23, ‏نور الفردوس, ‏نونني نوننا, ‏مزاااين, ‏amana 98, ‏MerasNihal, ‏ميااده, ‏الاوهام, ‏yawaw, ‏Heckenrose, ‏m-berr, ‏Dodyum, ‏كوريناي, ‏ايميلي انا, ‏maryam ghaith, ‏Lamiaa farh, ‏Mayssa 92, ‏Aengy, ‏حلا العنزي, ‏دمـوع الـورد, ‏اسراءالرسول, ‏أم دان, ‏dorra24, ‏اديم الروح, ‏هدوء الصمت222, ‏engsarahsnowwhite, ‏markunda, ‏سومة111, ‏منال سلامة, ‏ghdzo, ‏زهرةالكون, ‏أووركيدا, ‏ميادة الكيادة, ‏Mahiraa, ‏سلوى١٩٨٤, ‏Somalove, ‏مريم المقدسيه, ‏دندراوي, ‏33Zain, ‏شيمو العاقلة, ‏Better, ‏kozmo, ‏حسناء_, ‏ميسى93, ‏آمنة عودة, ‏نور علي عبد, ‏Vlora, ‏Light dream, ‏mira amani, ‏سهام زيد, ‏Walaa Samy, ‏غنى محمد, ‏Rasha.r.h, ‏Omsama, ‏dodoalbdol, ‏dodo elbadry, ‏فتامين د, ‏فاطمة علوش, ‏عمرااهل, ‏اديان دنو, ‏بتو خليفه, ‏سارة الربيع, ‏نجمة القطب, ‏ali.saad, ‏معجبه بخشتي, ‏Bebohabiba, ‏rafalo, ‏Agadeer, ‏NoDy Emad, ‏وررد, ‏basama, ‏bochraa, ‏طارق صلى, ‏بسمة دموع, ‏غرام العيون, ‏Farahhan00, ‏ريمين, ‏لبنى عايد, ‏ريحانة بن, ‏ايمي ايم, ‏ToOoOmy, ‏Mai Medhat, ‏فاطمة زعرور, ‏duaa.jabar, ‏S.F.MOHAMED, ‏ريم سيد, ‏Lolll, ‏Waim, ‏أسيل محمد, ‏•Abeer•, ‏خفوق انفاس, ‏تواقةة للجنه, ‏حلا هشام, ‏الاميرة..., ‏Moaa17, ‏SORAYA M, ‏وردة ذابلةة, ‏Marwa_gamil, ‏رندوش9, ‏ام علي اياد, ‏Iraqi1989, ‏نونا لبنان, ‏yasser20, ‏ام الارات, ‏حزينة جدا, ‏هدى هدهد, ‏قمر صفاء, ‏Sa Lma, ‏مطر الصيف, ‏موضى و راكان, ‏ميرو76, ‏halimayhalima, ‏Shahd141, ‏ريما الشريف, ‏Sarafadoua, ‏ام رفيدة, ‏منالب, ‏هديل كوريا, ‏zezo1423, ‏Doha Hassan, ‏redrose2014, ‏مهيف ..., ‏طوطه, ‏انجلينااااا, ‏نصرة محمد, ‏نسيم الحياه, ‏مالي عزا من دونك, ‏جنغوما, ‏لبنى البلسان, ‏ياسمين الحريرى, ‏زهرة النوبة, ‏لارا لي لي, ‏Amira sedky, ‏Selinn, ‏ايمان122, ‏ام معتوق

فلونا علي 04-09-20 11:14 PM

رواية تبدوا احداثها مشوقة

Ektimal yasine 04-09-20 11:15 PM

مسا الخير شموستنا

فلونا علي 04-09-20 11:16 PM

فصل رائع جدا جدا


الساعة الآن 03:46 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.