آخر 10 مشاركات
أثر تغزله النچمات (الكاتـب : Lamees othman - )           »          رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )           »          لا تتحديني (165) للكاتبة: Angela Bissell(ج2 من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          آلام قلب (70) للكاتبة: كيم لورانس .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          مشاعر على حد السيف (121) للكاتبة: Sara Craven *كاملة* (الكاتـب : salmanlina - )           »          ومضة شك في غمرة يقين (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          ذنوب مُقيدة بالنسيان *مكتملة* (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          [تحميل] جنون المطر ( الجزء الأول) للكاتبة الراااائعة/برد المشاعر(مميزة) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          23 - لا احد يشبهك - ايفون ويتال (الكاتـب : * سوار العسل * - )           »          الأسيرة العذراء (128) للكاتبة: Sarah Morgan كــــاملة *تم إضافة الروابط* (الكاتـب : salmanlina - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام

Like Tree628Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-09-20, 09:11 PM   #2951

البيلسان ام

? العضوٌ??? » 409586
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 251
?  نُقآطِيْ » البيلسان ام is on a distinguished road
افتراضي


بننتظر الأجزاء بفارغ الصبر يا عمرى 😍



البيلسان ام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-09-20, 09:15 PM   #2952

Diego Sando

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية Diego Sando

? العضوٌ??? » 307181
?  التسِجيلٌ » Nov 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,113
?  نُقآطِيْ » Diego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أميرة الحب مشاهدة المشاركة
موعدنا الليلة يا حلوات لا تنسو أتمنى تكونوا كلكم متجمعين، الحاضر يعلم الغايب
بانتظارك ⁦♥️⁩⁦♥️⁩⁦♥️⁩⁦♥️⁩⁦♥️⁩⁦♥️⁩⁦♥️⁩⁦♥️⁩⁦♥️⁩⁦♥️⁩⁦♥️⁩⁦ ♥️⁩


Diego Sando غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-09-20, 09:33 PM   #2953

Wejdan1385

? العضوٌ??? » 392089
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 469
?  نُقآطِيْ » Wejdan1385 is on a distinguished road
افتراضي

في الانتظار من ثلاث اسابيع

Wejdan1385 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-09-20, 09:46 PM   #2954

ميار111

? العضوٌ??? » 323620
?  التسِجيلٌ » Aug 2014
? مشَارَ?اتْي » 1,400
?  نُقآطِيْ » ميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond reputeميار111 has a reputation beyond repute
افتراضي

في الانتظاااااار 😍

ميار111 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-09-20, 09:52 PM   #2955

foufastar
 
الصورة الرمزية foufastar

? العضوٌ??? » 119240
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 754
?  نُقآطِيْ » foufastar is on a distinguished road
Rewitysmile19

تسجيل حضور 😘😘😘🥰🥰🥰🥰🥰

foufastar غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-09-20, 10:12 PM   #2956

نانسي33

? العضوٌ??? » 36751
?  التسِجيلٌ » Aug 2008
? مشَارَ?اتْي » 268
?  نُقآطِيْ » نانسي33 is on a distinguished road
افتراضي

🥰🥰🥰🥰🥰🥰🥰🥰🥰🥰🥰🥰🥰🥰🥰🥰🥰

نانسي33 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-09-20, 10:21 PM   #2957

rajouna

? العضوٌ??? » 247581
?  التسِجيلٌ » Jun 2012
? مشَارَ?اتْي » 328
?  نُقآطِيْ » rajouna has a reputation beyond reputerajouna has a reputation beyond reputerajouna has a reputation beyond reputerajouna has a reputation beyond reputerajouna has a reputation beyond reputerajouna has a reputation beyond reputerajouna has a reputation beyond reputerajouna has a reputation beyond reputerajouna has a reputation beyond reputerajouna has a reputation beyond reputerajouna has a reputation beyond repute
افتراضي

انا حاظره ❤❤❤❤❤

rajouna غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-09-20, 10:22 PM   #2958

ام الحلوات 2
 
الصورة الرمزية ام الحلوات 2

? العضوٌ??? » 383530
?  التسِجيلٌ » Oct 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,090
?  نُقآطِيْ » ام الحلوات 2 has a reputation beyond reputeام الحلوات 2 has a reputation beyond reputeام الحلوات 2 has a reputation beyond reputeام الحلوات 2 has a reputation beyond reputeام الحلوات 2 has a reputation beyond reputeام الحلوات 2 has a reputation beyond reputeام الحلوات 2 has a reputation beyond reputeام الحلوات 2 has a reputation beyond reputeام الحلوات 2 has a reputation beyond reputeام الحلوات 2 has a reputation beyond reputeام الحلوات 2 has a reputation beyond repute
افتراضي

🥰🥰🥰🥰🥰🥰 نحن هناااا

ام الحلوات 2 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-09-20, 10:25 PM   #2959

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل التاسع عشر

انفتحت أبواب المصعد الذهبية على المشغل الشاسع، مثل المعتاد سابرينا من تهتم شخصيا بتنظيفه، لا أحد من الخدم يحق له الدخول الى هنا، انه المكان المقدس و المحرّم أيضا، دفعت صوفي كرسيها المتحرك الى الداخل، المرأة الشديدة الاناقة أمامها ماتزال تحترم حميمية زوجها حتى بعد موته من ازيد من سبع سنوات، استدارت هذه الاخيرة نحوها عندما شعرت بوجودها، كان بين يديها صورة لبورتريه والدها، تقوم بإبعاد الغبار عنها بقطعة قماش.
« ظننتك ما تزالين مع منظمة المناسبات؟؟»
«انتهينا و ذهبت الى حال سبيلها… ستعود غدا لانهاء بقية التفاصيل…» ردّت سابرينا و هي تعيد الصورة لمكانها و تدنو منها بدورها، أنفها ما يزال يلتقط رائحة الخشب القوية الممتزجة بعطر والدها، مزيج من القوة و السيطرة و السانتال و العود.
« و كأنه ما يزال هنا…» كانت تعرف بأن والدتها تدرك جيدا عمن تقصد بكلامها.
« لكنه ما يزال هنا صوفي الغالية» انحنت عليها لتلامس وجنتها برقة " في قلوبنا…»
« تختلف رحلة الحزن لكل واحد منا ... كل منا سلك طريقه الخاص على ما يبدو… الوحيدة التي تجهل باي طريقة ستتخلص من عذاب فقدانه هي أنا»
مات الشخص الذي أحبته فوق أي تعقل… هذه الخسارة أخدتها عبر واحدة من أصعب التجارب البشرية…أخبرها روكو بأن تتعلم كيفية التعامل مع الحزن بطريقة صحية و التكيف مع الحياة في غياب من نحب ليس بالمهمة السهلة، و أنه في كثير من الأحيان ، يستغرق الأمر مزيدًا من العمل والوقت… لقد كان انسانيا معها بينما يراها تفقد وزنها و رغبتها في الحياة برحيله، كان تقريبا يشبه يانيس في حنوه عليها، و في الليل… أتى ليأخد مكانه بجانبها خلال كوابيسها… كل شيء تغير معه ما ان بدأت بوادر الأنوثة تظهر عليها… رفض روكو ان تستقطب شقيقته الصغيرة نظرات الرجال.
أبعدت موضوع روكو الشائك على رأسها و أخرجت هاتفها المحمول كي تكشف صورة لأليساندرو دانيلا لوالدتها، رأسها على صدره و هي بنفسها من التقط السيلفي، يبدوان سعيدين للغاية مما يجعل مزاجها طيبا للغاية، انها تعشقهما للغاية:
« عادا لبعضهما؟؟ » سألت والدتها، لا تبدو مطلقا سعيدة لهذه المفاجأة.
أقطبت صوفي حاجبيها :
« ما لأمر سابرينيا ايميليانو؟؟ الم تكوني متحمسة للغاية لخطبتهما؟؟ تلعبين دور الحماوات الشريرات! …»
« لعلمك… روكو من كان متحمس لخطبتهما فهو و خوسيه فعلا كل ما بوسعهما لرميهما في طريق بعضهما…»
كانت على معرفة بهذا،اتسعت عيناها بعدم فهم:
« الم تكوني صديقة مقربة لوالدتها؟؟»
« يانيس كان مقرب جدا لعائلة كورتيز و المارتينيز هذا صحيح…"صححت والدتها و هي تضم ذراعيها اليها « لكن هذا لا ينفي بأن دانيلا تفتقد النضج و لا تستحق رجلا مثل اليساندرو… قامت بالتخلي عنه بطريقة مذلة و اجهل لما استعادها.. ففي النهاية شقيقك يملك كرامة من نار… حتى انه لم يتمكن من مسامحة روكو يوما»
« روكو قام برميه خارج البيت ان لم تخني الذاكرة» ذكرتها صوفي بلهجة لاذعة
« لأنه رغب به مستقيما!»
« مثله؟؟ مستقيما مثل العرّاب؟؟ انه ممتلئ بالأمراض النفسية… ابنك بحاجة لطبيب سابرينا… أولا اليساندرو و ثانيا أنا… سجينته في هذا البيت الواسع بحيث يرفض أن أنهي دراستي خارج جذرانه اللعينة »
سابرينا تكره بشدة ان يتم انتقاد ابنها المفضل، رغم كل نزاعاتهما الشخصية الا انها تذوب عشقا به.
« ذلك المتنمر قام بفتح بطنه من أجلك… كوني ممتنة له و لو قليلا صوفي… اجحافك بحقه مريع للغاية… ولا تظني ان اليساندرو نجح و اثبت بأنه رجلا بعيدا عن شقيقه… ان كان اليوم من ضمن انجح رجال الأعمال في أمريكا فلأن روكو دفع ثمن نجاحه… هل الأمور واضحة الأن؟؟ »
زمت صوفي شفاهها:
« طريقته غريبة لإظهار حبه لنا الا تظنين؟؟!…»
« انها طريقته الوحيدة نعم و التي يعرفها….»
« دعيني أضحك» استهزأت صوفي وهي تضع يديها على عجلات كرسيها المتحرك " طرقه أقل وحشية مع الجميلة اليونانية… يصبح الحمل الوديع حتى انه لا يرفع صوته في وجودها و كأنها تشكل له الحياة برمتها… ابنك يعرف متى و لمن يتخلى عن شراسته… أشعر أحيانا بانه يعاقبني لسبب أجهله… لو كان أبي حيا لما سمح له بإيذائي بهذه الطريقة…»
هزت سابرينا راسها ببعض الأسف، لكن صوفي لا تنوي البقاء هنا لتبادل الكلمات بشأنه، في كل مرة لا تخرج منتصرة أمام والدتها، هذه الأخيرة محامية جيدة.
«صدقيني… لو كان يانيس حيا… لكانت حياتك اسوأ »
لم تجبها، هي مقتنعة بأن والدها كان ملاكا و لن يكون لدى أي شخص آخر نفس تجربة الحزن مثلها ولا توجد طريقة "صحيحة" للتعامل مع الخسارة الفادحة، لن يكفيها العمر حدادا عليه، تعرف بأن علاقته بوالدتها لم تكن ورودا كل يوم، هذه الأخيرة كانت تخشاه لدرجة أنها لا تتنفس سوى بأمره، شقيقيها لم يكن لهما اعتبار أكبر من والدتها… لكن الوضع اختلف معها… أخبرها في عدة فرصة بأنها أجمل ما حذث في حياته.
عندما عادت الى غرفتها ارتمت بكل ثقلها على سريرها و دخلت الى مواقعها الاجتماعية المفضلة، رمشت عدة مرات بعدم تصديق بينما تكتشف أن الصورة التي وضعتها اختفت… صورة لها في سن الثالثة عشر مع والدها، نفس الصورة تحتفظ بها بجانب السرير الشبه بينهما قوي، لقد ورتث نظراته الزرقاء تماما مثل اليساندرو، لكن ملامحها قريبة منه أكثر و هذا شيء تفتخر به بشدة، روكو لم يرث شيئا من يانيس سوى السلطة… إنه إبن أمه عن جدارة.
كتبت رسالة فورا الى سانتياغو، هذا العمل من افعاله هي تعرف
( لما تدخل على صفحاتي الشخصية بحق الحجيم و بأي حق تحذف صورتي مع أبي؟)
جائها الرد بعد دقائق:
( صور ‘دون يانيس’ ممنوعة النشر كليا… اهتمي بالأحرى بصور كلابك و حيواناتك الاليفة و اتركي افراد العائلة بسلام)
زمت شفتيها بحدة، هذا حقا ما ينقصها، لو كان مكانها لقامت بخنقه بيديها، ضربت اصابعها بسرعة على مفاتيح هاتفها:
( ليس أنت من يملي علي تصرفاتي)
(ربما قد تروقك اكثر وسائل روكو المتعددة؟)
هزت عينيها الى السماء و ردت بحروف ضخمة مهددة:
(نصيحة…اهتم بحياتك المملة و اتركني اعيش حياتي)
( انت حياتي المملة صوفي… توقفي عن التصرف كطفلة و لا تبحثي عن اثارة الانتباه مجددا… روكو يملك امور أشد أهمية من تفاهاتك)
فريق الدفاع عن روكو كبير، الكل يراه المثل الأعلى مؤخرا، حتى اليساندرو تخلى عن عدواته، حتى أنه أصبح يخرج مع أصدقائه عندما يتصادف وجوده في صقلية، عموما فهي لم تبالغ عندما انتقدته قبل قليل بسبب تصرفاته مع بريانا، و تعترف بأنها تشعر بالغيرة لتواطئهما، روكو تغير بشدة منذ دخولها حياته، كم تمنت لو تكون بهذا القرب معه كما كان الامر مع والدهما، تشعر به دوما على صف الهجوم، لا يسعى لفهمها حتى و ان كانت تهذف لمحاذثة سلمية.
عاد الهاتف ليرن، لم تتفاجئ عندما رأت رقم خوسيه مارتينيز، منذ ايام وهو على جمر مشتعل بسبب اختفاء دانيلا، هذه الاخيرة نجحت بافقاده عقله و تظن انها تسلت كفاية بمعاناته، ابتسمت بشر و هي ترد عليه بنبرة متشفية:
« ما هو سبب اتصال رجل مشغول جدا مثلك لفتاة عديمة الاهمية مثلي»
« لا تدعي البراءة صوفي تعرفين بانني اتصل من أجل دانييلا»
« أمنطقي ما اسمع؟ هل تلتجئ لي عزيزي خوسيه؟؟ الحياة دوارة حقا… انا حقا منفعلة…»
« توقفي عن درامياتك فلا احد بجانبك ليعلق على صدرك ميدالية… انت ساعدتها ماديا اعرف بأنكما مقربتين للغاية»
هزت كتفيها بلا اهتمام:
«انا لا أنكر… نعم ساعدتها «
« أين هي؟؟»
«لست مجبرة على الرّد…»
سمعته يلتقط أنفاسا كي يتحكم في أعصابه التي نجحت دانيلا مؤخرا بإثلافها، ان كان يظن بأنها ستشعر بالشفقة نحوه… خوسيه صورة مطابقة لروكو… الاثنين سافلان و لا يُحتملان.
« عزيزتي… يا قلبي الطيب… لن يمكنني الغضب منك… أعرف بأنك تحبينني كما أحبك و ستخبريني عن مكان وجودها… « سمعته يتنهذ مجددا، صوته يأخد نبرة متحسرةx» دانيلا هي كل حياتي… أخشى عليها بشدة… «
رغما عنها بدأت تشعر ببعض التعاطف، لكنها ترغب بالاستفاذة من الوضع رغم قلبها الذي يدعوها لمساعدته:
« لما يجب ان افعل ما تطلبه؟ انت الذي طالما وقفت مع روكو ضدي كما أنك تأخرت ‘دون مارتينيز’"
قال مُقرّا:
« رحلت اذن؟؟…»
« أنت لا تستحق ولائي… لكن هناك ما قد يروقك معرفته، مدللتك المحمية عادت لاحضان اليساندرو… انهما في شيكاغو»
« هل انت متأكدة عزيزتي؟؟» بدى الارتياح عارما في صوته.
« قد اكون لطيفة لمنحك بعض المعلومات مقابل ان تقنع شقيقي بمنحي فرصة الالتحاق بالجامعة»
« الوقت مبكر يا طفلتي… أتيتي على الخروج من محنة جسدية و ماتزالين في فترة نقاهة»
هزت عيناها الى السماء، يتكلم بلسان شقيقها دوما:
« صرت قادرة على المشي بفضل اعادة التأهيل….يمكنني حضور المحاضرات… أريد الخروج من القلعة حتى بدزينة حراس فهذا لم يعد مهما»
عم الصمت لدرجة انها ظنته اغلق الخط، قال أخيرا:
« سوف اتفاوض معه»
« لا أريدك ان تتفاوض معه خوسيه… أقنعه… انه يثق بك بشدة و انت الشخص الوحيد الذي يؤثر عليه… أعرف أنه يكن لك محبة استثنائية »
« ماهذا الهراء صوفي؟؟ ان ظننت بأنه يحبني أكثر منك فأنت تهذين يا صغيرتي، مكانك كنت لأخضع نقاشا جديا و عميقا معه… انه يعشقك اكثر من الهواء الذي يستنشقه… فقط توقفي عن التعامي و امنحيه فرصة»
الكل يردد نفس الكلام، بأنه يحبها و انها الوحيدة الغير قادرة على رؤية هذا الحب، الحقيقة تتجلى في ان الوحيد الذي احبها حقا و بدون اي مقابل، الوحيد الذي وضعها قبل اي مصالح، الوحيد الذي كان يأخد بيدها وقت الحاجة و ينير طريقها و الوحيد الذي… اكد لها ذات مرة… بأنها ورتث نظراته و بأنه يرى نفسه من خلالهما كان والدها… بعد موته… مات كل شيء طيب معه… لن يتمكن روكو من أخد مكانه أبدا.
* * *
لا أثر له... لقد تنمرت على روحها و سخرت منها بينما كل خلية تطالب بتكسير أوامره و الإلتحاق به لمعرفة ما يحذث خارجا... هي تثق به.. آه بالطبع
فشتان بينه و بين زوجها الأول... أمام العرّاب ديميتريس باهث و بلا أي أهمية... وليس ديميتريس فقط... روكو يخفي كل الرجال من حوله... انه استثنائي...رجل بحق.
هي ليست العاقلة التي يظنها... انها مجنونة بالغيرة،و في هذه اللحظة النار ما تغلي في شرايينها بدل الدم، حتى مع ديميتريس لم تصل الى هذه المرحلة من الانسلاخ و الأدى العاطفي، تجهل متى أخد العراب مكان الهواء في رئتيها، أو حتى متى أزاح قلبها من قفصها الصدري ليجلس مكانه؟ لو أتى أحدهم ليخبرها بأنها بعد ديميتريس ستحب رجلا لحد الجنون لما صدقته... و رغم كل حذرها هذا بالضبط ما حصل... انها مغرمة و تحترق حبا و شغفا.
وهي امام منافسة أرادها يانيس بقوة لإبنه... ابنة بارون أسلحة... حسناء و سياسية و زعيمة مافيا... انها تليق به أكثر... فلتكن صريحة مع نفسها... اختيارات يانيس دوما في محلها.
وهذه الحسناء من يختلي بها حبيبها في هذه اللحظة.
إنه مع محتالة متمرسة لم تخفي ابدا بأنه يعجبها بشدة... بأنها تنوي تجربة كل اسلحتها لاستمالته.
شعرت بالضيق لأفكارها ووضعت يدها على بطنها تمنع رغبتها الكبيرة في تقيوء عشائها... ياله من وضع مريب... حتى انه لا يمكنها التصرف بتهور، ترك سريرها اللعين و التسلل الى الخارج للتجسس عليهما.
يوليا على الشاطئ مع خطيبها... سيكون مظهرها أشد فثنة تحت ضوء القمر... وفي النهاية... رغم كل اخلاصه، روكو هو مجرد رجل…. قد يفثن بها… قد يسحر بها كما سحر بها الجميع اليوم.
بلعت ريقها الذي يجري في فمها بطريقة غير مريحة.
لقد طلب منها.... النوم و عدم انتظاره.
لا و الأدهى أنه كان يعبس بتلك الطريقة التي يتبناها عندما يكون جديا للغاية، هل يدرك بأن النوم هو آخر زائر؟ بأنها في هذه اللحظة تحترق على نار هادئة؟؟ تتخيل الأسوأ؟ يوليا الحسناء تحت الضوء الفضي لقمر كامل في خليج جزيرة ساحرة… هي نفسها كانت اللوحة لتغريها.
وهي هنا… وعليها التصرف برقي و وعي…
« تبا…»
لقد ملت التصرف بعقلانية… فليذهب التعقل الى الجحيم.
رمت الاغطية جانبا و ارتدت على عجل روبها فوق قميص النوم الجديد الذي آملت أن يعجب الرجل الذي يتأخر في الظهور، أهملت خفيها و تسللت في الفيلا النائمة خارجا حافية القدمين، استقبلتها الرياح الشهية المحملة بنسيم البحر و الطبيعة المتوحشة، كان المكان شبه مهجور، تدرك بأن سانتياغو لا ينام قبل أن ينام رئيسه، و بأن أعينه منتشرة في كل مكان، لكنها لا تلمحه، لا هو و لا توأم اليخاندرو الغريب الأطوار، حتى رجال يوليا الخمس لم يكونوا متواجدين في الخارج، فقط هي و أشباح غيرتها السامة و القاتلة، تتسابق مع مشاعرها المشتعلة، كنمرة هائجة و مستعدة لقتل من يقترب من صغارها.
أمامها مساحة لا منتهية من السواد، الشاطئ خالي تماما، لا أثر للخطيبين القديمين، الارتباك نجح بدفع الادرينالين أكثر في شرايينها، كانت تلهث تقريبا بينما تسرع الخطى لتمشط بعينيها المكان… أين هما بحق الجحيم..؟؟
« آنسة بريانا » قفزت من مكانها مذعورة بينما تظهر فجأة أمامها جثة سانتياغو الضخمة، كانت ملامحه الجميلة متقطعة بين الظلمة و اللون الفضي، رغم صرامته الاعتيادية الا انها تلمح بعض التسلية في عمق نظراته الخضراء البندقية « هل يمكنني مساعدتك؟»
هل يمكنها الوثوق به…؟ يبدو بأنه يعرف سلفا بأنها بصدد البحث عن رجلها المفقود.
«لا أظن ذلك!…»
تجاهلته و حاولت تجاوزه الا انه عاد يسد طريقها، الريح الهادفة أتت لأنفها برائحة عطره التي لا تعرف اي فصيلة عطور رجالية تنتمي! لكنها رائحة متحفظة للغاية… رائحة تخصه هو فقط.
«ما الأمر سانتياغو؟؟ نحن في جزيرة خاصة… التمشي بمفردي لن يشكل أي خطر على سلامتي »
بقي يحملق لها للحظات قبل أن يقول:
«xأنت في الطريق الخطأ ان كنت تبحثين عن الرئيس…» أقطبت… تبحث في ملامحه بشك، رأته يهز رأسه نحو بيت من القش سبق وزارته هذا الصباح « انهما هناك…» أمام ملامحها ابتسم بسخرية قائلا:" لا تستغربي… فأنا أيضا لا أحب تلك المرأة »
منحها ظهره قبل أن يبتعد نحو الظلمة مجددا و يختفي تماما كما ظهر، لم تكن تملك الوقت حتى لطرح الأسئلة بهذا الشأن، سانتياغو وفي جدا لروكو، انه مستعد للموت بدلا عنه ان اقتضى الأمر، و بدل ان يمنعها من اقلاق راحته قام بتوجيهها الى الطريق الصحيح، جمعت شتات أفكارها و عادت تركز على الحاظر، مالذي يفعلانه في بيت القش؟ الم تقل تلك الأفعى السامة بأنها تريد فضاء عاري لأنها تشعر بالاختناق؟ هل استذرجت روكو بسوء نية لإغوائه؟ تراءت لها صور مريعة، لا يمكنها حتى تقبل خيالاتها اللئيمة و الجارحة، تعرف أن ثمة علاقة جسدية سبق و جمعتهما في الماضي، يوليا لم تتوانى عن التلميح الى الموضوع في سبيل مضايقتها و روكو لم ينفي شيئا… هل اشتعلت مجددا نار الجمر الخامدة؟؟ هل فقدته بسبب روسية حسناء قررت الدخول الى حياتها لأخد سعادتها؟
انطلقت ساقيها تحتها نحو بيت القش حيث اتضحت لها انارته على مسافة قريبة، كانت المشاهد القوية تتراقص امام عينيها لدرجة انها عجزت عن كل تعقل، شيء واحد فقط عالق في رأسها، يوليا بين ذراعي روكو...
تخاذلت وهي على بعد خطوة من المدخل… وماذا ستكون عليه ردة فعلها ان عثرت عليهما في وضع حميمي؟!! هل حقا تملك من الجرأة ما سيجعلها تتحمل صدمة مماثلة في أكثر الرجال وثقت فيهم في كل حياتها؟ من الممكن إدراك هذا النوع من المواقف بشكل مختلف.
أخذت وقتها في التفكير في الفكرة التالية… هل هي قادرة على تحمل صدمة أخرى؟
هل هي قادرة على … مواجهة ما يختبئ وراء هده الجذران الهشة؟!!
هل ستفقد روكو الى الأبد الليلة لأنه عكس كل ما ظنت؟
غيرت اتجاهها نحو الباب و اختبئت وراء الجذران حيث تصلها كلمات منخفضة غير مسموعة، وضعت أذنها على القش، تحاول سماع الحوار بينهما، لكن كل جهوذ التركيز ذهبت سدى، لا يمكنها التقاط شيء واضح، أنفاسها العالية تحول ايضا بينها و بين الكلمات،لم تكن قادرة على التحكم في نفسها، تشعر و كأنها مذبوحة من الوريد الى الوريد و تتخبط بيأس في دمائها، روكو هو كل ما تملك… ان فقدته ايضا فستموت.
استعادت بهجة الحياة بفضله هو و تشعر بأنها تعيش لأجله فقط.
ذلك الرجل أصبح الهواء الذي يجعلها على قيد الحياة… و لا حياة من دونه.
حاولت يائسة للمرة الأخيرة بتجاوز مسافات القش بينها و بين الثنائي، بعدها… لا تعرف بالضبط ما حذث… وجدت الجدار يبلعها، كل شيء مرxبسرعة شديدة، انتقلت من مرحلة الجاسوسة الى الحمقاء التي سقطت على وجهها أرضا، وكأن هذا لم يكن كافيا، انهار المتبقى من القش عليها ليترك من حولها كوخ ثلاثي الابعاد، كانت تتمنى لو تنشق الأرض و تبتلعها بينما تتسلل الى أذنيها شتيمة بالايطالية، بعد لحظة شعرت بيد قوية تنتزعها من الأرض، تعرف بأن منظرها مضحك للغاية، وهذا بالتأكيد لم يترك المرأة محايدة، سمعتها تنفجر في الضحك بينما روكو يواجهها بنظرات قلقة، يديه تتفحصانها كي يتأكد من سلامتها:
« ارجوك قولي بانك بخير…»
صوت الروسية الرنان مزعج جدا في ادنيها، لم تكن تعرف ان شعرت بذل أكبر من هذا، روكو الذي يراها دوما عاقلة و غير قابلة بالتأثر للغيرة الانثوية، تحاشت النظر اليه، نفضت الغبار عن ذراعيها و شعرها و روبها الذي انفرج ليسمح بظهور قميص النوم الجديد.
« لقد تعثرت… آسفة لازعاجكما لم اكن اعرف بأنكما هنا»
« انت كاذبة سيئة » علقت يوليا بنعومة.
القت نحوها نظرة كراهية، على الاقل احمر شفاهها في مكانه و هذا يطمئنها.
« اغلقي فمك يوليا» امرها روكو بهدوء.
« تنقص الثقة علاقتكما ! » تابعت يوليا وهي تدفع شعرها الاشقر الرائع الى الوراء متجاهلة اوامره:" تجهلين قيمة الرجل معك ايتها المسكينة!…»
تعترف انها منحت العصا لغريمتها كي تضربها بها، و هذه الفاثنة لا ينقصها الذكاء، كيف لها ذلك بينما تترأس عصابة اجرامية دائعة الصيت، رأت روكو يستدير نحو ظيفته قائلا:
« لكنني لا أجهل قيمة المرأة معي…» وضع ذراعه حول كتفيها و جذبها اليه، شعرت بدفئه و رائحته تلفانها، كان يفترض بها أن تشعر بالطمئنينة لكن وضع روكو في مواجهة ملاحظات لاذعة مماثلة تشعرها بالعار، هو الذي انتظر منها تصرفا اكثر تحضرا، أكثر رقيا… تقتحم خلوته بأشد الطرق سخافة، تشعر بنفسها مثل البهلوان على حبل ممدود في الهواء يحاول التحكم في توازنه" تعلمي التحكم في لسانك أو انسي موضوع التطبيع يوليا…»
رأت ملامح المرأة تستعيد جديتها، ليست بحاجة لروكو كي يدافع عنها، التقت نظراتها بنظرات خضراء شفافة، يوليا تشبه دمية البورسلان، انها جميلة جدا، جميلة و مغرمة حتى اعماقها ، ليست غبية كي لا تنتبه للمعاناة المرتسمة في اعماق نظراتها، تلك النظرات التي اختفت فورا لتتصلب و تعود للحيادية.
«xلمعلومك يوليا… ليس هو من لا أثق به…x» نبست من بين شفاهها" تكونين مخطئة ان ظننت لحظة بشكي في وفائه… العراب لا يخون ابداx»
ان كانت تظن بانها ستلعب دور الضحية، ثم نفضت المتبقي من الثراب على يديها « انتظر فراغك منها»
« فرغت منها…» رد روكو وهو يلفها بنظرة مشتعلة" حصلت عما اتت من أجله… و أنا متحرق للبقاء معك بمفردنا »
عادت نظراتها لتلتقي بنظرات الروسية، انها أقل هجوم، مثل وحش تمت تهدئته مؤقتا، لكنها ما زالت تخون نفسها عندما تنتقل عيناها الى روكو، يمكنها قراءة الخيبة، قراءة عبارة { أنت حقا لا تستحقينه}.
« قررت يوليا الرحيل الليلة…" قال خطيبها بلهجة عملية، و كان أجمل خبر سمعته منذ وصول هذه المخلوقة الى الجزيرة، شعرت بالراحة العارمة تغمرها" يمكنك تودعيها و انتظاري في السرير ريثما انهي واجبي معها…»
{ لا تشعري بالانتصار} نبهتها النظرات الخضراء ببعض التهكم، وهي لا تستهين مطلقا بالاشارات التي ترسلها، هذه المرأة تريد العراب، وهي امام مشكلة حقيقية، لقد منحتها فرصة لمح هشاشاتها، تعرف بأنها خائفة على علاقتها به منها، يوليا تذكرها بأفعى جميلة و بهية الالوان، سمها أفتك السموم في العالم بحيث يمكنها ان تقذفه على مسافة أمتار لتتمكن من ضحيتها دون الحاجة لأن تكون قريبة، و هذا ما يحذث… ستتمكن منها حتى و هي على بعد اميال منها… لأنها امرأة و تفهم جيدا ما يعنيه شعور عاشقة مجروحة القلب.
« كانت فرصة لطيفة…» قالت الحسناء وهي تمسك بيدها لمصافحتها" انت محظوظة به…»
ابتعدت بيدها فور ملامستها، رغم مظهر اناملها الرقيق الا ان قبضتها بقوة رجالية مذهلة.
« هذا صحيح… أنا محظوظة به»
تردد صوت المروحية في السماء بعد دقائق من عودتها الى الجناح، ازالت أثار غبائها بحمام سريع و التجئت الى السرير، فتحت الكتاب ما ان ترددت خطوات روكو، كانت تحاول الظهور بطبيعية بينما كل حواسها على أهبة الاستعداد، الكلمات تتراقص أمام عينيها و لا تفهم منها شيئا، انها أسوأ ممثلة على الأطلاق، فهمت هذا بينما ترى أصابعه تلتقط كتابها و تضعه أمام عينيها بوضع جديد:
« لا أظنك ستفهمين شيئا من كتاب مقلوب ‘كارا’…»
اذلال جديد أمامه، حسنا… انه يوم سيء من أوله…شعرت بوجهها ينفجر دما، تجرأت وهزت عينيها نحوه، رؤية التسلية في نظراته اراحتها، لكنها مدينة له بالاعتدار:
«لقد افسدت كل شيء… أنا آسفة»
هز كتفيه بعدم اهتمام و هو يجلس بالقرب منها و يدفع يده نحو شعرها الذي ما يزال نديا من حمامها:
« ان كنت تظنين ان رئيها يهمني اكثر منك حبيبتي فأنت مخطئة… آسف لأنني لم أخبرك بشأن ما ربطنا في الماضي…تكون يوليا لاذعة و مسيئة مع منافسيها »
« انا واحدة منهم؟…» مالت بوجهها لتتمكن من التقاط حرارة اصابعه" انها امرأة متفوقة الجمال و ذكية و صاحبة سلطة… اظنها تلائمك أكثر…»
« تظنين ذلك؟؟» سألها و هو يقطب بجدية، ينتظر جوابها ببعض اللهفة التي لم تعجبها أبدا، فجأة انفجرت غيرتها مجددا دون القدرة على التحكم بها:
« لا أيها العراب… لا أظن ذلك… تفوهت بهذه الحماقة فقط لأسمعك تنفي الأمر… لكن تبدو مفكرا اللحظة»
ثم انفجر في الضحك، رباه… انه يسخر منها، انه يتلاعب بمشاعرها و هي مثل الحمقاء تترك اندفاعاتها تفضحها، ضربت بيدها على صدره لكنه تمكن من حبس قبضتها في اللحظة الأخيرة، كانت تغلي من الغضب و الخجل، انه يجهل ما عانته في هذه الساعات الأخيرة،و كأنه فقه لنواياها بالابتعاد، أحكم قبضته على كتفيها و قربها منه، في لحظة أصبح رأسها فوق صدره، يده تداعب بنعومة شعرها، و كأنه يهدئ من روع حيوان خائف،حظنه امان، من المستحيل نكران هذه الحقيقة، من لم تمر بين ذراعي روكو ايميليانو لن تفهم ابدا هذا الاحساس بالكمال و الطمئنينة، تحب أن تلتصق برجلها لساعات و ساعات حتى بدون تغيير وضعيتها فلن تشعر بالعياء او التعب، كيف للمرأة أن تشعر بالارهاق من موطنها، من هويتها، من عنوان أنوثتها؟
« أحبك بريانا… لن يكون غيرك في قلبي… آسف لأنني لم أكسب ثقتك أكثر… لم أكن مقنعا كفاية… لكن أعدك أن أفاجئك بأجمل الطرق… بعدها لن يفرق شيء بيننا »
أجمل الاعترافات و الاعتذارات التي جرفت في طريقها كل السحاب المظلم كي تشرق شمس ساطعة في قلبها المعذب، هزت وجهها نحوه، من هذه الزاوية تراه فوقها مثل القدر، قبله… لم تكن تعرف احتياجاتها الفردية ، لقد دخلت بشكل منهجي في رغبة الآخر (هذا ما هو الإدمان: في رغبة الآخر). لم تكن تعرف رموز العلاقة الرومانسية الدائمة ، لقد قامت بتقييد قصتها الفاشلة مع ديميتريس وظلت دائمًا مع ذلك الطعم المر ، معتقدة أنها ليست محبوبة.
بالنظر إلى الوراء وسنوات قليلة من التدريب والعمل على نفسها ، ترى بأنه لا علاقة لها بخيانة ديميتريس . في الواقع ، لم يتمكنا من التعرف على احتياجاتهما في ذلك الزواج ، أو احترام نفسها اولا. في هؤلاء النساء اللواتي يعشقن كثيرًا ، ترى نساء مثلها ، لطيفات للغاية ، كريمات مع رجال لا يناسبنهن ، لكنهن لا يرين ذلك و يبقين معميات ، ولا يعرفن كيف يحترمن أنفسهن. مثلها تمامًا من قبل: أصبحت تعتمد على الآخر بدلاً من حبه ، فعلت أي شيء من أجله لإنجاح العلاقة. حتى لا تحبط كثيرا أمالها و توقعاتها.
ما اكتشفته في علاقتها مع روكو…بأن العاشقات للرجال الخطأ بحاجة إلى إدراك جذري… الابتعاد عن الآخر. بدل البقاء ملتصقًات برجال مؤقتين في اندماج لذيذ لا يمكن أن يستمر طويلاً، انهن يخاطرن بالدفع ثمناً باهظاً… تماما كما حذث معها…
تنازل المرأة لا يبني علاقة… تخاطر بتحويل ما هو لذيذ في البداية إلى سم قاتل. تعمل هذه المتعة السريعة بنفس الطريقة التي تعمل بها المخدرات والوجبات السريعة… هي تنازلت و ظنت أن هذا التناظل سينفع لتوطيد علاقة تبخرت و كأنها لم تكن يوما موجودة.
مع روكو تقف على أرض صلبة… هو لا ينتظر منها تنازلات… هو من تنازل من أجلها… هو المنزل الذي يسعى لأن يكون مريحا جدا لإقامتها… ومعه… تعرف بأنها المرة الأولى التي تغرم فيها حقا… التقطت نفسا عميقا و قالت من كل قلبها:
"وأنا أحبك كما لم أحب في كل حياتي روكو ايميليانو….»

* * *

« كيف هذا لا يمكنني الالتحاق بالدير؟»
لم تتوقع هذا الرفض القاطع من الأب لويس، هذا ثاني خبر سيء لهذا اليوم، رئيس الجمعية اتصل بها ليخبرها بأن ثمة مشاكل في كينيا و لا يمكنهم المغامرة بإرسالها حاليا، كل شيء خططت له ينفلث من بين اصابعها كحبات رمل، اليوم كان موعدها مع الكاهن الذي يعرفها منذ طفولتها، ولا يبدو انه يداعبها برفضه طلبها بدخول الدير… انه جاد… جاد جدا.
ثم أتت اليها فكرة جمدّت الدم في شراينها، التقطت فيرنا أنفاسا متتالية في محاولة تهدئة أنفاسها:
« هل ‘دونا كوستانسو’ مرّت من هنا؟»
بدت ملامح الكاهن أكثر حزم بينما يشبك أصابعه أمامه على الطاولة الخشبية و يحاورها بلهجة صارمة و كأنه يكلم طفلة صغيرة:
« نوياياك نحو الله ليست بالصافية» لم يترك لها فرصة الدفاع عن نفسها و انطلق شارحا:"اسمعيني فلانتينا…عليك أن تفهمي اختيارات نمط الحياة التي تتخذينها،أن تذهبي أبعد في التعبير عن إيمانك ورجائك بإله المحبة ليس بالهين لأنه تفريغ كامل و عطاء لا منقطع، إمكانيات الالتزام بالتعاطف مدى الحياة في مجتمع نسائي دولي ومتعدد الثقافات ومتعدد الأجيال… اعرف مكارم أخلاقك يا طفلتي، لكن هذا ليس كافيا… انت لست مستعدة لخدمة الله بينما قلبك يغلي حقدا و كراهية لوالدتك»
شعرت بالدم ينسحب من وجهها، ظنونها لم تخب، والدتها تواصلت مع الكل و قلبتهم ضدها، لا أحد في القرية يعرف بأن جورجينا والدتها، اذن فهذي الأخيرة كشفت كابوسها المريع و أكثر أسراها قتامة للكاهن فقط كي تثنيها عن عزمها؟؟ هل هي أيضا من حرض ادارة الجمعية كي يتم تأجيل سفرها الى كينيا؟ دفعت بيدها الى جبينها تفركه بعصبية.
« القلب المحب لـ لله لا يعرف الكراهية يا ابنتي»
« الله لا يحب الظلم أبتاه » ردت فيرنا و هي تهز عينيها المعميتين بالدموع نحوه:"انت تجهل كل شيء عن حياتي…»
فقدت اذن المعركة ضد والدتها و نجحت هذه الأخيرة لمرة لم تعد تعرف عددها لردعها و افشال خططها بالحرية؟!! انها امرأة قوية و لا تعرف التردد، لا تعرف معنى اليأس، هذا اليأس الذي تدفعها شخصيا اليه… و سانتو لا يسهل الأمور أيضا… أقسم على أن يطير الى ايطاليا ان لم ترد على رسائله… كانت مضطرة لكتابة رسالة صغيرة:
{ دعني و شأني و انسى أمري}
جاء رده سريعا… و لاذعا:
{ هذا ما سنرى}
لا تريد البقاء ليجدها و يستغل هشاشتها نحوه، و تجهل اين يمكنها الاختباء، بما ان الدير يرفضها بدعوى قلبها الممتلئ كراهية و كينيا التي اغلقت أبوابها بسبب الأوضاع السيئة فيها… عموما… سئمت الضغط برمته… لا تعرف اين يمكنها الرحيل ريثما تجمع شتاتها العاطفي و المعنوي.
«قبل اتخاذ القرار بتبني أسلوب حياة الراهبة ، يجدر بك الصلاة وتثقيف نفسك وسؤال نفسك عما إذا كانت إرادة الله لك لمتابعة هذه الدعوة غير العادية. الراهبات نساء محترمات للغاية ومثيرات للإعجاب من جميع النواحي. إذا كنت تعتقدين أن هذا طريق يمكن أن تزدهرين به فستجدين طرقًا لذلك… بعد أن تنظفي نفسك من الضغينة… انا من رئي والدتك… أنت مهتزة عاطفيا لاتخاذ هذا القرار المهم…»
بعد مغادرتها الدير لم تعرف فيرنا اي مسلك تأخد، كانت في فوضى نفسية عارمة لدرجة انها تفضل الاختلاء بنفسها، الأمور لا تسير مطلقا كما تتمنى، مازالت و ستظل لعبة خيوط والدتها، هذه الأخيرة ترفض مطلقا الخروج من حياتها.
ساقت شاحنتها القديمة نحو القرية، توقفت أمام منزل فليبينا، هذه الأخيرة كانت بصدد سقي خضارها في الحديقة الأمامية، استقبلتها بإبتسامة شاسعة من ان رأتها تترجل من السيارة لكن ابتسامتها اختفت بعد ان انتبهت لملامحها.
«ياطفلتي… ما الأمر؟»
بعد قليل كانتا بصدد شرب الشاي في الداخل بعيدا عن الجو البارد خارجا، غاصت أصابعها في الكوب الملتهب دون ان تشعر حقا بسخونته، بعد ان روت لها كل ما يحذث لا تشعر حقا بالراحة بفضفضتها، ماتزال الغصة المؤلمة تحول بينها و بين التنفس الطبيعي.
« راهبة؟؟ لكن فيرنا عزيزتي… من أين اتيتي بهذه الفكرة المجنونة؟»
« من الضغط الذي يولده الجميع علي… ضقت ذرعا بهم » أدركت خطئها ما ان نبست بهذه الكلمات، قد تكون فليبينا عجوز الا انه لا ينقصها الذكاء أو اليقظة.
« تتكلمين بصغة الجمع… x» مدت يدها لتمسك بالكوب الذي احرق تقريبا أصابعها المبنجة ووضعته على الطاولة:"هل هو حبيبك؟»
« هو ليس حبيبي دونا فيليبينا… هل تعيشين على كوكب آخر؟x» لكن هذه الدموع بحق الجحيم تأتي عندما لا نريدها" انه متزوج و أب لطفلة رائعة و تشبهه بشدة…»
لا تبدو العجوز متفاجئة من تصريحاتها التي تقذف بها خارجا للمرة الأولى:
« ظننت ان ثمة شيء ينمو حقا بيننا… انه يملك كل ما أريده في رجل…» توقفت بعد ان تعدّر عليها المتابعة، لم تكن تعرف بأنها متأثرة لفقدانه لهذه الدرجة، تشعر بأنها تنسلخ ببطئ عن جلدها:" و بينما كل شيء يسير بشكل جيد… أخبرني انه متزوج و أراني صورة ابنته… شقراء رائعة بعينان زرقاوين ذكيتين… كيف لي ان اغرم برجل متزوج دونا فيليبينا؟؟ لكن لما يحذث معي هذا دائما؟؟ يسقط اختياري على الرجل الخطأ؟ في البداية ذلك التعس جوفان الذي اخفته جورجينا الى هذا اليوم… ثم… سانتو… أشد الرجال تناقضا معي…»
أشبكت اصابعها لتضعها تحت دقنها بينما تحاول التحكم في اهتزازها بعصبية:
« سانتو متزوج؟…» رددت العجوز و كانها تكلم نفسها.
« يقول بأنه بصدد الطلاق منذ أشهر… » همست فيرنا وهي تمسح على وجهها الشاحب:" كل تبريراته لم تعد مهمة… تلتصق بظهره صفة متزوج… تعرفين جيدا رئي بالموضوع»
مدت العجوز يدها لتضعها تماما على مكان الأم في ركبتها في محاولة لطيفة لإيقاف اهتزازها العصبي، لكن هذا لم ينفع، هي صاحبة الطباع الهادئة، الفتاة المسالمة، الطيبة الفتاة المقاتلة و الشجاعة تترك أمرا سخيفا مماثلا يخرجها عن طوعها، بل و يخرج الاسوأ فيها… لم تخطط لحبه… تجهل متى تعلقت به أصلا، و هذا الاحساس بالعجز في داخلها مؤلم للغاية… الاحساس انها عاجزة عن الحصول عما تريده حقا للمرة الأولى في حياتها.
« أنت لست والدك فيرنا و سانتو ليس والدتك… »
هذه الملاحظة مؤذية للغاية، لأنها ما يجرحها الأكثر في أعماق روحها، أن تركض وراء رجل امرأة أخرى و أن تتألم تماما مثلما تألم والدها الذي مات حتى قبل أن يتجاوز الخامسة و العشرين سنة من عمره.
أن تحب شخصا مرتبطًا مؤلم دائمًا ، حتى لو كانت لحظات الفرح أكثر تألقا… بين الأمل والاعتماد والأحلام المحطمة: ‘السعادة بدوام جزئي’ هذا هو ما عليه الوقوع في حب شخص مرتبط.
في البداية ، قد يبدو الأمر ممتعًا. ما الذي يمكن أن يكون أكثر بهجة من بضع لحظات مسروقة بين ذراعي رجل يريد منحنا السعادة التامة؟ عندما يتعلق الأمر بالحب ، يصبح كل شيء معقدًا ، سواء كنت حرًا أو متزوجًا أيضًا.
« القصة الممنوعة بين أبي و أمي علمتني أن النزاهة مهمة و أن الحب خارج اطار الشرعية.. خارج القاعدة ، خارج القانون…مضيعة للوقت و تدمير للذات… أبي توغل في حبها مؤمنا بالمستحيل… ماذى جنى منها غير تكفلها بجنازته ماديا و ارسال باقة ورود كل شهر لقبر منسي تماما؟؟»
{ سوف نكون مع بعضنا فلانتينا… سوف ترين يا طفلتي…}
ترددت كلماته في اذن طفلة الخامسة، ممتلئة بالأمل، حتى في ذلك العمر كانت ترى الحقيقة التي يرفض والدها رؤيتها، لقد آمن بحبه لها حتى آخر لحظة، جورجينا تسلت به، لم تفعل شيئا لهجر الزوج الثري الأقل جمالا منها، دومينيكو لم يكن وسيما بالمرّة، كان يغار بشدة من الشاب الفاثن الذي أفقد زوجته عقلها.
زادت معاناته من العوائق… عاش كابوس حياة محكوم عليها بالسرية والتضحية… ما بدأ في البداية كترفيه جنسي و متعة والحصول على "الجانب الجيد" من الحب فقط تحول الى عذاب يومي، والدها أحب جورجينا حقا… بالرغم من أنه من عمر ابنتها ماربيلا.
هذا النوع من العلاقات يتم تشغيلها على الأمل… مثل اليناصيب… اما ان تربح… أو تخسر.
"لقد كانت علاقتهما مكثفة ، الأولى في حياته ، لكنها علاقة لا أتمناها لألذ أعدائي… أرفض عيش كابوس ابي"
« أعود لأكرر بأنك لست والدك و بأن خياراتك مختلفة… الم تفكري بأن زواج سانتو منهار بك أو بغيرك؟ بأن تضحياتك بالابتعاد لن يغير شيئا من قراره؟؟ ما تفعلينه بلا معنى… رأيت كيف ينظر اليك… رأيت فيه نظرات يانيس لأوكتافيا… لن يتركك فقط لأنك قررت مكانه بأنك تتنحين بسبب علاقة منتهية»
« علاقة منتهية» رددت فيرنا متهكمة:"برئيك من أنا بالنسبة لسانتو؟؟ سابرينا؟ أو أوكتافيا… من يضمن لك بأن التاريخ لن يعيد نفسهx! آه دونا فليبيبينا… أنت لم تتعلمي بعد من تجربتك العظيمة مع يانيس ايميليانو… الجينات لا تكذب أبدا… قد يكره سانتو والده الا انه صورة طبق الأصل عنه… و أنا لن أغير رئي مطلقا… لن أكون لذلك الرجل»
ترديد الكلمات جهرا تحبطها، قلبها في صراع عنيف مع عقلها، في الأشهر الأولى قد يكون النسيان صعبا، لكنها ستنساه لأن القلب مجرد عضلة كغيرها و مع التمرين الجيد سيتخلص من كل السموم، مشاعرها له مسمومة نعم،ربما تكون عظيمة، مثيرة بجنون، لكن هذه الاثارة بلا اي معنى، متناقظة مع اخلاقياتها، عاشت حلم يقظ لثلاثة ليالي كما طلب منها تبعه فتبعته بلا ثانية تفكير،الحب ليس اقوى من الواقع و المنطق، و هي… عليها الخروج مما يشلّها.
ضرب هاتفها و تفقدته بينما التقت حاجباها مما ثار اهتمام فليبينا:
« هو المتصل؟؟»
« ليس هو… بل مدير الجمعية…» ردت على المكالمة ببعض الحماسة، هل غيروا رأيهم؟؟ هل يمكنها الذهاب الى كينيا" مساء الخير سيدي»
« فيرونيكا ظننت انك لن تردي ابدا… لدي انباء جيدة… هناك بعثة خاصة بحاجة لمتطوعات ففكرت فيك…»
بلعت ريقها ببعض الصعوبة قلبها يدق بصعوبة :
« الى أين؟»
« جزر ياساوا في فيجي» قال المدير شارحا:" هناك 27 قرية تعيش تحت خط الفقر على الرغم من طبيعة الأحلام ، يعيش سكان هذه القرى الصغيرة في ظروف صعبة ، ناهيك عن محدودية الوصول إلى نظام تعليمي. ستساعد مشاريعنا التطوعية في تحسين الظروف المعيشية للمجتمعات المحلية… يحتاجون لمعلمة و مساعدة اجتماعية و نفسية… »
شعرت بأن الظلمة المهددة منذ الصباح تنقشع أخيرا،الابتسامة أقسمت وجهها الى نصفين:
« متى يمكنني السفر؟ »
« الفريق الايطالي سيلتقي في روما للقيام بالرحلة نهاية الأسبوع… هل هذا كافي لك؟»
هزت رأسها بالموافقة و كأنه يراها و أمامها في هذه اللحظة:
« كم مدة العمل التطوعي؟»
« من ستة أشهر الى سنة…»
مدة كافية لنسيان كل المآسي الأخيرة.
« انا مستعدة لخوض المغامرة… " أكدت بحماسة مما جعل العجوز بجانبها تتلوى من الفضول "
شكرا لأنك فكرت بي»
« بدوتي لي محبطة عندما تم الغاء مهمة كينيا من البديهي أن أفكر بك.. لسيما و قد قدمتي مؤخرا عونا كبيرا للجميعة، صرتي سفيرة ارشيبالد السخية…»
هذا بفضل سانتو، لا تعرف مالذي قاله لمالك ارشيبالد كي يكون هذا الأخير كريما و سخيا معهم.
عندما أغلقت الهاتف استعجلتها العجوز كي تشرح لها بحماسة
« سوف أطير الى جزر ياساوا للعمل التطوعي، سقط اختيارهم علي… " لكن ردة فعل المسنة لم تكن حماسية بالمطلق، رأتها تقطب قليلا:" ما الأمر دونا فليبينا؟»
« جزر ياساوا… ان حكمت على كلمات المرحومة أوكتافيا فإنها أجمل الجزر على الأطلاق، أمضت فيها أجمل أيام حياتها مع ‘دون يانيس’..كانت وجهتهما لشهر العسل»
ابتسامة فيرنا انسحبت ببطئ:
« مالذي تعنيه؟؟ »
غادرت المرأة مكانها بمجهوذ :
« لا أعني شيئا أيتها الصغيرة ولا تهتمي لتفاهات عجوز مثلي… سوف اجهز لك العديد من الكمادات تأخدينها معك في حالة اصاب ركبتك التهابا… »
بقيت فيرنا تراقبها بينما تعود هذه الأخيرة الى المطبخ لتنشغل بوصفاتها التقليدية، تجهل ما يقحم اوكتافيا كل مرة في حياتها، يانيس اخد زوجته الى هناك، و ماذا بعد؟؟ أهذاف زيارتها مختلفة، انها متعطشة للانغماس التام في ثقافة فيجي من خلال تقديم يد المساعدة للمعلمين الذين يعملون من أجل تعليم أفضل للأطفال في المناطق الريفية. ستعيش فقط من أجلهم لرسم الابتسامة على شفاههم، ستة اشهر كاملة من الهروب التام من ملاحقة جورجينا… قد تمنح هذه الفترة لسانتو فرصة التراجع و أيضا منح كيان جديد لعلاقته بزوجته و ابنته، و ان أحبت الحياة هناك قد تطيل فترة اقامتها، تشعر بأنها ستتعلم الكثير و الكثير… تشعر بأنها ستعطي ايضا الكثير.
* * *
لعب دور زوجة خوسيه مارتينيز ليس بالهين، انه متطلب، متطلب للغاية، ينبح كل الوقت و لا يتوقف عن اطلاق الأوامر، منذ ان حطت بها الطائرة الخاصة في باريس و هي تضع على وجهها قناع جديد يليق بالدور الذي يتوجب عليها لعبه خلال يومين، كل دقيقة هي محنة يجب أن تتحملها، كان وجوده بجانبها بحد ذاته محنة، أوزلام و المادو بقيا في القلعة مع حماتها و المربية، فشلت محاولات تفاوضها، أخبرها ببساطة بأنه لا ينوي تعريضهما للخطر من أجل نهاية أسبوع، أما فيما يخصها فظنتهما وسيلة جيدة للتخلص منه خلال النهار، تعرف بأنه سيحتاجها لسهراته ليلا و ليس قبل ذلك.
منذ وصولهما الى هذا الجناح الفاخر المطل مباشرة على برج ايفل و سيد الاساءة التامة ملتصق بهاتفه، و هذا يلائمها، بعد ان تأكدت بأن الجناح يحتوي على سريرين منفصلين شعرت بالراحة العارمة، كانت بصدد تعليق فساتين السهرة في الخزانة عندما شعرت بوجوده خلفها، استدارت على عقبيها لتجده واقفا على عتبة باب الغرفة، يديه في جيوب بنطاله، شبيها بفرسان عصور مضت… لكنه ليس بطل حرب،خوسيه مارتينيز… شغوف الأناقة، هي لا تتحدث عن أناقة الروح. لكن الجاذبية الخارجية الطاغية على الرغم من أنها تجد صعوبة في تقدير الثانية إذا كانت الأولى مفقودة.
« تظنين انك ستكونين في المستوى المطلوب الليلة؟»
«عطيتني طن من المعلومات عن المستثمرين أظنني املك موهبة خاصة في تدوين كل شيء و بسرعة و ان كنت عاجز عن رؤيتي بمنظار غير فتاة المستنقع خوسيه فهذه مشكلتك… كان يجذر بك تركي في اسبانيا بدل جلبي معك الى هنا»
تجاهل ملاحظتها، بقيت نظراته الذهبية متبثة عليها ثم انتقلت الى الخزانة التي تضم التحف التي قام شخصيا بإختيارها و كأنه يقيم الكل مجدد بمن فيهم العارضة أمامه، ثم القى فجأة نظرة على ساعة يده قائلا:
« لدي موعد خلال عشرين دقيقة مع بعض الشركاء… وانت لديك موعد مع خبير الشعر ليجد حلا لهذه الخصلات التي تتعمدين اهمالها » تلقائيا هزت يدها نحو الكعكة خلف رقبتها، لقد كانت تسريحتها صارمة و توافقت مع التايور العاجي الذي ارتدته للسفر، رغما عنها ملاحظته جرحتها، هو سيد الاناقة الطاغية، كبر بينما يهتم بمظهره خبراء أشد دور الازياء شهرة" أريدك أنيقة هذا المساء… هل هذا مفهوم؟»
انفجار… هذا بالضبط ما يحذث بذاخلها و لسانها يتآكلها بشدة كي ترسله الى الجحيم هو و حفلته اللعينة، لكن هيجانها لن يفيدها بشيء، عليها التصرف بحيادية، عدم تخييب اماله الكبيرة الليلة و العودة بعد يومين الى روتينها و منح طاقتها الى اعمالها التي تتركها بين قوسين لتقوم بما ينصه عليها العقد بينهما.
" مفهوم "
اكسيل هو اسم مصفف الشعر الذي لم يأتي بمفرده كما توقعت، التكلم بالفرنسية يعجبها، لكن ليس أكثر من الاجابة على ايمايلاتها المتعلقة بالدفعات الاخيرة، وثقت بمهارة الشاب الذي فهم جيدا بأنها تنوي الاحتفاظ بطول خصلاتها و لم تكن ضد فكرة منح لمعان اكثر للاطراف لمسايرة للموضا، خوسيه انتقد ذوقها التقليدي، لكنها تنوي مفاجئته الليلة و ليس فقط من خلال مظهرها، ستمنحه فرصة الانبهار بها كسيدة مجتمع حقيقية و ليس كدمية ينوي تقديمها الى رجال الاعمال و يتباهى بها.
انهت كتابة ايميالاتها في الوقت نفسه الذي طلبت منها مساعدة اكسيل منحها يدها لتقليم اظافرها… هل هي الانثى الوحيدة فوق الارض التي تشعرها هذه الاشياء بالملل؟ صحيح انها في بعض الأحيان ، يبدو الأمر وكأنها تقضي اليوم كله في عجلة من أمرها في حالة الطوارئ دون أن يكون لديها وقت للتنفس… بين الشركة و التوأمين و الدراسة لا عجب أن تتراجع احتياجاتها… نادرًا ما تضع رفاهيتها في صدارة أولوياتها… ومع ذلك ، فإن الاعتناء بنفسها أمر ضروري بما انها تحمل اسم المارتينيز.بالنسبة اليها فإن التركيز على الذات مرادف للأنانية و الكسل…و قد يكون هذا الرأي أكثر خطأً وظلمًا للبعض ربما أفضل طريقة للمواكبة هي التأكد من أنها تعتني بنفسها أيضًا بدل التركيز على الأعمال و الدراسة بينما تتوفر لها كل الرفاهية المجانية لتحقيق ذلك.
اختارت الخبيرة الوانا جريئة لاظافرها لم تكن لتفكر حتى بتجربتها يوما، تفضل الالوان الطبيعية و احيانا بلا اي طلاء لان من عاداتها السيئة قضم اظافرها، تغار من اناقة أظافر زوجها الذي هو رجل، يهتم بنفسه أكثر منها.
« هل يعجبك؟» سألها المصفف بينما يراها تتطلع الى أظافرها.
« أممم…» ردت آيا وهي تعيد يدها الى الفتاة التي استأنفت عملها بجدية.
تذكرها هذه الاهتمامات الزائدة بالماضي عندما قبلت عرض خوسيه بتقاسم ثلاثة اسابيع معه، عندما فقدت ملكية نفسها و جسدها و أصبحت دمية يتم الاعتناء بأقل تفاصيل لتروق المشتري كل ليلة، خوسيه احب بشدة جسدها المتناسق، كان يعلق عليه بكلمات عميقة مما يجعلها تشعر بالافتخار كونها تملك شيئا يميزها عمن سبقنها في حياته، و اليوم هي بنذوب… قد يكون جسدها استرجع رشاقته الا ان الندوب الحمراء ماتزال ملتصقة ببطنها و بجوانبه التي كانت بيضاء رقيقة في الماضي.
« أكسيل… أخبرني زوجي بأنك مصفف خاص لأنجلينا باكس… و بأنك المفضل لدى عارضات شانيل و ديور»
هذه الملاحظة جعلت الشاب يبتسم حتى اذنيه:
« هذا صحيح… لهذا قام السيد بطلبي لأهتم شخصيا بتسريحتك الليلة»
« انا حقا محظوظة و أنا متأكدة بأن النتيجة ستكون مبهرةx» تنهذت «x هناك حقا سؤال يحيرني.. أنجلينا والدة لأربعة أطفال و ما تزال الممثلة و العارضة التي تخطف الأضواء… كيف لهؤلاء النساء أن يحتفظن بأجسادهن بعد الولادة؟؟ »
اشار لها بالمشط الذي في يده منبها من خلال المرآة:
« هناك شيئ اسمه أطباء التجميل عزيزتي هل سمعتي بهم؟؟"
انفجرت في الضحك لطريقة سخريته منها بتلك النعومة التي تليق أكثر بالنساء:
« هناك العديدون نعم… لكن من منهم يمكنه ان يجعل جسد أم لأربعة أطفال بتلك البراعة؟؟»
التقط ورقة صغيرة من حقيبته الجلدية و انحنى ليدون شيئا قبل أن يحطه أمام عينيها:
« لا تنسي اسمه أبدا… انه طبيب خاص بالنجوم… اثمنته مرتفعة جدا لكنه يخلق المعجزات…" ثم اشار الى أنفه» هو من أعاد ترميم أنفي»
« أنفك رائع…»
« شكرا عزيزتي… يمكننا غسل شعرك الأن من المواد لتصفيفه…"
و النتيجة كانت مبهرة، ان كان الجميع يتسابق لأخد موعد مع هذا الرجل فلأنه حقا يملك أصابع سحرية، أطراف شعرها متلألئة و كأنها أمضت شهرا كاملا تحت أشعة الشمس، احتفظ بطول شعرها بينما حصلت على مظهر عصري للغاية و مشع، كيف يمكن لهذا أن يحذث كل هذا التغيير في وجهها؟ تشعر و كأن لون يعينيها مختلف، بشرتها أيضا التي لم تقم بعد بتجميلها.
« أظن أن زوجي احسن صنعا بشراء خدماتك اكسيل… أنت موهوب و انا مغرمة بما أرى"
«قولي هذا بعد انتهائي…»

* * *
«برئي هي أجمل مني في نفس العمر…»
تعلقيق ديامانتي على ابنتهما جعل ابتسامة نيوس تتسع، الرضيعة التي اتت على الخروج من المستشفى و تم استقبالها بحفاوة في الجزيرة ما تلبث تفتح عينيها الرائعتين لتغرق في سبات آخر، لم تسنح لهما الفرصة لرؤيتها مستيقظة أبدا، آريوس متأهب و دوما يطل بأنفه في المهد ليتأكد بأنها ما تزال هنا.
أخد مكانه وراء زوجته و أحاط خصرها الذي مايزال ممتلئا، قبل عنقها مستنشقا في الوقت نفسه عطرها المألوف، نزلت عيناه مجددا على الطفلة في المهد، تنام على ظهرها، قبضتيها الصغيرتين جدا بجانب وجهها، بشرة شديدة البياض تقريبا شفافة، شعر لا يمث لكثافة شعر آريوس بصلة، الخصلتين الاماميتن رماديتين، قد يتغير اللون مع الوقت لأن اريوس بدأ يسترجع ملامح والده الاثنينة مع مرور الايام، الا انه لم يفقد لون عيناه الفيروزية المتطابقة مع ديامانتي.
« ارفض الجزم عمن هي اجمل من الأخرى… أحبكما بشدة معا… انا عاجز عن الاختيار»
ترددت ضحكة ديامانتي بخفث:
« امنحك مباركتي نيوس… يمكنك القول بأنها الأجمل… " وضعت يديها على يديه فوق بطنها " تظن روبي بأنها صورة منها"
« ابنتي شقراء و تشبه والدتها» رد نيوس فورا.
« روبي توأمي»
« لكنكما لا تشبهان بعضكما… أنت النهار و هي الليل…»
« ليل ببدر كامل…» هز نيوس عينيه الى السماء " أعرف بأنك تحمل لها الكثير من المودة،آراكما متواطئين مؤخرا»
تحركت الصغيرة في مهدها، آريوس يشد على قبضتها فجأة ليوقضها:« هل تظنه غيور منها؟؟»
« أظنه مغرم حتى أذنيه مثلي » تركها بعد قبلة أخيرة على رأسها و انحنى على ابنه ليأخده بين ذراعيه " ما الأمر أيها الرجل الصغير؟؟ أدرك بأنك فضولي للغاية و أنا مثلك لكن الجميلة النائمة ترفض الاستيقاض منذ خروجها من بطن أمك و لا يسعنا سوى الانتظار للتعرف أخيرا عليها ».
ابتسمت ديامانتي ملئ فمها بينما تلاحظ الحب الشغوف في نظرات ابنها نحو شقيقته، الكثير من التواطئ بينه و بين والده، آريوس ينتقل بسلاسة من الايطالية الى اليونانية عندما يتكلم، انه طفل ذكي جدا و يستوعب بشدة كل ما يقال له، بعد تعليقات والده بدى متفهما للوضع، ما عليه سوى انتظار خروج الصغيرة من روتينها الذي اعتادته في البطن.
« لا تتوقف روبي عن طرح اسئلتها بشأن حفل المعمودية، كما ان هناك خالتي و زوجها ينويان التعرف على الصغيرة و الجزيرة »
هز نيوس عيناه القاتمتين نحوها:
« مازال الوقت مبكرا جدا الا تظنين؟؟ لم تستعيدي عافيتك بعد»
« انا بخير… فكرت في نهاية الشهر ما رئيك؟؟ "لا يبدو موافقا: " ما الأمر نيوس؟؟ انت ضد فكرة أن تكون روبي عرابة ابنتنا؟؟»
« بالعكس هذا يسعدني… "
« اذن لما هذا التحفظ؟؟»
أعاد آريوس الى الأرض، هذا الأخير توجه فورا الى شقيقته النائمة في محاولات يائسة لجذبها من النوم، تقدم نيوس منها و لامس خدها بظهر يده:
« الأمور ما تزال مضطربة في العائلة… دعيني أصلح الموضوع أولا كي لا تكون ابنتي بمفردها في هذا اليوم المهم »
« راموس لا يستحق أي تنازل… «
« أعرف حبيبتي… عموما ناقشت مارك أنطونيو في موضوع الوصاية و هو موافق…»
« نيوس انت تبالغ… لا أريد مارك أنطونيو بل أريدك أنت بجانب أطفالك و جانب مصالحهم… راموس طماع و خطر و انت تتهاون بإسم العائلة…"
« انا لست متهاونا ‘ديا’ عزيزتي… لكنني منطقي للغاية وواقعي، أفضل تأمين حياة الصغيرين و حياتك فلا أحد يضمن ما تخبئه الحياة و الظروف… مارك أنطونيو بنفسه يضع جوشوا مسؤولا عن مصير التوأمين ان حذث له مكروه، جوشوا يضع فلورانس و أيضا مارك في وصايته… هذه الأمور شائعة بين الاسماء الكبيرة، و يستحسن ان يؤمن كل فرد مستقبل افراد أسرته…»
يبدو مقتنعا بكلامه، انها تعيش الخوف منذ أن اسر لها بشأن الحرب مع ذلك السافل الذي يظن أن من حقه ثروة نيوس و يشكك حتى بأبوته لأريوس، لكن زوجها ليس سهلا هي تعرف، في الوقت نفسه متساهلا مع أفراد عائلته الكبيرة بإسم القرابة.
« اعطيه ما يريد كي يتركنا و شأننا »
« انها أموال والدتي، و هي تعود لأطفالي و ليس له…» رد نيوس بصرامة " لقد استفاد الجميع من أبي و مني كل هذه السنوات… و بالنسبة لراموس فلم تعد المسألة تقتصر على الاموال، انه ممتلئ بالضغينة نحوي و نحو آريوس، خاب أمله لأنني تمكنت من الحصول على وريث و بذل كل جهذه لتسميم افكار البقية الذين يتطلعون لي اليوم و كأنني سرقتهم… أمي كانت لتحزن لو رأت الى اي مدى توثرت علاقتي بعائلتها »
« كانت لتتفهم ايضا انهم ينون ورثك في الحياة نيوس، و بأن سرقة ارث حفيذها مباحة لهم» قالت ديامانتي بعصبية » اسمعني افضل ان اضع مسافة مع بقية العائلة حاليا تفاديا لاي مشاكل، و برئي من المستحسن ان نعود للعيش في اثينا كي لا تضطر في كل مرة اخد المروحية و التنقل بين العاصمة و الجزيرة، بهذا تكون ابنتنا ليم قريبة من طبيب الاطفال و يمكن لاريوس دخول الحضانة و الاختلاط بأطفال من عمره "
بدى نيوس يقيم العرض من كل الزوايا:
« سأشتري بيتا اكبر اذن فشقتي في العاصمة ليست مناسبة لاستقبال اسرة بكاملها»
« شقتك شاسعة نيوس» تدخلت متنهذة؟
« ليس مناسبة لطفل بعمر اريوس انه يلمس كل شيء و هذا خطر عليه… دعينا نطلع على سوق العـــقـــارات و نختار ما يناسب حاجياتنا…»
شعرت بالراحة لانه وافق دون ان يعترض كما كانت عادته في الماضي، زوجها تغير حقا.
« فليكن حبيبي… «
ابتسم لها قبل ان يدنو منها كي يأخدها بين ذراعيه:
« انا سعيد لأن الامور بيننا تحسنت و تسير على مايرام… سوف ترين ديا حبيبيتي… سأعمل على اسعادك كما اسعدتني بمنحي طفلين لم اكن لأحلم بهما… انت حقا هدية من السماء… سبيروس لم يخطئ بتقديراته»

* * *

« توصلت بالملف الذي تنتظره »
توقفت ميغان فجأة وسط مكتب رئيسها أمام الرأس الأحمر البراق المنحني على الأوراق يعبث بها، هزت ايموجين عينيها الخضراوين نحوها، متفاجئة بلا أدنى شك بمفاجأتها اياها.
« مالذي تفعلينه هنا؟ »
هاجمتها بعد ان قفزت هذه الاخيرة لرؤيتها، و راقبتها تقصد باب المكتب لتغلقه بالمفتاح، منذ يومين وهذه المرأة تحوم في كل مكان، كيليان يحاول البقاء محايدا بسبب وجود عائلة زوجته و بسبب اصابة أوكتافيا فيبدو أن الاقامة ستطول، لم يتمكن من منع نفسه من التعقيب ببعض المرارة على الوضع، في الماضي كانت تراه بارد التصرفات مع زوجته، كانت تعرف بأن زواجه ليس سعيدا، بأنه ليس مغرما بزوجته، لكنها لم تراه يوما متسرعا للتخلص منها من حياته.
« هل كنت تبحثين بين أغراض كيليان أم أنا أحلم؟؟»
لكن لا يبدو ان ايموجين متأثرة بهجومها الجليدي، رأتها تلقي بكومة شعرها الحمراء الى الوراء و تنتصب أمامها متطلعة الى الملف بين يديها.
« ما هذا؟؟»
« هل تظنين حقا بأنني سأعطيكي اي معلومات ان رفض كيليان فعل ذلك بنفسه ؟؟»
« أعرف بأنك أمينة اسراره نعم…" بدأت ايموجين بصوت بارد» ما أعتقده أيضا أن هناك امرأة في حياته…و اريد مساعدتك ميغان لأعرف من تنوي سرقة زوجي مني»
« هل تستمرين بالكذب عن نفسك ايموجين؟؟ كلانا يعرف بأن سبب انهيار زواجك منه ليس امرأة أخرى… لم يخنك كيليان طيلة زواجكما لأن الخصلة المميزة في شخصه ان كنت تجهلينها فهو الوفاء… توقفي عن البحث في اغراضه لأنني لا أنوي تركك تفعلين…»
« ما تجهلينه هو أنه منحني وعدا ولم يفي به…» علا صوت ايموجين يائسا " قال بأنه يمككنا المحاولة مجددا ان قررت ترك عملي فلحقت به الى روسيا كي نطوي صفحة الماضي و نبدأ حياة جديدة مع ابنتنا… لكن شيء ما حصل بين وعده لي و سفره اللعين الى ايطاليا… لا يمكن لحدسي ان يخطئ فكل المؤشرات تشير الى ان هناك امرأة اخرى و انا يائسة ميغان…» امسكت بيدها لتعصر عليها متوسلة» ارجوك ساعديني… اعرف بأنني لم افعل شيئا لك بينما تقوم بريتني بتخريب علاقتك بأخي …»
انتزعت منها ذراعها، اسم تلك الحقيرة يتسبب دوما بايذائها:
« لا تقارني بين الوضعين… لوكا خانني مع بريتني…»
ضربت ايموجين جبينها بيدها شاتمة بعنف قبل ان تستدير نحوها:
« امرأة ذكية متلك… امرأة تمكنت من الحصول على ثقة اسوأ رجال الاعمال طباعا في العالم كي يمنحها ادارة فروعه الامريكية من تقول هذا؟؟ كان مسليا وضعكما في البداية… لقد كنت انانية اعترف… لكن لوكا لم يلمس يوما امرأة وهو معك… بريثني اختلقت كل هذا للحصول عليه و قد قمتي بمنحها اياه على طبق من فضة… الشيء الذي لا انوي فعله مع تلك الحقيرة التي بسببها يستعجل كيليان الطلاق… انه زوجي بحق الجحيم ووالد ابنتي نحن نكون عائلة و هناك من تنوي تحطيم بيتي و تدميره»
بقية كلامها لم يعد واضحا، اتت ايموجين بتكرير كلام لوكا الذي رفضت تصديقه، المعاناة التي عاشتها في تلك الحقبة اهون مما ضرب قلبها في هذه اللحظة، هذه المرأة امامها هي وحش حقيقي، كيف يمكنها ان تتسلى بعذابها انذاك و تترك سوء الفهم يدمر مشاعرها نحو لوكا ؟ لقد عاشت الجحيم النفسي و المعنوي… إحساس مؤلم شعرت به في كل جزء من الجسد ، ولكن الاشد الما في هذه اللحظة هو الانعدام الأخلاقي لهذه المخلوقة الجميلة خارجيا و السامة داخليا. كيف امكن كيليان الزواج من امرأة مثلها؟ لكنها لا تنوي الاحتفاظ برئيها لنفسها… لوكا كان حبيبها و انتهى الامر، لكن الوجع ترك جروحا غائرة في قلبها والعلامات الجسدية للإجهاد العقلي حينها.
ايموجين تجهل العواقب النفسية لتلك التجربة المؤلمة التي مرتها و لم تكن تشمل فقط علاقتها بحبيبها.و تعترف انها اختبرت تقديرها لذاتها وهياكلها النفسية الأساسية. السؤال المطروح الآن هو: بعد ان تركت المها يصبح معاناة فهل تظن حقا بأنها ستقفز على فرصة مساعدتها فقط لانها اعترفت بأنها كانت لها يدا فيما حذث؟
« كيف تجرؤين بقول ذلك.؟؟» سألتها و هي تغرس في عينيها نظرات نارية
« قول ماذا؟»
« بأن انانيتك منعتك من قول الحقيقة لي بشأن لوكا بينما رأيتي الظروف الصعبة التي كنت اعيشها آنذاك؟؟ اتيت على فقدان أختي و زوجها و اصبحت مسؤلة عن طفلة صغيرة … احتفظت بالصمت فقط لأن الوضع كان برئيك مسليا؟ »
رأت كتفيها تتصلبان، بدت بأنها تجاهذ لايجاد الكلمات المناسبة:
« اسمعي ميغان… أعترف بأنني لم احبك يوما… لم اكن موافقة على علاقتك بأخي »
دنت منها ميغان اكثر، صدرها يغلي من الغضب:
« و من يهتم لموافقتك او عدمها؟ دعيني اخبرك بأنك امرأة فارغة و بلا اي ضمير، بأنك غيورة من سعادة الاخرين… في ذلك الوقت تعيشين الفراغ التام في زواجك و ترفضين رؤية لوكا مستقرا مع موظفة كيليان التي يستئمنها على اسراره اكثر من زوجته »
« هذا صحيح » صرخت بها ايموجين بعصبية « كلامك صحيح و لا يمكنني تغير شيئا مما حذث في الماضي سوى الاعتذار منكما… لكن انت يمكنك تغيير المستقبل ميغان… لا اريد ان افقد زوجي فأرجوك ساعديني… انا مستعدة لرد المعروف بأي شيء تطلبينه… سأخبر لوكا بأن تلك المحامية السبب و بالتأكيد لن اخبره بأنك كنت حاملا في ذلك الوقت و اسقطتي الجنين »
انسحب الدم من وجه ميغان، كانت تتوقع كل شيء سوى هذا، ايموجين تقوم بتهديدها «x اتفهم ظروفك و لا احاكمك ميغان… طفل من رجل خانك و »
« اصمتي» زمجرت بها وهي تمسكها من ذراعها « من اين اتيت بهذه المعلومات؟»
« انا طبيبة… » ذكرتها وهي تهز ذقنها" عندما اتينا انا و ناومي الى بيتك بعد طردك للوكا رأيت في سلة المهملات في الحمام اختبار حمل… لم اقل شيئا خلال اسابيع انتظر ان يعود لوكا بهذا الخبر و ربما ان تبدأ بطنك بالظهور… لا شيء حذث بالمرة فبدأت اشك بالموضوع… لدي احقية بالعثور على كل المعلومات الطبية… قمتي بالتخلص من الطفل في الاسبوع العاشر من الحمل »
تركت ميغان ذراع ايموجين التي التقطتها و فركتها تتطلع اليها بانتصار.
" لن يعرف مطلقا لوكا بالموضوع… يمكنك الاعتماد على صمتي كما يمكنني الاعتماد على مساعدتك…»
هزت ميغان راسها بإشمئزاز، هي تساعدها؟؟ أبدا… لقد اتخدت قرارها بالتخلص من حملها لأسباب عديدة منها لونا التي دخلت حياتها و كان عليها تغيير روتينها كله من اجلها، لم تكن تملك لا الطاقة و لا المجهوذ لاظافة حمل غير مرغوب به في القائمة.
« يمكنك اخبار لوكا… هذا لا يهمني أبدا… شقيقك خرج من حياتي و مشاكلك مع كيليان هي آخر اهتماماتي… لن يفلح أبدا الاستفزاز معي… لأنني ان اتبعت طريقتك ايموجين فلدي الكثير لأقوله أيضا عنك… مثلا أنك وراء ركض أوكتافيا الى حلبة السباق… سمعتك تكلمينها في المستشفى، أنت لا تصلحين ليس فقط كزوجة بل ايضا كأم…»
بالتأكيد لم تتوقع ايموجين هذه الضربة، رأت وجهها يشحب بشدة و تفقد كل جرأتها و شجاعتها، بقيتا هناك تتواجهان كعدوتين، كل منهما تعرف أسرار الأخرى، بالتأكيد هي اتخذت قرارها بالتخلص من حملها و قد يحاكمها البعض بوحشية، لكنها لم تكن تملك أي مخرج لوضعها و لم ترى نفسها كأم عازبة أبدا، الاجهاض كان الحل الأمثل، ربما هذا ما عزز كراهيتها للوكا كل هذه السنوات، لأن خيانته جعلت منها قاتلة، احدهم يحاول فتح الباب، ترددت طرقات صارمة مما جعلتهما تنهيان حرب النظرات، ايموجين كانت السباقة في الاستجابة، كما توقعت كان رئيسها الطارق.
رأت تقطيبته تزداد عمقا بينما يتنقل بينهما بنظراته الزرقاء الشبه شفافة.
« مالذي يحذث هنا؟ لما الباب مغلق؟»
« كنا بصدد الكلام و لم نرغب بأن يزعجنا أحد…» شرحت ايموجين قبل ان تلقي نظرة اخيرة على ميغان و تقرر مغادرة المكان.
دون ان يبعد نظراته عليها اغلق كيليان الباب، كان بهيا في قميصه الزرقاء من الحرير الصيني و شعره المسرح بأناقة، يتنقل بخفة الفهد و رشاقته، ملامحه الرائعة اتخدت تعبيرا مختلفا عندما انتبه للمغلف بين يديها.
« هل هذا لي؟ » بادرها بلغته الأم.
مدته اليه دون ان تجيب، تقدم من مكتبه و التقط سكين فضية شق بها فتحة المغلف ليخرج حزمة من الاوراق، بعد أن أمضى بضع دقائق في تفحص الأوراق الأولية عاد لينظر اليها و كأنه تذكر وجودها:
« يمكنك الانصراف ميغان شكرا لك »
الفضول دفعها لإلقاء نظرة على الأوراق و اكتشفت بأنها مكتوبة بلغة أخرى غير الروسية و الانجليزية، شيء يشبه … الايطالية؟
« أرى بأنك كنت متحمس جدا لوصول هذا الملف لدرجة انك استئمنتني شخصيا عليه… هل له علاقة بالعمل؟»
تجردت نظراته من الدفئ، يبدو حقا متسرعا للتخلص منها في مكتبه:
« لا أظن ان ما بين يدي يهم العمل أو يهمك بشيء… "
« يهم سفيرة ارشيبالد للاعمال الخيرية؟؟ » هذه المرّة ترك مكتبه و عبر المكتب الفخم الأنيق ليقف أمامها، هي ليست غبية و تلك الفتاة تتلقى اهتماما خاصا جدا من رئيسها، و ياللمفاجأة.. انها ايطالية… الاسم الذي تبحث عنه ايموجين بكل يأس." أحذرك كيليان… قبل قليل كانت زوجتك تبحث بين اغراضك … تشك بأنك على علاقة بأخرى »
« و ماذا برئيك أنت؟؟ هل أنا علاقة بأخرى؟؟»
« رئي لا يهم…افعل بحياتك ما تشاء» قالت بصدق ما تفكر به بأمانة.
« هذا بالضبط ما قلته قبل لحظة … بالنسبة لإيموجين فليس مكتبي فقط ما تقوم بتقليب أوراقه… لقد استعانت أيضا بمتحري لتعرف تفاصيل تنقلاتي… تستغل وضع اوكتافيا لتبقى في هذا البيت مع عائلتها… عموما كل شيء سيأخد مكانه قريبا… أريدك ان تركزي على عملك بدل حياتي الخاصة… و الان اخرجي من مكتبي لأن لدي أمور مهمة أقوم بها…»
أشار الى الباب، بقيت ميغان تنظر اليه بعيناها الرائعتين و كأنها تحاول القراءة فيه، لكن مالذي تظنه؟؟ بأنه غير واع بما يحذث؟ يعرف بانها تحبه و تحترمه و تخاف مصالحه، هذه المشاعر يتقاسمها معها، انها الوحيدة التي لم تخذله منذ التحاقها للعمل لديه، ميغان وفية جدا بطبعها، تنهذت و هزت كتفيها كعلامة استسلام:
« فليكن كيليان… طائرتي بعد ثلاث ساعات ان احتجت لشيء قبل رحيلي»
« قمت بعمل رائع …» قال لها كنهاية المقابلة.
بعد ان رحلت اغلق الباب بالمفتاح قبل ان يجلس مجددا وراء مكتبه و يفتح الملف الذي اتى على استلامه من رجله الامين ‘جاندر’…
"Valentina Dal Re"
«الجميلة كذبت عليه بشأن اسمها، عندما اختارها كسفيرة للاعمال الخيرية ادرك حينها ان فيرنا او فيرونيكا اسم مستعار تفضل ان يناديها الكل به، انها تنسلخ عن اسمها و عن اصلها مثله، او ربما مثلما كان.. شتان بين كيليان السابق و الحالي، تعلم من سانتو انهما شخص واحد و تعلم الحب منه ايضا، انه سانتو يانيس دافيس ايميليانو و اصبح يتقبل هذه الحقيقية، وثيقة شهادة الميلاد تحمل فقط اسم والدها {Lorenzo ugo Dal Re}
تاريخ الميلاد و الوفاة، كان في الخامسة و العشرين، يتفهم مرارة حبيبته العنيدة صاحبة المبادئ الجبارة، الصورة توضح ملامح شاب وسيم جدا و ايطالي حتى الجذور الصورة الثانية له مع طفلة الثلاث سنوات، يمكنه ان يخمن بسهولة بأنها فيرنا او فلانتينا بعيناها الشاسعتين الرائعتين و شعرها الحالك السواد مثل شعر والدها.
يصدق ادعاءاتها بشأن مميزات والدها الجسدية، يمكنه بالتأكيد اثارة اعجاب كل النساء، صفحات لا منتهية من السيرة الذاتية لـ لورينزو دال ري… ثم عثر على الخطوط المدونة بالأحمر حيث عمل في سن العشرين عند عائلة صقلية شديدة الثراء، بالاشارة الى هذه الاسطر جاندر يحاول اثارة انتباهه الى الاسم المعروف للكوستانسو…
سيزار كوستانسو هو الصديق الروحي لروكو، داركو فالكون هو قريب هذا الأخير و ايضا ضمن شلة اصدقاء العرّاب، مرّ الى صفحة اخرى تحمل العلامات الدراسية الخاصة بفيرنا، سبق و أكدت له بأنها كرهت المدرسة بسبب التنمر و هذا بالتأكيد ظاهر في نتائجها، ان كان شخصيا مجموعه يؤهله لدخول اي جامعة مشهورة، فهي كانت ضعيفة في كل المواد حتى الايطالية، بدأ بقراءة ملاحظات الاساتذة:
{ تفتقد للتركيز}
{ تلميذة غير نشطة و غير متألقة}
{تلميذة غير سعيدة}
{ مشكلة الاندماج مع الأخرين..}
المئات من الملاحظات على مدار سنوات دراستها التي توقفت دون ان تصل حقا لمستوى عالي، ديبلوم صغير للمساعدة في الحضانات، دبلوم آخر كمساعدة اجتماعية، شهادة اعاقة و المبلغ الذي تتقاضاه من الدولة أيضا، كل الكشوفات الطبية هنا، من يوم اصابتها حتى آخر عملية قامت بها قبل ثمان سنوات في روما.
انه ينوي بالتأكيد طرح مشكلتها على طبيب متألق يعرفه جيدا و يحذث المعجزات، ليست الاعاقة في حد ذاتها ما يزعجه بل رؤيتها شاحبة نهاية النهار بسبب الالم المبرحة، لا يمكنها الاستمرار في العذاب بصمت، ينوي تقاسم كل شيء معها.
على المكتب وضع الأوراق التي بحث في تفاصيلها عما هو أهم، سيأخد وقته بقراءة كل جزء، وصل الى المعلومات التي تتعلق بالمرأة الثرية التي نبذتها، لم يكن متفاجأ بينما يكتشف بأن دونا كوستانسو هي نفسها والدتها، شك بالأمر عندما سقطت عيناه على الاسم في البداية حيث عمل والد فيرنا في بداية شبابه.
صور جورجينا كوستانسو في عدة مناسبات، انهما شبه متطابقتين، يملكان نفس النظرات، فيرنا أرق من والدتها، أكثر انسانية، رمى بإهمال الصور و الاوراق بجانب سالفاتها و احتفظ فحسب بالمعلومات الطبية، جلس خلف مكتبه ثم التقط هاتفه ليركب رقما:
« كيليان ارشيبالد… هل يمكنني مكالمة الدكتور Stanislas رجاءا؟؟ »
بعد قليل وصله صوت صديقه الذي ابدى حماسة عالية جدا لاتصاله، بعد ان افرغ حماسته في التكلم عن السباقات الاخيرة التي اهلت مجددا ارشيبالد في المراكز الأولى انتقل الى الموضوع الأكثر أهمية برئيه:
« تتذكر تلك الصديقة التي كلمتك عنها و التي عانت مع ركبتها التي تم اعادة ترميمها عدة مرات الى ان يئسم الاطباء… ملفها الطبي أمامي… هل يمكنك القاء نظرة رجاءا و رؤية ان كان هناك أمل في شفائها…»
« نعم بالتأكيد أتذكر…» أكد الاختصاصي:" الطب دوما في تقدم و هناك العديد من التقنيات الجراحية المبتكرة القليلة التوغل… ارسل لي ملفها الطبي و سأهتم بالموضوع »
شعر بالراحة لهذا الأمل الذي يلوح في الأفق:
« لن انسى لك هذا الجميل ستانيسلاس… تجهل ما يعنيه هذا لي…»
« يمكنني التخمين نعمx» ضحك الرجل من الجهة الثانية" نفس ما يعنيه لي موديل ارشيبالد الأخير … اسم غريب لوحش من حديد ‘ночная бабочка’ قل بالأحرى نمر الليل »
فراشة الليل… ومن غيرها؟ فيرنا الجميلة بشعرها الحالك السواد و هي تنام على ركبته في تلك الليلة الهادئة و تكلمه عن نفسها… ثم طارت فراشته في الليل ما ان عرفت بأنه مرتبط.
« سيكون امام بيتك بعد اسبوعين… جد حلا لها و أعدك الا أخيب أملك »
بعد أن اغلق الخط مع الطبيب، أعاد الأوراق كلها الى المغلف ثم ترك مقعده ليضعها في خزنته الأمنة، أشعل جهاز التلفزيون قبل أن يعيد تسجيلات المكتب، ايموجين تبحث في كل أوراقه قبل ان تقتحم ميغان المكتب، المواجهة المرأتين تبدو حامية، رفع صوت الجهاز ليتمكن من سماع القذائف المتبادلة.
منذ سنوات، كان يشك في أن ابنته ضحية أمها… ايموجين تعاني من اضطراب الشخصية النرجسية، كانت مضحكة و ساحرة و جذابة في البداية و كشفت تذريجيا عن وجه مختلف تماما، وجه متلاعب خبيث و سام، تأرجح زواجهما بين التلاعب و الدمار… أوكتافيا من تدفع الثمن… و هو آسف لأجلها و لأجل نفسه.
اطفأ جهاز التلفاز ما ان ترددت طرقات على باب المكتب، فتحه محتفظا مثل المعتاد بمشاعره لنفسه، اليساندرو و دانيلا من استقبلاه بإبتسامة عريضة.
« سوف ترحلان اذن؟؟ » سأل سانتو متبنيا أهدأ وجه يملكه في سلسلة الوجوه الامنتهية التي يضعها في عدة مناسبات.
« يجب أن نعرج على نيويورك قبل الطيران الى صقلية… " شرح اليساندرو و هو يحكم بذراعه خصر خطيبته الشابة و يقربها أكثر منه « شكرا للدعوة كيليان و للاستقبال الحار، أمضيت وقتا ممتعا »
« تقصد قبل ان تطير لانقاذ ابنتي و تكسر ذراعك؟؟» لاحظ سانتو ببعض المرارة، مازال يشعر بالذنب لما حذث، شعور غريب نحو رجل طالما حمل الضغينة له و لعائلته، مشاعره تغيرت تماما نحو اخاه الصغير.
«اي شخص مكاني كان ليسرع بإنقاذ طفلة صغيرة من الخطر…»
هز رأسه موافقا:
« مالذي يمكنني فعله لرد الجميل؟؟»
« مفاجأتي بزيارة الى سكاي ذات يوم لشرب قهوة؟؟ » اقترح أخاه بإبتسامة مشرقة.
شاركه ابتسامته، كيف لا يمكنه خفض موانعه أمام هذا الرجل الذي لا يخفي مطلقا حبه نحوه:
« سوف أفعل بالتأكيد… فكرت بوضع مجموعة من الخبراء تحت امرتك ريثما تستعيد عافيتك… ‘سكاي’ لن تتقدم بمفردها…»
« سبق و تكفلت بالموضوع شكرا لاهتمامك… ما ان اعود من صقلية حتى تكون هذه الجبيرة ذكرى من الماضي »
« تنوي دونا سابرينا الاهتمام بطفلها المصاب بنفسها؟؟»
ضحك اليساندرو لسخريته الناعمة:
« شقيقي ينوي مفاجأة خطيبته و وجودي ضروري و لا نقاش فيه …»
تصلبت ابتسامته التي تعمدها خلال حوارهما، تجعد جبينه ، ثم أومأ برأسه :
« تفعل دوما كل ما يطلبه شقيقك؟؟»
« انا مدين له … اكن له الكثير من التقدير و المحبة… xبدونه لم تكن عائلتي على ما هي عليها اليوم… انه يستحق كل الامتنان»
اليساندرو هادئ و لطيف بطبعه، لم يرث شيئا من شراسة يانيس ايميليانو، يجهل من هو روكو حقيقة، يتكلم عنه و كأنه احدى عجائب الدنيا السبع،وكيف يلوم ذلك الرجل بينما يجد نفسه وقد ورث الكثير من يانيس حتى بدون الاحتكاك به؟، القيم ، وجهات النظر العالمية ، أنماط الحياة ، العقلية ، الأذواق ، طرائق التفاعلات ، السلوكيات ، سمات الشخصية ، آليات الدفاع ، الميول العاطفية ، المهمات ... هذا الانتقال التوافقي الجيني يجعله ‘يانيس’ في زمن آخر سواء أراد ذلك أو لا، فكيف لروكو الذي عاش بجانبه حتى بلوغه و امتص منه كل شيء حتى لقب العرّاب؟؟
لم يتوقع ان يحضنه اخاه الصغير بطريقة حميمة لتوديعه:
« اهتم بنفسك أخي » سمعه يقول قبل أن يأخد بيد خطيبته و يغادر المكان.
أخي… الكلمة غريبة جدا في أذنيه… حميمة و مريعة… أقطب سانتو مفكرا… هل اليساندرو يعرف بحقيقة قرابتهما؟؟ أم أن الكلمة اتت عفوية مقابل المودة التي يحملها له؟؟ أخرج هاتفه ليدير رقما عائدا الى مكتبه في الوقت نفسه، انغلق الباب خلفه بصوت هامس:
« هذا أنا…» جلس خلف مكتبه، صورة أوكتافيا مبتسمة في الاطار الذهبي، لامس ملامح وجهها الطفولية قبل أن يعود لمستمعه « لا أريدك ان تغفل عن زوجتي لحظة واحدة، كل تحركاتها و تعاملاتها و اتصالاتها أريدها بإستمرار على مكتبي، يمكنك تجاوز كل الخطوط الحمراء… لم يعد أمرها مهما »
« أمرك » جاء الصوت صارما من الجهة الثانية:
« شيئ آخر…» اضاف سانتو وهو يسترخي في مقعده"قل لرجالك أن يتركو اليساندرو ايميليانو بسلام… جد طريقة كي يستعيد صفقاته الاخيرة دون ان تثير الشبهات »
* * *
" لا ننطق الكلمة بهذه الطريقة آنجلو… " تدخل سيزار للصبي الذي يراجع دروسه وانحنى عليه لينطقها بالطريقة الصحيحة، ثم بدأ بالقراءة من بداية الجملة" لقد عبرت إيطاليا بالعديد من الانقسامات الجغرافية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي تؤدي أحيانًا إلى التشكيك في أهمية الدولة الموحدة "
تنهذ آنجلو و رفع عينيه نحو الرجل الذي أصبح تقريبا في مكانة والده:
" أكره التاريخ…"
" أنا أيضا كنت أكره التاريخ…» اعترف سيزار و هو يستوي في وقفته و يدلف يديه في جيوب بنطاله"أنت تميل أكثر للرياضايات و الحسابات مثلي… لكن على التلميذ المجتهذ أن يكون متفوقا في كل المواد و أن يتعرف على البلد التي ينتمي اليها… " هزّ آنجلو رأسه موافقا بينما منحه سيزار ابتسامة مشجعة:
"تجهل الى أي مدى أنا فخور بك… رغم اختلاف الثقافات و اللغة الا انك الأكثر تفوقا في الصف… أتصل بي المدير ليخبرني بأنك طفل فضولي للغاية و متعطش للمعرفة "
" أفعل هذا لأجلك " اعترف آنجلو، خديه محمرّتين قليلا.
أقطب سيزار بعدم فهم
" من أجلي؟؟"
" أنت و عمتي روبي منحتماني أسرة… لا أظن أن أبي كان ليكون أفضل منك لو مازال حيا"
شعر سيزار بأن هذه الكلمات تخترق قلبه بطريقة غريبة لدرجة أن الالم و السعادة انفجرا داخله، هو شخصيا كان مقرب جدا من والده الذي كان نعم الأب لو لم تحوله جورجينا الى رجل مرير و تعس و مجنون بالغيرة، يتفهم الاهتزاز النفسي الذي كان يعيشه آنجلو، وهو يشعر بالخجل من غيرته عندما ابدت زوجته اهتمامها به، مجددا انحنى على الصغير و لامس خصلات شعره السوداء الناعمة، العاطفة تخنقه بشدة:
" إعلم انني لا انتظر منك شيئا يا صغيري، أن تفوقت في دراستك فلأنك بحاجة لصقل نفسك لأنك ذات يوم ستحصل على ثروة والدك و جدك أيضا… تلك الثروة كبيرة و بحاجة لقبضة حديدية، انت لست مدين لي بشيئ… سأحبك حتى و ان كنت متأخرا دراسيا… أرفض قطعا أن تجهذ نفسك لأنك تظن بأنك مدين لي بالنجاح… فكر في والديك كلما حصلت على علامات ممتازة، أظن أن نجاحك سيجعلهما أكثر سعادة حيث هما…"
بدى آنجلو يجاهذ للتحكم في عواطفه، فجأة ترك مكانه ليلقي بنفسه بين احضانه، يديه الصغيرتين تحيطان خصره بشدة و كأنه لا ينوي تركه أبدا.
آنجلو طفل قوي الشخصية و حساس جدا ايضا، احيانا يكون سهل الكسر، لكنه يعمل على نفسه كإنسان بالغ، أخبرته طبيبته النفسية بأنه يعيش بشكل أفضل اختفاء والدته، و بأن كل كلامه يدور عليه، يراه مثله الأعلى و بالتأكيد هذا يدفئ قلبه، ربما حان الوقت كي يسأله السؤال الذي يتباذر بشدة في رأسه منذ أسابيع.
" آنجلو… هناك ما يجب أن آخد رئيك به"
ابتعد الصغير عنه كي يتطلع اليه بعيناه الواسعتين بإهتمام شديد، نظراته دوما هائمة به، ملتصق به أكثر من التصاقه بروبي التي بدأت هي من تشعر بالغيرة من تواطئهما و ليس ما خشيه من البداية، دخول آنجلو حياته غير فيه الكثير.
" هل سبق و سمعت بكلمة التبني؟؟"
هز الصغير رأسه:
" التبني؟؟"
" نعم أيها الصغير…" قال سيزار مبتسما " التبني هو لقاء قدرين… قصة سيتم كتابتها معا… مغامرة حب وصبر… التبني هو الرغبة في تكوين أسرة جديدة ووقتًا للفرح والسعادة … التبني هو أن تصبح رسميا الإبن الذي أريده و أنا الأب الذي تحتاجه…" أبقى الصغير فمه مفتوحا من المفاجأة " آنجلو… هل تريد أن اصبح أنا والدك و روبي والدتك بشكل رسمي؟؟ سأمنحك اسمي الى جانبا اسمك كآنجلو سيفيرانو… سيصبح اسمك كاملا هو آنجلو جوزيف سيفيرانو كوستانسو… و أعدك بأنني سأحبك مثل ابني البيولوجي، ان أمنحك الدعم الذي ستحتاجه، أعدك ان اقف بجانبك في السراء و الضراء…"
عيون آنجلو امتلأت بالدموع، كان يمنع نفسه من الانفجار في البكاء، يراقبه بصمت من اثقلت المشاعر قلبه الصغير، لن يطرح على نفسه المزيد من الأسئلة بعد اليوم. هذا الطفل هو ابنه وسيتصرف مثل كل الأباء: سيستيقظ ليلاً ليتأكد من أنه يتنفس ،يغضب عندما لا يأكل ، ينفجر فخرا عندما يجامله الناس على ذكائه و تهذيبه و أخلاقه العالية.
" ليس أنا فقط من سيتبناك… نحن سنتبنى بعضنا البعض"
" ويمكنني مناداتك بأبي؟؟"
" كلما راقك ذلك…" هذا التأكيد سلب آنجلو كل سيطرة، عاد ليحضنه غارقا في دموعه، كان يهز نحوه نظرات ممتنة للغاية…" لم تمنحني ردا؟؟"
" أنا موافق… أبي"
لم يكن يدرك سيزار ان هذه الكلمة ستؤثر به لهذه الدرجة، في الأساس ، آنجلو من يتبناه… ما هو الجزء الأكثر صلة بالأبوة ، أخلاقياً ونفسياً؟ الكثير من الأسئلة التي من المؤكد أنها ستظهر أجوبتها في المستقبل .
" هل انت موافق من أن نتقاسم هذه الأخبار الجميلة مع روبي؟؟"
وافق الصغير بسرعة، في كاتانيا، يقيم مع زوجته في شقته بعيدا عن عائلتيهما اللتين حاولتا بكل الطرق ليعدلا عن رغبتهما في ايجاد حميمتهما، جورجينا أكثر من تصر ليسكنا معها في قصر الكوستانسو، بالتأكيد روبي رفضت العروض بحزم، ينتظرا فحسب توسيع العائلة للحصول على منزلهما الخاص… حاليا آنجلو يفضل النزول في شقتهما على البقاء في قصر السيفيرانو مع جدّيه.
شم رائحة جورجينا فور خروجه الى الرواق المؤدي الى الصالون، لم تكن فقط والدته هناك، بل أيضا دوناتيلا، شقيقته الصغيرة، الملل المرتسم على وجه روبي نبهه بأن المباحثات في تفاصيل الزفاف لا تمر كما يتمنى… فقط لو تتمكن والدته و زوجته الاتفاق معا.
" أه حبيبي… أنت هنا" بدت سعيدة للغاية لهذه المقاطة التي هبطت عليها من السماء.
راقبها تترك مكانها في الوقت نفسه مع جورجينا، ان كانت زوجته تكتفي بمنحه قبلة فجورجينا تحضنه كما تفعل عندما كان صبيا، طريقتها الخاصة بالقول بأنه مايزال طفلها.
"دوناتيلا يالها من مفاجأة" هذه الاخيرة تركت مقعدها كي تمنحه قبلة مختصرة بدورها، عيناها نزلتا على الصغير بطريقة باردة لم تروقه.
" اذن انت هو ابن جوزيف… أنت لا تشبهه اطلاقا"
« آنجلو هو صورة مطابقة لأخي في نفس العمر » تدخلت روبي و تقترب من الصغير و تضع يديها على كتفيه " القي التحية حبيبي… هذه دوناتيلا… شقيقة سيزار الصغرى… لا تأبه دوما بكلامها فغالبا ما تنطق بالسخافات »
يد سيزار وجدت أيضا كتف الصغير الذي تكمش ازاء هجوم دوناتيلا، يجهل كيف لعائلته أن تكون على الدوام عدوانية…؟ نظرات والدته تتنقل بينه و بين آنجلو الذي بدى فجأة يفتقد لكل ثقة.
" لدينا مفاجأة…" تطلع اليه الصغير ببعض التردد أمام هذه الكلمات و كأنه يشك مجددا في نواياه " طلبت من آنجلو أن يصبح ابني بالتبني فوافق"
سقط الصمت المطبق على المكان، الوحيدة التي احذتث ردة فعل فكانت زوجته، انحنت عن الصغير الذي توهجت نظراته أمام العواطف المنعكسة على وجه عمته، بدت فجأة تفتقد للكلمات، هزت نحو سيزار نظرات ممتلئة بالامتنان و التقدير و الاحترام و الكثير من العشق الامحدود:
" سيزار… حبيبي شكرا لك"
تعلقت بعنقه لتتبادل معه قبلة شغوفة، قبل ان تنحني عن الصغير و تأخد وجهه الجميل بين يديها:
" ستصبح ابننا هذا أجمل خبر سمعته في حياتي"
"بإمكاني مناداته أبي"
هزت رأسها موافقة من خلال دموعها
"و مناداتي أمي…"
بدت جورجينا و كأنها تتقلب على جمر مشتعل، التقت نظراتها بنظرات ابنها بينما روبي تأخد ابن شقيقها و الذي سيصبح ابنها قريبا بين ذراعيها، وعندما حاولت التدخل بكلمة قاطعها وهو يدنو منها كي لا يسمعها غيره
" ان تجرأتي بجرح مشاعره بملاحظات لاذعة أمي فستكون الليلة نهاية علاقتنا "
أمام هذا التهديد الهادئ بلعت ما كان في حلقها قبل ان تشير لدوناتيلا بتبعها، لكن شقيقته ( تربية جورجينا عن جدارة) لا تحتفظ برئيها لنفسها، اقتربت منه هامسة بنبرة جليدية:
" أنت تثير الشفقة بكل هذه التنازلات…»
لكنه لا ينوي افساد مزاجه بتصرفاتهما، كل ما يهم في هذه اللحظة هي السعادة المرتسمة على وجه زوجته و ابنه المستقبلي، استقبل الجميع بين احضانه ليخلد هذه اللحظة… يعرف بأن المستقبل سيكون أفضل… خلافا لكل سلبية والدته.. روبي هي امرأة حياته، و آنجلو هو الطفل الذي ارسلته اليه السماء ليملأ حياتهما… لسيما حياته.
* * *
انزلقت نظرات خوسيه عن منحنيات آيا التي لم تنتبه بعد لوجوده في المكان، سبق و تنبأ بنتيجة مرضية، لم تخيب أمله بينما تلعب دور عشيقته في السابق، لكنه يعترف بأن ما أمامه يفوق كل توقعاته، آيا فاثنة حتى بجنز و كنزة سيئة الالوان، لكنها متألقة و مبهرة بفستان الترتر من ابداع Sass & Bide، التحفة تركت كتفيها عاريين، التحمت بخصرها الذي استعاد نحوفه، و أبرزت بإغراء وركيها، الثنورة تتوقف فوق ركبتيها، بينما شلال من القماش الناعم ينزل من خصريها ليلامس الأرض، صندال غوتشي العالي الكعبين جعل من ساقيها اغراء بلا حدود.. تبدو مثل الأميرة… او بالأحرى ملكة.
بلع ريقه بينما يقترب منها، عيناه عالقتين على الخصلات المتموجة و الامعة بشدة تحت الثرايا دعوة لا تقاوم لأصابعه التي تتشنج من رغبتها في الغرق مجددا في نعومتها، و كأنها شعرت بوجوده، استدارت أخيرا نحوه، صندالها منحها سنتمترات أكثر، يمكنها النظر تقريبا مباشرة في عينيه، عادة لا يصل طولها الى كتفه.
كانت متجملة بطريقة ممثلات السجاد الأحمر في مهرجانات السنما، كل هذا جعل منها أكبر من سنوات عمرها الصغيرة، جعلها امرأة جريئة متمرسة يمكنها و ضع أي رجل تحت قدميها.
" هل النتيجة على ذوقك ؟؟"
التقط نكهة السخرية في صوتها لكنه تجاهل الرد، أكثر ما يشغله اللحظة هو كمية الرؤوس التي ستستدير لتبجيل كل هذا الجمال، وهو أولهم بالتأكيد.
العصبية نجحت بإتلاف أعصابها، كانت تتوقع ردة فعل مختلفة من قبل هذا الرجل الذي يتطلع اليها و كأنها شفافة، لقد أمضت بعد الظهر في تحويل مظهرها الى المقبول، لكن لا يبدو أن النتيجة ترضيه، لم يكن قد جهز نفسه بعد، ترك نظراته المتكاسلة تمر من خلالها و كأنها أدنى شأنا من حذائه قبل أن يقرر هجرها متجها نحو غرفة النوم ليغير ملابسه، ردة فعله أغضبتها، أكد لها المصفف بأنها رئعة الجمال، بأن زوجها سيفقد عقله، و ما تراه هو أنها فقدت فحسب ماء الوجه أمام اهماله.
" على الأقل لا أبدو فتاة المستنقع؟؟" سألته في ظهره غاضبة.
"ان احتفظت بفمك مغلقا فلن تفوح رائحتك" أجابها دون أن يلتفت نحوها.
فتحت فمها لترد و لم تجد بما تجيب ، لكن مالذي توقعته بحق الجحيم؟؟ أن يتغير مزاجه السيئ بمشاهدتها؟؟ لا شيء تغير بينهما و لن يتغير شيئ، مازال خوسيه وفيا لطباعه السيئة، ستفضل فتاة المستنقع بنظره حتى بإرتدائها فستان يزن ثروة.
عندما عاد ليظهر مجددا كان قد ارتدى بدلته الفاخرة التي كانت بإنتظار جسد مماثلة لتشع، رائحة الصابون ما تزال تفوح منه، شعره المصفف الى الوراء يبرز بجمالية جبينه العريض و نظراته الذهبية الخالية من اي تعبير، كان يتفادى النظر اليها، هل تقززه الى هذه الدرجة؟؟ يخشى أن تفتح فمها خلال السهرة كي يُكشف أمرها؟؟ بأنها ليست من نبيلة و بأنه منح اسمه لمن لا تستحق؟
" فلنمضي…"
التقط الفرو الذي يتنظر على الصوفا كي يمده اليها، أخدته منه ووضعته على كتفيها، الا انه استوقفها:
" لا يُرتدي هكذا" بحركة جافة عدّله عليها.
" آسفة لكنني لم آلف هذا النوع من الملابس…"
" و لا تنوين التعلم…"رد بجليدية.
"لما أهدر وقتي على أمور سطحية لن احتاجها بعد انتهاء زواجنا؟؟" ردت بنبرة لاذعة.
هذه المرة لم يهرب بنظراته التي غرسها في نظراتها، كانت تغلي من الغضب أمام كمية البرود التي يعاملها بها، جرحها ايضا الا يعلق بكلمة عن هندامها، و كأن كل المجهوذ المبذولة لم تغير شيئا.
"ريثما يحين وقت الرحيل احترمي الاسم الذي تحملين"
" تجهل كم أنا متحرقة لذلك… الا احمله بالمرة"
لم يجبها، اشار اليها كي تسبقه نحو الباب.
لا يبدو أنه يأخد كلامها بجدية، منذ ولادة التوأمين يتصرف خوسيه و كأن لا وجود للعقد بينهما، انه يرفض قطعا الكلام في الشروط بينهما، تعرف بأن الحرب ستكون شرسة عندما يحين الوقت الذي لن تعود فيه قادرة على تحمل تقلباته المزاجية و تقرر الرحيل، تعرف بأنه سيقلب الأرض و السماء دون أن يقيمهما، وهي تعمل جاهذه لذلك اليوم، المال سيساعدها في حربها العدلية معه، و خوسيه في موقف ضعيف أمام العقد الموثق، لا توجد قوى ستمنع عنها حضانة ابنيها، أخبرها كارلوس بأن القانون سيكون معها، لسيما و قد أخد رأي بعض أصدقائه العدليين… ستجد حريتها و ستتخلص أخيرا من متكبر متغطرس يراها أقل شئنا من الأرض التي يسيران عليها في هذه اللحظة… الرجل الذي تنوي الارتباط به حقا هو رجل يقدرها، يحترمها، يساندها، يشاركها معاناتها، يفهمها دون أن تعبر عن ضناها، رجل مثل كارلوس بكل بساطة… مع الوقت… تشعر بأنها ترتبط به عاطفيا أيضا… كارلوس مثال فارس الأحلام… انه لا يملك سوى عمله و روحه الجميلة، بعيد على أن يكون ملياردير مثل خوسيه… لكنه الرجل السنذ الذي رأته ذات يوم في اليخاندرو.
لا تنوي تركه يسحقها بتعاليه هذه الليلة، ان يقدمها للجميع كصيد جديد جميل المظهر و بلا أي عقل، تمام كما تكون عليه صديقاته.
انها ليلة مهمة لها أيضا، لشركتها الصغيرة التي هي بصدد الطلوع و الازدهار، فرصتها لملئ دفتر معارفها باسماء لامعة جديدة فلعلمها، كل شركاء خوسيه ليسوا اناس عاديين، ان كان مهتز نفسيا فأعماله لا تعاني نفس الاهتزاز، انه رجل أعمال لامع و ذكي جدا، و تحتاج للاستفاذة منه على الاقل من هذه الناحية.
سيارة فاخرة بسائق كانت بإنتظارهما أمام مدخل الفندق الأنيق، ترك السائق يفتح لها الباب بينما اهتم زوجها بنفسه، احتك جسمها بنعومة الجلد تحته، مسافة شاسعة بينها و بين الاسباني الذي غرق مجددا في هاتفه، نور الشاشة ارتطم على ملامح صارمة، بدى مهتم بشدة بالرسالة التي توصل بها على ما يبدو… عادت تتسائل… هل هي امرأة؟؟
ابعدت اهتمامها عنه لتركز عن شوارع العاصمة التي يتغنى برومانسيتها العالم بأسره، انزلقت السيارة بسلاسة قبل أن تعلق في الزحام مما يترك لها فرصة ملئ عينيها بالجمال الليلي الذي يحيط بها، ليست زيارتها الأولى الى العاصمة، لكنها المرة الأولى التي تقيم فيها في فندق خارج امكانياتها المادية الاعتايدية و ترتدي ثياب كانت تراها فقد على العارضات في واجهات محلات الشانزليزيه ، إذا كان الجو مذهلاً أثناء النهار ، فإن باريس تصبح مزدحمة في الليل! بفضل الحانات والنوادي وقاعات الحفلات الموسيقية والملاهي الليلية، سبق واستمتعت بلحظات لا تُنسى بمجرد حلول الليل في الزوايا الأربع للعاصمة مع صديقاتها اللواتي تعشقن الاكتشافات مثلها، نفس الصديقات اللواتي قطعن صلتهن بها ما ان تزوجت من رجل ثري.
تطلعت لهذه اللوحة التي لا تنضب من المباني ، كل منها أكثر تنوعًا من التالي ، سحر المدينة وجوهر هويتها،توجد الآثار في كل مكان ، في الشوارع ، في الساحات ، في الحدائق ، مما يضفي إشراقة على كل نزهة برائحة الاكتشاف.
" هل أنت جاد في قرارك؟؟"
خوسيه يتكلم بصوت خافث في الهاتف، يمكنه الهروب الى أي لغة، الا انها تفهم و هو يعرف هذا مما يجعل مزاجه أسوأ في هذه اللحظة، و ان كانت تعرفه فهي متأكدة بأن من في الجهة الأخرى هو روكو ايميليانو… هو الوحيد من يستعمل معه زوجها هذه اللكنة… و كأنه امرأة مغرمة.
"بالتأكيد… " سمعته يؤكد بنبرة أقل ثقة في هذه اللحظة، لا يبدو سعيدا بشأن خبر قاله له صديق عمره…" تعرف بانني معك في كل شيء… لا تقلق… سنكون هناك "
عندما أغلق الخط، كانت أنفاسه حقا مضطربة…
" سنكون هناك؟؟ » رددت كلامه بالاسبانية " هل كنت تقصدني أم تقصد احدى حبيباتك؟؟ "
هز نحوها عيناه المشتعلتان في عتمة السيارةx:
" لا املك حبيبات "
" امر صعب التصديق و لا يهمني الحقيقة…"
" اعرف بأن حياتي برمتها لا تهمك آيا"
" لماذا؟؟ لأن حياتي تهمك أنت؟؟؟" هاجمته بشراسة.
" لأنك تتركين لي المجال؟؟ " أعاد سؤالها بنفس الطريقة " انت دوما على أهبة الانقضاض مثل اللحظة… ترفضين النظر لي كزوجك و ليس كعدوك…"
لم تتوقع أبدا هذا الكلام، هي من ترفض النظر اليه كزوج؟؟ كيف يمكنها فعل ذلك بينما تتبدل شخصياته مع تبدل مزاجاته، تجهل مع من ستكون في كل مرة، هو الذي يرفض النظر اليها بطريقة مختلفة عن فتاة المزاد، الفتاة التي اشترى خدماتها لثلاثة أسابيع و أجبر على منحها اسمه بسبب الحمل.
" سنطير الى صقلية بعد باريس مباشرة…"
لا يمكنها الابتعاد أكثر عن أعمالها بحق السماء…
" صقلية؟؟ لكن لماذا؟؟"
" لأنه مطلوب منا الحضور … لا يمكنني رفض طلب من روكو "
" و أنا لا يمكنني الغياب أكثر عن التوأمين…" رددت آيا أو عذر أتى على لسانها.
اشاح بوجهه عنها بينما تتوقف السيارة أمام جوهرة قوطية مشعة عائدة للقرن الثالث عشر، جذرانها من الضوء، تبهر الانظار بإشعاعها المساء الفرنسي البارد، لاحظت أن هناك أناس بملابس أنيقة تدخل المبنى ففهمت بأنهم وصلا لوجهتهما.
ارتفعت الاحاسيس الجبّارة في جسدها.
ابتدأ الامتحان.
و تقسم الا تفشل فيه أبدا.

* * *

" آه يا طفلتي كم اشتقت اليك…."
انحنت دانيلا على القطة السوداء كي تأخدها بين ذراعيها ما اقتحما شقة اليساندرو الذي أغلق الباب خلفهما، لقد كانت من الارهاق النفسي الكثير ما سيكفيها لبضعة أشهر، فركت الفرو الناعم و دست انفها فيها قبل ان تعود بعينيها لخطيبها الذي ترك حاجياته في الصالون و دخل المطبخ الانيق المكشوف:
" من كان يهتم بها خلال غيابك؟؟"
" الخادمة… كانت تأتي يوميا لتطعمها "
اخرج قنينة مياه من الثلاجة و بدى فجأة حائرا امام كيفيه فتحها بسبب ذراعه المكسورة، تركت مكانها و ماهي الا لحظات حتى اصبحت أمامه، أخدت منه القنينة لتفتحها و تمدها اليه:
"شكرا لك حبيبتي…"
"على الرحب و السعة… يمكنني مساعدتك لانتزاع ملابسك و أخد حمام أيضا…"
يبدو ان الفكرة راقته بشدة، راقبت عيناه تلمعان بشدة و هز رأسه نحو غرفة نومه:
" أنا بحاجة ماسة جدا للاسترخاء "
وهي بحاجة له و لنسيان جبال الاسرار التي تركتها خلفها و فضلت اليساندرو عليها، لقد تركت شيكاغو و معها كيليان ارشيبالد الذي اتضح في النهاية بأن الشبه بينه و بين يانيس ليس مجرد مصادفة، انه الابن الفعلي للدكتاتور.
" تبدين مهمومة..."
" أنا بخير.." كررت له لألف مرة منذ أن أخدا الطائرة من شيكاغو الى نيويورك، ترفض اي كلام عما حصل مؤخرا معها.
وعدها بأن تغير الأمور، كما عرّى لها عن نيته في تقاسم كل شيء معها، و هي تحترمه بشدة و تخجل من تهورها و جرحها لكبريائه بسبب جروحها شخصيا، بيد انها لا تشعر بنفسها مستعدة بعد لتقاسم شيء حيال كل اكتشافاتها، ما ترغبه في هذه اللحظة هي الغصة في اعماقها لأنها اشتقات لحنانه بشدة.
بقيت عيناه الزرقاوين عالقتين بها و كأنه يحاول سبر غورها، بدأت اصابعها في تحرير ازرار قميصه، المسألة صعبة للغاية و ليست بالسهولة التي توقعتها، ابعاد الخرقة الأنيقة عنه مجهوذ حقيقي.
"يجب ان اشتري لك كنزات فضفاضة…"
" ترغبين بالاهتمام شخصيا بملابسي؟"
هزت نحوه عينان ممتلئتان بالامتنان:
" هذا أقل ما يمكنني فعله لرجل جرحته فإستقبلني بإذرع مفتوحة…"
" ذراع واحد مفتوح… الأخر مكسور " أمام دعابته أحست بالدموع تملئ عينيها، لقد افتقدته بصدق، ابن يانيس ام لا هذا لم يعد مهما حقا… اتخدت ملامحه مجددا جديته المعتادة " تبكين دانيلا؟؟"
" أبكي لأنني سعيدة بعودتي… افتقدتك… و افتقدت قطتي و أيضا… كل ركن من هذا المكان…"
حاولت الابتسام من خلال دموعها لكنها فشلت، العذاب المرتسم في عمقهما دفع اليساندرو بأخد يدها و جرها ورائه الى الكنبات الفخمة في الصالون حيث قضيا جل أمسياتهما امام التلفزين و تناول الفشار و الصودا مثل مراهقين، لم يعد بإستطاعتها السيطرة على أمواج العاطفة المتلاطمة في صدرها، هي ليست من المخلوقات «العقلانية" فقط كما عرّف أرسطو ،لكنها تملك مشاعر… تعيش حياتها من خلال عواطفها وهذه العواطف هي التي تفقدها اللحظة السيطرة في المقاومة أمام كمية المشاعر المرتسمة في العيون الصافية التي تراقبها بإهتمام… و كأنه يعرف ما يزعجها ، ما يحركها ، ما يؤلمها ، هذا ما يميزه في نظرها على الدوام.
« انا مرهقة…» اعترفت بغصة وهي تضع أصبعا على صدغها « عقلي… عقلي لا يتوقف عن العمل ليل نهار… أشعر بأن رأسي سينفجر»
عواطفها تشكل خطرا عليها مؤخرا فهي تقطع حياتها وتزعجها لأنها سلبية اتجاهها ؛ فهل هذا ما كان عليه الحال بينما تقطع تحرياتها عن والدتها للعودة الى حضن اليساندرو؟؟ خافت من نفسها و من نشاطها الزائد في معرفة الحقيقة؟ تعرف بأن الذخيرة العاطفية للشخص ليست مسألة مصير ، ولكنها مسألة سلامة عاطفية… ربما وصلت لمرحلة استحسنت فيها وجود طرف آخر ليجر خيوطها عندما تتوه في العدم، و هذا الشخص هو ابن عدوها اللذوذ الذي حبس اليونور و تسبب في دمار اسرتها.
سلوكها يحبطها بشدة…مهما كانت أسبابها ، فإن المشاعر السلبية تلقي بظلالها على تفكيرها فتحولت لهواجس ثم وقفت في طريق منطقها.
ما ان وضع يده على كتفها حتى انطلق لسانها بمفرده، اليساندرو الذي يرى يانيس في صفة قديس كيف ستكون ردة فعله عندما تخبره تفاصيل اكتشافاتها؟ القلق…؟ عدم الراحة ؟؟أو حتى الصدمة.؟؟ لكن أفضل سلاح لاستنباط أقوى المشاعر هو الموضوعية. يجب أن تتقبل الأمور مهما كانت لتضعها في نصابها. فالهذف هو تحليل تأثيرها بشكل ملموس… ولم تلمس تغييرا في ملامح خطيبها رغم كل ما تفوهت به، و تجهل ان كان فعليا تحت الصدمة ام أسوأ… لا يصدق كلمة مما قيلت اليه.
« رغبت في دفن كل شيء في أعماقي لكن… لن أتمكن من تحرير نفسي و لن يزول العبء الواقع على ضميري بدون جهد… و أنت طلبت مني الكلام اليساندرو… رغبت بتقاسم كل شيء معي»
وضعت يدها على خده و تطلعت اليه برجاء « لقد تولت عقلي بشكل ملموس… اريدك ان تنظر بعمق في ذاخلي… عدت لأنني مستعدة للتقاسم اليساندرو…أولوياتي ليس وضع الملامة فحسب على والدك بدون دلائل بل محاربة الشكوك التي تغزوني و العثور على الحقيقة، تلك الحقيقة التي انوي قبولها واحتضانها حتى تظل واعية ويتخذ عقلي الخطوات اللازمة للتخلص من الضغط المرتبط بها… ان لم أعثر على حقيقة أمي فلن أعيش بسلام »
بقي صامتا ينظر اليها، لكن بياض عيناه تحول الى الوردي، العروق الصغيرة اتخذت لونا أحمرا قانيا، اصبحت نظراته ندية:
« منذ طفولتي… نفيت بشدة كل القصص بشأنه دانيلا… كنت أرفض… بشكل قاطع، أنني أحمل دماء وحش حقيقي… التعامي كان أسهل من تحمل الحقيقة…»
كلماته تمر من خلالها ببعض الوحشية، لم يكلمها اليساندرو يوما عن يانيس، المعاناة أصبحت أكثر وضوحًا مع تقدم عملية الاستبطان.
« قد تكون هناك احتماليات أخرى….» حاولت أن تدافع عن صورة عدوها في نظره .
« احتماليات أكثر شراسة مما وجدته حتى الأن…»
هزت رأسها بأسف، لا تعرف ما يمكنها اضافته للتخفيف عنه:
« أحدهم يعرف بما حصل في الماضي و يحاول وضع العقبات في طريقي… أجهل من هو… فكرت في روكو… و لما لا خوسيه…. بنظري الكل متهم و مشكوك في أمره»
« و لما لا سيسيليا؟؟» سألها فجأة بجدية بالغة…تفاجئت من هذا الاحتمال…" علاقتها بإبنها علاقة قوية جدا فهو أوحدها… حماية ماضيه ضمن أولوياتها المقدسة الا تعتقدين؟؟»
ارتجفت اليد التي ابعدت بها خصلة عن وجهها، كل شيء يزداد تعقيدا و اشتباكا، لابد ان خطيبها انتبه الى حالتها، أمسك بيدها و ضمها بين اصابع يده السليمة:
« دانيلا انظري الي…» من خلال الضباب تبينت له ملامح وجهه المألوفة و الجميلة:" لم تعودي وحدك… أنا معك…»
لن تزذهر الا معه… هذا التأكيد أتى تلقائيا لعقلها بينما تلفها الثقة مجددا بفضل الدعم الذي يمنحه اليها، انها مغرمة حتى شراين قلبها، في البداية رأت هذا التقارب الروحي ضار و مدمر فقط لأنه ابن من لف حياتها بكل هذا الغموض، لكنها اليوم مقتنعة بأنه الحبيب الذي لن تتقدم من دونه،عليها تقبله و تقبل نفسها، انها الحاجة المحتملة للتغيير الذي يقودهما إلى حياة كريمة.
* * *
الدودة تحولت الى فراشة و نفضت أجنحتها الملونة كي تحط على كتف كل رجل أعمال لينبهر بجمالها و بلاغتها و ذكائها، بل و نجحت بمنح نصيحة لـ شارل كوهين بشأن مرآب المول خاصته بحيث يأخد مساحة شاسعة يمكن لرجل الأعمال الاستفاذة منه، كانت تتكلم معه بينما كل الأعين مركزة عليها حتى اعينه هو شخصيا:
" نظرا للكثافة الحضرية لمعظم المدن في اليابان فهناك أبراج وقوف السيارات بسبب نقص المساحة بحيث تتنافس مواقف السيارات ببراعة لتكديس السيارات فوق بعضها البعض، اجهل لما لم يستعمل أحد في اروبا هذه الفكرة التي اجدها عبقرية بدل تضيع مساحات لا منتهية من المرآب التي يمكن استغلالها لأغراض أكثر أهمية… و ما يمكنني اقتراحه أيضا سيد كوهين… نظرا للقيمة المادية التي تركها الزبون خلفه في المول يمكنه استعادة سيارته مجانا دون الدفع مقابل وضع ورقة دفعه المشتريات تحت آلة الدفع…. هذا سيحفز الزبائن بهدر المزيد من الاموال لا شعوريا… درست علم النفس يمكنني الجزم في هذه النقطة"
يبدو كوهين راضيا جدا لحل المرآب يتطلع الى آيا و كأنها نزلت من السماء، بدل أن تحرجه قامت بسرقة الأضواء منه، تكلمت عن السياسة، عن الاقتصاد، حتى الفن و الدواوين الشعرية، تتعامل مع كل فرد و كأنها على احتكاك دائم بشخصيته و تعرفه جيدا، كانت متألقة و متوهجة و رائعة، سيدة أعمال حقيقة وواثقة من نفسها.
بينما تنطلق في ضحكة موزونة و ناعمة عن ملاحظة ريتشارد فيليب رجل أعمال فرنسي يبدو بأنه منجذب بشدة لها، وضع كوهين يده على ذراعه و اقترب من اذنه هامسا:
" اين وجدتها بحق السماء؟؟ عادة ترافقك جميلات بلا عقل… احسنت الاختيار لإنجاب أطفالك مارتينيز… "
بينما يعرض ‘ساشا براسور’ عليها مراقصته لم يتمكن من منع نفسه من التدخل، لم يعد يتحمل رؤية شركائه مجتمعين عليها، كل فرد منهم يحاول لفث اهتمامها…
« حان الوقت لأراقص زوجتي…»
الابتسامة تصلبت على شفاهها، المكان مكتض بالمدعوين، الاوركسترا تعزف لأناس همهم مناقشة مصالحهم، عندما أصبحت بين ذراعيه بعيدا عن المجموعة الصغيرة التي كانت على وشك افتراسها سألها:
« متى درستي علم النفس؟؟»
« السنوات الأولى في الجامعة… " ردت دون أن ترمش، مثل العادة تضع مسافة بين جسديهما، و كأن ملامسته تقرفها.
" هل يمكنني ان اعرف اي لعبة تلعبين؟؟x» هاجمها من بين اسنانه.
" انا لا العب… انت طلبت مني أن أتصرف بطريقة جيدة والتزم بوعودي … بفضلي ستبرم الصفقة مع ‘برنارد يوزلاف' "
" ما يهم ذلك الرجل هو وضعك في سريره و ليس برم الصفقات معي…. و انا لم اطلب منك الثرثرة التافهة بل التصرف فحسب بشكل لائق دون ان تفتحي فمك بكلمة "
اشتعل الغضب في عينيها :
" لم تطلب مني اغلاق فمي خوسيه… حتى انك منحتني قائمة بالاسماء و الأعمال… أظن أنني تفوقت على أمالك مما يجعلك غاضبا هكذا…"
" هل هي سنتي الجامعة في علم النفس ما كون لديك هذا الاستنتاج؟؟"
"بل معاشرتي اياك كل هذه الاشهر الطويلة… أجهل ما تنتظره مني بالضبط، لكن أحذرك… قمت يما ينصه العقد بيننا و تصرفت تماما مثل ما ينتظره الكل من السيدة مارتينيز… لا تسيئ مزاجي فقط لأن مزاجك عكر مثل المعتاد… جد في من تنفث سمومك و اتركني بسلامx… سأذهب الى الحمام لاعادة زينتي "
انتهت المقطوعة و استغلت الامر للتملص من بين ذراعيه، القى نظرة عن مجموعات النساء اللواتي تترثرن في كل ما له علاقة بالسوشيال ميديا و الموضا، زوجته لا تنوي المشاركة في هذه المواضيع التي لا تهمها بالتأكيد، بل الغرق في أحاذيث محتدمة مع رجال أعمال محنكين و امتصاص خبراتهم، تبدو منتشية بذلك، رآها متوهجة أمام كوهين، كما تكون عادة عشيقاته أمام عقود الماس التي يهديها لهن، آيا بعيدة على أن تكون سطحية… انها سيدة أعمال في بداية مشوارها، و مما يراه… تنوي توسيع دفتر عناوينها.
زوجته خصم لن يمكنه الاستهزاء بقوته… انها لا تقهر.
تسللت آيا الى الباحة الخاصة بالمدخنين بعد ان غادرت الحمام، الأمسية أشد رقيا مما تخيلت و كل هؤلاء المدعوين قشدة المجتمع الراقي، الأمسية كانت عبارة عن عرض الازياء و في الحقيقة لم تتوقع أن تجد مكانها أيضا ضمن هؤلاء النساء اللواتي امتهن البروز قبلها بسنوات ضوئية، لقد تمكنت من ايجاد مكانها فورا و بلا اي مجهوذ، و ما ان عرفها خوسيه على العناصر الاكثر أهمية في محيط عمله حتى استحوذت على اهتمامهم و رفعت رأسه بدل التسبب له بالاحراج، لذا تجهل تماما سبب دخوله في نوبة غضب من هذا الانتصار الصغير في اول تجربة و خروج رسمي لهما معا؟؟
أخرجت هاتفها من حقيبة سهرتها الصغيرة كي تتطلع على رسائلها، ترك لها كارلوس رسالتين بينما خالها قرر استعمال الايمايل بدل ارسال تفاصيل متقطة عن السوق، أحيانا يفتقد للمهنية و يتصرف مثل هاوي فقط، لكنها أخبرته بحزم في اخر اتصال أن يرسل لها الأوراق بالأرقام الدقيقة على بريدها الالكتروني، و هو بدأ بالتعلم، عندما يتعلق الأمر بالنقود فإن باريش يتفنن في مفاجئتها، و هي سعيدة جدا بتوليه أمورها في تركيا، لأنها بكل بساطة لا يمكنها التنقل شخصيا الى هناك، فتحت رسائل كارلوس، وجدت الابتسامة طريقها الى شفاهها بينما تقرأ الكلمات الناعمة
{ أذهليهم يا فتاة… أعرف بأنك قد المسؤولية }
الرسالة الثانية:
{ عاجز عن النوم بينما أفكر بك… أتمنى ان الأمور تمر على خير ما يرام…}
ضغطت على عدة أزرار وهي تجيب:
{ خوسيه صعب الرضى… يبحث عن طريقة كي يتملص من الاعتراف بأنني قمت بواجبي كما يجب… نم عزيزي كارلوس و لا تقلق بشأني… أنا فتاة كبيرة}
{ سأقلق دوما بشأنك… لا تطلبي مني النوم بينما أعرف بأنك معه و قد يقوم بإيذائك}
أخدت أنفاسا عميقة، هي أيضا قلقة بهذا الشأن، لكن ليس المسألة متعلقة بالعنف الجسدي… بل بالرغبة الجسدية… رغم كل شيء خوسيه مارتينيز يؤثر بها بشدة.
" تبدين جدية…"
أخفت هاتفها بينما يتسلل اليها صوت رجولي هادئ وراء ظهرها، تعرفت فورا على رجل الأعمال الذي لم يزل مطلقا عيناه عليها منذ دخولها متأبطة ذراع خوسيه، عرفها عليه على أساس رجل اعمال ورث اعمال والده، انه يتجار في كل شيئ، لسيما في النسيج، أكثر ما يهمها، لم يكن وسيما حقا، كانت ملامحه مرتبة لكنه جذاب بهيئته الرياضية، بالتأكيد وسامة خوسيه تخفيه.
" سيد مورو اذا لم تخني الذاكرة "
ابتسم كي تلتمع اسنانه المصففة تحت الانوار الخافثة و المتعمدة حالمة في المكان:
" لا اظن ان فتاة ذكية مثلك قد تعاني من خيانة الذاكرة… راقبتك جيدا هذه الليلة… خوسيه محظوظ للغاية "
رأته يخرج علبة سجائره من الجيب الداخلي لسترته الفاخرة و يهديها واحدة رفضتها بتهذيب:
"أنا لا أدخن…"
"صفة جديدة اضيفها الى القائمة؟؟ "
ابتسمت لكنها قررت الاستفادة من اللقاء، هذا الرجل يبدو حقا تحت سحرها:
" اتمنى انك تلمح الى قائمة الايجابيات…"
" كلك ايجابيات آيا "
" أفضل ان نحتفظ بالرسميات فيما بيننا… سأبقى بالنسبة اليك السيدة مارتينيز…"
اتسعت اكثر ابتسامة رجل الأعمال، انه يقوم بتجربة ولائها لخوسيه، تفضل الموت على الحط من قدر زوجها، رغم كل الخلافات الا انه الرجل الذي منحها اسمه و يستأمنها عن سمعته بالتأكيد.
" خوسيه لا يحتفظ مطولا بإمرأة… يمكنك دوما الاعتماد علي عندما تشعرين بنفسك مُهملة "
ابتسمت آيا متجاهلة سهمه المسموم:
" أظنني تمكنت ممن فشلت فيه غيري… انا زوجته و لست عشيقته سيد مورو…" فليذهب الى الجحيم طموحها ازاء شركتها، لن يمكنها تقبل تصرف مماثل، لا تنوي الاساءة لذلك السافل الذي هو زوجها حتى بمغازلة بريئة من هذا الرجل… " و الان عن اذنك… أظن أن زوجي يبحث عني "
احنى راسه كرجل مهذب للغاية مع النساء وتراجع خطوة للوراء كي يتركها تمر لم تمنحه أدنى التفاثة، بحتث بعينيها عن زوجها و رأته في حذيث محتدم مع كوهين، كم يبدو مسالم و طبيعي في هذا المحيط الصعب و الشائك، كم يبدو واثقا من نفسه، أسدا و سط الادغال، البلاي بوي المستهتر والفاضح … الفاثن بشكل لا تشوبه شائبة في بدلة توكسيدو ، خوسيه رائع… ليس بالطريقة التي يستخدم بها هذا المصطلح عادة… لكنه رجوليًا جدًا، مختلفا تماما عن الرجل الذي نام في سريرها كطفل ضائع يبحث فحسب عن حضن يرمي فيه كوابيسه… أخدتها خطواتها نحوه… تلتقط نظراتها ملامحه الصلبة والمتوازية، فكه الواسع والمربع ، وشفاهه المحددة و المزمومة بحيث تمنحه تعبير صلب نوعا ما، نظراته الذهبية زجاجية لدرجة أن الأضواء قد ابتلعتها.
لا شيء حقيقي في كل هذه المظاهر الشديدة الكمال… فقط لو لم يكن سرابا… فقط لو تتمكن من الامساك به فتجده في يدها… خوسيه ليس ملك أحد سوى لماضيه المبهم و الغامض، و ان تنازلت بإسم المحاولة فلن يرحمها… في السيارة اتهمها بالبرود. بأنها لا تحاول فهمه… من المعيب دوما وضع الملامة على الأخرين… فيما يخصها ان كانت دوما على اهبة الاستعداد فلأنها تدرك ما ينتظرها ان منحته ثقتها و خذلها، و خوسيه… يعرف الوفاء مع روكو فقط و شلة أصدقائه لا غيرهم.
رحلة العودة مرت في نفس الصمت الذي لفهما في مشوارهما الأول، كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل منذ زمن و الكحول اطلق اعصابها بينما الارهاق و النوم اثقلا جفنيها، رغم ذلك ابقت نفسها بعيدة جدا عنه، حتى و هما يأخدان المصعد لجناحهما، بينما ينحني عليها ليضغط على الازرار الذهبية، حبست انفاسها بينما ذراعه قريبة جدًا لدرجة أنها احتكت تقريبا بصدرها، ان كان قد تعمد ذلك أم لا هي لا تعرف، هزت نحوه نظراتها بينما يعود للاستواء مجددا في وقفته:
" استرخي فلا انوي اغوائك… ليس الليلة على الأقل"
فتحت فمها لترد لكنها اكتفت بإلتقاط نفسا عميقا قبل أن تشيح بنظراتها عنه، انها مرهقة لأي مشاذه كلامية، تشعر بالفخر لإنجازها الليلة و ستترك خوسيه مع خيبته في هذا النجاح الذي لم يتوقعه اطلاقا، خرجت أولا من المصعد ما ان فتحت الأبواب الذهبية و هرولت نحو الغرفة الجانبية، قبل ان تغلق بابها خلفها سمعت خوسيه يقول في ظهرها:
" تصبحين على خير…."
اعترتها الراحة فقط عندما ادارت المفتاح في القفل… انها في أمان… هذه الليلة على الأقل.



التعديل الأخير تم بواسطة أميرة الحب ; 08-09-20 الساعة 12:58 AM
أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 07-09-20, 10:57 PM   #2960

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

: amwa7:


التعديل الأخير تم بواسطة أميرة الحب ; 08-09-20 الساعة 01:03 AM
أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:06 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.