آخر 10 مشاركات
رواية بذور الماضي (2) .. سلسلة بين رحى الحياة *مكتملة* (الكاتـب : heba nada - )           »          ❤️‍حديث حب❤️‍ للروح ♥️والعقل♥️والقلب (الكاتـب : اسفة - )           »          أحفاد الصائغ *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          للحب, الشرف والخيانة (101) للكاتبة: Jennie Lucas *كاملة* (الكاتـب : سما مصر - )           »          سينابون(91) ج2 -قلوب شرقية -للمبدعة: نرمين نحمدالله(مميزة)-{كاملة&الروابط} (الكاتـب : نرمين نحمدالله - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          متوجةلأجل ميراث دراكون(155)للكاتبة:Tara Pammi(ج1من سلسلةآل دراكون الملكيين)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          عودة من الجحيم - ج2 ندبات الشيطان - قلوب زائرة - للكاتبة::سارة عاصم *كاملة & الرابط* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          فلتسمعي أنين إحتضاري *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          ندبات الشيطان- قلوب شرقية(102)-للكاتبة::سارة عاصم*مميزة*كاملة&الرابط (الكاتـب : *سارة عاصم* - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام

Like Tree629Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-10-20, 05:25 PM   #3281

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل السابع





" إنه يريدنا معا.."
همست روبي لتوأمها التي يبدو عليها التعب بسبب الساعات الطويلة من الانتظار، الجد غاب عن الوعي لمدة أيام طويلة و ما ان استفاق حتى طالب بهما، رأت بشرة شقيقتها تفقد لونها أكثر، هي و نيوس منذ أسبوع في صقلية، الشيء الذي لم تتوقعه من متحجر قلب مثل زوج شقيقتها، حتى أن كلامه أصبح كله عسل و فراولة، بالكاد تصدق ما تراه، عندما شاركت تساؤولاتها على ديامانتي أخبرتها بأنها فترة مؤقتة فقط، و لا تثق بتغيره، تتمنى من قلبها ان تكون مخطئة، أن زواج شقيقتها سيجتاز الأزمة و تعيش بسعادة مع والد طفليها، فهي لا يخفى عليها عشق هذه الأخيرة له.
" حبيبتي؟!" هزت روبي عينيها نحو نيوس الذي أخد كتفي زوجته بين يديها وهو يمنحها دعمه:" سأكون هنا.."
" أعرف" أجابت ديامانتي وهي تهز رأسها :" شكرا لك نيوس..."
رأته يقبل جبينها قبل أن يتركها مجبرا، تبادلت النظرات مع سيزار الذي لم يتركها لحظة واحدة منذ عودتها من لوس أنجلس، نِعم الحبيب و الزوج، يمكنها ان تعتمد دوما عليه حتى في مواقف مريبة مماثلة، رأت شفاهه تتحرك دون أن يخرج صوتا من خلالهما و فهمت الكلمة على الفور.' أحبك'.
أمسكت بيد توأمها و دخلا معا الى غرفة الجد، هذه المواجهة التي بكت بسببها ديامانتي مرّتين، يبدو صعبا عليها مواجهة ماضيها، ماضيهما معا، وهي بحاجة لدعمها، بالرغم من أنها تجهل لما جدها يصرّ على رؤيتهما معا و ليس فقط ديامانتي التي طالب بها في الأشهر الأخيرة دون أن تقبل هذه الأخيرة بلقائه... في المرة الأولى أتت من أجلها هي، لتتعرف على التوأم التي أخفاها عنها السيفيرانو، لكنها اليوم ستواجه الرجل الذي نبذها و لم يسأل فيها حتى وهي معرضة للاضطهاد من قبل داركو حيث تجاوز الحدّ في السُّلطة والمعاملة القهريّة التعسُّفيَّة.
شدت أصابع ديامانتي عليها عندما فتح الجد عينيه و حطهما عليها، كان هناك، ممددا، صدره الهزيل يصعد و ينزل ببطئ، و كأن الأوكسجين المزود به لا يكفيه للتنفس بطبيعية، رأت روبي كل طفولتها تمر بسرعة البرق أمامها وقفزت الدموع الى عينيها، جدها الحبيب سيرحل، الواقع صعب جدا تقبله، انها تموت ببطئ، أوجاعها المتعلقة بشقيقها الغالي جوزيف تعود للسطح و تمزقها بلا رحمة، ستعيش مجددا محنة ان تفقد إنسان غالي على قلبها.
رأته يصوب أصبعا نحو شقيقتها، هذه الأخيرة تسمرت، كانت حركة الاصبع واهنة، يده تتمدد على طول جسده، لم يكن قادرا حتى على هزها نحوها، دنت منه روبي و انحنت عليه لتقبل جبينه المتجمدة تحت شفاهها ثم تنتزع عن فمه و أنفه قناع الأوكسجين:
" انها هنا حبيبي... أتت لرؤيتك..."
أغمض عينيه برضى قبل أن يعود لفتحهما و المجاهدة للكلام، فهمت من كلماته الضعيفة أنه يريدها ان تقترب الشيء الذي فعلته ديامانتي دون تردد، انحنت عليه بدورها وهمست له:
" مرحبا سيدي..."
لا ينوي جدها التجاوب مع هذه الرسمية الباردة، شقيقتها تحاول بالتأكيد التكيف مع فكرة ان دفن الماضي لصالح مستقبلها، لكن يبدو أن مشاعرها تغلبها اللحظة، تبدو مهزوزة و مضطربة.
" سامحيني..." جاء صوته واضحا وهو يبسط يده كي تضع هي يدها فيها، الشيئ الذي رفضته:" لم املك الخيار..."
" ملكت الخيار دون سيفيرانو... عشت بجانبك لفترة و لم تتحرك مشاعرك نحوي..." امتلئت عينا روبي بالدموع وهزتهما متوسلة الى توأمها، هذه الأخيرة لا تهتم أو ترفض الفهم:" أنا هنا لأعرف أين هو والدي... أريد رؤيته و سماع قصته..." هذا الطلب جمّد الدم في عروقها، لا يبدو أنها تمزح، كانت جدية للغاية، رأت شفاه جدها الشاحبتين ترتجف ببعض الحدة." ان كنت تنوي حقا التخفيف من ضميرك المعذب دون سيفيرانو فإخبرني أين هو أبي..."
" ديامانتي...!" اعترضت روبي بوهن.
هزت نحوها شقيقتها نظرات مشتعلة:
" ما الأمر روبي؟؟ الا تريدين التعرف عمن تبقي لنا من كل هذه الأكاذيب التي أحاطت حياتنا؟؟!"
" لقد تخلى عنا..." ذكرتها بغصة.
" هو دفع له ليرحل... اليس كذلك؟؟ أخبرنا عن مكانه، انه الشيء الوحيد الذي سيجعلني أسامحك"
" هذا يكفي..." قالت روبي ببعض الحدة:" الا ترين انه ليس بخير؟؟"
" انه محظوظ بالموت بسلام محاط بعائلته بينما حُرمت انستازيا حتى من ابنتها" ردت ديامانتي بغضب:" الجد الوحيد الذي عرفته و عاملني بإنسانية هو سبيروس ليونيداس... لقد حماني و تعاطف معي فقط لأنني أحمل دماء المرأة التي أحبها... عكس دون سيفيرانو... رآى حفيذته تتمزق بجانبه لكنه لم يحرك ساكنا...لقد سرق مني حياتي... سرق مني جدتي و أمي و أبي"
" هذا يكفي ومن الأفضل أن تخرجي الأن..." قالت روبي بشهقة.
" كلا..." اعترض الجد بوهن:" أحتاج لإنفجارها ...من الأفضل أن تخرجي أنت روبي"
هل يمكنها الرضخ لرغبته؟؟ اعترتها الشفقة وهي ترى الدموع التي ملأت عينا توأمها، هي التي عاشت التهميش تصر على ادفاع الثمن لرجل يُحتضر، لا تنوي مسامحته، لما اتت اذن؟؟ لتحاسبه و هو على اعتاب الآخرة؟ الم تكن عازمة على قلب الصفحة و نسيان الماضي؟!
عندما خرجت و أغلقت الباب خلفها أسرع سيزار نحوها، كان هناك حذيث بينه و بين نيوس لكنه قطع الكلام ما ان رآى ملامح وجهها:
" تنوي محاسبته بدل منحه الغفران و تركه يرحل بسلام!"
" من حقها هذا..." تدخل نيوس مدافعا عن زوجته.
" تسأل عن مكان والدنا الحقيقي.. فهل سألتني عن رئي بهذا الموضوع؟؟ لا أريد معرفة شيئ عن ذلك الرجل و لا عن اسبابه تركنا" تكسر صوتها في الكلمات الاخيرة الشيئ الذي دفع زوجها بأخدها بين ذراعيه، المكان الوحيد الذي تشعر فيه بالأمان.
" إهدئي..." وشوش لها سيزار وهو يقبل رأسها:" الاثنان مُحتاجان لهذه المواجهة... ليست مضطرة لمنحه غفرانها فقط لأنه طلب هذا فلم تكن حياتها سهلة كحياتك"
" انه عجوز و مريض... " تمتمت متوجعة.
" و برئيك هذا كافي كي لا تقذفه بما يحرق لسانها كل هذه السنوات؟؟ هو من أصر على حضورها و زوجتي في موقفها الشرعي..." صوت نيوس كان مزعج في أدنيها.
رأته يتحرك بعصبية في مكانه، عيناه لا تفارقان باب غرفة المريض، ديامانتي في أشّهُرِ حملها الأخيرة، المراحل الحرجة بالتأكيد، لكنها صلبة للغاية، انها أصلب مما سبق و خمّنتْ من قبل، كشفت بأنها تملك عزيمة متفردة و شرسة، خلافا لك التوقعات تستمر توأمها بإدهاشها، هي التي ظنت أنها سترتمي مجددا تحت قدمي نيوس ما أن يعود خلافا لظنونها هذا الأخير يعاني مع برودها و جفائها، و تعترف بأن هذا لا يروقها بالمرة، تمرد شقيقتها يرعبها. فقد تعَرَّضٌت لِلظُّلْمِ وَالقَهْرِ نعم... لكن حلتها الجديدة تثير قلقها.
انتصب شعر قفاها ما ان لمحت ديامانتي تخرج من الغرفة أخيرا، كان وجهها متورما، لكنها تبدو مرتاحة، رباه، هل قامت بقتله؟؟ هزت نحوها عينيها المحمرّتين و أشارت الى الغرفة:
" انه يريدك...."
تجاوبت روبي فورا، كان العجوز يتنفس بصعوبة أكبر، جلست في المقعد الذي كانت تحتله شقيقتها، أمسكت بيده و همست له برقة:
" عليك أن تنام حبيبي... وفرّ جهوذك..."
" سوف أنام للأبد روبي... طفلتي الصغيرة و الجميلة جدا روبي... آسف ان آذيتك يوما، أعرف بأنني كنت جدّا سيئا..."
اختنقت روبي في دموعها، رباه هذا العذاب، كيف يمكنها العيش بعده؟
" أنا من يجب أن تطلب السماح لتمردها فقد أتعبتك و لم أكن سهلة الانقياد... أرجوك اغفر لي" لم يجبها، ابتسم لها ابتسامة مرتاحة، انحنت لتقبل يده المتيبسة تحت شفاهها:" توأمك طيبة فقد سامحتني, اهتمي بها جيدا... يمكنني الرحيل بسلام"
كان يجاهذ للكلام و التقاط أنفاسه، تعرف بأنها تراه للمرة الأخيرة بينما يعود لغلق عينيه، ارتخت يده بين يديها، شعرت بحركة في الباب، كانت والدتها بوجهها المرهق و عينيها المتورمتين، دنت منهما و انحنت لتقبل جبين والدها الذي لم تفارقه طيلة الأيام السابقة.
" لقد عاد للنوم..." همست لها روبي :" انه سعيد لأن ديامانتي سامحته"
" اذهبي اليها عزيزتي... يبدو انها أصيبت بتقلصات حادة..."
بالفعل ديامانتي كانت شاحبة شحوب الأموات و يدها على بطنها، تعاني الانقباضات، لحسن الحظ أن نيوس و سيزار اهتما بأمرها ووجدتها سلفا في غرفة الفحص مع طبيبة نسائية، دنت منها لتأخد بيدها، عموما فلم تكن بصحة جيدة منذ مجيئها صقلية وشوشت لها والظلمة تسود ملامحها الجميلة:
" أنت غاضبة مني...!"
" كلا... " نفت روبي برقة.
" الكل قام بإيذائي..."
" أعرف عزيزتي... لكن قلبك كبير و سامحته رغم ذنبه المريب... أنا فخورة بك..."
لكن ديامانتي كانت تتألم بصدق، يدها على بطنها ، أنفاسها متسارعة بينما الطبيبة تجهز معداتها لفحصها:
" قال بأن والدنا مات بالسرطان قبل عشر سنوات..." أخبرتها ديامانتي من بين دموعها.
" تسبب لك الخبر بالانقباضات؟؟ لم تتوقعيه ؟"
لم تجبها، كانت تتألم بصمت، ربما سمحت لها الطبيبة بالبقاء لكن الوضع لن يطول، مسحت على شعر شقيقتها لتطمئنها:
" كل هذا بلا أهمية عزيزتي... فالاختبارات التي مررتِ بها هي جزء من الحياة... لحظات من الفوضى والمعاناة تطلب الاعتراف بها على هذا النحو، دخلتِ قلق الانقلاب من التمزق الأخير. لكنك حملتِ في داخلك جميع الموارد وكل قوة الحياة اللازمة للتغلب على هذه الصعوبات من خلال وضع الكلمات عليها ، وقبول أنه يمكن مساعدتك ، والبحث عن حلول ، بمفردك أو مع الآخرين معي أنا مثلا، ستتحسن الأحوال و ترين النتائج وتخرجين أكثر ثراء... ليس الحل في الانفجار على هذا النحو ، ربما هي طريقتك و قد ترينها صحيحة، ما لا يجب أن تنسيه أنني في حياتك الأن و أطالب بالتقاسم ...الشيئ الذي يثقل كفة الميزان... و برئي ... الماضي يبقى ورائنا تماما لأنه ليس بأهمية ما هو قادم..."
انسابت الدموع على وجنتيها المصفرّتين كقشرة الليمون، رأتها تغمض عينيها الجميليتن، تتنهذ ببعض اليأس و تغرق أكثر في تعاستها، تركت الطبيبة تفحصها، كانت هذه الأخيرة متفهمة لدرجة انها لم تطلب منها الخروج، بقيت على حدى تنتظر بصبر قليل، عندما بدأت بالتأكد من الاشعة السينية قالت بمهنية:
" كل شيئ طبيعي، عنق الرحم مغلق بشكل جيد، ضربات قلب الجنين ... لا يوجد ما يدعوا للقلق... فقط عليك الراحة و الابتعاد عن الاضطرابات النفسية... أنت فقط في الأسبوع التاسع و العشرين عليك الإهتمام بنفسك و طفلتك..."
فتحت ديامانتي عينيها و صرخت روبي من المفاجأة في الوقت نفسه التي انطلقت ضحكة خافثة من شقيقتها التي تبدو أيضا متفاجئة مثلها، اذن فقد كانت تجهل جنس الجنين حتى اليوم؟! اقتربت منها لتشبك أصابعها بها:
"صدُق حدسي وهي طفلة... سأكون عرّابتها مطلقا لن أترك هذا الدور لأحد غيري..."
" وحدك من سيحصل على هذا الدور فلا تقلقي... لم أرغب بمعرفة جنس الجنين اذ أني كنت متأكدة بأنه صبي... نيوس يميل للذكور... اختار سلفا اسم 'داريان'..." قالت ديامانتي وهي تجعد أنفها.
" طبيعي فهو يوناني... " ولامست وجهها برقة " نيلسي سولينا ليونيداس ... الصالحة و الرزينة العاقلة... وعدتك أن يجلب هذا الطفل الخير معه... سترين بنفسك 'كارا' ... هذه الطفلة هي معجزتك الثانية بعد آريوس، و لا يوجد ما هو أهم من حاضرك و مستقبلك لذا افرغي صدرك مما لا أهمية له و عيشي حياتك... كما ان... معاقبة نيوس بهذه الطريقة لن تفيدك بشئ... انه يُعاني... نرى ذلك بوضوح على وجهه... أعلني السلام معه و مع نفسك و ستكون الأمور بخير"

* * *
تناولت 'آيا' طعام العشاء في غرفتها، هذه المرة لم يكن تحاشيها لخوسيه السبب بل آلام ظهرها المريعة، بقي ثلاثة أيام على موعد العملية، أسرتها وصلت قبل يومين وهم يقيمون في المنزل الذي اشترته و هيأته خصيصا لإستقبال إبنيها الغاليين، تجاهلت ثورة اسئلة والديها ان تفصح لهما سر هذا البيت، و كأنهما يشعران أن هناك شئ تخفيه عنهما، و كأن خوسيه أيضا يشك بسرها، حتى انه أصر على التكفل بإقالة والديها من المطار، الا انها رفضت بشدة، فهي كلفت هاتفيا سيارة أجرة و منحته عنوان البيت الذي يجذر به مرافقتهما اليه، عائلتها تزورها كل يوم، والدتها لا تخفي عليها قلقها بشأن حملها، كانت المرة الأولى التي تلمّح لها بشأن عمر الحمل، بالنسبة لها الطفلين سيخرجان في وقت مبكرة جدا، هل تشك بشأن حملها قبل الزواج؟؟ ان كان الأمر كذلك فهي لم تخبرها مباشرة بالموضوع.!
كانت انقباضاتها عالية لدرجة أنها تعجز عن التمدد على سريرها، الأدوية لم تعد تساعد في تقليص العذاب الذي يقصم أسفل ظهرها في هذه اللحظة، مسحت الدموع من عينيها بكم بيجامتها و قررت وضع كيس من الثلج على ظهرها لعله يخفف من آلامها، لكن البرّاد في غرفتها لا يتوفر على الثلج، اتصلت فورا بمطبخ القلعة و طلبت ما تريده، بإنتظار وصول طلبيتها عادت الدموع تهدد عينيها، كيف يُعقل للمرأة تحمّل هذا العذاب؟ تعرف بأنه المخاض الكاذب فقد سبق و تعرضت له سابقا كما ان موعد ولادتها الطبيعي في آخر الشهر، هذه الالم هي مجانية.
كانت تغسل وجهها بالمياه الباردة عندما سمعت طرقات على باب الجناح و بخطوات تقتحم خلوتها، جففت وجهها بمناشف الحمام و عادت الى صالونها، ليست 'آلبا' خادمتها الخاصة من أتى بل صاحب القلعة بنفسه، تلقائيا تفاقمت انقباضاتها لرؤيته، ما ينقص هذه الأمسية المريبة هو حضوره، صاحب السعادة يحق له التسلل اينما شاء، يبدو مسترخي في بنطال جنزي و بولو أزرق فاتح، يخصلات شعره السوداء الحريرة متمردة على جبينه، يحمل في يده كيس من قطع الثلج و يحط عليها نظرات متيقضة و قلقة:
" تبدين شاحبة... هل أنت بخير؟!"
في ظروف أخرى ربما عاندت و أخبرته بأنها بخير فقط كي تشاهده يرحل و يخلي المكان ، لكنه المسؤول عما في بطنها اليس كذلك؟؟ ومن الافضل أن تتقاسم معه معاناتها...
" انه المخاض الكاذب و ظهري يؤلمني بشدة..." لم تمنع الغصة التي أثقلت صوتها الذي أتى أجشا:"أنا أعاني..."
في ظرف ثانية أصبح بجانبها و لفها دفئه فورا، تسللت ذراعه القوية الى خصرها بينما أمسك يدها في يده الأخرى، يساعدها بالوصول الى السرير، لكنها لا تنوي التمدد فهذا ما فعلته طيلة اليوم:
" هل أخدت مهدئاتك؟" سألها بإهتمام حقيقي يدفئ القلب.
" نعم أخدتها... الألم لا ينقضي...الأمر يشبه الكابوس"
" تعالي الى هنا يا طفلتي سأساعدك..."
لم تكن قادرة على الاعتراض، تركته فحسب يقودها الى السرير، انها مستعدة لأي شيء لتتخلص من هذا العذاب، جلست على حاشيته و شعرت به يجلس خلفها، ساقيه على طول ساقيها، أنفاسه على رقبتها تتلاعب بخصلات شعرها، تعرف انها ان تراجعت قليلا الى الخلف فسيلتصق ظهرها بصدره، و ما هي الا لحظات حتى بدأت أصابعه بتدليك أسف ظهرها بخبرة، حركاته تخفف من التصلب والتوترات في عضلاتها ، توقفت عن ممارساتها في التدليك في هذا الشهر كإجراء احترازي لتجنب حدوث تقلصات، و لا يبدو ان ذلك نفع...
" استرخي 'كوراسون'... " أمرها بنبرة ناعمة.
أغمضت عينيها تحاول التركيز فقط على الراحة التي تغمرها لحركات أصابعه عليها، كان يخفف من التوتر في منطقة أسفل الظهر، خوسيه خبير التدليك... موهبة حساسة لإثارة النساء في سريره؟ الغيرة المُرّة مزّقت كيانها... لما تفكر في الموضوع؟ تعرف بأنه سيبدأ العد التنازلي ما ان تلد...! وضعت يدها على بطنها القاسية مثل الحجارة، رغما عنها تستشف في حركاته حنان و رقة لا مثيل لهما... لا تعرف كم مرّ من الوقت وهما على هذه الوضعية، يمسدها بهذه الدقة و اللطف، توثر عضلاتها خف لكنه لم ينقضي تماما:
" هل وجدت إسما للصغيرة؟"
تركت عينيها مغمضتين وهي تهمس بصوت منخفض:
" أوزلام..."
أصابعه تصلبت قليلا على بشرتها لكنه لم يتوقف عن مسدها بنفس الخبرة الذيذة:
" إسم تركي؟"
وماذا توقع؟ أن تختار اسما بعيدا عن ملتها؟
" كنت قريبة جدا من جدتي و هي من أسمتني.... أوزلام اسمها و هو يعني الاشتياق... الا يعجبك؟!..."
" انه غريب... لا تنسي أنني إسباني... " كان صوته قريب جدا من أذنها لدرجة انه ملئها بالألاف من القشعريرة في سائر بشرتها، استعادت رباطة جأشها و ابتعدت قليلا عن فمه وهي تصحح له ببعض العناد:
"اسباني عربي الجذور..."
" كان هذا منذ قرون مضت..." تمتم متهكما.
" غريب كيف أن تصرفاتك شرقية ..."
" لست غربي كفاية لمزاجك؟"
" أنت لست غربي بتاتا..."
انطلقت ضحكة طفيفة منه و صفعتها أنفاسه المعطرة برائحته الخاصة مجددا لتخلق العواصف بداخلها، رائحة خوسيه مارتينيز المألوفة تُسكرها تماما و تجعلها في حالة ثمالة استثنائية:
" هل هو ذم أو مدح؟!"
" تدخل في حوارات كبريتية!..."
" أثوق فحسب لمعرفة رئيك في شرقيتي!"
ابتسمت رغم حذرها، كان مستمرا في دلك ظهرها و جلب الراحة التامة لعضلاتها، لكن انفاسه أقرب هذه المرة من عنقها، هل سيُقبلها؟:
" القائمة طويلة جدا خوسيه... يلزمنا يوما كاملا للشرح و بدون هذه الانقباضات..."
لم يجبها، توقف عن مسدها و دعاها للتمدد ثم وضع وسادة تحت ظهرها، التدليك ساعدها على الاسترخاء، لكن الانقباضات ما تزال غير منتظمة، انحنى عليها ليبعد شعرها عن جبينها:
" سأجهز لك شرابا يساعدك في الاسترخاء..."
" أنت لطيف جدا و هذا يُرعبني..." قالت متنهذة.
" لن أقوم بإبتلاعك فلا تقلقي... أثوق لرؤية التوأمين سالمين"
حتى وهو بمزاج معتدل لا ينفك عن رمي إبره الواخزة نحوها، راقبته يخطو بقامته الجليلة و يختفي في المطبخ الصغير، تذكرت تلك الليلة التي زارها ليلا و سامرها و كان أيضا مهتما و لطيفا، أم أنه يهيئ فحسب أرضه!؟ سيصير أبا قريبا جدا، فمالذي يهيئه لها يا ترى؟! مسحت على بطنها التي ترفض قطعا الاسترخاء، مازالت قاسية مثل الصخر، بالرغم من عيشها حمل هانئ الا ان الأشهر الأخيرة صعبة للغاية و هي تثوق للولادة و أخد طفليها بين ذراعيها... لن تحمل مجددا هي متأكدة.
" صنعت لك مشروب المريمية، انه رائع جدا في تهدئة التشنجات"
ساعدها على الجلوس ووضع مجددا الوسادة خلف ظهرها، كان متيقظا لأقل تفصيل، أمسكت بالفنجان الفورا و شمت رائحته المعطرة:
" منذ متى أصبحت على دراية بما تحتاجه المرأة الحامل؟؟"
"تغيرت ميولاتي مؤخرا و أطلعت على الكثير من مجلات الحوامل و الرضع... و أتذكر بضع تفاصيل مهمة... " فسر لها و هو يجلس على حاشية السرير قربها ثم يضع يده على البطن الكبيرة أمامها و يتطلع اليه ببعض التملك و الانبهار.
بما يفكر يا ترى؟ بإكتفاء الذكوري لأن مشروعه نجح؟! يضع يده على انجازه العظيم... هذه الحركة المتسلطة أشعرتها بالخوف، وبدلًا من النضال كما كان متوقعًا ، سمحت لنفسها بتحسس دفئه، كان عليها أن تبذل جهداً خارقاً لإخماد نفحة الرغبة التي هاجمتها، لابد أنه شعر أيضا بالتوثر الكهربائي الذي تطاير بينهما، الرغبة المحمومة التي أشعلت حواسها تراجعت تدريجيًا لتتشابك مع مشاعر متناقضة ...في اضطرابها الخاص ... أدركت فجأة أن التوعكات توقفت تحت ملمس يده.
" سأبقى الليلة معك ! أنوي دعمك قليلا... لا أعرف ما يمكنني تقديمه أكثر من البقاء بجانبك"
المريمرية أتت بمفعولها و شعرت بالنوم يتسلل اليها، لم تعترض على بقائه، لا تنوي خضوع هذه التجربة الإستثنائية و الفريدة من نوعها بمفردها، يمكنه البقاء لأنهما شريكين في حملها، عموما تعرف بأنه لن يتحرش بها، و من سيفعل مع بقرة مثلها؟ ربما كان يستعد لمناقشة ساخنة بعد رفض قاطع ، ولم يحذث شيء مما تهيأ له، تمددت على جنبها تبحث عن الوضعية الأكثر راحة، وضع الأغطية عليها قائلا:
" خف الألم؟"
" أممم... أفضل الآن.. أرغب بالنوم أنا مرهقة..."
شعرت به يتمدد خلفها، قريبا جدا منها دون ان يستعمل الأغطية التي وضعها عليها، يده على شعرها يمسده بلطف:
" نامي جيدا 'كوراسون'... سأكون هنا بجانبك ان إحتجت شيئا..."
ظنت أن النوم سيصعب عليها تذوقه بهذا القرب الشديد الا ان العكس ما حذث، شعرت بالراحة لدعمه اياها و مساندتها، غرقت فورا في النوم مستغلة استرخاء جسدها بالتدليك و المشروب.
كانت الساعة قد تجاوزت الثالثة صباحا عندما اسيقظت على آلام جديدة، جسد خوسيه يلتصق بظهرها، يده على بطنها، كان تنفسه رتيبا ... يبدو أنه غارق في النوم، لا تتذكر متى التصق أو حتى أصبحا بهذه الحميمية و القرب، رغم تشنجاتها لم تمنع نفسها من الشعور بالنشوة اللطيفة التي إجتاحتها، أبقت نظراتها أمامها، في العتمة الضئيلة، نهايتهما تقترب، سينتهي كل شيء ما ان تضع الطفلين، و ستتعافى من أزمتها العاطفية ومواصلة حياتها على الرغم من أن معظمنا يعلم أن نهاية العلاقة الجادة الأولى تكون في الغالب الأكثر صعوبة ، فإن اجتياز الأمتحان يعد أحد أفضل الدروس التي يمكنك تعلمها في الحياة، لن تنكر أبدا بأن خوسيه لم يكن فقط علاقتها الجسدية الأولى، هناك كمية مشاعر و أحاسيس حصدتها مع الوقت، لكنها تعرف طبيعتها، ستنسى الموضوع لأنها تعرف بأن لا مستقبل حقيقي لهما... انهما متناقضان و بشدة.
بدأت بعملية التنفُّس العميق مع زفير بطيء لمساعدتها على الاسترخاء في بداية ونهاية التقلُّص، لكن شيء آخر حذث، شعرت بنزول سائل منها، وضعت يدها فورا بين فخديها لتكتشف انها مبللة تماما.
" خوسيه... خوسيه...." لم تحتاج لهزهزته أكثر لأنه استجاب فورا:" أظنني فقدت السائل الأمنيوسي"
في لحظة أصبح أمامها، تمت الاجابة على شكوكها، كان ينام بكامل ملابسه لحسن حظها، رغم اضطرابها في هذه اللحظة الا ان جانبها الواعي يلتقط كل التفاصيل الصغيرة و الكبيرة... حاولت تهدئة نفسها، انها بعيدة جدا عن موعد الولادة الطبيعية، و تم تحديد موعد الولادة القيصرية بعد ثلاثة أيام و عليها الا تفزع و ان تحتفظ بكل هدوئها لأنها مسؤولة عن الحياة بداخل رحمها.
" علامة أكيدة للتوجه للمستشفى فورا؟" سألها بقلق.
" يبدو أنك بحتث جيدا في الموضوع..." ابتسمت له من خلال شحوبها:" هل ستأخدني بالسيارة أم تتصل بسيارة الاسعاف؟"
" قد يأخد وقت الإتصال بالإسعاف...."
قاطعته وهي تضع يدها على يده لتهدئه... كان يرتجف:
" خوسيه.... اهدأ....تحذث الولادة غالباً خلال 24 ساعة من نزول السائل... لن أنجب فورا... "
يحاول التحكم في انفعالاته، عموما المستشفى ليست بعيدة جدا، يمكنهما الذهاب في السيارة فلا داعي لإستدعاء الإسعاف.
" حسنا حبيبتي... ماذا يجدر بنا أخده ؟؟"
هل وعي بأنه ناداها بحبيبتي؟لم يكن معتادًا على الإدلاء بتصريحات ذات نغمات عاطفية... بدون شك... هذا نتيجة الانفعالات... لا ينفك عن إظهار علامات المودة و الدعم .
" محفظة الطفلين و أغراضي كلها جاهزة سلفا ... حاليا ساعدني في استبدال ملابسي"
عندما تطلب امرأة من رجل مثل خوسيه بمساعدتها فهي تجهل حقا ما ينتظرها، هذا الأخير قام بتنظيف كل انش من جسمها بالمطهرات، مهووس النظافة و الدقة الامنتهية وضع اهتماماته الجنسية جانبا و تصرف كزوج حنون و مهتم بزوجته، البسها فستان حوامل و تمكن حتى من تسريح شعرها على شكل ظفيرة.
" انت مليئ بالمفاجأت..."
ابتسم ابتسامة مقتضبة... رباه... كان يموت من القلق، لا يبدو بخير، لم تره يوما أقل ثقة في نفسه كما هي اللحظة، كم تمنت لو تمد يدها و تمسح هذه التكشيرة التي أظلمت وسامته.
" يمكنني تعلم أشياء اظافية لإبهارك كوراسون... هل أنت جاهزة؟ يمكننا الذهاب الأن؟"
هزت رأسها:
" لا تنسى أغراضي و أغراض التوأمين..."
" لا تقلقي سيأتي بكل شيء السائق... آه لحظة..." أخرج هاتفه و بدأ يضغط على لوحته الديجيتال قبل أن يسألها:" هل لديك تقلصات اللحظة؟؟"
" نعم..." ثم القت نظرة فضولية على هاتفه." ماذا تفعل؟"
" انه تطبيق خاص ...سيسمح لنا هذا التطبيق بمتابعة تقدم تقلصاتك بدقة ، من حيث المدة والتكرار والشدة ، سواء قبل الولادة أو أثناء المخاض..."
اتسعت عينيها بدهشة:
" لم تترك شيء للصدفة..."
" كلا حبيبتي... لا أحب ترك شيء للصدفة..."
* * *
كان الضباب كثيفا في هذه المنطقة من الجزيرة و في فصل الشتاء يزداد حدة، اقتربت أعياد الميلاد، و الأحياء مزينة بأجمل الحلاّت، بالكاد ترى الأضواء الملونة من خلال الضباب الذي حجب الرؤية، لكنها يمكنها تميز قامة روكو مع بقية الرجال على الساحل، تجهل ما يفعله الجميع هنا، ثمة شيء مريب يحذث، لأنهم متجمهرون و يتكلمون بصوت منخفض، تعرف بأنه سينفجر من الغضب ان اقتربت منهم، هو الذي يتركها دوما على حياد أعماله الخطرة، وقع خطواتها أثارت الانتباه وهز الجميع نظراته نحوها، تفهم الأن على ما يتجمهر الكل، تعرفت فورا على يانيس ايميليانو، كان يرتدي بدلة قاتمة، وليس هذا ما اثار انتباهها، يديه... يديه ملوتثين بالدم و يحملان سلاحا، و كأنه أتى فورا على تصفية أحدهم:
" تراجعي..." صرخ بها روكو.
قبل ان تفقه للخطر صوب والده السلاح نحوها و انطلقت الرصاصة.
" لا..." شعرت بريانا برئتيها تحرقانها من فرط الصرخة التي مزقت المكان.
انتبهت الى أنها في سريرها، النافدة تطل على سماء مظلمة، أنفاسها العالية تمزق السكون المخيم حولها، مدت يدها نحو الوسادة قربها و اكتشفت مكان روكو فارغا، الساعة لم تتجاوز الخامسة صباحا، وضعت يدها على صدرها تحاول التحكم في أنفاسها المضطربة و ضربات قلبها العالية، الكوابيس تزداد حدة مؤخرا، يترأسها بالتأكيد يانيس الذي ينتهي به الأمر بقتلها أو قتل روكو، هذه الليلة كان دورها، التقطت الروب و ارتدته على قميص نومها و ادلفت قدميها في الخفين قبل أن تقرر الذهاب للبحث عن الرجل الذي تتسبب حمايته فيها كل هذا الاضطراب، لاتعرف ما أخرجه من السرير في هذا الوقت المبكر، لكن وقبل أن تقترب من الباب فتح هذا الأخير و ظهر رجل حياتها.
شعرت بالراحة لرؤيته سالما، كان شعره الكثيف مبلل من الدوش الذي اتى على أخده، يرتدي سلفا بدلته الرسمية التي ينوي استقبال يومه بها، رباه كم تكره هذه البدلات.
" سمعت صراخك؟؟ هل أنت بخير؟؟" دنى منها ليأخدها بين ذراعيه.شمت فيه رائحة السيادة و السلطة و السطوة و القوة مما جعل جسدها يتكمش أكثر، حقيقة مريبة على انها خطيبة رجل استثنائي و لا يشبه غيره في شيئ " ما الأمر كارا؟؟ "
هزت عينيها نحوه، كان يبدو قلقا بصدق، يديه تأخدان وجهها بحنوه المعتاد، هذا هو روكو، مزيج من النار و الماء، حنانه في كل مرّة يسلبها مقاومتها.
" رأيت كابوس..."
" لو كان هذا الكابوس رجلا لأشبعته ضربا" كان يمزح ليبعد عنها الرعب الذي أحسته قبل قليل.
لكن لا رغبة لها بالضحك، حياتها تتخد منحنى خطر جدا يرعبها، و روكو يزداد انغلاقا على أسراره، في الماضي كان يتقاسم معها بضع أمور، اليوم أصبح متكثما و غامضا بشكل لا يطاق.
" لما أنت مبكر؟؟ الى أين تنوي الذهاب؟"
" لدي فطور عمل في روما..." شرح لها بلطف وهو يعدّل خصلات شعرها.." لا تنسي أن تجهزي نفسك اليوم كي نسافر غدا الى التايلاند"
و يعود لأسطوانة نفسها...
" سبق و أخبرتك بأنها فترة العيد و انني مشغولة جدا بعملي و يتعدّر علي مرافقتك روكو..."
انغلقت ملامح وجهه الوسيمة، لا يبدو سعيدا بهذا التملص، لكنه في كل مرة يحاول حط عملها في خانة الغير ضروريات، هذا العمل الذي انقذها من الجنون بينما يتخلى الجميع عليها في الماضي:
" أخبرني عن هذا الفطور؟؟ مع من ستجتمع؟؟ أعمالك التي أعرفها أم الأخرى التي لا أعرفها...؟"
" أرى بأن الكابوس أفسد مزاجك..." تمتم بصوت ناشف.
" لا علاقة للكابوس بما يحذث مؤخرا في حياتنا روكو... أنت تخفي أمور و أنا منزعجة من غموضك، ظننت أننا شريكان في كل شيئ..."
" نحن كذلك ..." و عاد لعادته في اغرائها بالكلمات المعسولة، أخد وجهها مجددا بين يديه و غاص في عينيها بنظراته التي تخترقها حتى الأعماق:" أنت شريكتي و خطيبتي و المرأة التي أنوي الزواج بها قريبا... أؤكد لك بأنني سأسافر مع اليخاندرو لبضع تسويات عملية متعلقة بمشروع اغريجينتو..."
الشيئ الذي هي متأكدة منه أن روكو لا يكذب أبدا و أنه أشد الرجال نزاهة عرفتهم في حياتها، يمكنها الوثوق به بأعين مغمضة، و ان قال بأن لديه فطور عمل فهو صادق، لكنه لا يتوقف عن قذف الكرة كلما سألته عن ذلك اليوم الذي خرج فيه متسلحا من البيت.
" عودي للنوم 'كارا' فالوقت باكر على ذهابك للمكتب"
" لا يمكنني العودة للنوم و من الأفضل أن أهيئ نفسي " لابد انه لاحظ برودها لكنه لم يعلق عليه، انه على عجلة من أمره بالتأكيد لا ينوي تضييعه في النقاشات الغير مجدية برئيه.
" هل أخبرتك كم أنا محظوظ بك؟؟" سألها بحيوية شاملة وهو يقبلها بإثارة:" سأكون هنا قبل المساء، يمكننا تناول العشاء خارجا ما رئيك؟؟"
لم تجبه بالكلمات، اكتفت بهز رأسها، بقي يحملق اليها و كأنه يرغب بسبر غورها سمعته يتنهذ بعمق و يقبلها للمرة الأخيرة ثم يرحل.
بعد أن أخدت حمام طويل لتزيل به توثرها ، التفت وسط منشفة عملاقة و قصدت الخزانة الشاسعة التي تتقاسمها مع صاحبها منذ ان انتقلت للعيش هنا، وهل كانت صائبة في هذا القرار الذي تحايل عليها به روكو؟؟ جلب والديها و كانت مضطرة لقبول ضيافته، و منذ ان عاد والديها الديار لم يمكنها مطلقا التراجع... بقيت للحظات تواجعه فساتينها المعلقة و العشرات من الطواقم الرسمية دون ان تراها، عقلها مبنج للغاية، انها بصدق مرهقة مما يحذث مؤخرا.
سقط اختيارها في النهاية على ثنورة سوداء و قميص مقلمة زرقاء شاحبة، قصدت الرفوف حيث أحذيتها و انتبهت الى الجوارير السفلية المنفرجة قليلا، انحنت لتغلقها و لاحظت انها تحوي سترات روكو الواقية للرصاص، جلست على ركبتيها و بعد عدة محاولات تمكنت من فتح الجارور على آخره و بقيت هنا.. بمواجهة روتين رجل حياتها، أغلب السترات مثقوبة، تعرض لهجوم ناري على ما يبدو... تأكدت وهي تتحسس هذه الاثار التي كان يمكن أن تأخد منها الرجل الذي قررت دخول حياته دون أن ترى عواقب اختياراتها.
أخرجت السترات المستعملة الواحدة تلو الأخرى و تفقدتها جيدا، تجهل متى استعملها أو الى اي وقت تعود هذه الطلقات، الا انها برهان على نوع الحياة التي يعيشها , حياة مليئة بالخوف و الخطر و الترقب... هل هذا حقا ما تريده؟؟ أن تعيش رعب الا يعود يوما الى البيت؟
" مالذي فعلته بنفسك بريانا؟؟!" تمتمت في حالة ذهول تامة وجلست أرضا قبل أن تمسك رأسها بين يديها.
هل حقا تأدت في الماضي؟؟ ما فعله بها ديميتريس أقل خطورة مما ينتظرها مع روكو، شتان بين الحالتين، لأنها بصدق تحب خطيبها كما لم تحب يوما في كل حياتها و لا تعرف بأي معجزة ستشتري هناء علاقتهما، هو الذي كان واضحا جدا بشأن بُعدها، أخبرها ببساطة الا خيار أمامها، و هي لا تريد الذهاب، بل تريده ان يتغير من أجلهما و من أجل الأطفال الذين تتمنى الحصول عليهم منه، في البداية بدت لها هذه الأمور بلا أهمية، لكن بتعمقها في حياته اختلفت لها الرؤية... لا شيئ مضمون ... و قد يسلبها القدر كل شيئ في لحظة... فهل هي مستعدة حقا لهذه المخاطرة؟ هل هي مستعدة لعيش أيام أخرى من السواد؟ و اي حياة ستتبقى لها ان فقدته في تلك الصراعات التي لا تعرف عنها شيئا؟ تلك المواجهات الدموية التي يبدو أنه يثقنها جيدا ... فليفخر يانيس بنفسه... غرس شوكته في وريثه قبل أن يختفي.
أمضت الساعات التالية ميكانيكيا، في العاشرة استلمت باقة زهور من روكو، باقة حمرء كبيرة أخدت جزء مهم على مكتبها، شكرته في رسالة موجزة و تلقت ردا رقيقا { عندما تغضبين مني أشعر بالسوء ... افهمي بأنك مرساتي، و لست مستعدا لخسارتك... أنت النور الذي ينير طريقي و يقودني نحو بر الأمان... }
قفزت الدموع الى عينيها لكنها لم ترد، تشعر بأنها وقعت في الفخ، بقيت تحملق في الفراغ غير واعية بنظرات مساعدتها باولينا المتفحصة، امضت جل وقتها بالتيبس و الابتعاد عن الحاضر الى أن أتت فترة بعد الظهر و لم تعود قادر على التظاهر أكثر بالعمل و الاسترخاء، تركت باولينا تهتم بمكتبها و صعدت الى شقتها التي هجرتها منذ أكثر من ستة أشهر بدل أن تعود الى قصر الايميليانو.
كم يبدو لها ذلك الوقت بعيدا، عندما تلتجئ لسكينة منزلها و تغلق عليها بابها و لا يشغل بالها سوى عملها، رمت بحقيبة يدها على الكنبة و تمشت نحو المطبخ لتخرج قنينة النبيذ و تسقي نفسها كأسا، كانت بحاجة ماسة للهروب من محيط روكو و ايجاد نفسها مجددا، رمت بجسمها على الكنبة و أغمضت عينيها تستريح مما تعرضت له طيلة اليوم من ضغط نفسي مريب، صورة الطلقات النارية المحفورة على البذات المستعملة لا تنفك من العودة لمخيلتها، تعترف بأنها في حالة صدمة و هي عاجزة عن أي تفكير صحيح... تمددت على الكنبة و توسدت ذراعها قبل أن تغرق في النوم الذي كانت في حاجة ماسة اليه.
* * *
لحظات الانتظار طويلة جدا و صعبة، منحته زوجته درسا في المقاومة و الصبر و القوة، طالما عهدها شرسة و مقاتلة و عنيدة، طالما عهدها مثابرة و لم تخيب ظنه حتى في هذه اللحظات التي يحسبها نقطة عالية في حياته، ليس من السهل مرافقتها في الألم، ومع ذلك ، يجد نفسه مندفعا للتخفيف عنها بكل الوسائل الممكنة،لم تخطئ آيا عندما أكدت له بأن الولادة لن تأتي مباشرة بعد الطلق، عقبتها ساعات طويلة من المخاض، القابلة تجد أن وضع الأجنة طبيعي و ستلد زوجته ولادة المهبلية بدل العملية القيصرية، كل شيء جديد بالنسبة اليهما، يعيشان كل لحظة بإنبهار أكبر، نصحتهما القابلة بالتعثر مطولا في الممرات، على حد قولها هذا يساعد بفتح عنق الرحم، كانت تتوقف آيا في مكانها كلما هاجمتها انقباضة جديدة، و يسارع بتذكيرها بعملية التنفس الصحيحة لإجتيازها، يظن أحيانا أنه يبالغ مما يدفع زوجته لتنفجر في الضحك من بعد كل دموع الألم التي تذرفها، عندما تصل الولادة ، فقد فات الأوان للحصول على معلومات عملية عن الحمل. لهذا قرأ الكثير قبل أن يقترب من هذا الحدث العظيم. لا تسير الولادة دائمًا كما هو مخطط لها ، هو الذي ظن أن الموضوع سيقتصر على عملية يجد نفسه يعيش أجمل ما قد عاشه طيلة حياته، تركا خلافاتهما كلها جانبا و ركزّا فقط على هذه اللحظات الاستثنائية...المشي والجلوس على الكرة التي تساعد في استعجال الولادة... و الضحك و التهكم و البكاء و التألم و أيضا الكثير من صور السيلفي الملتقطة، آيا تنوي ترسيخ هذه اللحظات الى الأبد.
عائلة آيا وصلت في الصباح الى المستشفى و بقيوا لثلاث ساعات قبل أن تطلب منهم هذه الأخيرة الرحيل لأن 'إيفوا' لا يناسبه جو المستشفى، دانيلا أتت الى المستشفى بالأغراض المطلوبة و بقيت معهما ساعة قبل أن ترحل بدورها!
" هل أنت جائعة؟ لم تتناولي شيئا ؟" سألها بينما يعودان الى غرفتها الطبية.
" لست جائعة..." ساعدها بالجلوس على السرير، شعر بالعجز بينما يراها تتلوى مجددا تحت ضغط انقباضة جديدة." أنت أيضا لم تبلع شيئا منذ مجيئنا... لن تنقلب الأرض ان غبت قليلا ، لذا إذهب للكافتيريا و أطلب وجبة..."
" لا أتناول الأطعمة الجاهزة... كما أنني لست جائعا... سأكتفي بقهوة... هل انت متأكدة لا ترغبين بشيء؟"
هزت رأسها و ابتسمت شاكرة:
" إذهب خوسيه... لكن ابعث لي القابلة أرجوك.."
في الرواق حيث ماكينة القهوة أرسل القابلة لزوجته و ركب رقم روكو، هذا الأخير ردّ على الفور و سأله بلهفة:
" أصبحت أبا؟؟"
" ليس بعد... المسألة أطول مما اعتقدت... أتصل كي آخد أخبار سيزار..."
" توفي 'سيفيرانو' في الصباح الباكر و سيزار مع زوجته لذا لا يرد على أحد... "
توقع هذا بالتأكيد، كانت فحسب مسألة وقت:
" سأحاول التواصل معه لاحقا... أخبره أن يوصل خالص تعازي لزوجته..."
عندما أغلق الخط انهى قهوته بسرعة ثم عاد الى غرفة آيا، هذه الأخيرة كانت تبكي مجددا من الألم، القابلة تمسك بيدها و تهمس لها بكلمات مشجعة.
" الا يمكنكم منحها شيئ لتخفيف الألم؟"
" هناك التخدير فوق الجافية ... لكنها ترفضه..." شرحت له القابلة بنبرة أسف.
" لما ترفضين ؟" تدخل خوسيه وهو يجلس بالقرب منها و يمسك بيدها:" حبيبتي أنظري الي... انهم يعرفون عملهم، و بما انه سبق ووافقت على هذه الاحتمالية..."
هزت رأسها بالنفي:
" أنت لا تفهم... ان تخدرت فلن أشعر بشيئ إطلاقا، و أنا متمسكة بعيش كل لحظة من المخاض..."
تعاطف بشدة مع هذه الكلمات، هذي هي آيا، المستعدة دوما لتقديم التضحيات لمن تحبهم، اليس من اجل 'ايفو' فعلت ما استطاعت لتؤمن المبلغ المطلوب من المال و خضوعه للعملية؟
التقط مناديل ورقية و بدأ بتجفيف وجهها من الدموع و العرق، كانت عينيها الرائعتين محمرّتين و رموشها المبللة تمنحها مظهر طفولي و بريئ للغاية، شيئ ما بداخله انفجر، شيئ لم يشعر به من قبل، لم يكن التعاطف و لا الشفقة، شيئ أقوى و أكبر... شيئ يشبه العاصفة التي لا يعلم من أين مصدرها و تجرف معها كل ما في طريقها.
" أنا آسف..."
" لماذا تعتذر؟" سألته بصوت متكسر و هش.
" لأنه لا يمكنني تقاسم هذه الألام معك..."
يبدو أن كلامه يسعدها، مدت له يدها و التقطها قبل أن يقبلها بحراره:
" يكفي انك هنا... سنرزق قريبا بأجمل طفلين و سننسى هذه الساعات الطويلة من الألم..." ابتسمت له ابتسامة صغيرة:" هل يمكنك تدليك ظهري مجددا؟ أشعرني هذا بتحسن شديد بالأمس..."
" كل ما تريدين كوراسون... كل ما تريدين"
كان هناك آلة مراقبة على بطنها من أجل متابعة الانقباضات (الشدة ، والمدة ، والتباعد ، وما إلى ذلك) ودقات قلب طفلين، كان سعيد بأن يقوم لها بهذه الخدمة و ان يساعدها ولو قليلا، كانت الانقباضات تتقارب بشدة و استعملت عدة مرات يده كوسيلة للتخفيف من آلامها، عندما عادت القابلة هذه المرة و فحصت عنق الرحم أخبرتها أن موعد الولادة قد حان، في خلال دقائق التحق بهم طبيبة نسائين و بضع ممرضات و القابلات ا و تم تجهيز آيا التي أمسكت بيده:
" لا تذهب..."
" لن أذهب..." أكد لها برقة وهو يقبل جبينها:" سأبقى هنا حتى النهاية..."
هذا كل شيء ، سيتمكن قريبًا من احتضان طفليه ! مرحلة الطرد التي لا تستغرق عادة أكثر من دقائق ، يمكنه رؤية الوجهين الذين انتظرهما طويلا.
" عندما تشعرين برغبة في الدفع ادفعي... ليس حنجرتك لكن بعضلات بطنك..." سمع الطبيبة المشرفة تشرح لأيا بصوت لطيف.
و كم كانت شجاعة و كم كان فخورا بها، كان معها في كل لحظة و لم تفارق يدها يده، كانت تضغط بعمق التنفس تماما كما يُطلب منها:
" أرى قمة الرأس... !" شجعتها الطبيبة بعد دقائق" أنت جيدة جدا استمري..."
في حالة الولادة التوائم طبيعيا، فإن ولادة الطفل الأول تطابق ولادة طفل واحد. ومع ذلك ، يتم مراقبة كلا الرضيعين أثناء الولادة ، وإذا أظهر التوأم الثاني علامات معاناة ، يتم تسريع خروج الطفل الأول (استخدام الملقط) كما سبق و اطلع عليه في الكتب.
" الرأس هنا... توقفي عن الدفع..."
رآى يديها تمسكان بالجسد الصغير بينما الطبيبة تضحك بتسلية:
" الرجل نسي مقولة الأولية للنساء وترك أخته خلفه... تنسى اللباقة أيها الصبي"
" Dios..." هذا ما نطق به خوسيه بينما يرى ابنه للمرة الأولى وهي تحطه الطبيبة على صدر آيا... المشهد لا واقعي لدرجة انه سمر مكانه، كانت مشاعره قوية و لم يتمكن من التحرك أو حتى التنفس، العالم توقف عند هذه النقطة، كل الأصوات تبخرت، يعترف بأنه لم يجهز نفسه جيدا لهذا اللقاء العجيب، فالصورة في رأسه لم تكن واضحة و هاهي تتجسد أمامه، أجمل اللقاءات على الإطلاق، كان الجسد الصغير ورديا، الشعر الكثيف الاسود ملتصق بالرأس الصغير، قطعة من قلبه ممدة أمامه و تبدأ فورا بالبكاء... بكاء اجش و غريب اخترق صدره مثل السهم... رباه... هذا الشيء هو له... انه طفله... يصدمه رؤيته صغيرا لهذا الحد فهو لا دراية له بالأطفال.
" هيا ايها الصغير اسمعنا صوتك أكثر..." قالت الممرضة و هي تمسح جسده بمنشفة قبل أن تأخده مجددا من حظن آيا التي رفضت تحريره" يجب أن انظفه و اقوم بوزنه لا تخافي سأعيده اليك..."
" هيا سيدتي... " نبهت الطبيبة ايا التي كانت بعيدة عن انهاء عملها:" هناك من يريد التعرف أيضا على والديه..."
إخراج الطفلة كان مؤلما أكثر لها، سلبها كل طاقتها و رآها تستسلم و تتوقف عن متابعة تعليمات الطاقم الطبي، كانوا يراقبون ضغطها، يحاولون تحفيزها أكثر بمنحها مقويات، مما اضطرهم في النهاية لتخديرها كي يتمموا مناوراتهم داخل رحمها، ولادة التوائم أطول من الولادة طبيعية و هذا لم يحسب له حسابا، سيسمح التخدير بعدم المعاناة خلال هذا الماراثون الحقيقي، تسائل خوسيه عن كيفية حرمانها منهما بعد كل ما عاشه معها من حرب شرسة؟ لها الأحقية أكثر منه وهو ليس وحشا... لقد عانت بشدة بينما هو هنا واقفا، متفرجا كبقية افراد الفريق الطبي... وهذا يحبطه.
انه مرهق نفسيا لدرجة أنه يشعر بأنه على وشك الأنفجار، كان خائف على صحة آيا، على الطفلة التي يبدو أنها تعاني مشاكل ما، أخيرا أطلت ابنتهما بأنفها، عكس شقيقها فلم يكن لديها شعر و لم تكن وردية بل زرقاء، و أيضا لم تصرخ مثله، من بين الوعي و الاوعي تردد صوت زوجته قلقا على الصغيرة، كانت أقل وزنا من شقيقها و تحتاج لفحص فوري، احتاج لكل صبره و رباطة جأشه كي ينتظر نتيجة مناورات الطاقم الطبي مع صغيرته... كانت بين يدي طبيب أطفال:
" ما بها خوسيه؟؟ مابها؟ لما لم تصرخ"
" ستكون بخير لا تقلقي..." كم يتمنى ان يكون مؤمنا أكثر في كلامه:" قمتي بعمل رائع حبيبتي و أنا فخور بك"
لكن شيء آخر يحذث، وجد القابلات و الطبيب النسائي يقومون بجهوذهم في افراغ رحم زوجته، الشيء الذي يشوش جهاز الضغط و ضربات القلب، القلق صلبه بشدة و ترآت له فجأة اليونور من بين الحشوذ... كانت تقف خلف الأطباء، تنظر مباشرة الى آيا، ثم ابتسمت ابتسامة سيئة وقالت:
" انها تفقد دمها... انت تدمر كل ما تلمسه خوسيه..."
خرج من حالة الالتباس عندما شعر بيد تشد على ذراعه وتهزه:
" عليك الخروج من هنا..."
" كلا... لن أتركها مالذي يحذث بحق الجحيم؟" القى نظرة الى آيا، هذه الأخيرة بدت و كأنها تجاهذ كي لا تفقد وعيها :" مالذي يحذث؟"
قادته الممرض خارجا و اغلقت الباب خلفها:
" ولادة التوائم تمثل على وجه الخصوص خطرًا أعلى للنزيف ، وذلك لأن الرحم منتفخ جدًا. غالبًا ما يتم توجيه الولادة (طرد المشيمة) (بسبب حقن دواء لتقلص الرحم). و الان يقوم أخصائي أمراض النساء والتوليد بإجراء عملية تسليم مصطنعة أو مراجعة الرحم... التوأمين سيكونان في قسم الأطفال المبكري الولادة، يمكنك رؤيتهما ان رغبت بعد ان ينهي الطبيب فحصهما..."
" ما هي الصعوبات التي تعرضت لها الطفلة... أقصد إبنتي...!؟"
" مشكلة في التنفس لكن الوضع تمت السيطرة عليه... كن صبورا فالاطباء يهتمون بزوجتك"
يكون صبورا؟؟ هو سينفجر ان بقي تحت هذا الضغط، لاشيئ مرّ كما خطط له الأطباء و هو يواجه حقيقة ان تنتهي الأمور بشكل مريع... رنّ هاتفه و كانت دانيلا، بقي ينظر الى شاشة هاتفه قبل أن يغلقه و يدسه في جيب بنطاله، لا يريد تقاسم رعبه مع أحد لسيما معها، انها حساسة للغاية و ابدت قلقها كل الوقت، انه بحاجة لتنفس هواء جديد، بعيدا عن روائح المعطرات و الأدوية، لكنه عاجز عن الابتعاد بينما آيا { المصابة بنزيف بسبب علق المشيمة} تتأرجح بين الحياة و الموت!
عادت الممرضة لتخبره بأنه يمكنه رؤية ابنيه و بأنهما جاهزين لذلك، في الغرفة المعقمة كانا الصغيرين وسط صناديق زجاجية تقيهما من أي نوع من العدوى، انهما صغيرين جدا، دنى أكثر من صندوق صاحب الملاءة الوردية، طفلته مستلقية على ظهرها، مزودة بالأوكسجين، تخلصت من لونها الأزرق وصارت وردية مثل بقية المولودين في المكان:
" هل اخترتما للصغيرين أسما..." سألته الممرضة بمهنية في الوقت نفسه الذي انتبه الى أن سوار التعريف في قدم الصغيرة يحمل شهرة المارتينيز لا غير.
" نعم...أوزلام..." شرح خوسيه بصوت منحفض:" أوزلام آيا مارتينيز..."
تستحق البطلة الحقيقية ان يتم اضافة اسمها كإسم ثاني اليس كذلك؟ أخدت الممرضة سوار تعريف جديد و كتبت فيه الاسم كاملا قبل ان تستبدله بالأول و تعطيه اياه.
" لا بد أنك تنوي الإحتفاظ بهذا..." التقطه منها و بلا شعور وضعه تحت انفه ليشم رائحة إبنته الطفولية:" حان دور الصبي..."
" المادو خوسيه مارتينيز..." و تبعها نحو الصندوق التالي، كان الصغير أقوى بنية من شقيقته، بصمة المارتينيز واضحة الملامح عليه، شعر كثيف أسود، لم يكن مزودا بالأوكسجين :" هو لا يعاني شيئ؟"
" كلا... لا تقلق سيدي ما ان يجتازا سنتهما الأولى حتى تجهل من منهما كان ناقص الوزن... هذه المرحلة هي الأكثر حساسية... الطبيب سيشرح لك الوضع بعد عودته من غرفة العمليات..."
عاد الى الرواق في الوقت نفسه الذي خرج فيه الطاقم الطبي، تم السيطرة على نزيف آيا و تم ايصالها بأكياس من الدم، شعر بالراحة لدرجة انه لم يستطع منع الدموع التي تصاعدت الى مقلتيه، تمكن الارهاق النفسي من سلبه كل قوته، مشاعره أخدت زمام الأمور:
" هل يمكنني رؤيتها؟"
" نعم يمكنك... انها تطلبك..." قال الطبيب مبتسما قبل ان يتمموا طريقهم مبتعدين في الرواق.
في الداخل تم تطهير الغرفة و حتى تغيير ملابس الأم الجديدة، كانت شاحبة جدا، منظرها يثير الرعب لكل من يراها، ساعات العمل الأخيرة تركت أثارها الواضحة على محياها، مدت يدها نحوه، أنبوب الاوكسجين مرتبط بأنفها:
" هل رأيتهما؟؟ هل هما بخير؟"
" بأحسن حال فلا تقلقي... أوزلام تشبهك..." جلس بالقرب منها و أخرج هاتفه ليريها الصور التي التقطها لهما من كل الجوانب:" لن يكفيني العمر لشكرك بمنحي اياهما..."
التقطت الهاتف، تتفرس في الصور وهي ترد عليه بغصة:
" لا أمنحهما لك خوسيه... إنهما طفلاي ايضا و لا أنوي التخلي لك عنهما..."
صوتها رغم هشاشته يبدو قويا و واثقا ، انها تقصد كل كلمة تقولها و يعرف بأنها ستقاتله الى آخر نبض، فليس هو من واجه الموت من أجلهما، هي من غامرت بحياتها حتى انها رفضت التخدير و قاست عذاب المخاض بشجاعة جندي مغمور، انه ينوي عيش حياة وادعة و رغدة مع ثلاثتهم، لا خطط له بإبعادها... عبثه و دلاله يبدو باهتا أمام صورة العائلة الحقيقة التي ترتسم أمام عينيه:
" انهما رائعين... انهما معجزتنا خوسيه..." كانت تبتسم من قلبها و تبدو سعيدة بالرغم من أن شخص آخر مكانها كان لينام فورا بعد المجهوذات الجسدية التي قام بها:" تقول انها تشبهني؟؟ بل تشبهك... الاثنين يشبهانك...هل أعلمت عائلتي بشأن ولادتي؟؟ هل أحطت سيسيليا و دانيلا علما؟"
" سوف أفعل 'آيا'... لكنني لن أقبل أن يأتي أحد لرؤيتك حاليا... عليك النوم و استعادة قواك.."
لم تناقشه في هذا الاقتراح، رآها تنزلق ببطئ نحو النوم، بقي الى جانبها الى أن بدأ انفها الجميل بطلق الصوت المميز الذي تعود عليه... حينها فقط... أرسل رسالة مشتركة لأصدقائه.
{ أصبحت أبا... و التجربة مثيرة و مرعبة في الوقت نفسه، يمكنني أن أؤكد لكم بأنه شعور مختلف و قوي... انها المرة الأولى التي أشعر فيها بوحش الحماية و بأنني مستعد للتضحية بنفسي لحماية أحد... المادو خوسيه و أوزلام آيا مارتينيز... انهما رائعين... ملاحظة: برئي الطبيب الصغيرة ليست صلعاء لكنها ستكون شقراء مستقبلا و ان سخر احدكم منها سأقوم بقتله...}
أرفق الرسالة بصور للتوأمين و تلقى الرد الفوري من داركو{ ابنتك جميلة... أحجزها لنيكولاي... كل تهانينا القلبية لك و للأم الجديدة ... قمتما بعمل رائع}
رسالة من اليخاندرو:
{ الأبوة تناسبك... إنهما رائعين... اتمنى ان تكون 'آيا' بخير، مرر لها تحياتي الحارّة }
ابتسامته أختفت ببطئ بينما وخزته الغيرة وهو يلقي نظرة على الأم الجديدة الغارقة في النوم، مزودة بالاوكسجين و الدم... اول ما تبادر لذهنه ما ستكون عليه ردة فعلها بهذه الرسالة...هل مازالت مغرمة به؟ ما زال يستحوذ على قلبها؟ الم تخبره ذلك الصباح بأنها ستحبه دوما... بالاشيئ سيمنعها من حمل مشاعر له! وهو هل سيتأقلم مع وجود ظل بينهما بينما ينوي الحفاظ على عائلته مجتمعة!؟ لا بالتأكيد... لا شيئ أسوأ من ان ينافس رجل قلب زوجة، لسيما أن يكون هذا الرجل صديق مقرب جدا و بمثابة فرد من العائلة.... ستتعدد اللقاءات و ستسمح الفرصة بإجتماع آيا بأليخاندرو... هل يريد هذا؟ أن يرى نظراتها الهائمة عليه و هذه الخيبة على وجهها بأنها فقدت فرصة أن تكون مع رجل تحبه حقا و ليس وحش أجبرها على الحمل منه بكل الطرق الممكنة...؟
أعلن الهاتف عن وصول رسالة جديدة من روكو:
{ المادو صورة مصغرة منك، سيكون سافلا بلا أدنى شك، سعيد لهذه الانباء الرائعة، أحتجز مسبقا دوري في حياته، سأكون عرّابه و لا أقبل اي اعتراض، تهانينا لكما ... }
رسالة سيزار أتت متأخرة:
{ تهانينا الحارة لكما روبي تسلم بشدة عليكما... التوأمين رائعين جدا توفقتما فيهما، فليكبرا في بركة الله و رعايته...}
* * *
لم يكن منزل 'فيرنا' بعيدا جدا عن المعصرة، تخلفت عن المجيئ اليوم للعمل و بالرغم من أنه أمضى نهاره في الرد على التقارير و العمل عن بعد الا أنه لا ينكر بأنه قلق بشدة على إختفائها، ما تعلمه من شخصيتها أنها امرأة صاحبة كلمة و لا يمكنها التخلف عن المجيئ ان لم يكن هناك عذر مقنع، المنزل من طابقين جميل عكس ما توقع، النباتات و الزهور تحيط بجذرانه و كأنه صورة من مجلة.
" دون سانتو...!"
استدار ليجد الصبي الكبير العينين، هذه المرة يرتدي حذاء مطاطي، و يبدو نظيف المظهر، لابد أنه أتى على أخد حمام.
" هل تبحث عن شيئ؟؟"
" فيرنا لم تمر على المعصرة اليوم...هل هي في البيت؟"
عموما سيارتها لم تكن هنا، القى نظرة من حوله متفقدا المكان، باحثا عنها في كل الأرجاء.
" ليست هنا سيدي... لا أظنها ستعود قريبا"
أقطب بعدم فهم:
" بيننا عمل... من غير الممكن أن تختفي دون اعلامي..."
رآى الصبي يهز كتفيه و كأن الموضوع برمته لا يهمه، من الأفضل ان يتكلم مع بالغ:
" والدك هنا؟"
" ليس هنا..."
" إسمعني أيها الصغير...لا تدفعني لفقدان صبري و أخبرني أين أجد فيرنا... أعتقد أن ثمة شيئ يحذث ولا ترغب بإخباري به !..."
بان التردد على وجهه، هذا الصغير، خلافا لعمره الا أنه يفكر مثل البالغين و يحذو حذرهم.
" فيرنا في مخفر الشرطة... والدي يحاول ايجاد طريقة لإخراجها..."
تلاقت حاجبيه الى أن حفرت خندقا بينهما، ان تورطت في شيئ فلا بد أن له علاقة بالعائلات التي تحاول حمايتها ، بعد ان حصل على المعلومات الكافية اتصل فورا بمتحريه، هذا الأخير طار منذ يومين الى فرنسا:
" جد لي فورا أكبر محامين كابري..."
" هل أنت في ورطة؟"
" أنت من سيكون في ورطة ان لم تفعل ما أريد..."
كما أخبره الصبي وجد والد فيرنا في مخفر الشرطة، و الأمر كما تكهنه تماما، فيرنا حاولت منع الشرطة من اقالة زوجين مما دفع الشرطة لحجزها هي ايضا، أخبرته الشرطة بأنها ستُعرض غدا على القاضي بتهمة التمرد و عدم احترام الحكم، لا يبدو أن والدها يحب طريقة عيش ابنته، كان حقا تعسا للوضع، صاحبة الشعر الطويل ترفض ان تكون دمية يحرك خيوطها النافذون، بالرغم من أن الأب يجهل ما يفعله في هذا المكان أو ما يدفعه للمجئ و مساندتهما في هذا الظرف.
" هل يمكنني رؤيتها؟" سأل سانتو رئيس الشرطة الذي هزّ رأسه بالموافقة بعد تردد قصير.
" من هنا..."
اقتاده الى مكتب منعزل و طلب منه الانتظار، ماهي الا لحظات حتى فتح الباب و ظهر الرجل و برفقته الجميلة، هذه الأخيرة لم تُخفي دهشتها برؤيته.
" 'دون سانتو'... لكن... مالذي تفعله في هنا ؟؟"
وقف ببطئ من مكانه، نظراته عليها، كان يبحث فيها ان تأدت مما حصل لها، ان كانت تحمل آثار اعتداء جسدي، لكنه لم يرى سوى عذاب عظيم في عمق نظراتها:
" تخلفتي عن المرور، و بما أنني اعرف بأنك صاحبة كلمة، قلقت بشأنك..."
بدى الأسف على وجهها، رآها تعرج نحو مقعد خالي بجانبه، و دون أن تتطلع اليه جلست عليه، عاد ليجلس على مقعده، عيناه مع ملامح وجهها البدائية الحسن:
" هل ستخبريني ما حذث بالضبط؟"
" فاطمة و عيسى من غينيا، يقيمان هنا منذ أربع سنوات، لم يتمكن زوجها من تجديد عقد العمل بسبب الحملة التي يشنها الكل على الغرباء، الشرطة تنوي ترحيلهم بينما أطفالهما في المدرسة... بدون عقد عمل هم مضطرون للرحيل..."شيئ تململ بقوة بداخله و هو يرى اليأس الذي زحف للنظرات الؤلؤية، كانت تعاني بشدة و تبدو تعسة حتى العضم:"البلد في حالة انحسار ديمغرافي، لا يبدو أن هناك من يهتم به في إيطاليا...الكل بحاجة لهؤلاء و لا أحد يهتم لمصيرهم... "
" هل حقا ضربتي شرطي؟؟" سألها بهدوء وهو يحاول التقاط نظراتها.
" كنا ضحية التعنيف الشرطي... لا أحد يحق له بإذلال أولائك الناس فقط لأنهم لا يحملون الجنسية الايطالية...و أنا... أشعر بالعجز... لا أعرف كيف أساعدهم... "
جاذبيتها لا تصدق،لا بد أن كل من قابلها قد شعر بنفس الشيء - هذا الجذب لحيويتها ودفئها. انه واحد فقط من العديد من الأقمار الصناعية التي تدور حولها ، تسعى إلى الاقتراب منها، ترك نظراته تنزلق على قسمات وجهها، عينيها، رموشها، خديها المرتفعتين، أرنبة أنفها، شفاهها الوردية، الخطوط الأنيقة لفكيها، رقبتها الطويلة حيث كثلة شعرها الكثيفة ترتاح على كتفها في ظفيرة- ربما أمضت وقتها في اللعب فيها- لأنها فقدت كل تسريحتها، مالذي لا يمكنه فعله من أجل هذه الحورية الذي أتى على التعرف اليها وقلبت حياته رأسا على عقب؟ من المستحيل على أي انسان الا يسارع لمد يد العون:
" اذن فالقانون الايطالي، يمنع تجديد أوراق الاقامة ان لم يكن هناك عقد عمل دائم؟"
" ليس دائم ..." سمعها تقول ببعض الصعوبة، كانت تحاول قمع دموعها:" عقود السنة تكون كافية في بعض الأحيان...منطق الدولة أو النطاق الوطني: يعمل البعض على نطاق محلي أو دون وطني ، حتى داخل المجتمع الإيطالي... كابري متشددة... "
" هل يمكننا الأن التركيز على حالتك؟ " سألها متوقعا تجاوبا.
" تظن بأنني أهتم لما يحذث لي؟! سأخرج بكفالة أعرف بينما هم.... حياتهم ستتدمر، عندما أرمي رجلي خارجا يكونون على مثن طائرة تعيدهم الى بلدهم.!.."
عم الصمت قليلا، ثنورتها السوداء متآكلة الحواشي، لابد أنها تمشت كثيرا اليوم، استيقضت فيه رغبة متوحشة من الحماية ، يشعر بأنه أصبح مسؤولا عليها، انه مستعد لكل شيئ كي لا يراها منهارة، هو الذي أطلق عليها لقب صاحبة الشعر الطويلة الدائمة الابتسام؟؟ اليوم حرمته هذه المتعة... و ينوي إدخال الفرحة الى قلبها:
" مالذي يمتهنه هذا الرجل بالضبط؟؟"
" في الفلاحة... أحيانا البناء، انه موهوب في كل شيء، لا أحد يرغب بتوظيف أسود البشرة..."
التقط أنفاسا و تجرأ بمد يده نحوها، شعر بالراحة لأنها تركته يأخد يدها في يده حيث ضغط عليها ببعض الدعم:
" اسمعي يا صاحبة القلب الكبير... سأوظف هذا الرجل اذا كان توظيفه يسعدك... عموما سبق و طلبت من والدك ان يجد لي من يتكفل بأراضي الزيتون و يهتم بها، و ايضا مدبرة المنزل، يمكن للزوجين الاقامة في المعصرة و الاهتمام بها خلال غيابي!..."
كان منظرها مسلي وهي تتطلع اليه بتلك الطريقة التي تذيب قلبه، كان يمنع نفسه بشدة من مد يده و تحسس هذه الوجنة التي تبدو حريرية الملمس.
" عفوا؟؟ هل... هل تقصد هذا حقا؟"
هز رأسه بالايجاب:
" أنا لا أمزح مطلقا عندما يتعلق الموضوع بالأعمال... لكن عليه أن يبرهن لي أنه جذير بالمهمة التي أنوي تسليمه اياها..."
مرت لحظات صمت، كانت تبحث في وجهه عما يكذب كلامه، و عندما تأكدت بأنه لا يمزح، انفجر وجهها بسعادة، كانت تشبه البدر في هذه اللحظة، تشبه الحياة ، تشبه أشعة الشمس التي تخترق ضباب يوم ماطر... تشبه براعم الحب و العشق المجنون.
" 'دون سانتو'.... أنت.... أنا لا أعرف ما أقول... أنت تنقذ عائلة من التشرد و سأظل مدينة لك طيلة عمري"
هز رأسه معترضا، يكفي أصابعها التي تضغط على أصابعه بهذه الطريقة، هذه الحركة أعمق مما ينوي منحه لهذه الأسرة، الم تشتهر ارشيبالد بكرمها و سعيها الدائم في مساعدة أطفال الحروب و المجاعات؟
" سوف يصل المحامي الآن، لا يمكنني تركك تبيثين هنا..."
" محامي..؟؟ هل استدعيت محامي؟؟" سألته دون ان تخفي دهشتها:" لكن... لما تتكلف كل هذا العناء أقصد... أنت حتى لا تعرفني..."
" إيثارك هو درس في الانسانية و التواضع... كما انك موظفتي... و بما أنني رئيسك فمن واجبي مد يد العون..."
طرقات على الباب أجبرته على ترك يديها، كان الشرطي مع رجل قصير القامة، بشارب أحمر و رأس أصلع، لابد انه المحامي الذي ارسله له صديقه القديم، تذكر فجأة أن هويته يمكن أن تنكشف حالا أمام فيرنا، تقدم منه ليشد على يده:
" لا بد أنك المحامي..."
" 'جانفاوستو روسولي'، كلمت سلفا القاضي هاتفيا بعد اطلاعي على الملف، يمكننا دفع الغرامة المالية و اخراج الانسة فورا..."
ارتاح سانتو و وجد نفسه يبتسم لفيرنا التي كانت تتطلع اليه و كأنها تراه للمرة الأولى، الامتنان في عمق عينيها أشعره بشيئ يشبه... الخجل؟؟
هو؟؟
في ظروف أخرى كان لينفجر في الضحك من الموقف، هو الرجل الذي يحصل دوما على مايريد، الرجل الذي لوث يديه دما مسبقا لينتقم لروح والدته، الرجل الذي حصل على كل النساء اللواتي راقنه، يشعر بالخجل كمراهق أمام فتاة بسيطة مثل فيرنا!... هذه البساطة ما يحذث الفرق... لا تراه كمنجم ماس كما يحذث مع بقية النسوة، مكانته سمحت له بكل الدلال الأنثوي... فيرنا لا يهمها سوى مقيمين غير شرعين و ذرفت الدموع من أجل مصيرهم، لا يهمها كثري بقدر ما يهمها كمحسن أتى اللحظة على انقاذ أسرة بأكملها... وهو يريد شراء اهتمامها... هذا الاهتمام الذي لم يحصل عليه منها قبل اللحظة... لم تتحرش به و لا تغزلت به و لا حتى منحته فرصة رفع الكلفة بينهما طيلة الأيام التي عملتها في المعصرة، بل كانت نشيطة جدا و تهتم فحسب بعملها، وسامته لم تفرق معها و هذا... أعجبه بشدة.
المحامي كفؤ جدا يستحق بالتأكيد ثمنه، قرر سانتو تعميده، بما أنه لا يملك رجل قانون في ايطاليا يمكن لهذا الرجل أن يصبح محاميه الخاص، كلمه بشأن العائلة المقصودة و وعده هذا الاخير أن يوقف فورا حكم التهجير و أن يجهز له العقود التي يحتاجها للعمل، 'فيرنا ' كانت سعيدة و تبتسم كل الوقت، سعي لرؤية ابتسامتها و قد نجح...كان معجب بها لدرجة انها تمنع عنه رؤية شيئ آخر غيها.
في الخارج رآها تجري بضع إتصالات و أدرك أنها على حذيث بالعائلة الإفريقية، رأها تمسح دموع التأثر بينما والدها يجلب خردة المعدن التي تساعدها في أعمالها اليومية.
" انهم سعداء جدا..." قال له بعد أن أغلقت الخط" لا أعرف كيف أشكرك سيدي..."
" توقفي عن مناداتي بسيدي... أناديكي فيرنا، نادني سانتو... أصبحنا أصدقاء منذ اليوم على ما أظن..."
اشتعلت خديها في العتمة، كانت حقا سعيدة و هذا أجمل الهدايا اقترحت بصوت يذيب كيانه:
" سنقلك الى المعصرة ...."
رفض بلطف:
" سأتعشى مع المحامي في المدينة و أعود بسيارة أجرة... أراك غدا؟؟"
هزت رأسها موافقة، لا تتوقف عن منحه إبتسامات صافية و رائعة، هذه المرأة هي نعمة أنزلها الرب على البشرية:
" سأمر للمعصرة ما ان انهي دورتي بتوزيع الخضراوات... أمسية سعيدة سانتو" و خلافا لكن التوقعات، وقفت على أصابع رجليها و قبلت خده بإمتنان:" أنا حقا مدينة لك...أيها الروسي الكريم بفضلك يمكنني النوم بسلام"
* * *

و تتحقق كل مخاوفه أمام عينيه، كان يتوقع اليخاندرو هذا نعم، فليكن صادقا مع نفسه، منذ مشادته مع روكو و هو يتوقع هذا الظهور المفاجئ، وها هو اليوم أمامه، التوأم المتمرد ونقيضه، كان ينمي لحيته، شعره بحاجة لقصة، لباسه متناقضة تماما مع الجو البارد للجو، بطال جنزي ممزق عند الركبتين، تي شرت أسود يحمل صورة لمغني روك، جاكيت جنزية قديمة و convers فقدت لونها الازرق، الأدهى من كل هذا انه تمكن من العثور على منزله و استظافة نفسه بإستعمال المفتاح الاحتياطي و حتى الحصول على صداقة 'باكي' التي لا يبدو أنه يزعجها، أو ربما المسكينة اعتقدت أنها أمام صاحبها لكن بحلة متشردي الشوارع و المتسكعين.
" كيف تسللت الى هنا!؟ آه عفورا... أنت لص محترف"
تمتم بصوت جليدي وهو يتخلص من الاب توب و من معطفه و ملفاته فوق لوحة المطبخ، حيث قصد خافيير البرّاد ليأخد بيرة منه و يفتحها بأسنانه:
" هذا الترحيب الدافئ يثلج صدري..." رد توأمه متهكما.
" منذ ظهورك في مستشفى صوفي عرفت بأنك ستظهر في أية لحظة...!"
تخلص اليخاندرو من ربطة عنقه الحريرية و فك أزرار قميصه الأولى ليسمح لنفسه بإلتقاط أنفاسه بحرية أكبر، مازال تحت صدمة هذه المواجهة، بالرغم من انه جهّز نفسه جيدا لها الا انه مضطرب أمام مظهر شقيقه المُهمل، يشبه الهاربين من العدالة... وهو ما عليه حقيقة، انه يدب الرعب بهيئة أبطال المصارعة الحرّة.
" في الحقيقة... توقعت منزلك أشد فخامة... كنت متحمسا لجاكوزي فاخر " سمع توأمه يقول من بين جرعات البيرة التي يبلعها:" مع كل الملايين التي تملكها، آملت العيش في قصر و أن تخدمني دزينة من الفتيات الجميلات ..."
طفح الكيل..
" اسمعني خافيير... أنت لن تعيش هنا سوى كنت أملك قصر أو غار فأر... لا يمكنك الظهور فجأة في حياتي هكذا بينما أكنت واضحا معك في الرسائل بأن أكثر ما يمكنني تقديمه لك هو الأموال لبداية حياة نزيهة بعيدا عني بالتأكيد.... لدي حياتي هل تفهم؟!"
لا يبدو متأثرا بكلامه، فلم تمنعه أطنان الرسائل التي تبادلاها في الوصول اليه و لا يبدو أنه يفهم ...أو يتغابى بالمعنى الأصح.
" أنا شقيقك.. لا يمكنك رمي خارجا..."
شعر اليخاندرو بالإستفزاز في هذه الكلمات:
" توقفنا على نكون توأمين منذ أن كنا في التاسعة، هل أذكرك بما فعلته بي في آخر لقاء؟! لقد أشبعتني ضربا و طردتني ..."
هز خافيير كتفيه:
" كان هذا لمصلحتك... جنبتك الموت...حميتك شقيقي الوحيد"
" و الأن تجنبني أيضا الموت بالظهور فجأة في حياتي؟ تعتقد بأن أعدائك لن يجدوك في ايطاليا ولن يعثرو عليك هنا في صقلية؟..."
" سيكون الأمر سيئا جدا اذن لأنهم سيقتنصونك بالمقابل... أم أنك تحت حماية روكو ايميليانو و لا أحد قادر على لمسك؟"
ذكّره بنفاذ صبر:
" أنا لست مجرم مثلك و لا عدو الإنسانية... أنت قمت بالسرقة و القتل و الابتزاز اتبعت المثال الميشين لتجار المخدرات..."
قاطعه خافيير بسأم:
" بينما أنت اتبعت المثال الرائع و أصبحت رجل أعمال لامع و ستتزوج بأميرة قريبا... أعرف كل هذا... شكرا للتذكير، لكن لا يمكنك رمي في الشارع، أنا توأمك و قد ثبت، فإمنحني فرصة العيش الكريم... كدت أن أفقد حياتي و هذا جعلني أعيد التفكير في كل ما قمت به حتى الأن... ثم ذات ليلة رأيتك في منامي..."
هزّ اليخاندرو عينيه الى السماء و قاطعه بسخرية:
" أوقف هذا..."
تابع و كأنه لم يقاطعه، ينشر بأصابعه أمامه و كأنه يرسم له لوحة:
" رأيتك في حلمي... و قلت لي بالحرف { تعال أخي كلي أذرع مفتوحة} "
" أسأت الفهم... أتذكر أنني قلت لك في الحلم { أنت تضيع وقتك الثمين أخي و بابي مغلق...}..."
برطم خافيير لهذا الرد، عموما فلا جدوى من القتال، خافيير هنا و عليه أن يجد الحلول لينقده من ورطته و مساعدته و توفير صوته، فهو شقيقه و يحبه بشدة رغم كل شيء، أشار برأسه نحو البرّاد:
" اعطني واحدة و لا تفتحها بأسنانك.... نملك ملاقط خاصة لهذا الغرض... انقضى العصر الحجري"
جلس على كرسي من الكراسي العالية للمطبخ و انتظر بيرته، وضعها خافيير أمامه، يتصرف براحة من هو في بيته قبل أن يجلس مقابلا له و يحملق اليه مباشرة، يتأهب للمناقشة القوية التي ستعقب:
" مالذي تنتظره مني بالضبط...؟"
" ما ينتظره توأم من توأمه..."
يتلاعب بأعصابه، لا ينوي الوصول إلى نهاية قناعاته بدلاً من الاستسلام للعب الشهود السلبيين في الدراما التي تهمهما مباشرة:
" اسمع خافيير... بغض النظر عما حصل في حياة كلينا... فكل منا على ما يبدو اختار طريقه، أجهل ما مررت به طيلة السنوات الماضية، لكن طريقي أيضا لم تكن من حرير ولا مغروسة بالورد، تعرضت للمساوء في أمريكا، للعنصرية، للتنمر، للشتائم بسبب مكسيكيتي، و تعرفت على أوروبين أفهموني أن الاقتصاد الحقيقي عندهم و ليس هناك... أتيت ووهبني الله أفضل أصدقاء يمكن للمرء أن يتمناهم في حياته... و اليوم أن مخطوب لإمرأة أحبها بشدة و أنوي تأسيس أسرتي الخاصة معها... هل تفهم ما يعنيه مجيئك؟؟ سأعرض من أحب للخطر و أولهم بيانكا.... لذا فقد سبق و فكرت في كيفية مساعدتك... أمنحني الرقم الذي تريده و سأحوله لك في حسابك كي تبدى حياة رغدة في مكان لن يعثر فيه عليك أحد..."
لم يرد خافيير فورا، لكن ملامحه بدت متبنجة، ينظر اليه بنوع من الاشمئزاز أيضا:
" تظن ان الموال هي المشكلة؟ انا شقيقك... كيف يمكنك ان تفضل هؤلاء الناس علي؟ أتيت و اريد مساعدتك و تقوم بإهانتي فقط لأنني لا أملك فلسا حتى بشراء وجبة طعام و دفع ثمن عاهرة ؟ لعلمك أنا أريدك في حياتي ان كنت أن ترفضني... فلا يبدو اننا نرى الأمور بنفس الطريقة..."
" انا خائف عليك..."
" بل خائف على سمعتك و عالمك البراق من ان يتقشر..." بدأ رأسه يوجعه بشدة، هذا النوع من النقاش سبق و تبادلاه عبر الرسائل، و لا يزيده سوى عنادا و تمردا: " بعد أن اقتربت من الموت ، أعدت تقييم وجودي بالكامل... استنتجت أن الوقت قد حان بالنسبة لي لاستعراض أولوياتي... هذه هي الحقيقة الأكثر صرامة ، بعد كل شيء.... أنا رجل جديد... أريد فرصة جديدة... امنحني عملا اليخاندرو، في واحدة من شركاتك... "
" و ماذا تنوي أن تعمل في واحدة من شركاتي؟؟ أن تسرق خزاناتها؟؟"
انفجر خافيير في الضحك:
" أحب روح دعابتك..."
" المصيبة أنني لا أداعبك... بل أنا جدي، فلا مؤهلات لك و لا تجارب في الحسابات أو..."
" أنا اتعلم بسرعة..." أكد خافيير:" يمكنني أن أكون رئيس حرسك... "
ابقى اليخاندرو فاهه فاغرا:
" تظن انني سأترك توأمي يراقب دخول و خروج الناس أمام باب الشركة؟ قل شيئا مفيدا بالله عليك"
" حتى انك لا تبدو ميال للتفاؤل من الاقتراح برمته..."
" أنا رجل مهم... لا يمكنني عرض نسخة مني للقيام بعمل مماثل... هل فقدت رشدك؟"
" لا نشبه حقا بعضنا... اظنني أشد وسامة..."
كمية الغطرسة في هذه الكلمات استفزته:
" لم تكن يوما أشد وسامة مني خافيير لكن الفتيات تفضلان سفالتك على أخلاقي الطيبة..."
ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه توأمه، رباه... يبدو متسليا بهذا التبادل:
" فهمت الأن... أنت خائف من أن أغري بيانكا!..."
رمش اليخاندرو عدة مرّات، مجرد التفكير في الموضوع يدفع معدته للاهتزاز:
" يمكنك المحاولة لمى تبقى من عمرك فلن تعيرك يوما اهتماما... و ان اقتربت منها فسأقوم بقتلك أقسم لك! سأسدي اعدائك خدمة هل أنا واضح؟! بيانكا خط أحمر لا أسمح لك حتى بالتكلم عنها..."
هز خافير دراعيه نحوه بطريقة مدافعة:
" مهلك... مهلك أخي... لا أنوي سلبك اياها، أنا في ورطة و النساء آخر اهتماماتي هل تفهم؟ حتى و ان كانت سمراء بنكهة ايطالية تسيل اللهاب لإلتهامها فورا... احتاج فحسب لمساعدتك... أنا متحمس لبداية جديدة، تغير وجدان بكامله و لما لا الزواج من أميرة أنا أيضا ذات يوم؟؟ ان كنت تظن بأنني لا أتوفر على المواصفات الازمة لأعمل في المجالات التي تمتهنها، فكلم أصدقائك... لما لا روكو ايميليانو!... بالتأكيد سيعرف كيفية التعامل مع لص تائب... فما يعرفه الجميع أنه ليس نقيا كالسحاب هو الأخر..."
استغرق الأمر بضع لحظات لأليخاندرو لتقييم ما قاله توأمه للتو. واندلعت عليه حالة من البرد القارص، مما أدى إلى إهدار كل رباطة جأشه:
" لا علاقة لروكو بالمافيا ان كان هذا قصدك..."
هز شقيقه كتفيه:
" لا تدافع عنه بل أعطيني النصائح لكيفية الحصول على عمل و على حماية رجل مثله...ساعدني كي أفوز أخي... لا أملك غيرك"
لم يتمكن اليخاندرو من التعليق على هذا، خافير محق، انه في مازق و يطلب المساعدة و الوحيد الذي يمكنه حقا حمايته هو روكو، فإن حصل و رفض مد يد العون له و تمكن منه أعدائه و حذث له مكروه فلن يسامح نفسه... لكن السؤال هو... هل سيقبل روكو بتوظيف خافيير و حمايته؟ هو الذي لم يخفي شكوكه ازاء ظهور هذا الأخير المفاجئ في محيطه...مهما يكون الثمن عليه اقناع العرّاب بمنح حمايته.
* * *
الأيام التي مرّت شن 'لوكا ' عليها عدائية لا توصف، أمسيات العمل التي تصادف وجودها معا تتحول لكارثة، كما الحال الليلة، تركها 'كيليان' لتتحمل وزن ' ارشيبال' بمفردها، كان يفترض به المجيئ شخصيا لهذه السهرة المهمة لكنه اعتذر منها دون اي شروحات، عموما فقد وضعها في هذا المنصب كي لا يحضر جل الحفلات النيويوركية... عموما رئيسها يكره كل ما له علاقة بالسهرات و الحفلات الممتلئة بالناس و الصحافة.
لوكا هذه المرة لم يكن بمفرده، كانت تتأبط ذراعه إيموجين، مشرقة للغاية في فستان اخضر، تحسست حقيبة سهرتها التي تتأبطها و استجمعت كل قواها و سيطرتها على نفسها، 'ايزاك وارين' مدير العلاقات العامة للشركة قدّم لها كأس من الشامبانيا، شكرته بإبتسامة تحاول تجاهل الثنائي الذي يخلقان ضجة اينما يتواجدان:
" تبدين متوثرة!"
" كان أسبوع حافل جدا... " ردت بإبتسامة لبقة.
" الرئيس شديد التطلبات عليك أيضا؟؟ لم تعجبه اي من التقارير التي أرستها، كما أن اقتراب تجربة المحرك الجدد تزيد من عصبيته... الم يخبرك أين هو؟؟"
آه بلى، في ايطاليا، لكنها وعدته بعدم الافصاح مهما حذث، و ان كان يؤكد على هذا فهو يقصد عائلته بالتأكيد، بمعنى آخر لوكا، ايموجين و حماه:
" موسكو..."
" لا أظن ذلك !..." سمعته يقول :" يتخلف عن سهرة اليوم بينما زوجته هنا... غريب"
" ايزاك... ما يحذث بين كيليان و زوجته يخصه فقط...!"
" و كأنك لا تهتمين..." قال بنبرة متهكمة.
تدفع غاليا ثمن صداقتها بكيليان، الكل يظن أن تمة علاقة بينهما، و هي ليست مضطرة لتفسير شيئ لأحد، ايزاك مثل غيره من الموظفين الرجال يحاول اغرائها بكل الطرق الممكنة بالرغم من أنه متزوج و أب لطفلين.
" لا ايزاك... أنا لا أهتم"
" ميغان...!" حانت لحظة المواجهة، رسمت على وجهها ابتسامة مسترخية و استدارت نحو لوكا و شقيقته، في كل مرة تراها فيها تزداد المرأة جمالا، انها من أنجح النساء الامريكيات و أكثرهن تأثيرا، و رغم كل هذا لم تتمكن من جر رجل مثل كيليان من ذنبه خلفها... يُعتر زوجها اخفاقها الوحيد.
" ايموجين..." وهزت عينيها نحو الوجه الوسيم لحبيبها السابق:" لوكا..!"
" أنا ايزاك وارين' سبق و التقينا في المصنع..."
لكن ايموجين تجاهلته تماما، كان انتباهها معها شخصيا، عينيها الخضراوين الذكيتين تتفحصانها بطريقة غامضة، ذات يوم ظنتها صديقتها، تحولت الى عدوة ما ان أدار لوكا لها ظهره، من السهل على المرأ أن يحط اخفاقاته على شخص آخر ليشعر بالارتياح و الا يحاسب نفسه و ايموجين اختارتها لتلومها على جفافها العاطفي، على فشل زواجها، على ابتعاد زوجها عنها دون ان تبحث عن العامل الاساسي و الرئيسي لما يحذث:
" كيف وضعك في المنصب الجديد؟" سألتها بصوت جليدي.
" ممتنة لأن الرئيس يثق بي كفاية ليمنحني بركته... سعيد بالأرقام الأخيرة شكرا لسؤالك" أجابت ميغان بهدوء قبل أن تتعمد رفع رأسها و تدّعي رؤية أحد تعرفه:" اعذروني..."
ابتسمت لوجوه عديدة ووقفت مع آخرين ، تعرف بأنها مُراقبة جيدا، لابد أن ايموجين اتت الى نيويورك و أملها رؤية كيليان، و تنوي وضع خيبتها عليها و ملامتها، كيف يمكنها توضيح أن ما يربطها برئيسها هو العمل، و بأنها لم تعني له شيئا كإمرأة منذ لقائهما الأول قبل اثنتي عشر سنة في موسكو.!.. تعترف أنه أعجبها بشدة في البداية، من المستحيل عدم ملاحظة وسامة و هبة رجل مثله، كل العاملات أغرمن به في البداية تقر بهذا عن سابق تجربة، لكنها أدركت بأن صداقته أكثر قيمة، خلف القناع الجميل لوجهه هناك رجل متضرر جدا و يستمر في معاقبة نفسه بالعمل الشاق و كأنه يريد اثبات شيء لنفسه... الكل يراه كالعملاق الذي لمع الى أن أعمى الأبصار... الم تلاحظ ايموجين الطفل الخائف فيه؟؟ بأنه يعاني من ماض أسود؟.. بأنه يبحث عن أمان عائلة ملتحمة...!؟
من أغرمت به حقا و بغيته كحبيب هو لوكا مارشال... خطئها الغبي الذي ستهتجنه لما تبقي من حياتها... بين العمل و ابنة شقيقتها لونا لا تجد الوقت لتبحث لها عن بديل... لا أحد سيتقبلها بكل هذه المسؤوليات، تعترف الا مكان لرجل في حياتها، بالرغم من أنها تحلم بالزواج و تكوين أسرة حقيقية.
" على رسلك ميغان... أشعر و كأنك تهربين مني..."
هذه المرة تمكنت ايموجين اخيرا من حصرها،رأتها تتجاهلها طيلة السهرة، ميغان رائعة الجمال في فستانها الياقوتي، شلالات شعرها الشقراء متموجة حول وجهها، هذا الجمال الذي سلب لب لوكا ذات يوم، لكن ميغان اختارت رجلا أكثر وزنا، رجل يخصها هي شخصيا، شعرت بالغضب يسكحها بينما ترى نظرات غريمتها المتعالية، لقد طارت من ميامي الى هنا مستغلة هذه الأمسية لترى كيليان، و خاب ظنها بينما تكتشف أن هذه المخلوقة تتجول بإسمه و تفرق الابتسامات و تلهب الحواس بإبتسامتها، منذ أسابيع لا يمكنها العثور على زوجها، تنوي فحسب اخباره بقرارها الذي يُكلفها الكثير.
" لما يجب أن أهرب منك لا أفهم..!. أنا فقط أطوف بين الناس و أقوم بواجبي الذي يُحتمه علي منصبي..." كانت تملك ابتسامة جذابة هي تعترف، سألتها مباشرة:
" أين هو زوجي؟"
رآتها تهز حاجبها المرسوم بدقة و أناقة:
" هل يُفترض بي أن أعرف كل تنقلاته؟"
هذه اللهجة المتعالية التي عُرفت بها ميغان، انها امرأة قوية الشخصية، كيليان بنفسه يُلقبها بالنمرة الشرسة، إمرأة لا تتنازل بسهولة عما تريده، دنت منها الغضب و الغيرة يرتطمان كأمواج شرسة في صدرها:
" كلما كنت في حضوري تزرعين فن تجاهلي حتى لا يلاحظه أحد غيري، تهربين من المواجهة...دعيني أخبرك شيئا...انا ايضا امرأة و أرى الى ما ترمين اليه، لكن لا تحلمي كثيرا... لا أنوي منحه حريته، لن تأخد مثيلاتك مكاني ، الأحلام التي أشعلت خيالك يمكنك اطفائها..."
بان السأم على الملامح الأنيقة، رأتها تلقي نظرة من حولها قبل أن تعيد اليها انتباهها:
" تهاجمين المرأة الخطأ... ان كنت تشكين بخيانة كيليان فمن الأفضل تعميق بحثك..."
كانت متعجرفة بشكل لا يطاق. ما تزال تحاول التلاعب بها، لا تستطع المخاطرة بالثقة بها.
" لا أحتاج للابتعاد كثيرا اليس كذلك؟"
رأتها تتنهذ بنفاذ صبر، و تتغير ملامح وجهها وهي تقول بصوت تحاول ان تكون فيه مقنعة للمرة الأخيرة:
" العمل وحده ما يجمعني به و أنت تضعين وقتك صدقيني إيموجين، كما ان كيليان لا يملك امرأة في حياته لأنني أراه مرتبطا بعمله بشكل لا يقبل له برفاهية الراحة، حاولي اصلاح زواجك بطرق أخرى بدل اقحام شكوكك الوهمية في أمور لا جدوى منها... ان وضعني في هذا المنصب الكبير فلأنني أستحقه عن جدارة... و الأن ان كنت قد و ضحت لك نوع الملابسات فأفضل إنهاء سهرتي بسلام..."
كلامها يشبه المياه التي تبل ريش البط... هي لا تصدقها ببساطة:
" أين هو ميغان؟؟ أين اختفى؟؟ أعرف بأنه ليس في موسكو... فريق عمله الروسي يرفض اطلاعي على مكانه، و بما اني أعرف عمق علاقتكما فأنا متأكدة من معرفتك مكانه... " أمام صمتها اردفت:" سأتوقف عن العمل من أجله.... أنوي انقاذ زواجي... ان كنت حقا بريئة و نيتك صافية ساعديني بمنحي عنوانه...."
رأتها تقطب ثم تسألها دون ان تخفي دهشتها:
" تتوقفين عن العمل؟"
" سأعمل عن بعد... لست مضطرة لاجراء العمليات فأنا على رأس فريق طبي مميز... الأمر مريب نعم لكن كيليان هو رجل حياتي و لن أغامر به... أحبه بشدة و زواجي مهم بأهمية مهنتي... لذا أرجوك... ان كنت تعرفين مكانه فساعديني بالوصول اليه..."
أثار انتباهها لوكا، كان يقف مع رجال أعمال من بينهم صديق الجامعة دافيد ريتشي، هذا الأخير لا ينفك عن التجسس بنظراته على ميغان، يمكنه تلفيق كل القصص المريبة بشأنها الا أنها ما تزال في قلبه بلا أدنى شك.
" أعرف انه في أروبا... يقول بأنه بحاجة ماسة لعطلة... لا أعرف في أي بلد بالضبط..."
لا تبدو مقنعة، انها تخفي عنها الحقيقة و هي تشعر بتراجعها، كيليان يأخد عطلة؟؟ هو لا يأخد عطلة أبدا... حتى ان شهر عسلهما كان سريع... العمل تقاسمه معها.
" هل يمكنني الاعتماد عليك بإعلامي ان عرفت مكانه؟"هذه المرة لوكا لم يعد قادرا على تركهما بمفردهما، اعتذر من الرجال المحيطين به و رأته يتوجه نحوهما" ميغان؟"
" اسمعيني ايموجين... زوجك لا يهمني أقسم لك، لكن أن أكون جاسوستك ما لن أقبله، ان رفض هو منحك تفاصيل حياته فليس أنا من سيغدر به و الأن اعذريني..."
كزت على أسنانها، وماذا توقعت؟؟ أن تتحالف معها غريمتها؟ هذه الجميلة التي يفضل زوجها رفقتها و الوثوق بها أكثر منها... قبل الابتعاد أمسك لوكا بمعصمها، هذه الأخيرة قذفته بنظرة لو كانت نارا لأحرقته فورا:
" اياك و لمسي مرة أخرى لوكا..."
حرر معصمها و تركها تبتعد، انها طبيبة تجميل، يمكنها أن تعرف الزيف من الحقيقة، كل شيء طبيعي في هذه المخلوقة الساحرة:
" ترفض الكشف عن مكان كيليان..." اعترفت لشقيقها الذي ما يزال يلاحق حبيبته السابقة بعينيه.
" ربما لا تعرف بكل بساطة؟"
" انها تعرف و تمتنع عن اخباري... " هزت حاجبيها بينما تنتبه لغياب رده:" ما الأمر أخي؟؟ ما تزال تؤثر بك تلك الساقطة؟!"
" لن يفيدك شيئ بإهانتها فليس هذا ما سيعيد لك زوجك الذي تركته يفر بكل سذاجة... اعذريني الأن..."
و كما توقعت، رأته يخترق الناس بإتجاه الفاثنة التي كانت تتوجه الى الشرفة، وهي ليست متفاجئة، مجيئ كليهما الى هنا لا تمت للعمل بصلة، لكل منهما خططه الخاصة، قد يهملها لسنوات عدة لكنها تبقى بالتأكيد المرأة الوحيدة التي أحبها حقا وهي في دمه، ميغان لم تخرج مع رجل بعد فراقهما، لم تظهر مع أحد بالمرة، سوى مؤخرا تنوي أخد ما يخصها و سرقته منها.
" مساء الخير كارا'..."
وكان دافيد، ابتسمت له ملئ فمها قبل أن تقبله على خده:
" ارى بأنك تخليت على عكازك..."
" أنا بخير... يمكنني اغواء كل ما تسقط عليه يدي..." ضحكت لكلامه، دافيد وسيم جدا و ليس مخلصا بالمرة، حياته العاطفية سلسلة فضائح عاطفية متسلسلة.
" ظننا انك تتخلى على العزوبية مع أميرة ايطالية..."
ملامح وجهه تغيرت و بان في عينيه الزرقاوين انزعاج خالص:
" أين ناومي؟؟ آملت رؤيتها الليلة ..."
كان يفترض أن تأتي نعم، لكنها اخدت مكانها معتقدة انها ستتمكن من اغواء زوجها الليلة و كسر كل الحصون...
" فضلت البقاء مع ابنتي ... "
" كنت أنوي تعريفها على ابن عمي'كين'... يبحث عن مهندسة لمشروعه الجديد في بوسطن... أعماله في طوكيو عادة لكنه بدأ بالتوسيع في السنوات الأخيرة..."
عائلة الريتشي عائلة دائعة الصيت في أروبا، ربما أمريكا تعرفت على هذ الاسم من خلال فلورانس ريتشي و كذلك دافيد، فوالدتهما ليست سوى النجمة فرجينيا ديكاتريس، أشد المغنيات شهرة.
" يمكنك مكالمتها غدا و ربما العروج عليها ، أظنها مشغولة جدا بأعمالها الا انني لن أجزم على شيئ، فهذه المسائل لا تخصني..."
" سيكون غدا في نيويورك و يمكن ان اعرفهما على بعضهما، بالمناسبة... كيليان ليس هنا"
دفعت موجة الحزن التي سحقت صدرها و ناضلت كي لا تتغير ملامح وجهها و هي تقول
" انه عالق في موسكو..."
" مهووس الاعمال"
" لن تتقدم ارشيبالد من دونه... انها العشيقة التي لن تنافسها عليه حتى زوجته... تعلمت التعايش مع الوضع..."
ابتسم لها تلك الابتسامة الرائعة التي أغواها بها في عمر الواحد و العشرون، لوكا يجهل بالموضوع حتى اليوم لكنهما تقاسما مغامرة خفية، ظنت بأنه معجب حقا بها،لكن دافيد لم يكن من رئيها، بعد ليلة لا تنسى معه أخبرها بأنها كانت غلطة ، فقررا دفن الموضوع لأنهما خشيا ردة فعل لوكا و بقيا صديقين.
" أتمنى انك سعيدة..."
و هل ستتدمر أمامه على سعادتها؟؟ ترتمي بين ذراعيه لتبكي معاملة زوجها القاسية؟ تثير شفقته بقصتها المريبة عن حب غير متبادل؟ هذا اذا كان الدون جوان الإيطالي يعرف ما يعينه الحب أساسا.
" أنا كذلك..."
الحياة ليست عادلة أحيانا، و هي تعلمت أن تأخد منها حقها، هذا ما جعلها بالتأكيد لامعة جدا في الأعمال، الشيء الذي يرفض كيليان رؤيته، تأبطت الذراع التي منحها لها الوسيم الايطالي، مايزال لوكا مع ميغان في الشرفة، الاثنين يبدوان منغمسين في حذيث محتدم.
" ايها الوغد المتحجر القلب" تمتمت ميغان وهي تضع بينهما مسافة مجددا :" اسمع لقصتي للاخر لوكا... نبش الماضي لا يفيد في شيئ، كل ما يهمك هو حمايتك الزائدة لعائلتك، انت معمي بأنانيتك الكبيرة، ولا حدود لغطرسيتك و هذا هو المؤلم لك... ترى بأنني قادرة على قلب صفحة الماضي و النجاح في مهنتي دون الحاجة لك... "
" كل منا يعرف بأي طريقة نجحت في مهنتك..." رد عليها بصوت حاد.
" بمجهوذي الخاص نعم و لن تتمم ما بدأته شقيقتك لأنني ضقت ذرعا بك... ان كان لكيليان إمرأة فليس أنا لوكا... ليس أنا ..."
وكم يتمنى تصديقها، غاص في الحمرة التي لونت وجهها من جراء الغضب، ميغان رائعة في كل حالاتها، كانت تؤثر به لدرجة أنها تخلق زوبعة من العواطف. اذا لم تكن المرأة التي ينهي كيليان زواجه من أجلها فلما تركته في الماضي دون أي تفسير؟
" أريد أن نخرج مجددا معا.."
رآها ترمش عدة مرّات قبل أن تنفجر في الضحك:
" لوكا... أنت سكران..."
تجاهل سخريتها و دنى منها أكثر الى أن غرق في عطرها و رائحتها الأنثوية:
" تقولين الا شيء بينك و بين رئيسك... فليكن... بما أن الجميع يفكر مثلي، و كي تثبتي برائتك التامة من الموضوع أظهري معي مجددا علنا... بالتأكيد هذا لن يزعج كيليان ان لم يكن هو حبيبك السرّي"
بقيت تحملق اليه بنوع من الدهشة، يود لو يضع يده على وجهها ، إذا كان ذلك فقط لمحو تلك الملامح المحايدة التي ترتديها طوال الوقت... في الحقيقة هذه المرأة هي نار متأججة، سبق و تعرّف على العشيقة منها، هذا قبل أن تسئم منه و تخرجه من حياتها... تحطم قلبه و تصب لعنتها عليه كي لا يجد أثرها في نساء أخريات، أطلقت نفسا متحشرجا:
" أفضل الموت على الخروج معك مجددا حتى من جانب التمثيل..."
هذه الكلمات مؤدية جدا لكرامته الذكورية، يرغب بهزها بعنف كي تعترف له أخيرا بالحقيقة، لما تركته بحق الجحيم....التوى فمه و تجاهل قلة الاكترات التي تبديها:
"حتى الحرب لها شرف لا نطعن في الظهر"
" كلام صائب من عاهر مثلك... فأنت مثال حي للرذيلة ..." زمجرت بكراهية.
تردد هسيس أنفاسه بينما تطاير الشر من عينيه، أطبقت يده على ذراعها، تأسرها و تسيطر عليها،كان هناك الآن توتر معين بينهما، ليس فحسب الغضب المشتعل و الامنتهي، يعرف هذه النظرات، يا الله... كم يكره قدرتها على ان تجعله يشك في كل شيئ حتى نفسه، غطى المسافة بينهما بخطوات قليلة غاضبة، على حساب جهد كبير ، قرر تجاهل هذه الفورة من المشاعر، إلى جانب ذلك ، على أي حساب يتم تأسيسها؟
" أذكرك بأنك انت من تركني في الماضي و ليس العكس..." تصاعد من حلقه صوت يشبه الهدير:" دورك بلعب الضحية يثير القرف حقا.. "
" أنا من تركك؟؟ هل استمريت بالكذب على نفسك طيلة هذه السنوات الى ان انتهى بك المطاف لتصديقها؟!"
" تصديق ماذا بالضبط؟" سألها:" ساعديني للفهم رجاءا..."
" كما أرى فالغباء في جينات العائلة برمتها و الان أترك يدي و لا تقترب مني مجددا..."
لكنه لا ينوي ترك الموضوع الأن بينما تتهرب من خوضه منذ ما حذث تلك الليلة المشؤومة، حيث وجد ملابسه خارج شقتها و طلبت منه الرحيل... يكره أن تهتز شكوكه نحوها، يعرف بأنها تلاعبت به، بأنها طموحة للغاية و أدركت بأن كيليان أكثر قيمة مما بين يديها، أخبرته تلك الليلة بريتني بعلاقة الاثنين السرية، أخبرته بأنه أحمق كي يصدق امرأة مثل ميغان.
" لا تتوقفين عن ردعي دون اي تفسيرات واضحة..."
" أي تفسيرات أكثر من خيانتك لي مع 'بريثني'؟؟ أنت عاجز عن الوفاء... هذا في طبعك اليس كذلك؟"
أقطب بينما يرى بأنها جادة، انها تمثل بإحترافية شديدة، وجدت بسرعة الطريقة التي تدير فيها القصة لصالحها:
" لم أخنك يوما مع أحد لسيما المحامية، هي كانت تهتم ببعض القضايا المشتركة بين أعمالي و أعمال أرشيبالد و نسهر أحيانا عندما لا يتوفر الوقت نهارا لمنحي تقريرا... كنا صديقين لفترة طويلة"
رآها تهز عينيها الى السماء:
" هي بنفسها أخبرتني تلك الليلة التي أمضيتها في سريرها... أخبرتني بأنني غبية جدا ان ظننت بأن رجل مثلك سيكون وفيا... "
" هيا ميغان... تكادين تكونين مقنعة... استمري في ابداعك..." ابتسم ابتسامة سيئة: "أنت بضاعة فاسدة "
تمتمت من بين أسنانها:
" و أنت لست ربحا و لا انجازا، دعني أذكرك بأنك من يلاحقني و ليس العكس، و الأن تنحى من أمامي..."
هذه المرة تركها تبتعد، لكن ابتسامته لم تدم، هذا الوجع برؤيتها في كل مرة تهرب منه يؤذيه بشدة... و ان رغب بأجوبة فعليه البحث عنها بعيدا عنها.
* * *




أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 02-10-20, 05:28 PM   #3282

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الثامن


يتصرف خوسيه ككلب مسعور ازاء طفليه، يستخدم جسده كسلاح ودرع، لا أحد من حقه لمسهما و لا تقبيلها و عندما يأتي أحد يتعرض لتعقيم كامل، مهووس النظافة خائف بشدة من العدوى على الصغيرين، لا تتذكر دانيلا كم من مرّة طهرت يديها كي تلمس البشرة الهشة لأوزلوم، كانت طفلة وديعة بينما توأمها متوحش و لا يتوقف عن إبراز موهبته في الصراخ، لكنه قطعة من الحلوى، دانيلا أغرمت فورا بالتوأمين و انفجر قلبها حبّا بهما، و تعذر الأب الجديد على تملكه و حمايته الزائدة، مكانه ربما كانت لتتصرف بالطريقة نفسها و ربما أكثر، ولا يبدو أن هذا يزعج الأم الجديدة، فهي على ما يبدو مسايرة زوجها في جنونه و قوانينه الصارمة، هي ايضا حذرة جدا فيما يخص ابنيها، و تعترف أنهما يُكملّان بعضهما البعض، الكثير من التواطؤ بينهما، شيئ حقا لا يصدقه عقل، هما اللذان كانا لا يطيق أحدهما وجود الأخر في نفس الغرفة، تتمنى حقا أن تكون هذه الولادة العسيرة بداية حياة جديدة لوصيها... أو والدها هي لا تعرف، فقد نجحت في الحصول على عينة من خوسيه و الموضوع كان مستحيلا لأن هذا الأخير غير مهمل بالمرة و لا يترك شيئا خلفه، و أرسلت العينات الى مختبر أمريكي بدل اسباني، ستتلقى النتائج في عنوانها بنيويورك، خشيت ان تسقط تلك الرسالة بشكل أو بآخر بين يدي وصيها، أخبرها اليساندرو أنه سيتصل بها فور توصله بالنتائج.
بعد أن ملأت ذاكرة هاتفها بالصور مع التوأمين رن هذا الأخير و كشفت الشاشة المضائة على اكثر الأسماء محبة لقلبها، اليساندرو... اعتذرت من سيسيليا و عائلة آيا و خرجت لتتكلم في باحة المستشفى الخارجية بعيدا جدا عن أي تصنت، كلما اتصل اليساندرو كلما آملت أن يملك أخبار جديدة.
مع فلول النهار و مجيئ الليل تركت الشمس الوان بنفسجية في السماء، استنشقت هواء نقي بدل الذي كانت تتنفسه في جناح المستشفى، كان منتصف النهار في نيويورك ، ولابد أن خطيبها يستغل فترة الغداء ليكلمها:
" اليساندرو..."
" كيف حالك كارا؟؟ كيف كان يومك؟"
" مليئ بالرقة و الحنان... عمرهما يومين فقط و أشعر بأنه قضي علي تماما..."ضحكته ليست حقا صادقة أقطبت قليلا، بينما تلتقط رذاراتها بأن شيئ ما على غير ما يرام:" كيف كانت صفقتك الأخيرة التي من أجلها وضعت كل مجهوذك؟؟"
رده أتى هادئا:
" خسرتها... أخدها مني منافس آخر... "
" من هو هذا المنافس؟"
" لا أدري... هذه الصفقة كانت ستفيد بشدة سكاي... "
شعرت بالحزن لهذا الخبر، لقد عمل بجهذ كبير مؤخرا، تعرف بأن اليساندرو يعيش بصعوبة خسائره، لا يتقبل مطلقا اخفاقه في شيء، ندمت لأنها ليست معه لتخفف عنه، عموما فلن تتأخر كثيرا كي تلتحق به، أتت لتحضر ولادة آيا و الحصول على عينة من خوسيه:
" أنا آسفة حبيبي..."
" انسي الموضوع... انها أمور طبيعية تملأ عالم الأعمال... هناك شيئ آخر عليك معرفته فأمامي نتائج تحاليل الحمض النووي"فتحت فمها و عادت لتغلقه بينما تسمع قلبها ينفجر في صدرها من شدة التوثر، كانت تنتظر بشدة هذه اللحظة و الان تشعر بنفسها غير مستعدة لمعرفة شيء، اذن فقد توصل بها؟!:" حبيبتي هل مازلت معي؟"
كانت متجمدة مكانها، أحست بصدره يتمدد وهو يسحب نفسا عميقا بدوره و كأنه متوثر:
" أنا ابنته... اليس كذلك؟" سألته بصوت هش.
ردّ و كأنه شخص لم يعد قادرا على كبح مشاعره في أعماقه:
" الينور لم تكن صادقة كارا ! ..."ماذا؟ بالتأكيد هي لم تسمع جيدا... وضعت يدها على جبينها بينما لفها دوار عنيف، لقد كانت متأكدة مليون في المئة من انه والدها:
" أنت لست منه..."
" اذن انا ابنة من؟؟" صرخت به بينما الشكوك التي تولدت لديها مؤخرا انفجرت فيها مثل الديناميت.
" انت ابنة والديك المتوفيين ببساطة..."
هزت رأسها بالنفي..."
" في مذكرات الينور لمحت بأن والدتي خضعت لإزالة الرحم بعد زواجها بسنة... أي أنني لست منهما... أنا ابنة اليونور... أنا صورة طبق الأصل منها... و اذا لم يكن خوسيه والدي فمن هو والدي؟؟"
" بما ان الينور كذبت بشأن خوسيه أتوقع ان تكون بقية ادعاءاتها كاذبة..."
دون وعي منها انسالت الدموع على وجنتيها، منذ البداية تريث اليساندرو كان في محله، عقله العملي أدرك بأن ثمة خطأ ما في الموضوع، لكن لما اليونور تختلق قصص لا صحة لها؟! ربما خوسيه ليس والدها و هذا الخبر أقصم ظهرها و صدمها بشدة لا تعقل اذن فمن هي؟! لم تعد ركبتيها تتحملان ثقلها، جلست على الدرج المؤدية لمدخل المستشفى و أمسكت رأسها بيدها:
" انسي أمر تلك المذكرات 'كارا'..." سمعته ينصحها بصوت ضيق:" عودي الى البيت... أنا أفتقدك بشدة! "
جاء في صوتها بحث مؤلم عن الحقيقة عندما أردفت:
" قد تكون اليونور مجنونة... وقد تكون تلميحاتها صائبة... أريد الحقيقة، حياتي لم تعد كما كانت من قبل..."
سحبت نفسا لأنها بدأت تشعر بالاختناق، حقيقة أن خوسيه ليس والدها نزلت عليها مجددا كالصاعقة.
" سأغلق الخط..."
" تمهلي دانيلا... تعرفين بأنني أساندك دوما..."
هزت وجهها الى السماء، الهواء البارد يثلج دموعها، لكن النار في صدرها تأبى الانطفاء، قالت بصدق:
" أنت أجمل ما حذث في حياتي اليساندرو و أنت تعرف كم أحبك.. لكن اريد الاستمرار حتى النهاية في هذه القصة... أريد أن أعثر على المكان الذي حبست فيه اليونور، المستشفى التي تمت فيه عملية الاستئصال لوالدتي... أريد أن أحصل على البراهين التي تؤكد أو تنكر ادعاءاتها فهل تفهمني؟؟"
عم الصمت،سمعته يبلع صوته ببعض الصعوبة، لا بد أنه غاضب لهذا القرار الذي لا تنوي التراجع عنه فيه، بعد أن لفتها عاصفة الشك المريبة، لن تعيش في سلام دون الحصول على توضيحات.
" بالتأكيد... أفهمك..."
بعد أن أغلق الخط، بقيت دانيلا جالسة مكانها، غير قادرة على التحرك أو التفكير، قصة خوسيه و اليونور أكثر تعقيدا مما يمكن أن يستوعبه عقلها، اعتقدت أنها أمسكت برأس الخيط لكنها أخطأت، اليونور تتلاعب بمن يقرأ مذكراتها، أو تعمدت هذا للاستمرار في تعذيب خوسيه فقط؟ لكن... عندما نحب لا نلعب بعواطف من نحبه، و لا تفهم أسباب المرأة، عموما... ستجد الأجوبة لكل اسئلتها ان استعانت بمتحري جيد، لما لا؟؟ انها تملك المال لتستأجر أجذرهم...
رجعت اذراجها عندما استعادت سيطرتها على عواطفها و منحها حل - استخدام المتحرّي - بعض الغبطة النفسية، استعملت بالتأكيد وسائل الوقاية دون ان تحتاج تنبيه جديد من خوسيه، كانت والدة آيا تتلوا بعض الصلوات على التوأمين قبل أن تعلن عن رغبتها بالرحيل:
" سوف أوصلك في طريقي..." اقترحت دانيلا وهي تلتقط حقيبة يدها التي تركتها حيث كانت تجلس قبل أن تستجيب لإتصال خطيبها.
" بهذه السرعة..؟" تدخل وصيها... كانت تتجاهل النظر اليه... تعرف بأنها ستنفجر في البكاء ما ان تلتق بنظراته الشبيهة كثيرا بنظراتها... كيف لهذه المعجزة أن تحصل بينما أثبتت التحاليل الا قرابة بينهما؟ لما تملك عيناه اذن؟.
" تأخر الوقت و من الأفضل أن نترككم تنعمون بأمسية هانئة... لن يتأخر السائق بإحضار طعام العشاء الذي طلبته من القلعة خوسيه..." هزت عينيها نحو سيسليا المنبهرة بألمادو و التي تقبل يده الصغيرة بنهم:" فلنمضي جدتي!"
" لا أشبع منهما..." اعترفت سيسليا..." أتحرق لإستقبالهما في القلعة..."
غدا ستخرج آيا و المادو من المستشفى بينما المستشفى سيحتفظون بأوزلام أسبوع آخر، و المفاجئة أن خوسيه من تناقص بقائه، أول تضحياته نحو ابنته، ما فهمته أن آيا يمكنها ارسال حليبها يوميا ايضا للمستشفى كي ترضع الصغيرة و تتفادى اطعامها بالحليب الاصطناعي، على ما يبدو ان المادو أكثر حظا... فما تزال الصغيرة تحت المراقبة.
" داني... تعالي معي أريدك لحظة..."
تبعت خوسيه الى خارج الغرفة صامتة، كان على وجهه الوسيم ألف سؤال، لكن نظراته قلقة، لم يتوقف في الرواق، بل أمسك بيدها و أشبك أصابعه بأصابعها، احترقت عينيها بشدة و قمعت مشاعرها، كيف لها ان تحكم عليه بقسوة في الماضي و تجده مستبد و خالي من الرحمة؟ انه فحسب ضحية ماضي مريب ... ماضي جعلها هي نفسها ضحية.
في الكافتيريا طلب جرعته من الكافيين بينما رفضتها هي، لا تتحمل القهوة لسيما في الليل، رأته يشرب منها و يكشر بطريقة لطيفة:
" أحستني برفضها فطعمها مريب..."
جاهذت بلابتسام، لكنه لم يرغب بالبقاء في الكافتريا، و وجدت نفسها خارجا في برودة الليل لثاني مرة في مدة قصيرة، لمحته يُخرج سجاره الوفي، و تشعل نار الولاعة تلك الملامح الاسبانية العتيقة، لكنه ليس والدها... آمالها سقطت في قعر بئر الخيبة... ربما تملك نظراته لكنها ليست منه.
" ما الأمر عزيزتي؟؟ غادرتي الغرفة متوهجة و عدتي بملامح مسودة و كأن القيامة قامت..." القيامة قامت بالفعل، اليونور تؤكد أنها ابنتها و هي حاليا في نقطة الصفر لأنها تجهل من هو والدها ان صدقت تلك الادعاءات !..." هل هناك مشكلة مع اليساندرو.؟"
" لن تكون هناك يوما مشكلة مع اليساندرو ... يريدني أن أعود لما أسماه بيتنا..."
ابتسم خوسيه برقة:
" تحررتي مني في النهاية..."
هذا الكلام احزنها لدرجة أنها لم تمنع دموعها من النزول مما زاد من قلق نظراته الذهبية... نعم ذهبية... مثل عينيها، دنى منها و مسح على وجنتها:
" دانيلا..."
" مسكينة أوزلام... ستعيش استبدادك... " ابتسمت من خلال دموعها:" أجمل استبداد على الاطلاق..."
لا يبدو أن خوسيه يفهم جيدا الى ما تنوي الوصول بكلامه، بدت سخيفة أمام اهتزازاتها الذهنية و المزاجية، كانت ترغب فحسب بأن تكون بمفردها.
" لدي سؤال لك و اتمنى الا تنزعج منه... " بدأت ببعض الحذر:" الم تجد أنه من الغريب جدا أن يضع والداي إسمك على وصيتهما في حال أن حذث لهما شيئ بدل عمّي ؟"
هز حاجبه مفكرا:
" بسبب علاقتي السابقة باليونور!..."
" شبهي الشديد بها لم ينذرك بأنني ربما أكون ابنتك...؟"
ابتسم لها :
" فكرت في الموضوع و قمت بتحليل الحمض النووي بعد استقبالي لك مباشرة و اتضح انك لست كذلك... حتى سيسليا كانت تملك شكوكها آنذاك ووالدي الذي فعل ما بجهذه كي لا أتزوج اليونور و أوفي بوعدي لإبنة الأمير الذي خطط لزواجنا منذ مراهقتنا... أعترف أن خيبتي كانت ساحقة... آملت حقا أن تكوني كذلك"
هذه الحقيقة كانت بمثابة الصفعة على وجهها، اذن فخوسيه أيضا كانت له شكوكه؟ و فعل ما يتوجب فعله منذ البداية؟! الأمور تتخذ منحنى عجيب...
" كنت آمل أن أكون مخطئ... و أن إبني لم يمت مع اليونور... اتضح أنني اخطأت... "
بلعت ريقها بصعوبة:
" أجد من الغريب أن أشبهها هي كثيرا بينما لا أشبه أمي!..."
" أنا أشبه عمي و لا أشبه أبي ..." عمّه الشاب توفي في الثلاثين بسبب حريق اندلع في شركة مارتينيز و للاسف لم يترك خلفه لا زوجة و لا طفل، هذه القصة تعرفها دانيلا.. " أرى بأن المذكرات أثرت عليك... أنت لست ابنة اليونور..."
" لما انت متأكد؟؟ لقد قطعت صلتك بها ما ان تزوجت بأخرى !.. نسيتَ أمرها و كأنها لم تمر في حياتك!."
صمت خوسيه و فضلت هي عدم الاستمرار في هذه المناقشة التي تدفعها للافصاح عن معلومات أكثر و التسبب له بالقلق بينما أتى على الحصول على حلمه الغالي، طفليه... عقله مشغول بأمور أخرى، ووضع أوزلام الصحي يقلقه بشدة." آسفة عزيزي... أعود مجددا لهذا الموضوع!... "
" تعالي الى هنا..." وفي لحظة أصبحت بين ذراعيه:" اليونور من الماضي، أريد نسيانها، أحتاج لنسيانها، السماء تمنحني فرصة أخرى و انوي استغلالها، تجددت حياتي بمجرد سقوط نظراتي على التوأمين... فقررت دفن الماضي الى الأبد... أنصحك بدفنه أنت أيضا... لكن ما أعدك به... أن مجيئ الصغيرين لن يغيرا من مشاعري نحوك... حتى و ان تزوجتي من اليساندرو.. ستبقين الأخت الكبرى لهما...لست بحاجة لتحليل دم كي أحبك مثل ابنتي"
لم تكن يوما مقربة من وصيها كما اللحظة، منذ خطوبتها باليساندرو توقف التوثر بينهما، بدأت تفهم أن وحشيته معها عائدة لخوفه عليها، تماما كما أخبرها العرّاب ذلك المساء... مساء زواجه.
* * *
هناك تغيير جذري فيها، تصرفاتها مهذبة بشدة و تبدو روحها بعيدة عنه بآلاف الأميال، منذ عودته من التيلاند برفقة صوفي و سابرينا و الأمور تنفلث من بين يديه، وجد غرفته فارغة من ملابسها، أخبرته بأنها تفضل العودة الى شقتها بما أن والدته عادت الى البيت، هذا الجذار الذي نصبته بينهما يجعله في كل حالاته، بدأت تنزلق مجددا نحو المرأة التي تعرف عليها المرة الأولى، يجهل سبب هذا الانقلاب... و ربما... في أعماقه.. يعرف شيء ما.
في سهرتهما الأخيرة قبل رحيله الى التيلاند كانت ترتدي قناعها البارد، لم تتكلم كثيرا كعادتها، و طرحت عليه عدة أسئلة غريبة، اسئلة متعلقة بأعماله الأخرى، في كل مرّة تحاول التوغل أكثر في حياته القاتمة الثانية، تلك التي ينوي حمايتها منها بأي ثمن، لقد صدّقها في الماضي عندما أخبرته بأنها لا تهتم حقا بنوع الحياة التي يعيشها بما أنها تعي جيدا جوهره، بأنها تريده كما هو... مالذي حصل بالضبط؟ و هل هو مستعد لهذ التغير؟ بالطبع كلا... وجد ما تمناه دوما في شريكة... انها نصفه الثاني، وهو لا ينوي التنازل... بريانا رأت الوحش فيه... رأته حقا كما هو... وهو رآى فيها ملاك الرحمة الذي جلب معه ما احتاجه بحق في حياته..
كانت تجلس على يمينه في هذه الكنيسة العملاقة حيث تقام مراسم دفن الجد سيفيرانو بينما تجلس سابرينا على يساره، المكان مكتض بالمعزين، سيزار من يدفع كرسي جده كوستانسو، هذا الأخير أتى ليودع آخر أصدقائه، مد يده ليلتقط يد بريانا القابعة في حجرها، تحسس الحجر الماسي لخاتم خطوبتها، تركته يفعل لكنها لم تضغط عليه بدورها كما هي عادتها، بقيت جامدة مثل الصخر... هل فقدها؟ انها بصدد الابتعاد عنه ببطئ... وهو يعيش أول حالة رفض أنثوي في تاريخ حياته... يعترف أن هذا مؤلم.. لسيما منها هي... الوحيدة التي قرر حقا الزواج بها.
انحنى نحوها وهمس لها:
" هل أنت بخير؟"
هزت رأسها بالايجاب لكنها لم ترد، ثم سحبت يدها و ابقت عينيها على المراسم الدينية التي بدأت، و استرسل رجل الدين في التعريف عن الميت و حياته الغنية بالانجازات، ثم بقراءة سفر المزامير لداود النبي الذي يحكى حياة المسيح، بعد ان انتهى أتى دور أفراد عائلته لإلقاء كلمة، روبي اختنقت في كلماتها لأكثر من مرة، كانت ترتدي فستان أسود و تضع شال من الدانتيل على رأسها:
" كان من المؤلم فقدان جوزيف قبل سنوات... و اليوم، أودع حبيب آخر... جدي الغالي... أتمنى أن ترقد روحك بسلام..."
جوزيف سيفيرانو كان شاب في مقتبل العمر، و اختطفه الموت بغتة، سبق و تعامل مع ذلك الشاب الحيوي و اللطيف، رجل أعمال قاد أعمال السيفيرانو بقبضة من حديد، حياة هذه العائلة لم تعد كما كانت منذ رحيله.
" من هو جوزيف؟" سألته بريانا بخفث.
" شقيق روبي الأكبر... موته خلق صدمة عنيفة للعائلة و للجزيرة برمتها... كان انسانا رائعا..."
" تبدو منهارة... " علقت بتعاطف" الموت يختطف بإستمرار الناس الجيدون ".
............
عندما حطت عليها أهالي صقلية هذه النظرات كانت برئيهم المرأة المنحلة أخلاقيا و التي خانت أميرهم الغالي، اليوم الكل يتطلع اليها بعين مختلفة، لأنها لم تحني رأسها و ردت لهم نظراتهم المتفحصة الا ان اجبرت كل فرد على نكس رأسه المتعالي، تغيرت المواقف و أيضا المكانات، ليست الجميلة التي افثن الأمير بجمالها و تزوجها ليسخر من بروتكولات والديه، بل زوجة نيوس ليونيداس و حفيدة السيفيرانو، أهل صقيلية يعشقون بشدة الأقاويل، تعرف بأن حياتها هي أول مواضيع أحاذيثهم عندما يستيقظون و آخرها عندما ينامون، روبي لا تتوقف عن مناداتها شقيقتي بدل اسمها، فخورة أمام الكل أو ربما طريقتها في رد الاعتبار لشخصها الذي تعرض للقهر في هذا البلد، لكنها أقوى مما كانت، و لا تهتم بالمرة لمواقفهم العنصرية، تعلمت الدوس على آراء الأخرين، الحياة كانت من القسوة بحيث علمتها كيف تكون قوية، و الا تأبه سوى لنفسها.
رفضت ترك كلمة لقاتل جدّتها، عموما فلن تنافق نفسها، لا تملك عاطفة نحو هذا الرجل ببدلته الفاخرة و الممدد في نعشه، لا يمكنها ان تردد كلمات لا تقصدها، كانت تتمشى بجانب نيوس الذي يحيط خصرها بذراعه، هذه الذراع التي لا تبتعد عنها بالمرّة و يمكنها الإعتماد عليها مؤخرا كما لم تكن في الماضي، الجميع يتبع العربة التي تأخد النعش الى مقبرة العائلة، عربة مذهبة ومزينة بأشكال مختلفة من الصلبان والملائكة وسعف النخل وأغصان الزيتون، وتجرها خيول مطهمة مغطاة بفرش زاهي الألوان إشارة إلى زفافه للعرس السمائي. يسير وراءها المشيعون إلى المقبرة... عنوانه الأخير.
يمكن لإذنيها التقاط انتحاب روبي و خالتها، الوحيدتين اللتين تبرزان علامات الحزن و الشجن لمصاب العجوز، هي شخصيا أفرغت كل دموع الجسد لموت سبيروس... لم تكذب عندما أخبرت سيفيرانو بأن اليوناني هو الجد الوحيد الذي عرفته في حياتها، فراقه كان موجع للغاية، و هي تفتقده بشدة أيضا، تأسف لأنه لم يعد موجودا ليعيش فرحة حملها الثاني.
رأت داركو تتأبط ذراعه فلورانس متشحين بالأسود معا، تحتفظ مثل المعتاد بزوجها بعيدا عنها، لابد أن الجميلة ما تزال تعاني مع مشكلة الثقة...ما زالت تخشاها حتى وهي تراها منتفخة البطن برفقة زوجها، ستعتبرها بإستمرار غريمتها و لن تصير يوما صديقتين.
في المقبرة انتبهت الى أن كل سلالة السيفيرانو هنا، الحفرة التي تم تجهيزها للفقيد بجانب قبر زوجته الثانية، تركت نيوس و الجميع الذين خلقوا حلقة حول الحفرة و بحتث عن قبر جوزيف، لا تعرفه سوى مما حكت لها روبي، أخبرتها بأنه كان انسان بخصال مميزة جدا، الشاهد مكسو بالرخام يحمل صورة لشاب قاتم العينين، بإبتسامة رائعة، لم يكن قد تجاوز الثلاثين من عمره... وهذا بالضبط ما يشير له تاريخ الولادة و الوفاة... كان عمره السادسة و العشرون فقط... يالها من خسارة!
عادت الى الحشوذ الملتفة حول النعش بينما رجل الدين يتلو قراءة فصول من الكتاب المقدس لتعزية العائلة و يقدم الشكر لله و الخضوع لإرادته، بدأ الصندوق بالنزول الى قلب الحفرة، عند دفنه أخذ الكاهن في يده حفنة من التراب وذراها في الهواء قائلًا "أنت يا آدم تراب وإلى تراب تعود".
أمسك نيوس بيدها لكنها رفضت لمسه، تريد حقا البقاء بمفردها، بدأ الكل بهجر المقبرة بإنتهاء المراسم، رأت روبي تزور قبر جوزيف، تجلس على ركبتيها بجانبه و تنفجر في البكاء، انه يوم حزين و مليئ بالمشاعر، بقي سيزار بعيدا عنها يمنحها ما تحتاجه من حميمية، لكنها لم تستطع حذو حذوه، أخرجت مناديل ورقية من حقيبة يدها و مدتها اليها، هذه الاخيرة اخدتها شاكرة:
" انا أفتقده بشدة..." شرحت بصوت تعس:" كان يشبه الجبل في شموخه و اراه دوما كبيرا... رحيله مبكر جدا... لم تسنح له الفرصة بعيش حياته كما يجب..."
بقيت تستمع الى كلماتها الشجنة بعض الوقت قبل أن تقف هذه الأخيرة مجددا على قدميها و تمنحها رؤية لوجه متورم من شدة البكاء.
عانقتها لمساندتها و دعمها، بذراع فوق و أخرى تحت توجهتا التوأمتين نحو مخرج المقبرة الى بيت سيفيرانو حيث سيتم استقبال المعزين للمرة الأخيرة... بعد قراءة الوصية ستطير الى اليونان... لن تتحمل ليلة أخرى في صقلية، فقد انهت ما اتت من أجله.
..............
تشعر بأنها فارغة عاطفيا، بين كومة المعزين الجالسة في باحة المنزل تدردش بهدوء و متشحة بالسواد و بين حزنها الشديد تحس روبي بأن الدقائق تمر ببطئ شديد للغاية، هذه الأيام الأخيرة كانت صعبة عليها، فراق جدها مؤلم، أشد ألم مما ظنت.
التقطت أنفاسا عميقة و ابتسمت شاكرة لزوجها الذي جلب لها كوب قهوة سوداء طلبتها منه.
" الا ترغبين بالذهاب الى غرفتك و الارتياح قليلا؟"
" ليس قبل أن يقرر المعزين العودة الى بيوتهم... و كأنهم ينون البقاء هنا حتى المساء..."
مسح على وجنتها باصابعه بينما عينيه الرصاصتين تتطلعان اليها بتعاطف:
" أنا هنا... سأظل هنا..."
" أشكرك على وقفتك الرائعة... أنا محظوظه بك... أحبك بشدة سيزار..."
" أنا ايضا أحبك... " قبل يدها بدفئ :" ارى بأن المحامي يستعجل بقراءة الوصية... هل أتت فيوليتا؟؟"
فيوليتا كانت خطيبة جوزيف و حبيبته، اختفت بعد موت هذا الأخير مباشرة، من ضمن رغبات جدها الأخيرة أن تحضر المرأة لقراءة وصيته، لكن فيوليتا لم تمنحها ردا، و لا تنوي العودة الى صقلية بعد أن هجرتها منذ سنوات و قلبت صفحة الماضي على ما يبدو.
" لا... لم ترد على رسائلنا... يمكنك أن تخبر المحامي انتظارنا في المكتب ريثما نودع المعزين..."
لكن وشوشة من حولها نبهتها بوصول زوار جدد، كانت امرأة متشحة بالسواد لا تعرفها و لم يسبق أن رأتها، تمسك بيد صبي صغير أسود الشعر، شدتها فورا ملامح وجهه القوية... رأت والدتها تقصدهما و تسلم عليها.
" ظننتها هي ... أعرف بأنها لن تأتي... إختفت من فوق سطح الأرض"
فرك مجددا على يدها داعما قبل أن يقصد المحامي و يطلب منه تبعه، أتممت قهوتها التي منحتها طاقة جديدة و رأت والدتها تلقي نظرات قلقة نحوها قبل أن تقرر الالتحاق بها و بالزائرة الجديدة، هذه الأخيرة لا تبدو ايطالية بالمرة، كانت تتكلم بالانجليزية:
" يجب أن نتكلم..." قالت لها والدتها وهي تشير الى الزائرة:" نحن الثلاثة... "
في ظرف دقيقة كان ثلاثتهم في الجناح الخاص لوالدتها، المرأة الأنجليزية تحملق اليها ببعض الفضول، عرّفتها على نفسها:
" بيرتا دابل... أنا من أريزونا..." اذن فهي امريكية؟ لما لم تنتبه من لهجتها؟ " أنا قريبة فيوليتا... "
شعرت روبي بأن قلبها ينفجر في صدرها:
" لما لم تأتي ؟؟ ارسلت لها ايمايلات لا منتهية فلم أحصل على معلومات تخصها..."
ابتسمت المرأة ببعض الحزن:
" لم اكن أعرف بأنكم حاولتم الوصول اليها... فيوليتا توفيت منذ عامين... أنا هنا لأنها طلبت مني المجيء ان سمعت بوفاة السيد سيفيرانو... "
فيوليتا توفيت؟؟ ماهذا الجنون؟؟ لكن... رمشت روبي بعنف كي تفهم بالضبط ما يحذث اللحظة.
" كيف هذا توفيت؟؟ و لما تنظرين موت جدّي كي تأتي الى هنا؟ لم أعد أفهم شيئا؟"
رأتها تلتقط أنفاسا عميقة و تقول:
"هل يمكن أن يسبب الحزن السكتة الدماغية أو النوبة القلبية؟ نعم ، يمكننا أن نموت بقلب مكسور... فيوليتا لم تتحمل أبدا نهاية خطيبها المأساوية...الحزن (والضغط الذي يسببه) أدي في النهاية إلى موتها... لكن هناك شيئ آخر عليكما معرفته..."
فتحت حقيبة يدها الكبيرة و أخرجت ملفا أصفر و غلافين:" لا أعرف ما حذث بالضبط بين فيوليتا و جدك الا انها قطعت علاقتها بإيطاليا بسببه... لقد كانت حامل من جوزيف عندما هربت الى أمريكا...ومعي كل الاثباتات و الأوراق التي تؤكد صحة كلامي... الطفل لا ذنب له و هو بحاجة لدعم عائلته... شخصيا لم اعد قادرة على اعالته أكثر... لسيما و أن الرجل الذي خشيته فيوليتا رحل... قالت أنها تثق بك كثيرا..."
طريقة سمعها لهذا الكلام تشبه التشويش الذي تتعرض له عندما تقوم بالغطس، الكلمات ليست واضحة و المعنى يبدو مستحيلا، عندما اختفت فيوليتا قبل سنوات أشيع عنها الحمل نعم ، لكن العائلة نسيت فورا هذه الشائعات، وهاهو الماضي يعود اليوم بقوة، هل يعقل أنها عاشت هذه السنوات كلها محرومة من طفل جوزيف؟؟ شقيقها الغالي الذي كانت لتضحي بنفسها من أجله؟؟ فتحت فمها لتلتقط أنفاسها وهي ترى والدتها تلتطق الأوراق التبوثية و تتفحصها بتركيز شديد، كانت هذه الأخيرة شاحبة شحوب الأموات... ماذا ان لم تكن هذه المرأة صادقة؟ وهي هنا فقط تستغل موت سيفيرانو كي تنصب عليهم و تسلبهم بعض المال؟
" الطفل الذي رافقك هو ابن أخي؟ كم عمره؟" سألتها روبي بحذر وهو تمسك بوثيقة رسمية من الجهات الامريكية الموثقة.
" عمره الست سنوات و النصف..."
باشرت بالتطلع الى الوثيقة التي تحمل اسم الولد ...{ أنجلو جوزييف سيفيرانو.... ابن جوزيف توماسو تيتو سيفيرانو...}
وضعت يدها على صدرها أمام تاريخ الميلاد، ان صدقت الاشاعات السابقة فإن فيوليتا كانت حامل بأربعة اشهر عندما مات حبيبها؟ هل جوزيف كان على علم؟ لا تظن ذلك... لأن شقيقها لم يخفي عليها شيئا.
" فيوليتا قامت بترك فحوصات أيضا تثبت بأنه ابنها.."
" لما لم تعود مع ابنها ان كانت هذه القصة صحيحة؟" سألت روبي بإندفاع.
" كانت تقول بأن جدّ جوزيف لم يتقبلها يوما لأنها يتيمة و من دون اي اسم عريق، كانت خائفة جدا منه، من ان يسلبها الطفل ما ان يعرف بأن هناك وريث للسيفيرانو... لكنها رحلت بعد ان بلغ الصغير الأربع سنوات... لم تتمكن من نسيان جوزيف و لا قلب صفحة الماضي، تمكن الاكتئاب منها و تعرضت لجلطة أنهت حياتها... قمت بتبني الصغير كما وعدتها و أنا هنا لأن هذه أيضا رغبتها... أظن أن من حق آنجلو التعرف على أصوله الايطالية... من حقه العيش في بيت والده"
ملأت الدموع عيني روبي، المرأة لا تطلب المال بقدر طلبها لاهتمام بالطفل الذي يُفترض أنه يحمل دماء شقيقها، هل جدّها كان يعرف لهذا طلب حضور فيوليتا خلال قراءة وصيته؟ ذلك الطفل الذي فقد والده ووالدته في ظروف مؤلمة؟
تركت الجناح بخطوات ثملة و عادت حيث تركت المرأة الصبي أمام سندويتش و كوب من العصير، لمحته روبي جالسا بهدوء رجل بالغ أمام الصحن الذي لم يلمس منه شيئا، بحتث عن شقيقها في ملامحه ووجدته في تلك النظرات و الخصلات الحالكة السواد بالرغم من أنه ورث عيون والدته الزرقاء، الطفل يبدو ضائع في مكان لا يعرفه، وهي... لم تجرؤ بالإقتراب منه، نار قوية تتآكل صدرها، وجدت سيزار في المكتب مع أصدقائه، روكو و اليخاندرو و داركو ثم المحامي، انفجرت في المحامي ما ان أغلقت الباب خلفها:
" كنت تعرف بأن فيوليتا ماتت و تركت خلفها وريث السيفيرانو؟؟ لهذا رغب جدّي بحضورها اثناء تلاوة وصيته؟؟"
هذا الأخير بدى متصلبا لكنه قال بهدوء:
" أنا من دفع ثمن تذاكر الطائرة... ذلك الصبي هو ابن جوزيف حقا... لم يتوقف جدك عن البحث و البحث خلال السنوات الماضية لأنه كان يأمل بأن الشائعات مصيبة... قبل موته بشهر تأكدت شكوكه... توصلنا الى مكانه و وجوده، فهو يحمل شهرة أمه في المدرسة، من القانون الأميركي ان يحمل الطفل شهرة والديه معا ان لم يكونا متزوجين..."
انهمرت الدموع على وجهها الشاحب، اذن فهي عمّة، الحقيقة أخلتها توازنها، لم يعد بإمكانها تحمل كل هذه المفاجآت المتتالية، أصبح سيزار بجانبها و التقطها ليجبرها على الجلوس فوق الكنبة، وضعت رأسها الثقيل على كتفه، كانت سعيدة و حزينة لهذا الواقع... هي التي طالما تألمت الا يترك شقيقها أثرا خلفه... منحها أجمل مفاجئة... هدية لا تُقدر بالأموال.
" أكاد لا أصدق أن جوزيف ترك خلفه وريثا؟"
لاحقا بينما المحامي يقرأ وصية الجد، كانت نظراتها لا تفارق الصبي اليتيم الذي يتطلع الى أثاث المكتب بنظرات منبهرة، لا يبدو انه عاش الرخاء، فيوليتا عملت نادلة خلال الأربع سنوات و نصف التي قاومت بعيشهما بعد موت حب حياتها، يبدو ضائع النظرات ايضا و كأنه خائف مما هو قادم، قسّم سيفيرانو تركته على أفراد عائلته المتبقية، ديامانتي وهي تملكان اليوم 20 في المئة، والديها ال30 في المئة و البقية لآنجلو... لهذا قرر الجد أن تكون فيوليتا حاضرة... أو بالأحرى إبنها الذي صار ثريا اللحظة.
" أمنح حقي لهذا الطفل... لست بحاجة لأمواله..." تدخل ديامانتي قائلة بهدوء:" هل هناك اجراءات ما أم أنه يتوجب علي فقط التوقيع على تنازل كليّ؟"
غريب كيف أنها فكرت في الشيئ نفسه، تدخلت المرأة التي يُفترض انها قريبة فيوليتا.
" من ضمن رغبات فيوليتا الأخيرة ان تتبنى روبي بنفسها آنجلو..." فتحت فمها من هول المفاجأة:" اتمنى ان يتم احترام رغبتها...."
و ان لم يقبلوا ستحصل على ارث السيفيرانو و تعود الى أمريكا مستغلة الصبي!؟؟ هذا لن يحذث.... ابن جوزيف سيبقى في صقلية، نظرت الى سيزار الذي لا يبدو ان المنحنى الذي يتخذه الموضوع يُعجبه.
" نحن سنهتم به..." سمعت والدها يتدخل بصوت حازم:" روبي لديها حياتها مع زوجها... الصغير بين عائلته اليوم... لن ينقصه شيئ..."
ابتسمت المرأة متفهمة:
" بلا أدنى شك... لكنني أحمل رسائل لروبي... حيث تخاطبها فيها فيوليتا و توضح لها لما اختارتها هي كأم بديلة..."
حكت روبي جبينها، رأسها يكاد ينفجر من شدة الصداع، كل هذا مفاجئ جدا و تفضل الإنفراد بنفسها و قراءة تلك الرسائل، وقفت من مقعدها و قالت لديامانتي:
" هل أنت متأكدة بترك حصتك للصبي؟"
" كل التأكد... ليس ارث الجدّ ما سيشعرني بأنني جزء من السيفيرانو... أنا سعيدة بموقعي الحالي..." رأت نيوس يمسك بيدها و تبتسم له هذه الأخيرة بدون أي حرارة، تحولت هذ الفتاة الى آلة بلا إحساس في وجوده، متى سيفلح نيوس بربحها مجددا يا ترى.؟.
" فليكن عزيزتي..." أردفت روبي وهي تعيد اهتمامها نحو بيرتا:" هل من الممكن ان تعطيني رسائل فيوليتا؟ أحتاج للانفراد بها"
* * *
المراهقة البدينة و التي تعشق الحلوى تحولت الى بجعة حقيقية، كان يلبقها ب candy وهي كرهت هذا اللقب ، فعل هذا مرارا خلال لحظات لقائهما المتباعدة، ناومي كانت تملك ضعف شديد نحوه، القصة التقليدية للمراهقة التي تحب صديق شقيقها، بينما الحقيقة هو اعجب بشقيقتها الكبيرة التي تهتم أكثر بنفسها، ذلك الاعجاب الذي تلاشى فورا ما ان تذوق الحلوى، مشكلته المستعصية هي السأم... لا يجد سعادته مع امرأة، في النهاية تتشابه كلهن، و اليوم ناومي مارشال لا تشبه بتاتا التلميذة المجتهدة التي في ذاكرته، لم يراها منذ سنوات وهاهي امامه بحلة تسلب الألباب.... تحولت الى من بدينة بطاقم تقويم الأسنان و بشرة دمرتها البثور الى رشيقة بتموجات أنثوية مبهرة، غرتها الشديدة الشقرة و المهملة سابقا ، لامعة فوق كتفيها، هذا التغيير يصيب عينيه بالعمى.... واو.
" دافيد ريتشي... منذ متى لم نلتقي؟" سألته ناومي بدفئ وهي تقبل وجنته.
تملك عيب خلقي مما يجعل عينيها بنفسجتين تقريبا، هذا التغير طالما أفقدها رشدها في الماضي، و بما انه يناديها أيضا بكاندي فهذا لم يحسن من ثقتها في نفسها، لكن من أمامه اليوم هي سيدة أعمال وسط فستان رائع لا يخفي شيئا من تفاصيله الرائعة و بحداء عالي الكعبين... تلاشت ناومي كاندي البدينة...و.... واو.. شيء لا يُعقل.
" بالكاد اصدق ما أرى, بالكاد أعرفك..."
انفجرت في الضحك، نغمتها جمدته فورا في مكانه:
" لقد كبرت... لا تقلق لم أعد مغرمة بك!..."
كشر دافيد:
" هذا من سوء حظي..."
استدارت نحو 'كين'، هذا الأخير يبدو مفتونا بدوره، رأها تمد يدها الأنيقة نحوه و تصافحه:
" لا بد انك ابن عم دافيد"
" كين ريتشي... سعيد التعرف عليك انسة مارشال، دافيد لم يعطيك حقك"
" هل اخبرك بأنني بدينة ووجهي مليئ بحب الشباب و عيوني بنفسية تذكر الناس بمصاص دماء مقيت في فلم ممل؟"
هذا بالضبط ما اخبره به، سمع كين ينفجر في الضحك، ما اتى به اليها هو صديقه الوكا الذي لا يتوقف عن مدح انجازات شقيقته الصغيرة التي اصبحت مهندسة لامعة جدا و ناجحة، البطة تحولت لبجعة، و ليست أي بجعة!
" انصحه بإرتداء نظارة طبية..." سمع ابن عمه يعلق متهكما.
عادت ناومي تحملق اليه بعينيها المتميزتين، لم تكن مرعبة بهما بل فاثنة جدا و استثنائية، بعد اتصاله بها قبل ثلاثة أيام دعتهما لزيارتها في مكتبها، الذي يحتل الطابق الأوسط لناطحة السحاب في أرقى بقاع منهاتن، مكاتب لوكا في البناية نفسها:
" لا يبدو ابن عمك في صفك!..."
" لم يكن يوما في صفي..." أجابها بإبتسامة:" لكنني اصريت على توجيهه الى ألمع إسم في نيويورك... كين يوسّع نشاطاته، و يبحث عن مهندسة لمكاتبه الجديدة في بوسطن..."
هزت رأسها بإهتمام و تحولت نظراتها الى كين مجددا، ابن عمه مميز بملامح انقسمت بين والده الايطالي و امه اليابانية-الكورية، لكنه حصل بدوره على عيون آل ريتشي الشهيرة، طالما حصل على معجبات بفضل هذا التجاوز، لكنه رجل جدّي و ليس لعوب بالمرة، و هذه النظرات التي يحطها على ناومي لا تعجبه بالمرة، كين الذي لا تعجبه امرأة عادة مأخود بما أمامه... ناومي تستحق هذا التقدير الذكوري، انها فاثنة... تفوقت عن ايموجين... بل تفوقت على كل حسناوات نيويورك:
" لكن... ان كنت شديدة الانشغال عزيزتي يمكنني ايجاد شركة هندسة أخرى..."
قولي بأنك مشغولة هيا...!
" يمكنني الاطلاع على تفاصيل المشروع حول طاولة العشاء هذا المساء لأنني اليوم مشغولة... ما رأيك؟؟"
كانت تقصد كين بكلامها، هذا الأخير اشرق وجهه و تجاوب فورا:
" سأكون سعيدا بالتأكيد... يمكنني المرور لأخدك..."
" نلتقي في مطعم الزهرة الذهبية عند السابعة... سكرتيرتي ستقوم بحجز طاولة لإثنين فلا تزعج نفسك.." ثم استدارت نحوه أخيرا، ابتسامة شاسعة على وجهها، اسنانها البيضاء تتلألأ تحت الأضواء:" سررت برؤيتك مجددا دافيد... سأهتم بزبونك فلا تقلق... "
لكنه غيّر رأيه، لا يريدهما أن يعقدا صفقة مع بعضهما، هذا التواطؤ السريع بينهما لا يريحه، عندما ودعتهما الجميلة و منحتهما رؤية شاملة لوركين رائعين، شد على ذراع ابن عمه وقاده نحو المصعد.
" انها مناسبة..." سمعه يقول بصوت مليئ بحماسة قناص أتى على الحصول على فريسته..." مناسبة جدا..."
" ليست مناسبة بالمرّة... ستتواصل مع شركة أخرى و تنسى أمر ناومي... انها الشقيقة الصغيرة للوكا، ان غازلتها فسيقوم بتحكيم أسنانك الجميلة..."
انفجر كين في ضحك متهكم.
" دافيد... هل يجب أن أذكرك بأن صاحبة السمعة السيئة في الريتشي هو أنت و ليس أنا؟"
تجاهل ملاحظته:
" سوف تتصل بها بعد ساعة و تخبرها بأنك غير قادر على المجيئ هذا المساء لأن تمة عمل عاجل يستدعيك بمغادرة نيويورك..."
أغلق كابين المصعد عليهما، تطلع اليه كين بنظراته الزرقاء الحادة الذكاء:
" رأيت عملها، انها تهمني دافيد و أنوي الذهاب لهذا العشاء... ما سيعقب لا يهمك بشكل أو بآخر... هل هذا واضح؟"أصبحت السخرية عميقة الجذور وهو يضيف:" هل تغيرت رؤيتك فجأة فور رؤيتها مجددا بحلة مغايرة؟؟ تريدها لنفسك؟؟ دافيد.. انت غير منصف بحق تلك الفتاة ان فكرت بإغوائها وقد خرجت مع شقيقتها الكبرى..."
" لم أخرج مع إيموجين... كانت بيننا مغامرة صغيرة و انتهت... كما أنني لا انوي اغراء ناومي... أعترض فحسب على طريقتك في تفحصها..."
" طريقتي انطبقت على طريقتك في التطلع اليها... "كين يملك ردا لكل شيئ، و يتسلى كثيرا بإستيائه، لكنه محق، فيما يهمه أن يجد هذا الأخيرة كاندي على ذوقه؟ اختفت الحلوى و حل محلها غزل البنات:" ان كانت تعجبك فسأنسحب..."
" انها لا تعجبني كإمرأة... انها فحسب شقيقة لوكا المدللة.... لا أهذف لمشاكل معه..."
ابتسم كين:
" سأكون حذرا... فكما تعلم... أشبه أكثر طباع مارك انطونيو... أنا وفي بطبيعتي و أكره العلاقات العابرة... هذا بالتأكيد ان كنت أهم المعنية بالأمر أكثر من مجرد زبون تنوي عقد صفقة معه..."
" أشك في أنك صنفها ... في الماضي كانت مغرمة بي..." أكد بغرور على كلماته الأخيرة.
إنفتح باب المصعد على ردهة الاستقبال، عدّل كين ربطة عنقه الفاخرة و دفع بخصلات شعره الشديدة السواد الى الوراء و هو يرد باليابانية بطريقة متسلية لم يفهم معناها.
" مالذي قلته..؟"
" سنرى ما سنرى.." ثم غمز له و ابتسم معززا الغمازة في خده." أغرمت بك البدينة و ليست المثيرة الرائعة التي أتينا على رؤيتها قبل قليل...كانت تتصرف و كأنك شفاف "
وهذا ما لاحظه هو ايضا... الجميلة نسيت أمره كليا و لم يعد فارس أحلامها تماما كما تبخر أيضا بالنسبة لبيانكا.
* * *
كانت الأمسية كئيبة، ينقصمهم وجود خوسيه، لا أحد من الرفاق حسن المزاج، داركو يحاول تلطيف الجو، اليخاندرو يعترف أنه هو نفسه تنقصه الحماسة، لسيما بوجود خافيير منذ أيام في بيته، التشابكات بينهما لا تقل، و هذا الأخير لا توقفه الكلمات، انه بارع جدا في صد هجومه بطرقه المتعددة، لا ينوي تغر رئيه بشأن المكوث في بيته و لم يقبل بكل اغراءاته، لم يجد بعد الفرصة للتكلم مع روكو الذي عاد بالأمس من التايلاند برفقة ابنته ووالدته، وهذا المساء عن غير عادته يبدو مبالغا في الشرب، مشاكل مع صوفي؟؟؟ هذه الأخيرة أصبحت صعبة المراس منذ الحاذثة، صديقه يعاني بشدة من سلوكها السيء، لا يتدمر أبدا، لكن اليخاندرو ليس غبيا كي يتكهن الموضوع... يعرف بأنها تكره من يتحكم في حريتها و حياتها.
" حتى و ان قررت روبي قبول شرط فيوليتا و تبني الصبي..." قال فجأة روكو عائدا للموضوع الذي دفع سيزار لإفراغ قنينة من الوسيكي هذا المساء:" الموضوع لصالحك..."
هز سيزار عينيه المحرّتين نحو صديقه، ثملا أم لا روكو لا يفقد سيطرته عن نفسه:
" فيما يجب أن يفيدني تبني صبي لا أريده؟؟ هناك والدي جوزيف و هما مستعدين للقيام بدور الأب و الأم على أكمل وجه... أما فيما يخصني... أريد أطفالا من صلبي, منذ أشهر و نحن نحاول و نحاول و لا شيئ يحذث... ان تبنت روبي ابن شقيقها فستنسى موضوع الانجاب مني كليا ..." حملت رنة صوته ألم مدفون، يبدو ان موضوع الانجاب يؤثر عليه أكثر مما ينبغي... منذ ان فقدت روبي حملها و هو يخاف على الا تحمل منه مجددا، تنهذ روكو، كان يجلس على الكنبة، وقد فك ربطة عنقه و فقد شعره تسريحته، ملامح وجهه مسترخية بفضل الكحول بينما نظراته السوداء مشتعلة:
" فكر في ما سيجلبه لك هذا الطفل ان تبنيته... لقد ورث نصف ثروة السيفيرانو و سيحتاج لمن يديرها و لا يوجد غيرك، فقد تورطت في تلك العائلة منذ أن قررت الوقوع في حب ابنتهم... و روبي... ستنسى موضوع الشهرة و مهنتها الفنية... "
بدى الاهتمام على وجه سيزار، لا يبدو أنه فكر في هذا الاحتمال، تدخل اليخاندرو لأنه أيضا فكّر في هذا منذ ان عرف بأن جوزيف رزق بطفل من خطيبته:
" ذلك الطفل يتيم... شخصيا أعرف ما يعنيه أن تكون وحيد و خائف..."
تابع روكو بهدوء:
" تعاني مع المسافة و الوضع برمته، اليس حلمك أن تستقر زوجتك معك في نفس البيت و تبنيان الأسرة التي تحلم بها؟ أنت غير قادر على الوقوف أمام أحلامها الفنية لذا أرسلت لك السماء من سيجبرها على البقاء...... نصيحة... ان اقترحت روبي تبني ابن اخيها فلا تجاذلها لأنها، هي، قبلت بإبن لوسيا قبل ان تعرف بأنه ليس منك ...الوضع مشابه"
" ستغير مسار حياتها من أجل ابن شقيقها بينما لم تشأ ذلك من أجلي أنا؟؟ أنا أمام منافس حقيقي... و الحقيقة أنني لا أريد أحد في حياتي... لا أريدها أن تصب اهتمامها على أحد غيري... كانت تكن الكثير من العاطفة لجوزيف... ذلك الصبي سيخطف زوجتي مني ... لن اتبناه... "
" انت غيور من صبي الست سنوات ؟؟ قل شيئا منطقيا سيزار..." تدخل داركو مقطب الجبين:" انها فرصتك لإجبار زوجتك على البقاء... وصدقني... بإبقائها بجانبك ما سيمنحك فرصة الحصول على أطفال و ليس بملاقاتها مرّة كل أربعة أسابيع...أم أنك تأمل جعلها حامل بالمراسلة؟!"
عمّ الصمت، بدى الجميع غارق في أفكاره، دمدم سيزار فجأة و هو يفرغ كأسه في جوفه:
" لا نعرف فيما تفكر النساء حقا بينما نعيش حياتنا يقنين اننا نشفر كل ما توفر من السلوكياتهن المعقدة... أحاول أن أكون كما تريد... و هذا الوضع لا يشعرني بالارتياح، أبدو متناقضا مع نفسي... الحقيقة أنني أكره بعدها بشدة... تنازلت على حساب هنائي الشخصي... لا أستهجن خيارتي لا.... فرؤيتها سعيدة هي من أولوياتي المقدسة... لكن حلم الحصول على طفل يزداد حدة يوما بعد يوم... عندما رأيت صورة طفلي خوسيه... فكرت بحمل زوجتي الذي لم يتم... قمت بحساب سريع... في هذا الوقت كان سيدخل شهره التالث"
" أتيتما على الزواج سيزار... بعض الازواج ينتظرون سنوات قبل أن يفكرون جديا في الانجاب... أم أنها طريقتك لضمنها بجانبك؟؟ لازالت تتآكلك الشكوك نحوها؟" سؤال اليخاندرو المباشر جعل سيزار يهز رأسه بالنفي:
" أثق بشدة في روبي... كانت مستعدة بالتضحية و التضحية للبقاء معي... أنا من قرر احترام كلمتي و دعم فنها... أريد طفل منها لأنها زوجتي و قطعة منها ستزيدني سعادة و تضمن أكثر استقرار عائلتنا..."
ابتسم اليخاندرو:
" انت قلتها... تضمن أكثر استقرار عائلتكما... مازلت متخوف من أن ينهي حلمها الفني زواجكما... أنت تتنازل و لست راضي كليا بهذه التنازلات و تضع اللوم على السلوكيات التي فقدت طريقتك الصحيحة في تشفيرها... "
وقف فجأة روكو من مكانه، و التقط سترته عن ظهر الكنبة التي كان مسترخي عليها:
" سأعود أذراجي... أنا مرهق و أرغب بالنوم، يمكنكم اتمام سهرتكم بسلام..."
اعترض اليخاندرو طريقه بينما يستعد للمغادر:
" يجب أن أراك ايها العرّاب... هناك موضوع أريد أخد رأيك فيه..."
هزّ روكو رأسه موافقا واستدار نحو البقية:
" المعذرة يا رفاق... سأعوضكم قريبا بسهرة أكثر دفئا... فكرت بمفاجئة خوسيه و الهجوم عليه في نهاية أسبوع ما... بعد أن يخرج بالتأكيد من تلك المستشفى حيث قرر إمضاء أيامه في حراسة أميرته الصلعاء الصغيرة..."
" تضحيات أب مثالي..." علّق داركو بإبتسامة" ابنته شقراء على حد قوله ...".
" طالما كان خوسيه مثاليا... إنه من الوفاء بحيث لا نتكهن ذلك من خلال ذرع القسوة و الا مبالاة... و ابنته صلعاء و ليست شقراء... هيه... سيزار... تبنى ذلك الطفل اليتيم... انه بحاجة لأب... و أنت بحاجة لزوجة حقيقة و ليس ظلها... فكر في الموضوع... لن تخرج أبدا خاسرا... النساء تعشقن الرجال الكريموا الأخلاق... ستحبك اكثر و تحترمك لحد التقديس...و ستحصل على دزينة أطفال بدل الذي فقدته "
بلع سيزار ريقه لكنه لم يجيب، الموضوع يزعجه بشدة، رؤيته بصدد تقاسم حب حياته مع صبي الست سنوات الذي يمثل بالنسبة اليه منافسة قوية، قاد سانتياغو رئيسه خلال الحشوذ الغفيرة لرواد الملهى الخاص به الى الخارج حيث سيارة بإنتظارهما، في سكون ليل صقلية العطر انطلقت السيارة بين الشوارع المظلمة، و عندما انتبه الى أنه يقوده في الطريق الخاصة لقصر ايميليانو طلب منه العروج على شقة بريانا، كانت الساعة متأخرة للغاية، يعرف انها غارقة في النوم... المعجزة التي لم تحصل معه منذ مغادرتها بيته... عاد الأرق ليمزقه مجددا.
" توقف هنا..." أمره روكو بينما يخفف سانتياغو من السرعة و يتوقف بمواجهة مكتب بريانا حيث الضوء في شقتها الفوقية ما يزال مشتعلا، هي أيضا لا تتمكن من النوم بسبب هذا البعد الذي تُفرضه على كليهما.!؟
فرك بقعة حساسة في موقع قلبه، الضغط نفسه الذي يحسه كلما تعلق الموضوع بها.... يكره رؤيتها ضعيفة وحزينة ، على عكس المرأة الزاخرة التي عرفها... وهذا ما أصبحت عليه مؤخرا... مهمومة... بعيدة... غريبة عليه...هو لا يزعم بأنه قديس... أنه يخطئ نعم... وربما أخطأ أكثر عندما وثق بها وهي تخبره بأنها لن تتركه... مهما حذث... لقد وعدته و لم تحترم وعودها... الوحش الذي اكتشفته فيه لم يروقها و بدأت بالابتعاد... شكل الغضب والعجز كوكتيلًا سامًا بداخله!
وضع يده على مقبض الباب و قفز خارجا متجاهلا سانتياغو الذي يحاول ردعه بلا ادنى شك، توجه نحو بيت المرأة التي أخدت معها نومه و هنائه الأخيرين، فتح الباب الخارجي بسهولة وصعد السلالم الداخلي، ترك نفسه أمام بابها يحاول اقناع نفسه بعودة أذراجه، وضع يده على الباب الخشبي، مجددا يجد نفسه في نفس المكان، يأمل في الا تكون المرة الأخيرة...
فجأة فُتح الباب دون ان يقوم بطرقه و ظهرت بريانا وسط قميص نومها... كانت أنفاسها عالية، عينيها حمراوين و كأنها كانت بصدد البكاء، مظهرها مظهر من أتى على التأكد من أن حدسه لا يخطئ أبدا:
" عرفت بأنك هنا..." سمعها تقول بصوت منخفض.
" أنت من تركني و ليس أنا... " قطعت المسافة بينهما و ارتمت بين أحضانه، شعر بروحه تعود الى مكانها و أغمض عينيه بينما ذراعيه تعصران جسدها اليه بشوق شديد...
انه هنا... فكرت بريانا وهي تمرغ وجهها في عنقه، تتمسك به مثل منبوذ على وشك الغرق. رأسها على صدره ، ويديها تتشبث بقميصه ، تركت نفسها تستسلم لهذا اللقاء... دموعها ترافق نبضات مكتومة من نبضه. فوضوية ، عنيفة ، مفجعة. الجسم الذي هزته تنهدات فظيعة ، أخلي كل الحزن المتراكم في الأسابيع الأخيرة. أحست به يدفن أنفه في رقبتها ، روكو يضغط عليّها لخنقها ، لكنها لا تهتم. التنفس فجأة لم يعد مهمًا جدًا بالنسبة لها. أنفاسه الدافئة تجتاح شعرها ، وتغطي بشرتها حجاب من العرق. على فترات متقطعة ، يرتفع صدرها ، مغطى بالتشنجات الصامتة...في هذه اللحظة ، تود أن تندمج مع جسده ، قلبه ، روحه ، لا تريد تركه مرة أخرى.
و انغلق باب شقتها خلفها... الزمن يعيد نفسه... في ذلك المساء الذي أخدها روكو في يخته الى مونتي كارلو.... لكن هذه المرة.. روكو يملك نسخة المفتاح، ابتعدت عنه لتتطلع الى عينيه القاتمتين و المتوهجتين في العتمة الخفيفة، لم تعد قادرة على تحمل هذه الحرب في صدرها، تحبه و تخشاه و تكره التفكير فيما يمكن ان يحصل ان تدمرت كليا حياتها بتعرضه لحاذث مأساوي!.
أدلف يده في جيب بنطلونه و اخرج نسخة المفاتيح، انحنى عليها و تسللت يده خلفها ليفتح الباب و دفعها الى الداخل، كانت تنبعث منه رائحة الكحول القوية، لكنه لا يبدو ثملا:
" لم أنم منذ رحيلك ... ان كان هذا اختبار لي بريانا... بأنني متشبث بك و صادق نحوك... "
هزّت رأسها بالنفي، تمسح بقايا دموعها:
" أنا أحبك و أنت تعرف روكو..."
" طريقة حبك مؤذية بريانا... بعدك يؤلمني... فقط لو تخبريني ما يحذث...!"
بُعدها لم يكن مؤذي له فحسب بل مريب لها أيضا، كانت مخطئة بشكل جسيم في اعتقادها بتحكمها في الموضوع، انها تفتقد جسده قربها ليلا، تفتقد طقوس الاستعدادات الذكورية كل صباح و التي تتركها متأثرة، تفتقد اهتمامه بحياتها التافهة و التي لا جمال فيها، و كل هذا... لم يدفعها لتناسي الموضوع و العودة بكل بساطة، مازالت توقن ان الزواج به هو خطأ جسيم... خطأ فادح، لكنه رجل حياتها... الدخول الى حياته مثل الدخول الى الجنة... أو... مكان فاحش مثل دخول الجحيم... غير قادرة على البقاء بالقرب منه دون لمسه ، انتقلت إلى الجانب الأخر لإقامة مسافة آمنة بينهما، الشيء السخيف بالتأكيد بعد ارتمائها عليه قبل لحظات...
رفض هذه المسافة، رأته يقطع الخطوات بينهما و يأخدها مجددا بين ذراعيه، فكرت في تعقيد المشاعر التي اشعلت غضبه وراء الجبهة الباردة التي أظهرها، أغمضت عينيها بينما يهمس لها بنبرة قاطعة:
" لا تبتعدي عني مجددا... أنا لا أتسلى... لا أتسلى"
بعد فحص مشاعرها ، كان عليها أن تعترف بأنها في حالة يأس، الوقت بطيء جدًا لمن ينتظرون ، سريعًا جدًا لمن هم خائفون ، طويل جدًا على المنكوبين ، قصير لأولئك الذين يبتهجون ، ولكن بالنسبة لأولئك الذين يحبون بعضهم البعض ، فالوقت هو الأبدية... لا يهمها أن تكون وقحًة ، فكونها نفسها أكثر أهمية بالنسبة لها من التظاهر.
" أريده خارج حياتي..." قالت له وهي تبتعد عن أحضانه لتحملق الى عينيه مباشرة.
" من هو؟؟"
" يانيس... العرّاب... المافيا... أريدك دون تلك الاسلحة و بدلات الوقاية من الرصاص... " لا يبدو متفاجئا من هذه الاتهامات، فقط العجز ما أثقل نظراته التي تثقل على صدرها مثل الصخور.:" ظننت بأنه يمكنني أن أغيرك..."
" انت غيرتني بريانا... أنا رجل آخر... لا أنتمي لا للعراب و لا لروكو نفسه... لا تفسدي كل ما بيننا فقط لأنني أنوي حماية مصالح أناس أحبهم "
" و من يحميك أنت؟؟" صرخت به من خلال دموعها:" فكر في نفسك روكو... كن أنانيا و فكر في نفسك، آمل أن تختار الاقتراح الثاني... ان رغبت بأن أبقى بالتأكيد..."
رأته يأخد نفسا و بقى بمواجهتها، نظراته أصبحت مجنونة، تتجول في وجهها بضيق واضح:
" لن تذهبي الى اي مكان ... لا شيء يستحق أن تعودي لإبتزازي مجددا بنفس المعايير... أنا رجل مستقيم، رجل مهم، ان اتنقل بالسلاح و طاقم حراسة مرتديا شخصية العرّاب تفرضها ظروفي!... تعودين لتناقضين نفسك بريانا... أنت بنفسك من أخبرني بأنني لا اشبه والدي و بأنك تتفهمين طريقة عيشي!... لما تنوين معاقبتي عن حياة لم أخترها !" صرخ بكلماته الأخيرة... نجحت بإفقاده صبره..." لم أختر أن أكون ابن يانيس... لم أختر أن أكبر وسط هذه الاشواك الواخزة و الثعابين السامة و أن أدخل حرب سياسية لا منتهية!... أنت وعدتني بالبقاء مهما يحذث... وحدك من يغير رئيه و يحاربني بما تمنيت أن يتم دعمي فيه ... لا يمكنك تغير من أكون ظاهريا... العرّاب صاحب النفوذ و السلطة... لكنك معمية عمّا غيرته فيّ داخليا... لم أحب أمرأة كما أحبك و لا يمكنني تركك ترحلين أو الخروج من حياتي فقط لأنك جبانة و ترفضين المحاربة بجانبي... أين حبك في كل هذا؟؟؟ أين ولائك؟؟ أنا مستعد للتضحية من اجلك... و أنت؟؟ هل انت مستعدة لتحمل العرّاب من فينة لأخرى؟؟ اليس هذا هو الحب الذي تكلمت انت عنه ذلك المساء بينما تعترفين لي به للمرة الأولى ؟؟ الحب أفعال و تضحيات و ليس مجرد كلام فارغ بلا أي معنى... "
صمتت بريانا...
روكو أتى على الاعتراف لها بحبه.... هل فقه لزلة لسانه؟ يال المعجزة...
انفجر أخيرا... و تعترف أن مطالبته لتضحياتها صائبة... الحب تضحيات... الحب لا منطق له... ان احبت حقا فعليها نسيان البقية... تحب بقلبها و بعقلها... أي لا تفكير ... لا منطق.
" تخافين من أن يتم اغتيالي يوما من الاخرين؟؟ تجهلين بأنك من يقوم اللحظة بإغتيالي و بأبشع الطرق؟... "
" رباه..."
" وعدتني ببناء أسرة... زواج.. أطفال... لذا أطالبك بالوفاء بوعودك اللعينة... منذ البداية كنت تعرفين من أنا... من أكون و كيف هي حياتي!... منحتك فرصة التراجع عندما اكتشفت أبوتي لصوفي... لكنك أصريتي... أخبرتني بأنك تفهمين... أخبرتني بأنني انسان جيد.... بأنني أستحق فرصة مسامحة نفسي و التوقف عن معاقبتها... أخبرتني بأنني أنا من على حق و ليس يانيس... ثم تقررين فجأة الانسحاب... و كأن الموضوع برمته منذ البداية لم يعني لك شيئ أكثر من رحلة خطرة قررتي قطعها و العودة الى ديارك... لكنك مخطئة بريانا... أنا ديارك..."روكو المتحفظ عادة لا ينوي التوقف عن الترثرة، تمكنت من تفجيره و إطلاق لسانه، دنى منها ليمسك بوجهها بين يديه و يجبرها على النظر الى عينيه المتوهجتين من شدة الغضب:" برهني لي بأنني أهمك و لست مجرد تجربة سئمت فورا من اكتشاف أبعادها... تجربة اكتشفت فجأة بأنها لا تستحق العناء"
ترك وجهها، دون ان تتمكن من ايقافه كان قد تمكن من مغادرة الشقة تاركا كلماته تتعالى خلفه و تتردد بلا انقطاع أو توقف في داخلها.
* * *
ما أن أغلقت ناومي باب المكتب خلفها حتى أدارت رقم صديقتها جيم، هذه الأخيرة ردت عند أول رنة، جيم محامية و ناشطة اجتماعية قوية الارادة، أدخلت محاذتتهما فورا مع صديقتهما ايفا هي أيضا عدلية و تعمل في نفس الدار التي تعمل بها جيم، ارتمت ناومي على مقعدها و زمجرت:
" الا يمكنكن الإنتظار؟؟"
" نريد أن نعرف كيف مرّ اللقاء؟ الايطالي الوسيم صدمته رؤيتك؟؟"
هي التي هربت من لقائه منذ ان قررت تفادي سخرية المجتمع لوزنها و أخد زمام الأمور بيدها، دافيد ريتشي هو ايقونة، انه الرجل الذي حلمت به كل فتاة أمريكية على الأقل مرة واحدة في حياتها، انه الوسيم الاكثر شعبية، وهي كانت تملك ضعف شديد نحو ابن المغنية الذي اختطف مع شقيقته الأضواء من والدتهما.
" كان ينتظر adel القديمة..." قالت متهكمة.
" و صدمته adel الجديدة..." انفجرت جيمي ضاحكة:" هل تمكنت من اثارة انتباهه اخيرا؟؟ "
" فقد كلماته... بعد اعادة التفكير يا فتيات... ليس ذنبه ان حطم قلبي في سن السادسة عشر، لم أكن لأثير انتباه نجم مثله بينما ايموجين الرائعة تحوم حوله بتلك الابتسامات المغرية و الجسم المتناسق... في ذلك العمر و بتلك الغرامات الزائدة و الوجه الممتلئ بالبثور و أيضا جهاز تقويم الأسنان لم أكن لأثير اهتمام حتى كلب متشرد..."
" ناومي المسكينة..." أردفت ايفا :" دعيني اخبرك أنك قطعت شوطا كبيرا و أن النتيجة تستحق التقدير... أنت فاثنة عزيزتي... "
جلسات الليزر الطويلة للتخلص من البثور التي سببتها هرموناتها الغير متوازنة و أيضا الرياضة و الرجيم المضنين للحصول على هذا الجسد الذي يثير الاعجاب، نفس الاعجاب الذي رأته في النظرات الزرقاء التي كانت تراها دون ان تراها... الفضل يعود لدافيد... تغيرت بسبب تجاهله لها، اصبحت مهندسة ديكور لامعة و صاحبة شخصية قوية ايضا بفضله... ذات مرة نصحها الا تدع قبحها يؤثر على شخصيتها و حياتها... كلماته جرحتها بشدة... و هي سعيدة بإعادة الصاع صاعين له اليوم، سعيدة ان تبرهن له بأنها أصبحت تشبه تماما نوع النساء اللواتي يظهر معهن في الصحف و المجلات.
" هل مازالت المراهقة بداخلك تميل للوسيم الايطالي ؟" سألتها جيمي متنهذة.
" ردة فعله قبل قليل تُشعر المراهقة المنبوذة بداخلي بالاكتفاء..." قالت بصدق و هي تبتسم برضى:" هناك شيئ آخر... جلب معه ابن عمه، انه مزيج من الاروبي و الاسيوي، لا يشبه دافيد سوى في عينيه الزرقاوين..."
" أملك ضعف نحو هذه النكهات المختلطة..." قالت ايفا:" عرّفيني عليه..." و هي ليست متفاجئة لهذا الطلب، هذه هي ايفا، ملكة الاغراء " رغم كل هذه التفاؤلية الا انني لا أرك مكتفية بحق... هل تنوين وضعه في سريرك لنسيان الموضوع برمته بعدها؟"
كشرت ناومي، لم تفكر في هذا الاحتمال، صحيح انها شعرت بالاكتفاء من مواجهتها مع الرجل الوحيد الذي أشعل مخيلتها المراهقة في الماضي، لكن ان تعيش معه مغامرة.... عموما فدافيد مشهور بمغامراته القصيرة المدى... يملك حساسية مريبة من الارتباط الجدي.
" أنا أبني ألف فرضية أكثر إثارة للقلق الواحد تلوى الأخرى... هل يمكنك الاجابة بنعم أم لا.؟" سألتها جيم.
" المرة الوحيدة التي نويت فيها جديا اغراء رجل في فيغاس تبين انه شريك لوكا و صديقه... هل يُعقل أنني انجذب دوما للايطالين الذين لا أحرك فيهم ساكنا؟؟"و كان في صوتها الحاجة الى شيئ من السيطرة.
" اليساندرو ايميليانو... أممم... انه خارج مجال الرهان للاسف... و حاليا نتكلم عمن كان يهديك الحلوى و يطلق عليك اسم كاندي من باب المودة... "
" حذوت حذو كل فتاة تريد أن تشعر بأنها على صواب في مسيرتها... حتى و ان سنحت لي الفرصة... أرفض مغامرة سرية مع 'دون جوان' متمرس عاشر نصف نساء الكرة الارضية...عدم قدرته على البقاء وفيا لإمرأة هو معرفة شائعة" القت نظرة على ساعة يدها، كان حبها لدافيد بثقل الرصاص على قلبها، ترفض قطعا العودة مجددا الى هذه التفاصيل المؤلمة، أصبح الحديث صعباً فجأة. :" سأترككما الى اعمالكما يا فتيات... ألغي موعدنا هذا المساء لأني على موعد عشاء عمل... أحبكما"
" مع كين ريتشي؟؟" سألتها ايفا متحمسة."سيأتي الى هذا العشاء مع تصورات مسبقة"
" ما ان أتأكد من ميوله الجنسية حتى ارشحك له... بالرغم من انه وسيم جدا و استثنائي الا انني غير مهتمة بالمرّة...و من الافضل له الا يأتي مع تصورات مسبقة."
" ككل مرّة... "
"لماذا أشم رائحة السخرية في كلماتك؟"
" ستموتين عزباء يا طفلتي... لا أحد يصل للدفة التي تتعمدينها مرتفعة جدا جدا... "
" انا لست متطلبة..." اعترضت ناومي بما يشبه الذعر في صوتها:" أملك حساسية من العلاقات العابرة، من حقي انتظار الحب الحقيقي و ان لم يأتي فمهنتي أسبق... كبرت مع شقيق يستعمل سحره للصول لمبتغاه الذكوري... أحب لوكا من قلبي لكنني أكره طريقة عيش حياته... آملت لو يحتفظ بميغان أكثر... أحببت تلك الفتاة بشدة"
" الحب انقرض مع أحلامك الرومانسية ناومي... كوني واقعية و عيشي حياتك... بإنتظار أن تحذث المعجزة سنستمر بالصلاة لك..."
علّقت جيم متهكمة قبل ان تقرر قطع المكالمة و العودة الى قضاياها الامنتهة.
* * *
كيليان أرشيبالد ترأس طاولة اجتماعاته طيلة الأسبوع، لا يدعم التهاون و يرفض الكسل و تم فصل من لم يكن في المستوى المطلوب خلال غيابه، السباقات على الابواب و تجربة محركاته الجديدة، ينوي النزول الى الحلبة لتجربتها شخصيا، ميغان غرقت في العمل الشاق لدرجة انها لم ترى لونا خلال الأمسيات السابقة، كانت تعود متأخرة في اللية و تكون هذه الأخيرة نائمة في سريرها، المربية التي اضطرت لتوظيفها تهتم بها بعد خروجها من المدرسة، لكن كيليان الصعب الرضى يدفع الجميع الى حالة الاكتئاب النفسي، لا شيئ يرضيه... يرفض قطعا الا يتم الاهتمام بأقل التفاصيل التي يعطيها أهمية بالغة، طلب منها الطيران الى موسكو مما اضطرها لترك لونا في عهدة جارتها، منذ يومين تعاني الارق و الاجهاذ النفسي و الجسدي، بينما هو يبدو مسترخي و سعيد بدور الديكتاتور، لكن شيئ ما تغير في هذه النظرات الزرقاء، لم يعد يعبس كثيرا مثل السابق، راقبته يجري على المستنذات أمامه، سكرتيرته الخاصة عابسة و مزمومة الشفاه، بينما طاقم الادارة ينتظر بفارغ الصبر نظرة رضى منه، هز فجأة وجهه نحوهم، لكنه لم يشر الى العمل المضني الذي قاموا به، بل خضع لموضوع مغاير تماما:
" أريد لائحة متجددة بأسماء الجميعات الخيرية التي تقوم ارشيبالد بدعمها ماديا..." التقت نظراتهما، ولم تمنع نفسها من رفع حاجبها متسائلة، هذا العمل من اختصاص سكرتيرته، لما يشارك الجميع به؟ يفضل خوض موضوع محايد ليبرهن عدم رضاه بعملهم؟؟ الرسالة وصلت بطريقة سريعة للفريق الذي بدأ و بالتحرك في أمكنتهم بإنزعاج :" بفضل قيمتنا المالية... ندعم أناس في كل ارجاء العالم... الشيئ الذي سيتوقف بالتاكيد مع فريق يفتقر للكفاءة... ان استمريتم على هذا النحو... سنسد أبوابنا قبل نهاية هذه السنة..."
بدأ الجميع يديرون رؤسهم إلى اليمين ثم إلى اليسار ، مثل حيوانات عاجزة تبحث عن مخرج، وهاهو كابوسها يتحقق أمام عينيها رغم تضحياتها بساعات لا منتهية من العمل الشبه استعبادي، عندما امرها كيليان بالطيران فورا الى موسكو ادركت بأن مصيبة بإنتظارها، بأمر منه بدأ الفريق بالانسحاب مطأطأ الرأس و مسلوب العزيمة، وقفت بدورها تضم تقاريرها الى صدرها، لكنه اشار لها بالعودة الى مكانها ففعلت، سكرتيرته اقتربت منه:
" تريد لائحة الجمعيات فورا سيدي؟؟"
كان ينقر بأصابعه الطويلة و الانيقة على سطح طاولة الاجتماعات العملاقة، شعره الحالك السواد يداعب جبينه، ملك على عرشه بهبة السلاطين...
" أريدك ان تظيفي اسما..." سمعته ميغان يقول لسكرتيرته:" انها جمعية خيرية ايطالية مبتدئة تحت اسم ' لا حدود بيننا'... أناس يساعدون المهاجرون الغير شرعيون و يحتاجون الدعم المالي و القانوني... ارسلي شيكا بمليونين و رشحي 'فيرونيكا جياكي' كسفيرة رسمية لشركتنا..."
فتحت ميغان فمها، أعمال كيليان الخيرية دائعة الصيت، و ليس هذا ما يثير اهتمامها، لكن البريق الذي لمع في عينيه وهو يضغط على الاسم الايطالي، ظهرت بداية ابتسامة طفيفة - غير إرادية - على وجهه ، ثم اختفت بالسرعة نفسها التي لاحت بها... عندما اصبحا بمفردهما صبت لنفسها فنجان قهوة بينما رفضها هو:
" المقارنة بين ما حصادنا السنة الماضية و هذه السنة غير عادل، ان استمر الامر على ما هو عليه فلن أطرح جديدا في الأسواق... لن يكون هناك سباق تجريبي لما تنتظره الصحافة على أحر من الجمر!"
" انت غير متفائل بالمرة بالرغم من اننا نسير على خطواتك كيليان... ما الأمر؟ لما تخشى الا يكون المحرك الأخير بالقوة التي تخمنها؟؟ التجريبات الأخيرة كانت مرضية للغاية أنا شخصيا من أشرف عليها"
" مرضية؟؟ شطبي فورا على هذه الكلمة من القائمة ما اتوقعه منك و من بقية المهندسين الذين أدفع لهم أكثر من كفائتهم....ما تطرحونه لا يختلف تماما عما قدمناه في سباقات السنة الماضية... ليس هذا الهذف ميغان... ليست محركات خارقة و لن نسلم من الانتقاضات، وهذا لا يخدم سمعة ارشيبالد التي طالما تفوقت على نفسها في السنوات الأخيرة... السباق بعد ثلاثة أسابيع و انا لا أؤمن بالمعجزات... "
أطل رأس سكرتيرته مما دفع حاجبي رئيسها للالتقاء، كان غاضب جدا لهذه المقاطعة:
" ماذا؟"
" هناك..." وقبل ان تتم كلامها اندفع جسد انثوي الى الداخل.
شعرت ميغان بالتوثر يعلو فورا في الجو، ايموجين هي هذه الزائرة التي دفعت كيليان للتكمش في مكانه، تلك المتعة السرية و النشوة التي لمحتهما على وجهه طيلة الاجتماع الناري اختفت و اصبحت من الماضي، لا يبدو مسرورا بالمرة برؤية زوجته، بدى فجأة و كأن الــ 1.500 حصان التي لم يرضى على قوتها الجبّارة في المحرك الجديد قد مرّت كلها على جسده، ببطئ ترك مقعده، بينما صاحبة الشعر الأحمر الرائعة في طاقم أبيض شديد الأناقة تقترب منه، تبتسم بحرارة ،و انتبهت مع كيليان في الوقت نفسه لوجود ابنته ايضا، هذه الأخيرة ركضت مثل السهم نحو والدها الذي فتح ذراعيه اليها و التقطها بسهولة، اختفى الرئيس و حل محله أب طبيعي متشوق لابنته:
" مفاجأة اليس كذلك؟" صرخت به الصغيرة و هي تقبله على وجنته و تتعلق بعنقه بذراعيها الصغيرتين.
" مفاجأة نعم يا طفلتي... لم أتوقع قدومك..." سمعت رئيسها يقول بلكنة يحاول بالتأكيد اخفاء غضبه تحتها... تراه يتجاهل التلميح لايموجين في كلامه، هل اصبحت شفافة بالنسبة اليه لهذه الدرجة؟؟
" أخبرتني أمي بأننا سنعيش مجددا معا..." صرخت اوكتافيا بحماسة بريئة.
حط كيليان نظراته على ايموجين، وقفت ميغان ببطئ من مكانها، لا تعرف الطريقة التي تتباها في هذه المواقف، هل تتركهما؟ تبقى؟ تأخد الصغيرة؟؟
" تركت العمل..." سمعت ايموجين تقول:" فعلت ما طلبته مني... أنت و أوكتافيا أهم من في حياتي... "
رأته ينزل ببطئ ابنته الى الأرض، أعطاها انطباعًا بأنه مختوم، بأنه لم يتوقع هذا الاذعان من امرأة قوية مثل زوجته، بقي يتواجه بنظراته معها قبل ان يحول فجأة اهتمامه نحو ميغان:
" خذي الصغيرة رجاءا ميغان... "
اعترضت أوكتافيا:
" أريد البقاء معكما... أريد سماعك تقول بأننا سنعود اسرة كما كنا في السابق..."
نقطة ضعف كيليان هي ابنته، ايموجين تستعملها جيدا للضغط عليه، انه الكيد الانثوي، لكنها تنزل من نظرها بهذه الطريقة، عيون اوكتافيا كلها أمل، كلها رجاء، الوضع يؤلمها بالتأكيد لأنها تحبهما معا، كل طفل في الدنيا يريد رؤية والديه معا.
" اعدك أن نتكلم لاحقا..." وشوش لها كيليان برقة:" لدى السكرتيرة برّاد به مثلجاتك المفضلة..."
رشوتها صعبة لكنها قبلت بعد أن أكدّت لها والدتها بأن كل شيئ على ما يرام، أمسكت بيد الصغيرة و قادتها نحو الباب الخارجي لقاعة الاجتماعات، آخر ما رأته هي النظرات القاتلة التي حطها رئيسها على زوجته.
* * *
ابن جوزيف لم يكن ترثارا بل متحفظا و حذرا للغاية، لكنه لم يخفي خوفه عندما أعلنت له بيرتا بأنه ربما يبقى للعيش في هذا القصر الجميل الذي يملك مسبح و حديقة، التهمت روبي رسائل فيوليتا، هذه الأخيرة أحبت جوزيف أكثر من ابنهما لأنها لم تتمكن من التخلص من اكتئابها الذي تسبب لها بجلطة، و من لم يحب شقيقها؟ هي نفسها عانت بشدة بسبب موته، عاشت فقط من أجل أمها التي رفضت ان تفقدها هي أيضا، راقبت آنجلو يجلس بمفرده في الحديقة، لا يلعب مثل الأطفال في سنه، ربما فيوليتا أبعدته عن بطش جدّها لكنها نقلت اليه جذورها الايطالية، كان يتكلم اللغة بإثقان بالغ، شعرت بالحنان يغزوها، لكن قرار أن تتبناه يقلقها، فالأمر لا يتعلق بها فقط... هناك سيزار، مهنتها، أحلامها... تبني هذه الطفل سيجبرها على التخلي كليا عما حلمت به دوما.
جلست بالقرب منه على الكرسي الحجري في الباحة المواجهة للمسبح، هذا الأخير اتسعت عيناه وهو يراها.
" الجو بارد للسباحة... يكون الصيف رائع جدا في صقلية.... سوف ترى... ستحب العيش هنا..."
" أريد العودة الى أريزونا... هناك أصدقائي و مدرستي..." كان صوته تتخلله غصة.
فهمت لما فيوليتا تصر على ان تتبناه شابة و ليس عجوزين، ستكون الأقرب لعمره، و تتفهمه أكثر نعم.
" سيصير لك هنا اصدقاء..." اشارت بيدها نحو الثلال المنخفضة التي تحيط القلعة: " هناك... كنا نلعب الغميضة أنا ووالدك..."تاهت نظراته في تلك التلال و كأنه يحاول تخيل والده صغيرا يركض في التلال خلف طفلة صغيرة قمحية البشرة." هل تريد ان أريك غرفته؟"
هز رأسه بالنفي و امتلأت عيناه بالدموع:
" أريد العودة الى البيت"
ظهرت بيرتا فجأة، المرأة فاقدة للصبر، تنوي تسوية الموضوع قبل أن تطير مجددا الى أمريكا، وهي تتفهمها، انها بصدد التخطيط للزواج من رجل تعرفت عليه مؤخرا و وجود طفل يُعيق حياتها، حاولت لمس شعره الاسود لكن الصبي فرّ هاربا.
" لا تقلقي... سيعتاد قريبا على البيت..." قالت بيرتا وهي تجلس بجانبها.
" أراه متعلق جدا ببيته في أريزونا..." قالت روبي منتنهذة.
" ليس البيت بحد ذاته..." قالت بيرتا بصوت حزين:" المقبرة غير بعيدة عن المنزل، عندما يستهلكه الشوق يركض الى قبرها و يمضي ساعات بجوارها، وفي كل مرّة... اضطر للتفاوض معه كي يعود الى البيت... ما يلبث ان يمر اسبوع أو أسبوعين حتى يعيد الكرّة... أحيانا يتكفل بإعادته الجيران و أحيانا أخرى الشرطة... برئي الطبيبة آنجلو مضطرب عاطفيا، و برئي أنا هو طفل بحاجة لأم و أب حنونين يعوضانه ما فقده، و أنتم عائلته و الأسبق به..."
شعرت بقلبها يتمزق بقسوة للوحة التي عرضتها عليها المرأة، هذا الطفل يحمل دماء شقيقها، هل كان ليقبل بهجر {ابنتها او ابنها} لو فقدت هي الحياة؟ أبدا... تعرف جوزيف، تعرف كم يضع أهمية على اعضاء العائلة، كم هو حنون و رقيق، و بالتأكيد لم يكن يسمح لإبنها أن يعيش الفقدان دون التدخل... وجدت نفسها تتخذ قرارها الصعب، عليها التكلم مع سيزار... عليها اقناعه بوجوب تبني هذا الطفل الذي فقد والديه في أشد الظروف بؤسا... وليس أي طفل... انه ارثها من جوزيف.
* * *
أعاد تقييمها ببطئ و تأن من فوق الى تحت، لا يمكن لأمرأة أن تكون اشد أناقة مما هو أمامه، لا يمكن أن يقول اشد حسنا، ايموجين تهتم بشدة بشكلها الخارجي، لا خطأ في هذا الوجه الجميل التفصيل ولا خطأ في هذا الجسد الذي يعرفه جيدا، عندما رآها أخر مرّة نصب أمامها تحدي كان واثق جدا بأنها لن تقبل به، تجاهل اتصالاتها مؤخرا... لأنه كان يعيش في الجنة... مع امرأة مختلفة تماما، وسمح لنفسه للمرة الأولى بأن يشعر بشيء... فيرنا كسبته بأشد الطرق سذاجة و بساطة، هل يحق له أن يقول بإنها استهلكته بابتسامة؟ أن ضحكتها هي أجمل صوت سمعه في حياته؟ صارا صديقين و غدت مسترخية في حضوره، تقاسما الوجبات البسيطة في المعصرة التي استقبل فيها موظفيه الجدد... الأسرة المحمية من طرف فيرنا الرائعة... اعترف بأنهم اناس يستحقون فرصة عيش نبيل و حصلا على الوظيفة و عقد العمل الدائم الذي سيسمح لهما بالاستقرار و العيش بإيطاليا.
فيرنا تنير حياة الأخرين، تهدر طاقتها و وقتها لرسم البسمة على وجوه بائسة، و قد أمضى أسبوعين من الغبطة النفسية و تعلم منها الكثير، العودة الى كيليان كان صعبا، والوداع أصعب، لكنه وعد نفسه أن يعود, ما ان يضع محركه الأخير رهن الاستعمال... لكن وجود ايموجين يعيده بطريقة موجعة الى الواقع... نسي أنه متزوج، و يملك عائلة... أحلامه بشأن الفاثنة و اللطيفة فيرنا تبدو سخيفة الأن... و الأسخف أن يصدق ادعاءات سيدة أعمال ناجحة كزوجته... يعرف بأنها عاجزة عن العيش بدون مستشفياتها... هي هنا لربح الوقت.
" لما لم تخبريني بأنك قادمة الى موسكو..؟ كنت لأرسل لك الطائرة...!"
هزت كتفيها... هذه الأناقة تتنافض بشدة مع ثنورة فيرنا المتآكلة الأطراف... ورغم كل حسن ايموجين، الا أن هالة فيرنا تعمي بصيرته... أين كان عقله بينما يسمح لنفسه بـ... الشعور؟؟ صحيح الا شيئ بينه و بين تلك الفتاة، حتى انه لا يؤثر في أنوثتها كما تؤثر هي بشدة في رجولته و تستيقظ ذكورته بوجودها، لا تجاوزات حصلت، لا شيئ يتجاوز علاقة أفلاطوينة لرئيس بموظفته، أحب أحاذيثها بشدة و أدمنها، تمنى لو تتطور الأمور... لو يحصل على نفس النظرة التي ترمقه بها زوجته اللحظة... و لم يحصل سوى على الروح الرائعة التي تتمتع بها امرأة لا تهتم مطلقا بحسابه البنكي... او حتى بوسامته... امرأة تهز كيانه لكنه لا يحرك فيها ساكنا.
" حاولت اعلامك..." سمع ايموجين تقول:" كنت قد اختفيت و منعت اتصالاتي كلها، ما ان عرفت بأنك في موسكو حتى استغليت عطلة اوكتافيا و طرنا الى هنا..."
نعم العطلة بالتأكيد... اين كان عقله؟
" كنت مشغول جدا..." برر بصوت ناشف.
" انت دوما مشغول..." التمع خاتم زواجها وهي تلتقط يده و تعصر عليها:" اسمع كيليان... لقاءنا الأخير تكلل بالفشل، أعدت حساباتي نعم و أدركت بأن زوجي و ابنتي أهم من مهنتي... لذا... قررت ترك هذا الدور للطاقم الطبي، سأستمر بالعمل عن بعد، و أمنحك كل الوقت الذي تريده... أسرتنا أهم من أي شيئ آخر..."
" كم سيدوم هذا الكلام؟؟ شهر؟؟ سنة؟؟"
ابتسمت و تلألأت أسنانها الناصعة البياض:
" الى الأبد ... سيدوم الى الأبد... سعادة أوكتافيا فوق أي شيئ... أعرف بأنك ستعمل جاهذا ايضا لتوفر لنا الوقت و تضحي من أجلنا كما فعلت أنا... "
لم يجبها... هذا الحوار لا يعجبه... ستعود لغيرتها و للومه و التدخل في حياته و استفزازه... و ليست فقط هذه هي الاسباب الحقيقية... لا مشاعر له نحوها، تشارك معها أوقات جميلة نعم، لكن من تأبى الخروج من عقله تسكن بيت متواضع في أطراف قرية خضراء و بيتها مكسو بالورود، تملك عاهة جسدية صارت بالنسبة اليه علامة جمال حقيقة... كيف يمكنه ... في مكانته... التفكير بأدنى علاقة مع المُحسنة الفقيرة بينما ايموجين تملك كل ما يليق بكيليان أرشيبالد؟؟ عندما تتأبط ذراعه في حفلات الاستقبال فهما يكملان الصورة التي يتطلبها منه المجتمع، جميلان، مثقفان، ثريان، ولامعان جدا... فيرنا لا تدخل أبدا في القائمة... لن تكون يوما مناسبة له... ربما عودة ايموجين لتذكره بإبنته و بواجباته أتت في وقتها، عليه نسيان المُحسنة الايطالية التي أيقضت في سانتو كل معالم المشاعر الجياشة... فيرنا خطر عليه... أفقدته المنطق... أفقدته عقله... تمكنت من خلط كيليان بسانتو و جعلهما شخص واحد.
" توافقين على الاقامة في موسكو؟؟" سألها بحذر.
" بالتأكيد... " قالت بثقة:" عليك فقط الانتظار الى أن تُنهي أوكتافيا دراستها هذه السنة... و سنجهزها نفسيا خلال هذه الفترة، لا تنسى أنها متعلقة بشدة بلوكا و ناومي و والداي... كما ان هناك أصدقائها، لا يمكنك انتزاعها من محيطها في وسط السنة..."
كلامها منطقي جدا، انها تمنحه الحياة التي يريدها على طبق من فضة، أسرة متكونة من زوجة متوفرة و ابنة هو مستعد بالتأكيد للتضحية بهنائه من أجلها.
" أوكتفيا تتعذب بشدة لانفصالنا... و أنا... فعلت ما طلبته مني... لأنني أحبك كيليان... طالما أحببتك، و أرفض أن أخرب بيتنا بسبب أحلام مهنية... فقد لمعت بفضلك، أنت ساعدتني ووقفت بجانبي، و يبدو أنني... لهتث خلف النجاح و أهملتكما... لكن... كل شيئ سيتغير... أرفض فقدانك... و أوكتافيا تحلم بالحصول على أخ أو أخت لتكتمل اسرتنا... يمكنني الحمل مجددا متى راقك ذلك كيليان... أطلب مني ما تشاء، أرجوك انسى خلافاتنا و أقبل بما اقترحه ..." ضغطت على اصابعه:" من أجل أوكتافيا..."
من أجل أوكتافيا بدأت قصتهما أصلا، الحمل آنذاك وضع حدا لقرار الانفصال الذي كان قد اتخذه بينه و بين نفسه، حاول أن يكون زوجا جيدا و أبا جيدا، لكن خيبته كانت عظيمة، الشعاع الوحيدة في هذا السواد هو ابنته.
" يبقى هذا قيد التنفيذ... لن اصدقك بالكلمات..."
" أنت لا تفهم... لا أنوي التمثيل أمام ابنتنا... في السنوات الأخيرة امتهنا التمثيل أمامها و تدمرت علاقتنا... لم نتناقش كي نجد حلولا جذرية للوضع... أنا هنا لأنني أرغب بإنطلاقة حقيقية... كزوج و زوجة و ابنتهما... أطلب منك أن توقف معاملات الطلاق كيليان..."
" هل أذكرك بأنك أنت من طلب الطلاق و ليس أنا؟" سألها بجفاف.
" كنت حمقاء... أنا آسفة.." تركها تفصل المسافة بينهما و تلف عنقه بذراعيها و تضمه اليها بكل قوة:" لم أكن زوجة جيدة أعترف بهذا... أرجوك سامحني... أنت حب حياتي كيليان... من المستحيل أن أتخلى عنك..."
مشاعره متجمدة لذا لم يرد، صار يعرفها جيدا، لكن مالذي يملكه امام طلبها فرصة أخيرة بينما أوكتافيا تتعذب لهذا الوضع؟ اليس هو من تحداها و راهنها بعملها؟؟ ها هي اليوم هنا، تستجيب لمطامعه، لا يحق له ردعها بينما ابنته تتمنى هذا الصلح...، هزت ايموجين وجهها نحوه تنتظر تعقيبا... لا يمكنه منحها وعودا بينما تملأ رأسه امرأة أخرى... امرأة لا تناسب البتة وضعه ولا مكانته... كيف سيجد التوازن بين قلبه و عقله؟ ثم أن فيرنا... لا تبدي أي انجذاب نحوه، كيف يمكنه ملأ رأسه بإمرأة تنظر من خلاله و كأنه شفاف؟ بأي طريقة سيقنع نفسه بينما أتى على تسريب مليونين لجمعبتها ووضعها هي سفيرة ارشيبالد؟
ملأت زوجته البوصات القليلة التي تفصلها عنه ، مررت يديها على رقبته ووضعت شفتيها على شفاهه بعاطفة، كانت متفجرة بين يديه، تحاول كسبه مجددا، تريده أن يشعر بكل شيء تحاول قمعه، تطمح لإيقاض البركان الذي تفجر بينهما ذات يوم، اشعال النار الخامدة، لا يوجد عيب في المحاولة، لكن عندما أغمض عينيه متجاوبا لم تكن ايموجين من هو بصدد تقبيلها، بل امرأة متفجرة بكل ما هو رائع في العالم...يستمر وجودها فيه بالظهور باستمرار.... كانت تدفعه للجنون ، تستحوذ علي كيانه. لم يرغب أن ينتهي كل شيء ، رغب ببقائها... ماتزال موجودة فيه و هذا يعذبه!.. لم يسبق أن قبل امرأة بهذه الطريقة...ما يشعر به نحوها يُخيفه ،الرغبة تحرقه وتستهلكه... بدا وكأنه بركان على حافة الاندفاع ، على استعداد لتجريف كل شيء في طريقه، لم يملك شيئا من قبل و الان أمكنه ملك ما أراده من طفولته، الحصول على شيء نقي و صادق خاص به، كبر في الزيف، في المعاناة و في حياة مأساوية، حياته ستتغير منذ اللحظة... خرج من ضجة المشاعر المشتبكة فيه و ايقن خطئه بينما يرى شفاه ايموجين المنتفخة، كانت تتطلع اليه و كأنها تراه للمرة الأولى.. تجاوبه بهذه الطريقة يغمرها بالأمل ... تبدو سعيدة... لا ينوي طرح أسئلة لا مكان لها... مالذي حذث ليمزج بين أحلامه و الواقع؟ ترك ما حذث بلا شرح أو تفسير... لا ينوي جرحها، قد يجدا مجددا انجذابهما السابق و ينقذان زواجهما، سمعها تقول بصوت منخفظ:
" قل نعم..."
" نعم..."
نعم من اجل اوكتافيا...
هذه المرة هو من قربها منه ليضمها اليه، يجب أن يفرغ رأسه من فيرنا و ان يركز على زوجته و ابنته... يرفض قطعا ايلام أوكتافيا... و ان تركت ايموجين عملها من أجله فهو مستعد أيضا لمنحها فرصة لإنجاح زواجهما.
* * *
كان مزاج صوفي سيئا مثل المعتاد، عندما ترددت عليها بريانا لزيارتها و بالمرّة رؤية روكو الذي اختفى منذ ذلك المساء لم تبدي هذه الأخيرة أدنى حماسة، في وضعها، يمكنها تخمين كمية الاجهاذ الجسدي الذي تقوم به، الممرضات اللوتي تم جلبهن من التيلاند يقمن بعمل جيد، صوفي ايضا تتجاوب، فلا يبدو انها تطمح لتمضية بقية حياتها فوق كرسي متحرك.
وجدت سابرينا في المكتب، روكو ايضا كان هنا، و يبدو أنها قاطعت حوارا محتدما، رأت ملامح هذا الأخير تتغير ما ان سقطت نظراته عليها، بلعت ريقها ببعض الصعوبة، أمضت أوقات مريبة ببعده، و كل ما قاله ذلك المساء كان منطقيا، فالمشكلة ليست فيه انما فيها هي... انها جبانة جدا لتحضى برجل بقوة العرّاب.
" عزيزتي أدخلي.." قالت سابرينا وهي تجرها الى الداخل و تغلق الباب خلفها:" روكو من يتكلف كل سنة بأعيد الميلاد في تاورمينا و أيضا يمنح منح مالية للاسر الفقيرة... لما لا تشاركينا في التجهيزات..."
ابتسمت بريانا معتذرة:
" لا يمكنني... وعدت عائلتي أن اقضي العيد معهم..."
" أه..." هذا فقط ما خرج من بين شفاه سابرينا، بدت منزعجة من هذا الخبر.
تجرأت بهز عينيها نحو خطيبها الذي عاد يتفقد حزم لا منتهية من الشيكات التي سيدفعها كتبرعات للناس، ما يزال غاضب منها، تمنت لو أن سابرينا تفهم و تخلي المكان، شعرت بالعصبية لهذا التجاهل الذي يتعمده، ففي النهاية ليست هي وحدها من احتفظ بالمسافة هو ايضا وضعها أمام خيار و انتظر ان تقوم بالخطوة الأولى، حطت عيناها على سابرينا:
" أرغب بالبقاء قليلا مع روكو..ان كان هذا لا يزعجك "
آه.." وضعت يدها على صدرها و انتقلت بينهما بالنظرات و كأنها أتت على الفهم بأن تمة توثر بينهما:" بالتأكيد.. اعذراني..."
عندما أصبحا بمفردهما، أبتعد بإهتمامه عن الشيكات التي قامت شخصيا بتعبئتها قبل شهر من اليوم، الفي أسرة ستحصل على ستمئة يورو من جيب العرّاب، انه رجل كريم... ربما ايضا هي عادة ورثها عن والده... الذي كان يشتري بهذه الشيكات احترام وولاء و صمت المواطنين.
اهمل ما بين يديه و احتواها بنظراته القاتمة، لم تكن هذه النظرات لملاك! كان حذرا، حذرا جدا... و كأنه ينتظر هجوما تماما كما حصل المرة الأخيرة، قبل أن تتكلم رأته يدخل يديه في جيوب بنطال و يقول:
" عندما نمتلك أسرة فلا نمضي العيد بعيدا عنها... يمكنني التكفل بأسرتك مجددا كي نمضي العيد معا...أسعدت والدك الاقامة في هذا البيت..."
" روكو..."
" انت هنا لاتمام ما بدأته اليس كذلك؟ تنوين انهاء كل شيء؟" أحست بقهره في هذه الكلمات.
لهذا اختفى، كان يخشى من ان تدير له ظهرها بينما هي ايضا تخشى من أن خيبته فيها ربما خفت من الحب الذي اعترف لها به في أول مرة منذ تعارفهما..." انا لستُ الرجل الذي حسِبتِهِ... لستُ بطلا و لا خارقا... "
امتلأت عيناها بدموع القهر:
" لو كنت خارقا لما قلقت على مصيرك... أنت بطل كل هؤلاء، وقبلهم بطلي أنا... "
أحست فجأة بالتعب و السقم في أعماق قلبها، فجأة ، انحنى إلى الأمام ،واستراح بيديه على مكتبه يبدو مُجهدا و محبطا:
" سبق و أخبرتك بأنني لا أملك الخيار... هذا الطريق تم رسمه لي... لا يمكنك تغيره بريانا... أنا لا أهاجم، اقوم بردع الضربات فحسب... تبقين نظراتك على ما لا أهمية له... تتجاهلين التطورات التي حذتث بالفعل بفضلك... " هز عينيه نحوها و أجزم بصوت هادء:" طلبتي من طفلا و رفضت... أردتك حرة الاختيار، انبهرتي بي في البداية لكن الحقيقة سرعان ما انفجرت في وجهك و ابعدت اللمعان... لم اكن لأجبرك على البقاء بسبب طفل تفهمين؟ ربما أخطأت في الوثوق كثيرا بحماستك نحوي منذ البداية"
" توقف... " اكتفت و لا تريده ان يقول ما ستندم هي عليه لاحقا:" هذا صحيح... الحقيقة انفجرت في وجهي لكنك مخطئ جدا ان اعتقدت بأنني أخاف على نفسي... أو بالأحرى... أنت محق... أنا أخاف على نفسي... أخاف أن أتدمر ان أصابك مكروه لأن الحياة... نعم الحياة... لا قيمة لها بدونك... "
" المكروه الوحيد الذي سيصيبني هو رحيلك من حياتي..."
" لن أرحل روكو... اكتشفت بأنه لا يمكنني الرحيل... " صرخت به لتتمكن من تغطية صوته المرتجف غضبا:" أخبرتني فلورانس بأن الخطر أهون من الاستسلام... انها محقة... أفضل عيش خطرك على الا أعيش بالمرّة..."
لانت ملامح وجهه أخيرا، حمدا لله... انه بصدد اخفاء انيابه التي كشّر عنها وهي بصدد استعادته، شعرت أنه متصلب في اللمسة بينما تحط يدها على ذراعه، ستضطر الى القتال بقوة لإستذراجه:
" لا تخفي عني شيئا من أعمالك روكو... عندما تنغلق على نفسك... الشكوك تفسد ايامي... أخبرتني ذات ليلة بأننا شريكين! لا انتظر منك الكلام فقط... بل الأفعال..."
" كما فعلت انت؟ أوهمتني بالكلام وكل شيء تبخر فور شعورك بالخطر؟ "
" أنا آسفة... كما أوضحت لك فلست خائفة عن نفسي بل عليك... "
" انا لا ادعم الكذب و لا الخداع... و لأكن صريحا معك... كنت اعرف بأن هذا سيحذث بالنهاية... سبق و أخبرتك بأنه أنت من سيتركني و ليس العكس..."
نعم سبق و أخبرها بهذا، نجحت بزعزعة ثقته بها، أمسكت بذراعه ووضعتها حول خصرها قبل ان تتعلق بعنقه وتضمه اليها، أغمضت عينيها عندما شعرت به يتجاوب مع هذا الاتصال، تنهدت في عنقه، كم افتقدت هذا الالتحام في اعصار شكوكها المريبة، العيش سهل مع روكو، كل شيء معه جميل، سوى الخوف من المجهول بالتأكيد، لا تعرف متي سيقرر أحدهم سرقته منها، ربما هذا لن يحذث يوما... كانت تملك الخيار بين أن تمضي في طريق سبيلها أو تحتفظ على أهم ما حصل في حياتها... اختارته هو.
غرزت أصابعها في غرة شعره الناعمة و الكثيفة وهزت نحوه وجهها لتغرق في عينيه المشتعلتين:
" ذلك المساء... قلت بأنك تحبني..."
تكهربت نظراته وهو يهمس لها بصوت مغر:
" لا أظنك تستحقين سماعها مجددا..."
انفجر قلبها في صدرها، فلم تتوهم، أخبرها بأنه يحبها، بأنه يحبها كما لم يحب امرأة من قبلها:
" مالذي يجب أن أفعله لشراء غفرانك؟؟"
بدى عليه التفكير... التفكير الجدي الذي دفع الابتسامة الى شفاهها:
" أعيدي ملابسك الى خزانتي... أفتقدها..."
هزت حاجبها متسائلة:
" تفقتقد ملابسي فقط؟"
انتفخ صدره بالهواء:
" عودي بريانا... فهمت الدرس و لن أعيد الكرّة... عودي فحسب... الفراغ الذي تركته خلفك مستعصي التقبل و العيش..."
كرد عليه قربت شفاهها منه و ضغطت على فمه بشراهة، التقط وجهها فورا بين يديه و انفجرت رغبته في وجهها، كانت تحاول الوقوف على أصابع قدميها للوصول اليه، أمسكها من خصرها ووضعها فجأة على المكتب، يمكنها التهامه بكل راحة الأن، لقد افتقدته بشدة مؤخرا.
فُتح باب المكتب فجأة، ابتعد روكو عنها بينما صوت صوفي يصل الى مسامعها التي فقدت وظيفتها خلال الثواني السابقة:
" رباه... هل يوجد حمام هنا كي أتقيأ بكل حرية؟" كانت تقوم بنفسها بدفع كرسيها المتحرك، لا تبدو بخير و نظراتها تلمعان بغضب... مالذي حذث لها مرّة أخرى؟؟ انها مستحيلة العيش" في المرة القادمة استعمل غرفة النوم و لا تجعلني أعيش كابوس مماثل... أنتما مقرفين..."
" أنت فتاه غيورة..." سمعت روكو يقول وهو يدنو منها...: " ما الأمر مجددا صوفي؟ مالذي يُعكر مزاجك؟"
" ما يحذث أنني أبقى مقعدة رغم كل جهوذي... أنت تثبت مهاراتك كحبيب بينما لا يحق لي بالحصول على صديق..."
" بعيدا عن هذا الموضوع الذي تكررينه بلا أي كلل مثل الببغاء... مالذي يحذث لك؟؟ تريدين الخروج قليلا؟؟ سئمتي؟؟ مالذي يمكنني فعله لك يا ابنتي؟"
" الرجل الذي يحق له مناداتي بإبنتي مدفون في الحديقة الخلفية.." ردت صوفي بجليدية:" ضقت ذرعا بحياتي معك... سأطلب من اليساندرو استقبالي ما ان اقف مجددا على ساقاي, لن أبقى معك روكو... و الان سأعود الى غرفتي... و ان كنت تنوي متابعة ما قاطعته فأنصحك بإغلاق الباب بالمفتاح..."
غضب بريانا من تصرفات صوفي صعد لحد الفوران، رأت روكو يغلق الباب خلف ابنته بالمفتاح متبعا نصيحتها، لا يبدو غاضبا من تصرفاتها بالعكس، كانت عيناه تلمعان بشدة، رأته يبدأ بخلع ملابسه:
" مالذي تفعله؟؟"
" أتبع نصيحتها... "
أقطبت لتخفي تأثرها برؤية مبدئية لعضلات صدره:
" عليك ان تضعها في مكانها... طريقة كلامها معك غير عادلة، لسيما بعد كل ما فعلته لأجلها..."
" برئيها أنا المتسبب في كل ما يحذث..." قال وهو يدنو منها و يبدأ بتحرير أزرار قميصها:" علاقتنا تحرز تقدما فلا تقلقي، ففي السابق كانت ترفض تبادل كلمة معي، اما اليوم فهي تبحث عني لتكلمني, مع الوقت ستفهم بأنني فعلت ما فعلته لحمايتها، ربما طريقتي مخطئة لكنها الطريقة الوحيدة التي أعرفها..."
لم يعطيها الوقت لإضافة أي شيء، ثم... تلاشى كل شيئ من حولها بينما يجردها مما يمنع تواصلهما، لقد افتقدته و ما يهم اللحظة هي لمساته النارية على جسدها المتعطش.


أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 02-10-20, 05:29 PM   #3283

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل التاسع


يعرف هذه النظرات، انها تتأهب لرمي أمنياتها في وجهه، وبالتأكيد تنتظر منه تعاون و تفهم، هو الذي بصدد عيش وضع لم يخطط له من قبل، تحمل مسؤولية طفل يتيم ليس في خططه بالمرّة، ربما أصدقائه محقون، وهو في وضع مثير للشفقة لأنه فعلا يشعر بالغيرة السوداء من طفل الست سنوات.
حط عينيه الرصاصيتين على وجهها الشاحب، كانا يتقاسمان طعام الفطور في شرفة شقته التي يقيمان فيها كلما عادت من لوس انجلس، انه يعرف كل تقاطيع هذا الوجه الرائع التفصيل، المتوازن، الذي لا شائبة فيه، رغم شحوبها تبدو متفجرّة أنوثة، كانت ترتدي روبها الحريري الأحمر، المفضل لديه، خصلات شعرها الحالكة السواد تلتمع مثل المرآة تحت أشعة شمس الصباح الخجولة، مد يده لإبريق العصير بعد أن افرغت كأسها، اشارت له رافضة بلطف و سألته:
" اذن ما هو برنامجك اليوم؟؟"
" مؤثمرين فيدو من الهند و شانغاي، انتظر تقارير عن مشاريعي القيد التنفيذ، سأطير عند الظهر الى باريس لأتفاوض بشأن عقد اوليفر الذي لا ينوي حتى الان اتخاذ قرار بيني و بين منافسي، لكنني ضقت ذرعا بالانتظار و انوي حزم الموضوع الليلة... أنا رجل قليل الصبر"
لا يبدو انها تستمع حقا اليه، كانت تعض شارذة على شفتها السفلى، تعذبها بلا شعور، ان سألها عما بها فستدخل موضوع التبني فورا، من الأفضل أن يهرب فورا من هنا، فمساعدته 'هيلدا' و مثل العادة جهزت له كل شيئ، لحسن حظه انه يملك مساعدة متمكنة و متفرغة مثلها، رغم سنها الا انها بنشاط شابة في العشرين، لا يعرف ان كان سيجد ذراع يمنى مماثلة بعد أن تأخد تقاعدها، القى نظرة على ساعة يده:
" قد أتأخر كثيرا الليلة حبيبتي لا تنتظريني..."
هزت رأسها بالايجاب، هذا الكسر في عينيها اشعره بالذنب، لكنه اناني ولا ينوي تقبل ما سيضر زواجه بلا أدنى شك، مرت بالكثير من المصاعب هذه العلاقة و ما تزال تترنح على خيوط منتصبة في الهواء و يحتاج لأرض صلبة كي يبني عشه الابدي، ثم يأتي الماضي و يحشر أنفه فيه.
ترك مكانه و عدّل على سترته الكحلية و ربطة عنقه الحريرية قبل أن ينحني عليها و يغرس أنفاسه في عنقها و يسرق منها قوة يومه، هذه المرأة هي نبضات القلب، بدونها يستحيل عليه العيش:
" أحبك روبي..."
شعر ببشرتها ترتجف تحت شفاهه، يتجاوب معه جسدها كما هو الحال دوما، إنهما على وفاق تام في كل المعايير و الأبعاد الممكنة، أخدت وجهه بين أصابعها لتقبله بحرارة بالغة:
" أحبك أيضا... "
تركها بوخز ضمير أكبر، أتت على دفن جدّها الذي تحبه بشدة و هاهو يتركها حائرة أمام الوضع الجديد الذي تجد نفسها عالقة فيه، ليس فحسب نفسها، انهما لا يشكلان سوى وحدة واحدة، ما يصيبها يصيبه، مجيئ ذلك الصبي يربك كل شيئ... كل شيئ.
سمعها تقول في ظهره بينما يخطو مبتعدا:
" أريد تبنيه سيزار... ان كنت ترفض فلن أجبرك..."
شعر بالغضب لهذه الكلمات التي تدس الكثير من المعني و الأبعاد، استدار نحوها بينما ملامح وجهه متيبسة:
" ماذا يعني لن أجبرك؟؟ نحن متزوجين... لا يمكنك تبنيه و حدك ان قررتي بدون موافقتي... الا ما تلمحين؟؟ أن تتركيني من أجله؟"
رآها تشحب تحت هذه الكلمات لكنها لم ترد، انكمشت في مكانها فحسب، رمت بقنبلتها في وجهه و ستتركها فيه بشظاياها المؤلمة و المريبة طيلة اليوم، و هذا فعلا ما حصل، أمضى يوما سيئا، مرت نشاطاته في أجواء سوداء و كان متطلبا مع مدرائه القابعين في شاناغاي و الهند، لا شيء برئيه يسير بالطريقة الصحيحة، روبي هددته ببساطة، ان لم يقبل بإبن شقيقها الراحل فستتبناه بمفردها، لا أحد يجبره على ما لا يريده، لا أحد... عواطفه القوية نحوها تشوش رؤياه، يعرف بأنها عاجزة عن هجره فقط لأنه يرفض طلب سخيف مماثل، هناك والديها، يمكنهما تبني حفيذهما و الاهتمام به... لما اختارت تلك الفيوليتا اقحام زوجته في الموضوع؟
كان بصدد الاستعداد للطيران الى باريس عندما اقتحمت روبي مكتبه في روما، في البداية لم يصدق بينما يراها أمامه متفجرة أنوثة في طاقم كلاسيكي من توقيع دار الازياء المفضلة لديها، رغم كل جمالها الا أن نظراتها تبقى حزينة للغاية:
" مالذي تفعلينه هنا؟"
" أنوي الذهاب معك الى باريس... " كانت الحمرة تغزو خديها وهي تقترب منه قائلة ببعض الارتباك" لا تجيب على اتصالاتي... لم يمكنني البقاء في البيت و انتظارك بينما أعرف بأنك غاضب مني..."
" أنا لست غاضب منك" كان يكذب بالتأكيد، في الحقيقة هو غاضب من نفسه لأنه يحبها لدرجة يرفض تقاسمها مع صبي الست سنوات:" روبي... عودي الى البيت... سنتكلم بروية لاحقا... لن أكون متفرغا لك اليوم ..."
" اريد البقاء معك... لن أزعج أعمالك أعدك... أحتاج للخروج من ايطاليا... فالكثير من الأمور حصلت مؤخرا, أشعر بالاختناق"
كان يتهرب منها، منذ معرفته بشان أمنيات فيوليتا الأخيرة وهو أخرس، وهل يمكنها ملامته؟ تبني طفل ليس من صلبه بينما يحلم كل شهر أن تكون نتائج حملها ايجابية، الشيئ الذي لم يحذث اليوم أيضا، قبل الفطور هذا الصباح استعملت فحوصاتها البولية التي جائت سلبية مثل المعتاد، اذن فتأخر دورتها له علاقة بالظروف النفسية المريبة التي تعيشها و ليس لأنها تحمل طفل سيزار، كانت خيبتها مريرة لدرجة ان عقلها مجددا استرجع جحوذها الماضي ازاء حملها الأول... الله ينتقم منها و يرفض منحها فرصة أخرى.
ماذا ان فشلت كليا في الحمل؟ هل سيستمر سيزار معها؟ هو المتحرق و المتلهف بشدة لهذا؟ ليست غبية كي لا ترى تعابير وجهه عندما توصلا بصور توأمي الاسباني، كان سعيدا له، و مقهورا أيضا... هل فكر... مثلها، بطفلهما الذي لم يشهد النور؟ كيف لها أن تكون أنانية لدرجة ان ترغب حينها بالاجهاض حبا في مهنتها؟
رأته يتقدم نحوها بكل رجولته المجيدة، بدلة رجل الأعمال الناجح تليق به، انها فخورة به، بإنجازاته و أعماله و فخورة أكثر لأنها هي روبي... كسرت حصون رجل مثله و تزوجته.
الى متى؟؟
ان لم تمنحه ما يريد... لن يتأخر بالبحث عن بديلة.
آه كلا...أفكارها هي حفنة من الهراء... سيزار يعشقها، لن يتركها يوما ان فشلت في منحه وريث... انه يحبها أكثر مما يمكن أن يحب رجل امرأة.
رغما عنها استحوذ الخوف عليها، انها تثق بمشاعره، تثق بحبه الشاسع لها، تثق به خالصا و مخلصا... بيد انه توجد تلك الـ... لكن! فلم يأت أي طفل ليبارك هذا الاتحاد.
" انت على عجلة من أمرك لتحصلي على اجابة سريعة بشأن ابن شقيقك!..."
" لا تريد تبنيه أعرف... " أجزمت بهدوء وهي تهز نحوه وجهها:" أخبرتك بأنك لست مجبر.."
" و بأنك ستفعلين بمفردك ان انا رفضت؟"
عادت عيناه تلمعان بغضب، هذا الموضوع يثير ريبته هي تعرف، لقد فكرت فعليا في تبني الصغير، لن تتمكن بدون موافقة زوجها، فهي لم تعد عزباء لتحقق ذلك، سقط صمت كهربائي بينهما. دنى منها أكثر و ببطئ، فجأة شعرت بأنها صغيرة جدًا أمام جبل العضلات أمامها بسواعده المكشوفة التي يعرّي عليها كلما عزم على حسم أمر ما،متى تخلص من سترته؟!
" هذه المرّة روبي... لا يمكنني تحقيق أمنيتك، أتمنى أن تتفهميني فلن أمنح ذلك الصغير الأبوة التي يبحث عنها اذ أنني لم أتمرّن بعد عليها مع أطفال من صلبي... "
شحب وجهها، وهي بالتأكيد السبب في هذه المنيعة، فتح باب المكتب و ظهرت هيلدا... الذراع الايمن لسيزار، بدت على عجلة من أمرها، عليهما الطيران الى باريس، المرأة الخمسينية لا تمزح عندما يتعلق الأمر بأعمال رئيسها، انها آلة في جسد بشري و لا تتعب أبدا.
" سيزار.. علينا الرحيل.." قالت هيلدا بصوت عملي.
" فقط لحظة... اغلقي الباب خلفك..."
رأتها تقطب قبل أن تنفذ أوامر رئيسها، حط سيزار يده على كتفها، و تطلع عن قرب شديد الى عينيها:
" العقد الذي اتفاوضه في باريس هو الأكثر ربحا مما سبق و تفاوضته منذ فترة طويلة، لن أكون متوفرا لك طيلة بعد الظهر، فهل ترغبين بالمجيء رغم كل شيء؟ "
هزت رأسها بالموافقة:
" بينما تتناقص عقودك لتملأ أكثر حسابنا البنكي سأقوم أنا بالتبضع في الشانزليزيه و الاقتصاص من بطاقاتك المصرفية ... "
أقطب قليلا، متجاهلا سخريتها اللطيفة:
" أنت تكرهين التبضع..."
" أعرف... أحتاج لك سيزار و لوجودك قربي... "
هذه الكلمات نعّمت نظراته الرصاصية، شعرت بالراحة تغمرها لتجاوبه، مسح على شعرها قبل أن يمسك بدقنها بين أصابعه و يلتقط شفاهها في قبلة حارة، هذا بالضبط ما تحتاجه في لحظات ضعفها الحالية... تريد أن تشعر بأنها مهمة له، بأنه سيدعمها دوما و أبدا... تريد أن تشعر بالأمان مع الرجل الوحيد الذي أحبته في كل حياتها.
* * *
عزيزي خوسيه...
أم أبدأ بمناداتك بعزيزي الغريب...!؟
فالرجل الفوضوي المشاعر، المتفجر، المحموم القلب، الرائع بكل المقاييس لا أعرفه.
وهذا يخيفني اكثر مما يسعدني، فلم نكن متواطئين ... و لم نكن مكملين لبعضنا البعض كما الان...
عزيزي الغريب...
هل تؤمن بشعلة الروح؟!
بعيد قليلا عن النطاق الرومانسي لأنه أكثر واقعية...فأنا أعرف بأنك عملي و لست رومانسي بالمرة... ذلك الخوسيه الذي سقطت بين ذراعيه معتقدة انه اليخاندرو، الخوسيه الذي ساومني ليحصل علي... الخوسيه الذي لم يكن بالمرّة نزيها و خطط لحملي رغما عن أنفسي.
الشخص الذي أوجه كلامي له اليوم هو نقيضه...
انه الرجل الذي طالما حلمت به، شعلة الروح.
اللهب المزدوج يكون ثمرة فصل نفس الروح في جسدين مختلفين: إحداهما بطاقة ذكورية ، والأخرى طاقة أنثوية...شيء أكثر عمق من توأم الروح... أكثر ايحاء.
فتوأم الروح هو الشخص الذي يتحداك ، ويثير مشاعرك العميقة ويدعم حيث يؤلمك ، يجعلك تتساءل عن قيمتك الخاصة ، ما تريد - والأهم من ذلك ، ما لا تريده - في الحب.
شعلة الروح هو أنت... في جسد آخر.
إنهما نفوس متعاكسة ولكنهما متممتان ، ولهما نفس الاهتزاز النشط والذي يجذب كل منهما الآخر... ما يحذث منذ ولادة التوأمين قوي... قوي لدرجة أن نوره يعمي بصيرتي.
أنت رجل حياتي... لكن الى متى؟
عزيزي الغريب... أرجوك ارحل.. فقد خليت توازني العاطفي و اسقطت رأسي و صرت سعيدة كما لم أكن يوما في حياتي... منحتني الحياة المتوازنة التي أريدها... لكن بأي ثمن؟؟
أريدك أن تعيد لي خوسيه... معه أعرف الى اين تقودني خطواتي... معه أعرف بأنني مخاطة بالخطر و أنني اسير على خيط رفيع فوق فوهة بركان.
أعرف بأن وجودك مؤقت... كما اعرف بأنني لست امرأته المناسبة و لا شعلة روحه بالرغم من كل المؤشرات الايجابية...
فهذه القلعة ليست بيتي، و هذا الغريب ليس زوجي الذي قررت الانفصال عنه و انقاذ نفسي منه...
عزيزي الغريب ارحل... فكل يوم يمر أقع في حبك أكثر.
* * *
"تبدين مهمومة... ما الأمر..؟"
هزت بريانا نظراتها نحو وجه حماتها الفضولي، عيناها الشفافتين تلمعان بذكاء خارق، اليست هي والدة الرجل الذي يحتاج المرء الى دليل كي يفهم تعقيداته؟ كانتا بصدد ترتيب آخر تجهيزات العيد، والديها سيصلان قريبا فروكو خطط و بالتأكيد وصل لما يريده دوما، لن تذهب الى اليونان بل اليونان من ستأتي اليها...
" كيف كانت حياتك مع يانيس؟ لابد أن تكون المرأة قوية جدا لتتحمل طباع نارية و شخصية فذة كشخصيته اليس كذلك؟" السؤال خرج من شفاهها دون ان تتحكم فيه.
عموما فلن يقف شيئ في طريقهما هي و روكو، هذا الأخير معقد و عليها تقبله كيفما هو ببساطة لأنها كانت صادقة عندما أخبرته بأن فكرة هجرانه اصبحت خلف ظهرها.
ملامح سابرينا لم تتحرك، كانت تتطلع اليها في هذه اللحظة بنفس التعبير المحايد لابنها، غريب كيف ان يكونا معا على نفس الموجة من الحذر و الجليدية... سابرينا امرأة قوية جدا.. كيف لا و قد كانت زوجة يانيس و انجبت منه رجلا مثل روكو؟ لم تتنازل عن حقها في حياة هذا الاخير الذي حاول تبخيرها من حياته بلا جدوى... انها هنا، مثابرة و صامدة.
" ان كنت تعتقدين ان روكو هو يانيس فأنت مخطئة..." سمعتها تقول بصوت محايد:" كيف يمكننا الاستمرار في تجاهل أننا مجرد أقمار اصطناعية ضئيلة تدور حول عبقريته الضخمة؟ انه ابن والده عبقريا ربما... لكن يا نيس كان يملك شيئ خصه هو فقط... يمكنك الثقة في روكو... و ليس في والده، أظنك عمياء للغاية كي لا تلاحظين انه متيم بك... فعادة يضع مشاعره جانبا... ظننته في البداية يثوق لوضعك في سريره كما هي عادته و كما كانت عادة والده الذي لم يخلص يوما لي، لا شيئ يضاهي هذا التغيير الذي الم به... و لا تقرني بين الاثنين اكون ممنونة... ابني لن يكون ذلك الرجل ... أبدا..."
التقطت الزينة أمامها ووضعتها جانبا لتهتم أكثر بالتبرعات التي بدأت بتوزيعها سلفا على العائلات و الجمعيات الخيرية.
" هل أحببته يوما ما؟" فضولها لا يبدو أنه يروق لسابرينا.
" كنا مضطرين للزواج..."
" صفقة زواج تقليدية دون حب؟؟"
هزت سابرينا عينيها نحوها و ابتسمت ابتسامة جليدية:
" عاطفية يانيس تشبه جبل ثلج، كان يأخد ثم يأخد ثم يأخد دون أن يعطي شيئا..."
" ورغم ذلك بقيتي معه..." استخلصت بريانا، بما أنها بدأت هذه المحاذثة التي قد تفيدها لمعرفة الفوارق بين الاب و الابن فلا تنوي التراجع بسبب تصرف حماتها الجليدي.
" لا أحد يهجر يانيس... لا أحد..." جمعت الأوراق على مكتب ابنها ثم جلست فجأة على مقعده، تجهل بريانا كم عمرها، الا أنها ما تزال صلبة للغاية و صاحبة ارادة قوية أيضا:" كل نساء الجزيرة اغرمن بيانيس، فهو يكون ودودا جدا عندما يريد ذلك، كما أن سيطرته تعدت الحدود الايطالية، و هذه السطوة تثير بشدة نوعي من النساء، ظننت بأنني قادرة على الوصول الى ما يستحيل الوصول اليه، ربما مع الوقت... قد أصبح أكثر من مجرد السيدة يانيس ايميليانو، لم أملك من حظك شيئا... لأن روكو... يحبك بحق و يخاف عليك، يملك القلب الذي تجرّد منه والده... "
شعرت بالراحة لهذه الاشارة بالرغم من انها تعرف جيدا بأن روكو عاطفي تحت غلاف الحديد الذي يرتديه عادة، و ليس هذا ما أبعدها عنه، بل أعماله الأخرى، خوفها الشديد على أن تفقده ذات يوم.
" لم تعيشي خائفة من أن تصابي بالأذى بسبب حياة زوجك الخطرة؟"
" هذا ما يخيفك أنت؟؟ " أعادت لها السؤال دون منحها ردا.
" لست خائفة على نفسي... أحبه لدرجة انني حائرة الخطوات... لا أملك الخيار ... أجهل كيفية التعامل مع الوضع... أحلم بأن أكون بقوتك..."
تسلل الحزن لنظراتها، لوهلة فقدت سابرينا قوتها وصلابتها و أصبحت مجرد امرأة أذاقها زوجها المرار، و تغيرت لكنتها و هي تقول:
" قوتي؟ ترينني قوية؟ أتمنى الا ترتكبين في حياتك نفس الاخطاء نفسها التي ارتكبتها ... يانيس لم يكن بشريا و أنا ...لم أخف ممن حولي كخوفي منه... و كيف لا وهو الذي يُحجّم بنظرة أشد الرجال صلابة ؟ "
جلست بريانا بدورها على المقعد قبالة حماتها، عبق البرغموت ، المريمية البرية ، العرعر و خشب الصندل تسبح في المكان... رائحة روكو التي أصبحت هويتها:
" لم تتغير الأمور حتى بحصولكما على أطفال؟"
اللوحة الزيتية للمسؤول على كل هذه الدراما معلّقة على الجدار خلف حماتها، شعرت بصاحبها ينظر مباشرة الى عينيها، الفنان الذي صمم هذه التحفة الفنية لم يلجأ إلى لوحة حيوية. تم منح يانيس بشرة مرمرية المتناقضة تماما مع خصلات شعره الشديدة السواد و كأنها جناح غراب، عيناه الزرقاوين مفتقدان لأي دفئ، يمكنها أن تشعر بخوف الفنان بينما يحاول اعطاء هذا الرجل شيئ من الأدمية و الانسانية... غريب... انه صورة مطابقة لسانتو فارينا... ولي العهد المنبوذ من عرشه، فهل سابرينا تعرف بوجوده؟
" انا تغيرت كي أساير روتين زوج متطلب و صارم... كان يجب أن أخطو خطواته كي لا أنزلق و أدق عنقي... استمرت هبته حتى بعد موته... في ذلك الوقت... كان من المستحيل تخيل أنه لم يعد حقا موجودا...تلاشى... من الصعب تخيل أن رجل مثله يمكن أن يموت و يختفي... بهذه البساطة"
" رحل كي يترك أثره في ولي العهد الذي هيئه جيدا ليسلك نفس الطريق..."
" روكو مستقيم جدا و لم يدنس نفسه بدماء أحد... تخوفاتك مبالغ فيها، عليك أن تعرفي بأنك محظوظة لإثارة اهتمامه و دخول حياته، تعاملي مع الوضع بطبيعية و لا تعقدي حياتك مجانا... انه على رأس امبراطورية حقيقة و من الطبيعي ان يكون حذرا و موضعه الحساس يجعله عرضة هجوم في اية لحظة..."
في النهاية لم تلتقط شيئا جديدا من كلام حماتها، عادت بريانا تهز عينيها نحو لوحة كابوس حياتها، بدى و كأنه يسخر منها بنظراته الزرقاء الشفافة، حتى وهو ميت... يملك موهبة محو العالم من حوله... يالها من سطوة... يالها من مغناطيسية... حتى أمام الصورة لا يبدو روكو المتمرس في هبة والده.
نواح نسائي مدوي إستعجل سابرينا بترك مقعدها الجلدي الزيتوني، بدى الارتباك على وجهها، تفقد سيطرتها على نفسها ما ان يتعلق الموضوع بصوفي:
" مالذي يحذث معها مجددا؟؟" سمعتها تقول وهي تسرع نحو الباب..." مزاجها سيئ جدا مؤخرا..."
تبعتها بريانا بصمت، منذ متى لم يكن مزاج صوفي جهنمي؟؟ الفتاة اللطيفة قبل الحاذثة اختفت و حل محلها وحش حقيقي، تباطئت خطواتهما بينما تريا صوفي في الحديقة على الأرض ترفض قطعا ان يقوم فريقها الطبي بمساعدتها، انحنت عليها سابرينا لكن هذه الأخيرة ضربت على يدها كي تُبعدها عنها، كانت تلهث، خصلات شعرها على جبينها ووجنتيها مبللتين بالدموع، الجو صقيع في الخارج ولا يبدو أن برودة الأرض الندية تؤثر بها، دنت منها بدورها و انحنت عليها:
" دعينا نساعدك صوفي..."
" أريدكم ان تتركوني و شأني... أحاول أن أمشي بمفردي و الكل يلتصق بمؤخرتي... أنا لست عاجزة... لست عاجزة"
عادت للاستواء مجددا في وقفتها، تحاول ان تتقرب منها لكن صوفي قررت معاداة كل من في البيت، الوحيد الذي لا يتأثر بسلوكها فهو روكو... على ذكر هذا الأخير رأت سيارته تقتحم من بعيد مدخل القلعة، عندما استيقظت هذا الصباح لم يكن بجانبها، ضمت اثره اليها مطولا قبل أن تقرر استقبال يومها بطبيعية متجاهلة معدتها التي تتلوى من القلق عليه، هذا ما سيكون عليه الحال كلما ابتعد عنها.
السيارة توقفت في الجهة الاخرى للحديقة، صوفي تحاول مجددا الاعتماد على نفسها للوقوف على ساقين يرفضان الاستجابة اليها، شعرت بالشفقة عليها، بدت تتعذب بشدة في هذه اللحظة، فجأة فهمت لما تتكبد الصغيرة كل هذه المعاناة، اليساندرو خرج من السيارة في الوقت نفسه الذي خرج فيه روكو، اذن فقد اتت لإستقباله و مفاجئته بوقوفها على ساقيها؟؟
تجمعهم الصغير أثار انتباه الشقيقين الذين اسرعا نحوهما، ظنت أن اليساندرو سيمضي العيد في اسبانيا مع عائلة خطيبته، يبدو أن الايميليانو لا يتساهلون في هذه الأمور الذي تم تقديسها منذ عقود، انحنى الرجلان في الوقت نفسه عليها، رفضت بالطبع ملامسة روكو بينما تركت اليساندرو يأخدها بين ذراعيه:
" يمكنني الوقوف... "
اطبق الصمت بينما الكل يشد انفاسه أمام ما تحاول اثباته بالفعل لا بالقول، ترك روكو مكانه ليدنو منها، ذراعه تسللت الى خصرها و لفها دفئه في برودة كانون الأول...
" أنا فخور بك..." سمعت اليساندرو يقول لها مشجعا بينما تتمكن أخيرا من الوقوف و تهز ذقنها بفخر.
" قريبا سأشفى و ارحل للعيش معك في نيويورك ..."
القت نظرة حذرة الى روكو، لكن ملامحه جامدة امام تصريحات ابنته، انها تتعمد استفزازه و هو لا يأخد كلامها قلبيا، يتجاهلها بكل الهدوء الذي تحتاجه شخصيا لتخفي ورائه استيائها... تفقد رشدها عندما يتعلق الأمر به.
تبع الجميع المريضة و شقيقها أو بالأحرى عمّها الى الداخل بينما أبقت روكو بجانبها، راودته ما ان أصبحا بمفردهما:
" لم تخبرني بأن اليساندرو سيأتي اليوم!... ظننته سيطير رأسا الى مدريد ليمضي العيد مع خطيبته .."
" خطيبته في طريقها الى صقلية... خوسيه يعرف بأنني أحب جمع أفراد عائلتي حولي... "
لكنها تشعر بأن هناك ثمة سر آخر وراء مجيئ اليساندرو الى صقلية، لم تترك روكو و شأنه، عندما يتعلق الأمر بأمور خاصة جدا يبدأ بلعب دور صعب المراس، تبعته الى المكتب و أغلقت الباب خلفهما:
" مالذي لا تريد اطلاعي عليه؟؟"
" لا تبدئي..."
هزت حاجبها متسائلة وضمت ذراعيها اليها:
" تعجّل بإخباري اذن..."
أخذت وقتها للإجابة ، كما هو الحال دائمًا. لم تكن واحدة للتحدث دون تفكير. جودة يقدرها في الأوقات العادية... لكن اللحظة... يريد أن يبقى بسلام:
" اسمعي ... أعدك الا شيئ يخصك لذا لا تشغلي بالك بالتفاهات ..."
" ظننتني فردا من هذه العائلة!... تستمر بإخفاء الأمور عني..."
يبدو أن ملاحظتها أزعجته بشدة، رأت عضلة فكّه تتصلب ببعض الحدة دون ان تفارق نظراته القاتمة وجهها، فجأة هز رأسه و كأنه فشل أمام الصراع بداخله:
" اليساندرو يتعمّد ابعاد دانيلا عن مدريد..."
" هناك مشاكل مع الزوجة الجديدة؟؟"
هز رأسه بالنفي:
"تملكت دانيلا شكوك نحو أبوة خوسيه لها... "
المفاجأة الجمت لسانها، صحيح ان هناك شبه في بعض التفاصيل الصغيرة لكنها لم تتوقع ان يكون هناك احتمال في القرابة..
" وهل هي كذلك؟"
" ليست ابنته... بالطبع ليست كذلك فقد قام بإختبار الدم ما ان وطئت قدميها أرض بيته... قامت بدورها بفحص نووي استلمه اليساندرو... "
لا تفهم بالضبط ما يزعج روكو ان لم تكون دانيلا ابنة خوسيه:
" و؟؟" استعجلته.
" بالطبع سلبية... "
بدأت تفقد تسلسل الأحذاث:
" ليست ابنته! لما ينوي اليساندرو وضع مسافة بينهما اذن؟! "
رأته يأخد نفسا عميقا، رأت خلف مجددا صورة والده الزيتية و قامت بمقارنة ذهنية سريعة، كانا متقاربين في الملامح، لكن الشبه التام ورثه سانتو بالتأكيد.ألقى عليها نظرة جادة
" القصة... لا تخصك كما ترين... هل يمكنك اعلام المطبخ بتحضير قهوة قوية لي لأن رأسي سينفجر"
تطلعت الى قسمات وجهه النبيلة تبحث عما يخفيه ايضا،منذ البداية أخضعها لمشروع إغواء ثبت أنه من الصعب مقاومته،لن تنس الطريقة التي ترك بها جمره المتوهج أثرًا متوهجًا على جميع بقع جلدها التي جرفتها منذ اللقاء الاول... شبيه بالاستحمام في شيء حلو مثل الشوكولاتة المذابة، اليوم لم يكن يرتدي بدلة العراب... كان روكو حبيبها بكل بساطة، من الجلد الناعم لسترته السوداء ينبعث عطر خفيف لخشب الصندل و العرعار و الفانيلا ، عانق الجينز الأزرق الداكن عضلات فخذيه القوية. لحية وليدة تظلل فكيه... هذه اللحية التي يحلقها صباحا لتظهر بعد منتصف النهار... كان يتطلع اليها بنفس التعبير الذي يوقفها مكانها و يقول لها.. كفى... انسي الموضوع.
" سوف أحضر لك القهوة بنفسي..." قالت بهدوء.
" أنا محظوظ بك..." سمعته يقول في ظهرها و ابتسمت في سرها... هو المحظوظ بها أم العكس؟
التفتت اليه وهي تضع يدها على مقبض الباب، معجبة بقوة رجولته للمرّة ثانية في ظرف دقيقة، قبل أن تجيب تلك الابتسامة الكسولة على شفاهه تحرك مقبض الباب في يدها و دخل الياسندرو، كاد أن يرتطم بها لو لا ان تجمد على بعد سنتمترات منها، لا شيء يمكن أن يضاهي كمال هذا الرجل، انه مختلف تماما عن روكو و ربما يشبه أكثر ملامح سانتو، لكنه متفرد الملامح و استثنائي، ابتسم لها ابتسامه بشفاهه المتماسكة، دون أن تكون خالية من الحلاوة.
"آسف يا خطيبة شقيقي... اتمنى انني لا أقاطع شيئا مهما!"
" أتركه لك... " قالت بلطف:" هل ترغب أنت أيضا بقهوة؟؟!"
" نعم شكرا لك..."
ما ان أغلقت بريانا الباب خلف ظهرها حتى اختفت الابتسامات و تواجه روكو مع شقيقه الذي بدأ حواره قبلا دون ان يتوصل معه لجواب أو يدفعه للاعتراف بإي شيئ، يعرف روكو جيدا هذه النظرات المتهمة، ولا يبدو أن كل دفاعاته قبل اللحظة أردعت محاولات شقيقه الصغير بترك الموضوع و نسيانه:
" أحب دانيلا..."
" تراني سعيدا بهذا الخبر..." قال روكو وهو يلتقط سكارا من العلبة الخشبية أمامه.
" أنوي حمايتها و بالتأكيد لن يتحقق ذلك ان استمريت بلعب لعبة الغميضة معي..."
" لما لا تختصر الموضوع و تلقي بأسئلتك مباشرة على خوسيه؟؟" سأله بينما اصابعه تتلمس السيكار دون ان تشعله.
" تظن أنها فكرة جيدة الأن؟؟ لسيما و قد أتى استبدال صفة الأرمل البلاي بوي بأب جديد متحمس و سعيد ؟"
رآه يتشنج مكانه، بالتأكيد روكو يحمي مصالح خوسيه بكل قوته، لكن يجرحه الا يثق فيه كفاية ليخبره الحقيقة... نعم الحقيقة... لأن روكو لا يخفى عليه شيئا، كما لم يُخفى شيئا على والده من قبله، و يانيس... كان الصديق الروحي لألمادو ماتينيز.
" هل تقرب دانيلا خوسيه؟"هز كتفيه:" التحاليل تقول بأنها قد لا تكون ابنة خوسيه لكنهما قريبين بسبعين في المئة.... " ارتفع صوت اليساندرو بنفاذ صبر، ان لم يطر مباشرة لمدريد لملاقاة خطيبته فلأنه فضل الحصول على توضيحات:" بما انها قامت خفية بتحليل نووي فلا شيئ سيوقفها للحصول على أجوبة...اليونور تركت مذكرات غريبة، أسرار مُربكة، قمت بالتحرك قبل دانيلا كي أجنبها أي صدمة، آملت الا يكون ما افكر به صحيح، اتصلت بمكتب نينو و طلبت منه ان يتحرى على ناديا كورتيز... يُفترض أن هذه الأخيرة أصيبت بسرطان رحم بعد زواجها بسنة... أي قبل أن ترزق بدانيلا... اتضح أن اليونور لم تخطء بالاشارة الى الموضوع، توصل نينو ان هذه الاخيرة استئصلت رحمها فعلا... دانيلا ليست ابنتها... اذن من هي؟؟؟ أعرف بأنك مطلع على الحقيقة و ترفض اخباري بها... لكن الشبه بينها و بين اليونور يفضح كل شيئ... انها ابنتها... اليس كذلك؟؟"
ما ان قررت دانيلا بدأ تحرياتها بصمت حتى سبقها هو، و يعترف أن وحشية هذا البيان مثل ضربة موجعة موجهة مباشرة للمعدة. لقد كان اكتشاف لا يمكن تصوره!
" الأمر.. أكثر تعقيدا..." سمع روكو يقول بصوت ناشف.
" أنت تعرف الحقيقة... لكن خوسيه يجهلها اليس كذلك؟؟ خوسيه يجهل بأن دانيلا ابنة اليونور؟ "
أمام صمت روكو شعر اليساندرو بحرارة خانقة تنتشر في جسده، يتحرق لمعرفة المزيد و في نفس الوقت هو خائف مما سيعقب.
" لما اتصلت بنينو؟؟ لقد كان متحري يانيس الخاص..."
" لهذا السبب تحديدا اتصلت به..." قال اليساندرو بتحد:" سألتك عدة مرات لكنك تصبح أخرس ما ان يتعلق الأمر بخوسيه... أخبرني الحقيقة... تلك الحقيقة التي ستكتشفها قريبا دانيلا لأنها اشترت خدمات متحري لن يتأخر بمنحها ما سيعذبها طويلا... فكما يبدو... ليست وحدها الغافلة بل خوسيه أيضا...."
يكره عندما يتعمد شقيقه بأخد وقته في التفكير و الرد، عادة لا يمنحه ما ينتظره منه، أخيرا قام بإشعال سيكاره، هز عينيه نحوه قائلا:
" خوسيه يعرف بأن ثمة قرابة بينه و بين دانيلا...."
" كيف يُعقل أن تكون دانيلا ابنة اليونور و قريبة خوسيه.... أريد أن أعرف..."
ثم تعاقبت الثواني، آه روكو.... تكلم بحق السماء!
" الموضوع لا يستحق... هو الذي عاش على ذكرى امرأة كاملة... لن أكون الوحش الذي يسود ذكرياته...."
كان قلب الساندرو يخفق بشدة لدرجة انه يهدد بالخروج من فمه:
" الأرقام قريبة جدا في نتائج التحاليل... "
" انها شقيقته..." فتح خوسيه فمه ثم عاد ليغلقه، الأمور تبدو مستحيلة التقبل، لا بد أن هناك ثمة خطا فيما سمع:" عندما قام خوسيه بالتحاليل اكتشف ان ثمة قرابة قوية جدا بينه و بين دانيلا، سيسيليا أيضا شكت بالموضوع بسبب الشبه كي تعود بعد أسبوع و تروي له قصة غريبة... أخبرته بأن المادو ربطته علاقة عابرة مع ناديا..."
" لكنه كان مع اليونور و ليس شقيقتها!..."
" الحقيقة أن اليونور كانت مع المادو قبل خوسيه ثم اعجبت بالابن اعجاب دفعها لاستعمال كل الوسائل لاستمالته، خلال السنوات التي جمعتهما كان المادو يجهل كليا ما يحذث وراء ظهره، يانيس نبهه في النهاية كي يجبر خوسيه على الزواج من المرأة التي يُفترض أنها خطيبته منذ سنوات، اليونور لم تتمكن من التلاعب مع رجل مثل يانيس الذي أمسكها من الذراع التي تؤلمها، في تلك الفترة كانت حامل و أمام جبروت يانيس لم يتردد أهلها بإخفائها كليا الى أن تنجب، ناديا تبنت الطفلة فور ولادتها بينما خوف اليونور من بطش يانيس جعلها تلتزم الصمت فألمادو كان يخشى من الفضيحة أمام طموحاته السياسية، لم يكن يعرف حينها ان كانت الصغيرة ابنته أم حفيذته، لكن التحاليل أكدت بأنها منه، أخد معه السر الى القبر و لم يصارح به حتى سيسيليا..."
هذه المرة اليساندرو الذي التزم بالصمت، فلا يجد ما يقول أمام كل هذا... لما دوما يجد يانيس في كل الدرامات؟! عندما قرأ مذكراتها المختفي أدرك فورا بأنها زائفة الأحذاث... كان هناك غموض... و كأنها تحاول خلق حياة لها... تمثل على نفسها قصة ترغب بتصديقها، أم أن حتى اليونور كانت تجهل ان كان حملها من خوسيه أو المادو؟!...
" أظن... ان الوقت حان ليعرف خوسيه بأن تلك المرأة كانت تتنقل بين سريره و سرير والده..."هز روكو رأسه، بدى ساهما في أفكاره، أقطب اليساندرو وهو يتذكر شيئا:" كيف تعرف أنت بهذه التفاصل..؟"
" يانيس دقيق جدا... أعاد كتابة حياته و كأنها دليل كي أسير عليه ببساطة... "
هذا صحيح... الثقل على كتفي روكو كبير جدا... لا يعرف كيف بإمكانه تحمل كل هذا الضغط.
" قلت بأن سيسليا اختلقت القصة كي لا تجرح خوسيه... كيف عرفت هي بالحقيقة؟"
" أظن أن عمّ دانيلا المزعوم قبل البوح مقابل النقود... أخبرها بكل التفاصل التي ترغب بمعرفتها، وواجهتني بهذه الحقيقة بعد ان تبنى خوسيه رسميا دانيلا، أرادت معرفه ان كنت على دراية بسرها، لم أتمكن من الانكار، أظنها شعرت بالراحة لأن هناك من يتقاسم معها العبء... لم أملك يوما الجرأة للبوح لخوسيه... كما أنني وعدت والدته بإلتزام الصمت... أوافقها على رؤيتها ... فهذه الحقيقة لن تجلب سوى التعاسة لخوسيه...."
" الكل فكّر في خوسيه و لم يفكر في دانيلا؟!" زمجر اليساندرو بصوت ناري بينما يشعر بقبضة فولاذية تضغط قلبه بشكل مؤلم." مالذي سيحذث عندما تصل الى ما ينوي الجميع اخفائه؟؟؟ كيف ستكون صورتك أنت أمام صديقك عندما يعرف بأنك لست بالولاء الذي طالما ظنه؟!"
أقطب روكو" فعلت هذا لحمايته..."
" مشكلتك روكو... أنك تقرر دوما مكان الأخرين... " قال اليساندرو بغضب:" تراه عازفا على الزواج، متئلما أمام ضميره المعذب اذ يعتقد ان حب حياته انتحرت بسببه، و تتركه مريرا كل هذه السنوات فقط كي لا تلوث صورة ساقطة؟"
" لم ارى الأمر من هذا المنظار..."
" أنت لا ترى شيئا بالمرّة..."كانت اللهجة اتهامية بشكل واضح. صدى صوته مغلف ببرودة المعدنية.
" لا تكلمني بهذه الطريقة..." حذّره روكو بهدوء.
" أكلمك بالطريقة التي تعجبني..." أكد بجليدية:" ما يحذث أنك جبان... تقوم بنفس الخطأ مع صوفي... متى تنوي اخبارها بأنك والدها؟ لما تعتقد بأنك دوما على صواب بينما يتألم الأخرين من حولك؟؟ "
ترددت طرقات خفيفة على الباب وظهرت بريانا مجددا، صينية نحاسية بفناجين البورسلان و رائحة قهوة محمّصة تقبع في المكان، كانت تحط عليهما نظرات فضولية، هل سمعت حوارهما؟ اليساندرو لا يدري لكن ما يهمه اللحظة هو ايجاد حل لكل هذه المصيبة، عليه حماية دانيلا من الصدمة العنيفة التي تنتظرها. هذه القصة تركته محبطًا بشكل رهيب.
" الن تشرب القهوة؟؟" سألته بريانا بينما يدير ظهره متأهبا للرحيل.
" افضل شربها في مكان آخر ..."
راقب روكو شقيقه يدير ظهره و ينسحب، تولد اليه انطباع بأن سحابة سوداء تحجب السماء و قد غمره مزيج من الذنب والاستياء.
يانيس ترك له شتى أسرار، و كأنه ينتقم منه عبرها، يسخر منه ويراقبه عن بعد ليعرف كيف سيتمكن من فك الموضوع بدبلوماسية، لكنه مايزال عند رئيه... خوسيه أحب اليونور بطريقته... أن يعرف بأنها تقاسمته مع والده سيؤلمه بشدة، لسيما ان المادو كان على طريق يانيس، كلاهما نذلان و بعيدين عن الوفاء، لكن الاسباني المهتم جدا بالسياسة ترك لصديق عمره حل مشاكله مع اليونور ما ان افتضح الأمر و برزت الحقيقة، الشيء الذي يثقنه يانيس بالتأكيد الابتزاز و التهديد.
قمع القلق الغريزي بينما يتسلل صوت بريانا الموسقي الى اذنيه:
" وصل اليخاندرو وهو يدردش مع سابرينا "
القى نظرة الى ساعة يده، صديقه في موعده تماما:
" انا من طلب منه المرور..."
" الن تخبرني لما يبدو اليساندرو غاضبا؟"
تناسى سيادته الاسطورية وتمتم ببرود:
" الإستياء هو هواية كل فرد من هذه العائلة و أحيانا كثيرة لا يحتاجون لاعذارا حقيقية "
رشقت عليه النظرة القاتمة التي يعرفها جيدًا ، واشتعلت خديها بشدة.راقبها تعض على شفتها ببعض العصبية لكن وصول اليخاندرو دفعها لهجر المكتب للمرة الثانية اغلاق الباب خلفها، انه عاجز عن نسيان محاولتها الفرار من حياته، هو الذي أمنها على قلبه ووثق في كلامها و مشاعرها، محاولتها في الفرار زادته حذرا فحسب، رغم أن الأمور تسير مجددا في طريقها الصحيح الا انه يتوقع منها خيانة جديدة، اهتزت ثقته للاسف...
" روكو..."
ابتسم لأليخاندرو الذي قطع المسافة بينهما ليقبض بحرارة على يده، يعرف صديقه جيدا ليدرك أن وراء هذه الابتسامة استياء مرير، منذ وصول خافيير الى بيته و هذا الأخير مهموم بشدة و قلق على حياة توأمه، لقد تحذثا بالأمر، اليخاندرو يطلب دعمه لحماية مؤخرة خافيير الذي يفترض أنه مُعرض للخطر و أنه أثار في ماضيه القاتم غضب الكثير من العناصر الخطرة... على حد ادعاءاته لتوامه بالتأكيد.
" اين خافيير؟" سأله روكو بينما لم يخفي اليخاندرو دهشته.
" رغبت بلقائنا معا؟"
" الم تكن رسالتي واضحة؟؟" سأله بهدوء وهو يخرج هاتفه ليتصل فورا بسانتاغو:" أجلب لي خافيير ميندوزا فورا... أظنه في بيت اليخاندرو..."
تكمشت ملامح صديقه وجلس ما ان أشار له بذلك، لكنه لم يتأخر بالهجوم عليه بالأسئلة:
" قمت بتحرياتك؟؟ وجدت أؤلائك الناس الذين يهددونه؟؟"
ان وجد أولئك الناس؟؟ لكن من اين يبدأ ليروي قصة خافيير الحقيقية لشقيقه؟؟ وبدل الدخول في سخافات الشروحات التي ستتسبب فحسب بإبعاد هذفه عنه حاول أن يجعل صوته مطمئنا:
" انه في أمان هنا... لا أحد يقتنص في أرض العرّاب و أنت تعرف هذا..."
بدت الرّاحة العارمة على وجهه:
" لا أعرف كيف سأرد لك جميلك روكو... أنت لا تجهل بأنه آخر فرد متبق لي من عائلتي... ربما هو سيئ للغاية لكنه ينوي التوبة و يرغب بأن نمنحه فرصة... ما الذي تخطط له بشأنه؟؟"
هز روكو كتفيه:
" انه محارب مميز، أمضى حياته في القتال كما انه يحسن استعمال الاسلحة... سأتركه تحت امرة سانتياغو.. "
سانتياغو لا يحب خافيير و هذا التفصيل لن يكشف عليه أمام اليخاندرو بالتأكيد...
" شخصية خافيير متمردّة..."نبهه اليخاندرو بقلق..." قد يخلق لك الكثير من المتاعب أجهل السبب الذي يدفعك للاحتفاض به جانبك... أريد فحسب أن تضمن له الحماية، اما فيما يخص العمل فسأجد له مكان في شركتي..."
جعّد روكو أنفه:
" في شركتك؟ رجل مثل خافيير لن يتحمل امضاء يومه وراء مكتب و أمام حاسوب... انه رجل ميدان"
تنهيذة اليخاندرو اتت عميقة، لابد أنه توصل لنفس الخلاصة خلال الأيام التي أمضاها خافيير تحت سقف بيته، أخبره صديقه بأن الرجل يمضي وقته في اعادة طلاء بيته و تمرين الكلاب و الرياضة، بأن جيرانه من النساء اصبحن يلقين التحية مرارا خلافا لعاداتهن في السنوات الماضية، خافيير يعرض قسمه العلوي مكشوفا في الحديقة بينما يسقي النباتات و يجمع المعجبات من حوله و يوزع ابتساماته، يظن نفسه في أمريكا.
" عادت بيانكا من لندن ؟؟" سأله بهدوء.
" ستعود غدا، كما ان داركو ينوي الاستجابة لدعوة حماه ، الأمير سيليو بالمقابل يرى بنظرة سوداء خطوبتي من حفيذته و يحاول تجاهلي في كل التجمعات العائلية، لذا أوضح لي بكل بساطة بأنه غير مرحب بي في بيت الكونت أندريس بلندن.."
أقطب روكو، الأمير سيليو يمنح الاسم أهمية شديدة، بالنسبة اليه اليخاندرو مجهول الهوية و لا يناسب سلالة نبيلة مثلهم تعود جذورها للقرون الوسطى:
" لن يتأخر داركو بوضعه في مكانه..."
هز اليخاندرو رأسه معترضا:
" علاقتهما مهتزة للغاية و لا أنوي حفر خندق جديد بينهما... سوف يتأقلم مع الوضع مع الوقت شاء ذلك أم أبى، ما يهم هو أنني حصلت على مباركة داركو... البقية غير مهمة..."
" أنت بلا أدنى شك محق... ما يهم هو موافقة داركو و ابنته... سيدرك سيليو بأن هناك أشياء أكثر قيمة من مجرد اسم بالتأكيد"
ترددت طرقات على الباب، لم يكن سانتياغو بل صوفي التي تقدمت بكرسيها المتحرك الى الداخل، وقف كليهما لإستقبالها، يعرف بأن ليس وجهه من تريد رؤيته بل الرجل الذي فضل بيانكا عليها، و هذا الرجل هو نفسه الذي انقلبت ملامحه ببعض العصبية و يبدو غير مستعد لهذا اللقاء:
" مرحبا اليخاندرو... لم تأتي لرؤيتي منذ عودتي الى صقلية... تتصرف و كأن ثمة عداوة بيننا ..."
اقترب منها هذا الأخير وانحنى عليها ليجلس القرفصاء أمامها و يمسك بيديها، راقب روكو ارادة اليخاندرو القوية في ضبط انفعالاته امام ابتزازاتها، صوفي مغرمة به بشدة، لم تستطع الامتناع عن شربه بنظراتها مثل عطشانه تشرب بعد يوم في الصحراء.
" آخد بإستمرار أخبارك من روكو... كنت أنوي المرور لرؤيتك بالتأكيد بعد اجتماعنا..."
ابتسمت له ابتسامة لم تصل الى عينيها، يمزقه رؤيتها تتعذب بصمت:
" سوف تمضي العيد معنا هذه السنة كما آلفت السنوات الماضية؟ آه... نسيت... الوضع اختلف هذه المرة، مكانك في طاولة الأمير فالكوني بعد أن خطبت ابنته" هزت عينيها أخيرا نحوه:" أليس كذلك روكو؟ اليخاندرو اختار الفريق الأخر..."
منحها نظرة خارقة مثل شعاع الليزر لكنه لم يرد، بينما اليخاندرو يحاول تهدئة الموضوع:
" ليست مسألة منافسة صوفي... نحن كلنا عائلة واحدة... ستبقين شقيقتي الصغيرة "
يعود ليضعها في مكانها، رآها تبلع ريقها، لكن كبريائها أبعد ظلمة التعاسة التي سودت ملامحها الجميلة:
" بالتأكيد... أنا سعيدة برؤيتك... ان غيرت رئيك يمكنك دوما الانضمام الينا..."
" سينظم الى عائلته... " تدخل روكو واضعا اياها بدوره في مكانها.
أظلمت عيناها أكثر و هزت رأسها بالايجاب،على ما يبدو تبقى متشبثة بأحلامها السخيفة نحو رجل لا يبادلها حبها:
" هل تريد شرب القهوة معي؟" اقترحت على اليخاندرو متجاهلة اياه:" يمكننا أخدها في غرفتي... لدي الكثير لأخبرك به"
ابتسم لها اليخاندرو تلك الابتسامة التي تخفي ورائها الكثير من الموانع، عاد ليقف في مكانه و يواجهه:
" أنا مدين لها بحذيث طويل... ان كنا قد انهينا كلامنا..."
" كلا... لم ننهه..." هذا التدخل لم يروق لصوفي التي رمته بنظرات حقودة:" صوفي تتذلل كثيرا مؤخرا و عليها أن تعرف حدودها... نحن نعمل... وهو ليس متوفر لك... و الأن أخرجي من هنا..."
فتحت فمها لتعترض لكنه حجمها بنظرة صارّمة، زمت شفاهها بكراهية لكنها لم تقل شيئا سوى ان استدارت بكرسيها على عقبيها و غادرت المكان... هكذا أفضل... عليها أن تتعلّم عدم مقاطعة زياراتها و معها السيطرة على مشاعرها، اليخاندرو يبدو مرتاحا و متوثرا لرفض طلبه، ربما حان الوقت ليكون واضح معه هو أيضا:
" أريدك أن تبتعد عن ابنتي اليخاندرو... أنت اخترت المرأة التي تنوي امضاء بقية حياتك معها، صداقتك بصوفي تتوقف هنا... و اليوم، اعرف بمشاعرها لك و هي تكون جارحة جدا و مؤذية عندما نسيء اليها، تحكم في رقتك معها، أفضلك أكثر صرامة، عليها أن تقلب صفحتك و تنقل لشيء آخر... هل أنا واضح؟؟"
ان كانت صراحته تفاجئه فعلى الأقل لم يبدي اي اعتراض، رآه يهز رأسه بالايجاب:
" أنت لا يُخفى عنك شيئا؟؟"
" لا يمكنك أن يُخفى عني شيئا..." أكد له بهدوء:" لسيما كل ما يتعلق بعائلتي"
* * *

أن تصل بيوم قبل موعدها يحمسها أكثر لرؤية ردة فعل اليخاندرو، عطلة العيد المدرسية تمنحها فرصة امضاء وقت أكبر في حميمة خطيبها، كما أنها تثوق للقاء توأمه أخيرا، لقد كلمها عنه بإختصار هاتفيا كما انه لم يأتي لزيارتها في لندن منذ قدوم خافيير، يقول بان توأمه صعب العيش و لا يمكنه تركه وراء ظهره دون مراقبة... يخاف أن يستبب بالمصائب.
فريق حراسها بالتأكيد اعلموا والدها بعودتها المبكرة لصقلية، لم تتفاجئ عندما وجدت فرانكو بإنتظارها بالسيارة في المطار، لكنه كان لطيفا جدا بعدم الاعتراض على رغبتها برؤية حبيبها أولا، هذا ربما يُشعر داركو بالغيرة، لكنها تعرف بأنها لن تخرج من بيته ان وطئت قدميها هناك، فلورانس لن تتركها ترحل بالتأكيد، كما ان اشتياقها لأخاها الصغير سيسجنها بجانبه لبقية النهار, لذا خططت برؤية اليخاندرو أولا قبل عائلتها.
قفزت من السيارة ما ان توقف فرانكو أمام بيت اليخاندرو و هرولت نحو الباب متجاوزة الحديقة، انتبهت فورا الى أن سيارة اليخاندرو غير موجودة بينما هناك سيارة غريبة في المرآب، استعملت مفاتيحها الخاصة و استقبلها نباح باكي التي هزلت ذيلها بسعادة ما ان تعرّفت عليها، وضعت بيانكا ركبتيها على الأرض تتلمس فراء الكلبة الناعم:
" اشتقت اليك يا طفلتيّ..."
لكن نباح كلب آخر جعل شعر قفاها ينتصب، وقفت ببطء من مكانها بينما كلب ضخم الجثة يظهر أمامها مثل الدايناصور، هل توجد كلاب بهذه الضخامة؟؟ مالذي يعلفه هذا الحيوان؟ هذا الأخير توقف عن نباحه في الوقت نفسه الذي أمره صوت حاد بالتراجع عن هجومه، فتحت فاهها بينما يظهر أمامها رجل يلف وسطه بمنشفة حمام، يبدو و قد خرج فورا من الحمام، و ربما تنبيه الكلب ما استعجله، لم يكن هذا فقط ما سمّرها في مكانها، بل تصويبه لمسدس نحوها، الشبه بينه و بين اليخاندرو مذهل، اذا كانت نظرات خطيبها رمادية فنظرات خافيير رمادية شفافة للغاية، كبركة مياه في يوم ماطر، جسد اليخاندرو نحيف و عضلي بينما خافيير بعضلات أضخم، تكاد تمزق البشرة التي تخفيها تحتها... كل هذه الوشوم الغريبة لا تخفي شيئا من روعة هذا الجسد، يالها من طريقة غريبة للتعارف، رأته ينزل سلاحه ببطء:
" لا بد أنك خافيير..." قالت له ببعض العصبية.
" و أنت بيانكا... حبيبة شقيقي..."
هزت رأسها بالايجاب:
" أظن أنني أتيت في الوقت الغير المناسب... كنت أنوي مفاجأة اليخاندرو... هو ليس هنا كما أرى..."
تخلى خافيير على ملامحه الحذرة و رسم ابتسامة مغواء متمرس، شعرت بالاحمرار يغزو خديها، حتى اليخاندرو لا يحط عليها نظرات بهذه الجرأة.
"توقع وصولك غدا... و هو يفعل ما بوسعه ليرمي بي خارج بيته قبل عودتك ..."
ابتسمت بيانكا ملئ فمها:
" صدقني هو ليس مستاءا من وجودك في بيته... "
ارخى شفاهه المغرية في حركة خاصة جدا:
" انه غيور... يعتقد بأن اختيارك قد يقع علي في النهاية..."
هزت عينيها الى السماء قبل أن تنفجر ضاحكة:
" يمكننا مناقشة ميولاتي بعد أن..." أشارت بدقنها الى جسده:" تغير هذه المنشفة بملابس لائقة!..."
احنى رأسه لينظر الى المنشفة التي تتوسط خصره النحيف، تهدد بالسقوط في أية بحظة:
" هل أثيرك الى هذه الدرجة ايتها الأميرة...؟"
جعّدت أنفها:
" سبق و حذرني منك اليخاندرو فلا تضيع وقتك معي... سأصنع القهوة ريثما تنهي استحمامك و تتخلص من مسدسك، ان رآه توأمك فلن يتردد جديا في رميك خارج بيته"
كشر بطريقة مسلية:
" هل سيبقى هذا الأمر سرّا بيننا؟؟"
" بالتأكيد... ان توقفت عن مغازلتي لتثير غيرة توأمك فسأحتفظ بالأمر لنفسي...."
أطلت السخرية من نظراته لكنه لم يعلق بشيء، بعد أن القى عليها نظرة أخيرة منحها ظهره و عاد الى غرفته، بعد دقائق ظهر مجددا مرتديا جينز قديم و تي شرت أسود و حذاء رياضي شهد حروب أهلية لا محالة، غريب كيف أن هندامه متناقض تماما مع أناقة توأمه الشديدة، كانت قد حضّرت القهوة و قدّمت اليه فنجانا ثم جلست مقابلا له على لوحة المطبخ الخشبية:
" اذن... فأليخاندرو ينوي الزواج من أميرة..." ثم عاد ليرمقها بطريقته الخاصة:" المحتشمة"
" ليس لدينا نفس مفهوم الحشمة" ردت وهي تبتلع من قهوتها.
وضعية استرخائه كشفت جسده بكل رجولته المدمرة، مع مرور الدقائق تراه لا يشبه حقا خطيبها الهادئ و الرصين، لا يجب للمرأة أن تنخدع بالبنية المدمرة لهذا الرجل فلن يتردد في سحقها تحت كعبه... وسامته مذهلة لا محالة ! و بغض النظر عن مدى تحذير اليخاندرو لها من احتمالية الإغواء ، لم يعدها شيء للصدمة التي شعرت بها عندما ظهر فجأة أمامها... رؤية نسخة ثانية من حبيبها أمر غريب حقا... لكنها متأكدة بأنها ستعتاد الأمر قريبا.
" أميرة لا تحتفظ بلسانها داخل فمها..."
"هيا خافيير... ربما تكون طريقتك الاستثنائية لحماية شقيقك من فتيات سهلات لكنني مختلفة، يمكنك الوثوق بأنه بين ايادي أمينة... أحبه من كل قلبي "
عاد ليسترخي مجددا وهذه المرّة اختفت السخرية و التسلية من نظراته ليرمقها بشيء يشبه ... التقدير؟
" أميرة... فاثنة.. وذكية؟" اشتعلت نظرته في مزاج لاتيني نموذجي:" و ماذا أيضا؟"
" أظنك تشعر بالغيرة لأنني آخده منك..." علّقت متهكمة بإبتسامة كسولة.
" يصدمني عزمك الثابت..." غمز لها بتواطئ.
"أنا أزدهر في التحديات التي تفرضتها علي المواقف .." أعادت له غمزته المتواطئة :"سوف أضيع في بيئة أقل تحفيزًا..."
هذه المرّة انفجر في ضحك صادق و استرخى الجو بينهما و اختفى التوثر، و تغير تعامله معها، اذن فقد نجحت في امتحانه و كسبته، طرح الكثير من الأسئلة التي تتعلق بحياتها، و دراستها في لندن، بدى مفثونا بحذيثها، و مهتما أيضا لإلمامها بعالم الحيوانات... مثله.
ترددت طرقات على الباب مما دفع الكلاب للنباح مجددا، خافير من اهتم بفتحه لمحت فورا سانتياغو بطاقمه الرسمي و تسريحة شعره الصارمة، تفقدها خلف كتف هذا الاخير و رقت نظراته برؤيتها:
" أيتها الأميرة..."
" مرحبا سانتياغو..."
ردت بيانكا تحيته وهي تترك مكانها لتقترب من الرجلين بدورها، ذراع روكو الايمن استعاد صلابة نظراته و حطّها على خافيير:
" العرّاب يريد رؤيتك فورا "
" رؤيتي أنا؟!" سمعت صوت خافيير يستعيد حذره.
" رؤيتك أنت نعم... "
عارض ذلك بحركة رأس قصيرة :
" أنا لا أعرف لما يهتم فجأة رئيسك بأمري؟ أو ربما... هو لم يقم بإرسالك... أحدهم يستعملك للايقاع بي!.. "
لا يبدو أن سانتياغو يملك الوقت أو حتى المزاج لتحمل تماطل خافيير في اللحاق به:
" لو كنت انوي الإيقاع بك لكنت سلفا في صندوق سيارتي... و الأن تفضل أمامي... العرّاب يكره الانتظار"
استدار نحوها خافيير، نظرة متهكمة تطل من عينيه:
" ان اختفيت فإنت تعرفين هوية الخاطف..."
اتسعت ابتسامتها:
" سانتياغو محق... العرّاب يكره الانتظار... أراك لاحقا خافيير و سعدت بالتعرف عليك أخيرا"

* * *
إيموجين تتصرف بمثالية، و يبقى حذرا للاستسلام لنعيمها التام، أمضت الأسابيع الأخيرة في تدليله و تدليل فكتوريا، منحتهما كل الوقت و الاهتمام، حتى انها أحذتث الكثير من التغيرات في روتينه، مثلا أن تجلب الطعام بنفسها الى الشركة ليتقاسموا الغذاء كعائلة، لم يكن هذا فقط ما يتقاسمه معها... غرفة نومه أيضا، تحاول اعادة الشغف الذي جمعهما في الماضي، وهو يحاول أيضا التجاوب مع هذه البادرة، هدم الجدار الشفاف بينه و بين مشاعره، يكفي رؤية ابتسامة ابنته المشعة و السعيدة ليدرك بأنه يقوم بالأمر الصحيح، انهما عائلته، و ايموجين تطالبه بفرصة لإنقاذ زواجهما، ليضع حسما في الموضوع اتصل بمحاميه و جمّد اجراءات الطلاق.
بدوره يحاول تنظيم أوقات عمله، المحرّك الجديد منحه بعض الرضى بعد تعديلات فريقه الأخيرة، أمكن هذا ميغان بالعودة أخيرا الى ميامي، كم فقدت من وزنها بسبب هذا الضغط؟ ثلاثة أو أربعة أرطال لكنه لا يتهاون عندما يتعلق الموضوع بسمعة ارشيبالد.
للمرّة الأولى في سنوات زواجهما الست زيّنوا شجرة العيد بأنفسهم، و كم أسعد هذا ابنته، كانت تنط مثل جرو صغير، تدور من حولهما و تتعلق برقابهما، تألقها اسعده، فهو يحب ابنته بشدة و ان كان منح ايوجين فرصة تغيير فلن يتردد في سبيل رؤية هذه النظرات الزرقاء مشعة مثل الشمس...
لأول مرة ايضا بالأمس شارك في صنع كعك العيد، ايموجين تجد دوما شيئا جديدا تقوم به، بعد عودته من الشركة و في فضاء شقته استقبلته رائحة الفانيليا و التوت البري و القرنفل، زوجته و ابنته اصرتا على وضع مريول على بدلة رجل الاعمال التي يرتديها، بعد ان تخلص من سترته و شمر على ساعديه ساير خطواتهما في صنع 'سانتا كلوز بالعجين'، النتيجة كانت حسنة و انتهى الموضوع بتمريغ وجه ابنته بالطحين بحيث فرت هاربة من هجومه المفاجئ.
وهذه الليلة سيحضران رسميا و منذ أشهر انفصالهما في حفل خيري لجمع التبرعات كما كانت عادتهما كل سنة، ايموجين تتأقلم بسرعة مع أي وضع، كانت متألقة بشدة بجانبه، يدها في يده، كل الأعين مصوبة على أشد الأزواج شهرة، اسم ارشيبالد لامع بشدة كما لا يخفى عن أحد في موسكو وزن اسم مارشال، عرّف زوجته على بعض الشخصيات البارزة من عالم الاقتصاد والثقافة في لوكسمبورج ، وكذلك من المجتمع الروسي. قبل أن يحيط خصرها بذراعه ليمنح اهتمامه للدكتورة كارمن لاوبيز التي تترأس جمعية الأطباء الحرين في جنوب أفريقيا، يقومون بإيصال الخدمات الصحية للمناطق النائية، بسب هذا التوغل مات بعض من أعضاء الجمعية مما تطلب تحسين ظروف عملهم و طلب المساعدات المادية.
" أحب بشدة عملك... أنت أيقونة الطبيبة الناجحة و الطموحة، لابد أن كيليان فخور بك..."
كانت كارمن تتكلم بحرارة لإيموجين التي تورد وجهها من شدة الفخر.
" أنا فخور بها..." تدخل كيليان من باب اللباقة...
" أضع حاليا مهنتي بين قوسين.... أنا وكيليان نفكر في توسيع العائلة..."
هذه الملاحظة لم تروقه بالمرة اذ انها سرعان ما انتشرت من حولهم مثل النّار، حضر عروض الرقص الكلاسيكي و صفق لمغني الأوبرا بصمت، ايموجين شعرت بإبتعاده لكنها لم تعلق بشيءـ، بل تصرفت كزوجة مثالية خلال القائه كلمته و تبرعهما بشيك قيّم للغاية لجمعية كارمن، بحيث تلقت أيضا وعودا بإرسال طائرة محملة بالمساعدات الغذائية و الأدوية من قبل مستشفيات ايموجين، هذه الأخيرة كانت تطير فوق غيوم وردية، خلال رحلة عودتهما لم تتمكن زوجته من امساك لسانها و هما في الليموزين التي تقلهما الى البيت:
" أرى مزاجك سيء"
القى عليها نظرة ثاقبة، ايموجين نفسها و لم تتغير، مازالت المناوزة التي يعرفها، تستغل فكتوريا للوصول الى مبتغاها كما تستعمل الناس من حولهما.
" عدنا لبعضنا منذ أيام قليلة و تتكلمين بثقة عن توسيع العائلة... مالذي تنوينه هذه المرة؟ التعمد مجددا للحمل ؟"
رغم الانارة الطفيفة التي يلقيها الشارع على الليموزين الا انها شحبت تحت زينتها العالية، سبق ووعد نفسه أن ينسى هذا الموضوع، لكنه لا يثق بها، انه عاجز عن منحها ثقته بكل بساطة.
" لا أعرف عما تتكلم..." سمعها تنكر بهدوء... تستحق جائزة الاوسكار لأدائها الرائع.
" أريد أن أكون صريحا معك... حاليا.... انا مكتفي تماما بفكتوريا، خططي المستقبلية لا تتضمن الحصول على أطفال آخرين، الأمور تسير حاليا بشكل جيد لذا لا تفسديها بنشر الاشاعات حولنا كما هي عادتك ايموجين... تعرفين أنني أكره كليا ملاحقة الصحف لي و لحياتي و تعريض ابنتي لخطر التعقب... حاولي تغيير عاداتك لأنها تثير قرفي"
بقيت متصلبة للحظات قبل أن تلتقط نفسا عميقا و تقطع المسافة بينهما و تقبل شفاهه بحرارة:
" أنا آسفة ان طرحت أماني بصوت مرتفع... أنت مهم جدا بالنسبة لي حبيبي... انسى موضوع طفل آخر... فكتوريا ستتعود على أنها طفلة وحيدة و تنسى كليا رغبتها في الحصول على أخ أو أخت..."
تعود للتلاعب بورقة ابنتهما...
" ايموجين... توقفي... أرى جيدا في لعبتك... كوني معي مستقيمة أكون لك زوجا جيدا... لا تتلاعبي معي مجددا ان رغبت بأن يدوم ما بيننا...."
" سأتعلم التحكم في صراحتي..."
" اللؤم لا يدخل في قائمة الصراحة فهناك فرق.... وصلنا..."
اقتحمت الليموزين المرآب الشاسع لناطحة السحاب التي تخص ارشيبالد و يسكن هو في عُليتها، خرج من السيارة قبل ان يفتح له السائق الذي اهتم بإيموجين، هذه الاخيرة كانت متوثرة خلفه، يمكنه الشعور بأنفاسها عليه، لكنه يرغب بالاختلاء بنفسه، منحها فرصة لانجاح زواجهما من اجل فكتوريا لا يعني تقبل عاداتها السيئة، مراوغتها و لؤمها يفوقان حدود تحمله، عندما رافقها الى المصعد الخاص و امتنع عن تقاسمه معها تدخلت ببعض الحدة:
" لا تنوي التهرب فقط لأنني قلت جهرا ما أفكر به؟"
" أريد العمل قليلا... "
" كيليان..." اعترضت بصوت منخفض و قد فقدت نظراتها حدّتها:" لا تبتعد عني مجددا أتوسل اليك... كنا سعيدين جدا مؤخرا..."
" نحن نمثل على بعضنا... لا يمكنني تقبل شخصيتك المسيطرة و المناورة ايموجين... تغيري بصدق و لا تمثلي علي دورا أرفض قطعا تبعك فيه..."
" لا أمثل عليك في حبي, تعرف بأنني متيمة بك..."
{ أنا لا أحبك...} لكنه لم ينطق بما يفكر فيه، ايموجين تملك كبريائها و فكتوريا هي من ستتعدب من شقاقهما مجددا، تعرف زوجته كيفية حشو رأس الصغيرة بالأكاذيب و تعرف أيضا كيفية قلبها ضده، التقط نفسا عميقا:
" أحتاج للعمل قليلا... سألتحق بك "
هذه المرة لم تعترض و انغلق الباب الذهبي لينهي النظرات بينهما.
انه بحاجة لاستعادة سانتو و العمل لحد الارهاق، الطابق الاول هو مساحة التجارب لمحركات ارشيبالد، ضغط على الرقم السري و انفتح الباب امام المحركات التي تعود الى قرن مضى، اقترب من الخزانة ليلتقط بدلة الميكانيكي القاتمة و تخلص من بدلة رجل الاعمال ليعود فورا الى جذوره، العبئ انزاح تلقائيا من كتفيه... لكن هوية أخرى التصقت به... تلك التي تذكره بأن دم يانيس ايميليانو يجري في عروقه، ذلك الصقلي البدائي الذي قتل والدته لأنها أحبته و رمى به في 'هو' كخرقة بالية في الدير... لكنه رغب بذلك أم لم يرغب... يعود له الفضل أيضا بإمتلاكه اليوم محركات ارشيبالد... كيليان ارشيبالد موجود لأن يانيس قرر خلقه بالطريقة التي يريدها و الأغرب أن خططه في تكوينه و انشائه نجحت... بئس هذه الليلة التي يعود فيها يانيس الى تفكيره... ربما لا ينساه يوما... انه يعيش فيه... لقد ورث وجهه اللعين.
مرر أصابعه من خلال شعره الأسود الكثيف ثم تجاهل توثر مشاعره و دنى من المحرك الأخير الذي ينوي تقديمه للعالم قريبا، لقد كان شبه راضي على جهوذ طاقمه، نعم شبه راضي، و ليس راضيا بالمرّة، لأن كيليان مؤخرا اهتم اكثر بالشؤون الادارية و نسي أن ما يحبه أكثر هو الأعمال اليدوية، الفرق بين المحرك الحالي و الأخير هو 35 ثانية عند الفرملة، ربما يكون رقم قياسي لكنه ليس كافيا...
تذكر فجأة انبهار فيرنا بعمله بينما يُعيد الحياة لخردتها المتهالكة، لقد جعلها بقوة مقبولة و لن تعاني مجددا معها بالتأكيد.
" أنت مليئ بالمفاجآت..."
عاد صوتها حيا الى ذاكرته.
فجأة شعر بأن اشتياقه اليها ما يجعله جافا جدا الليلة مع ايموجين و ليس ادعاءاتها الفارغة أمام المدعوين، الحفل الخيري ذكّره بمجهوذ الايطالية صاحبة الشعر الطويل بأمور المهاجرين الغير شرعيين،كان مترددًا جدًا في التخلي عن وحدته الحبيبة لدرجة أنه أخر اللحظة المصيرية لأطول فترة ممكنة للتفكير بها... فيرنا تقلب كيانه ما ان يسمح لها بالدخول الى تفكيره... غريب.... هي التي لا يبدو أنها مهتمة لأمره كإهتمامه لأمرها.
انحنى على المحرك ليركز على كل خلية منه، و اختفى العالم من حوله ليغوص فيما يعرف التحكم فيه حقا أما حياته الشخصية فقد فقد سيطرته عليها منذ أن حطت عيناه على فتاة بوجه فاثن و شعر طويل جدا و اعاقة تتقبلها بكل بساطة.
عندما عاد الى الواقع تفاجئ بأن الساعة تجاوزت السادسة صباحا، أمضى ليلته في اضافة نجمة أخرى للمحرك الجديد و قد أفلح فيما عجز به فريقه المختص، الأن يشعر بأنه ليس شبه راضي... بل سعيد.
الفضل يعود لفيرنا... التفكير في شخصها ايجابي جدا... و سيعمّد محركه الأخير على اسمها... تستحق ان يكون لها وجود...
جلس على الأرض دون ان يتوقف عن النظر الى انجازه، كان يؤلمه كل انش من جسده و بحاجة تامة للراحة، لكنه اخرج هاتفه و كتب رسالة خاصة جدا... رسالة امتنع عنها منذ عودة ايموجين لحياته مجددا.
{ عيد مجيد يا صاحبة الشعر الطويل...}
هناك فرق ساعة بين موسكو و كابري، لابد أن الجميلة ما تزال نائمة، لدهشته وصله الرد:
{ مازلت تتذكرني دون سانتو؟ ظننت أن مخلوقات فضائية قامت بإختطافك}
أقسمت ابتسامة وجهه الى نصفين، لقد تحايل للحصول على رقم هاتفها، استغل توظيفه لإصدقائها و حصل على رقمها بدعوة الاطمئنان منها عن الوضع من فينة لأخرى.
{ ما زلت حيا... و أفكر بك أيضا... انت مبكرة}
{ أنا في سوق السمك.. أشتري ما يلزم للعجزة كما هي العادة...}
قرأ رسالتها مرّتين... ثلاثة... ثم تجرأ بالسؤال:
{ هل يمكنني الإتصال؟}
{ أنت من سيدفع ثمن المكالمة اذن لا مانع لدي}
عاد ليبتسم مجددا أمام روحها المرحة و فعل ما لا يحق له... اعادة التواصل معها، مجرد سماع كلمة مرحبا جعلته يغمض عينيه و يبقيهما كذلك الى نهاية الحوار:
{ سنمضي العيد في ملجئ المقيمين الغير الشرعيين... و نقدم لهم الوجبات للمناسبة و الهدايا لأطفالهم... }
{ لن يكون والدك مسرورا...}
{ لا أحب أعيد الميلاد.... } اعترفت له بهدوء { وقعت الحاذثة ليلة العيد و هذه الفترة تُذكّرني بالفاجعة... آلف والدي و شقيقي العيد في صقلية مع عمّتي و ابنائها ...}
عندما يأتي أحدهم على ذكر صقلية يترآى له فورا أفراد عائلة الايميليانو... لسيما أخاخ الغير الشقيق روكو.
{ أنت وحدك اذن؟}
{ أنا محاطة بأسرة شاسعة.... سانتو... اعذرني لكن... نسيت أن أشكرك على الدعم المادي...}
رباه... هل اكتشفت بأنه هو نفسه كيليان ارشيبالد؟؟
{ لم أفعل شيئا} قال بحذر.
{ ارشيبالد منحت الجمعية المئات و المئات من آلاف الدولارات... و بما ان الشركة معمّدة أمريكية و روسية فقد فكرت بأنك وراء هذا السخاء... أنت الوحيد الروسي الجنسية الذي أعرفه...}
سمع حركة من حوله و أيضا صوت الباب يفتح، لا أحد قد يأتي في هذا الوقت غيرها هي... زوجته.
{ ربما مجهوذاتكم الجبّارة ما أثارت اعجاب ارشيبالد...}
سمعها تضحك ضحكة ناعمة ثم تستعيد جديتها:
{ أنت وراء ذلك الانعام... اخترتني انا سفيرة أرشيبالد... هل هو صديقك؟؟ لا يوجد تفسير آخر قد لا يربطك بما حذث}
{ ربما حمّست بضع أسماء لهذفكم السامي... }
{ أنت رجل شرف و كلمة أيها الروسي... سأرد جميلك بالطريقة التي تريدها}
' أريدك أنت...' احتفظ بالطبع بهذه الملاحظة لنفسه، أغلق الخط في الوقت نفسه الذي ظهرت فيه ايموجين في المكان، كانت ترتدي ملابس رياضة لا تخفي شيئا من جسمها الرائع، بشرتها الشديدة البياض تتناقض من حمالة صدرها الكحلية، شعرها الأحمر المتوهج مربوط في تسريحة ديل حصان، في يدها فنجان قهوة فوّار:
" لم يكن يجذر بي تصديقك عندما وعدتني بعدم التأخر للالتحاق بي.... على ما يبدو أمضيت ليلتك في العمل..." تقدمت منه و منحته فنجان القهوة قبل أن تجلس بجانبه" قمت بتطوير المحرك الاخير؟"
" أضفت بضع تعديلات نعم"
" لما تثق بفريقك عندما تكون الاجدر في الميدان؟!.." قالت بمنطق لا هوادة فيه.
" الفريق عمل بلا انقطاع و لا الومهم, ميغان هجرت لونا كي ترضي تطلباتي"
" الراتب الذي تتقاضاه يستحق هذه التضحيات... ربما يستحسن ايجاد دكتور ميكانيك أمهر ليأخد مكانها، فلا أراها مناسبة لهذا المنصب العالي"
ادار وجهه نحوها و التقت عيناهما، تمتم مُقرّا بهدوء:
" ميغان في مكانها المناسب...!"
" تمنحها الكثير من الأوليات وربما تفهم كرمك بشكل مغاير... مثلا أنك معجب بها!"
هز سانتو حاجبه متهكما:
" كرمي؟؟ تظنين أن ميغان مديرة فروعي الأمريكية لأنني كريم معها؟؟ أنا لا أستعمل الاحسان في الأعمال و ان كانت وراء صورة ارشيبالد فلأنها أكفئ سيدة أعمال قابلتها، انها ذكية لامعة و مثابرة, انصحك الا تمزجي بين غيرتك و عملي اتفقنا؟ لا تحشري انفك في أموري"
رآها تهز كتفيها، و كأنها تعتذر عما تلفضت به:
" لا أنوي التدخل حبيبي، و أظن أن غيرتي مشروعة، لسيما و أنها حرّة منذ انفصالها عن لوكا و تمضي معك من الوقت أكثر مما تمضيه أنت في البيت معي و مع ابنتنا... أعتذر ان تفوهت بكلمات خرقاء... أعرف بأنك مستقيم جدا و أنه خلافا لكل سمعات رجال الأعمال التي تظهر بلا تردد في صفحات الفضائح لم تقم بخيانتي يوما... كما لم أقم أنا بذلك..."
لأن يانيس كان زير نساء متمرس و يغير النساء كما يغير جواربه، يرفض أن يترك جيناته الفاسدة تؤثر به و بروتين حياته الذي جاهذ بشدة كي تكون ما هي عليها اليوم... لكن انجذابه الغريب لفيرنا... هل يجعل منه رجل مستقيم؟
" متى سنتطير الى ميامي؟؟ الكل بإنتظارنا لتمضية العيد...."
" ميامي؟؟"
" نعم ميامي،كما تعودنا كل سنة مع أفراد عائلتي..." شرحت له بينما نظراتها الزمردية اسودت من قلق الرفض الذي يتهيئ له" هذه السنة مهمة جدا لمصالح والدي و تصوير العائلة كاملة سيخدم انتخاباته بالتأكيد... لقد جهزّ أبي جلسات تصوير عائلية و بضع ..."
" ايموجين.."
"..... و بضع لقاءات صحفية لنا... علينا تكذيب شائعة انفصالنا لأن هذا سيضر بأبي..."
ثم تعود لنفس الموضوع، و كأن عودتها الى حياته متعلقة فحسب بمصالح والدها السياسية...
" في كل حياتي... لم أقدم يوما لقاء صحفي واحد... تعرفين بأنني أكره كليا الكشف عن وجهي أمام الكامرات..."
" ربما حان الوقت ليتغير هذا الشيء... أنت رجل لامع جدا كيليان، من حق المجتمع أن يضع صورة حقيقية على اسم ارشيبالد ... "
وضع كوب القهوة جانبا و قفز على قدميه، حان الوقت ليضع حدا لهذه المناقشة السخيفة:
" ان رغبتي بالعودة الى ميامي للاحتفال بالعيد مع أهلك فلا مانع لدي... خدي فكتوريا و استمتعا بوقتكما، أما فيما يخصني فلا نية لي بالظهور على أغلفة الصحف لدعم حملة والدك الانتخابية... "
* * *

متى يُفترض أن تتلاشى هذه التمددات المريبة على بطنها؟ تسائلت 'آيا' وهي تتطلع لجسدها في مرآه الحمام،علامات التمدد أمر شائع في الحمل. وقد أثقل معنوياتها منذ أن بدأت بفقدان وزنها الزائد و فقد جسدها روعته السابقة، استعملت كل المرهمات الممكنة لمنعهم مع اتساع الجلد عندما يبدأ البطن في التبلور،بحيث يتم اختبار مرونة الجلد بشدة أثناء الحمل.
أخبرتها الطبيبة أنه خلال الحمل ينتج الجسم المزيد من الكورتيزول ، وهو هرمون يضعف الكولاجين في الجلد ، وبالتالي أليافه. والأدمة هي التي تتأثر وتقلل من أنسجة الألياف والكولاجين. أول علامات حمراء تتحول الى بيضاء و قد تبقى لبقية العمر...
لا يبدو أنها لم ترث صلابة بشرة والدتها التي تملك بشرة نقية لا تحمل آثار ولاداتها السابقة، كيف سيراها خوسيه بعد الان عندما يعاود محاولاته في اغراءها؟ يمكنها تخيل صدمته أمام هذا التحول المريب، هو الذي يعشق الكمال، يعشق الجمال، هو الذي يتصرف تماما مثل زوج حقيقي معها منذ الولادة، زوج يرغب بعيش زواج طبيعي معها و مع التوأمين...
بالتأكيد يظن بأن جسمها الذي طالما اشعل رغباته الحامية سيتعيد رشاقته و بشرتها تستعيد نضارتها، هي نفسها لا تتحمل رؤية ما آل اليه وضع جسمها... فجماله أصبح من الماضي، البشرة الشابة والواضحة والناعمة هي أيضًا رحلت بلا عودة.
التمددات لم تترك صدرها و شأنه... يبدو بحالة سيئة أيضا... ان كانت نفسها تقترف من نفسها... فمالذي تبقى لها؟؟ ما ان يدرك خوسيه بانها فقدت مع حملها ما جذبه بشدة اليها حتى يرميها كليا كي يستبدلها فورا بجسد جديد... فليس الحب ما شده اليها في البداية بل التفاصيل الانثوية التي الهبت حواسه، كانت مجرد لعبة ممتعة له - لعبة جنسية - حتى يقرر البحث عن المرشحة المناسبة لدور الزوجة الشرعية.. لكن الأمور اتخذت مجرى آخر... وقع الحمل و تزوجها كي يوفر عليها عداء أبدي مع عائلتها...
ثم قرر بعد حصوله على الطفلين أن يكون ما بينهما حقيقيا، لم يصارحها بالكلمات، لكنها شعرت به مختلفا... محبا، رقيقا و متوفرا لها و لإبنيهما، خوسيه مغرم بشدة بحياته الحالية، منذ ثلاثة أسابيع و هو يطفو على سحابة وردية، اعطاء اجتماع هاتفي في مكتبه بينما المادو الصغير ينام على كتفه أصبحت من بين عاداته، بدأت تفتقد أطفالها عندما يأخدهما منها لوقت طويل ولا يعيدهما سوى ليأخدا و جبتهما من صدرها، ثم يبقى هنا... يراقبها تطعمهما كل واحد على حدة، يتجرّعها... تعلم أن كل تفاصيل المشهد ستبقى محفورة في ذهنه إلى الأبد...كما ستبقى فيها شخصيا.
كان من حقها الحلم... الحلم بمستقبل مختلف... بمستقبل جميل.
الحلم بأنها ستستلم لنعيمه، و ستكون نهايتهما شبيهة بنهايات القصص الخرافية، تعرف بأنها السبب في تغيره، التوأمين غيرا حياتهما معا، و تعلق خوسيه الشديد بهما يبعد عنها فكرة ابعادهما عن حضانته و لو جزئيا... وهو بالتأكيد اكتشف الشيء نفسه، اذ انه يكلمها أحيانا عن المستقبل دون ان يتطرق لإنتهاء صلاحيتها في حياته...
لكن الواقع سيعود أذراجه اليه ما ان يخف ولعه بالتوأمين... سيبدأ بإغرائها... و سيكتشف بأنها تغيرت... و أنها... مريعة... سيقرف منها... سيهجرها بـأسوأ الطرق.
ابتعدت عن مرآة الحمام وارتدت روبها لتخفي بشاعة تمدداتها الحمراء التي قرأت عنها بأنه من الصعب جدًا التخلص منها بسهولة.
نصحتها أيضا الإختصاصية بأنه عليها الإنتظار حتى نهاية الحمل والرضاعة، فهناك علاجات مزعجة للغاية تعتمد على كريم فيتامين أ و تطبيقه محليًا. يمكن أيضًا استخدام الجراحة التصالحية. ثم هناك تقشير أو علاجات بالليزر لتقليل الرؤية. ومع ذلك ، فإن النتائج ليست دائما مذهلة.
خوسيه ... المتطلب.. المحب للكمال... لن يتأخر بفقدان اهتمامه بها فور رؤيته لها عارية، يستحسن بها الا تحلم كثيرا بمستقبل معه... هذا لن يحذث اطلاقا، لسيما مع رجل مثله، و عليها ان تحمي نفسها قبل أن يجرحها هو بطريقة قد لا تُشفى منها يوما... ترفض قطعا أن تعري له عن هذه النذوب و التمددات البشعة، لن تمنحه فرصة التقليل منها، ربما هو مثاليا مؤخرا... لكنه في الحقيقة ما يزال هو نفسه... الوحش الذي يستعمل العنف عندما لا يروقه الأمر.
اذا كان يتفادى الكلام في موضوع الطلاق لأنه يعتقد بأنه سيبقيها في سريره و معها أطفالهما بجانبه فعليها هي الا تنسى أبدا بأن أفضل وسيلة الدفاع هي الهجوم، البقاء محايدة سيخدم مصالح قلبها... انها تحبه... تحب الرجل الذي أصبح عليه، تحب النظرات الناعمة التي يرشقها بها، و تلك الابتسامة السعيدة التي ترتسم على وجهه كلما أخد أوزلام ووضعها على كتفه كي تتجشأ بعد انهاء الرضاعة، وكي تكون صريحة مع نفسها... أغرمت ايضا بروتينهما اليومي، بتفاهمهما، نظراتهما المتبادلة، ابتساماتهما المتواطئة، أغرمت بكل ما يجمعها بذلك الساحر الذي أشعرها بأن لها كيان ووجود...
خوسيه يسرق منها ألمادو هذه المرّة بينما أوزلام غارقة في نوم عميق، حان الوقت لتهيء نفسها لطعام العشاء، فهذه الليلة لن تكون دانيلا على طاولة العشاء، هذه الأخيرة طارت الى صقلية كي تمضي العيد مع الايميليانو، هي التي ظنت أن خوسيه سيعترض على هذا... يبدو أن حبه لتلك العائلة يجعله في صفهم و ليس ضدهم.
ارتدت فستان أسود، هذا اللون لا يبرز وزنها الذي ما يزال زائدا بعض الشيء، ربما ستفقده كليا قريبا، بإنتظار ذلك عليها أن تجد الطرق السهلة لتظهر بمظهر لائق.
سمعت خطوات قرب باب الجناح بينما تقوم بتمشيط خصلات شعرها التي تضاعف طوله خلال اشهر حملها، دخل خوسيه جناحها، الصغير بين ذراعيه، كان هذا الأخير غارقا في النوم، كانت آيا تود أن تبقي عينيها مفتوحتين لأخرهما لتسجيل أدنى ثانية من هذا السحر ، لكنها لم تستطع تدلى جفنيها على الرغم من أنها استسلمت لكآبتها الداخلية... خوسيه اكتسب القليل من الوزن الذي فقده سابقا، عاد ليشع وسامة مجددا:
" استدعيت المربية كي تبقى برفقتهما... أنت بحاجة لليلة كاملة من الراحة..." سمعته يقول وهو يضع بكل كياسة و حذر الصغير في سريره.
" انا قادرة على الاهتمام بهما..." اعترضت بصوت جاف.
" لن تناقشيني آيا... سيسيليا ايضا ترى بأنك تهتمين بهما كل الوقت و لا تأخدين قسطك الكافي من الراحة... أنا أريدكم جميعكم بصحة جيدة..."
{ أريدكم جميعكم بصحة جيدة} ياله من وعد جميل... نضارة هواء الشتاء في الخارج لم تساعدها بالتنفس بحرية، أفكارها القاتمة وو عدها بحماية نفسها من غدر هذا الاسباني الوسم يحولان حولها و حول الحلم بالمستحيل... انها عاطفة مؤقتة... خوسيه لن يحبها، و لن يضعها يوما في نفس مرتبة أطفاله... أو بالأحرى أطفالهما.
وضع يديه على كتفيها فشعرت بقشعريرة تسري على طول عمودها الفقري، التقت نظراتهما خلال المرآة.
" ما الأمر كوراسون؟ تبدين شاحبة...؟"
" أتيت منذ أسابيع قليلة على الولادة... تحتاج وجنتاي القليل من الوقت لتستعيد لونها الطبيعي..." ردت بخفة وهي تقف من مقعدها و بالوقت نفسه تبتعد عن لمسته.
عندما أصيبت أوزلام باليرقان و احتاجت لجلسات علاج ضوئي بقي خوسيه معها يومين اضافيين بعد الأسبوع الذي لم يفارقها فيه لحظة واحدة، كل هذا الحب و الولاء يبرهن بأنه مستعد حتى بالتمثيل عليها كي يحتفض بالطفلين معه دون ان تنتزعهما من احضانه حتى لفترة قصيرة في الاسبوع، خوسيه مهووس بطفليه...
وصلت المربية في هذه اللحظة و تركاها مع الصغيرين في الجناح ثم قصدا معا- في جو صامت- غرفة المعيشة، كانت تملئ رئتيها بنكة كوكتيل مسكر الذي اتى على شربه، كانت تمشي مثل الالة بجانبه و قد اتت على اتخاذ قرارها بصده لحماية نفسها من تجريح و هجران قد لا تتحملهما منه،كل شيء تفعله عادة بدون تفكير يأخذ بعدًا جديدًا وغريبًا. سواء كانت تمشي أو تتنفس ، كانت بحاجة إلى التركيز مع كل خطوة ، مع كل نفس.
جذب لها الكرسي لتجلس عليه عندما وصلا أخيرا الى غرفة المعيشة، كانت سيسيليا بإنتظارهما، تهز نحوهما وجهه سعيد و ابتسامة شاسعة، سعيدة بهذا التقارب بينهما، فقد كان هذا هذفها منذ البداية، أن يضحي زواج ابنها حقيقيا:
" مسائك سعيد 'دونيا سيسيليا'..." بشارتها آيا بنبرة تتمناها هادئة، خوسيه جلس مكانه، مقابلا لها، كيف يمكنها التركيز على طعامها بينما تشعر بنظراته المصهورة بالذهب مركزّة عليها بهذه الطريقة؟
" مساء الخير عزيزتي..." ردّت حماتها بلطف:" أمرت بتجهيز غرفة التوأمين كي تنتقل الليلة المربية معهما و تركك تنعمين بالراحة"
" هذا ما قلته لها بالضبط... صحتها مهمة و هذا الشحوب لا يروقني، سوف آخدك غدا الى المستشفى"
هزت عينيها نحوه، تسللت كلماته بحرارة في صدرها... تمتنع عن تذوق هذا الإحساس الخطير... أيها الملاك... أخرج فورا من هذا الجسد الذي سكنه شيطان بقرنين... من أمامها ليس خوسيه... ليس الرجل الجارح و المسيئ:
" أنا بخير... لا تقلق نفسك بشأني..." جاءت كلماتها ممتنة رغما عنها.
" أنت والدة طفلاي... " هذا التأكيد لم يزد سيسيليا سوى ابتهاجا:" من الطبيعي أن أقلق بشأنك..."
مرّت الوجبة في حماسة غير طبيعية، حماتها لا تتوقف عن تدفئة الأجواء بروحها المرحة، كانت تنوي الانسحاب بعد العشاء الا أن هذه الاخيرة أجبرتها تقريبا على الالتحاق بهما في الصالون لشرب القهوة.
" العيد أجبر أقرابنا و اصدقائنا الالتزام ببيوتهم و التخلف عن زيارتنا لرؤية التوأمين... أظن ان الوقت حان لنحدد تاريخ نحتفل به بمعمودية وريثي المارتينيز..." قالت سيسيليا وهي تشرب من فنجان شايها المعطّر:" التحضير يستحق الإعداد له بعناية... دعوة أفراد العائلة والأصدقاء المقربين والعراب والعرابة..."
" روكو اقترح نفسه سلفا بأن يكون عرّابهما... أما العرّابة... فدانيلا بالتأكيد لم تخفي رغبتها بذلك..." قال خوسيه.
لما ليست متفاجئة بشأن اختبار روكو ايميليانو كعرّاب التوائم؟؟ بالنسبة لدانيلا فبالتأكيد سبق و طلبت منها ذلك من قبل و لم تتمكن آيا من رفض طلبها... أين عائلتها هي من كل هذا؟؟
" جيد اذن... " قالت بعد ان انتبهت ان زوجها ووالدته ينتظران رئيها بالموضوع...
تقطيبة خوسيه نبهتها بأنه يقرأ فيها ككتاب مفتوح، مظاهر حساسيتها شديدة الوجود أمام هذا الرجل، ابتعدت عنه بإهتمامها لتحط نظراتها على سيسيليا التي تخطط لإقامة أضخم حفل معمودية شهدتها اسبانيا على ما يبدو:
" غدا عزيزتي يمكننا البدأ بكتابة قائمة معارفك الذين ترغبين بدعوتهم ... أكون سعيدة ان شاركتني بالتجهيزات ..."
كانت تلمح بالتأكيد لتماطلها في تجهيزات زفافهما هي و خوسيه:
" سأكون سعيدة دونيا سيسيليا...ّّ"
حان الوقت للهرب الى غرفتها، قبل أن تتلفظ بكلمة سبقها خوسيه الذي وقف فجأة و مد نحوها يده:
" سنتمشى قليلا في الحديقة قبل أن تخلدي للنوم... هذا سيساعد معدتك بهضم الطعام بشكل أفضل..."
ارتسم الارتباك على ملامحها،الطريقة التي وقف بها شعرها على ذراعيها كإشارة تحذير جعلتها تتكمش مكانها، للحظة ، رأت بصيصًا خيريًا يضيء هذه العيون الذهبية و نسيت حذرها كالسحر، تركت يدها تلتحم بيده، اللمسة متفجرة مثل المعتاد بينهما، بعض الأمور من المستحيل تجاهلها، ظهرت فجأة الخادمة تحمل معطفها الذي أخده منها خوسيه ليساعدها بإرتدائه، تأخرت يديه على كتفيها، لمسته تحرقها بشدة:
" هذا سيُشعرك بالدفئ!"
الشتاء في مدريد بارد وجاف - حتى لو لم يكن هذا شائعًا - يمكن أن تتساقط الثلوج في أواخر كانون الأول و الثاني ، وهو أبرد شهر في السنة بمتوسط 6 درجة مئوية. ومع ذلك ، هناك العديد من الأيام الصافية تمامًا ، مما يسمح بالإحماء تحت أشعة الشمس الظهيرة... ما لا يحذث في بلادها المجرّ... استقبلتهما برودة الليل، البدر ليس كاملا لكنه ينير السماء بشكل مرضي، الأنوار الخافثة للحديقة تنير طريقهما، طول خوسيه يتجاوزها بعدة أقدام، و تشعر بنفسها صغيرة قربه، كان قد ارتدى أيضا معطف الكاشمير الذي يشبهه أكثر بعارض أزياء في مجلة فوغ على رجل أعمال سيد قلعة شاسعة تعود الى قرون مضت... قلعة شُيدت لجدته العربية التي وقع في حبها نبيل اسباني و قرر الزواج بها.
هل النبيل الاسباني... بقي على حبه للأميرة العربية بعد ولادتها؟ مع تمدداتها المريعة؟ أم أنها كانت من الحظ بحيث لم تصاب بشرتها بأذى؟ التقطت أنفاسا عميقة... انها لا تثق بالمرّة بخوسيه... لذا تمنح كل هذه الأهمية للتغيرات التي حذتث على جسمها، فهذا الأخير يمنح الكثير من الأهمية للمظاهر، سينبذها ما ان يكتشف ما تنوي اخفائه عنه بكل قوة:
" أراك صامتة... و مهمومة..."
التقطت أذنيها صوته بينما يصلان الى أشجار اللوز العارية، تعرف بأن هذا المكان سيكون خياليا خلال الربيع، أصلا القلعة بطبيعتها الخلابة و أنهارها تسلب الألباب، مازالت تتذوق طعم الصيف الذي تنفسته في الخارج ، في الشوارع الحيوية.
" صامتة نعم... مهمومة لا..." ردّت بهدوء.
خوسيه ليس غبيا كي لا يفهم بأن ثمة شيئ يزعجها بشدة، منذ الولادة وضعت 'آيا' حذرها جانبا و تجاوت معه بطريقة عفوية، هو الذي قرر نسيان أمر العقد بينهما، ذلك العقد بشروطه القاسية التي تحمي مؤخرته شخصيا، استعمل القواعد الأساسية لكل مساومة جيدة ،بدأ بمقترح غير لائق ، للتأكد من أنها ستقبل بامتنان أقل تنازلاته، و تفاوضت لتحصل على حقها الشرعي، ما كان في بطنها أصبح خارجه... اليوم هو يتعامل مع الوضع بشكل أكثر واقعيه... انه أب لكائنات حقيقية و ليس أراضي البن أو فنادق خمس نجوم ينوي ضمها لأعماله.
وهذا التغير فيها يدق بداخله ناقوس الخطر، لا يريدها ان تبتعد مجددا بعد أن عاشا السلام في الاسابيع الأخيرة.
في غرفة المؤتمرات أمام الشاشتين الكبيرتين حيث مدرائه التنفيدين من Martinez Enterprises و هم يناقشون تقارير مشاريعه المختلفة قيد التنفيذ تحتل 'آيا ' كل أفكاره، في جميع ساعات النهار والليل. كان يستولى على جميع الذرائع لزيادة التواصل بينهما.... أصبح وجودها أمرًا حيويًا مثل الهواء الذي يتنفسه... انه يلعب مع نفسه... لعبة خطيرة تحدها الماسوشية... لسيما وهو يعرف بأن صداقتها وحدها لن تكون كافية... يريدها زوجته.... بكل ما للكلمة من معنى.
يحاول أن يكون أقل أنانية و أكثر تفهما ... مثلا في المستشفى عندما اصابتها "متلازمة اليوم الثالث" التي تحدث للأم في الأيام الأولى بعد الولادة. ... بحيث ظهرت عليها أعراض التهيج و القلق و الضعف و تقلبات المزاج - رد فعل عابر تفسره التغيرات الفسيولوجية - كان بجانبها و ساندها بشدة، لقد قرأ الكثير على اكتئاب ما بعد الولادة الذي يسببه الإنخفاض الهرموني الكبير،في معظم الحالات ، تهدأ الأعراض من تلقاء نفسها دون تدخل، فهل هو وضع 'آيا' أم أنها ما تزال تعاني من هذه التقلبات الهرمونية؟ او من المحتمل أنها لم تعد تعاني من متلازمة اليوم الثالث ولكن من اكتئاب ما بعد الولادة؟وفقا للدراسات ، فإن معدل اكتئاب ما بعد الولادة أعلى بشكل عام بعد ثلاثة أشهر من الولادة وينخفض تدريجيًا بعد ذلك... تغيير جو القلعة قد يفيدها كثيرا، يمكنهم السفر بعد العيد... سيفعل كل ما بجهذه لإسعادها و توطيد علاقتهما.
" تم تجهيز جناح خاص لعائلتك..." شعر بها تتصلب بجانبه:" لست مضطرة لوضعهما في بيتك الصغير" توقفت عن المشي، بدت متفاجئة لمعرفته بالأمر:" لم تأخدي رئي قبل أن تقومين خلسة بشراء البيت.."
" لم أقم بما هو ممنوع أو محرّم... ننوي الانفصال بعد ولادتي و من الطبيعي أن أؤمن لنفسي سقفا... "
هزّ رأسه معترضا:
" مكانك هنا في القلعة... أظنك قد فهمتي نواياي بالإحتفاظ بك بجانبي... بأن نمنح الصغيرين أسرة متلاحمة"
" تعود لتقرر بنفسك!.. لم يكن هذا اتفاقنا منذ البداية... وعدتني أن تمنحني حرّيتي بعد الولادة... لن أغير خططي فقط لأنك تعود مجددا لتبعثر كل شيء في طريقك... عليك أن تتعلم احترام خصوصية الأخرين خوسيه... أنت ترغب بأسرة... أنا أريد حياة أخرى... و أنت لا تدخل في قائمتها..."
نزل الصمت عليهما، كل كلمة تكلفها الكثير، لكنه عليها حماية مصالحها، لن تتأثر بهذه الملامح، و لا هذه النظرات، هي شخصيا لا تهمه... وهذا الملاك أمامها ليس حقيقيا، هذه الأجنحة سيتم قصّها، و يتحول لونه الابيض الطاهر الى الأحمر القاني... لون شياطين الجحيم، ثم ستفقد قلبها... ستحطمها الغيرة عندما يقرر استبدالها لأنها لم تعد تثيره كالمرة الأولى.
" لن أخد كلامك على محمل الجد...سأضع هذا على حساب أعصابك التالفة ... " لم يحمل صوته شيئا من التفهم، بل كانت نبرته جليدية، مهددة، و كأنه يمنحها فرصة التراجع قبل أن يقوم بسحقها تحت نعله:" افهي آيا.. بأنني لا أمنح للمرء فرصتين... قمت بطرح موضوع جدي و انت تهدرين وقتك بالرفض، فكري في المادو و أوزلام... أمامنا طريق طويل لتربيتهما معا.. حشوهما بالكثير من المبادئ و الأخلاق النبيلة... لن يعيش طفلاي في بيتين منفصلين... لن اسمح بهذا ابدا... أمامك العرض... اما ان تقبلي أو ترفضي فلا أحد سيجبرك على وضع سذاجتك جانبا و التفكير بعقلانية اكبر... "
أعمت الدموع عينيها... اكثر ما تريده هو البقاء معه و مع الطفلين، لكنها تعرفه جيدا... تعرف معدنه الفاسد، تعرف ما هو قادر عليه ما ان يفقد اهتمامه بها، وهي ليست امرأة هشة ولا ضعيفة، لن يقتلها الاكتئاب كما حذث مع زوجته الأولى فقط لأن زوجها لم يكن قادرا على الوفاء لها، كيف ستُفهمه بأنه هو المشكلة و ليس هي؟ كيف ستخبره بأن الجسد الجميل الذي تغزل به في الماضي رحل لغير رجعة؟ لو تزوجا عن حب...كانت الأمور لتتغير بالتأكيد.
" أعرف بأنني أثيرك آيا..." تغيرت رنّته وهو يدنو منها ليضع أصابعه على وجهها:" يمكننا استغلال هذه الكيميائية بيننا لانجاح زواجنا... هل تتوقعي مني أن أعيش مثل الراهب؟ وأنت ، هل تنوي العيش مثل راهبة؟ بينما كل منا مشدود للأخر؟!... آيا... هل تتذكرين ليالينا الحارّة في جنوب افريقيا؟! لم يهم نوع الاتفاق بيننا حينها كما همّ نوع الانجذاب الكبريتي الذي جمعنا..."
تغلب صوت رغبته الأجش على دفاعاتها الأخيرة... أغمضت عينيها بينما تلامس أصابعه خطوط فكها،كانت تغلي من العواطف المسلوقة فيها... جاهزة للانفجار في أي لحظة.
" ذلك لم يمنعك من الخروج فورا مع حبيبة الثلاث سنوات... جوليانا..." الغيرة خنقت صوتها.
" انتهى ما بيننا منذ فترة... ظننت بأنه يمكنني نسيان رغبتي بك بين أحضانها... لقد أخطأت التقدير..."
انهى علاقتهما؟؟ الخبر صدمها، تعرف بأن خوسيه كان متعلق جدا بتلك الصهباء الرائعة التي تشبه زهور الربيع في نضارتها...تجعد أنفها في عبوس مرتبك.
" و يجذر بي تصديقك؟!"
لقد تحدثت غريزيًا ، دون التفكير في المعنى الأعمق لكلماتها... خوسيه لا يختبئ أبدا وراء الكذب... انه رجل صريح، وصراحته تكون مؤذية أحيانا... في بادئ الأمر، ظل صامتًا ولم يرد على استفزازها ، وجهه خالٍ من التعبير، رأته يمد يده مجددا ويلمس خدها بأطراف أصابعه.
كان يجب أن تهرب بعيداً ، عندما تبدأ بإستعمال عاطفتها فهي تفشل تماما في السيطرة على الوضع، خوسيه لا يستحق أن تضع حذرها جانبا، لأنه لن يتردد بسحقها ان قررت المضي في قرارها... سيجد كل الوسائل الممكنة للضغط عليها كي لا تُخرج التوأمين من القلعة...
" تحتاجين لبرهان ملموس...؟؟"
فهمت مقصده عندما أمسك بدقنها و انحنى بهيئته المميزة عليها، شعرت بأنه سيغمى عليها من قوة انفعالاتها عندما لامس فمه شفاهها المرتجفة، غريزيا تعلقت بكتفيه كي لا تقع، خوسيه يريد اثبات شيء بقبلته... و ربما... اثبات شيئا لنفسه، لأن قبلته الرقيقة انسلخت لشيء أكثر عمقا ... و بدل الهرب... استسلمت له بكل كيانها..هي تهرب بمجرد أن يكون لديها انطباع بعدم السيطرة على الوضع... خوسيه محق... الكيميائية بينهما قوية بقوة الزلازل و البراكين... لايمكن لشيء ان يقف أمام ما يدفع كل منهما للأخر، نسيت تشوهات بطنها و أفكارها القاتمة و تحول برد الشتاء الى صحراء، النار التي يشعلها فيها خوسيه أقوى من اي احساس دخيل... انهما هنا... في العتمة، بين أحضان الاشجار العارية من الاوراق، بإنتظار الربيع لتزهر مرة أخرى، جسدها يرتجف بشدة بين ذراعيه، شفاهه تلتهمها... تمتلكها حتى الأعماق.
تسللت يديه داخل معطفها، فرضت احتكاكًا مستمرًا على بشرتها مما تسبب لها بسكتة دماغية مرارًا وتكرارًا في الدقائق المتعاقبة ، مهما كان المكان أو الزمان أو الظروف... يكفي ان يضع عليها يده لتتلاشى كليا.
" تعالي الى غرفتي..."
هذه الدعوة أتت مثل دلو مياه مثلجة على النار التي الهبتها لحد الانصهار، انها انثى بإحتياجاتها و لم تتذوق الجنس مجددا منذ علاقتهما الماضية، وهي بالتأكيد تثوق لذلك... لكن... لن يحب مطلقا ما سيراه.
" لم... لم يكن يجذر بنا فعل هذا..." ابتعدت عنه مما اجبره على استعادة يديه، كسر الاتصال الجسدي لم يمنعها من الشعور بخيبة مريرة.
" لم يكن يجذر بنا ماذا؟؟ الاستسلام للرغبة التي تغلي بذاخلنا؟؟ هيا ... أنت زوجتي... يمكننا التمادي أكثر واستهلاك زواجنا بالطريقة التي تريحنا..."
" هذا بالضبط ما يجب تجنبه..." اعترضت بصوت صارم " لأن زواجنا صوريا و لا أنوي تغيير ركائزه..."
حتى في العتمة، يمكنها رؤية الغضب الذي أخد مكان الرغبة التي كانت تغلف نظراته الذهبية، هذه الأخيرة لم تعد ساحرة أو آسرة، بل خطرة... كلامها نجح بجرحه:
" رئيك بلا أهمية آيا... في هذا الزواج، أنا وحدي من يقرر... تحديني و سأعرّي لك عن الوجه الأخر..."
تفضل هذا الخوسيه الذي تعرفه جيدا، على الأخر الذي يربكها و يجعلها غريبة عن نفسها.
" سبق و تعاملت مع وجهك الأخر خوسيه..."
" انت مخطئة... هذه المرّة... لا تقتصر اللعبة علينا وحدنا، هناك أوزلام و المادو... و أنا... لن أخاطر بهما..."
استفزت الحيوان فيه، هذا سيضع بينهما المسافة المطلوبة، انها تقف أمام أخطر الحيوانات المفترسة في العالم ...ولم يكن هناك جدار بينها وبينه، و بما أنها نجحت في اخماد رغبته بها فيمكنها الاتجاء الى غرفتها بسلام.
" ليلة سعيدة خوسيه..."
قلبها كان يتمزق بينما تدير له ظهرها استعدادا للهروب:
" هل هذا حقا ما تريدينه؟؟ أن أنشغل عنك بإمرأة أخرى؟"
لا... ليس هذا ما تريده، الغيرة ستحرقها و تقودها الى الجنون، أمسك بمعصمها بعنف لدرجة انها شعرت بعضامها تتصدع تحت أصابعه الحديدية، تطلعت اليه بتحدي، لن يفلح في جعلها تغير رئيها... سينبذها ما ان يكتشف بأنها لم تعود جميلة.
" أخبريني لما تتصرفين بهذه الطريقة؟؟"
" لأنني لا أحبك خوسيه..."هذه الضربة القاضية لم تكن له فحسب، بل أفشلت أيضا ركبتيها و سمعت قلبها يتحطم داخل صدرها:" أنا مكتفية ذاتيًا... مستقلة عاطفيا... أحب حياتي كما هي ، ومشاركتها مع شخص مثلك ستكون في أحسن الأحوال محفوفة بالمخاطر ومعقدة ... في أسوأ الأحوال ، كابوس مريع... بيننا عقد خوسيه... أريدك أن تطلقني و أن تحترم كلمتك"
ترك معصمها هذه المرّة، فشلت في تشفير أي تعبير على وجهه، اختفى خوسيه الملاك و عادت لتقف بوجه من ساومها بعذريتها، الرجل الذي لم يتردد بصفعها في تركيا عندما اكتشف بانها أخفت عنه حملها... كل هذا لا يُشعرها بالرضى، انها تتمزق ذاخليا... تثوق لهذه العائلة المتلاحمة التي كلمها عنها قبل قليل بكل حماسة... تعرف بأن هذه الأماني تبقى أحلام مستحيلة... خوسيه سيتبذلها ما ان تستأمنه على سرّها... لن يمكن لرجل - يعشق الكمال - تقبل شكلها الجديد، هي نفسها لا تتقبله أو حتى تتحمل النظر اليه.
" ليلة سعيدة..."
* * *


أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 02-10-20, 05:31 PM   #3284

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل العاشر


اصرار 'وارين جانيس' على الخروج مع ميغان جعل هذه الأخيرة تقبل منحه فرصه، فلا برودها و لا بعدها تمكنا من افشال كل محاولاته، 'وارين' مصور محترف، الحصول على عقد معه هو انجاز في حد ذاته، كان من أم أمريكية افريقية و أب كندي، لذا فإن بشرته السمراء و عيناه الملوّنة يجعلا وسامته استثنائية بشكل كبير، قبل سنتين وارين من استلم تصويرها مع دعاية ارشيبالد لمحركاتها الجديدة و هذه السنة تعاقدت مجددا ارشيبالد معه و لا يبدو أنه ينوي التأثر بالمسافة التي وضعتها بينهما، ثم انها بحاجة ماسة لرجل في حياتها... لأنها كلما رأت لوكا...تتقاتل أمام رغبتها بإلقاء نفسها عليه لتقطيع وجهه المتغطرس بمخالبها.
'وارين' لم يتردد بدعوتها لإمضاء العيد مع أهله و أصدقائه، الشيء الذي لا تنوي قبوله بالتأكيد، قبول هذا الشيء سيضع طابع رسمي على ما لا يوجد حقا بينهما، انه عشائهما الأول الرسمي... تتمنى فحسب أن يكون خفيف الظل كما يبدو عليه في كل لقاءاتهما القديمة.
تفقه لكمية هوسه بها، انها تمنح فرصة لرجل لم يعد يرى غيرها هي في المدينة و ينوي بكل الطرق كسر مقاومتها ، قلبت الأشياء في رأسها وفحصتها و حللتها من جميع الزوايا الممكنةـ.. حسبتها ، و وزنتها و اكتشفت بأنها ان لم تمنحه فرصة فلن تعرف ان كان حقا الرجل المناسب لها أو العكس.
طالما كانت حذرة فيما يخص الرجال، لوكا لم يكن حبيبها الأول و لن يكون الأخير، لكنها تستثنيه عن غيره لأنه الوحيد التي لم تستعمل معه رذاراتها و اهملت الاستماع الى حاستها السادسة، أغرمت فورا بإشراقة نظراته، الغمازة الصغيرة على ذقنه ، و صوته وضحكته المعسولة التي تجعلها تثوق لفركه مثل هرّة الى أن يخرخر... في النهاية لم يكن يشبه القطط في شيء... كان ببساطة فهد يقض يعرف تمام ما يريده من فريسة ساذجة.
" لا تفكري به ميغان... لا تفعلي..."
نهرت نفسها و هي أمام المرآة تثبت قرطها الذهبي في أذنها و تتفقد زينتها و هندامها... كانت قد اختارت لهذا العشاء فستان أخضر غامق بحزام ذهبي يتماشى مع حذائها العالي الكعبين، فيما يخص الاناقة فميغان بالتأكيد تتربع على عرشها... تعترف بأنها تملك ضعف شديد اتجاه الملابس و الأحذية.
أمسكت بقارورة عطرها ورشت رشة هنا و هناك قبل أن تكشر، امتنعت عن استعمال عطرها السابق بسبب لوكا الذي لا يتوقف عن مدحه، و هو يفكرها به دوما، الكثير من العادات تخلت عنها بسبب السافل مارشال، هو الذي يعود لمحاولة الاصطياد في المياه العكرة بدعوى علاقتها الواهمة مع زوج شقيقته.
" أنت رائعة..." علّقت لونا ما ان سقطت عيناها عليها في الصالون.
الصغيرة كانت ترتدي البيجاما، تتأهب للنوم، ابنة جارتها المراهقة تقوم بدور المربية من فينة لأخرى و تدفع لها ميغان جيدا، كما أن لونا تحبها كثيرا و تتفاهم معها.
" و أنت رائعة يا عزيزتي... لا تتأخري اتفقنا؟؟ عليك ان تنامي جيدا الليلة لأننا سنتسوق غدا لننهي هدايا العيد..."
أعطت لوارين موعدا في المطعم الذي اختاراه معا، انه الوحيد الذي لم تتردد اليه مع لوكا، فمعه زارت كل بقاع البلاد و حتى خارجها، حياتهما كانت جميلة، لغبائها ظنت أن الموضوع سيستمر، و لما لا أن يتزوجان و يمنحان لونا أختا أو خا.؟ عودتها الى أرض الواقع كانت مؤلمة جدا...
بعده حاولت استبذاله فقط لتمضية الوقت و تتسلى كما تفرضه عليها وحدتها و أيضا حريتها الجنسية، في المرة الأولى التي سقط اختيارها على رجل في حانة قبلت بتحرشه بها، لكنه لم يكن بالمستوى المطلوب و عندما رفضته انفجر في وجهها و طالبها بسداد ثمن الكؤوس التي دفع ثمنها، تبعته سلسلة لقاءات طويلة و لم تجد من يسد الثغر الذي تركه لوكا خلفه، كانت متطلبة للغاية، و كل رجل فشل في الوصول اليها... انغلقت بعد ذلك على نفسها و اهتمت بالمهام التي تركها لها كيليان، و اليوم تقوم بالمحاولة مجددا، وارين وسيم، يملك جسد رائع، و مع القليل من الحظ قد يكون رائعا في السرير، ان كانت تصدق طرقه في التهامها بنظراته فمن الممكن انها عثرت حقا عما بحتث عنه لسد احتياجاتها المتعلقة بلوكا... ذلك السافل لا يستحقها... و لم يستحق الحب الذي تكون تذريجيا في قلبها نحوه.
لقد مرت بالضبط ثلاث سنوات وأربعة أشهر أسبوعين و ثلاثة أيام منذ أن مارست الحب آخر مرّة مع رجل... و هذا الرجل هو لوكا... حان الوقت لقلب الصفحة بشكل نهائي... مهما يكن وارين فلن يصل لحقارة لوكا مارشال.,, الليلة هي متوهجة... و مستعدة لقبول دعوة وارين ان دعاها لتمضية الليل في شقته...الجنس خيارًا بالنسبة لها من أجل تخفيف آلامها الداخلية... ترفض التفكير بأنها ربما تتصرف كعاهرة.
تحتاج ببساطة لقاء رجل...لا تستطيع نسيانه... رجل ينجح بحذف لوكا كليا من رأسها.
تصرف وارين بطريقة متحضّرة، عكس كل أمانيها فلا يبدو بأنه مستعجل عل اغوائها، كانت السهرة لطيفة جدا و هو كان رائعا بالمعنى الحرفي للكلمة، رؤية أحد افراد مارشال في هذا المطعم الحميمي قطع شهيتها، ناومي مختلفة تماما على ايموجين، انها صديقة لها نوعا ما، فلنقل أنها الوحيدة التي تأثرت من انفصالها عن لوكا، لم تكن بمفردها بل مع شاب بملامح أروبية-أسيوية، قدمته لها على أساس كين ريتشي، أحد عملائها، لم يكن هذا فقط... هذه الأخيرة قررت انهاء سهرتهما معهما في الطاولة مما أخفق اي محاولة حوار حميمية.
" دعيني أخد صورة..."
التقطت لهما صورة سيلفي، تستطيع ميغان أن تتنفس اخيرا بعد ان تركتهما و شأنها، رفيقها لم يبدو متأثرا بهذه المقاطعة، أما فيما يخصها فقد فقدت كليا رغبتها في اتمام السهرة... طلبت كؤوس زيادة من التيكيلا... تحب أن تشرب... ليس لدرجة فقدان عقلها ، لا ، لكنها تحب النسيان ، الطريقة التي تخفف بها بعض المشروبات حدود ذهنها وتقلل من الحاجة الماسة في داخلها لوجود لوكا...
ما يجعله حاضرا بقوة في عقلها هي صورته المنتشرة في كل الجرائد الورقية و الالكترونة، والصحافة مهتمة بشدة بالمرشال لأن والوالد مرشح سياسيا... لوكا بلأمس ظهر مع امرأة جديدة... كانت تتأبط ذراعه و هما يخرجان من أحد مطاعم ميامي الشهيرة.
" أرقصي معي..."
لم تتردد أمام طلب رفيقها، الكل يتمايل على لحن عذب فوق منصة الرقص، أمسك بيدها.. أصابعهما متشابكة.. وقادها إلى منتصف الحلبة... وقربها منه... يده على مقاس خصرها تماما، ضمها اليه أكثر مما تدعوه الحاجة.
لقد مر وقت طويل جدًا منذ أن رقصت مع شخص ما ، و زمن منذ أن حطت أيادي بشرية عليها، لكنها تشعر بنفسها منفصلة تماما عن الواقع... رغما عن أنفها لوكا يحتجز عقلها و تفكيرها.
" مالذي تفكرين فيه؟" تسلل صوته الى أذنها.
" لاشيء..."
في كثير من الأحيان يكون الجواب كذبة.
لا أحد يفكر في أي شيء... العقل البشري لا يتوقف أبدًا عن التفكير ولا يصبح فارغًا أبدًا ، دائمًا ما يعود إلى مشكلة أو فكرة ، حتى عندما يبدو أنه في حالة راحة....
الأوقات الوحيدة التي لا تفكر فيها في أي شيء تقريبًا هي عندما تغرق في العمل .. بقية الوقت أفكارها مثل السنجاب على العجلة ، فهي تدور بلا نهاية دون الوصول إلى أي مكان...ما حذث بينها و بين لوكا في أول لقاء... نادرا ما يعيشه المرء في حياته...كانت ثقتها به عمياء بفضل تصرفاته معها... ثم تحولت الأمور لكابوس...فقد كانت تفتقر للخبرة ... هذه الحقيقة و عليها التعايش معها...
" أممم... رائحتك لذيذة"
وارين يحب اظهار المودة علنا على ما يبدو، هزت دقنها و ابتسمت له:
" و أنت راقص جيد..."
ركزت عليه ، ابتسامتها تفقد القليل من جانبها القسري بينما تسمع اقتراحه:
" ما رأيك أن نتمم سهرتنا في مكان أكثر راحة من هنا؟"
هذا ما كانت نواياها هي أيضا منذ مغادرتها بيتها، لكن الأن بينما يصبح الموضوع واقعا بدأت تشعر بالتراجع، هل هذا حقا ما تريده؟؟ مشاركة حميمية وارين لأن غضبها فاق الحد المعقول بسبب حياة لوكا الماجنة؟؟ اليس من الأفضل أن تتريث اذ سيعتقد وارين بأنها فتاة سهلة المنال؟؟ عكس توقعاتها سمعت نفسها تقول:
" فلنمضي اذن..."
ربما شربت كثيرا، لكنها تعي أيضا ما تفعله، انها بصدد منح رجل آخر فرصة اخراج لوكا كليا من كيانها، من الصعب جدا أن تسكن المرأة نفس المدينة مع رجل حطّم قلبها، و تضطر لمقابلته و التعامل معه ايضا بسبب العمل و ربما بسبب قرابته مع رئيسها، و لوكا مؤخرا لا ينتظر الفرص المناسبة ليظهر أمامها و يملئها بسموم كلماته.
" سوف أدفع الفاتورة و أبحث عن سيارتي في المرآب انتظريني خارجا"
التقطت معطفها من الموظفة و اتممت اغلاق ازراه خارجا.
كان الثلج يتساقط، تتمتع نيويورك في كانون الأول بجو ساحر، جو عيد الميلاد موجود في كل مكان. تلقائيا عادت بها الذاكرة إلى الطفولة و تزلجها في حلبات الجليد في موسكو مع شقيقتها، لا شيء تبقى لديها سوى ذكريات عزيزة... و لونا... الطفلة التي فقدت والديها باكرا جدا.
البرد هنا لا يشبه بالتأكيد البرد في بلادها لذا فهي تتحملّه بكل طبيعية، لكن زينة العيد في الشوارع تدفعها للاعجاب رغم قتامة أفكارها، عندما ظنت بأنها تملك مستقبلا مع لوكا و قبل أن تفقد شقيقتها في ذلك الحاذث المريب الذي سلبها آخر أفراد عائلتها، قبلت دعوة مارشال لتمضية ليلة العيد في بيتهم الريفي، أخبروها أنها أول امرأة يجلبها ابنهم الى البيت، لغبائها ظنت أنها تهمه و ربما يجدها مختلفة.
صرير قوي لسيارة سبور سوداء أخرجها من أفكارها، السائق ترجل من سيارته و اغلق الباب خلفه ببعض الحدة، تباطئ هيجانه بينما يراها خارجا، هذا الرجل لم يكن سوى لوكا مارشال، بحق الجحيم مالذي يفعله في نيويورك؟؟ الم ترى هذا الصباح بأنه في ميامي مع انجازه الأخير..؟ رغم الدم الذي تجمّد في عروقها لكنها تجرعته بعينيها مثل التاكيلا التي بالغت بشربها، كان معطفه الكاشمير يصل الى ركبتيه، تحته بنطال قاتم و قفازين سوداوين يحميان يديه من البرد، خصلات شعره السوداء علقت بها بضع بلورات دقيقة من الجليد.
لا يمكن أن يكون مجيئه الى هنا مصادفة، تفهم من تلقى سيلفي ناومي هذه الليلة، لوكا هنا من أجلها و ليس من أجل شقيقته.
" تعالي معي..."
" أتركني..." صرخت به وهي تنتزع ذراعها من يده بقوة:" من تعتقد نفسك لتجرني خلفك بهذه الطريقة؟!.."
أمن المطعم تدخل فورا لحمايتها من محاولة اختطاف بديهية، اختلطت انفاسهما في برودة ليلة شتوية، هز لوكا ذراعه نحو الرجلين الضخمين الجثة الذين اقتربا منهما:
" بهدوء يا رفاق... هذه المرأة هي صديقتي..."
" كنت صديقته..." صححت بصوت جليدي:" اليوم أنا أخرج مع رجل آخر و أنتظر جلبه سيارته من المرآب..."
" أنت تضيعين وقتك ووقتي لأنك لن تذهبي معه الى أي مكان..." ثم عاد ليطبق على ذراعها مجددا و يتوجه بكلامه هذه المرة الى الحارسين " نزوات نسائية... "
التفاهة أصبحت عنوان ما يحذث الان، سيارة رمادية أخرى توقفت خلف السيارة الأولى و رأت وارين يخرج منها و يقصدهما فورا، لابد انه لاحظ فورا بأنها في موقف مريب:
" انت... ابتعد عنها..."
لكن وارين لم يتمكن من تكرار هذه الكلمات الصلبة الأمرة لأن هيجان لوكا كله وضعه في لكمة سددها فورا الى فك غريمه، الصدمة شلت ميغان بينما ترى شراسة الهجوم الجسدي أمامها، وارين لم يسمح له بالتأكيد تحجيمه و ابرز مواهبه في البوكس، اشتبكت الأيادي و تدخل الأمن لتفرقتهم، سمعت صوت ناومي خلفها:
" مالذي يحذث بحق الجحيم؟"
" شقيقك ينوي قتل الرجل الذي كنت أنوي تمضية الليلة معه"
عندما فهمت ناومي بأن شقيقها هو من في الاشتباك تدخلت فورا ووضعت نفسها بينهما في محاولة يائسة مع الأخرين لحد النزاع، ميغان لم يعد بإمكانها تحمل سخرية ما يحذث أمامها، لوكا يكره بالتأكيد أن يخسر و رفضها المستمر له مؤخرا ضرّ بشدة غروره الذكوري، تحت ستارة الثلوج المتهاطلة فرت دون الرؤية خلفها، أشارت الى سيارة أجرة التي توقفت فورا لها، بينما تتسلل الى المقعد الخلفي القت نظرة أخيرة الى الحلقة المتجمهرة أمام المطعم... توقفت الاشتباكات، لوكا بصدد البحث عنها.
* * *
ان كان قد قطع كليا صلته بديل ماريا فوالدته و شقيقاته لم يحذون حذوه، و قد وجدها ببيت أهله الليلة، حاول التواصل مع والده طيلة اليوم و لكن هذا الأخير اقترح عليه في النهاية المرور الى البيت للتكلم في مكتبه.
" مساء الخير داركو و عيد مجيد..."
هكذا استقبلته المرأة التي ظنت بأنه بمقدورها جرّه من أنفه فقط لأنه كان غبيا جدا للوثوق بها، لكنه لم يعد حتى بإمكانه التظاهر أمامها، القى نظرة سوداء الى والدته، لا يفهم لما تستمر في صداقتها مع هذه العائلة بعد كل ما تسببت به من دمار في زواجه.
" لا تقتربي مني فكتوريا..."
"لا تخاف... فأنا لا أكل لحم البشر..." قالت متهكمة.
" لست خائفا على نفسي بل عليك... خطوة أخرى نحوي و سأقوم بقتلك..." هي ليست من النوع الذي يلعب دور الحياء الزائف، لا تخفي عن العيون الأنثوية بأن ما تريده منه ما يزال قائما و ليس رفضه ما سيحبط عزيمتها، تجاهلها كليا ثم سأل والدته بجفاف:" أين والدي؟؟"
" في مكتبه مع سيزار..."
سيزار؟ مالذي يفعله قريبه من سيليو؟؟ أم أن الأمير العجوز تعمّد دعوته أيضا؟ واع بنظرات الجميع عليه قصد مكتب والده، و دون ان يطرق الباب دخل للمكان الذي يجمع كل صور أسلافه الزيتية عدا صورته، كان سيزار يتواجه مع سيليو، من ملامح وجهه يبدو متقددا من الغضب، ثم ابتعد عنه يحاول استعادة سيطرته على نفسه:
" مالذي تفعله هنا؟؟" سأله داركو مباشرة.
" اتصل بي والدك كي أحضر نقاشكما الذي لا أؤيده تماما ... "
" لأنه يعرف بأنني هنا كي أنصحه بالا يحشر أنفه في حياتي اللعينة..." زمجر داركو وهو يواجه سيليو الذي لا يبدو متأثرا بإنزعاجه:" أنت السبب في توقيف شحنة اليخاندرو في جينوفا؟؟"
" لا أعرف عما تتكلم؟؟" قال سيليو، صوته يفتقد بشدة للمصداقية.
" هو من فعل نعم..." أكّد سيزار الذي عاد صوته ليرتجف من الغضب:" روكو اهتم بالموضوع وفك الحصار على سلعة اليخاندرو... "
هز سيليو عينيه الى السماء، داركو أصبح غير قادر كليا على التحكم في هيجانه:
" أي لعبة تلعبها معه بحق الجحيم؟؟ لما تسلط لعنتك على رجل بلا مشاكل و يتاجر بشرعية تامة؟؟ "
" لا يريده مع بيانكا..." شرح سيزار بإشمئزاز.
" تريد ابعاده عن صقلية فقط لأن اسمه لا يليق بالفالكوني؟ " قال داركو بعنف " هل يجب ان اذكرك بأن بيانكا غير شرعية ايضا؟ لم اتزوج يوما من والدتها لتحصل على شرعيتها الكاملة لذا فهي ليست حقا أميرة و ذلك اللقب حصلت عليه شفاهيا فحسب الوحيد الذي يحمل كل الشروط المطلوبة ليكون اميرا هو نيكولاي"
" لا مكان لذلك الرجل في عائلتنا..." قال سيليو بلهجة متعالية:" حتى انه ليس ايطالي... وهو أكبر منها و أنت جاهل كي تفكر بأنهما يليقان ببعضهما..."
" من يجب أن تقلق بشأنه هو اليخاندرو..." قاطعه داركو بجليدية:" أجهل لما يتشبث بإمرأة غير قادرة على منحه وريثا!...."
سقط الصمت فورا على المكتب، هل بدأ سيليو يفهم بأن الأمتيازات التي يظن أن غريمه سيأخدها من هذا الزواج واهمة؟
" انه يحبها أبي... لذا أرجوك... أتركه و شأنه... " انخفضت لهجة داركو الحّادة:" اليخاندرو صديقي قبل أن يكون صهري... لن أسمح لك بالضرار بمصالحه فقط لأنه ليس ايطالي كفاية كي يتزوج حفيذتك...ّّ"
" بيانكا صغيرة جدا على الزواج..."
قاطعه بهدوء:
" سيتزوجان بعد انهائها دراستها فهل هذا يرضيك؟" لم يرد سيليو مما اضطره للسؤال " تظن بأنك تحبها أكثر مني أبي؟"
"ما اظنه هو ان ذلك المكسيكي لا مكان له في عائلتنا"
"إذن فالمشكلة ليست بيانكا انما في عنصريتك؟"
" لا تملك بعد نظر يا بني..." لامه سيليو ببرود:" لو أنك منحت دافيد ريتشي فرصة لما التقطت بيانكا من زبالة المجتمع... تحريت عن ذلك الرجل... تلتصق بكتفيه فضيحة جعلته يهرب من المكسيك... هل هذا حقا ما تريده؟؟ الم تتسائل ان كان قد ورث من جينات والده المجرم؟؟ الا تتعرض بيانكا لما تعرضت له والدته؟"
شعر داركو بالاسى لسفالة هذه الكلمات، يؤلمه بشدة أن يتم انتقاض صديقه بهذه الطريقة المريبة:
" أمرك بإنهاء هذه المهزلة فورا..."
" تأمرني؟؟" سأل داركو دون ان يخفي مفاجئته:" تظن بأنك في مكان يؤهلك اليوم بأمري بأي شيء؟؟ ربما هناك احتمالات ضئيلة في أن يرث اليخاندرو من جينات والده... أما فيما يخصك سيليو... فأنت تفتقد للشرف الذي يتمتع به ذلك الرجل... و اقسم لك... ان اعترضت مجددا طريقه... ان آذيته... فسأخرجك كليا من حياتي... لن يكبر نيكولاي مع رجل مثلك"
لم يعد بإمكانه تحمل هذا اللقاء المريب أكثر، بغض النضر عما فعله دافيد بقلب بيانكا الا ان سيليو يراه دوما المرشح المناسب بينما هو سعيد لأن الأمور انتهت على هذه الطريقة المسالمة، ابن فرجينيا اخرج كليا بيانكا من رأسه، حتى انه لن يأتي الى أروبا لتمضية العيد كما آلف كل سنة، هذا يجعل أخته غاضبة و حزينة، برئيها دافيد لم يسامح فرجينيا تركها والده، أما فيما يخصه فهذا الخبر أراحه بشدة، لسيما أن الكونت أندريس يصر على مجيء بيانكا و خطيبها الى بيته للاحتفال بالعيد.
سيليو لا ينوي الهبوط في نظر رجل مثل الكونت عندما يقدم رسميا خطيب حفيدته الذي لا يحمل سوى أرقام ثروته التي اكتسبها بمجهوذه الخاص، هذا الزواج سيمنح اليخاندرو هوية حقيقية، و هذا ما يجعل و الده مجنون من الغضب... لكن صديقه لا يهتم بهذا الاسم بقدر اهتمامه بالمشاعر التي يحملها منذ سنوات لبيانكا، وهو يستحق كل التقدير.
لحق به سيزار فهو بدوره لا يملك ما يضيفه لزوج عمته، اعترضت مجددا فكتوريا طريقه، هذه المرة تجاهلها لا يسمع ما هي بصدد قوله، ضرب كتفها بذراعه مما جعلها تتأفف و تحمي نفسها فورا، هذه المرأة مثل سيليو، لا تفهم حدودها، و لا تملك أي شرف بالمقابل.
اعترض فرانكو طريقه عندما خرجا الى الحديقة المسترخية في أولى نسمات الليل، مده بهاتفه الاسلكي شارحا:
" دون روكو ايميليانو...."
التقط منه الهاتف و آتاه صوت العرّاب جافا بشدة من الجانب الأخر، أقطب داركو ما ان تسللت له نبرته:
" ما الأمر روكو؟"
" تأخرت"
" مقابلة عاجلة مع سيليو..."
" كل مقابلات سيليو عاجلة فهو لا يتوقف عن ارتكاب الحماقات الواحدة تلوى الأخرى... تركت رسالة لسيزار... أتمنى انه تمكن اقناع روبي بتناول العشاء في بيتي..."
ان يدعوهم روكو بهذه السرعة أمر غريب للغاية، لابد أنه بحاجة ماسة لرؤيتها و خطط على الا يرفض أي منهم دعوته بحجة النساء.
* * *
" كيف هو الأمر؟؟" سالت صوفي رفيقتها بنعومة.
هزت نحوها دانيلا عينيها الذهبيتين متسائلة، كانتا مثل العادة، تجلسان معا على الصوفا المقابلة لشرفتها العملاقة:
" أي أمر؟"
" مقاسمة الحب مع رجل؟"
شعرت دانيلا ببعض الانزعاج، علاقتها باليساندرو قوية جدا، ترفض خضوع التفاصيل مع شقيقته الصغرى، أو بالأحرى ابنة شقيقه.
" اليساندرو عشيق رائع للغاية..."
اتسعت ابتسامة صوفي، لقد آلفتها بهذه القصة القصيرة متخلية عن شعرها الطويل، صوفي جميلة جدا، لكنها مريرة أيضا، هناك اختلاف شاسع للغاية في تصرفاتها، أصبحت عصبية و تعسة أكثر من اي وقت مضى.
" وصلت لمرادك و ستتزوجينه...."
" سبق و شرحت لك بأن هذه الخطبة تفاهة فأنا صغيرة على أن أصبح السيدة ايميليانو، اليساندرو يحترم بالتأكيد رغبتي في عيش حياتي قبل أي استقرار و هو من رئي، أحب حياتنا الحالية، نحن نعمل معا، نسافر معا و نمضي عطلتنا معا"
جعّدت صوفي أنفها ببعض الاشمئزاز:
" يبدو الأمر مملا..."
" ربما مع شخص آخر... اليساندرو رجل ممتع و مسلي ... و عكس ما تفكرين... لا نمضي وقتنا في السرير..."
انفجرت صوفي في الضحك و علّقت ساخرة:
" كنت بنفسك مستعجلة اكثر مني على اكتشاف الحب..."
" اكتشافه مع الرجل المناسب نعمة أكبر... سترين... ليست فحسب مسألة جسدية... انها العواطف و الأحاسيس صوفي...."
" أصبحت فيلسوفة قبل أم بعد فقدانك عذريتك؟" سألتها متهكمة.
" منذ ان وقعت في حب الرجل الذي تفضل سابرينا فصل غرفتينا محترمة بالتأكيد القوانين في بيتها..."
نعم... هي تشغر الغرفة التي تنزل فيها عادة كلما أتت الى صقلية، شعرت بالخيبة اذ انه تم الفصل بينهما.
" ليست تعليمات أمي..." أكدّت لها صوفي:" بل الوحش المتجمد العواطف..."
" روكو؟؟ " تسائلت بصوت مشكك:" لكنه يتقاسم جناحه مع بريانا فلما يتدخل في حميميتي مع اليساندرو؟"
" لأنه يحق له بما لا يحق لغيره... " أجابت صوفي ببساطة.
التقطت صوفي هاتفها و مرت بسرعة على حسابات المشاهير، هوايتها المفضلة بينما دانيلا اهتمت أكثر بأضافر رجليها، تنهي طلائهما تحاول الابتعاد قدر الامكان عما وعدت خطيبها بتناسيه هذه الفترة من السنة، فترة العيد...
فتح الباب كي تظهر سابرينا، لكنها لم تكن بمفردها، بيانكا فالكوني الرائعة جدا وسط فستان شتوي من التافتا الرمادية، حذاء كريمي عالي يصل الى ركبتيها، بينما شعرها الشديد السواد مندسل حول كتفيها، رأت صوفي تبعد اهتمامها على الهاتف لتتعلق نظراتها بالقادمة، هذه الأخيرة كانت تبتسم ابتسامة صافية تماما مثل روحها العذبة التي تعرّفت عليها كثيرا خلال الفترات المتقطعة التي جمعتهما الصدف.
" آه... بيانكا... يالها من مفاجئة...." تركت دانيلا مكانها لتصافح القادمة.
" كيف حالك دانيلا؟"
" جيدة و سعيدة جدا برؤيتك مجددا"
لا يبدو ان صوفي تشاركهما حماسة اللقاء، كانت جليدية النظرات لدرجة ان دانيلا شعرت بتشنج بيانكا، و رغم كل هذا تحاول الاميرة ان تكون طبيعية، الا تعير اهتمام لاستقبالها لها، شرحت سابرينا تلطف الجو المشحون:
" لقد وصل الجميع و بيانكا فضلت عدم الالتحاق بروبي و بريانا و فلورانس و المجيئ لغرفتك للاطمئنان عليك"
صلّت دانيلا في داخلها كي تأتي اجابة صوفي مسالمة، حصدت الأميرة حقد و كراهية ابنة العرّاب بسبب رجل حرك مشاعر كلتيهما بشدة، كان خاتم خطوبتها الجميل يلمع في أصبعها الشيء الذي أثار انتباه صوفي مطولا قبل أن تبتسم فجأة و تقول:
" الاطمئنان علي؟؟ منذ أسابيع طويلة و أنا في صقلية... الم تجدي الفرصة قبلا كي تقومين بزيارتي؟"
تركتهم سابرينا و اختفت لتلتحق بمدعواتها الأخريات، أغلق الباب خلفهن هن الثلاثة:
" لم أكن في صقلية بالمقابل..." شرحت بيانكا بإبتسامة مؤدبة:" استأنفت دراستي و أقيم حاليا في لندن..."
هزت صوفي حاجبها متعجبة، مما دفع دانيلا للصلاة مجددا في ذاخلها 'أرجوك... لا تكوني لئيمة'
" استأنفتي دراستك؟".
" أدرس في الجامعة الملكية للطب البيطري..."
استرخت نظرات صوفي الزرقاء:
" برافو بيانكا... أنت تدهشينني... و مع من تقيمين في تلك البلاد الأنيقة؟ كيفن غراي؟ دافيد ريتشي؟؟ غزواتك كثيرة لم أعد أعرف مع من تخرجين الأن..."أغمضت دانيلا عينيها، لم تتقبل السماء صلواتها، صوفي كثلة غضب متنقلة، و بيانكا عدوتها اللدودة الأولى، هزت صوفي كتفيها مبررة:" رأيت الفيديو الذي تتبادلين فيه مع دافيد قبلة شغوفة... أعتقد أن الأمور عادت لمجاريها بينكما..."
لا يبدو أن بيانكا تنوي السقوط في شرك ابتزازات غريمتها:
" غريب هذا التعقيب من أمرأة تعشق التدخل في حياة الأخرين... لا أصدق بأنك تجهلين خطوبتنا أنا و اليخاندرو!..."
اتسعت ابتسامة صوفي:
" انه نزوتك و ستنتهي صلاحيته قريبا... ميندوزا لا يدخل القائمة مع كيفن و دافيد... "
شعرت دانيلا بأن خديها تحترقان بشدة بسبب الموقف المحرج، لم تعرف كيف تتدخل لتخفف من التوثر الذي انتشر في المكان، جسدها وعقلها قد انجرفوا أسفل منحدرات هذا المسار الحواري الناري:
" مخطئة الرؤية و التقدير صوفي..." عقبت بيانكا بلكنة مغلفة ببعض الجليدية، يمكن لدانيلا أن ترى بوضوح العاصفة تلعب فوق رأسها.
" هل تقتصر على خداع نفسك في أوهام حول تفوقك المزعوم؟"
" لا أرى سبيلا لمهاجمتك الغير منصفة لشخصي..."
" لا تدّعين البراءة بيانكا فالكوني... ان كنت اليوم هنا و أمامي فلكي تثبتي شيئا لنفسك... عندما التقيتك آخر مرّة اربكك ان أشير لعجزك و مرضك و اليوم تطيرين على فرصة التطلع لي في كرسي متحرك معتقدة أن هذا يجعل منا متساويتين؟؟ دعيني أثبت لك شيئا..." ثم رأتها دانيلا تجمع كل قوتها لتنهض من مكانها، ببطئ لكن بشجاعة تمكنت من الوقوف على قدميها دون مساعدة أحد:" أنا يمكنني الوقوف و سوف أشفى قريبا... أما أنت... فلن تفلحي حتى بمنح اليخاندرو طفلا لأن مرضك يمنعك من أن تكوني امرأة كاملة..."
" صوفي..." تدخلت دانيلا هذه المرة بصرامة:" لكن من تعتقدين نفسك ...."
" لا بأس دانيلا..." قاطعتها بيانكا بنبرة لا تحمل مطلقا أي حقد:" انها محقة... في البداية كنت أشعر بتأنيب الضمير لهذا الامر، و تكلمت مع اليخاندرو عن مخاوفي وسرعان ما وجدنا حل للموضوع، سنستأجر رحم أم بديلة عندما نقرر الحصول على أطفال ذات يوم فنحن لسنا مستعجلين في هذا الموضوع... قد لا أكون كاملة في نظرك صوفي لكنني كذلك في نظر خطيبي الذي لا ترى عيناه سواي... كرم أخلاقي ما يوقفني أمامك اللحظة لكن أرى بأن رذائلك تزداد سوءا يوما بعد يوم... أسفة لهذا الوحش الذي أصبحت عليه فلم تعودي الفتاة التي عرفتها في الماضي، اعذريني لخطئي الفادح بالمجيء للإطمئنان عليك..."
عندما دارت بيانكا على عقبيها لتغادر المكان لم تستطع دانيلا الانتظار مع صوفي، كانت غاضبة جدا منها لدرجة انها تقاوم رغبتها في القفز على عنقها لخنقها بشدة، تمكنت من امساك دراع بيانكا في الرواق قبل ان تصل للدرج المؤدي الى الطابق السفلي:
" رويدك بيانكا..."
" أريدك أن تكوني صادقة معي..." قالت بيانكا فجأة، عينيها الجميلتين مغرورقتين بالدموع:" هل صوفي مغرمة بأليخاندرو؟ّ"
لا بد أن التردد الذي ارتسم على وجهها منح الأميرة ردا، بقيتا واقفتين هناك، يد بيانكا المرتجفة الأصابع على جبينها، و كأنها تتمعن في هذه الحقيقة التي انفجرت في وجهها:
" اتوسل اليك بيانكا... أعرف بأن صوفي لا تستحق لكن... حالتها النفسية سيئة جدا، كل من في هذا البيت يعاني من اكتئابها الحاد، هي لا تقصدك شخصيا بل تصوب مزاجها السيء على كل من يقف أمامها... سامحيها أرجوك و انسي كل التفاهات التي قالتها... ما ان تعود لروتين حياتها الطبيعي حتى تعتذر بنفسها لقسوتها"
كانت تنوي بالتأكيد الاعتراض بكلمات ما لكنها بلعت ريقها و ابعدت يدها التي تفرك جبينها، و كأنها اصيبت بالشقيقة فجأة:
" لم تكن صوفي بحاجة لذريعة كي تتصرف معي بهذه الطريقة... اليوم أفهم بأن اليخاندرو السبب... برئيها اختطفته منها بينما توفر لي كيفن و دافيد"
" صوفي ليست ابنة عادية لأمير متفتح الأفكار... روكو يخنقها بشدة... الوحيد الذي كان مقرب منها بلا رقابة شقيقها فهو اليخاندرو... الوقوع بحبه أتى تلقائيا بإعتقادي... أنا آسفة"
لكن بيانكا لا تنوي مطلقا سماع تبريرات أخرى، أخفت محنتها وراء ابتسامة و ربتث على كتفها بلطف قبل أن تنهي مسيرتها نحو الدور السفلي، بقيت دانيلا مكانها، ثارة تنظر بإتجاه جناح الفتاة التي تنوي رميها بكل الكلمات الجارحة، و ثارة تنظر بإتجاه جناحها الخاص، في النهاية قررت التوجه الى غرفتها و تغير ملابسها لإستقبال الزوار.
لكن في غرفتها وجدت خزانتها فارغة من ملابسها و كل أغراضها، رحلتها الى جناح اليساندرو لم تكن بالطويلة، سمعت صوت مياه الدوش عندما دخلت و اغلقت الباب خلفها، قصدت خزانته ووجدت كل أغراضها هناك، بحق الجحيم...
توقف صوت مياه الدوش و ماهي الا لحظة حتى ظهر أمامها، منشفة زرقاء مئة بالمئة رجالية حول وركيه، و أخرى يفرك بها خصلات شعره السوداء التي صوبت أطرافها نحو السقف، شعرت بجسمها يتجاوب تلقائيا مع هذا العرض المغري:
" لو كنت اعرف بأنك هنا لما تأخرت تحت الدوش..." بادرها بصوت معسول وهو يرمي بالمنشفة التي التقطت قطرات المياه من وجهه و يمسك بذراعها ليقربها منه:
" هل انت من قام بتحويل أغراضي لغرفتك؟؟"
أقطب بينما يرى تعابيرها الجادة:
"اكتفيت بإعطاء الأوامر للخدم... الم يكن يجذر بي؟ "
اتسعت حدقاتها الذهبية بفضول:
" ظننت انها رغبة روكو..."
ظهرت السخرية في نظرات اليساندرو:
" يعرف شقيقي بأنك لم تعودي البريئة الخجولة منذ بعض الوقت... يتعمد فحسب جس النبض عن بعد... مكانك في سريري... أم أنك تفضلين حميمتك؟"
هزت كتفيها متجاهلة قصده، في الايام الأخيرة كانت مشتثة العقل بسبب قصة حياتها الغامضة، تحترم وعدها لأليساندو بشأن نسيانها الموضوع خلال أيام العيد:
" حميمتي هي أنت... "
" أممممم.... تعجبني هذه التأكيدات..."
ابتسمت دانيلا و تركته يأخد وجهها بين يديه:
" نسيت تماما كيف كانت حياتي قبلك..."
انفجر اليساندرو ضاحكا ثم انحنى ليمنحها قبلة شغوفة تركتها مترنحة مكانها:
" هل يجب أن اصدق كلماتك المعسولة دانيلا؟"
" على الأقل أقول لك كلمات معسولة..."
تبنى ملامح مصدومة:
" تتهمينني بالخمول العاطفي؟ الا أقول لك كفاية كلمات معسولة؟"
هزت كتفيها مؤكدة:
" لست ضد أن تؤكد لي اللحظة بأنني أجمل النساء اللواتي مررن في حياتك..."
" أممم... أجمل النساء لا..." وشوش لها في أذنها برقة:" لكنك مشحونة بشيء لم أجده في غيرك دانيلا... أنا أيضا لا أتذكر كيف كانت حياتي قبلك و لا أنوي تركك ترحلين يوما... أحبك و أنت تعرفين هذا بالتأكيد..."
نظرت إليه في عينيه وتبادلا تلك النظرات التي سيكون من المستحيل بالنسبة لهما أن يصفاها.
" سنتأخر عن المدعوين كارا... "
هذا صحيح، تعرف ما يعقب هذا الاتصال العميق بينهما، تنهذت و قصدت الحمام لتجد هناك ايضا معداتها، اذن فاليساندرو لم يتحمل امكانية تفرقتهما، ابتسمت بينما تتخيل سلفا ردة فعل روكو عندما يعرف.
* * *
{ عزيزي خوسيه... العيد بطعم الفلف الحار هذه السنة...
صرت فارغا منذ مواجهتنا و صرت أمامك شفافة...
شيء ما تحطم بداخلي... أشعر وكأنني أقف خلف باب مغلق ، مرتعبة من اللحظة التي سيفتح فيها...
أعتقد أنك تحاول قياس قدرتي على تحمل الصدمة ، بجليديتك التي تتعدى برودة الثلوج النادرة التي قررت زيارة مدريد أخيرا كي تضفي طابع العيد...
انا عاجزة عن التراجع...
اصبحت في الحالات القصوى من التعاسة}
" أدخل..."
صرخت آيا في الطارق و هي تغلق مذكراتها، لدهشتها كان خوسيه، مؤخرا يفضل ارسال الخادمة او المربية لجلب الصغيرين اليه و لم تطأ قدميه ارض جناحها منذ تلك الامسية التي قررت فيها انهاء محاولاته لمنح زواجهما طابعا حقيقيا.
انكمشت معدتها ودارت الحرارة بداخلها بينما تغزوها طاقته الخانقة، ان كانت للجذران السن فتنطق بسحر هذا الرجل الواقف امامها، تركت الصوفا و اخفت مذكراتها خلف احد الوسائد الوثيرة:
" خوسيه؟ بما أخدمك؟"
" لدي ما يكفيني من الخدم في هذا البيت و بالتأكيد لا أحتاج لخدماتك بقدر حاجتي بأن تقومي بدورك اللعين في هذا البيت بدل الاختباء كل الوقت في هذا المكان..." بصق كما لو أن الكلمات بها مذاق القيء..." سيصل بعد قليل المدعوين لوليمة ما قبل العيد و أرى بأن سيسليا بمفردها من يهتم بالتفاصيل كما هي العادة..."
انها وليمة يقدمها سنويا المارتينيز لكل عمالهم و يحصلون ايضا على دعائم مالية حصرية، لكن سيسيليا بنفسها من اخبرتها بأنها قادرة على الاهتمام بنفسها بالأمسية...
" انا لم أعش يوما كسيدة خوسيه... أجهل تماما كيف تتم هذه الأمور... والدتك بنفسها من طلبت مني الاهتمام بحسب بطفلاي..."
" طفلانا... انهما مني و منك ..."لم تكن لعصبيته أي علاقة بتجهيزات الوليمة، كما انه لا يمكنه أ يصرخ بوجهها أكثر لأن التوأمين نائمين في غرفتيهما، رأته يحاول السيطرة على مشاعره، كانت اصابعه متصلبة بينما يمررها على كثلة شعره الحالكة السواد:" تعلمي اذن ان تكوني سيدة..."
" ما نفع أن أتكبد مشقة البرتوكلات بينما سأرحل قريبا من هنا؟ " لفت ذراعيها حول خصرها:" اقامتي محدودة... لن أنتمي يوما الى كل هذه الفخامة خوسيه... أفضل شرائح الديك الرومي على الكافيار كما تعرف"
اخترقتها نظراته السوداء، نعم كانت سوداء اللحظة... فقدت جمالية لونها الذهبي:
" تنبذين مسوولياتك "
" التخلي عن مهمة باطلة وغير مجدية ليست نبذًا... هل نسيت؟ أتيت بي من المستنقع... و في المستنقع لا نهرب مطولا من محيطنا..."
" لم أنسى يوما جذورك آيا..." قاطع قسوتها الجليدية بأخرى أسوء:" ما لن تفهميه أن عودتك الى ذلك المستنقع - الذي لا تهربي من منه مطولا - ستكون رحلته فردية ... المادو و اوزلام يحملان دمائي النبيلة و أبدا لن يخرجا يوما من هذه القلعة..."
ان كانت تتعمد هذه القسوة فلأنها غير قادرة على تحمل مسؤولية الكلمات التي رمتها في وجهه ذلك المساء، رؤيته مجددا أمامها أخل توازنها اللعين، خافت من نفسها ان تلقي بجسمها على قدميه و تطلب منه نسيان كل كلمة سيئة قذفته بها، أن تخبره ببساطة بانها قلقة من ردة فعله ان اكتشف الاثار المريعة الذي تركها خلفه الحمل بتوأمين.
" وقعّنا اتفاقا..." ذكرته بهدوء:" سألتجئ للقضاء ان..."
قاطعها وهو يقطع المسافة بينهما و يلتقط شفاهها بأصابعه ليسحقهما بطريقة وحشية و مؤذية، طريقة موجهة لقطع كلامها الذي لا ينوي سماعه حتى النهاية:
" آيا... لا تهدديني... لا تدفعيني لأحرمك كليا منهما ... أنت لا تعرفين بأنني خصم فظيع عندما يتوجب عليه ذلك... أغلقي هذا الفم اللعين و ارتدي ثيابك و استعدي للظهور أمام الجميع بمظهر لائق... لا تفسدي الليلة بوعود أنت عاجزة عن تنفيذها... لا تنسي أنني مهم جدا، ابن سياسي عظيم و من عائلة ذات نفوذ، بتحريض صغير جدا مني... ستجدين نفسك مجددا في بلادك... بلا أطفال و لا حساب بنكي و لا كرامة... "
عندما تركت أصابعه شفاهها شعرت بحجمهما أكبر مما قبل، مذاق الدم على لسانها، تراجعت الى الخلف أمام هذا الهجوم الذي لم تتوقعه،بلا أطفال و لا حساب بنكي و لا كرامة ؟؟
" أنت وعدتني..."
" التوأمين ليسا عملة يمكنني التعامل معك بهما... انهما من دمي، لا أنوي العيش لغيرهما، بما أنك ترفضين التعاون لنوفر لهما العائلة المتماسكة التي هما بحاجة ماسة اليها فأنا أخلي بأي وعد سبق و منحته لك... أمامك عرض محدود الصلاحية... بعد العيد عليك اتخاذ قرارك نهائيا, اما ان تبقي بجانبهما... أو تختفي ..."
اصبح التقاط الهواء الى رئتيها صعبا و مستحيلا، شعرت بنفسها تتثابر لتبقى صلبة أمامه:
" مالذي تنوي فعله للتخلص مني خوسيه؟ استعمال ابتزازاتك القديمة التي اجبرتني بها للنوم معك و الحمل منك؟؟"
" لا تقارني الأمرين... فكفتك لا تساوي شيئا مقابلهما... التخلص من دودة مزعجة مثلك لن تكلفني حتى هز أصبعي الصغير... "
أخرج فجأة هاتفه و نبح فيه ببضع كلمات آمرة قبل أن تظهر المربية في العتبة:
" خدي الصغيرين الى جناحهما... السيدة بحاجة لتجهيز نفسها ..."
الكلمات أصبحت بمثابة حصى يصعب عليها رميه خارجا، بقيت مكانها تنظر اليه بينما المربية تغلق باب غرفة التوأمين خلفها و تمنحهما الحميمية و كأنه شعرت بالتوثر المجلجل في أركان الجناح:
" منذ الليلة لن أستئمنك عليهما... انت خطر عليهما و لا أثق بك"
" لا تثق بي؟؟" تمكنت من الكلام.
" أعرف ردود أفعالك عندما لا تجدين مسلكا... تلك الليلة في المجرّ... حاولت رمي نفسك من الشرفة بينما تحملين بهما... يمكنني الحصول بسهولة على وثيقة طبية تبرز هشاشتك العقلية ما رأيك؟؟"
لكنه لم يكن ينوي سماع ردها بعد الصدمة التي جمّدتها مكانها، بل استعجل المربية التي وضعت الصغيرين في سرير متنقل، هي التي حاولت ان تكون مؤذية و صارمة كي تربح المباراة تجد ان كل شيء بصدد الانقلاب عليها، لا يبدو ان خوسيه يمزح فيما يتعلق بالتوأمين، موجه القلق نجحت بإخراجها من حالة الصدمة التي تغلبت عليها، ما ان غادرت المربية برفقة ابنيهما حتى بادرته بعدم فهم:
" لما تفعل هذا؟؟"
" السؤال هو لما أنت تفعلين هذا؟؟ أمنحك فرصة البقاء... ترفضينها بالاساءة لي شفاهيا... لا أنوي منحك فرصة أخرى للاقتصاص مني عبر التوأمين..."
كانت تحاول التقاط أنفاسها:
" تظن أنني قادرة على ايذائهما؟"
" كنت ستؤذينهما بلا تردد في الماضي..."
ذكرته بصوت فاقد السيطرة:
" لم تترك لي الاختيار حينها..."
أكد بلكنة مسمومة:
" و لا أتركه لك اليوم... "
ثم دون أن يمنحها نظرة أخرى غادر الجناح بدوره و أغلق الباب خلفه بحركة جافة، راحتيها تؤلمانها بشدة ،نظرت إليهما لترى بأن أظافرها تركت أشكالا هلالية في جلدها. فركت يديها لمحو العلامات... الشيء الذي لن تتمكن من فعله ازاء العلامات في قلبها.لا تعرف حقًا ما يجب فعله ، لقد عرفت فقط أن أقل عضلاتها قد تقلصت بشكل مؤلم، وأقل حساسياتها تفاقمت لحدودها القصوية... انهارت على الكنبة... عينيها عالقتين في الفراغ، هل هي بصدد خسارة كل شيء لأنها ترفض هدنة خوسيه؟ و هل ستسمح له باحتلالها و نهب مقدساتها بهذه السهولة؟ لم تكن في حياتها سهلة التحجيم طالما ردت الضربات و خوسيه يعلم بانها لن تبلع هذه التهديدات و تحني راسها مثل المغلوبة على امرها، آه كلا... لقد أمضت اشهرها في تجهيز حياتها الجديدة، لن تسمح له مجددا بهدم أحلامها فقط لأنه سافل جدا كي يلاحظ بأن الخوف ما يجعلها في حالة تأهب... الخوف من أن تنطفئ صورة المرأة المغرية في مخيلته... الخوف من الا يبقى أدنى أمل في المستقبل..شعرت بأنها تفقد أنفاسها ، لدرجة أنها لن تستطيع التنفس مرة أخرى.
* * *
" تصويبة موفقة أيها الأمير..."
تصويبة رجل يعرف التصويب نعم، ملاحظة سيزار دفعت تقطيبة خافيير للتعمق أكثر لكنه لم يُعلق، هكذا يقضي الاصدقاء سهراتهم الذكورية؟؟ هذه الصالة الخاصة بتدريبات الأسلحة النارية المتطورة ستجعل f.b.i شاحبون من الغيرةـ ، كانت شاسعة، متغيرة الألوان و الطقوس، مجهزة جيدا لاستقبال عدد لا بأس به من المتمرنين، راقب الأمير يبعد السماعات من أدنيه و يمازح قريبه بكلمات ايطالية سريعة قبل أن ينفجر هذا الأخير بالضحك، لا... هما لم يتكلمان الايطالية بل الصقلية، لغة صعبة عليه، فهو يتكلم الايطالية بطلاقة و تتوثر مسامعه أمام اللهجة الصعبة، لا يعرف لأي هذف دعاه روكو لهذه الأمسية النارية، فهو لم يشاركهم طاولة العشاء مع نسائهم، لكن كان مسموح له حضور هذه المزاولات القوية، عادت الأهذاف لتستبدل بأخرى جديدة، أبعد هذه المرة، اليساندرو ايميليانو من التقط السلاح هذه المرة، ووضع السماعات على أذنيه ليحميهما، في ظرف ثانية تمزق الهذف تماما ليسقط نصفه أرضا كي يرتفع صراخ الرجال من حوله، روكو يبدو سعيدا بأذاء أخيه الصغير:
" أنت ممتلئ بالمفاجئات اليساندرو.." قال سيزار متهكما.
" أخي الصغير يحسن استعمال الأسلحة حتى قبل أن يدخل المدرسة الابتدائية... يانيس معلم جيد و محترف... " فجأة سلط نظراته الحادة عليه و كأنه تذكر وجوده.
هل يُفترض به الاجابة على هذا؟ انه يعرف من هو يانيس هذا، انه يتفحص ردة فعله بهذه المعلومة، لكن خافيير ممثل جيد الى جانب عميل متمرس، بقي فحسب يبادله نظرات هادئة.
يعترف... بأنه لم يلتقي رجل بذكاء هذا المخلوق أمامه، سبق و تعامل مع مجرمين، رؤساء مافيا و قطاع طرق، روكو يملك شيء يخصه فقط... انه يتعامل بأناقة غريبة... شيء فيه يشعرك بأنك أدنى مستوى منه رغم الثقة التي تكون للمرء في نفسه... انه يشكك في امكانياتك... يشكك في كل ذرة منك.
اللقاء بينهما كان غامض التبادل، فهم فحسب بأنه تحت حمايته، بأنه يضمه لفريقه بفضل اليخاندرو، الشيء الذي تتوقعه بالتأكيد الانتربول و الذي سيسهل تسلله في حميميته، السؤال هو لما تجاوب روكو بهذه السلاسة معه، وهل اليخاندرو حقا السبب في هذا الكرم؟ ... روكو ذكي جدا... و هناك تفسيرين... اما أنه يشك كونه قرصان سابق، أو يحب كثيرا اليخاندرو كي يعرض نفسه للخطر لحمايته.
" اليخاندرو..." ارتفع صوت الأمير داركو، صهر توأمه... يبدو الوضع سخيفا... بالكاد يمكن تصديق أن لهذا الرجل ابنة ينوي شقيقه الارتباط بها:" تعالى وجرّب..."
راقب توأمه يهز كتفيه مُعتذرا :
" الأسلحة ليست هوايتي المفضلة... "
العنف اجمالا ليس صحن شقيقه المفضل، يبدو وجوده متناقضا مع رجال بهذه الشراسة، انه المسالم الوحيد هنا... حان دور العرّاب... راقبه يرتدي قفازيه و يلتقط السماعات ليضعها على أذنيه، لم يختار هذف سهل، بل اختار ما يغير وضعه بسرعة عالية... ثم انطلق في ابداعه... رغما عنه شد خافيير أنفاسه لهذه البراعة الدقيقة ،لا يبدو أن هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها سلاحًا أو مسدسًا معينًا ، أنه أمام محترف يثقن الرماية الدقيقة، ثم تغلب على الالة و لم يتبقى شيء من الهذف الذي أصبح فتاتا على الأرض، يبدو ان الجميع راقب هذه الخفة و أعجب بها مثله، ثم فجأة ابعد السماعات على أدنيه ووجه سلاحه الناري في وجهه، غير بعيد عن جبينه، يمكنه أن يشعر بحرارة المعدن الغير بعيد، التقت نظراتهما و شعر بنفسه صغيرا أمام جبل من جبال صقلية... كان يقوم بإمتحانه... لكن خافيير لم يرمش... أمام هذا التحدي الناري عليه الا يجفل أو يخون نفسه... ، سقط الصمت الثقيل في القاعة و الكل يتطلع اليهما، ثم انتظر... متبنيا هذا التعبير المحايد الذي يخفي تحته عدم الفهم... حركة العرّاب لا يفهم معناها... لكن حدسه يشير اليه بالبقاء صامدا و اعادة نظراته الجليدية...بعض الناس لديهم عدد قليل من أجراس الإنذار ... هو يملك الكثير.
مرت عدة ثوان، بطرف عينه يمكنه رؤية اليخاندرو يترك مكانه، وجهه متشنج من القلق... ارتخت قبضة العرّاب على السلاح و بحركة رشيقة أدار قبضته بإتجاهه.
" حان دورك أيها القرصان... أرينا مهارتك..."
التقط منه خافيير السلاح دون ان يرمش... هناك فرق بين التصويب الذي سيفضح كونه شرطيا و التصويب الذي يبرهن بأنه عاش بريا و قضى عمره وراء بندقية... مازال العرّاب يمتحنه، و رغما عن أنفه... يشعر بالاعجاب لشخصه.
اختار خافيير هذف اسرع من الذي اختاره العرّاب... و ترك عنان سنوات لا منتهية من الخبرة تأخد مكانها لتبهر من حوله...و ما هي الا ثواني حتى سقط الهذف مستسلما لهجومه... لم يخطء اي هذف... دون انتظار فرصة اعادة هدية العرّاب اليه وجه الى رأسه نفس الفوهة التي حدده بها قبل قليل...
" أعشق روح دعابتك أيها العرّاب... "
ثم بنفس الرشاقة أعاد اليه سلاحه.لم يبدأ الجدال... استعاده بحركة بطيئة و وقفا وجها لوجه... خلال تلك اللحظات التي تستمر بضع ثوانِ فقط لكنها تبدو و كأنها أبدية... نظرات الصقلي تشبه شفرات الحلاقة الحادة، كان يحاول اختراق روحه ليكتشف من يختبئ وراء من يقف أمامه، ثم تحركت شفاهه بكلمات تشبه خشونة ورق زجاج:
" أنا لا أملك واحدة أيها القرصان..."
اذن ... فقد تعمّد تهديده.
لا يبدو أن هذا التبادل يروق لأليخاندرو، الذي اقترب ليضع نفسه بينهما، ان كانت لديه شكوك من قبل فهو متأكد الأن أن هذ الرجل القوي يكره وجوده و لا يثق به، لكنها آخر مهامه البائسة و سيرحل بلا عودة... انه يحلم بمزرعته البعيدة، بحياة خالية من المخاطر، يحلم بالنوم بجانب امرأة تجهل تماما عدد الرجال الذين قام بتصفيتهم... يحلم بقهوة الصباح و قبلة و تمنيات امضائه يوم جميل.
" الوقت متأخر... من الأفضل أن نرحل خافيير" اقترح اليخاندرو.
" بدأت السهرة اللحظة تأخد منحنى يروقني..." اعترض خافيير وهو يتفقد العيون المنصبة عليه، لا أحد يتحمله في هذه الصالة على ما يبدو:" اليست فرصتك أن تتعلم التصويب؟"
" لا أتحمل الأسلحة و أنت تعرف..."
" هيا اليخاندرو... لن أكون دوما هنا لحمايتك"
هذا الاستفزاز المتهكم أخرج شقيقه من رزانته الاعتيادية، دون أن ينتظر أخد السلاح الذي استعمله الأمير فالكوني و خلافا لكل التوقعات، لم يصوب نحو الهذف، بل صوب نحو الفراغ بين قدميه هو لتخترق الرصاصة الارض الامعة و تترك ورائها حفرة عميقة...
" أعرف جيدا التصويب فلا يمكنك العيش في امريكا لسنوات دون أن تتعلم حمل سلاح للدفاع عن نفسك... و الان تنتهي هذه اللعبة خافيير... فلنمضي الى البيت... "
كان جادا جدا، يبدو أن قلقه من تهديد روكو لرأسه تحول الى غضب أسود، لمح الخوف الشديد عليه و شيء ما اخترقه مثل شفرة حادة... اليخاندرو يخاف على مصيره؟ هو الذي ظن بأن كل ما يهمه هي حياته اللطيفة و الهادئة و ... خطيبته الفاثنة.
هذه المرّة لم يستطع الاستمرار في تحدي شقيقه أكثر، في باحة القصر اصطفت أرقى السيارات التي تزن ثروات خيالية، السيارة الوحيدة التي لا تملك شيئا من الرفاهية عائدة لتوأمه، دنى منها و أشعل سجارة ينتظر وصول هذا الأخير الذي ذهب ليودع خطيبته، نفث الدخان في الهواء و شعر بحركة قربه، انتبه فورا لوجود سانتياغو... هذا الرجل الغامض يشبه القتلة المتسلسلين، لا يفارقه أبدا باهتمامه عندما يكون في الجوار، لم يكن بمفرده هذه المرّة، حارس الأمير الشخصي معه:
" الا تملك عائلة تمضي معها العيد سانتياغو؟ أم أنك تعمل ليل نهار بحانب رئيسك؟"
لم يجبه سانتياغو، أبقى فحسب عينيه عليه، النظرات المصوبة عليه تشبه المسامير الواخزة، فرانكو بالمقابل لا يبدو بأنه يستلطفه، تجاهلهما عندما انتبه الى وصول توأمه، لم يكن بمفرده، الأميرة لفاثنة معه، كان يمسك بيدها، أصابعهما متشابكة، هذا الظهور جعل فرانكو يتحرك نحوهم تلقائيا، انتبه الى أن الأميرة في مزاج سيئ و شقيقه أيضا:
" لست بحاجتك فرانكو..." اعترضت بيانكا و هي تدلف الى السيارة ما ان فتح لها اليخاندرو الباب.
لم يتبقى أمامه سوى احتلال المقاعد الخلفية، راقب كتفي بيانكا أمامه مشدودة مثل الوثر، تصله من هذه المسافة رائحة خصلاتها الشبيهة بفواكه الصيف الطازجة، أدار شقيقه عجلة القيادة و خلافا لكل احتجاجات الأميرة أرسل فرانكو حراسه خلفهم.
عندما تجاوت السيارة قلعة الايميليانو و أخدت طريقا فرعيا ثم رئيسيا أصبح الصمت الدائر خانقا لدرجة أن الهواء أصبح ثقيلا جدا، راقب يد شقيقه تحاول التقاط يدها الا انها رفضت منه هذه الإلتفاثة.. أنفلثت منه تصفيرة طويلة و أعلن:
" لا يبدو كليكما بخير..."
" أغلق فمك خافيير..."
لم يكن هذا أمر اليخاندرو وحده، لقد قالا معا هذه الجملة و كأنهما توقعا أن يرمي بملاحظة ما على هذا الصمت الغير اعتيادي بينهما.
ما ان وصلوا الى البيت حتى اهتم بالكلاب - التي استقبلتهم بحفاوة- ليمنحها الطعام ، اليخاندرو و بيانكا انفردا ببعضهما في غرفة النوم، في البداية لم يكن يسمع شيئا، لكن سرعان ما ارتفع صوتها، يمكنه التقاط كلماتها بوضوح، لكن الصقلية صعبة الفهم...
جثى على ركبتيه أمام كلبه الوفي و بدأ بمسد فرائه الناعمة بينما هذا الأخير يتناول طعامه بشهية، عندما تردد اسم صوفي في أذنيه استيقظت رذاراته، هل يُعقل أن الموضوع متعلق بأعمال روكو؟ سرعان ما سقط هذا الاحتمال في بحر النسيان عندما ترددت منها جملة واضحة:
" كنت تعرف بأنها مغرمة بك اليس كذلك؟"
أقطب خافيير حاجبيه ينتظر رد شقيقه الذي لم يأتي الى مسامعه، كل هذه الدراما بسبب غيرة نسائية، تجاهل الموضوع برمته و أخرج بيرا من البرّاد قبل أن يخرج من بيت شقيقه ليدخن سجارة في الحديقة... حرّاس فرانكو ما يزالون خارجا... اذن فسيمضون الليل في حراسة بيت اليخاندرو حتى تقرر الأميرة العودة الى بيت أبيها.
بعد أن أنهى بيرته و سجارته اكتشف خلال عودته الى الداخل بأن أزمة الصراخ انتهت، في هذه المرة التنهذات ما تصل الى مسامعه و ليس العتاب، و لم يتبقى له سوى الالتحاق بدوره الى غرفة نومه... فكما يبدو، اليخاندرو لن يمضي الليلة بمفرده.
* * *
أمضت آيا سهرتها و كأنها تمشي على صفيح ساخن، كانت تتعمد عدم النظر مباشرة في عينيه، و عندما تفعل، الكراهية في عمقهما تجعلهما سوداوين، لكنه محصّن للغاية من سهام النار التي ترسلها اليه، مادار بينهما في أول الأمسية لم تكن فحسب وعودا سخيفة، بل كان يقصد كل كلمة، تجهل آيا تماما الى أي حد يمكنه النزول كي يحتفظ بطفليه معه، قد تملك الكثير من الأسباب التي تدفعها للرفض، حبها لأليخاندرو، حبها لأستقلاليتها، فشلها في حبه هو خاصة، رغم مجهوذاته الأخيرة الا أن آيا ترفض منح علاقتهما فرصة النجاح، فليكن...
كبريائه الذكوري سيشفى من رفضها، هناك أشياء أهم، يمنح طفليه كل الأسبقية، و ليست امرأة مثله ما ستربك حياته الحالية التي اغرم بشدة بها... لقد انتظر ان يصبح أبا طيلة سنوات و هذا الدور يروقه بشدة.
عاد يحط نظراته عليها بينما تتهرّب مثل عادتها من التأقلم مع من حولها، كانت ترتدي فستان سهرة أسود، فضفاض شيئا ما، فقدت بضع أرطال منذ الولادة، لكن صدرها كبر حجمه أكثر، هذه التفاصيل تجعلها أكثر أنوثة و رغبة، ربما يثيره هو لكن على ما يبدو يزعجها بشدة، تمضي و قتها في تفحص فتحة فستانها ان كانت تظهر أكثر مما ينبغي، بعد رحيل المدعوين لم تنتظر لحظة واحدة و اختفت... يعرف جيدا المكان الذي قصدته، ستقوم بإرضاع الصغيرين... لكنه أوصى المربية بمراقبتها جيّدا.
" هناك توثر بينكما...هل كل شيء على مايرام؟" سألته سيسيليا بينما يتأهب بدوره للذهاب الى مكتبه و شرب كأس في هدوء.
" منذ متى كان ما بيننا طبيعي؟" أعاد السؤال لوالدته.
لكنها استوقفته مجددا قبل أن يفر بدوره باحثا عن السكينة:
" أخبرني الفارو بأنك تواصلت معه بشأن دانيلا, مالذي يحذث؟ لما تعود لهذه القصة؟"
شعر خوسيه بعضلاته تتشنج، الفارو هو عمّ دانيلا، الفرد الوحيد المتبقى لها من عائلة والدها... أو الرجل الذي تبناها على أساس أنها ابنته، لكن أن تراقب سيسيليا تحركاته يشعل صفارات الانذار في عقله، غرس نظراته في نظراتها:
" كيف علمت بأنني تواصلت معه؟؟"
لا يبدو بأنها توقعت هذا السؤال، سيسيليا ذكية، ماكرة، و تحيك بسهولة بالغة القصص التظليليلة، تركها تبدع في الكذب عليه:
" بالصدفة... سمعتك تتكلم معه هاتفيا..."
لا يعرف في أي خانة يضع هذا الجواب، لكنه سيقبله حاليا...
" ظنت دانيلا بأنني والدها، قامت بتحليلات و اكتشفت بأن ثمة قرابة بيننا... هذه المعلومة لم أحصل عليها منها بالتأكيد، بل عمّها من أخبرني بأن أتوقع انفجارا قريبا, دانيلا تبحث عن اصولها بفضل متحر و لن تتأخر بإكتشاف الحقيقة..."
لايبدو أن الموضوع يروق لوالدته:
" عليك حمايتها من الحقيقة..."
" بل أظن أن الوقت حان لتعرف من هو والدها الا تظنيني؟؟ انا ايضا اكتشفت الموضوع صدفة، فلو لم أشك بأبوتي لها لما خضت لتلك التحاليل التي تثبت بأننا نتشارك نفس الدم بشكل أو بآخر..."
لكن سيسيليا لا تنوي التوقف هنا، تبعته الى المكتب، تركته يسقي نفسه كأسا قبل أن تبادره بنبرة جديدة:
" الموضوع سيكبر بشدة خوسيه... لسنا بحاجة لفضائح جديدة..."
أقطب خوسيه بعدم فهم:
" انها ابنة ناديا و الفونسو... عمّي... فيما يجب أ ن يسيء هذا لها؟"
" في الطريقة التي أتت بها الى هذه الحياة..." ردّت عليه سيسيليا بحزم:" الفونسو لم يكن ملاكا... "
" لا يمكننا اخفاء الأمر عليها مطولا لأنها ستكتشف بأنها من المارتينيز... بأن هذا هو السبب الذي دفع والديها لترك الوصاية لي... بأن كل الأموال التي ورتثتها تعود لوالدها الحقيقي, الفونسو... بأن زواج ناديا من الرجل الذي ظنته والدها كل هذه السنوات أتى فحسب لكبث الفضيحة..."ثم صمت مفكرا:" هناك شيء غريب في كل هذه القصة... ان كان الفونسو مغرم بناديا و رزقا بدانيلا، لما لم يتزوجها بكل بساطة؟"
" خطط والدك آنذاك مغايرة... الفونسو كان مخطوب لجويدا... شقيقة يانيس ايميليانو.."
" عمّة روكو؟؟" تفاجئ خوسيه بهذا.
" نعم عمّته... ثم ان ناديا لم تكن من عائلة مرموقة"
" تماما مثل اليونور... أبي كانت لديه حساسية بالغة جدا ازاء الأسماء التي لا تعني شيئا"
تجاهلت تعليقه:
" أين وصلت دانيلا بتحرياتها؟!..."
ابتسم لها خوسيه:
" بأنك كاذبة ماهرة جدا سيسيليا... أمنحك الفرصة تلو الأخرى لتقولين الحقيقة، لكنك تستمرّين في خلق القصص... لم تجمع يوما قصة حب بين الفونسو و ناديا اليس كذلك؟ "
صمتت سيسيليا، كانت الألوان تتغير في وجهها مثل قوس قزح، هو نفسه سيصل للحقيقة قريبا، انه يساند دانيلا في هذا، هو أيضا يثوق لمعرفة ما حذث قبل اثني و عشرون سنة، الفونسو مات في ظروف غامضة، رغم كل الأمن الذي تتمتع به شركته الا ان النار حاصرته و قتلته في مكتبه، المادو يخفي قصة شقيقه الصغير و رحل و معه هذا السر، لكن سيسيليا تعرف التفاصيل و تستمر بالتستر... لكن لمصلحة من؟
" لا أعرف أكثر مما تعرفه أنت..." سمعها تقول بصوت محايد:" حسّن الفاظك معي في المرّة القادمة و لا تتهمني عبثا... مكانك كنت أهتممت أكثر بزوجتي و ابنائي بدل الدخول في متاهة مرّ عليها العديد من السنوات..."
لاحقا...دفع خوسيه باب الجناح الذي خصصه للتوأمين، و كما توقع، آيا ما تزال في فستان سهرتها، المادو بين ذراعيها، ملتصق بثديها، ما ان لمحته حتى غطت نفسها بلحاف لتترك ظاهرا وجه الصغير فقط، حواره مع سيسيليا ترك على لسانه مذاق مرّ، تعب من الكذب، تعب من الاختباء خلف جدار الشوك، رؤية منظر آيا وهي تقوم بدورها الطبيعي في تغذية طفلهما أرخت أعصابه قليلا، رمى بنفسه على الكنبة المقابلة لها، يتحداها بأن تنظر اليه مباشرة.
" سوف أبقى..." سمعها تقول فجأة وهي تهز نحوه نظرات مليئة بالدموع و الكراهية.
هز حاجبيه:
" عفوا؟"
" سوف أبقى في القلعة... لا يمكنني تركهما لك خوسيه... أفضل الموت"
انفجرت... تصدعت... تحطمت مثل مزهرية كريستالية تضرب أرضية إسمنتية ، وطارت قطع منها في كل زاوية... لكنه راض لهذا القرار، حتى ان كان يضرها شخصيا فهذا لا يهمه... عاد الى أنانيته القديمة... هذا يجرده من الاحساس بالاخرين... هي السبب في أن يتجرد من الرأفة نحوها.
" قرار صائب... "
" اتفقنا اذن..." كانت تتكلم بصعوبة بالغة، لكن عينينها بقيتا شرستين:" يمكنني استعادتهما في جناحي؟"
هز رأسه بالنفي:
" أثق أكثر في المربية... سيقتصر دورك في اطعامهما الى ان نجد لهما بديلا... أعرف بأن تفكيرك لا يكون سليما عندما تغضبين... و ربما اقتراحك السلم عائد فحسب لخطة قمتي بإحاكها..."
" هل تعتقد حقا بأنني قادرة على ايذائهما فقط للإنتقام منك؟؟"
" يُقال أن الإجهاد العصبي والنفسي للأم المرضِعة، له تأثير على إفراز حمض “اللاكتيك” الذي يعمل على تخمر حليبها وتغيير طعمه... لذا أرفض قطعا أن يتأثر التوأمين ، لا تدفعيني لحرمانك من ارضاعهما أيضا...."
و كأن المادو يتفق معه، رآه يترك صدرها ليطلق العنان الى صوته القوي، أخده فورا منها بطريقة حمائية ووضعه على كتفه ليساعده في هظم عشائه، توقف عن البكاء بين ذراعيه... الشعور بجسده الصغير و الدافء عليه أجمل احساس في الكون، ركز على وجه آيا الشاحب و أمرها بصوت جليدي:
" اخلي المكان فورا... لا أريد رؤيتك..."
" خوسيه.."
" لن تقتربي مجددا منهما الا بإذني... " لكنها لم تتحرك، بقيت متصلبة مكانها، تتطلع اليه بعينيها الكبيرتين العائمتين في الدموع و التعاسة:" انت تحت الاختبار آيا... الى أن أتأكد من حسن نيتك أرفض قطعا ان تقتربي منهما بدون حراسة... بما انك اديت واجبك فإرحلي من هنا.. عودي الى غرفتك الى أن يتم استدعائك للوجبة التالية..."
لا شيء يعود لعهده، كسرت بيديها ما بدأ ينمو بينهما، لا ينوي مسامحتها رفضها له بتلك الطريقة المذلة، و ليكن صادق مع نفسه... انه مستعد لاستبدالها بأخرى ان تطلب الأمر... انه موهوب جدا في لعبة النسيان... الم يفعل الأمر نفسه مع اليونور التي أحبها حقا فيما مضى؟
" أكرهك..." الكلمات ، مثل قطرات المطر على النافذة ، تنزلق ، تنقسم ، كلمات قد تصل دائمًا لمسامعه، لكنها تتلاشى لأنها بلا معنى، كانت يتوقع ردة فعل منها، آيا تملك دوما ردا..، وهو لم يرد، ابقى يده على ظهر ابنه الذي ينتهذ في نومه. " سأصلي... سأتعبد لله و اتوسله كي تتلقى القصاص الذي تستحقه لكل ما فعلته بي و منذ البداية أيها السافل"
" بعد أن أنتهي منك تكونين قد فقدتي ايمانك عزيزتي... " ثم هزّ ذقنه نحو الباب:"و الأن اختفي من هنا قبل أن اقوم شخصيا برميك..."
* * *
العيد لم يكن ككل سنة هذه المرة، فهناك بروتوكولات لا منتهية بسبب انتخابات والدها، لكن خلافا لكل التوقعات، تخلف كيليان عن المجيئ الى بيت أهلها بينما قبل دافيد ريتشي دعوة لوكا، هذا الاخير لن يمضي العيد في أروبا كالعادة... و عيدها هي لن يكون كغيره بالتأكيد.
والدها لم يخفي غضبه من تصرف كيليان... وهي تعرف بأنه لن يقدر على مواجهته بهذا الغضب... كيليان لا ملموس، لا معاتب... ذلك الرجل يفعل تماما ما يريد، هو من يقرر، هو من يحط القوانين في عائلتها، ربما خيبة والدها أكبر لأن ظهور صهره المشهور في صورة العائلة جيد جدا لانتخاباته.
الروحانية لها أهمية قصوى في أرض العم سام ، وبالتالي ، فإن عيد الميلاد مقدس للأمريكيين، عائلتها ترفض أن يتخلف أحدهم عن موعدهم السامي كل سنة، حتى عيد الشكر الذي يسبق المناسبة بشهر، لا يبدو أن عائلة دافيد في أروبا تمنح نفس الاهمية كي يقرر هذا الأخير الاحتفال معهم بعيدا عن أهله.
ككل سنة... شجرة عملاقة في غرفة المعيشة كبيرة ورائعًة ومزينًة بأكاليل جميلة لإبهار الضيوف. والدتها تهتم بأقل التفاصيل الصغيرة ليكون كل شيء رائع و على اكمل الوجه.
تم تزيين كل شيء ، من المطبخ إلى غرفة المعيشة . تم لصق أكاليل كهربائية في كل مكان في المنزل. دون نسيان الكروب والنجوم التي هي أيضًا جزء من العرض،يبدو الجو أحيانًا هائجًا قليلاً ولكن هذا ما يجعل وقت عيد الميلاد مميزًا جدًا ، في شوارع الأحياء السكنية ، العديد من الجيران يحبون تزيين مساحتهم. كل متر مربع من العشب مناسب لوضع الثلج المضاء و بعض المنازل مذهلة حقًا.
أفراد عائلتها - من طرف والدتها ووالدها- منتشرة في بيت العائلة، هرج مألوف و جميل،اعتادت والدتها على إعطاء الأولوية للكمية بالتأكيد،كطبق رئيسي ومبدع ، يعتبر الديك الرومي المشوي أحد الكلاسيكيات. تماما مثل لحم الخنزير المطبوخ مع التوابل المختلفة.
للحلوى ، يتم تقديم فطيرة التفاح - فطيرة البقان فطيرة اليقطين لتذكير عيد الشكر .
تجاهلت كل الوقت دافيد بينما ايموجين الناعمة في حلتها العيدية لم تفارقه لحظة، عادت لتلعب بسحرها القديم معه، شقيقتها تحب أم تكون محور اهتمام الجميع، انها امرأة فاثنة للغاية و تستحق دوما أن تكون نجم الجمع.
كانت تتجرّع شكولا ساخنة قرب الموقد تتطلع للثلوج التي لا تتوقف من الهطول خارجا عندما قرر الايطالي الوسيم محاصرتها أخيرا، تطلعت اليه من خلال رموشها بينما يرمي بجسده الرياضي على الكنبة مقابلا لها، في يده شكولا ساخنة أيضا:
" اذن... ؟"
"اذن.." أعادت له استفساره.
" تملكون عائلة كبيرة جدا..."
" عائلتك كبيرة جدا أيضا... " قالت له برصانة بينما ضحكة ايموجين ترتفع في المكان، رأتها تتحاور ببعض الحماسة مع ابنة عمّهما الحامل في شهرها الأخير:" قررت هذه السنة التخلف عن العيد مع عائلتك..."
ملامح وجهه اسودت قليلا، لا يبدو أن ملاحظتها تروقه:
" لم أعد أملك عائلة حقيقية..."
رغم سنه الا أن دافيد لا يبدو أنه يتقبل انفصال والديه، ربما هذه طريقته لمعاقبتهما:
" فرجينيا تقدس الاعياد..."
" صار لفرجينيا أسرة أخرى غيرنا... "
برطمت قليلا:
" لا يبدو أن فلورانس متأثرة تأثرك..."
" لأن فلورانس ترى والدتها مع والدها الحقيقي، مواقفنا غير متشابهة، كما أنني لا أتحمل زوجها و الجميع في لندن سيمضي العيد معا..."
يمضي العيد للمرة الأولى في حياته بعيدا عن الأحباء، يبدو أن الأمر يؤلمه أكثر مما يحاول ابدائه، دافيد يملك مزاجا ساخرا، لا يمكن للمرء تنبئ ما يدور حقا في خلده:
" والدك سيمضي العيد بمفرده؟"
" نملك عائلة كبيرة في صقلية..." شرح لها دون ان يمنحها تفاصيل أكبر.
تركت نظراتها تحتظن هذا الوجه المألوف صحفيا، لن يكون مضطرًا للقلق بشأن أن يختفي بريق وسامته الزائدة ، فقد كانت لديه فرصة مجنونة في اللوتو الوراثي، ضغطت بعنف على اصابعها حول كوب الشوكولا كي لا تنحني الى الأمام و تبعد تلك الخصلة السوداء المتهدلة بنعومة على جبينه... عندما هز نظراته الزرقاء الشفافة نحوها نسيت لوهلة كل عزمها على تجاهله طيلة الوقت... الشيء المختلف هذه السنة... الى جانب تخلف الوسيم الايطالي على امضاء العيد مع عائلته اللندنية الراقية... فهو لم يظهر مع خطيبة جديدة كما آلف أيضا... لم تتمكن من طرح السؤال عليه، رأت ابتسامته تتسع:
" أتوقع أن تكوني أنت القادمة"
تعرف بأنه يمزح، فلم تهمه أبدا, ما زال يراها 'كاندي البدينة' و المغرمة و هو يتسلى بها اللحظة، سألته ببعض التحدي:
" من أخبرك بأنني حرّة...؟"
رأته يهز حاجبه في تساؤل فضولي، كل أثر للتسلية اختفى من وجهه الذي أصبح جادا:
" و هل أنت كذلك؟"
لكنها لا تنوي اجابته، ابتلعت المتبقي من كوبها و استقبلت بذراع مفتوح ابنة شقيقتها التي ترتدي فستان أبيض بثنورة واسعة و تشبه كثيرا أميرة القصص الخيالية، أمسكت بيدها و اعتذرت بحركة من رأسها للوسيم القابع أمامها، لا تعرف في أي خانة تحط ملامحه الحالية، و هي ليست واثقة ان كانت تنوي الاستسلام لرغبتها في تذوق ما كان لها محرّم يوم ما...
* * *
مثل كل سنة، كاثرين و ادواردو ريتشي يحتفلون بالعيد مع جميع أفراد العائلة في المزرعة بأوكسفورد، أنه ثاني عيد يمر على وفاة سارة ريتشي، جدتها الغالية، لكن خالتها تتشبث بالعادات و التقاليد، في هذا المكان الرائع و الجميل شهدت أعوام حياتها كل سنة لامضاء العيد مع أسرة عمها و خالتها، و هذه السنة تحتفل مع زوجها ليعوضا بؤس عيد السنة السابقة التي أمضياها في قلعة فالكوني، غرفة المعيشة المرحبة بشدة بزينتها الغنية و موقدها المشتعل تضم كل أفراد العائلة، ميا أيضا أتت مع خطيبها هاكان، سيتزوجان بعد ثلاثة أشهر، اليكس و بيلا بخاتم خطوبتها و لسانها المنطلق أفضل من الماضي، كان الريتشي لطيفون مع المرأة التي اصطفاها اليكس عن غيرها من النساء و اختارها زوجة مستقبلية، حفيدة السائس تحضى بشعبيىة كبيرة من قبل كل أطفال العائلة، لكن لا شيء يفصل توأمي مارك أنطونيو عليها، حبهما لها واضح بشدة، ابتسمت لجوشوا الذي كان يحمل بين ذراعيه اليسيا الصغيرة بينما غيرة اندريس جينيور دفعته للانتحاب مما دفع آنجلا لأخده بين ذراعيها، مكر جوشوا جعلها تضحك من قلبها... كان يتعمّد استفزاز ابنه.
في البداية...كانت متوثرة بشدة من مواجهة داركو بعمها، لكن الى الان لا شيء يدعو للخوف فهما يتصرفان بطريقة متحضّرة للغاية، الأمير سيليو و رغم هجومه الامبرر لأليخاندرو الى انه تركه و شأنه، الكونت أندريس أصر على وجوده و داركو فعل ما استطاع لإقناعه بالانضمام للعائلة الكبيرة، و يبدو بأن مارك أنطونيو و اليكس و هاكان سقطوا تحت سحره، اليخاندرو سهل العيش، و رؤية بيانكا متوهجة و سعيدة، نيكولاي بين ذراعيها يشعرها بالراحة و أيضا... بخيبتها الشديدة بتخلف دافيد على المجيئ متعمدا... لم يرد على مكالماتها الأخيرة... والدها روبيرتو أيضا و رغم كل محاولات ادواردو و محاولاتها الا أنه طار من صقلية الى مكان تجهله تماما...
شيء آخر هي ممتنة له...
نيوس رفض دعوة ادواردو و مارك أنطونيو... هو و زوجته الفاثنة يمضيان العيد مع عائلته في جزيرة والدته... ما فهمته أن ديامانتي رفضت أيضا دعوة روبي لتمضية العيد في صقلية... تظن فلور بأنها قلبت كليا صفحة الماضي منذ موت جدها.
" عزيزتي..." هزت عينيها نحو خالتها كاثي التي دخلت غرفة المعيشة محملّة بطبق من البسكوت :" تعالي لمساعدتي..."
نظرة كاثي لا تشير الى أنها تريد حقا مساعدتها، كما أن الراحة و دفئ الموقد يجعلها كسولة لتغادر مكانها، رمت بالوسادة التي تحضنها جانبا و مرّت بقرب أندريس جينيور محمر الوجه من استفزازات والده الذي أخده هذه المرة ليرضيه، لكن لا يبدو أن اهماله لابنته يعجبها الموضوع بينما تراه مثقل الذراعين و لا مكان لها، هذه الأخيرة لم تتأخر بالتعبير عاليا عن رئيها فيما يحذث.
في المطبخ، كان هناك مدبرة البيت و مساعدين لا منتهيين و هذا زاد من حذرها بطلب خالتها التي أخدت بيها جانبا لتقول لها:
" فرجينيا في غرفتها منذ نصف ساعة... محاذتها مع دافيد لم تمر على ما يرام، ان لم تقنعيها بالنزول فلن يتأخر أندريس بالانتباه لغيابها و هذا قد يُفسد سهرة الجميع..."
كما قالت كاثي، وجدت فلور والدتها قابعة أمام النوافد العالية للغرفة التي يفترض أنها تتقاسمها مع الكونت... طالما تقاسمت نفس الغرفة مع روبيرتو... هذه الأخيرة مسحت دموعها ما ان شعرت بوجودها:
" يمكنك البكاء بحرية أمي... أنا بمفردي..."
و كأن هذا التنبيه ضاعف شجنها، لكنها استمرت بذرف الدموع بصمت بدون أي صوت، جلست بجانبها و تطلعت متنهذة الى الثلوج:
" ليس ذنبك تخلفه عن المجيئ.."
" لقد حطمت قلبه ... انها المرّة الأولى التي يتخلف عن المجيئ..."
" ليس بسببك أو بسبب الكونت..." عادت فلور تؤكد لوالدتها و تمسك بأصابعها الأنيقة لتعصر عليها:" لم يتردد في السابق العروج على ستارهاووس لرؤية بيانكا... و هي السبب هذه الليلة... أخبرني ببساطة بأنه يرفض رؤيتها مع رجل آخر..."
هزت فرجينيا عينيها المتورمتين الى السماء معلقة بسخرية:
" لما يصر على الاختباء وراء هذه الكذبة؟ دافيد لم يحب امرأة في حياته..."
انها توافق على خلاصة والدتها المصيبة:
" انه مغرم بكبريائه فحسب, و لأكون صريحة... كنت لأتخلف عن المجيء أيضا لو وُضعت في نفس الموقف... رؤية حبيب سابق مع أحد أخر يسبب دوما التوثر"
يبدو أن كلماتها أقنعت فرجينيا التي تنهذت بحرقة ثم سألتها السؤال الذي انتظرته منها منذ قدومهم هذا الصباح:
" هل تملكين أخبار عن روبيرتو؟"
هزت رأسها بالنفي:
" لا تقلقي نفسك به... انه بالغ و يعرف كيف يمضي أوقاته... "
بان الحزن على وجهها، بدت تعاني بصدق بينما تهمس لها معتذرة:
" أنا آسفة لكل ما حصل في الماضي فلورانس... أسفة لأنني أخفيت عنك حقيقة أندريس,آسفة لأنني كنت من الانانية بحيث عدت للرجل الوحيد الذي طالما أحببته... آسفة لأننا لم نبقى العائلة المتحدة و السعيدة التي كناها من قبل..."
هل كانت تنتظر سلسلة الاعتذارات هاته؟ يمكنها رؤية موقف والدتها بزاوية أخرى... هي نفسها عاشت نفس تلك الظروف ، لقد نضجت خلال الأحذاث الأخيرة، ترفض ان تستمر في هدر جهذها ووقتها في عتابات فارغة، و برئيها أيضا على روبيرتو أن يقلب هذه الصفحة و يبحث له عن السعادة في مكان آخر...
" منحتي أكثر من نصف عمرك لروبيرتو... أظن أن الوقت قد حان كي تفكري في سعادتك... أنصحك ان تكوني اكثر أنانية ان رأيت بأن هذا سيعوضك على ما فاتك مع والدي..."
ظهرت ابتسامة مرتجفة في زاوية شفاه فرجينيا... هذه المرأة التي طالما رأتها قوية جدا و شرسة، ناجحة جدا و صلبة، ملكة على عرش لا يتمكن الوصول اليه أحد، ليست في الحقيقة سوى امرأة مثلها... امرأة تشعر بالعار من سعادتها التي برئيها تبنيها على تعاسة آخر.
" أحببت روبيرتو... بطريقة ما..."
" شششتتت... لا تفسري لي شيئا أمي... " و احتضنتها الى صدرها:" ما يهم الأن هو الحاضر...وواقع وجود عجوز شمطاء تحت سقف هذا البيت..."
اختنقت ضحكة فرجينيا في عنقها ابتسمت فلورانس بدورها و ابتعدت عنها لتتطلع الى عينيها و تبدأن بنميمة نسائية:
" هل رئيتي تسريحتها؟؟"
" تشبه كلاب البودل..." ردّت فرجينيا بصراحة وهي تمسح دموعها بكم فستانها.." الم ينصحها أحد بأن قصتها انقرضت تماما مع عصر النهضة؟؟"
هزت فلورانس كتفيها:
" ربما كانت تنوي مفاجئتكن..."
" هذا بالفعل ما حصل... نحن متفاجئون بشدة "
ضحكتا بتواطئ الى أن اغرورقت أعينهما ، ايستر أنيقة جدا عادة و لا تفهم فلورانس لما تخلصت عن خصلات شعرها الناعمة لتخضع للتجعيد الكيميائي و الاسمرار الليموني الذي اخفق فيه خبير تجميلها، حتى داركو لم يتمكن من الاحتفاض برئيه لنفسه في الطائرة التي أقلتهم، أخبرها ببساطة بأن منظرها مثير للضحك... تفهم ارتباك ايتسر ازاء هذه الدعوة، فكاثي و فرجينيا من أنيقات المجتمع اللندني و هي رغبت بالتفوق عليهما... مثل امرأة جميلة تخوض عملية تكبير الشفاه فتصبح وحشا.
فتح الباب و ظهر الكونت أندريس تماما كما توقعت خالتها قبل قليل، يبدو ان جلسته المكتبية مع الامير سيليو و داركو و ادواردو و مارك انطونيو انتهت.. لكن النظرات القلقة في وجهه اختفت ما ان رآهما غارقتين في الضحك، الراحة التي ملئت عينيه أشعرتها بالعاطفة نحوه:
" نساء حياتي هنا... "
" لسنا كلنا هنا... امرأة حياتك الثالثة تهدد سكينة أندريس جينيور و ليلي ... و من الأفضل أن أنزل لأشبع منها فأنا لا أراها كثيرا... عن اذنكما..."
في طريقها، وقفت على أصابع رجليها و قبلت الكونت على خده:
" أحبك أبي..."
شعرت به يتشنج تحت لمستها، أمسك بمعصمها ليمنعها من الابتعاد:
" هل بدأت بتفريق الهدايا قبل مرور سانتا كلوز؟؟ انها المرة الأولى التي تقولين لي فيها أحبك..."
ابتسمت له بحب:
" و لن تكون الأخيرة أيها الكونت..."
عندما عادت الى غرفة المعيشة لم تعد اليسيا بين ذراعي جوشوا، بل اليكس الذي فعل كل ما استطاع ليقنع الكونت أندريس بأن يصبح عرّابها، تظنه أكثر شخص مناسب للحصول على هذا الدور، بين ابن عمّها و أختها الميتة قصة حب قديمة انتهت بشكل مأساوي و لا بد أن عودة الاسم الى العائلة مجددا يسد جراحه بشكل أو بآخر، انحنت عليه لتلامس خصلات شعره القمحية:
" لقد كان دوري بعد جوشوا انت لا تلعب بنزاهة..."
" العرّاب يحق له بأخد ابنته بالمعمومدية متى أراد ذلك..." رد اليكس و هو ينحني ليقبل جبين الرضيعة التي ابتسمت ملئ فمها من تحت مصمصة السيليكون.
" لم تصبح بعد عرّابها لعلمي..."
" لن نتأخر بتحقيق ذلك... أنظري اليها... انها هائمة بي..." القت فلور نظرة على شقيقتها... انها الشقيقة الوحيدة من أبويها الحقيقين لأن دافيد و جوشوا من أم و أب مختلفين، اليسيا تحمل حقا كل جيناتها، لكنها تبدو رضيعة سهلة جدا و لطيفة، عكسها...
" انها هائمة بالجميع كفاك ادعاءا..."
ثم نجحت أخيرا بأخدها بدورها بين ذراعيها الشيء الذي لم يروق لنيكولاي الذي جاء دوره ليبرز غيرته بعد أندريس جينيور و ليلي، كان قد ترك ذراعي بيانكا و يلتصق اللحظة بقدميها يطالب بإهتمامها:
" أنا... أنا..." كان يردد مثل الببغاء.
" أنت غيور مثل والدك..."
رذارات داركو في كل مكان، لا تعرف من أين خرج لكنه أصبح الأن خلفها، ذراعه تحيط بخصرها بينما يوشوش لها في أذنها:
" والده فقط الغيور؟ فلورانس... لو كان بإمكان الغيرة أن تتجسد فلن تجد خيرا منك..."
" من تملك زوج مغو و مثير مثلك لا تملك الخيار كارو... "
يبدو أن هذه الاجابة أعجبته، انحنى ليلتقط نيكولاي بين ذراعيه و يقربه من اليسيا التي تلتمع عينيها الخضراوين مبتهجة بالاهتمام الذي يمنحه اياها الجميع، وضع نيكولاي أصبعه على وجهها، ليس ليكتشف ملامحها لكن بسلبها مصاصة السيليكون التي أعادتها اليها، في ظرف لحظة أصبحت في فمه مما دفع الصغيرة للتكشير:
" أيها المتوحش... حتى أنك تكره المصمصات فلم تستعملها يوما في حياتك..." انتزعتها منه :" عليك ان تتعلم بأنك لست الوحيد المهم على وجه الأرض..."
انتزاع شيء يريده نيكولاي مهمة صعبة، انه يرفض قطعا أن يتم حرمانه مما يريده، لكنها وضعته في مكانه بنظرة صارمة فصمت دون ان ينفجر في البكاء كعادته:
" يحتاج للتمرن قليلا..." قال داركو و هو يقبل وجنته المدورة:" يحتاج لتعلم التقاسم مع أخت صغيرة الا تعتقدين؟"
التقت نظراتهما:
" نيكولاي له أخت كبيرة..."
حماسته انسحبت قليلا و لم يناقشها، بل استمر بالابتسام لإبنه، و هذه ليست المرّة الأولى التي يُلمح لها فيها برغبته بالحصول على طفل آخر، آلام ولادة نيكولاي مازالت راسخة في ذهنها...الام المخاض و رائحة الدم و الأدوية، رباه... لا ترى نفسها مجددا في موقف مماثل... يكفيهما طفل واحد... فبرئيها هناك مجموعة أطفال مشاغبة فيه بمفرده و يحتاج لكل اهتمامهما و صرامتهما ليسيطرا على حماسته الزائدة... تخاف سلفا من نيكولاي مراهقا... ثم بالغا... فليرحمهما الرّب مما هو آت.
* * *
ليلة العيد كانت حامية في مركز الاستقبال الكابري، المتطوعون يقومون بتوزيع الوجبات على المستفيدين من مقيمين غير شرعيين و مواطنين بدون مأوى، طاولات لا منتهية من أناس لا يملكون مأوى لتمضية العيد، و لمحها هي أخيرا... ملاك الرحمة تتنقل بخفة رغم تلك الاعاقة التي تفسد هذا الجمال الرائع، كانت تضع يدها على كتف رجل مسن يبدو متسخ الوجه و كأنه لم يستحم منذ سنوات عدة، راسها منحني عليه، تستمع اليه بانتباه تام، ثم فجأة ابتسمت له برقة قبل أن تربث على كتفه مشجعة، اعتذر منه أحدهم ليسمح له بالمرور، كان شابا مثقلا بصينية بها شرائح لحم طازجة، عاد ليبحث مجددا عن فيرنا، كانت تتأبط صينيتها الفارغة، توزع ابتساماتها اللطيفة، و لم يكن بمفرده المأخود بهذه الابتسامات... ثم رأته أخيرا...
مرت تعابير الدهشة على وجهها قبل أن تتألق نظراتها و تتسع ابتسامتها أكثر, توجهت نحوه، و شعر بقلبه ينفجر في قفصه الصدري، المكان يعج بالناس و بجو عيد الميلاد و موسيقته المألوفة و لا يبدو أنهم يعطون وجوده اهتماما بالغا، توقفت فيرنا على مسافة سنتمترات منه، تهز وجهها الجميل نحوه:
" هل قذف بك سانتا كلوز من المدخنة؟"
ضحك لكلامها، و هز رأسه نحو الموقد المشتعل:
" كانت لتكون فكرة سيئة..."
" هذا صحيح... فلا أثار دخان على هذه الملابس الجميلة..." علقت بصوت رقيق:" مالذي أتى بك دون سانتو..؟ "
" ظننتكم بحاجة للدعم..."
هزت حاجبها متسائلة:
" أتيت من روسيا لهذا الغرض؟"
" لا ليس فقط لهذا الغرض..."
وهي لم تسأله توضيحا أكبر، وهو لم يمنحه لها، بقيا فحسب يحملقان لبعضهما... في بعض الأحيان يكون الصمت أكثر بلاغة من كل الكلمات.
لم تتركه فيرنا و جعلته يساهم في الأعمال التطوعية، عرّفته على البقية كلما سنحت لها الفرصة بالتعريف على عنصر جديد الى أن نسي الأسماء كلها في النهاية، نجح بالاسترخاء لاحقا و التخلص من آخر بقايا كيليان بداخله، ابتسامتها البطيئة والطبيعية تتسع على وجهها أكثر كلما التقت نظراتهما... و كان يعطيها جزء أكثر منه كلما رد عليها ابتسامتها، في نهاية الأمسية كان قد اعطاها أكثر مما يمكن أن يسمح لنفسه به مع أي مخلوق.
لكن لا يبدو أنه وحده الذي ينوي الاستحواذ على اهتمام الجميلة صاحبة الشعر الطويل، المتطوع الذي عرّفته به و يُسمى ب فيثو- 'طبيب أسنان كالبيري' - لا يتوقف عن التهامها بنظراته و يستغل كل فرصة للتقرب منها، لكن لا يبدو أنها تهتم لأمره... تماما كما لا تهتم بأمره هو شخصيا.
تفرقت هدايا ارشيبالد على المحتاجين لتنتهي السهرة الغنية بالضحكات و الهمهمات، تركت فيرنا الجميع.. بمن فيهمن طبيبها الولهان و اختارت لتبقى بجانبه:
" عيد سعيد دون سانتو..."
" هل هناك أمل بأن تناديني سانتو ذات يوم؟؟"
ابتسمت له برقة، تبدو مرهقة، و سعيدة أيضا... مكتفية.
" سانتو... "
" جيد..." و كان مسرورا لمجهوذها:" ما هي الخطو الثالية عندما يغادر الجميع؟؟"
هزت كتفيها:
" قرروا اتمام السهرة في بيت فيثو... "
هز عينيه نحو الطبيب الذي كان يثبتهما في هذه اللحظة:
" ستذهبين؟" سألها... لا يمنع نفسه من وخز الغيرة في صدره.
" هل تريدني أن أذهب؟" سألته فجأة... هذا السؤال الذي فاجأه بشدة..." أنت لست مدعو... و أنا لا أنوي تركك "
هذا حقا أكثر شيء لطيف سمعه اليوم، لا ينوي بناء أمل سخيف على هذه الكلمات، يعرف بأنها مؤذبة جدا و لن تتركه لهذا الغرض و ليس لأنه يعجبها و تريده لها:
" لا تغيري خططك من أجلي... "
" هل أصدق بأن هذا ما تريده حقا؟!... " سألته ببعض الغموض.
بقي ينظر الى عينيها الشاسعتين، شعرها الطويل مفتول و مجموع في تسريحة صارمة جدا خلف رقبتها، تسريحة تسمح لها بالعمل بحرية دون أن يقلق حركاتها، منع نفسه من تحرير هذه الخصلات التي اشتاق اليها كثيرا:
" كلا..." ردّ عليها بصراحة.
لم تتحرك أمام هذا الاعتراف الصريح.. ما يحذث في هذه اللحظة معادي تماما لمبادئه... انه رجل متزوج، زوجته و ابنته في هذه اللحظة تحتفلان مع العائلة ما وراء البحار... زوجته التي عادت و في نيتها تصليح الأمور ... منح عائلتهما فرصة.
في بعض الأحيان... و عندما تنكسر الأشياء... يمكن للمرء جمعها مجددا باستخدام الخيوط أو الغراء. .. و في بعض الأحيان... تستحيل هذه المهمة و تصليح ما تم تكسيره....فالقطع تتناثر في كل مكان، وحتى عندما يعتقد المرء بأنه يمكنه العثور عليها جميعًا... هناك دائمًا قطعة أو قطعتين مفقودة...
وهذا بالضبط ما حصل في زواجه.
هو يعرف أن فيرنا لن تكون يوما منافسة لإيموجين... مسافة شاسعة بين المرأتين... لكنه يشعر بأمور غريبة معها... يريد أن يعيش هذه الاشياء الغريبة... أن يسمح لنفسه بعيشها رغم منافاتها مع المنطق.
راقب الطبيب يترك مكانه ليلتحق بهما، فتحت فيرنا شفاهها الجميلة لتقول شيئا لكنها غيّرت رئيها بينما الشحوب ما كسى وجنتيها و فقدت فجأة كل السعادة التي كانت تعوم فيها طيلة الأمسية... هل هو السبب وراء هذا الوجوم؟!:
" فيرنا... سنمضي... هل ستأتين؟!"
" كلا... " القت بنظراتها نحوه:" أنا مرتبطة الليلة..."
لا يبدو أن جوابها راق الطبيب الذي لم يخفي عدوانيته و هو يحملق اليه:
" يمكن لصديقك المجيء..." لهجته افتقدت مصداقيتها.
هو ليس صديقها و لا ينوي أن يكون كذلك.. ما يريده منها أكثر من علاقة افلاطونية، حاولت الابتسام لفيثو:
" عيد مجيد فيثو... "
بعد أن ودّعت البقية و أصبحا خارجا، كان البرد قارس لدرجة أنه يجهل كيف لها الا تتجمّد وسط ملابسها القديمة، لكنه لن يعلق على هذا، فيرنا لا تبدو بخير، التبادل الذي حصل قبل قليل وضع مسافة بينهما، يجهل كيف سيقطعها اللحظة!:
" الا تملك عائلة..." سمعها تسأله وهي تقف أمام سيارتها القديمة.
" عفوا؟؟"
" انت تمضي العيد بمفردك..."
" أنا أمضيه معك..."
كلماته المباشرة لم يعد مرحب بها على مايبدو:
" سبق و أخبرتك بأنني لا أحتفل بعيد الميلاد... "
" لما انت غاضبة مني؟؟"
" لأنني اشعر بأنك تميل لي سانتو..."
هو بالتأكيد لم ينوي يوما اخفاء ميوله لها:
" الا يجذر بي؟!" لم تكن تتوقع هذا السؤال بالتأكيد:" أنا واع بأن هذا غير متبادل فيرنا..."
بان الانزعاج أكثر على وجهها لكنها لم ترد، دخلت الى السيارة و فعل الشيء نفسه، بعد محاولتين تمكنت من اشعال المحرك و الانطلاق بعيدا عن المركز المهجور في هذه اللحظة، في فصل الشتاء من الممكن للأمطار في كابري أن تهطل لمدة شهر كامل دون توقف، شعر بعجلات السيارة تنزلق في الطرقات، القى نظرة نحو الوجه الانثوي الرائع و النظرات التي لا تحاول الابتعاد عن الطريق أمامها، فجأة سمعها تقول:
" لا أسمح لنفسي بالتأثر بما لا أستحقه..."
هذه الكلمات نزلت عليه مثل الصاعقة، اذن فهو يعجبها ايضا؟!استدار عند سماع صوتها قادمًا ، و تعثرت عيناه على جبل الجليد الذي تشكلت عليه.
" لا تستحقينه؟"
" أنا لا أنتمي لعالمك سانتو... "
" لما تقولين هذا؟"
" لأنني واقعية جدا... و لأن هذه هي الحقيقة.." انحرفت بحذر نحو اليمين لتأخد مسلك البحر، أقرب طريق مؤدي الى القرية التي ينزل في بيت العجوز الذي استأجره ريثما تنتهي شركة البناء من معصرته.:" أنظر اليّ.."
" أنا أنظر و لست أعمى... تقصدين اعاقتك؟؟"
" بعض الأمور لا يمكن تجاهلها..."
" أملك اعاقات لا يمكنك رؤيتها بالعين المجردة و هي أسوأ مما لديك..." هو نفسه متفاجئ جدا بهذا التصريح.
لم ترد، لقد أمضيا تلك الأسابيع في تفاهم لا مثيل له، و ظن أنها فهمت بأن شخصه ليس سطحيا اطلاقا، فيرنا ليست غبية كي لا تفهم ان وجوده اليوم في كابري و رائه اشتياقه لها.
" كلا..." كان نفيها مزعجا للغاية اليه.
" كلا؟؟"
" أصبحت تردد كل ما أقوله مثل الببغاء..."
" لأن كلامك غير مفهوم..." رد بجفاف:" اشرحي لما لا يجب أن أعجب بامرأة رائعة مثلك؟"
" لأن فتاة مثلي لا تسعى لإثارة اعجاب أحد..." قالت بصراحة:" دعمك و تشهيرك لجمعيتنا رائع جدا و قد استفدنا منه و بفضل كرمك تمكنا من تثبيت اقامة لشتى عائلات... أرغب أن تبقى الأمور هنا... شيء آخر سيضر بالمصلحة العامة... كما أنني أنوي ترك كابري و الطيران الى كينيا... كنت قد قدّمت طلب الالتحاق بعناصرنا هناك و تم قبول طلبي... أحب بشدة مد يد العون... انه المجال الوحيد الذي أبدع فيه سانتو... "
الذهاب الى كينيا؟لأول مرة ، يسمح لنفسي بالاستماع ليس فقط لكلماتها ، ولكن المعنى المخفي وراء هذه الكلمات.
" أنا لا أطلبك للزواج فيرنا..."
" أعرف... تريد تمضية الوقت معي عندما تنزل في كابري..."
الطريقة التي نطقت بها بهذه الكلمات أنذرته بأن ثمة قصة وراء الموضوع:
" هناك رجل آخر؟" سألها وهي توقف السيارة أمام المنزل الخشبي و الحجري الذي ترك ناره و ضوئه مشتعلين قبل أن يلتحق بفيرنا في مركز الاستقبال، أدارت نحوه ملامح جدية:
" كان هناك واحدا نعم.. ولا أظن أن قصتي تهمك في شيء... وصلنا دون سانتو..."
" توقفي عن مناداتي بدون سانتو هذا لا يروقني بالمرّة و ليس بهذه الطريقة ما ستبعديني عنك..." هو أيضا يتكلم بجدية بحق الجحيم:" تعالي معي الى الداخل... يمكننا اتمام كلامنا حول النار و احتساء شراب ساخن..."
" لا أظنها فكرة جيدة..."
" تخلفت عن الذهاب لسهرة فيثو لأنك رغبت بالبقاء معي..." قال لها وهو يلتقط أصابعها المتجمدة على عجلة القيادة:" أم أنني مخطئ؟ أعرف بأنك تريدين البقاء معي فيرنا... لن أؤذيك انت تعرفين هذا جيدا"
هزت رأسها و لا يعرف ان كانت كإشارة على الموافقة أم الرفض، بقي مكانه ينظر أن تتخذ قرارها، سنوات من الخبرة العالية مع كل أنواع النساء و يجد نفسه اللحظة مبتدئا أمام امرأة لا تشبه البتة كل النساءـ عندما رآها تقطع المحرك شعر بالراحة العارمة تتخلله... كان يعرف بأنها على حق... حذرها في محلّه لكنه هو لا يجبر امرأة على ما لا تريده، قد يملك كل المساوء نعم سوى هذا...كان يريد رفقتها.. لأنه يعلم بأنها مستمعة رائعة...بأن رأيها مهما... يريدها أن تكلمه عن الرجل الأخر... و أن يمسك يدها... سيفعل ما بوسعه ليفهمها... سيخبرها أنها جميلة... مرغوبة... بأن اعاقتها لا تجعلها أقل شأنا...
يريدها أن تبقى...
وهي فعلت...




أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 02-10-20, 05:33 PM   #3285

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الحادي عشر


التسلل في منتصف الليل وفي عيد الميلاد لرؤية عناصر المجلس يجعل روكو في كل حالاته، لكن هؤلاء الرجال المشاييخ لن يخرجوا من بيوتهم في هذه المناسبة المُقدّسة ان لم يكن الموضوع مهما، تقدم سانتياغو ليتفقد المكان بينما انتشر بقية رجاله في الارض المهجورة بحيث الباب الوحيد الموجود مؤدي الى طابق سفلي تتم فيه الاجتماعات السرية و أيضا... معاقبة الخارجين عن القانون، هذا المكان كان مكتب يانيس السري و مازال يحمل أثاره، اشتعلت الانوار عندما أخدا الأدراج المؤدية الى صالة باردة مظلمة و شاسعة... هنا عاقب أيضا يولاند كونتري لإخفائها عنه أمر أبوته لصوفي... هنا قام يانيس بتصفية عدد لا منتهي من اعدائه.
" أكره أن يخرجني أحدهم من بيتي في هذا الوقت..." بادر ما ان رآى الثلاث رجال مجتمعين، و كأنهم مستنسخون، نفس الشعر الرمادي، نفس القامة، نفس الملابس الشتوية الثقيلة و السوداء، شركا ءيانيس قدّر لهم العيش بينما القائد مات منذ سنوات... حتى هذا بالكاد يصدق حذوثه، كيف لرجل صلب منه أن يسمح للموت بالاقتراب منه؟ هو الذي كان يعشق الحياة... خُلق ليكون دكتاتوريا و مسيطرا.
" لو لم يكن الموضوع مهما..." قال أدولفو ريز، ثاني اكبر عائلات صقلية اجراما، أصبحت ثروته نظيفة بعد ان تعاقد مع الفاتيكان لتحقيق المعجزة... الدين ينفع المجرمين التائبين.
" أحدهم بلّغ بشأن حمولة الكوكاين ل'سوغارا'... يعتقدون أننا المسؤولون... "
أقطب روكو وهو يقف على بعد خطوات من الرجال الثلاثة، كان الجو صقيعا في هذا المكان المختبئ في قلب الأرض، القى نظرة على سانتياغو، هذا الأخير مترقب بشدة لكل ما يحوم حولهم...
" و ما علاقتي أنا بأعمال سوغارا الوسخة؟ ما دخلي في تجارتهم..؟" رغم برودة الجو انتزع روكو قفازيه، أنفاسهم تترك غيمة كثيفة من حولهم:" في المرّة الأخيرة التي رأيت فيها سوغارا الأب... كان بصدد تقبيل قدم يانيس كي يتركه على قيد الحياة...يعودون لأنهم يظنون ابنه أقل نفوذا؟"
" احتل سوغارا الأبناء فيليكس منذ نصف قرن في المخدرات حتى انهم سيطروا على المكسيكين و الكولومبين... الاشاعة تحوم حول قرصان شديد الحنكة... كان سبب خسائر شنيعة... يقولون أنه مختبئ في صقلية... لا نفهم من يقصدون بالضبط..." شرح مجددا أدولفو.
التقت نظراته بنظرات مساعده التي ازدادت قتامة بشدة:
" ما دخلي انا في ورطاتهم السابقة و الحالية؟؟ من يقصد صقلية و يطلب اللجوء و الحماية نقدمها له... "
" نريد ان نعرف من هذا الشخص الذي تقوم بحمايته دون استشارة المجلس روكو... انت تضع الجميع في خطر محدق.." هذا كان ليلوا غارسيا... تلميذ يانيس المجتهد جدا... ثروته من النبيذ... النبيذ الذي يساوى ثروة لكنه لا يُصنّعه أبدا... ليلوا لص محترف.
" تظن بأنني بحاجة لموافقة المجلس كي اتخد قرار يخصني فقط؟؟ سأعثر عمن تسبب في ايقاف شحنة هؤلاء... لكن الا تطأ قدم أحد منهم صقلية لأن المسألة ستتحول الى حرب عرناء ستكلفهم سمعتهم بالتأكيد... أخبروهم بأنني على استعداد لمد يد العون... ليس لأنهم يلقون الملامة علينا بل لنثبت حسن نيتنا نحو التعاملات عامة... "
تبادل الرجال النظرات قبل أن يتكلم أخيرا الرجل الذي احتفظ بصمته لحد الأن... كارميلو الوحش... ان كانت يده اليسرى تحوي اصبعين فقط فلأن يانيس تلذذ في الماضي بقصهم له الواحدة تلوى الأخرى.
" لن يتأخر المجلس بإكتشاف علاقتك بحماية قرصان، و هذا سيضرك روكو... سيُفقدك مصداقيتك..."
قست أكثر نظرات روكو...
" هل تخاف على شعبيتي كارميلو؟؟ أنت الذي فعل كل ما استطاع ليسحب مني الثقة بعد موت والدي؟؟ أنا ربما أدخل في صراعاتكم الوسخة لكن لا تنسى بأني بعيد عن المافيا... أعمالي لا علاقة لها بكم... نحن اسرة واحدة و هذا بالضبط ما تم تعميدي عليه... أنا العرّاب كارميلو راقك ذلك أم لم يروقك، لدي عائلة أحميها، وسأفعل الى آخر نفس... سأحل مشكلة 'سوغارا'، أعرف بخطورتهم... عرفت عنها من أبي... و في الوقت نفسه... عندما رأيت مؤسس العصابة ينحني ليقبل قدمه... أدركت بأننا الأكثر خطورة و ليس غيرنا... أبقى رسول السلام... لذا لا أحد منكم يتجرأ بملي تصرفاتي علي..."
اقترب منه ليلوا و قبض على يده ليعصرها بين أصابعه ثم قبّل وجنته:
" كنت خادم يانيس... تعرف بأنني في صفك..."
" من يقوم بخيانتي سأقوم بمسحه كليا من على وجه الأرض..." تمتم روكو بهدو وهو يسحب يده من الرجل ليمدها نحو كارميلو، هذا الأخير أمسكها فورا ليقبل كتفه:" لديك أسرة جميلة و أحفاذ رائعين... بفضلي استعاد حفيدك ما تم سحبه منه في اسبانيا... بفضلي انا يعيش كل فرد منكم في أمان... "
" لن أنسى جميلك و لا جميل يانيس ..."
" بالرغم من انه ترك لك عاهة أبدية؟؟"
" يانيس كان المعلم... و هذه العقوبة جعلتني أقوى في تجارتي...هذه العاهة شرف "
ياله من منافق، فكر روكو وهو يبتعد عن أنفاس الرجل المتسارعة، انه خائف منه... يشم رائحة خوفهم تثلاتتهم.
" جد لنا من نصب الكمين لهؤلائك الرجال كي نُهدأ الموضوع..." تدخل ادولفوا و هو يتقدم بدوره ليمنحه الاجلال:" توقع منا التعاون أيها العرّاب... أمام المجلس..."
" أحترم كل عضو من المجلس... " أقرّ روكو وهو يبتعد مجددا و يعيد ارتداء قفازيه:" الأوضاع السياسية متأزمة جدا مؤخرا في الشرق الأوسط مما يوثر تعاملاتنا بالمقابل، سوغارا مجرد دلافين صغيرة أمام حيتان مستعدة لابتلاعها... القرصان الذي طلب الحماية ليس قرصانا بالمرّة... انه غبي واقع في مأزق فحسب و للأسف أعجز رفض طلب خاص من صديق عزيز... كما ترون المسألة شخصية لذا لم أعلن عنها... " مد يده نحو سانتياغو الذي تقدّم فورا منه و مده بثلاث علب صغيرة مزينة بورق ذهبي:" عيد مجيد..."
منح كل منهم علبة، قلبوها ببعض الحذر:
" انه الكتاب المقدس... مقتطف يهوذا مثير للاهتمام، رغم رؤية معجزات سيده الفائقة للطبيعة، و التفاف الناس حوله، ومحبتهم الجارفة له، وتجاوبهم مع تعليمه.. خاصة الخطاة الذين تركوا حياة الخطية و بعد مناداته للثوبه فقد انتهى بخيانته... اقروه جيدا و استفيذوا... الفرق انني لست القديس ... فلا اتعاطف و لا ارحم ... ظهري ليس للطعن و اكون ممتنا ان يتذكر كل واحد منكم مكانه"
ثم دار على عقبيه، سانتياغو ورائه، لا وقت لديه ليضيعه في هذا المكان المريب مع رجال فقدت عقولهم ذكائها، المجلس يحتاج لشبان يافعين متطوري الافكار، مازال هؤلاء يعيشون بطريقة قديمة الطراز.
* *
أسوء عيد ميلاد في حياتها، كأسرة متدنة للغاية - بالنسبة لها و لعائلتها - العيد يمر في العبادة، حرمت هذه السنة و الديها من هذه المزاولات و كم تشعر بالعار من ذلك، القلعة تحتوي على بيت عبادة في الحديقة، غير بعيد عن مدافن العائلة التي لم ترمي فيها قدمها يوما، استغلت مع والديها هذا المكان للتعبد في منتصف الليل كما هي عادتهم خلال هذه المناسبة الشديدة التقديس.
الليلة مرّت في أجواء هادئة، تمكن خوسيه الوحش من التصرف معها بطبيعية أدمية أمام أهلها، سيسيليا مثل المعتاد حاولت التفوق على نفسها أمام بقية اسرتها التي أتت من الأندلس للاحتفال معهم، سبق و تعرفت على بعضهم خلال حفل الزفاف، لكنها اليوم أكثر من يوم زفافها تشعر بأن لا مكان لها بين هؤلاء الاثرياء البعيدين كل البعد عن عالمها البسيط العيش.
بعد التعبّد قصدت جناح التوأمين، كانت الساعة متأخرة للغاية يديها تؤلمانها من كثرت شبك اصابعها و الصلاة، لكنها لم تطلب من الرب معاقبة خوسيه، لم تتمكن حتى من ايدائه في صلواتها، فهو لا يستحق أن تهدر ليلة مهمة مماثلة في اخراج كراهيتها، الصلاة علّمتها أن تكون قوية الايمان، خوسيه مجروح و ينوي معاقبتها رفضها اقتراحه، وهي في وضعها الشرعي، ستستعمل ورقة زواجهما, العقد الذي يبرز بوضوح اتفاقهما، و لن تتردد في تحويل القضية للصحافة... خوسيه ضعيف أمام سمعته... قررت أخد موعد مع محامي لتناقشه حالتها.
غادرت المربية سريرها ما ان سمعت صرير الباب و أصبحت أمامها، عينيها منتفختين من النوم.
" لم يحن بعد موعد الوجبة..."
" اختفي من أمامي فأنا من يهتم بأطفالي..."
لم تكلمها يوما بهذه الطريقة، لكن خوسيه كلّفها بالتجسس عليها، و ان كان يظن بأن تهديداته قادرة على تغير أي شيء...
" لا يمكنني..." قالت المربية.
" قولي للسيد بأن يذهب الى الجحيم مع أوامره اللعينة... التوأمين سيعودان الى غرفتي..."
الوقوع في الحب لا يجعل كل شيء يختفي مثل السحر ! الرجال... لا يشبهون فرسان بدروع متلئلئة في القصص الخيالية...الرجال شواذ التصرفات، مختلون عاطفيا، مختلون، متنمرّون، مسيئون، و مجيئ الحب لا يجعلهم أكثر انسانية... مجيئه لا يغير أي شيء بل يزيده تعقيدا... يؤثر بالمرأة أكثر مما يؤثر بالرجل، و هي... ظنت أنها تحبه...كانت مخطئة بإعتقادها... عاش خيالها أقواس قزح و ورود بفضل فتات العاطفة التي رماها أمامها خلال ولادتها... اهتمامه الذي شغل كل تلك الأماكن الفارغة فيها... و التي أوجب ملؤها...
أحبت رجلا لأنها رأته فارسا مغوارا أخرجها من مأزق... و أحبت آخر لأنه دلك ظهرها خلال المخاض و ناداها بحبيبتي ثلاث مرّات... أحبت سراب انقضى بعصا سحرية و لم يصلح الأشياء... لا شيء تغير... لا شيء..
فكل الأمور أصبحت أكثر تعقيدا مما كانت...
هناك طفلين كادت أن تموت خلال وضعها لهما...
وهو... ينوي حرمان حقها فيهما و سلب شرعيتها...ينوي نهبها.
انحنت على جسد ابنتها الصغير و هزته بين ذراعيها، رائحتها المألوفة دفعت الدموع الى عينيها... الحب الحقيقي هو هذا ...و ليس ما شعرته لخوسيه.
الاحساس بأن كل قلبك يرتجف حقا... و بأنك مستعد للتضحية من أجل الأخر...
وهي مستعد للوقوف في وجه الاعصار و مقاتلة المارد... أوزلام تشبهها كثيرا في نفس العمر، شعرها الشديد الشقرة بدأت تظهر عوالمه، غرست أنفها في عنقها الصغير و ملأت رئتيها بعبيرها، تقسم الا تمنح مشاعرها مجددا لاحد غيرهما، فلا احد يستحق تنازلاتها غيرهما... بالنسبة لنزواتها العاطفية لخوسيه فقد اختفت تماما كما ظهرت...ذات يوم.. هي مؤمنة بأن تعثر على الحب الحقيقي.
للأسف ، وثقت بتحوله فصدمها...كانت تجهل بأن نعومة تصرفاته راحة يمكن أن تكسرها لاحقا ان قبلتها... و قد كسرها...دمّرها و صدمها... لا يمكنها تغيير وحش اعتاد بناء غروره على دمار الأخرين... وهي ليست أعلى شأنا من زوجته الراحلة... عاشت تعسة و ماتت أتعس.
وهي لن تلقى نفس المصير.
آه كلا...
ستجد طريقة تخرج منها رابحة... و تعيش حياتها مع طفليها... تقسم بذلك... الصلوات منحتها الكثير من القوة و من الايمان... وعدها خوسيه أن تفقد ايمانها ما ان ينتهي منها و هي تقسم أن يؤمن بمعتقداتها ما ان تنتهي منه بدورها.
" أحبك يا طفلتي..."وشوشت لها بينما تلامس بشرة وجهها المخملية بشفاهها:" أقسم لك الا يفرق شيء بيننا..."
انحنت لتضعها في عربة الاطفال و فعلت الشيء نفسه مع المادو الذي فتح عينيه ما ان شعر بتغييره لسريره، هذا الصبي موهوب بكاء و ان لم توقفه فورا فلن يتردد بإيقاض شقيقته، احتفظت به بين ذراعيها تهزهزه قليلا:
" مرحبا أنت..."علقت الكلمات في حلقها قبل أن تجبرها على الخروج. ..أحرقتها مثل خدوش مخالب... الدكر الوحيد الذي تحبه حقا هو هذا المخلوق:" أنا هنا... و لن يكون أحد غيري أعدك..."
تحتاج لسماع هذه الكلمات كي تتشبث بها، بمعناها... بمغزاها.
هي غير قابلة للأكل...
لحمها فاسد... و مذاقها مرّ... وخوسيه مخطئ جدا بإستضعافها.
ربما لا تملك الامكانيات لتقف في وجهه أمام القضاء، لكنها تملك ارادتها... ستسود سمعته و تجلب له الفضيحة ان لم يتركها و شأنها... تُقسم أن تنزل من قدره و شأنه ... تقسم أن تذيقه نفس المرار الذي تجرّعته منذ دخوله حياتها.
في جناحها تجاهلت غرفتيهما ووضعتهما على سريرها الشاسع و القادر على ضم أربعة بالغين، الحميمية التي لم يُسمح لها بها منذ ولادتهما، البروتوكولات الغبية، بالنسبة لخوسيه عليهما الاحتفاظ بمسافة آمنة مع الأخرين تجنبا للباكتيريا، في جناحهما الهواء المعقم يتغير بإستمرار، و ماذا بعد؟؟ مريض السيطرة و النظافة مهووس بفكرة أن الفايروسات قد تنهي حياتهما... هو لا يدرك بأنه أكبر فايروس في هذه القلعة... وهو من يجب التخلص منه.
وضعت الوسائد حولهما تجنبا لأي حواذث ثم غيرت ملابسها ببيجاما شورت و اندست بجانبهما تحت الأغطية قبل أن تطفء الضوء، رائحة أنفاسهما قربها دفعت مجددا الدموع الى عينيها... لا شيء يضاهي هذه السعادة... لا شيء يضاهي وجودهما بقربها في هذه اللحظة.
* * *
فقد سانتو الاحساس بالوقت معها، يعرف بأن الوقت تأخر للغاية و لكن رفقتها تشبه كثيرا الحلم الذي لا يرغب المرء بالاستيقاض منه.
الى جانب حلاوة شخصيتها و دماثة أخلاقها فهي ذكية للغاية و تعرف كيفية استعمال هذا الذكاء في كل المواضيع التي تتطرق اليها، لم يكن اهتمامها في آخر المجوهرات المعروضة على واجهة محلات فاندي كإهتمامها بآخر القوانين الايطالية التي تمنح حق ااقامة للعائلات التي تهتم بأمرها و تساعدها...
كان الصالون غارق في لون ذهبي، النار في الموقد و صوت المطر في الخارج يظفيان جو مختلف، وبدل البقاء على الكنبة جلسا بالقرب من النار، و انطلقا في الكثير من الأحاذيث الشيقة، لكن فيرنا تهرب كثيرا في الحذيث عن نفسها، تذكر فجأة شيئا:
" أخبرتني أن الفيضان الذي تسبب لك بالعاهة وقع في صقلية.. انت من هناك؟"
هذا السؤال أزعجها، لكنه لا ينسى التفاصيل الصغيرة التي ترويها لها... عموما... لا ينسى كل كلمة تقولها له... هذه المرأة هي هوسه.
" عمّتي مدبرة بيت عائلة شديدة الثراء و النفوذ .. ربتني في بيتها حتى وقع الحاذث و بعدها تكفل بي عمي..."
أقطب بينما يراها تعض على لسانها:
" شككت في الأمر... الحارس ليس والدك انتما تملكان نفس الشهرة لأنك ابنة أخيه؟ و ذلك الصبي ليس شقيقك..."
" ذلك الصبي يملك اسما..." ذكرّته بجفاف.
" اعتذر لم اقصد التقليل منه لكنكما لا تتشباهان اطلاقا..."
صمتت الجميلة و بقيت فحسب تحملق اليه، شعر بحاجة ماسة لمعرفة المزيد عليها... حاجته بمعرفتها تشبه حاجته للهواء.
" تكلمي فيرنا... أين والديك؟؟ لما اهتم بك عمّيك؟"
" فقد والدي حياته كي ينقذني من الموت..." قالت بنبرة مهتزة قليلا:" أخبروني انه رمى بنفسه في المياه بحثا عني و لم يجدوه سوء جثة هامدة و قد رمت به الانهار خارجا..."
القصة مأساوية، لابد أنها تشعر بالذنب لموته:
" انا آسف...."
" مرت سنوات على هذا... أظن انه تعمد رمي نفسه لأن حياته كانت تعسة بالمقابل و فضل الموت كبطل بدل الانتحار..."
المرارة غلفت كلماتها، التقت نظراتهما، كانت السنة اللهب تتراقص في الصفحة الرمادية لعينيها.. انها رائعة...مبهرة...و شديدة البراءة.
" ووالدتك؟؟"
" لا أملك واحدة..." أجابت بسرعة:" رمت بي لعمتي ما ان رأيت النور و لم تعترف بي يوما... "
كما رمى به يانيس! .. قصتهما متشابهة قليلا... و يحس بمعاناتها، شعر بأن من واجبه تشارك هذه الأمور معها لمكافأتها على بوحها :
" أبي ترك أمي بالمقابل.."
أمالت برأسها الى جنب، كانت ستكون لحركتها اغراءا اكبر لو أن شعرها حرا:
" لم تره يوما؟"
" بلى..." قال لها وهو يهز كتفيه:" عندما بلغت سن الرشد ذهبت اليه، فعاد ليرفضني للمرة الثانية.. أخبرني بأنه غير مرحب بي في حياته... أمرني أن أختفي و الا أضهر مجددا..."
بان التعاطف على وجهها و مدت يدها لتمسك بيده، انها اللمسة الأولى بعد ساعات طويلة من الانتظار، راقب أصابعها المقلمة و الأنيقة بشدة تضغط على أصابعه، هذا الاتصال سلبه أنفاسه :
" من الصعب عيش الرفض مرتين... أنا آسفة سانتو... والدك لا يعرف أي رجل رائع أنت..."
ابتسم للطافة هذا الحكم... لو عرفت من هو لما بقيت لحظة في هذا المكان... لسيما من هو والده، و من هو شقيقه...
" ووالدتك لا تعرف أي امرأة عظيمة هي ابنتها..."
ابتسمت له ببعض الحزن:
" بل تعرف... برئيها أضيع وقتي في الركض وراء اليتامى و المحتاجين... فلأكن صادقة أنا من يرفضها في حياتي... تأنيب ضميرها جاء متأخرا... كنت بحاجتها عندما مات والدي... اكتفت بدفع المصاريف العلاج و الدراسة و نبذتني كليا لأنني ... لأنها..." صمتت فجأة و قد شحب وجهها...
سانتو فهم الى أين تنوي الوصول:
" متزوجة؟"
الدموع ملأت العينين الرائعتين، و هي لا تنوي الدخول أكثر في تفاصيل ماضيها، هل تمكن من تكهن الحقيقة؟! أم هو بعيد جدا عنها؟! :
" هل يزعجك أن نتوقف بالتكلم في الموضوع؟؟"
بالتأكيد يزعجه، يريد التعرّف عليها، لكنها تصل الى حد لا يمكنها تجاوزه، خلافا لكل شيء فيبدو بأنها ماتزال تعاني بشدة من هذا النبذ... و ماذا عن الرجل الذي يفترض أنه جرحها؟؟ رغم كل محاولاته تتجاهل الاستجابة، مد يده لوجنتها ليمسح دمعة فارّة، فيرنا غامضة أكثر مما يوحيه مظهرها البسيطة، راقب فك وجهها الأنيق، حسنها الفاثن، انها أجمل ما سقطت عيناه عليه، و ليس هذا ما يجعل قلبه ينصهر في هذه اللحظة داخل صدره - قابل نصيبه من الفاثنات و تخلص منهن بعد ليلة غرام واحدة- انما اخلاقها، روحها الرائعة و هالتها التي تجعله هشا ... الشيء الجديد في روتينه.. افهو يدير أضخم شركة محركات في العالم، يدير الالاف و الالف من الموظفين و يسيطر على السوق بقبضة فولاذية و لا يتردد بالتكشير على اسنانه عندما يتوجب الأمر... يعود أدميا أمام فكتوريا... لكن...أصبح أدميا بفضل فيرنا و هذا يُحذث الفرق... بالرغم من انها لم تفعل شيئا سوى منحه الأمل بأن هناك صنف آخر من البشر يضع الأخرين قبل مصالحه الشخصية.
" أحتاج لمعرفتك أكثر..."
تأخر ابهمه على شرة مخملية شبيهة ببشرة الأطفال.
" أنا لست مهمة سانتو... بل ربما أكون اشد النساء مللا في العالم..."
ضغط أكثر بإبهامه على وجنتها لدرجة أنه توقع ترك أثر تحته:
" أريد الموت مللا اذن..." اتسعت حدقاتها بينما تركز بهما على وجهه، ثم اقترح الفكرة التي داعبته منذ رؤيتها في مركز الاستقبال، و تمناها معه في مكان بعيد:" في هذا الوقت من السنة... بينما الشتاء شديدة البرودة هنا... الصيف يستمر طوال العام في جزر الكناري، و أنا أملك بيتا هناك... ستستمتعين بروعة الأجواء الساحرة و الأراضي الشبيهة بالقمر ، والكثبان الرملية التي تلوح في الأفق، ومزارع الموز وغابات الصنوبر الخصبة المحاطة بالمياه الكريستالية..." أبقت فمها مفتوحا و كأنها لا تفهم اللغة فجأة: " اخبرتني بأنك في عطلة حتى رأس السنة... و أنا أدعوك كصديقة... اعتبريها هدية للتخفيف من ضغط العمل الذي قمتي به مؤخرا لمساعدة الأخرين..."
لكنها لم تجبه، بقيت فحسب تحملق اليه بطريقة يعجز عن تحليلها، انتظر بصبر رد فعل، عندما قررت الكلام جاء صوتها أجشا:
" لما انت لطيف جدا معي؟"
" سبق و اخبرتك بأنك تعجبينني بشدة..." رد ببساطة.
" أعجبك... و تنوي دعوتي لمكان فردوسي كصديقة؟"
" لن أجبرك على ما ترفضينه فيرنا... أريد أن أكون معك... يكفي أن تكوني بجانبي..."
راقبها تبلع ريقها بصعوبة:
" لا أحد... يهتم بي..."
" أنت من يهتم بالأخرين أعرف..." سقطت نظراته على شفاهها:" قولي نعم... و سأتصل فورا بالطيار... سنتناول طعام الأفطار أمام البحر و نتنفس هواء دافئ... و نسبح..."
" لا أعرف السباحة..." اعترضت بمنطقية و هي تشير لركبتها:" سأسبب لك الاحراج أكثر من الرفقة الممتعة... كما أنني... لم يسبق لي الخروج من ايطاليا... "
" تملكين جواز سفر.؟.. أخبرتني بأنك تنوين الذهاب الى افريقيا..."
هزت رأسها بالايجاب، و ابتسمت ببعض الاحراج و الخجل:
" لم يسبق لي أن ركبت طائرة..."
ابتسم لها برقة:
" ستعجبك الرحلة فيرنا... دعيني اقدّم لك هدية العيد... دعيني أذهب بك بعيدا و أهتم بك كما تستحقين"
" و أنت؟" سألته بقلق.
" أنا؟"
" ماهي هديتك؟"
" أنت تكوني معي خلال ثلاثة أيام فيرنا" وشوش لها بصوت لم يتعرّف عليه."... فقط ثلاثة أيام.."
* * *
شعرت به يدخل غرفة النوم بأقل ضوضاء ممكنة، فتحت عينيها بحذر و التقت نظراتها بقامته الضخمة تتخلص من سترة بدلته، ثم ربطة العنق، ثم القميص، ثم البنطلون و معه الحداء، لاشيئ بقي من العرّاب سوى جسده الرائع، عادة يجمع أغراضه ليضعها في سلة الملابس المتسخة، هذه المرة أهملها على الصوفا و توجه في عمق الغرفة حيث الدوش الشفاف الجذران يمنحها منظره شاملا، كان قد قاس درجة حرارة المياه قبل أن يضع يديه على الجذار الرخاي و يترك شلال المياه تضرب ظهره و رقبته بملايين القطرات الدافئة، منظره شبيه بفرسان العصور الوسطى، كان الضوء الأزرق الشاحب لسقف الكابين يظيف اليه طابع لا واقعي، لكن هذه الحميمة التي أغوتها أقلقتها أيضا... أين تأخر؟ و لما هذا الاستسلام العميق لمياه الدوش و كأنه يتركها تنظفه من أعباء مسؤوليته الامنتهية...
لا تعرف كم مر من الوقت و روكو لم يغير وضعيته، أبقت نظراتها على كل عضلة تتحرك تحت المياه التي تركت موجة من البخار حوله، لم يستعمل جل الاستحمام و لا الصابون... بقي فحسب يتلقى الشلالات على رقبته و رأسه و ظهره الى أن اكتفى، أدار الحنفية ليغلق المياه ثم اندفعت يديه في تموجات شعره الكثيفة ليرمي بها الى الوراء، بعيدا عن جبينه... كان الإغراء بعينه.
خرج من كابين الدوش و التقط المنشفة ليجفف نفسه سريعا قبل أن يرمي بها بعيدا و بنفس الاهمال... لكنه لم يأتي نحو السرير، بل رمى بنفسه فوق الكنبة و بقي في هذه الوضعية الى أن نجح القلق في استهلاكها... عندما يكون روكو في هذه الحالة، فمن الأفضل تركه و شأنه، مرّت الثواني... ثم الدقائق...
في النهاية قرر الالتحاق بالسرير، لكنها لم تغلق عينيها، أبقتهما مفتوحتين، مدت ذراعها نحوه ما ان أصبح فوقها، التقطها في يده ثم أخد مكانه بقربها، في ظرف ثانية كانت تتحكك بالجسم الذي ما يزال رطبا و لم تمنع قشعريرة بزيارة جسدها.
بقيا صامتين للحظات، أصابعه تداعب ذراعها، بينما رأسها يستريح على صدره:
" لدي ماجستير في علم الفلك... أنا متخصص في الميكانيك السماوي..." المفاجأة الجمت لسانها، علق الكلام في حلقها:" عشقي للابحار ليلا قادني نحو توجيه أخرج والدي عن طوعه... لم اتمم في ذلك الاتجاه أبدا... حتى انه هدد من يدعمني... عقلي بالنسبة اليه آلة حسابة ضخمة جدا... لا تتوقف عن العدّ... انتهى الموضوع بحصولي على دكتوراه في الشؤون الدولية..."
هي التي اعتقدت انه درس الاعمال فقط في فرنسا، هو بنفسه أخبرها بهذا، انه فائق الذكاء، لكنها لم تكن تعرف بأنه مثقف و ذكي الى هذه الدرجة... دكتوراه في شؤون الدولة... ما تعرفه أن الدراسة في الشؤون الدولية يشمل الدراسات العالمية والعلاقات الدولية والجغرافيا والثقافة والقسم الأعلى والدبلوماسية والمؤسسات الاقتصادية الدولية... يانيس كان يهيئ ولي عهد حقيقي.
" لم أملك الخيار لأختار ما أريده ... في البداية ظننت أن هوسه بمعرفتي و ثقافتي و شحني بكل ماهو متوفر هو حبه لي... يريد أن يفخر بوزني المعرفي و العلمي... لكنني أخطأت الظن... يانيس تركني في فخ أفاعي ضخم و أغلق الباب خلفه... قرر مستقلبي على الا يكون عاديا... قرر على الا أكون عاديا..."
" لا يمكنك ان تكون عاديا روكو... "وشوت له بينما تشعر بهذه الكلمات تؤلمها بشدة..." لأنك استثنائي, ربما يانيس أصر على دراستك لأنه لم يكن لامعا في هذا أيضا..."
ضحك روكو ضحكة لا متعة فيها:
" كان مع يانيس دكتوراه في علم النفس... غريب اليس كذلك؟؟"
ماذا؟؟ شيء لا يُصدق... حقا...
" ثم لمع في فهم من استحيل فهمهم و الوصول الى ما عجز عنه الأخرين... " اقتربت أنفاسه من عنقها، شعرت بشيء دافئ ينزلق على وجنتها و اكتشفت أنها بصدد ذرف الدموع بصمت، آلام روكو تنغرز بين ضلوعها بشكل مؤلم للغاية:" كان يعشق الشطرنج... ثم وضعني ضمن بيادقها..." هزت وجهها نحوه، منذ معرفتها به لم يطلق روكو العنان لنفسه و الكلام بهذه الطريقة: " أحببت أبي..."
" أعرف.." همست له برقة.
" يبدو أنه منح عاطفته لإبن المرأة الوحيدة التي قاومته و تحدّته و دفعته لحفر اسمها في معصمه... جنبّ سانتو مسؤولية أن يكون هو... حماه بمنحه وجود مغاير... خلافا لكل ما يعتقده ذلك المعتوه الا أنه يبقى المفضل لوالدنا... "
اقتربت من شفاهه و قبلتهما بعاطفة:
" مالذي حذث الليلة روكو؟؟ لما تبدو مريرا؟"
عاد ليضحك بنفس الطريقة التي لا تعني شيئا:
" آه لم يحذث أكثر مما يحذث عادة عزيزتي... فقط انتبهت... و أنا أدخل بوابة القلعة بأن لا وريث لي ... ثم اكتشفت بأنني وهبت حياتي ليانيس حتى بعد موته... "
" تتكلم و كأن لا وجود لصوفي..."
لكنه لم يجبها، غرق في الصمت الى أن ظنت بأنه استسلم للنوم، ثم قال فجأة:
"لا أؤمن بالمعجزات... لن تكون صوفي يوما ابنة حقيقية بينما أحبت يانيس بشكل عبودي تقريبا... انه الوالد الذي لن أجرؤ بإنتزاعه منها... لقد نافسني فيها هي أيضا... اختطف مني هذا الامتياز..."
هذا صحيح... صوفي لا تتحمل روكو و تبحث عن الفرصة للفرار بعيدا من صقلية فور شفائها، يانيس اختطف منه حق الأبوة.
" أنا مستعدة لتكبير العائلة..."
" أنت حاولتي هجراني في أول عائق بريانا..." ذكرها بصوت هش لا يليق بشخصه... الثقة... خيط رفيع جدا من نسيج العنكبوت... هش و سهل القطع، روكو دوما نزيه مع من حوله، و من أخطائه انه لا ينسى الاساءة بسهولة... أو ربما لا ينساها بالمرّة.: " و أعرف بأن هذا سيتكرر ذات يوم... اصرارك و تدخلك في مشاغلي يُعتبر قنبلة موقوتة لن تتأخر بالانفجار في علاقتنا... "
بلعت ريقها... انه يجسدها بسهولة في كلمات:
" أرفض خسارتك"
" لا تثقين بي كفاية... " صحح لها بينما يده تتسلل تحت الغطاء لتضغط على قلبها:" لا تحاولين رؤيتي كرجل أعمال فقط... تهتمين لتلك الأمور المعقدة و المتشابكة و تصرين على رؤيتي كرئيس عصابة احترافية... تريدين تغيير ما لن يتغير يوما... سأبقى مجرم لأنني ابن أبي ببساطة... مهما أبيضّت أعماقي فمظهري سيظل أسودا قاتما...في نظرك و نظر المجتمع أنا و يانيس وجهان لعملة واحدة"
لم ترد، كلماته تصفعها الواحدة تلوى الأخرى، نجحت بإيذائه و انتهى الأمر بالنسبة اليه، تبقى تحت الاختبار بالنسبة اليه الى أن تحصل المعجزة و يثق بها كليا كما كان يفعل في ما مضى... هذا الماضي القريب جدا... بحثت عن كلمات مجدية لتصليح الوضع :
" لم أخطئ بالقلق عليك..." دافعت عن نفسها.." أحبك و هذه دوافعي..."
كيف ستشرح له... بأنه كلما عبر باب القلعة بسيارته... تتسائل ان كانت المرة الأخيرة التي ستراه فيها؟ كيف ستخبره بأنها بدأت تطلع أكثر على أسرار عالم المافيا منذ معرفتها به و أن كل ما اكتشفته مرعب و مخيف؟ كيف ستقنعه بأنه رجل واحد ضد العالم بآسره و بأنه ذات يوم... سيتمكن أحدهم من التخلص منه بطريقة ما؟ لكنه لا ينظر للأمور من نفس الزاوية... خوفها ليس مرحب به بالمرّة... كما أخبرتها سابرينا... هي من اضطرت للتغير من أجل يانيس و لم يحذث العكس.
" دوافع جبانة لإمرأة رجل قوي...أحبيني بقوة بريانا و ليس بضعف... أحبيني و كأنني آخر رجل على كوكب الأرض و كوني معي و ليس ضدي" اقترب من جبينها ليحط عليه شفاه حامية من الكلمات النارية التي قذفها و قبله مطولا ثم همس " تصبحين على خير كارا... نامي جيدا"
لكنها لم تنم...
* * *
بقي خوسيه للحظات أمام سرير آيا ينظر الى اللوحة أمامه، التوأمين يبدوان مرتاحين جدا في سرير والدتهما، و ينامان بعمق أكثر من أي وقت مضى، كان منظر ثلاثتهم جميل لدرجة أنه لم يمنع نفسه من تخليدها في هاتفه، ملكة العصيان ممددة على جانبها، كانت ترتدي شورت بيجاما يبرز ساقين أكثر أنوثة من أي وقت مضى، الكاراكو الذي يغطي نصفها العلوي بلون الخوخ، يبدو صغيرا فوق حجم صدرها، خصلات شعرها منتشرة خلفها، كانت تشبه الحلم الناعم، صغيرة جدا على أن تكون أم التوأمين... صغيرة جدا على ما اقترحه عليها و رفضته بشراسة... لم ترى في الحياة شيئا بعد... و تفضل حريتها عليه.
دنى منها ليحصل على رؤية أخرى أكثر قريبا، مد يده و لامس نعومة خصلاتها التي ارتجفت مثل الحرير تحت أصابعه... رموشها تترك ظلال طويلة على وجنتيها، بدأ الفجر يلوح في السماء و على وجهها أيضا، عندما رآها في المزاد لأول مرة شدّته بشدة لأنها ذكرته بإليونور... في الحقيقة لا أوجه تشابه بين المرأتين... ما حذث معه تلك الليلة أنه أعجب حقا بها و بحث عن سبب مقنع ليبرر ما شعر به... شيء لم يعد من حقه الشعور به...بعدها لم تكفيه الأيام التي قضياها معا و بحث عن طريقة لإبقائها معه... لم يخطط أن تعجز عن مبادلته اعجابه بباسطة... شيء غريب لرجل آلف حصد التقدير الانثوي... انها فشله الأول.
بظهر يده تحسس وجنتها قبل أن يستعيدها بعدما رآها تتململ في نومها و يكشف الكاراكو أكثر منحنياتها الأنثوية، بدأ بطنها يستعيد نحوفه، لكن آثار معركتها مع الحمل ما تزال ظاهرة... يحسدها على احتفاظها بدليل مرور التوأمين في جسمها.
ابتعد عن السرير و ارتطمت قدمه بطاولة الشوفيه مما تسبب بسقوط كتاب ذهبي الغلاف، نفس الكتاب الذي لا تستغني عنه آيا... انحنى عليه و التقطه و قلب بسرعة ورقاته، خط راقي، لغة صعبة الفهم... هل هي التركية؟ مذكرات على صفحات لا منتهية... رائحتها الخاصة عالقة بين حروف لا يفهمها... أغلق الكتاب و بينما يحاول اعادته الى مكانه امتدت يد ناعمة و التقطته منه بعنف، التقت نظراته بأخرى مشتعلة بالغضب، اختفى الملاك النائم لتعود النمرة الشرسة لمواجهته.. كم يفتقدها و كم تعحبه:
" لا تلمس أغراضي و لا تدخل غرفتي دون إذني..."
" هذه القلعة ملكي أفعل تماما ما أريده في ممتلكاتي..." أشار الى التوأمين:" هما بالمقابل لي... لا تصدري أوامرك لي و لا تنسي موقعك في هذا البيت و حتى في حياتهما و حياتي... أنت لاشيء"
ابتعدت عن السرير و التقطت الروب على الصوفا لتخفي نفسها ورائه، طريقة سيئة لبدء النهار اليس كذلك؟؟ آيا في كل حالاتها هياجا... في كل حالاتها جمالا أيضا... بدل تفادي أزمة أنثوية يجد نفسه مأخودا ببريق شعرها الذي غطاها كستارة، الروب ضمّ منحنياتها البارزة بطريقة أيقضت رجولته، لكن مالذي يحذث معه في النهاية؟؟ لما يستمر جسده بالتجاوب مع امرأة تمضي وقتها في التفكير في رجل آخر؟ و هذا الرجل هو صديقه الحميمي...
" أنت مخطئ للغاية ان ظننت بأنني تحت امرتك..." قالت من بين أسنانها لكن بصوت منخفض كي لا توقض الطفلين.
" آه بلى كوراسون... أنت تحت امرتي ... و ستنفذين كل تعليماتي بحذاريفها ان رغبتي بالبقاء في هذا المكان..."
الأشعة الأولى للشمس غمرت سماء مدريد الصافية و معها ملامح هذا الوجه الذي يرفض عقله نسيان تفاصيله، تحديها يزيد من غضبه بالتأكيد و من نشوة الانتصار الذي يكره أن يأتي سهلا... يحتاج للتغلب عليها.
" تظن نفسك ذكيا؟ " سمعها تقول بسخرية:" أنت تختبئ وراء أوامرك الا أنك في الحقيقة مرتعب مني و مما أنا قادرة عليه.َ!.."
هز حاجبيه:
" لما يجب أن أرتعب منك بحق الجحيم؟! ملاحظة مثيرة للاهتمام كوراسون... أخبريني لما تستنتجين استنتاجا غبيا مماثلا؟؟"
اقتربت منه لتتطلع الى عينيه مباشرة، كانت قصيرة القامة مقارن به، يمكنه حملها نحوه بقبضة يده، و هذا فعله معها مرارا في الماضي، و لم يكن لمعاقبتها بالتأكيد... بل لإمتلاكها.
" لا تظني جاهلة فأنا أعرف حقوقي كافة خوسيه... لا تظن أن أموالك ستمنعني من شرعيتي نحو طفلين أنت كنت شاهد على معاناتي لمنحهما الحياة... الأمور لن تسير دوما كما تريد ايها الاسباني... هذه المرة أنت تواجه امرأة تجرعت كفايتها من غطرستك و قسوتك اللعينة... أملك كل الأوراق الرابحة أكثر مما تظن... و سأستعملها في الوقت المناسب... هددني مجددا خوسيه... و سأفاجئك..."
قطع المسافة الضئيلة بينهما لكنها لم تتراجع، بقيت واقفة أمام اعصار نظراته بكل صلابة... سقطت عيناه على شفاهها... انها عدوته الشهية جدا و المغرية:
" أوراقك الرابحة الوحيدة كونك زوجتي و أم الولدين الوحيدين الذين أملكهما, لا تظني بأنك قادرة على التسبب لي بأي ازعاج الا بما اسمح لك به آيا..."
ابتسمت بإستخفاف و نصحته بهدوء:
" لا تستضعفني خوسيه... لا تفعل"
أعاد لها ابتسامتها:
" يا طفلتي انت تجهلين تماما من أكون و ما أنا قادر على فعله بك ان تملكتني الرغبّة... أو ما يمكنني فعله بعائلتك !..."
الملاحظة الأخيرة أخدت ابتسامتها و زحف الشحوب الى وجنتيها، تقلصت ثقتها الغالية، يمكنه الشعور بضربات قلبها على بعد الانشات التي تفصلهما، أمسك بخصلة من شعرها لكنها ضربت يده بقوة، عينيها تتطايران شرا:
" لا تضع مجددا يديك القذرتين على هل تفهم؟... أنت تقرفني..." رغم تسليته بوقوفها في وجهه الا ان كلماتها تنجح دوما بجرح صدره اللعين:" لن تحصل علي مجددا ... سوف أهجرك عندما يحين الوقت المناسب و سأعمل على الا تؤذيني أو تؤذي عائلتي مجددا... أنا لست زوجتك السابقة... لن ينتهي بي الأمر في صندوق في قلب الأرض... أنت من سيقتله يأسه و ليس أنا خوسيه... ليس أنا...لن تدفعني للجنون"
و تعود لتهديده، لتحديه، تصفعه أنفاسها النارية لتوقض ليس غضبه بل آنته، شيئ بلا سيطرة يتحرك مثل الوحش في أعماقه، مد ذراعه نحوها و دفعها الى الخلف كي يلصقها تماما مع الجذار، فليرى الى اي مدى يمكنها الوصول في تحديه، من مقاومة اللمسات التي تُقرفها بحكمها، تسارعت أنفاسها و اتسعت حدقاتها بذعر بينما تفقد كليا قواها تحت قبضته الحديدية، تصلبت مثل الصخرة، صدرها مهتز و شفاهها مزمومة بكراهية... كل هذا... يوقظ كيانه أكثر... هي غير واعية ربما لكن هذه التصرفات بمثابة رمي المزيد من البنزين على نار متقددة.
" من أخبرك بأنني أنوي التخلص منك أو دفعك للجنون؟" سألها بنعومة خطرة بينما يفتح عقدة الروب و تتسلل يده الى المنحنيات التي توقض دكورته و التي ترفض الاستجابة لنساء غيرها:" تملكين لسان لسيط و تمتهنين العصيان و هذا ... لن يمنع بأن أستبيحك متى أردت . "
أوقفت يده عندما حاول تحسس وركيها، بينما تسابقت دموع الكراهية الى عينيها لكنها لا تقول شيئا: " فعلت هذا بينما لا تجمعنا أوراق و بنود، انتهيتِ بالاستسلام لي و جعلتك امرأة حقيقية... امرأة حيوية... امرأة متقددة من الرغبة و الشهوة...تعتقدين بأن هذه الكلمات ما ستمنعني ان اخدتني الرغبة بك مجددا؟ لسيما و أنت زوجتي شرعيا اليوم؟"
" تنوي اغتصابي؟" سألته بنبرة قوية مغلفة بقلق التقطه فورا... انها تهابه" لأنه لا توجد طريقة أخرى لتحقيق مآربك ..."
" لم أكن بحاجة لإجبارك.!.." همس في أدنها متجاهلا محاولاتها في ابعاد رأسها عنه، منحته رؤية جميلة لرقبتها و للشريان النابض بجنون في الأسفل:" في افريقيا... كنت تترقبين زيارتي كل ليلة بفارغ الصبر... هل أنعش ذاكرتك بالكلمات التي كنت تتنهذين بها؟ اسمي الذي تتضرعين له مثل الصلوات التي تجعل منك المؤمنة المثالية؟"
التقطت انفاسه رائحة بشرتها التي اصبحت ندية بفضل الادرينالين العالي في دمها في هذه اللحظة:" تنسلخين من جلد الطفلة البريئة و تخرجين كل مواهبك السريرية التي اكتشفتها بفضلي أنا... أعرف بأنني أثيرك، أؤثر بك، أعجبك..."
" تعرف أيضا بأنني أكرهك؟" سألته وهي تعود لتنصب عينيها في عينيه، مبعدة أذنها على شفاهه، كانت من القرب بحيث يلاحظ البقع الرمادية و الذهبية في عمق بؤبؤ عينيها الشفاف:" لا تمزج العاطفة بالمشاعر خوسيه... أنت آخر رجل يهمني... "
حاول تفادي هذا السهم الا انه نجح بإصابته في نفس المكان... كانت تعرف دائمًا أين وكيف تزرع اللدغة بين أضلاعه...هزها بقوة كافية لتصطدم أسنانها.
" و أنت لا تمزجي الرغبة بالعاطفة و المشاعر... ما أريده هو بعض التسلية بين فخديك عزيزتي... كإمرأة لا تهمينني.. قابلت نصيبي من النساء الجميلات و أنت لست استثنائية و لا مميزة..."
تركها في الوقت نفسه الذي أعلن المادو عن استيقاظه، لم يكن يبكي... بل يزقزق مثل طائر سعيد، كان يحرك ذراعيه و رجليه سعيد بؤيتهما، وضع أكبر مسافة بينهما، استعاد سيطرته على أنفاسه، أخرج من جيبه مرهم التعقيم و عقم يديه قبل أن ينحني على ابنه و يلتقطه بين ذراعيه.
" صباح الخير ... سعيد الا تبدأ يومك بالصراخ و العويل... أرى بأن مزاجك جيد... "
منحه تلك الابتسامة الرائعة التي تشعره أن كل شيء في العالم على مايرام، اقتربت منه آيا، مجددا الروب في مكانه و الحزام مشدود بحزم على خصرها، مدت ذراعيها نحوه:
" انه وقت فطوره... مرره لي..."
" لن تلمسيه قبل أن تغتسلي و تعقمي نفسك... رائحتك قذرة..."
استعادت ذراعيها، قالت من بين اسنانها بلهجة جليدية:
" عدوى قذارتك خوسيه مارتينيز... لا يمكنني منعها كلما لمستني... لا توجد معقمات تطهرك مما أنت عليه أيها السافل..."
ثم منحته ظهرها و قصدت الحمام، بقيت عينيه على الطريق الذي سلكته الى أن قرر المادو اثارة اهتمامه مجددا و منحه ابتسامة واسعة أخرى أنارت يومه الذي بدأ بطريقة سيئة.
" والدتك سيئة الطباع... لكنني سأقوم بترويضها"
* * *
" اذن مالذي يفسد مزاجك لهذه الدرجة؟" سأل دافيد صديقه لوكا سؤال مباشر.
كانا حول فنجاني قهوة في الحديقة الداخلية لبيت صديقه، لكن شيء ما يقف بينه و بين طبيعته هو يعرف، اصتدمت الكلمات في راس لوكا قبل أن يهز عينيه أخيرا نحو النظرات الشديدة الزرقة و التي تتطلع اليه بفضول:
" دعني أخمن... ميغان"
اتسعت ابتسامة دافيد... انه سافل محترف، دافيد أسوء من يمكن أن يمنحه النصائح:
" هيا لوكا... أعرف بأنها وراء هذه النظرة التي لا أجد لها تفسيرا سوى لرجل مدمر داخليا..."
" مدمر داخليا؟؟" كرر لوكا متهكما:" هذا ينطبق عليك عندما فشلت محاولاتك بالنسبة للأميرة بيانكا... " كما توقع انسحبت ابتسامته.." أنت ما زلت مغرم بها؟"
" بيانكا حالة استثنائية... لم أكن نزيها معها... سبق و شرحت لك" دافع صديقه عن نفسه بينما يبعد خصلات شعره الى الوراء.
" دافيد أنت لم تكن نزيها مع كل النساء اللواتي مررن في حياتك... لما هي أثرت بك لهذه الدرجة؟؟"
" لأنها ابنة زوج أختي... " شرح بصوت بارد:" نوع العلاقة بيننا ستؤثر دوما علينا... اللقاءات العائلية... المناسبات... لا يمكنني رؤيتها دون التفكير فيما فعلته بها و دون الشعور بالذنب... "
" و ليس زوج والدتك السبب لكن حضورها ما منعك من الالتحاق بالتجمع العائلي في لندن..." هذا كان تأكيدا:" تظن بأن هذا هو الحل؟؟ تحتاج لمناقشة جدية معها كي ينسى كليكما هذه القصة... "
" تظن بأنني لم أحاول؟" سأل دافيد ببعض العصبية.
" دخول كيفن في المعمة أيقض غيرتك فحسب بالرغم من معرفتك الأكيدة من عشق هذا الأخير لشقيقتك... أنت لم تناقشها حلولا دافيد... أنت شككتها في قدرتها على نسيانك..."
" تماما كما تفعل أنت مع ميغان؟؟"
هذا السؤال أخل موازين سيطرته:
" الوضع مختلف... هي من رماني من حياتها و كأنني بلا أهمية..."
" لا يوجد رد فعل بدون فعل... أنت لامع كي تفقه بأن ثمة أمر وراء انقلابها عليك... حتى انني متأكد من شكك في الأسباب..."
التقط لوكا فنجان قهوته و ارتشف منها القليل قبل أن يعيده على الطاولة:
" بعد ثلاث سنوات و نصف من الصمت عادت بقصة خيانة مع رئيسة محامين ارشيبالد..."
هز دافيد حاجبه:
"و بحتث في الموضوع لتعرف الحقيقة؟"
" بالطبع فعلت..." رد لوكا مكشرا:" بريتتني لا تفهم لما تتعدر ميغان بها... أظن انها فبركت الموضوع لتعلل تصرفاتها فحسب... و اليوم..."
" و اليوم أنت تريدها..." أتمم دافيد بإبتسامة شاسعة:" هيا لوكا... أنت تعس من دونها و لا تنفك عن تفحص هاتفك و كأنك تنتظر اتصال مهم..."
و كأن هذا التنبيه ذكرّه بهاتفه الذي التقطه ليتفحص الرسائل القادمة، آخر رساله لها كانت تهاني العيد، لم تجبه، و لم تجب على كل الرسائل التي أعقبت الاشتباكات التي حصلت بينه و بين وارين جانيس.
" أريد استعادتها..."
ضحك دافيد تلك الضحكة المتهكمة و الناعمة:
" ميغان بشخصية فولاذية...امرأة ذات طباع نارية... تحتاج لكل طاقتك لإستعادتها..."
لم يعلق لوكا، بعض الأمور لا يمكن نسيانها بينهما، تلك الحميمة و التواطئ و ليالي طويلة أمام التلفزيون و الفشار، فتح باب الحديقة الداخلية لتظهر شقيقته ايموجين، كان شعرها الأحمر يحيط وجهها و كتفيها، فستانها الأبيض لا يخفي شيء من روعة جسد تمضي وقتها في الاهتمام بأقل تفاصيله... انها زوجة رجل استثنائي تحيطه النساء من كل جانب و الاحتفاض به يتطلب مجهوذا.
" أنتما هنا!... "
وقف لوكا بينما أخته تأخد مكانها على الكنبة القريبة من دافيد، رآهما يتشاركان ابتسامة متواطئة.
" هل مجيئي ما يجعلك مستعجلا فجأة؟!..."سألته ايموجين بنعومة.
" لدي ما أقوم به..."
انسحب لوكا كي تمنح ايموجين كل اهتمامها لدافيد الذي عاد ليلتقط فنجان قهوته:
" كنتما تتكلمان عنها اليس كذلك؟"
" عنها؟ "
" ميغان..." ردت وهي تلعب بخاتم زواجها:" لوكا يفقد هدوئه عندما يتعلق الأمر بها... "
هزّ عينيه للمسلك الزجاجي الذي اتخده لوكا، الحديقة الخارجية غارقة في الثلوج البيضاء، كان يقصد سيارته عندما استوقفته ناومي، الجميلة بشال أسود، شعرها الشديد الشقرة مجموع في تسريحة ذيل حصان، يبدو ان لوكا يرفض خوض موضوع تنوي مكالمته به ثم يقفز الى سيارته، هذه الأخيرة بقيت مكانها تراقبه يدير محرك السيارة القوي قبل أن يتناثر الثلج من تحت عجلاتها و يبتعد... بلا أدنى شك... انه يقصد منزل ميغان.
ايموجين ادارت بدورها رأسها و لمحت شقيقتها التي هزت رأسها نحوهما في هذه اللحظة قبل أن تقرر العودة الى المنزل، تتهرب منه بإستمرار و بالكاد تنظر نحوه:
" كبرت كاندي و فقدت وزنها..." علّقت بإبتسامة صافية:" ما رأيك بها؟"
هز دافيد كتفيه:
" لما تسألينني رئي؟؟"
اتسعت ابتسامتها الماكرة:
" أرى بأنك لا تنفك عن ملاحقتها بنظراتك... "
تشنج دافيد وهز عينيه اليها ببعض الحذر:
" ناومي امرأة جميلة جدا... "
بسطت يديها الأنيقتين و المشذبين بعناية فائقة أمام عينيه:
" الفضل لهذه الاصابع السحرية... السمنة تركت مخلفات غير مرغوبة في جسدها، استعادت ثقتها بنفسها بفضل خبراتي الا منتهية... " شعر بالأسى لهذه التصريحات، يتخيل ردة فعل ناومي عندما تدرك بأن سرها لم يعد واحدا، لسيما امامه هو " و بالرغم من ذلك... لا تجد حبيبا..."
اذن فقد كذبت عليه و لا حبيب لديها؟ لكن لما تصده بهذه الطريقة بينما يحاول التقرّب منها بكل الطرق الممكنة؟ شعر برغبة عارمة لحمايتها و الدفاع عنها أمام شقيقتها، أخرج هاتفه و قلب في الصور ليخرج واحدة و يضعها أمام عيني ايموجين:
" صيف مع عائلتي في اليابان، كان عمري السبع سنوات... عشرون رطل اضافية لوزني الطبيعي... بسبب هذا الخلل عانيت من مشاكل كثيرة جدا في مراهقتي... و في صحتي الى أن قررت فرجينيا وضع حد للمشكلة و أدخلتني مدرسة داخلية خاصة بالحالات المماثلة.. قضيت فيه خمسة أعوام... تمكنت من الحصول على حبيبة حقيقية في عمر السابعة عشر فقط... "
أبقت فاهها فاغرا، لا يبدو انها توقعت اعترافه بهذا الجزء من حياته الذي لا يعرفه سوى افراد عائلته المقربة، هذه الصورة يحتفظ بها لأنها الفترة الوحيدة التى كانت اسرته فيها سعيدة للغاية، كانوا يتنفلون في العطل مع فرجينيا عندما تقيم سهرات في بلدان عديدة:
" كنت منبوذ أنثويا حتى حصلت على مظهر جيد... و احترم بشدة عزيمة ناومي و عملها الكبيرة في نفسها و شخصيتها، أصبحت امرأة رائعة جدا، بالاضافة لذكائها و لمعانها المهني..."
مشكلة ايموجين أنها ترفض أن يكون أحد أفضل منها... توقع أن تعترض عن كلامه، صدق تخمينه، في الماضي عندما عاشرها، أرادت معرفة ان كانت أشد النساء رغبة شاركهن الحب... الشيء الذي دفعه لنبدها فورا:
" تعرف بأنني حاليا من المع الطبيبات الأمريكيات في العالم؟؟ مستشفياتي حصدت الكثير من الأرباح الكثير من الشهرة... "
" بالتأكيد ايموجين... انت طبيبة رائعة و اتمنى لك التوفيق.. لكن... هناك طلب ... لا تخبري ناومي بانني على علم بعملياتها... أرفض التسبب بلاحراج لها..."
ثم دون أن ينتظر ردّها غادر المكان.
* * *
" اذن فهذا هو خافيير!.." انحنت دانيلا على درابيزن شرفة صوفي لتتمكن من استراق النظر اكثر:" يبدو play-boy مقارنة بهالة الطهارة التي تلف شقيقه... انهما مثل الليل و النهار..."
في التايلاند، خلال لقائهما الوجيز لمّح لها خافيير عن تعاملاته السابقة الخارجة عن القانون و ظنته يمزح، ثم تأكدت بأن صاحب العضلات القوية و الابتسامة المدمرة انسان سيئ للغاية، أخبرتها والدتها بأنه هنا تحت حماية شقيقها، و بأنه ينضم لفريقه أيضا... الشيء الذي خيب أملها في شخصه... ففي النهاية لا فرق بينه و بين العرّاب.
" أعترف بأنني أحب جسمه و أجده مرغوب بشدة..." ضحكت دانيلا وهي تعود بعينيها الى صديقتها الجالسة في كرسيها المتحرك،الرياح الباردة للجزيرة تداعب خصلات شعرها الجميلة و الامعة." كما أن هناك شيء في وسامته لا يشعرني بالراحة... أجده غامض للغاية... و كأنه يلعب دور..."
" أوووووووووه صوفي ما هذا التقدم السيكولوجي!..." قالت دانيلا بإبتسامة عريضة للغاية، رغم كل مساؤها الا انها تعشق صوفي.
كمشت هذه الأخيرة أنفها:
" هل كان يفترض بي أن أرتمي على قدميه فقط لأنه يشبه الرجل الذي فضل وضع خاتمه في اصبع امرأة أخرى..؟؟ ما أحببته في اليخاندرو يفتقده خافيير... الاثنين مختلفين بشكل مثير للدهشة..."
عم الصمت وعادا يتجسسان على الرجل الذي كان يقف مع سانتياغو قرب احدى سيارات روكو، لابد انهم بإنتظاره، خافيير لا يرتدي بدلة رئيس حرس شقيقها، كان يرتدي جنز قديم و جاكيت جلدية حالكة، و يشبه تماما ممثل هوليودي في فلم أكشن.
" حسنا... انه وسيم...." اعترفت صوفي.
" لن أختلف معك في هذا عزيزتي...انه مدمر" أقرت دانيلا بنبرة صادقة:" تعتقدين أنه عازب؟"
" لا أدري... كان مع صديقته عندما التقينا صدفة في المستشفى ثم نشب بينهما خلاف اذ انها انتبهت بأن حبيبها ليس بالوفاء الذي تظنه... اختلاف آخر مع شخصية اليخاندرو الوفية و المُحترمة... "
استدارت دانيلا نحوها، عينيها تبرقان بفضول:
" انجذب اليك؟؟"
" لا أدري لكنه كان يفضل امضاء الوقت معي بدل صديقته و لم يخفي هذا عليها... "
" صوفي..." ابتسمت متلهفة:" تم اللقاء بينكما و كان هناك انجذاب بشكل او باخر، برئي لديك المرشح المثالي جدا لخوض التجربة"
أقطبت :
" اخوض التجربة بكرسي متحرك و مع موظف روكو؟ هل تنوين ارسالي مبكرا للمقبرة؟ شقيقي سيقوم بقتل كلينا ان حاولت حتى مغازلته لا اغوائه"
و كأن روكو سمع اسمه ليظهر، كان مثل المعتاد يرتدي واحدة من تلك البدلات التي تزيد من هبته ووقاره، يتمشى على طول الطريق وسط المروج التي يتم صيانتها بدقة ، كانت الأشجار الطويلة التي يبلغ عمرها مئات السنين تنحني قممها بفضل الرياح و كأنها ترحب به، توجه نحو المرآب الشاسع الذي يضم مجموعة ضخمة من سيارات العائلة، تأهب الرجلين لاستقباله الا انه فجأة استدار نحو الشرفة و كأنه شعر بوجودهما و مراقبتهما له:
" يملك أعين خلف رأسه ايضا... رائع " علقت صوفي بسخرية قبل ان تمنحه نظرة جليدية و تدير كرسيها الى الداخل، لم يتبقى لدانيلا سوى ان تهز ذراعها نحو ملقية التحية، لكنه لم يردها اليها، راقبته يدلف الى السيارة ثم يحذو حذوه الرجلين، بعد دقاق انطلقت هذه الاخيرة مبتعدة نحو بوابة القلعة الضخمة..
" لما تستمرين بمعاقبته؟" سألتها ما ان عادت الى الجناح " اظنه يحاول بشتى الطرق التقرب منك فلما تغلقين كل الابواب في وجهه؟"
" لانني لست مجبرة على مسامحته... و هو لم يغير شيئا من سلوكه معي..."
دخل الجناح طاقم صوفي الطبي، تحجرت نظراتها لكنها لم تعترض، ساعات من الترويض بإنتظارها، تركتها ورائها و قصدت الطابق السفلي، ربما وعدت اليساندرو بنسيان موضوع قرابتها مع اليونور الا انها لن تجد فرصة أخرى للتحاور قليلا مع سابرينا، المرأة كانت صديقة مقرّبة جدا من والدتها و ربما تعرف ما هي بصدد البحث عنه... لأن خطيبها استيقظ هذا الصباح مع فكرة العودة الى نيويورك مساءا و هذا لن يترك لها فرصة التحري كما آملت.
وجدت حماتها المستقبلية في المطبخ بصدد مراجعة لائحة طعام الاسبوع مع رئيس الطباخين، مثل المعتاد المرأة شديدة الاناقة من رأسها الى أخمص قدميها، تحسدها بشدة على هذه الحماسة التي تستيقظ بها، كانت ترتدي تايور كريمي و حذاء عالي الكعبين، شعرها الاسود الحالك في كعكة انيقة خلف رقبتها التي يزينها عقد من الؤلؤ، ما ان انتبهت لحضورها حتى ابتسمت لها:
" عزيزتي هل كنت بصدد البحث عني؟؟"
" نعم حماتي... أريد التكلم قليلا معك..."
" لحظة واحدة أنهي الطلبات مع الموظف..."
ابتعدت دانيلا عنهما لتتمشى في مطبخ يليق بمطبخ مطاعم العالمية، صناديق خضر بيولوجية لا منتهية بصدد النزول من شاحنة النقل التي تقف أمام الباب الخلفي للمطبخ، موظفين يتنقلون بين العربة و غرفة التبريد الشاهقة، فواكه موسمية لا توجد في المحلات بهذا الوقت من السنة، لابد انه تم جلبها من القارات الساخنة و البعيدة... لا شيء مستحيل على الايميليانو.
" بريانا عزيزتي انهي الحسابات و اللائحة بدلا عني... دانيلا بحاجتي"
في الوقت الذي سمعت كلمات سابرينا كانت خطيبة العرّاب بصدد الدخول الى المطبخ بدورها، أنيقة بشكل ملفث في التايور الزيتوني تعترف دانيلا أنها ناسبة جدا لتكون السيدة روكو ايميليانو، ابتسمت لها:
" مرحبا دانيلا... لم نراك على طاولة الفطور..."
إحمرت وجنتيها تلقائيا... الفطور ما جاء لها صباحا... اليساندرو لم يتركها تهجر سريره... كان يملك خطط أخرى بدل تحمل شقيقه على طاولة الطعام:
" تأخرنا في النوم..."
هذا تأكيد آخر جعل وجهها مثل الطماطم لسيما و قد تبادلت المرأتان الابتسام، أخدت بريانا مكان حماتها التي أشارت لها بتبعها، كانت تتوجه نحو مكتب روكو عندما استوقفتها:
" هل يمكننا الكلام في مكان آخر؟؟" هزت سابرينا حاجبها الأنيق متسائلة بصمت مما جعلها تظيف:" أخاف أن يُقاطعنا أحد..."
هذا جعل نظرات المرأة حذرة لكنها لم تعترض بل أشارت لها بتبعها، رأتها تتوجه نحو المصعد الذهبي و تضغط على الزر كي تُفتح الأبواب أمامها، دعتها للدخول الى الكابين الذي اقلهما فورا الى الطابق السفلي كي يفتح أمام جناح شاسع تضع دانيلا قدميها فيه للمرة الأولى، المكان عبارة عن ورشة عمل أنيقة، الواجهة الزجاجية تطل مباشرة على المسبح الجنوبي، أبقت فمها فاغرا أمام أدوات النحث الموضوعة بعناية فوق طاولة خاصة، آلة النجارة، العديد من المنحوتات الشديدة الدقة:
" لم أكن أعرف بأنك تنحثين على الخشب..."
" هذا المكان ليس لي... انه ليانيس"
وقفت أمامها ووضعت يدها على منحوثة تمثل مجسد تجريدي:
"تحول الجسم والجسد العاطفي..."
" واو...لقد كان موهوبا..."
ابتسمت سابرينا ابتسامة لم تصل الى عينيها:
" هو كذاك..."
القت نظرة مجددا نحوها، هذا الرجل توفي منذ سنوات لما يبقى هذا المكان متوفرا بهذا الشكل و كأنه مازال يزاول هوايته كل يوم؟، فجأة رأت صورة على الجدار، انها المرة الأولى التى ترى يانيس مع زوجته في صورة واحدة... كم كان عمر سابرينا هنا؟؟ ثمانية عشر سنة؟ وسامة يانيس مدمرة... انه يتفوق على ابنيه بالتأكيد.
" عرّاب و فنان؟؟"
" يانيس موهوب في جمع التناقضات..." لما تتكلم عنه و كأنه مايزال حيا؟:" ما الأمر عزيزتي؟؟ لما رغبتي بمكالمتي و بعيدا جدا عن مكتب روكو؟!"
تنهذت دانيلا، وسرحت مجددا بنظرها في المكان الذي يفتح شهية أي موهوب، يانيس كان يحفر في الخشب عندما لا يكون بصدد تصفية أعدائه؟؟ اقتربت مجددا من الطاولة الامعة التي تم ترثيب كل الادوات الازمة للنحث...سؤال باغثها... هل سابرينا عشقت زوجها لدرجة انها رفضت التخلص من أغراضه؟ فما تعرفه هو أن لا أحد في هذا البيت يميل للنحث أو الفن بصفة عامة:
" يانيس و أنت كنتما صديقين مقربين جدا لوالداي..." بدأت دانيلا وهي تقترب من الصورة التي تعرض ثنائي جميل يتوافق بشدة:" كم كان عمرك هنا؟"
" التاسعة عشر..." ردّت سابرينا بنوستالجيا.
" و كم كان عمر زوجك؟؟"
" عمر كافي كي أتزوجه... "
ابتسمت دانيلا لردها:
" في نفس عمر اليساندرو اليس كذلك؟؟!"
" دانيلا عزيزتي..." اقتربت منها سابرينا و تطلعت مباشرة في عينيها:" القي مالديك فورا... لما تحومين حول يانيس منذ دخولنا المكان؟؟ ما الأمر؟"
لم تكون نوي طرح كل هذه الاسئلة على العراب الأب لو لم تندهش بشدة بهذا المكان الذي كانت تجهل كليا وجوده في القلعة، لكن الحقيقة أن كل المواضيع مترابطة، و لن تبدأ من البداية بل من النهاية، تواجهت مع سابرينا وقالت لها بهدوء:
" بما أنك كنت صديقة قريبة لوالدتي... فلا بد أنك تتذكرينها وهي حامل بي...؟"
لم ترد فورا، لم تتغير عضلة واحدة من وجهها، اكتفت بالقول:
" صادقت والدتك بعد ولادتك... لم يسبق لي رؤيتها حامل آسفة..."
برطمت دانيلا، وعادت تحدق بصورة يانيس الذي لا يبتسم... في نظراته شيئ يشبه النار، يشبه الجحيم... سابرينا تبدو مغرمة.
" البالغون... يتخدون القرارات ويظنون أن هذا يتماشى مع مصلحة أبنائهم..." همست دانيلا ببعض الحزن:" هل كان من حق زوجك تبني صوفي و الكذب على روكو طيلة هذه السنوات؟"
خط رفيع جدا اخترق جبين المرأة الأنيقة أمامها:
" اليساندرو أخبرك؟"
" منذ حاذثة صوفي و أنا أعرف الحقيقة... تلك الحقيقة التي ما زالت تجهلها الى الأن... الشيء المؤلم في الموضوع هو أنني أعرف بأن أحدهم يعرف أيضا حقيقتي و لا ينوي اخباري بها..." تجمعت الدموع في عينيها بينما ترى سابرينا تتراجع و تتأهب لنكران ما سيعقب:" أعرف بأن ناديا لم تحمل يوما في حياتها... قرأت مذكرات اليونور... كل الدلائل تشير الى أنني إبنتها... قفزت على امكانية أبوة خوسيه لي و قمت بالفحوصات لأعرف بأنه ليس كذلك..."
هذا المكياج ينجح بإخفاء اللون الذي يتغير تحته، لا يمكنها قراءة ردات فعلها انها عاجزة عن ذلك.
" هل انا ابنة اليونور؟؟ أرجوك... أجيبني بالحقيقة... و ان كان هذا صحيحا من هو أبي؟"
" آه أنتما هنا..." رن صوت اليساندرو في المكان، لا يبدو أنه أخد المصعد بل دخل ببساطة من الشرفة المطلة على المسبح، كان يتريض و ربما يبحث عنها في كل مكان، كادت أن تبكي لهذه المقاطعة، هذا سيعطي سابرينا الفرصة لتفكر في الاجابة التي ستعطيها اقترب منها، كان التي الشرت الذي يرتديه مبللا، لكن عينيه قلقتين... انه يشك في نوع الحوار الذي تتناوله مع والدته..." فكرت بأخدك في جولة حول الجزيرة... سنأخد معنا بضع ساندوريشات و نصعد الى الجبل ما رأيك؟؟"
أبقت عينيها على وجه سابرينا، هذه المرأة هي بئر أسرار هي تعرف... امرأة أبقت ورشة عمل زوجها المتوفاه على حالها و كأنه مازال موجودا تملك بالتأكدي عزيمة امرأة لا تقهر... مالذي تخفيه؟؟من هي في الحقيقة؟
" أرجوك سابرينا... ان أخبرتني... فستوفرين علي الكثير من الجهذ و الوقت..."
" دانيلا..." تدخل اليساندرو الذي اكتشف بأن اقتراحه لم يبعدها عن هذفها.
" أعرف بأنه لا يجدر بي الكلام في الموضوع لأنه العيد..." قالت له دانيلا:" لكنك تقرر أن نطير الليلة الى نيويورك و ابعادي مجددا عن أروبا... أنت تعرف بأنني أريد معرفة الحقيقة بأي ثمن... ناديا لم تكن أمي و اليونور تقول في مذكراتها بأنها أمي و بأنهم هددوها و انتزعوني منها ... هي انتحرت لأن أحدهم أفقدها عقلها و دفعها للموت... أريد الحقيقة..."
صوتها كان يعلو شيئا فشيئا لدرج أنها سمعت تردده في ارجاء الورشة ما ان انهته، كانا يتطلعان اليها، كل واحد منهما بتعبير مختلف... ملكة الجليد بقيت على حالها.ردت أخيرا لكن ليس بالمعلومات التي تتوقعها
" لما تسأليني أنا؟ لما لا تسألي خوسيه أو سيسيليا؟؟" .
" خوسيه بنفسه لا يعرف..." أجابت دانيلا بهدوء:" سيسيليا يصيبها الزهايمر كلما أتيت على ذكر الماضي... انها ماكرة و لا تنوي قول شيء... "
اقترب منها اليساندرو، يده على وجنتها يحثها للنظر اليه:
" اتركي الموضوع حاليا..."
" قلت بأنك تساندني ..." ذكرته بمرارة:" أرى بأنك تفعل كل مجهوذك كي أستسلم و أنسى الأمر برمته... أنت تخيب أملي اليساندرو... ليس هذا ما اتوقعه من الرجل الذي يُفترض بأنه يحبني..."
لم يكن ينتظر هذا الهجوم بالتأكيد.... عينيه اسودتا من المفاجئة الا انه لم يعلق، اكتفى بالنظر الى والدته:
" أخبريها..."
" اليساندرو..." حذرته سابرينا.
" كيف يمكنك العيش مع كل هذه الاسرار في هذا البيت؟؟ دانيلا ... صوفي... هذا يكفي أمي... ان كنت تعرفين شيءا عما تستعلم عنه فأرجوك أخبريها...."
بقيت صامتة رغم هذا الرّجاء، شعرت بالراحة لأن اليساندرو يساندها حقا، شعرت بيده تتسلل لتلتقط يدها فضغطت على أصابعه شاكرة دون ان تبعد عينيها عليها:
" دعنا بمفردنا..." همست له سابرينا:" أخرج من هنا..."
لم يناقشها رغبتها، وهي ارتاحت لأنه استجاب، ابتسم لها مشجعا لكنه انحنى عليها هامسا:
" مهما تكون الاجابة داني... أنوي أخدك في جولة الى البركان..."
" سوف آتي..." وعدته بلطف.
" أحبك..." هس لها وهو يقبلها على شفاهها بحنان دفع الدموع الى عينيها.
" أحبك ايضا..."
عندما أصبحتا بمفردهما أبقت سابرينا عينيها عليها دون ان تنطق بكلمة، الصمت امتد الى أن اصبحت عصبية للغاية:
" بعض الاشياء لاي مكنها الخروج لأننا لن نستفيذ شيئا من نشرها مجددا..." قالت سابرينا أخيرا:" و بعض الحقائق تكون مؤذية للغاية... لهذا فضلت اعفاء ابني منها... يبدو أنك تحبينه جدا كي تعديني بالا تخبريه يوما ما سأخبرك به..."
" أعدك..." ردت بصوت مرتجف من العصبية.
" جيد..." قال المرأة وهي تشير اليها مجددا لتبعها.
في عمق الورشة أزاحت لوحة و ظهرت مفاتيح ديجيتال، ضغطت على عدة ارقام لينفتح باب لم تتوقع وجوده أمامهما، ظهرت غرفة شاسعة أخرى عبارة عن مكتب، صورة زيتية جديدة ليانيس ايميليانو، كان شامخا مثل الجبال، هذا الرجل مهيب حتى وهو ميت، لا بد ان هذا هو مكتبه السري... خزانة ملابسة عملاقة تحمل سترات و بدلات لا منتهية، هل يعقل أنها ماتزال تحتفظ بملابسه أيضا؟ هل هذا وفاء أم مرض؟
" انت ذكية و عاقلة مقارنة بعمرك..." سمعت سابرينا تقول وهي تدعوها للجلوس على أحد المقاعد الجلدية أمام المكتب الامع و كأنه يتم استخدامه يوميا، جلست دانيلا بينما سابرينا تختفي في خزانة الملابس، ثم تعود اليها و في يدها مغلف أزرق، وضعته أمامها على المكتب قبل أن تجلس قبالتها.
" لا أحد يعرف..." قالت سابرينا وهي تدعوها بحركة من دقنها بفتح المغلف:" ولا أحد يجب أن يعرف..."
* * *
" أعجبتك الهدايا؟؟ هيه حبيبي؟؟ تعرف هي كلها لك...كلها..."
كيف لا بينما روبي اشترت له كل محلات الالعاب؟؟ تسائل سيزار وهو يرى انبهار الطفل بكل ما أمامه تحت شجرة العيد، روبي أمضت العيد معه و مع عائلته بينما رفض والديها الالتحاق بهم، لذا أمضو العيد بمفردهم مع حفيذهم، وها هي تحاول أن يتم مسامحتها على تخلفها، لم يتكلما مجددا بموضوع التبني ووضعاه على الحياد،أفهمها بأنه لن يغير رأئيه بينما هي تقبلت الموضوع بهدوء... هدوء شديد لم يعجبه... شيء في نظراتها تغير... أصبحت حزينة كل الوقت... انه يفضل رحيلها مجددا الى أمريكا و استئناف أعمالها الفنية على دخول هذا المخلوق الصغير حياتهما... لكن روبي وضعت كل أولوياتها لإبن جوزيف... ستستأنف عملها نهاية كانون الثاني... يعرف بأنها مددت الفترة لتستغلها مع الصغير.
" آنجلو حبيبي انظر الى هذه السيارة..." اخرجت سيارة صغيرة زرقاء و التقطت الو التحكم عن بعد "100٪ ثورية ومبتكرة يمكنها التدحرج على الجدران وحتى السقف بفضل تقنيتها المضادة للجاذبية!"
لكن آنجلو لا يبتسم أمام كل محاولات عمّته لإسعاده، رغم انبهاره بكل ما هو أمامه الا أنه يبقى متحفظا بشكل مريب، هذا الطفل بحاجة لمساعدة نفسية عاجلة.
" حتى سيزار غيور من حصولك على واحدة... انها مُسلية للغاية دعنا نجربها..."
انطلقت السيارة بقوة و بكل سلاسة بدأت بالتدحرج على السقف، كان فم آنجلو مفتوحا و يبدو مفتونا بالعرض مما اسعد روبي التي ابتسمت ملئ فمها:
" هل تريد أن تجرب؟" سألته.
لكنه هزّ رأسه بالرفض.
" مالذي قد يسعدك حبيبي؟؟ أرجوك أخبرني..."
هز الصبي عينيه نحوه، يعرف بأن وجوده يجعله أكثر انغلاقا، الاطفال حساسون في محيط أناس لا يحملون لهم الكثير من المودة... لن يصل بأن ينعث نفسه بالخالي من المشاعر أو الضمير، لكن في هذه اللحظة يُفترض أن يكون مع زوجته في شاليه منعزل في البيرينيه، لكنه يجد نفسه في صقلية و بصدد التودد الى طفل لا يتجاوب مطلقا مع محاولاتهما، راه فجأة ينحني عليها ليهمس لها بشئ ما في أدنها، من خلال الحزن الذي كسى وجهها أدرك بأن ملاحظة الصغير تخص والدته... مجددا.
" ما الأمر روبي؟؟" سألها وهو يدنو منها.
" آنجلو... يرغب بزيارة قبر والدته..."
ومالجديد؟؟ منذ عيشه في هذا البيت لا يتوقف عن ترديد الطلب نفسه.
وصلت حماته، بين يديها سندويتشات و حلوة و عصير لحفيدها، عرف أيضا أن شهية الصغير منعدمة تقريبا، يفقد من وزنه الكثير منذ وصوله، تنهدت روبي و تركت والدتها تهتم به، اشبكت أصابعها بأصابعه و حاولت الابتسام له لكنها لم تفلح، تبدو مهمومة بشدة... ابتعدا عن الصبي كفاية كي لا يسمع حوارهما:
" أفكر بأخده الى أريزونا... بالنسبة اليه فقد هجر والدته..."
السفر الى أريزونا؟ هو ليس بحاجة ليتبنى هذا الصبي كي يأخد منه زوجته... هو يقوم بسرقتها حقا.
" الطفل بحاجة لطبيبة نفسية..."
" لا أماكن شاغرة في هذه الفترة من العيد... " شرحت له بقلق:" أرجوك حبيبي... دعنا نأخده الى أمه..."
" أمه ميتة..." ذكرها بصوت جاف:" كما أنه يجدر بنا السفر لتمضية العطلة الشتوية قبل عودتك الى لوس أنجلس... "
" لم انسى بالتـاكيد..." لوت شفتها وهي تتطلع اليه... ثم بدأت لعبتها التي تثقنها جيدا:
" لا..."
" حبيبي..."
" رباه.. لا تنظري الي بهذه الطريقة...." زادت بلوي شفتها السفلى أكثر و أكثر و بدت تشبه طفلة صغيرة: " توقفي عن هذا... تعرفين بأنني عاجز عن مقاومتك عندما تفعلين هذا"
" أرجوك... دعنا نقدم له هدية العيد..."
" انت قمتي بشراء كل محلات الالعاب كي تسعديه..." ذكرها بنزق.
اتسعت أكثر حدقاتها الفيروزية... رباه... هذه المرأة ستصيبه بجلطة... جمالها يخدر حواسه كليا :
" ان وافقت فسأفعل كل ما تريده... " همست في أذنه بصوت حسي، العرض كان مغري لدرجة أن سيزار شعر بمقاومته تضعف شيئا فشيئا:" جاكوزي... تدليك...شامبانيا... حب حسب الرغبة..."
مقاومته تلاشت كليا، في مخيلته ترآت له صور رائعة جعلته يهمس:
" أنت شريرة..."
اتسعت ابتسامتها ووقفت على قدميها لتقبل شفاهه بحرارة، لكنه استوقفها قبل أن تبتعد:
" ان فعلت ما تريدين فستفعلي كل ما أريده روبي... كل شيء... "
" أعرف ما تعنيه بكل شيء... أنا موافقة... "
يعشق عقد هذا النوع من الصفقات مع امرأة تجعله مصهورا من الرغبة، لكن قبل أن يحقق هذا عليه أن يتصل بالطيار لينظم رحلة عاجلة الى أريزونا... راقب زوجته تقترب من الصبي و تهمس له بالاخبار السعيدة... و لأول مرة و منذ مجيئة... يبتسم الصبي... كان يملك غمازة في خده، تماما مثل عمته الحسناء.
* * *
" كل هذا... ملكك؟"
سؤال فيرنا جعل سانتو يتشنج، لا يعرف لما تتكلم بهذه الرهبة عن مكان يعتبر من اشد ممتلكاته بساطة، للأسف لم ينفذ وعده لها بالفطور قرب الشاطئ لأن سفرهما أخد وقتا، لكنهما هنا... الرحلة كانت متعة لا منتهية مع امرأة تعرف كيف تسعد لحظاته...
تم تهوية المكان كما طلب، الفيلا منعزلة قليلا على بقية الفلل السياحية، ايموجين لم تأتي يوما الى هنا، حتى انها تجهل أنه يملك منزلا على سواحل تينيريفي
جزيرة الربيع الأبدي.
الجزيرة تتكون من جزأين متميزين للغاية... الأول يتكون من منتجعات ساحلية سياحية للغاية ، ثم بقية الجزيرة -الجزء الأكبر - يعيشها السكان المحليون...حيث عاش معظم الكناريون لمدة خمسة قرون...
الجزيرة كبيرة بما يكفي لإيواء المدن العالمية مع المراكز التاريخية الصاخبة والقرى الصغيرة والأراضي الزراعية والمساحات الضخمة التي تشكل الحديقة الوطنية حيث يمكن المشي لساعات دون لقاء روح حية... وهذا بالضبط ما ينويه مع محبة الجمال و الهدوء، و لما لا جلبها الى جبل تيد المهيب- أعلى جبل في اسبانيا- في رحلة بالهليكوبتر... هي ستتمكن من الاستفاذة من هذه الزيارات الترفيهية التي قد تجدها ايموجين مملة للغاية... زوجته تحب الحفلات الصاخبة و زؤية الاعجاب في أعين الناس... تحب ارتداء المجوهرات التي لا تتوفر عليها غيرها من نساء المجتمعات الراقية الأمريكية... وهو سخي جدا ليقدم لها هذا النوع من النزوات.
" هل يعجبك المكان؟" سألها بينما يراها تحوم في الفيلا، تتطلع الى السقف و تلامس الكنبات في الصالون.
" هل تمزح؟؟ انه رائع جدا سانتو..."
تقدم من أحد النوافد العالية و فتحها، ظهرت فورا الحديقة بأكوام لامنتهية من الورود، المسبح يتلألأ تحت اشعة الشمس.
" تملك مسبح؟؟" سألته بإنبهار طفلة صغيرة.
" أنوي تعليمك السباحة..."
انفجرت في الضحك و ابتسم مجددا لهذه النغمة الجميلة التي تتغلغل فيه مثل الحلم.
" مالذي تملكه أيضا؟" سألته وهي تقدم وجهها لأشعة الشمس التي تغمر الصالون في هذه اللحظة.كان الجسم الأنثوي قريبًا جدًا لدرجة أنه شعر بانتشار حرارته داخله... ابتعد قليلا كي يمنع نفسه من الارتماء عليها كحيوان جائع... قبلت المجيئ بشروط... انها هنا بصفتها صديقة... وثقت به و لا ينوي خسارة ثقتها.
" لدي كابانا على شاطئ نيكاراغوا...واحة في دبي... ستعجبك.. أنوي أخدك معي في المرّة القادمة..."
أبقت شفاهها فاغرة:
" هل سافرت كثيرا؟"
" عندما رفضني والدي قررت اكتشاف العالم و سافرت كثيرا نعم... وصلت الى الأماكن التي يتعدّر البشر الوصول اليها... أظنني... رغبت بتعريض نفسي للخطر لكنني كنت أكثر حظا..."
" رغبت بالانتحار بطريقة مشروعة؟؟" سألته هامسة.
كما فعل والدها نعم... مات كبطل... لكنه لم يكن بطلا... مجرد انسان عجز عن عيش ظروف حياته...
" عندما سبحت في بركة تماسيح و فشلت في استفزازها لابتلاعي أدركت بأن روح أمي معي كل الوقت و تقوم بحمايتي!..."
" كنت غاضبا منه لهذه الدرجة؟؟"
" كنت غاضبا من نفسي لأنني تأثرت برفضه لي للمرة الثانية..."
رآها تبلع ريقها بصعوبة، ثم تبتعد عن النافذة، الشمس سلطت اشعتها على شعرها الذي كان لامعا لدرجة تؤذي عيناه، لون عينيها الرمادي أشد شفافية.
" بركة تماسيح؟ كيف تمكنت من النجاه؟"
" لم تكن هناك تماسيح تلك الليلة... قاموا بنقلها الى محمية في الصباح لتنظيف البحيرة التي تلوتث مياهها.. لم يتم التهامي لكنني عانيت لشهرين من حساسية جلد قوية"
انفجرت في الضحك مما جعله يبتسم مجددا، صارت عادته معها،صوتها يشبه العسل وهو يقطر في الشاي قطرة قطرة... نظراتها تغوي قديسا، عندما هدأت كتفت ذراعيها فوق صدرها:
" بعد نجاتك قررت أن تصبح ثريا؟"
" كنت ثريا منذ البداية... "
" ما هي تجارتك؟؟" سألته مهتمة.
" سبق و أخبرتك... أنا ميكانيكي..."
هزت عينيها الى السماء:
" طبعا... طبعا... نسيت الأمر... و سيارتي ممتنة لأصابعك السحرية، لم تعد تشخر عندما أقودها... "
ضحك لهذه الملاحظة، ثم غيّر الموضوع قائلا:
" تعالي معي لأريك غرفتك..."
ينسى اعاقتها في كل مرّة، عندما بدأت تجر مجددا رجلها خلفها شعر بقلبه يعتصر داخل قفصه الصدري، هذه الفتاة الرائعة، الجميلة، الانسانية و المتفائلة لا تستحق هذه الاعاقة... انها اكثر انسان معطاء قابله في حياته... ندم لأن الغرف في الطابق العلوي، معاناة فيرنا في صعود الدرج كانت بحدة السيف، تراجع عن اقتراحه لحملها بين ذراعيه، عندما أصبحا فوق، كانت وجنتيها شاحبتين من المجهوذ، و تبدو متألمة:
" هل أنت بخير؟؟"
هزت رأسها بالإيجاب... ابتسامة رائعة على وجهها.
" سأكون بخير... لا تقلق فأنا معتادة على الألم..."
لم يعلق... قادها الى غرفة بعيدا جدا عن غرفته، رغم بساطتها الا ان فيرنا تبدو منبهرة بها، راقبها تلامس أعمدة السرير الخشبية...الستائر الحريرية... الشراشف:
" انها رائعة سانتو شكرا لك..."
" سأجلب أغراضك من السيارة... يمكننا تناول الطعام في أحد المطاعم أو المنتجعات السياحية..."
" أو شراء الطعام و تناوله قرب البحر..." اقترحت بلهفة:" أنا جائعة جدا... "
" خبر رائع... فأنا أنوي تسمينك للغاية... لن تعودي الى كابري الا و حجم وجنتيك متضخم ثلاث أضعاف..."
ضحكت مجددا:
" تعتقد بأنني أهتم بوزني؟"
" كل النساء تهتم برشاقتهن..." ذكرها بلطف.
حطت نظراتها في نظراته و سمّرته مكانه، كان هناك شيء قوي جدا فيهما... شيئ يشبه المد و الجزر للبحر... شيء يشبه المغناطيس الذي يجهل كيفية مقاومة جاذبيته.
" لستُ كل النساء..."
في هذه اللحظة... تأكد بأنه مغرم حتى نخاع عموده الفقري...


أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 02-10-20, 05:35 PM   #3286

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثاني عشر

انها المرة العشرين التي يرن فيها على هاتفها و المرة الثالثة التي يتجرأ ليطرق على بابها، لكنها ترفض قطعا رؤيته، ما المتبقي اليها لإفهامه بأنه لا يهمها؟ لكن لوكا يفقد اللحظة رشده أمام بيتها، و لونا بدأت تقلق من هذا الازعاج:
" انه عمّ لوكا... مجددا..."
تستمر ابنة شقيقتها بمناداته بعم لوكا، كانتا بصدد جمع حاجياتهما لقصد الريف بالسيارة و امضاء نهاية الأسبوع، وعدت لونا بزيارة الحيوانات و اطعام السناجب بالبندق الذي اشتريتاه أمس، عاد هاتفها يرن، رقم لوكا مهددا، تنهذت و ابتسمت للونا:
" اتممي جمع أغراضك عزيزتي... لا تنسي أخد حذائك المطاطي و معطك الثقيل... الجو بارد جدا في الريف..."
هزت الصغيرة رأسها موافقة، لكن عينيها مازالتا قلقتين جدا، نزلت الدرج بخطوات مقتضبة، كانت تغلي من الغضب، منذ المساء الذي ورّم فيه أنف وارين ترفض مطلقا كل محاولاته بالتكلم اليها، قررت رميه من حياتها لأن وجوده ببساطة موجع جدا و مريب، فتحت الباب الخارجي، رأته يضع أصبعا على الجرس، وجهه متصلب من الغضب و اليأس، التقت نظراتهما، بدى و كأنه لا يصدق بأنها أمامه:
" هل هناك رجل في الداخل؟ لهذا ترفضين الكلام معي؟"
أغلقت ميغان الباب خلفها لتمنعه من أن يطل بأنفه،:
" مالذي تريده لوكا؟؟ لما لا تتوقف عن ازعاجنا؟ لونا في الداخل و يرعبها اصرارك..."
" أنت من يدفعني لإزعاجكما لأنك ترفضين الرد على مكالماتي..."
هزت عينيها الى السماء:
" لأنه لم نعد نملك ما نقوله... اي موضوع مهم هذا يجعلك تتردد على هنا ثلاث مرّات؟؟ أقسم بأنني غيرت رئي في اللحظة الأخيرة بالاتصال بالشرطة، هذا سيء لإبن سياسي كبير...."
رأت ملامحه تتصلب أكثر، لا يبدو ان تهديداتها تؤثر به، لم تكن تمطر لكن الجو شديد البرودة، و لوكا لا يرتدي معطفا يقيه من البرد، لكن لا يبدو متجمدا أو حتى يعاني من ذلك:
" هل تخرجين مع وارين؟"
" بعد أن ورّمت أنفه؟؟ أتفادى التكلم اليه لأنني أموت من العار و الخجل..." زمجرت به غاضبة:" لما تتصرف بهذه الطريقة؟؟ لم أهاجم نسائك لوكا... لما تعود الأن و بهذه الطريقة المصرّة؟؟انتهى ما بيننا منذ ثلاث سنوات..."
" منذ ثلاث سنوات لم تخرجي مع رجل ميغان... انها المرّة الأولى التي تظهرين علنا مع ذلك السافل..."
فتحت فمها لتتكلم لكنها من الغضب بحيث لا تجد الكلمات الصحيحة:
" أيها الأناني المتغطرس... تظن بأن لك الحق بالظهور مع النساء متى يحلو لك بينما كبريائك المبالغ فيه تضرر لأنني قررت وضع حدا لعزوبيتي و قبول دعوات وارين؟"
" أعرف بأنه لا يهمك..."
" كما لا تهمني أنت..." صرخت به وهي تضربه على صدره بعنف الى أن شعرت بمعصمها يؤلمها:" بأي حق تفعل هذا؟؟ قمت بإيذائي بينما كنت في أشد الحاجة اليك... فقدت شقيقتي في حاذث لعين و تركت لي طفلتها اليتيمة... لكن بدل الوقوف معي أدرت لي ظهرك و ذهبت لسرير بريثني..."
لا تبكي أبدا أمامه، لم تفعل هذا الأمر حتى و هي تتوجع لهجرانه، لكنها المرة الأولى التي تشعر فيها بأنها تفقد حقا السيطرة على مشاعرها، أنانيته لا يتخيلها عقل، مد يده ليمسك بمعصمها و كأنه شعر بالألم الذي يهتز فيه في هذه اللحظة:
" لا شيء جمع بيني و بين بريثني..." حاولت نزع معصمها لكنه لم يتركها تتحرر من قبضته، بيده الأخرى أبعدت أصابعه خصلات شعرها المنفلثة من تسريحتها العشوائية: " ميغان... يمكنك سؤالها... أنت المرأة الوحيدة التي تهمني"
" تريد القول همتك لفترة..." صححت له بجليدية.
هز رأسه لينفي كلامها:
" لا تفعلي هذا... لا تبتعدي عني مجددا..."
هل يمكنها أن تشعر بالتعاطف مع هذه اللكنة المنكسرة؟؟ تكاد أن تصدق بأنه يتألم مثلها، يقول بأنها همته، بينما لم يتأخر بإستبدالها مع عدد لا يحصى من الجميلات... بعد هجرانها له، لم تستلم ناومي، و لم تتركها و شأنها، فعلت ما استطاعت لتقربها منه مجددا، حتى انها وصلت بأن تسر لها بأن القطيعة أدخلت أخاها في حالة اكتئاب شديدة، في نفس اليوم، ظهر هذا الأخير مسرورا مع شقراء فاثنة بجانبه...
" لا أعرف ما تنتظره مني... لكن دعني أخبرك بأن ما في رأسك لن يكون أبدا... لا أنوي السماح لك بإقتحام حميمتي مجددا... إرحل من هنا.."
كانت قبضته على معصمها تشبه الأصداف الحديدية، لا ينوي تركها، التعبير الهش الذي تخادل في نظراته الجميلة اختفى ليحل شيء مريع فيهما.
" كل هذه القصة مع بريثني مجرد ذريعة لتركي..."
" من العار التملص من مسؤولياتك ... تحملها كبالغ وليس كطفل مدلل... بريثني بنفسها أكدّت لي الموضوع، و بأشد الطرق اذلالا..." كان يشد على معصمها لدرجة ان اصابعهما معا بدأت تفقد لونها و تشحب بشدة، الالم اصبح لا يطاق، لكنها متأكدة بأن لوكا لم ينتبه للطريقة التي يسجنها بها: " أنت تؤلمني..."
" أنا آسف..." خفف من قبضته و تطلع الى معصمها و كأنه يتأكد بأنه لم يترك عليه آثارا مريبة، ثم و بدون اي توقع حمله الى شفاهه ليضع عليه قبلات صغيرة جعلتها تشد أنفاسها من المفاجئة:" لا أنوي ايذائك ميغان... "
استعادت يدها و فركتها قليلا لتبعد الاحساس اللذيذ لشفاهه على جلدها دون ان تبتعد بنظراتها عليه، رأته يدفع بأصابعه في كثلة شعره الغزيزرة ثم يعود ليواجهها بنظراته العميقة:
" الحياة مريبة بدونك..."
ماذا؟؟ انتظرت كل شيء عدا هذا الاعتراف، لوكا يملك من العنفوان ما يمنعه من التنازل أو حتى اذلال نفسه، لكنه اللحظة يبدو كمن يخوض حربا عنيفة مع نفسه:" لا أعرف بالضبط ما حذث في الماضي، لكنني متأكد بأن كل ما حذث بيني و بين محامية ارشيبالد تلك الليلة هي العمل حتى وقت متأخر، ان كانت اتهاماتك صحيحة، فأجهل الأسباب التي تدفعها لإختلاق هذه القصة بينما تعرف بأننا نعيش معا..."
كل موظفات ارشيبالد تتدحرجن بين هذين الطرفين، لوكا مارشال و كيليان ارشيبالد، بريثني لم تنجح يوما حتى بدفع كيليان منحها نظرة أطول من الطبيعي، حتى أنها استعملت كل الأسلحة الممكنة، غريب وفائه لإيموجين بالرغم من أنها لا تهمه و لا يحبها.
" لم اختلق قصة ادعاءاتها ... أخبرتني بريثني بأنها أمضت الليلة معك في شقتك..."
" هذا افتراء و كذب..." أكد بلهجة صادقة..
هل ترغب بتصديقه و نسيان ثلاث سنوات من العذاب بصمت لرجل لا يستحقها؟؟ لما نبرة الصدق في صوته تتوسلها للخروج من حالة التأهب التي تدخلها كلما كان في الجوار؟؟ ان كانت تحبه؟؟ في الحقيقة، مشاعرها نحوه لم تتغير أبدا، انه الرجل الوحيد الذي أستعملت حبوب النوم لإخراجه من رأسها و الاستسلام لليالي طويلة بدون أحلام و لا كوابيس، لكن ماذا عنه؟؟ مالذي تمثله بالنسبة اليه أكثر من ميغان القوية و التي يؤلمه رفضها بشدة؟
" قولي بأنك تصدقيني أرجوك..."
" هل لهذا أهمية الأن؟؟ " سألته بصوت مهتز أكثر مما آملت.:" منذ البداية لم يكن لعلاقتنا أي معنى... بغض النظر عن رؤية كيليان للموضوع فأنت أحد شركائه و شقيق زوجته و أنا مديرته، لا أعرف لما احتفظ بي في مؤسسته بينما أخترق أول شروط العمل... ممنوع الخروج مع أحد الشركاء"
كانت أسنانها تهتز، البرد بدأ يجمدها بسبب طول مدة وقوفها في الفضاء العاري دون معطف فوق كنزتها، اقترب منها لوكا، يديه على ذراعيها يفركهما ليمنحها الدفئ:
" ميغان أنظري الي..." وهل تملك أي خيار كي لا تفعل؟؟ انه يبتلع فضائها بهيئته الطويلة، هزت عينيها نحوه: " ما زال للموضوع أهمية بالنسبة الي... "
الصدق في صوته بدا مليئًا بالحب ... أم أنه قلبها الطائش ، الذي صدق ما حلم أن يراه ، يسمعه ، يشعره ...
" أريد العودة ميغان ..."
تركته يأخدها بين ذراعيه و يواسيها، انحنت بوجنتها على صدره و ضغطت عليها، كان قميصه مثلجا من البرد، كلاهما متجمد، ارتجفت برعشات عديدة بينما يضغط بشفتيه على شعرها. الرائحة المنعشة لعطره الخاص حولت حواسها، عادت الذكريات المشتعلة إلى الظهور لتذكّرها بقوة لياليه الامنتهية.
فُتح الباب خلفها و ابتعدت عن لحظة الضعف التي شعرتها بين ذراعيه، رفضت الالتقاء بنظراته المتفحصة، دفعت الخصلات خلف أذنها بينما لونا تظهر بملامح قلقة، ابتسمت لها مطمئنة:
" كل شيء على مايرام حبيبتي..." لونا تتطلع ببعض الفضول نحو لوكا.
" الن نذهب الى الريف؟" سألتها بحذر.
" بلى سنفعل.. هل أتممتي تجهيز حقيبتك؟؟"
" لا أجد معطفي المطاطي..." أجابت ببعض العصبية.
" أظنني وضعته في الرفوف العلوية... سوف أحضره لك بنفسي... انتظريني في الداخل فالجو بارد جدا..."
لم تعترض مثل عادتها، لونا طفلة جميلة جدا و متفهمة، لا تتصنع الكثير من الأزمات الغير مرغوب بها، مثل أوكتافيا التي تفعل كل ما بإستطاعتها لإثارة اهتمام كيليان، لسيما منذ انهيار زواج والديها.
ادلف لوكا يديه في جيوب بنطاله و كأنه يحاول إخفاء عصبيته:
" ستذهبان الى الريف؟؟"
" وعدت لونا بإطعام السناجب و امتطاء الاحصنة... ارشيبالد تملك منتجعات سياحية لموظفيها... وجدت شاليه متوفر لحسن الحظ..." فركت جبينها بظفر سبابتها:" يستحسن أن أنهي جمع الحاجيات لا أنوي الوصول متأخرة..."هز رأسه متفهما:" يومك سعيد لوكا..."
لكنه لا ينوي البقاء هنا:
" هل ستفكرين بي ميغان؟ في عرضي لك؟؟ "
بللت شفتيها المثلجتين:
" اسمع..."
قاطعها:
" أريد العودة الى حياتك... "
" تأخر الوقت كثيرا..." يعرف بأنها تقصد علاقتهما و ليس وقت رحلتها مع لونا:" عليّ الذهاب..."
تراجعت الى الخلف ووضعت الباب بينهما، عندما أغلقته في وجهه كان مايزال يتطلع اليها بنفس الطريقة الصعب تشفيرها، بقيت متسمرّة خلف الباب متأهبة... لكن لم يحذث شيئا.
* * *
عندما يتحدث الناس عن أنفسهم... فالأمر بمثابة سلخ جلودهم تمام و ترك لحومهم نيئة، هذا بالضبط ما يتورط به الماضي في كل هذه الصور و الأوراق، تعرف بأن نظرات سابرينا عليها، لكن الصخب في عقلها يمنع عنها التفكير كليا،عالمها أتى على التدمر كليا، الظلام في هذه المعلومات سحبها بعنف الى قعر الجحيم...
" اذن... فحياتي تختصر في هذه الأوراق..." سألت دانيلا حماتها التي استعادت أوراقها التي لا تنوي مطلقا تركها بين يديها.." خوسيه... متأكد بأنني لست ابنة حبيبته"
" الحقيقة الكاملة لن تنفعه سوى بتحطيم نفسه... لسيما وهو يعاني مع مرض مزمن و يحاول التعافي من أجل أبنائه... إحميه من هذه المعاناة دانيلا "
أخبرها خوسيه بأنه قام بالتحاليل المناسبة، اذن فقد انتبه بدوره لتقارب الأرقام بينهما... تماما كما انتبه لها اليساندرو و أخفى عنها... هذا الشيء أشعرها بالغضب الشديد... الغضب و الخيبة و عدم الأمان... كيف أمكنه خيانتها بينما يراها تتمزق لتعرف الحقيقة؟!
القت نظرة تائهة على المكتب الذي احتله أشرس رجل عرفته صقلية، كانت بصماته في كل أركانه، انه موجود رغم غيابه، شيء لا يُصدقه عقل.. شعرت فجأة بأنها اكتفت... محيطه الحميمي يخنق عليها بقوة، تريد فحسب الهرب من هنا.
" أخبرتك لأني أراك صلبة... ورثت طباع والدتك النارية..."
" لو كانت بتلك القوة لما انتحرت أو سمحت لأحد بإيذائها..." ردت دانيلا.
لم تكن تسمع جيدا، صوت قطار مسرع يهتز بعنف في أذنيها و يحجب عليها سماع أي شيء آخر.
" لن تخبري اليساندرو... أنت وعدتني..."
" اليساندرو كذب عليّ... الشيء الذي لن اسامحه عليه..."
نقطة ضعف سابرينا هي أولادها، رأت رباطة جأشها تهتز تحت هذا التهديد الذي خرج قبل أن تتحكم فيه:
" لن تعاقبيه...هو يجهل الحقيقة كما يجهلها الجميع...حتى روكو لا يعرفها صدقيني"
اكتفت حتى من سماع صوتها، تريد فقط الانزواء بمكان لن يجدها فيه أحد و التفكير في كل ما اتت على اكتشافه، الأمور أشد تعقيدا مما توقعت... قلبها يتمزق بشدة" طلبتي الحقيقة فحصلتي عليها اذن كوني قوية و على قدر المسؤولية و لا تتهوري... "
كلمات سابرينا أتت صارمة جدا، لا يبدو أنها تمزح، ذكرتها عينيها بنفس قوة نظرات ابنها روكو، هذه المرأة تملك الكثير من الشخصيات تستعملها حسب الظرف... وقفت و شعرت بالمكان يدور من حولها، وضعت يدها على صدغها، صداع لا يُطاق بدأ يهدد بتفجير رأسها:
" أريد أن أكون بمفردي..."
لم تعترض سابرينا و تركتها تذهب، تجهل بأي معجزة وصلت الى غرفتها، بل غرفة اليساندرو التي تتشاركها معه، للمرة الأولى تندم على قرار تركها غرفتها، تريد البقاء بمفردها و اعادة التفكير في كل هذه المصائب التي نزلت على رأسها...
جلست على الكنبة و أخدت رأسها بين يديها،كان يجب أن يناقش الموضوع معها ، أقل الأشياء... الغضب غزاها بعنف، وتبحث يائسة عن مخرج لهذه المصيبة دون ان تجدها، حياتها برمتها أخدت اتجاها مغايرا بشكل لا يصدقه عقل، مالذي سيفعله خوسيه ان عرف الحقيقة؟؟حقيقة من تكون؟ هل سيحبها؟ ينبذها؟ وهي ستحب نفسها بعد اليوم؟ تفهم الأن لما وضع أهلها الوصاية لخوسيه ما رتينيز... لأنها ببساطة من المارتينيز و ليس بالطريقة التي تمنتها أبدا... بل بأسوأ الطرق الممكنة أتت الى الحياة... على حساب امرأة انتحرت في النهاية بسبب كل الضغط الذي تم مزاولته عليها.
مسحت دموعها عندما شعرت بأنها لم تعد بمفردها، اليساندرو في الهاتف يتكلم بلغة لا تفهمها، ما ان اكتشف انها في الجناح حتى انهى المكالمة، كان قد استحم و ارتدى ملابسه و يبدو مستعدا لتلك النزهة التي وعدته بها.
جثى أمامها على الأرض وأسرعت أصابعه بدفع شعرها عن وجهها:
" هل الموضوع أسوأ مما ظننت؟؟" سمعته يسألها برقة دفعتها للانتحاب مجددا:" أخبريني !"
" و لما أفعل؟؟" سألته بنبرة جليدية وهي تبتعد عن لمسته:" لما أتقاسم معك شيئا اليساندرو بينما أخفيت عني بأنني من المارتينيز؟؟ أنت من استلم تحاليل الدم و أخبرتني فقط بنصف الحقيقة!"
بدى الاحراج على وجهه:
" اسمعي... ماذا كنت ستفعلين مكاني لحماية الانسان الذي تحبينه بينما كل شيء ما زال متشابكا و غامضا و معقدا..."
" حمايته ربما.. لكنني لم أكن لأبقى مكتوفة الأيادي... كنت لأساعده..." قالت بلهجة مليئة باللوم وهي تبتعد عن الكنبة و تقصد خزانة الملابس، تريد ان تكون بمفردها، بعيدا عن أي مكان يذكرها بهذه القصة المريبة.
وقف اليساندرو من الأرض وتقدم منها في الوقت الذي بدأت تبحث فيه عن حقيبة سفرها، وجدتها بعد تنقيب عصبي ووضعتها على السرير، ثم بدأت بوضع أغراضها في قلبها:
" من أخبرك بأنني لم أحاول المساعدة؟؟" سألها بهدوء. لم ترد، كانت الغصة في حلقها تمنع عنها الكلام:" سابرينا أمينة روكو... انهما يعشقان بعضهما رغم كل التوثرات بينهما منذ اكتشاف سر صوفي... و تبقى كاتمة أسراره لذا رفضت كل محاولاتي بمعرفة حقيقة الارقام المتقاربة في التحاليل و قصدت فورا روكو... أخبرني بأنك ابنة اليونور... و أخت خوسيه..."
توقفت يديها على تكديس ملابسها في الحديقة، رأسها سينفجر:
" أخت خوسيه؟ ماهذه القصة؟"
بدأ التردد على ملامحه:
" اليس هذا ما أخبرتك به والدتي؟"
هزت رأسها بعنف الى أن شعرت بالدوار العنيف:
" لا... ليس هذا ما أخبرتني به سابرينيا..."
ربما انتبه اليساندرو لشحوب وجهها و الدموع التي لم تعد قادرة بكبثتها، اقترب منها ليمسك بيدها و يحثها على الجلوس على السرير:
" من منهم يكذب؟؟" تسائلت بصوت هش.
" روكو لا يكذب أبدا..." قال اليساندرو وهو يأخد قنينة مياه من البراد و يفتحها ليضعها بين شفاهها.
شربت من المياه المعدنية التي رحب بها حلقها الجاف، تملكتها فورا رغبة في الغثيان، العصبية و الحزن و الغضب كوكتيل سام في كيانها في هذه اللحظة، استعاد القنينة و جلس بالقرب منها، يده مجددا على وجهها، يتطلع اليها بعينين قلقتين:
" مالذي أخبرك به روكو بالضبط؟!..." سألته بصوت لم تتعرف عليه.
رأته يلتقط نفسا عميقا:
" بأن اليونور... كانت على علاقة ازدواجية بالأب و الابن... و أن أبي تدخل لإنقاد المظاهر... وتم طمس الموضوع بتبني ناديا لك... فاليونور كانت مجبرة على الزواج من رجل آخر..."
طرقات على باب الجناح جعلتهما يديران رئسيهما نحو الزائر، ليست متفاجئة لرؤية سابرينا مجددا، رأتها تتطلع اليهما بعينين نافذتين، اللتين ضاقتا ما ان سقطتا على الحقيبة و الملابس، هل أتت لتتأكد بأن لا تخبر اليساندرو بالسر المهين؟؟ بأن والده حثالة وجب التخلص منه لانقاذ البشرية عامة؟!
" أتيت لأرى ان كنت بخير.!" قالت هذه الأخيرة و هي تدنو بخطوات إمرأة عاشت حياتها في فرض هالتها الامعقولة، كانت مستقيمة جدا في مشيتها... أصبحت دانيلا تراها بعين أخرى الأن... تنقصها بدلة لتصبح روكو.
" بالتأكيد هي في حالة سيئة...مالذي أخبرتها به أمي؟" لهجة اليساندرو الاتهامية لم تروق لوالدته التي حطت عليه نظرات جليدية.
" فعلت ما طلبته أنت مني... قول الحقيقة..."
شعرت دانيلا بأنه من واجبها التدخل :
" حقيقة متناقضة تماما مع قصة روكو!..."
هذه المرة رباطة جأشها اهتزت:
" كلمتي روكو؟؟"
" أنا من كلّمه... قبل العيد..." قال اليساندرو وهو يضع نفسه أمامها:" عندما اكتشفت تقارب الأرقام بين دانيلا و خوسيه واجهته... أخبرني بأنها شقيقة خوسيه..." هزت سابرينا حاجبها لكنها لم تعلق بشيء، لما تلتزم بالصمت أمام اليساندرو؟ أم انها طريقتها لحمايته من سمعة والده السيئة؟؟ " أريد أن أعرف أنا أيضا ما يحذث... دانيلا خطيبتي و ستصبح زوجتي ذات يوم..."
لما ترى الملامة في عينيها؟؟ و كأنها تعتبرها المسؤولة عن هذه المواجهة... لكن هناك خلل في الموضوع، سابرينا و روكو ليسا على نفس الطريق في قصتها:
" ظننتك أكثر قوة..." وجهت سابرينا كلامها اليها:" أخطأت التقدير..."
" لم أخبره شيئا لأنك طلبتي منك ذلك... لكن ابنك متورط في الموضوع لأننا مخطوبين و أمري يهمه بالتأكيد... " ردت دانيلا مدافعة عن نفسها..." لما يعتقد روكو بأن اليونور كانت تعيش قصة مزدوجة؟..."
عادت لتصمت سابرينا، شعرت دانيلا بالاختناق للافكار التي بدأت تغلي في رأسها:
" تعمّد يانيس تسويد سمعة أمي لإنقاذ المظاهر؟"
استدار اليساندرو نحوها :
" أبي لم يكن وحشا.. لا تتسرعي بالأحكام "
لم تجبه، بقيت عينيها متحديتين على سابرينا، هي نفسها بحاجة لسماع رئيها في قصة روكو المؤذية لسمعة والدتها، سابرينا ليست من النوع الذي يتم تحجيمه بالتأكيد، انها واثقة و تعرف جيدا ما تفعله:
" لم يكن أي قيمة لاليونور أمام ما ستجلبه الفضيحة لثاني أكبر عائلة في اسبانيا... " تمتمت دانيلا بقرف.
" هذا يكفي..." حذرتها سابرينا:" ليست الأمور كما تظنين... بل أسوئها..."
" مالذي لم تخبريني به أيضا؟؟" سألتها بعنف.
" اليونور من أضرمت النار في مكتب الفونسو..."
شعرت دانيلا بأن أحدهم يوجه ضربة بسكين لأضلعها، تخادلت وعادت لتجلس على السرير:
" مالذي تقولينه؟؟"
" ما حذث..." أقرّت سابرينا وهي تقطع المسافة لتجبرها على النظر اليها:" أقول بالضبط ما حذث... لا ألومها ردة فعلها دانيلا... تصرف منطقي لأنثى تعرضت للاضطهاد و تم هضم حقها و ابعادها بكل الطرق عمن أحبتهم... السؤال الأن هو ما ستفعلينه أنت أمام هذه الحقائق؟؟ اعادة الماضي لرجل عاد يبني حياته بأمان؟؟ هل ستكون هذه القصة مع أم ضد خوسيه؟؟ برئيه أنت ابنة ناديا و ألفونسو... الموضوع ينتهي هنا..."
ارتجفت أطرافها، بعض الافكار الاجرامية تملكتها بينما تطلع على الحقيقة العارية، لكنها تعترف أن كلام سابرينا منطقي جدا، فيما سيفيد الحاضر باخراج الجتث من الخزائن المنسية، من ملامح اليساندرو عرفت بأنه بدأ يفقه لما يحذث:
" هي ليست ابنة المادو؟" سأل والدته بدهشة:" لما روكو يعتقد هذا؟"
" أجهل كل تطلعات والدك للمستقبل فلم أنجح يوما بتفسير رؤاه المتعددة..." ردت سابرينا وهي تدنو من ابنها و تلامس وجنته:" والدك... فعل ما أمكنه ليحمي من يحبهم... الفونسو ملك ضعف شديد نحو اليونور التي لم تكن ترى سوى خوسيه، و اعتدى عليها جسديا... و المادو كان بصدد التقدم للانتخابات... فضيحة مماثلة كانت لتضر بسمعة المارتينيز..."
وهي أتت بفضل هذه التجربة المريعة، الفونسو رفض بلع رفض موظفته له رغم علمه الأكيد بقصتها مع ابن شقيقه و هذا لم يمنعه من اخدها بالقوة لأسبوع كامل في مكان مجهول، و بدل أن يتم معاقبة الجاني طار يانيس لانقاذ انتخابات صديقه بلوي ذراع عائلة والدتها و دفعه التزام الصمت... غريب... يستمر يانيس بادارة قواعد اللعبة حتى و هو ميت... بسبب تشويهه سمعة اليونور لم يكن روكو قادرا على نبس الحقيقة يوما لصديقه... تلك الحقيق التي يعرف بأنها ستدمره... كون المرأة التي أحبها ليست سوى ساقطة!
" آسف حبيبتي!..."
ابتسمت لاليساندرو بمرارة، غير قادرة على منع دموعها من النزول:
" هو إغتصبها و هي قتلته ... قصة رائعة اليس كذلك؟!..."
" ليس ذنبك..." وشوش لها برقة وهو يعود للجلوس قربها، غير قادر على الامتناع عن لمسها أكثر، سحب خصلة عن وجهها ووضع سبابته تحت ذقنها... " سنكون أقوى لتقبل هذه الحقيقة ووضعها خلف ظهورنا داني... هذا لن يغير من الواقع شيئا ان قررت تفجيره مجددا في وجه خوسيه..."
" كان يُفترض أن أكون ابنته و ليس ابنة عمّه... كان يُفترض أن أكون ثمرة حب و ليس اغتصاب... اليونور ضحية مؤامرة فظيعة... أولا تمّ الاعتداء عليها و عندما طالبت بالعدالة قاموا بقمعها بأسوء الطرق، ابعادها عن الرجل الذي تحبه و أيضا ابنتها ...كل تلك الرسائل التي لم تصل يوما لخوسيه... تطالبه بإنقادها...رباه... ماتت وهي تظن بأنه نبذها ... " هزت عينيها الممتلئتين بالدموع الى سابرينا:" كيف استطاع يانيس ان يكون رسول شر ؟ حتى بعد موتها... وضعوا في رأس خوسيه بأنها ماتت حامل...بأن زواجها كان طبيعيا جدا و تشاركت علاقة حميمية مع الزوج الذي أرغمها يانيس عليه... لقد دفعوا له كي يتزوجها...تعمدوا قطع اي أمل بينهما... أي رجل بلا قلب كان عليه؟ "
" يانيس تصرف بأمر من المادو"
" بل المادو تبع تعليمات يانيس بكل حذاريفها... لا تستحق اليونور ان يتم ظلمها للمرة الثانية وهي ميتة... روكو يظن بأن امي ساقطة بأنها تقاسمت السرير مع الاب و ابنه... بينما في الحقيقه ردة فعل يانيس اتت لحماية سمعة شقيقته قبل سمعة صديقه..."
هذه المرة لم تجد ملكة الرد الفوري شيئا لتقوله، عموما فالوقائع واضحة وضوح الشمس، اليونور بدون اسم حقيقي وقعت بين مخالب عصابة حقيقية و تم طمس الجريمة التي تعرضت لها مقابل اهذاف المادو السياسية و ايضا شرف شقيقة يانيس التي كان يفترض ان تتزوج من عائلة المارتينيز... لعنة العرّاب انصبت عليها هي بدل المذنب الحقيقي... الخلاصة انها ابنة رجل مغتصب.
" كيف عرفوا بأنني ابنة الفونسو و ليس خوسيه؟ ففهي النهاية... كانت حبيبة هذا الأخير..."
" عرفوا بالطريقة نفسها التي عرفت انت بها... " ردت سابرينا بهدوء.
" لو أكدت الفحوصات انني حفيذة المادو؟ هل كان ليُسمح لهما بالزواج؟؟" تنهذت سابرينا لكنها لم ترد فأتممت دانيلا" لا بالطبع... نسبها لم يتوافق مع طموحاته السياسية...سؤال أخير... هل كان يانيس سيقبل بخطوب ابنة اليونور من ابنه؟؟ الاجابة بالتأكيد هي لا..."
ثم بدون تردد انتزعت خاتم خطوبتها من أصبعها ووضعته على السرير:
" مالذي تفعلينه؟؟" سألها اليساندرو بنبرة جليدية.
" لا أميل للميلودراما و نظرا لظروف خطوبتنا فأفضل وضح حد فوري لهذه الفوضى... عموما... أمامي وقت طويل لتقبل الحقيقة... لسيما...كونك ابن الرجل الذي تسبب بموت أمي... "
تمتم بنفس الهدوء الجليدي الذ يبرزه لها للمرة الأولى منذ لقائها به:
" نحن لسنا في مسلسل بسيناريو مقيت دانيلا انه الواقع اللعين و أنا لست مسؤولا عما حذث في الماضي... لا تتغابي و تنهي ما بيننا بهذه الطريقة!"
" لكنني أفعلها اليساندرو..." أكدت بصلابة" لا شيء مثل قبل... لن اعود مجددا الى نيويورك... كل شيء انتهى ..."
ابن يانيس ايميليانو لا ينوي التوسل اليها لتغير رئيها.
* * *
" تظن بأنني أملك الوقت لأناقش قراراتي مع خارج قانون؟"
بعد ما يقرب ثلاثة أشهر من المفاوضات والتقلبات الغير المسبوقة بالنسبة لبلد انهار إلى أزمات سياسية ، نجحت خططه باقتراح خارطة طريق "حكومة التغيير التي تدير ظهرها بحزم للتقشف و "الإملاءات" روما ، تراهنه على سياسة النمو الاقتصادي للحد من الدين العام الإيطالي جعل اسهمه تصعد بسرعة البرق، انه يحلم بالحصول على رتبة وزير و هذا يجعله أكثر ثقة، راقب خافيير ردود افعال سانتياغو أمام استفزازات الرجل، ما تعلمه في هذه الأيام أن هذا الرجل تلميذ روكو ذكي جدا و يستحق الثقة التي يضعها فيه رئيسه...
" في هذه الحالة فستكون هناك مشكلة..." رد سانتياغو بنفس طريقة رئيسه.
انهما هنا في مكتب السياسي في العاصمة الرومانية، كسب مؤخرا ثقة البرلمان و الشعب الايطالي عامة، رجل روكو الأمين ينوي أخد موعد لرئيسه لكن السياسي غير موافق على ملاقاة خارج قانون برئيه.
" لا مشاكل لدي ... أخبر دون ايميليانو بأنني بغنى عن توجيهاته و بأنني قادر تماما على حماية المصالح العامة للبلد..."
" لا ننوي التدخل في استراجياتك... من الجيد اظهار دعمك للأمن القومي و محاربتك للجريمة.. لكن ليس على حساب أمننا و استقرارنا... أنت استغليت الانتخابات لتضر بمصالحنا ..."
" فليكن..." قال السياسي وهو يدخل يديه في جيوب بنطاله:" اسم ايميليانو لم يعد يخيف أحدا غير نفسه... أخبره بأن زمنه ولى... بأننا ننوي منح ضمانات بشأن الحفاظ على ايطاليا في منطقة اليورو"
يهنئ رباطة جأش سانتياغو، هذا الرجل هادئ للغاية أمام استفزات الرجل الذي تمادى جدا بإلتقاط منديل موقع بإسمه و بالبصق فيه قبل أن يلفه ويضعه في جيب سترة سانتياغو الفوقي.
" هذا ردّي لرئيسك... و الأن اختفيا من مكتبي فورا...."
الدخول الى عالم روكو مثير للاهتمام، وهذه أول مهمة رسمية يقوم بها، يعرف بأن اختباره بدأ، في مهامه السابقة كانت المعايير مختلفة، تجارة أعضاء، اسلحة، مخدرات، هذه المرّة يدخل الملابسات السياسية، مافهمه أن هذا الرجل...' جيانكارلو دي ماريو' هو أمل أيطاليا الجديد، كان استاذ فلسفة جديد تمامًا على السياسة ولديه الآن سياسة لمكافحة الجريمة والأمن لتطبيقه. لكنه ورث المنصب بعد حرب الأنا بين زعيمي الائتلاف، قاد حزبه للفوز في الانتخابات العامة الإيطالية في مارس الماضي ، وحصل على أكثر من 32 ٪ من الأصوات.
تبع خافيير رجل روكو الأمين، وغادرا العمارة التي تضم مكتب السياسي، في السيارة أدار سانتياغو فورا المحرك فور اغلاق خافير الباب خلفه, الرجل يرتدي على دوام قناع محايد، من الصعب القراءة فيه، كان ينتظر انفجاره لكنه لم يفعل شيئا سوى الانطلاق بسلاسة في طرق العاصمة:
" هل سيطلب روكو بتصفيته فور تلقيه رسالته؟؟"لم يرد سانتياغو، ابقى عينيه على الطريق:" طريقة ردّه مهينة..."
" نحن لا نقتل الناس خافيير... بل نحميهم... "
توقف عن تصديق وجود سانتا كلوز منذ صغره، احتفظ برئيه لنفسه و توقف عن طرح الأسئلة، متى سيبدأ بإلتقاط المعلومات المهمة لإسقاط روكو في قبضة الانتربول؟؟ مهمته غير شرعية لأن ايطاليا لم تمنح موافقتها، و كلما قصرت مهمته كلما انقذ نفسه من ان ينغلق عليه الشرك.
ثلاثين دقيقة بعيدا عن قلب روما توقفت السيارة أمام باب حديدي عملاق، هذا الأخير فتح على ممر مستقيم بين أشجار زيتون لا منتهية، ثم ظهرت بناية بيضاء تتلألأ على جذرانها مياه المسبح الزرقاء، المكان لا يصل لجمال القلعة الصقلية، لكنه يجسد أيضا النفوذ و الثراء، توقف سانتياغو في المرآب، كانت مجموعة رجال مسلحة، اعتاد هذه الجموع المتجمهرة حول العرّاب، انهم طاقم حراسته الطبيعي عندما يكون خارج صقلية، لكن على ما يبدو الجميع متجمهر حول شيء ما، تفرقوا عند وصولهم، كان روكو بلا سترة ، تخلص أيضا من ربطة عنقه، ساعديه مشمرين و الازرار الأولى لقميصه محررة، حط عينيه عليه أولا، بطريقة جليدية قبل أن يُنقلها لسانتياغو، لم يتبادلا أكثر من نظرات مثقلة بالمعاني قبل أن يحوم بإهتمامه عليه. انتبه خافيير لما يجعل الجميع متجمهر، سيارة فارهة بقيمة مادية مبالغ فيها تشع تحت شمس روما، راقب ملامح سانتياغو تنقبض، شرح روكو:
" هدية يوليا بافيل سيدوروف"
سيدوروف اسم روسي مشهور للغاية في الانتربول، عُرف على ليونيد سيدروف لقب بائع الوقت، لأنه دقيق جدا في تهديداته و وعوده، بنى امبراطوريته من الاسلحة ، لم يكن اسطورة من أساطير المافيا مثل يانيس ايميليانو، فهذا الاخير كان ذكيا جدا في غسل الأموال، كانت استراجيته معقدة لدرجة انهم لم يتمكنو من محاصرته يوما، حتى بالتقدم التكنولوجي تمكن يانيس من جعل كل فلس له مشروعا... رجل لن يتكرر مرّتين هو يعترف بذلك... فهل أخد روكو شيئا منه؟ الأيام ستريه ذلك... بنظرة واحد اختفى الحراس ليبقى هم الثلاثة أمام سيارة تبلغ الخمسة عشر مليون... و حش من فئة w16 بسعة 8.0 لتر و قوة 1479 حصانا، تأمل فتحات التهوية الضخمة على مقدمة السيارة، و أسطح الكربون الشفاف على جسم السيارة، و الناشر الخلفي الضخم، و العادم المصنوعة من التيتانيوم، والجناح الخلفي.، كانت تقف على جنوط مصنوعة من الماغنسيوم...من يقدم سيارة مماثلة لروكو فلأنه ينوي شراء صداقته، القى اليه المفاتيح فجأة:
" قم بتجربتها..." رمز شركة محركات و اسم عالمي يلمع في مفتاح الديجيتال، التقت نظراته بنظرات العرّاب، سبق و أخبره بأنه لا يملك حس الدعابة... بمعنى أخر, ان قررت يويليا وضع كمين في هذه السيارة فهو سيكون الضحية.
" ما الأمر خافيير؟؟ هل أنت خائف؟؟" سأله بنبرة متهكمة.
" لا أخاف من شيء أو أحد..." رد خافيير وهو يفتح الباب عن بعد.
راقبه روكو يمتطي السيارة التي انغلق جناحها عليه و دوي محركها القوي الى ان ارتجت الارض من تحته الضجيج كان مناسب ليستجوب سانتياغو:
" أقلّ احترامه معك.."
" أرسل معي عينة من حمضه النووي..." انطلقت السيارة بقوة شرسة، خافيير سائق محترف، يليق عرضه بمباريات الترفيهية." يريد كسب الانتخابات بأي طريقة!..."
" تفشي الفساد في تقديم رشاوي للمسؤولين بغية تقديم مصالح شخصية... هو و حزبه في موقف هش... ضربة صفقة أسوغارا كانت ورقته الأخيرة... سأعلمه على الا ينسى من يضع القوانين..."
" كل شيء جاهز!..."
" رائع... متحمس لرؤية تعابير وجهه غدا صباحا"
راقب خافيير يعود أذراجه بالتحفة التي استلمها جويا قبل ساعة، يوليا لا تتوقف عن ادهاشه، في ظروف أخرى، ربما كانت لمغامرتهما أن تستمر أكثر من أربعة ليالي... كانت شريكة فراش رائعة جدا:
" ما معنى هذه الهدية؟"
" انها سيارة من صنع ارشيبالد... يوليا تلمح الى اطلاعها عن مستجدّاتي... تعرف من يكون كيليان و ما هي علاقته بي...و بما أنها عدّوة أسوغارا، الذين سلبتهم السوق الارجنتيني منذ سنتين، فرسالتها ستثير أكثر اهتمام أعدائها... سيظنون أنني السبب في توقيف الشحنة لأنني في فريقها و أدعم تجارتها..."
انتبه فورا للابتسامة التي يحاول سانتياغو اخفائها، أدلف روكو يديه في جيوبه سرواله:
" ما المسلي...؟"
"يوليا تهيم بك...هذا لن يعجب خطيبتك..."
" يوليا امرأة جبّارة و ذكية و تقف على امبراطورية والدها بحنكة رجالية، تحب اللهو معي من حين لأخر... و أنا أحب مهارتها في لعبة قناص الظل... و خطيبتي لا تتدخل في تعاملاتي... تعرف بأنني لا أرى غيرها"
" لما تعود يوليا فجـاة؟!"
"قد تتعدد أسبابها... " اقر روكو:" حرب على شفير الاندلاع.؟؟.. حاجة عاجلة لدعم مشاييخ المجلس؟...تورطات سياسية؟"
أقطب سانتياغو:
" ستزداد الاضطرابات و الاحتجاجات "
" تعلمت أن أستعمل مخيلتي قبل الجزم في اي موضوع..."
التزما الصمت عندما توقف خافيير بالسيارة قريبا جدا من قدميهما، كان يتعمد ترهيبهما لكنهما لم يتحركا تفاديا لأي اصطدام، كانت عينيه لامعتين بشدة، قيادة سيارة بقوة محركات ارشيبالد تترك هذا الاحساس لدى كل سائق ، يبدو بحالة من اتى على ممارسة الجنس مع امرأة.
" أرى بأنك ما تزال حيا"
رمى له خافيير بالمفاتيح ليلتقطها في راحة يده
" سأبقى كذلك لخدمتك روكو"
" الوحيد المسموح له بمناداتي بإسمي هنا هو سانتياغو..." قال له و هو يراقب علامة شركة ارشيبالد، ديزاين راقي جدا بأحرف ذهبية... ابن يانيس البكر نجح جيدا في حياته...يمكن لوالده ان يكون فخورا به، لسيما و انه يملك أيضا حفيدة ... هو بنفسه عم لهذه الطفلة التي لن يتعرف عليها يوما بشكل رسمي..." خد معك خافيير و قوما بترتيب مراسم استقبال السياسي هذا المساء..."
كان يوجه كلامه لسانتياغو لكن نظراته لا تفارقان خافيير الذي كانت عيناه تتحرقان فضولا:
" تستقبل السياسي الذي ارسل لك بصقته كإجابة؟"
" لا تقلق خافيير... نملك طرقنا للتعامل"
" اسمي محجوز لشقيقي و الاصدقاء المقربين... يمكنك مناداتي بالقرصان "
منع روكو ابتسامة متهكمة ، وهل كان ينتظر اذعانا منه؟ خافيير مختلف بشدة عن اليخاندرو و تعجبه معه لعبة القط و الفأر، لم يرد و منحهما ظهره ليدخل الى الفيلا، هاتفه الاسلكي يرتجف في جيب بنطاله، الرقم المجهول لا يمكن ان يكون لأحد غيرها،الهاتف يعمل بالاقمار الصناعية. كل رجاله مسموح لهم بواحد،يحميهم من التشفير و من أي شكل من أشكال القرصنة:
" أعجبتك هديتي؟" سمع نبرتها المثيرة و المغوية في الجهة الاخرى.
" حتى انه ليس عيد ميلادي كارا ميا..."
" اعتبرها هدية العيد ... "
" هدية عيد مسمومة..."
انطلقت ضحكتها و قالت برقة بالغة
"تعذبني هذه الحاجة الغريبة أن تقدم لي ملاذا للسلام ، وكلك احضان دافئة وآمنة ، بعيدا عن كل مخاوفي... متى ستفهم بأننا خلقنا لبعضنا أيها الوسيم الأيطالي؟"
" فات الوقت للتكلم على الماضي يوليا... انا مرتبط بإمرأة رائعة"
" مصممة يخوث لامعة و من عائلة يونانية عريقة ... لا شيء يبقى سرا روكو... خلافا لكل التوقعات تختار سمراء... طالما اعتقدت بأن لك ضعف اتجاه الشقراوات!"
" عزيزتي...كان لي ضعف اتجاه كل النساء ... فلنقل انها مميزة و بها جنتي من كل النكهات! "
هذا الرد دفعها للضحك مجددا، كانت تتسلى بحوارهما كما يتسلى هو، قّدم لنفسه شرابا بينما قالت هي بنعومة:
" سوف اكون في صقلية الأسبوع القادم... فرصة لتعرفني عليها"
كان يتوقع هذا الطلب:
" زيارة رسمية لصقلية؟ "
" يمكنك التصريح بهذا روكو... "
" هذه الزيارة تستهذف أمني..."
" هذه الزيارة لحط النقاط على الحروف... نستلزم باتفاقياتنا مع يانيس ايميليانو حتى بعد موته... فنحن عائلة كبيرة... نحمي مصالح بعضنا في ظروف مهتزة أمنيا ... طالما قدرنا دبلوماسية العراب الاب الذي حمل لنا من الاحترام ما حملناه له و كانت مصالحنا مشتركة"
" الفرق أنني لست العرّاب الأب و لم نبرم أدنى اتفاقيات، كانت له طريقته و أنا لي طرقي، ترغبين بلقائي يوليا؟ فليكن لكن بشروطي أنا... سأخبرك أين و متى اللقاء 'كارا'... "
ثم اغلق الخط... اللعينة و الذكية يوليا.. ستظل المرأة الاكثر دهاءا التقاها في حياته.
* * *
" الى أين تنوين الذهاب؟"
و لما ليست متفاجئة لرؤيته أمامهم، بنظراته المحترقة و شفاهه المزمومة،لم يكن أكثر انسانية منذ لقائهما الأخير، كانت عيناه تتنقل بينها و بين عربة الأطفال حيث التوأمين مهيئين لنزهة طويلة خارج القلعة.
مهووس السيطرة و النظافة متشح بالأسود اليوم و لا يبدو في مزاج جيد، كان ينظر اليها بتلك الطريقة التي تضعها على أهبة الاستعداد دوما، لكنها لا تفعل ما تهاب نتائجه، انها ترغب فحسب بممارسة حقوقها الطبيعية و أيضا زيارة بيتها الذي لم ترى ما حلّ به منذ ولادتها.
" سنقوم بنزهة... " قالت له و أصابعها تتصلب على مقود العربة:" الجو صحو و هذا سيفيدهما.."
عندما التقط قنينة المعقم من جيبه أدركت بأن الأمور لن تمر كما خططت، رباه كم تكرهه، رأته يعقم يديه قبل أن ينحني على الصغيرين و يفك حزام الأمان عن المادو الصاحي بينما شقيقته مثل المعتاد تمضي وقتها في النوم.
" لن يخرجا من هذا البيت... ان رغبت بإستنشاق الهواء فهناك الحديقة... انها أكبر من منتزه المدينة ..."
هذا صحيح، و القلعة تملك فريق مخابرات خوسيه الخاص، لا ترغب بالبقاء سجينة هنا، تنوي الابتعاد عن سيطرته قليلا لأنها ستفقد عقلها:
" اريد شرب القهوة في المدينة وشراء بعض الأغراض.. يمكنك ارسال السائق معي."
المادو يغري والده بإبتساماته، كان وسط ملابس تقيه من البرد القارص في الخارج، شعرت بوجود المربية ورائها، انها تكره هذه المرأة، تعرف بأنها من يمنح خوسيه كل تحركاتها، هذا الأخير وضع أصبعه في راحة الرضيع الذي أطبق عليها بشدة، منحه ابتسامة حنان قبل أن يعيد نظره اليها:
" سوف آتي..."
" أنت لست مضطرا..."
قاطعها بجفاف:
" أنا لا آخد رئيك... إما هذا أو لا شيء..."
وهل تملك الخيار؟؟ ان رفضت فسيأخدهام منها، و هي بحاجة للهروب و لو لساعات من هذا البيت الذي أصبح يشبه السجن وهو سجّانها، هزت رأسها موافقة مرغمة... رغبته في حمايتهما ، ورعايتهما ، وتوفير الأمن لهما ، تأخذ أبعاداً مثيرة للقلق... خوسه يبالغ في كل ما يخصهما، راقبته يختفي كي يعود بمعطفه الطويل الذي زاد لهندامه القاتم غموضا أكثر، سبقته بالعربة، والد كارلوس كان بإنتظارهم في الخارج، بعد أقل من دقيقة كان الصغيرين في مقاعدهما الخاص في السيارة، لكن من اخد مكانه خلف سيارة الجاغوار ليس السائق، خوسيه ينوي لعب دور رب الاسرة حتى النهاية، و بالتأكيد ترفض اي تقارب جسدي، جلست في المقعد الخلفي بجانب طفليها، التقت نظراتهما عبر المرآة الداخلية لكنه لم يعلق شيئا، حتى انه يبدو موافقا على سهرها عليهما، انطلقت خردة المعدن الراقية مبتعدة مما دفع المادو لإغلاق عينيه و الغرق فورا في النوم، يُشاع أن الأطفال يعشقون السيارات و ينامون جراء اهتزازها.
مرت الأميال الأولى في صمت، و عندما تكلم كان فحسب ليسألها عن وجهتها، ردت عليه بنفس الايجاز قبل أن تعيد اهتمامها للمناظر الطبيعية التي يمرّان بها,القيادة للسيارة لم تخفف من الأجواء الجامحة، رغم الصمت الا ان كهرباء قوية تسير بينهما، تحاول جاهذة تجاهلها، انها مثل قطة منتصبة الفراء، مستعدة للهجوم عند أول محاولة، التوتر في الهواء في ذروته و يزيدها عصبية و استعدادا، محاولاتها بأخد اجازة منه تذهب أذراج الرياح، انه هنا, معها رغما عن أنفها.. لكن في أعماقها لم تتوقع تنازلا، لن يكون خوسيه السافل الذي تعرفه ان لم يفرض نفسه عليها حتى في نزهة خاصة مع طفليها.
المحلات فتحت بعد العيد و الناس تشتري هديا رأس السنة، اي ان الشارع المدريدي مزدهر بالزبائن، أركن زوجها السيارة في مرآب السوق التجاري، من ملامح وجهه لا يبدو سعيدا ان يخرج التوأمين في جو ملوث برائحة البنزين لكنه اسرع بإخراجهما الى هواء نقي، هزت عينيها الى السماء بينما تراه يهجرها ورائه و يهتم فحسب بالعربة، لكن وضعه بينهما مسافة يناسبها، الاختلاط بالناس يشعرها ببعض الحرية، كانت واجهات المحلات مزينة بزينة العيد الذي لم يتم بعد ازاحتها، شمت رائحة اناس غريبون، رأت وجوها غير التي تراها في القلعة، كانت سعيدة جدا لهذا و لا يبدو ان خوسيه يشاركها هذه السعادة، بالرغم من ان مروره يلفث الانتباه بشكل قوي الا أنه يحاول ابعاد ابنيه عن النظرات الفضولية و أيضا... الهواء الملوث؟؟ لكن مالذي يظنه؟ بأنه سيتمكن من اخفائهما الى الأبد في غرفة معقمة؟ توقف فجأة يبحث عنها بنفاذ صبر و عندما لمحها زادت تقطيبته عمقا، يبدو أن النساء المأخودات بأب وسيم للغاية بعربة أطفال لتوأمين تبحثن عن الزوجة التي تكمل هذه الصورة الرائعة، و هي تختبئ من نظراتهن... منظرها المنتفخ مثير للشفقة، لاشيء فيها يناسب الوسيم الطويل القامة و الشبيه لحد ما العارض على لوحة الاشهار لعطر فرنسي مشهور خلفه تماما، حسنا التشبيه لا يعطيه حقه... خوسيه رجل بحق.
" لما تتباطئين بحق الجحيم؟؟"
" لا أحد طلب منك الخروج ... " تمتمت دون القدرة على تحمل نظرات الاخرين اليهما، لابد أنهم يقومون بالتساؤل عما يفعله معها.
" أنت غريبة الأطوار..."
" و أنت لا تُطاق..."
لم يرد عليها و تركها تدفع العربة ربما كي يراقبها بشكل أقرب هذه المرة، الأمور تمر عكس أمالها، بهذه المسافة بينهما الكل يعرف بأنهما معا، و كل الأعين عليهما، الكل يقوم بالمقارنة اللعينة، حتى انها لم تهتم حقا بنفسها قبل الخروج، شعرها الذي أصبح أطول في الأشهر الأخيرة في تسريحة عشوائية، وجهها بلا أي زينة، كانت تعرف بأن وجنتيها شاحبتين منذ الولادة و لم يستعيدا لونهما الطبيعي، ربما ملابسها ترفع قليلا من شأنها، فلا شيء تضعه عليها قادم من السوق العادية، ما يضعه خوسيه في خزانتها راقي جدا، حتى انه تخلص من جنزاتها المحبوبة، بعد عودتها من المستشفى لم تجد كل الأغراض التي كانت تحتفظ بها في الظل و تستعملها لتعود الى عالمهامن فينة لأخرى، لا يبدو أن انسلاخها يعجب سيد القلعة، قرر بتغيير الأمور مثل المعتاد... دون أخد رئيها... ومتى أخد رئيها؟
" لديهما ما يكفيهما من الملابس..."
سمعته يقول بعد أن دخلا محل ضخم خاص بالأطفال.
" أعرف... فهما يملكان كوتش خاص يقتني لهما الأفضل..." ردت ببعض التهكم:" الم يتبادر الى ذهنك بأنني أرغب بالقيام بهذه المزاولات بنفسي؟ أختار لهما اشيئاهما بذوقي..."
" تنتقضينني لأنني أسهل حياتك؟؟"
" تظن بأن الاهتمام بهما عمل اضافي و مرهق؟؟ "
" ما أراه أنك بين كتبك حتى وهما يرضعان من صدرك... لا أظن أن دراستك ستسمح لك بالاهتمام بكل التفاصيل..."
ثم يعود لإنتقاضها بهذا الشأن، و كأنه غيور من تشبتها بأهذافها الجامعية...
" لا تقلق أملك الوقت لكل شيء..." لامست بيديها أكسسوارات للفتيات و أعجبتها عصبة على شكل فراشة باللون الزهري، الشيء الذي جعل خوسيه يتدخل:
" لن تضعي هذا الشيء على رأسها... حتى أنها لا تملك شعرا..."
" لأنها شقراء... كنت مثلها في نفس السن...."
عادت تضع العصبة مكانها، اندفعت يد خوسيه نحوها، جل التعقيم في أصابعه:
" ابسطي يدك... هذا المكان مليئ بالفايروسات..."
تركته يضع نقطة على راحتها:
" خوسيه... أظن أنك تملك مشكلة كبيرة و عليك رؤية طبيب نفسي... حالة النظافة و التعقيم التي تعيشها لا يصدقها عقل"
" برئيك المساعدة النفسية لن تقتصر فقط على هوسي بالنظافة..." قال متهكما.
" أصبت القول... "
توقفا قرب مجموعة معاطف زهرية جميلة، فتحت شهيتها للمسها لكنها توقفت في الوقت المناسب، مازال خوسيه يمسك بجل التعقيم في يده، تنهذت و استدارت نحوه لتراقبه:
" ما الفائدة بالبقاء هنا ان كنت سأعقم نفسي في كل مرة؟"
" اذن دعينا نخرج من هذا الجحيم... " كانت نبرته نافدة الصبر:" انه الشتاء... فايروساته معدية و التوأمين مازالا صغيرين جدا على تحمل أي عدوى"
" عليهما اكتساب مناعتهما مع الوقت لا يمكنك الاستمرار بحبسهما في صندوق معقم لما تبقى من عمرهما.!.."
" نملك وجهة نظر مختلفة..."
" ليس هذا فقط ما لا نتفق عليه..." ذكرته ببرود.
" أنت محقة نحن مختلفين بشدة..."
انهى الحوار بهذه الطريقة، رأته يندفع خارج المحل، تبعته على مضض، مجددا يسلب الانتباه بهيئته المميزة و كاريزميته الغير المعقول، من المستحيل عدم تخمين موقعه الاجتماعي، عندما قصد المخرج لم تعترض، تبعته على مسافة قصيرة جدا، على الشارع العام اختار مقهى هادئة، جلسا على التراس، تطلعت الى وجهي التوأمين، كانا ما يزالان نائمين، تمنت لو يستيقظ أحدهما كي تهرب من هذه المواجهة وجها لوجه مع زوج يبحث لإثارة غيضها في كل مناسبة.
" سأستنأنف اعمالي بعد أيام... لن نرى كثيرا بعضنا البعض، أريدك أن تكوني مطيعة و الا تكسري تعليماتي خلال غيابي... "
كانت الشمس تسقط عموديا على خصلات شعره الحالكة السواد، منظره مبهر للغاية ولا يمكنها تجاهله بينما يجلس مقابلا لها، منذ ما حذث ذلك المساء في الحديقة، عندما طلب أن يستهلكا زواجهما و قبلها منتظرا موافقتها الأكيدة و هي تحاول التركيز على الجانب السلبي فقط من شخصيته، غطرسته،أنانيته، قسوته، السقوط مجددا في كمين وسامته لن يجلب لها سوى الشقاء، سبق و أقسمت على أن تبقى قوية الى أن تصل لمرادها، لن تستسلم فقط لأن شعره يلتمع بشدة و كأنه مصنوع من انهار لا منتهية من الماس.
" ماذا تقصد بالا أكسر التعليمات؟؟ الا أخرج مثلا...؟"
كان ينوي الانحناء على الطاولة بينهما لكنه توقف في آخر لجظة، لابد انه يفكر في الملايير الامنتهية من المايكروبات على سطحها، بالرغم من أن النادل اتى على مسحها بالمطهرات، كي تتحداه وضعت يديها على سطحها و أشبكت أصابعها، خاتم زواجها يلتمع بدوره و يثير انتباهه:
" أخرجي افعلي ما يحلو لك آيا... لكن بدونهما..."
" لما أنت خائف مني لهذه الدرجة؟؟ تظن بانني سأفر معهما و الا تجدني لما تبقى من حياتك؟؟"
هذا الهمس الصاخب لتهديدها ، أثاره بشكل رهيب ... التقت عيونهما ، بدأ الهواء يتشقق بينهما. كانت قزحيته تتحول دائمًا إلى اللون الأسود تحت تأثير الغضب. هل كان لديه أي فكرة عن تغير ملامحه و لون عينيه بتغير مزاجاته الكثيرة؟؟ شيء لا يتصوره عقل...
" تظنين بأنني عاجز عن ايجادك ان فررتي مني؟"
هزت كتفيها بلا اهتمام، وصل النادل بطلباتهما، خوسيه قهوة مرّة سادة وبالنسبة اليها شاي الياسمين.
" أعرف بأنك تملك اصدقاء بسلطة شاسعة قادرين على ايجادي... روكو ايميليانو مثلا, قرأت بأنه متورط مع المافيا..."
ازدادت تقطيبته:
" يحتاج عقلك الصغير أن يكبر كي يستوعب رجل بحجم روكو... ولست بحاجة لنفوذه كي أروضك ... "
يمكنها رؤية العقاب الذي سيلي ذلك، خوسيه لا يسليه الموضوع، كان على أهبة الاستعداد، متصلبا مثل ثور ينوي الهجوم على الضحية.
" تعرف متى تكون وفيا !...تتكلم عنه و كأنه احدى عجائب الارض "
"انه كذلك... لا تأتي على ذكر اسم فرد من اصدقائي آيا... أبدا..."
لسيما اليخاندرو ميندوزا بلا أدنى شك، وضعت السكر في فنجانها و تباطئت بتحريكه ثم هزت عينيها نحوه، كان مايزال يركز بنظراته الذهبية عليها، باردا مثل قطعة جليد:
" سيحين اليوم الذي نوقف فيه هذه اللعبة..."
هز رأسه موافقا:
" نعم عندما أقرر أنا ذلك.. "
" لأنك من بدأها؟؟"
" هذا صحيح... أنا من بدأها و أنا من ينهيها متى راقني ذلك... لا تحاولي مجددا تناقص أمر مستحيل مناقصته معي و اهتمي بدورك في ذلك البيت... ان حذث سوء خلال غيابي... فلن أنتظر طويلا لأتخلص من ازعاجك... هل أنا واضح.؟"
على بعد من طاولتهما جلس رجل و امرأة، و بدون أي مقدمات بدأت هذه الأخيرة بإرسال اشارات متعددة لخوسيه، ليغيظها ربما شجع مناوراتها، الرجل على طاولة المرأة لا يبدو منتبها لما يحذث، كان بالأخص يراقب لائحة الطعام.
" انها تلائمك..." قالت آيا لخوسيه بقرف و هي ترتشف من شايها.
" لا أحد يلائمني مثلك كوراسون..." ردّ بنعومة قبل أن يتجاهل المسكينة كليا، بدت فجأة مصدومة من تغيير مزاجه.
" و سأبقى السراب التي تلاحقه دون الوصول اليه خوسيه... و الأن... أريد لو نعرج على بيتي... قبل العودة الى القلعة...."
" تظنين نفسك شيء مهم أرغب بملاحقته؟" سألها فجأة بجدية.
" ما أظن أنك تكبدّت مشقة امتلاكي و تعمدت حملي و فعلت كل ما بإستطاعتك لسجني بجانبك..." ردت بهدوء:" رغم كل نكرانك... الا أنك تملك ضعف نحوي... و سأعود للرد على سؤالك... نعم أظنني شيء مهم ترغب بملاحقته الى آخر نفس..."
ظهرت ابتسامة في زاوية شفاهه، نظراته كانت ذهبية تحت الشمس لدرجة أنها تبدو مثل العسل المنصهر، رأته يلقي نظرة حنان على عربة الأطفال قبل ان يلقي عليها اخرى مناقضة تماما:
"تقلّصت أهميتك أضعافا" القى بورقة نقدية على الطاولة قبل أن يقف و يسحقها بطوله: " فلنمضي"
ولم يكن قد شرب قهوته.
* * *
صفحة المياه اغراء لا يقاوم، و بالرغم من حماسته في أن يذوب بجشع بين الأمواج الا أن ترك فيرنا خلفه لا يستهويه، تحتفظ بثنورتها الطويلة جدا و بملابسها المتحفظة، ربما انتبهت لنظراته المستمرة نحو البحر:
" لما لا تذهب للسباحة؟؟ سأهتم بملابسك..."
جعد أنفه وهو ينظر اليها مما دفعها للانفجار في الضحك، نزهتهما الشاطئية أتى قبلها تجولات شتى في أركان الجزيرة، فيرنا عشقت الزيارة بالهليكوبتر، برئيها قامت بعدة أمور معه كما لم تفعل في كل حياتها، وهو مسرور جدا لرؤيتها سعيدة، كل دقيقة معها هي جنة حقيقية، مد يده ليلامس وجنتها:
" هيا عزيزتي... تعرفين بأنني أثوق للسباحة معك..."
" لم أسبح يوما في حياتي سانتو... سبق و أخبرتك بهذا..."
" لم أنس.. و أنا وعدتك بأن أكون معلما صبورا..."
بقيت على ابتسامتها، لكنه لاحظ عصبيتها من خلال النظرات التي تحطها عليه ثم على البحر، الشمس لن تتأخر بالمغيب، و الجميلة لا تنوي وضع خوفها جانبا.
" أفضل... أفضل مراقبتك..."
هل من الحكمة الاصرار على امرأة لا ترى نفسها بالمرّة جميلة؟؟ ربما فيرنا واثقة جدا في نفسها، متقبلة اعاقتها بشكل مثير للتقدير، لكن عندما تنجح بإثارة انتباه الناس فهي تظن بأنه هو من يثير هذا الاعجاب و ليس هي، انه رجل... يرى كيف يراها الرجال، اذن فهذا ما يجعل صديقته الجميلة غير آبهة للنظرات، برئيها لا يمكنها اثارة اعجاب رجل.
" فليكن..."
بدأ بالتخلص من ملابسه، لا يقصد بذلك عرض تعري مثير، لكن الاحمرار الذي اندفع لوجه فيرنا جعله يبتسم:
" لم تنتظري ان أسبح بكامل ملابسي؟!..."
" أنت محق..."
راقبها تجلس على الرمال، تبسط ساقها المصابة بينما تضم ركبتها الأخرى الى صدرها، ملابسه تحت حمايتها، تبتسم له ملئ فمها، يعجبها ما تراه بلا أدنى شك:
" أنت... رجل كامل جدا..."
" أنت لطيفة عزيزتي... أعرف أن هذا القول يكلفك السبعين في المئة من تحفظك..."
عادت لتنفجر في الضحك:
" بل كله... "
أشار اليها :
" ابقي هنا و لا تتحركي... لن أتأخر..."
المياه كانت معتدلة مقارنة مع جسد انتشرت النار في أوصاله، سبح حتى الأعماق و ترك نفسه يغرق بين الأمواج الى أن هدأت رغباته المحتدمة منذ الصباح، فيرنا لا تتعمد اغرائه، حتى انها لا تتوقف عن التصرف بطفولية مبتعدة تماما عن نوع التصرفات الانثوية التي تستعملها النساء عادة في وجوده، أخدت مسألة صداقتهما بجدية كبيرة، استرخت هي بينما أصابته هو لعنة جديد اسمها فقدان السيطرة، عاد الى السطح ليلتقط أنفاسه، ثم سبح نحو الشاطئ، ملامح فيرنا تبدو قلقة جدا، ارتاحت بعد أن رأته يخرج سالما، منحته تلك الابتسامة التي اعتادها مؤخرا:
" كنت أفكر باي طريقة سأعود الى ايطاليا في حالة غرقك!؟..."
انفجر سانتو في الضحك و رمى نفسه بجانبها، هز رأسه ليبعد المياه عن خصلات شعره:
" هل وجدت ثمة احتمالات؟؟"
هزت كتفيها و اشارت الى الفيلا الغير بعيدة عنهما:
" العيش هنا الى الأبد فكرة مغرية..."
" سعيد أن الاغراء يتجسد في المكان الذي اخترته لأمضي معك فيه بعض الوقت..." غرق في عينيها:" أنا مرتاح معك..."
رقت نظراتها ووشوت له:
" أنا أيضا مرتاحة معك... الشيء الذي لم يحذث لي مع رجل منذ سنوات طويلة جدا..."
ركض إحساس حارق من خلاله و أضحى في حالة تأهب، هل ستخبره أخيرا عمن حطم قلبها؟؟ منذ أن دخلت حياته نشأت فيه مشاعر مجهولة ، خام ، عميقة... سقط في حبها دون أن تعيره أدنى التفاتة، الشيء الجديد جدا و المنعش له، راقبها تتوه بنظراتها الرمادية الرائعة في البحر، الشمس بدأت تنحرف جنوبا، و فيرنا تغرق في أفكارها، شعر فجأة بالغيرة من هذا الصمت، هل تفكر فيه؟ في حبيبها السابق؟ :
" أخبريني عنه..."لم ترد، بقيت صامتة، تضم ركبتها السليمة اليها: " أريد أن أعرف..."
أخيرا عادت اليه بعينيها، و ابتسمت ملئ فمها...
" لم يكن بأهميتك... فلم يقم بإصلاح سيارتي المسكينة و انقاذها من مصير قاتم!..."
مد يده ليلامس خصلات شعرها المعقودة بحزم وراء رقبتها:
" هل يمكنني فك شعرك؟؟"
يبدو ان هذا الطلب فاجئها، لكنها لم تبتعد أو تتصلب، بل هزت رأسها موافقة، أخيرا يمكنه رؤيته حولها مثل الستارة، أبعد دبابيسها و شد أنفاسه بينما الكثلة الفاحمة تستسلم للجاذبية و تحيطها تماما كما تمنى، رائحة الشامبوه وجدت بسرعة حاسة شمه، كانت رائعة بشكل لا يصدقه عقل:
" مهما يكن... فهو يجهل أي امرأة رائعة فقدها..."
البحر، النسيم العليل المملح و شعر فيرنا، تبدو اللحظة بعيدة كليا عن عالم كيليان المنظم و القائم على الحقائق لا الاحلام الرومانسية، كل يوم يميل أكثر لحياة سانتو... كل يوم يتقرب من ماضيه الذي رفضه لسنوات طويلة.
" يظن البعض... بأنه يسديك معروفا بتقبلك بعاهة مستديمة... " سمعها توشوش له، بظهر يده لامس شعرها، غير بعيد عن وجهها:" هذا بالضبط ما حذث... كنت أقل ثقة في نفسي، و رغبت بالحصول على حبيب كبقية المراهقات في عمري، فلنقل أنني تنازلت كثيرا كي يقبل بي... في النهاية أدركت بأنه أغواني كي يتفاخر بإنجازه أمام اصدقائه الذين اصبحوا يسخرون مني بأبشع الطرق... "
" كم كان عمرك؟؟"
" الثامنة عشر..." قالت متهكمة:" صغيرة جدا و غبية و ساذجة... الأسوء أنني أخبرته عن سرّي... و وجد طريقة لإستفزازي بعدها و طلب المال من العائلة أو فضح السر..."
شعر سانتو بالغضب الشديد من هذا التصرف الشنيع:
" أمي اتهمتني بكل الصفات الممكنة، تمكنت بالتأكيد من حل المشكلة، لكنها أخبرتني بأنني سأوفر على نفسي الكثير من العناء ان تقبلت كوني عديمة النفع لرجل مهما كان قدره... بالا أحد يتقبل فتاة بعاهة بينما العالم مليء بالنساء الجميلات و الكاملات جسديا..."
هذه المرأة تستحق أن يتم حشو فمها العاهر بالثراب:
" أنا آسف عزيزتي..."
" الأزمة دفعتني للتصالح مع نفسي... ففي النهاية والدتي كانت محقة، تعمدت قسوتها لحمايتي فحسب..."
" بل أراها عديمة الضمير فيرنا... من حق كل انسان الحصول على فرصة السعادة مهما كانت ظروفه النفسية أو الجسدية... ليس خطئك ان كنت ضحية متلاعب سافل و حقير..."
أطرقت برأسها جانبا:
" انت لطيف جدا معي..."
" أنت من يجعلني مختلفا, و لطيفا..."أكد لها برقة:" مالذي حل بهذا المبتز القذر؟؟"
تنهذت فيرنا و عادت لتنظر الى البحر:
" سؤال جيد... اختفى كليا من على وجه الأرض..."
" دفعت له ثروة كي يختفي؟؟"
هزت كتفيها:
" انها امرأة قوية جدا و تجد الطرق لحماية نفسها و عائلتها..."
امتدت يدها لتمسد ركبتها المصابة، تابع حركاتها البطيئة بعينيه:
" هل يمكنني رؤية ركبتك؟؟"
" انها بشعة للغاية..." اعترضت و أصابعها تتصلب على الثنورة.
مد يده ليضعها على يدها، فوق ركبتها تماما، بدأ بمدسها بلطف، يريد كسب ثقتها بشدة، فيرنا تبقى امرأة عاطفية و متضررة عاطفيا، ربما قوتها الخارجية تثير الاعجاب الا انها كبرت في ظروف تشبهه، يعرف ما يخلفه النبوذ، انحنى عليها الى أن صار وجهه على بعد ضئيل جدا من وجهها:
" أريني جروحك و أريكي جروحي..."
أقطبت، تحاول عبثا منح نفسها بعض القوة لتقبل عرضه، عندما بدأ بسحب ثنورتها الى الأعلى تركته يفعل، شد أنفاسه بينما تتراء له بشرة رائعة نقية و كاملة تغري للمسها، هز عينيه اليها، كانت تترقب ردة فعله ببعض العصبية، عندما وصل الى ركبتها و أبعد القماش الغامق عليها استقبلته نذوب غائرة و مريبة، فيرنا لم تبالغ، ركبتها بشعة لكن هذا لا يهمه بالمرة، لامس البشرة المتضررة و سمعها تتنهذ لهذه اللمسة، حول مجددا نظراته اليها، وجد عينيها ممتلئتين بالدموع:
" هل أؤلمك...؟؟"
هزت رأسها بالنفي:
" أنت أول شخص... أكشف له على نذوبي..."
ابتسم لها مشجعا، و دون تفكير انحنى ليلامس البشرة المتضررة بشفاهه:
" و انا سعيد لهذه الثقة..."
كانت ما تزال تشد أنفاسها بقوة عندما استقام ليواجهها مجددا، حدق في وجهها الجميل بملامحه المتوحشة و الخارجة عن العادة، كان هناك تعبير جديد. أدرك أن هناك رابطًا ينسج بينهما ، رابطًا عميقًا و قويا. انزلقت نظراته تلقيا الى شفاهها، كانت امنفرجتين و متأهبتين و كأنهما تنتطران القبل، الرغبة نحوها حقيقية و قوية... هل يحق له ان يأخد منها هذا بعد الثقة التي وضعتها فيه؟ أخبرته عن سرها، أرته نذوبها... ان عرفت بشأن ايموجين فهذا سيوقع نهاية الكوميديا؟!... هل هو مستعد للتوقف هنا من أجل امرأة لا يشعر نحوها بشيء؟
اهتزاز الهاتف في جيب البنطال الذي في حجر فيرنا قطع سحر اللحظة، العودة الى أرض الواقع مريبة و مؤلمة، رآها تعدل ثنورتها مجددا على ساقها الجميلة و أيضا المدمرة، أمسك ببنطاله ليخرج هاتفه، أقطب عندما اكتشف أنه لوكا، ابتسم لفيرنا معتذرا قبل أن يبتعد للاجابة:
" ما الأمر؟؟"
" عيد مجيد زوج أختي..." رد لوكا متهكما بصوت حاد مثل سيف الساموراي.
" أعرف بأنك لا تتصل فقط كي تقدم لي التهنئة... "
" هذا صحيح..." تنهذ لوكا من الجانب الأخر:" أريد عنوان المنتجعات السياحية التي تملكها أرشيبالد في أرياف نيويورك..."
القى سانتو نظر الى فيرنا، عادت لتبتعد بتفكيرها عن الواقع، كم يكره رؤيتها بعيدة عنه، أصبح متملكا جدا مؤخرا.
" الموضوع متعلق بميغان اليس كذلك؟؟"
" أريد استعادتها..."
" اذهب الى الجحيم لوكا... ان لم ترغب هي بإعطائك العنوان فليس أنا من سيساعدك... دعها و شأنها و لا تتصل بي مجددا لأنني مشغول للغاية..."
أغلق الخط قبل أن يعترض نسيبه، و كي يبقى مرتاحا لبقية السهرة أغلق كليا الهاتف، ارتدى البنطال الذي احتفظ به في يده و عاد الى فيرنا كي يأخد قميصه من حجرها، حركته أعادتها الى الواقع، فجأة سألته:
" كيف يعقل أنك تتكلم الايطالية بطلاقة بينما تنفي كليا صلتك بالبلاد؟"
زم شفتيه، الاستمرار في الكذب مريب للغاية، منذ البداية أخبرها بأنه روسي أبا عن جد، لم يرد، راقبها تترك مكانها و تقف على رجليها، تنفض الرمال على ثنورتها دون أن تبتعد بنظراتها عنه:
" أنت ابنه اليس كذلك..." ابتسامة انتصار تتلاعب بشفاهها الرائعة:" أنت صورة عنه... لما تستمر بنكران قرابتك بيانيس ايميليانو؟؟ " مدت يدها لتلامس دقنه" ورتث آخر تفاصيله حتى غمازته... منذ البداية شككت بالموضوع رغم نكرانك... ما لا تنتبه اليه سانتو... هو أنك تتلفض بعبارات صقلية عندما تندمج بالحذيث معي... و أحيانا ... أنا أيضا أتكلم بها فتفهمني دون مشكلة... "
أمسك بيدها ليبعدها عن وجهه، احتفض بأصابعها الدافئة في يده:
" أنا نغله الغير شرعي..." قربها منه الى ان التصق صدرها الجميل بصدره:" مغامرته العابرة مع راقصة روسية... "
" سانتو... ربما 'دون يانيس' لم يكن قديسا بيد أن عشقه لأبنائه فاق كل الحدود، حتى أنه كان رائعا مع أطفال الأخرين الذين عملوا لديه في المزارع... مدرسة القرية من أمواله، وفرّ ما عجزت عنه السلطات في ذلك الوقت... محفظة و مقعد لكل طفل... لا أقول أنه ملاكا وأظن أن هناك تفسير آخر للموضوع..."
حط ظهر يده على وجنتها، يتطلع اليها بنهم، كانت رائعة و هي تدافع عن قصته المريبة، رائعة و هي تحاول الدفاع عمن لا يستحق تعاطف أحد، رائعة وهي تحاول أن تكون محامية يانيس القذر:
" نعم هناك تفسير آخر..." وشوش لها:" قادني الماضي الى قدري...و أنت... هذا القدر..."
وضع يده على خدها، بإبهامه لامس شفتها السفلى الممتلئة و المغرية و بالتأكيد ليس بفضل حقن البوتوكس:
" أقضي وقتًا سيئًا لأنني عاجز أمام رغبتي الشديدة في تقبيلك فيرونيكا..."
عاد ليفصل كيليان عن سانتو، يرغب بالسلام مع المرأة التي يشعر بصدق بأنها تسكن كل كيانه، الانفصال عما هو مؤلم مريح للغاية، لا ينوي التوغل أكثر في ردة فعلها امام كلامه، رآها تحط عينيها على شفاهه، و كأنها تراهما لأول مرة، دون أن تقول شيئا دنت منه و منحته ما يحلم به ليل نهار.
الاتصال... أفقده الواقع.
* * *
" تطير الى صقلية؟؟"
سؤال لوكا دفع دافيد للتصلب أكثر، لكن الأمور لا تأبى الانتظار، تلك الجزيرة اللعينة، منذ الحاذثة أقسم الا يزورها مجددا، لكن والده لا يمزح عندما يخبره بأنه في المستشفى و قد تعرض لانتكاسة جديدة، انه يرفض قطعا ازعاج فلور، أو حتى ان يصل الموضوع لوالدته.
" الموضوع لا يتحمل الانتظار.. عموما سأقنع أبي بالعودة معي الى أمريكا، أراه يفقد بهجته في تلك الجزيرة... سأحاول عدم تركه مجددا... انه تعس بسبب طلاقه... كان يعيش من أجل أمي فقط..."
" أنا آسف دافيد... تفاجئت لأنك أقسمت بعدم العودة..."
" انه أبي... لا يمكنني هجرانه أنا الآخر..." حقيبته في صندوق سيارته، وصل لوكا قبل أن ينطلق دافيد الى شقته:" هل ستلتحق بميغان...؟"
" حصلت على العنوان... "
ابتسم دافيد مشجعا، لكن اختفاء ناومي و تجاهلها لتوديعه يجعله عصبيا، كل عائلة مارشال رائعة للغاية، والدة صديقه دفعته لأن يعدها بالعودة قريبا.
" فلنبقى على اتصال..."
لاحقا في شقة العازب التي لا يزورها كثيرا بسبب تعدد مساكنه وجد أن وحدته مريبة للغاية، بعد الاستحمام و الاتصال مجددا بوالده أدرك بأنه لا جدوى من المحاولة، كان خارج التغطية، لحسن حظه انه يملك طاقم رائع، خلال ساعة يمكنهم الطيران، عاد هاتفه ليرن، لم يكن رقم والده:
" دافيد..."
" ناومي...؟" المفاجأة دفعته للجلوس على طرف السرير الذي لم يستعمله منذ عدة اسابيع.
" آسفة لأنني لم أقم بتوديعك... أخبرني لوكا بأن والدك مريض... أتمنى أن يشفى قريبا..."
فرك جبينه:
" أنت لطيفة شكرا لك..."
عمّ الصمت قليلا، ثم سمعها تقول:
" حجزنا في البندقية لامضاء رأس السنة مع صديقاتي... سأتصل بك للاطمئنان على والدك من هناك..."
ثم اغلقت الخط.
ابقيت ناومي عينيها على سماعة الهاتف غير قادرة على تصديق تصرفها، هل اتت على تعرية خططها عمدا امام دافيد؟ هي التي تفادته كل الوقت بينما كان متوفرا و يحاول التقرب منها... أمسكت برأسها بين يديها قبل ان تقرر الاتصال بصديقاتها، ان لم تفعل فستقوم بالقاء نفسها من شرفة البيت:
" أخبرت دافيد عن خططنا بإمضاء نهاية السنة في البندقية" قالت ما ان ترآت لها صورهما عبر شاشة هاتفها، ايفا كانت تضع قناع أخضر على وجهها، تنظر من تحت دوائر الخيار التي تضعها على عينيها، بينما جيم تتقاتل مع روبها لغلقه مما أثار اهتمام ايفا:
" هل أنت مع أحد؟؟"
" كنت مع أحد, أتى على الرحيل... " شرحت جيم قبل أن تعود اليها:" هل قلتي بأنك كشفت عن مشاريعنا للوسيم المدمر ريتشي؟"
" تعمدت كشف خططنا..." علقت ايفا متهكمة.
هزت ناومي عينيها الى السماء و ارتمت على الكنبة:
" اشعر بالعااااااااااااااار رباااااااه لما فعلت هذا؟؟" ضغطت على رأسها الذي ينوي الانفجار:" تجاهلته طيلة فترة اقامته، حاول أن يكون لطيفا معي، ربما أجذبه... لا أدرررررررري... لكن ايموجين لا تترك لاحد فرصة الاقتراب منه... كنت أشعر بنفسي اقل أهمية بينما الكاملة جدا أختي تخطفه مني... "
" هل تنسى بأنها متزوجة من أهم رجل في الدنيا؟؟" سألت ايفا مصعوقة.
" لم يأتي للعيد... مشكلة ايموجين أنها بحاجة لاستحواذ اهتمام الجميع..." تنهذت، كانت خجلة جدا من تصرفها، دافيد سيعرف بأنها تعمدت اخباره و ايضا لاتصال به ليحتفظ برقمها الخاص:" لا أدري ما يحذث لي... ما ان اقف أمامه حتى افقد ثقتي بنفسي... أعود الى كاندي السمينة، هذا الشعور يزداد عمقا كلما لعبت أختي بسحرها أمامه... أحب ايموجين... أحبها بشدة و أساندها في مشاكلها.. لكن رغبة قتلها تملكتني مؤخرا... هي تعرف بأنني أملك ضعفا نحوه منذ مراهقتي... "
ابعدت ايفا قطعة الخيار من وجهها و رمت بها في فمها قبل ان تقول:
" يعرف بشأن خططنا و لم يقترح عليك أخدنا معه؟؟ انه يملك طائرة خاصة بحق الجحيم..."
اتسعت عينيها بالذعر:
" لا يمكننا القبول حتى وان اقترح هذا... بنات... اتصل بكن لأنني أشعر بالعار..."
اتصال ثاني جعلها تتصلب بحدة، اسم دافيد مكشوف بالأحرف الكبيرة، الهلع نجح بتدمير آخر خلاياها العصبية:
" انه هو... انه يعيد الاتصال... مالذي يريده؟؟؟ هل فهم بأنني مازلت منجذب اليه؟؟ ياللمصيبة... أريد الاختفاء الى الأبد..."
" اهدئي ناومي و اجيبيه... ان اقترح اخدنا معه فنحن جاهزتين للغاية عزيزتي... مارئيك ايفا؟"
" لابد انه محاط باصدقاء أيطالين وسيمين للغاية... انها فرصتنا للحصول على الرفقة المسلية..."
أغلقت الخط مع صديقاتها و بقيت تراقب اسم دافيد على الشاشة الى ان توقف، من الصعب عليها الرد و التصرف بطبيعية و كأن شيئا لم يكن، وضعت يدها على صدرها، تحاول التحكم في انفاسها اذ انها فعليا بدأت بالاختناق، عاد دافيد ليتصل مجددا، بلعت ريقها و صححت صوتها قبل أن تجيب بهدوء:
" آسفة لم ارى اتصالك... هل من شيء؟؟"
" سوف أطير الى صقلية هذا المساء... يمكنني أخدكن معي في الطائرة بدل الانتظار ... الجزيرة جميلة... يمكنكن الاقامة في مزرعة والدي، أنا لا أملك بيتا خاصا هناك..."
أغمضت عينيها و ضغطت بأسنانها على شفتها السفلى الى أن شعرت بمذاق الدم على لسانها، عادت لتحاول تهدئة نفسها:
" لا أظن ان الفتيات سيرغبن بتغيير خططهن بهذه السرعة..."
" يمكنني الانتظار حتى منتصف الليل... أعلميهن أن هناك شامبانيا ايطالية حسب الرغبة على متن الطائرة و أيضا شكولا فرنسية..."
ابتسمت مرغمة لهذا التفصيل:
" لم أقصد هذا عندما انفلث لساني ... كما انك ستنشغل بشأن والدك..."
ايتها الكاذبة، لسانك لم ينفلث أبدا... تعمدتي اطلاعه على وجهتك تتمنين داخليا دعوتك، نبهها ضميرها بشدة، تحاشته بقوة و ركزت على رد الايطالي الوسيم:
" والدي سيكون سعيدا برؤيتكن... هيا ناومي... أنا أيضا سأكون سعيدا بوجودك بجانبي"
* * *
أوقف خوسيه السيارة امام بيت زوجته، سبق وزار المكان في احدى المرّات، منزل جميل جدا في جنوب ' لا موراليخا' اذ تم اعادة تجديده بالتأكيد من طرف المبدعة أيا، تم تصميم جميع الغرف لجعل العيش بأكبر قدر ممكن من الراحة ، حديقة صغيرة جذابة وواجهة من حجر بنباتات معلقة تنم عن الذوق الرفيع.
" يمكنك انتظاري هنا مع التوأمين... سوف أطلع فحسب على البريد..."
" لا أنوي انتظارك.. " رد وهو يغلق المحرك و يستدير ليواجهها:" سأدخل بيتك آيا... أريد رؤيته من الداخل"
رآها تزم شفتيها لكنها لم ترد، لن يخبرها أبدا بأنه سبق و أخد مفاتيحها و بقي لساعات في المكان الذي اختارت أثاته و الوانه و جهزته بكل ما اوتيت من أنوثة، اختار التوأمين هذا الوقت ليستيقظا و كأنهما مجهزين بمنبه محدد.
" انهما بحاجة للرضاعة و تغيير الحفاضة... لا يوجد مكان أفضل من هذا..."
انها تكرهه بكل كيانها، بالكاد تتحكم بمشاعها بينما تخرج من السيارة و تبدا بفك حزام أوزلام الأمن و تضمها الى صدرها، فعل الشيء نفسه مع ابنه، و بينما تفتح ايا صندوق السيارة لتخرج محفظة اغراضهما انزلقت خصلة شعر على وجهها المحمر من الضغط، مد يده تلقائيا ليبعد الخصلة وراء اذنها، هزت اليه عينين دامعتين من الغضب
" لا تلمسني مجددا"
" لا تلقي اوامرك علي..." حذرها بنعومة" سألمسك متى راقني ذلك"
زمت شفتها بإحتقار:
" انت بحاجة الى علاج نفسي خوسيه لأنك غير متزن اطلاقا"
تركته في مكانه و خطت نحو الفيلا الصغيرة، فتحت الباب الخارجي الصغير الملتصق تقريبا بالباب الضخم الذي يقي الحديقة من النظرات الفضولية، تبعها عن قرب، عينيه على منحياتها المتفجرة انوثة و التي تجاهذ لاخفائها بكل الطرق، الامطار ضرّت بالنبات على مايبدو، آيا تتحسر عليها بصمت، فتحت الباب الدخلي و سبقته دون ان تدعوه للدخول، بسرعة ازاحت الستائر و بدأت بتهوية المكان:
" اذن هذا هو بيتك الذي تنوين هجر القلعة من أجله؟"
كان الجو دافء في الداخل، مما اضطره لنزع معطف ابنه الذي بدى سعيدا بتحرير يديه، آيا فعلت الشيء نفسه مع أوزلام، أبعدت ايضا قبعتها ووضعت الكل على الكنبة، دون أن تجيب على سؤاله تقدمت منه لتمنحه الصغيرة:
" سأجهز نفسي لإطعامهما..."
التقط الجسم الصغير الذي لا يزن شيئا في ذراعه الأيسر، الصغيرين بديا سعيدين للغاية بهذا التقارب، راقب آيا تتخلص من معطفها ايضا بينما تتوجه الى الممر الذي يعرف سلفا بأنه يضم غرف نوم الصغيرين و غرفتها هي، سرير يتسع لشخصين... لقد تحسس أغطيته... آيا تفضل القطن على الحرير الذي يقدمه لها في لياليها اليومية.
وضع الصغيرين على الشراشف التي تفوح منها رائحة النظافة في الوقت نفسه الذي سمع فيه ضجة قوية من الحمام، صراخ آيا جعله يهرول فورا الى المكان، وجدها مسمرة على الحائط، وجهها شاحب شحوب الاموات، تشير الى السقف بأصبع مرتعش، هز عينيه ليكتشف عنكبوت صغيرة لا تستحق كل هذا الرعب، الحمام يطل على الحديقة و تم ترك النافذة مفتوحة من الطبيعي ان تدخل الحشرات.
" يتجمد لسانك السليط أمام عنكبوت صغير بينما ينطلق بحرارة أمامي ؟"
" اقتلها خوسيه..."
هز عينيه الى السقف، العنكبوت بدأت تنزل بخيوطها بمفردها، التقطها بين أصابعه و قربها منها، خبئت وجهها وراء يديها:
" لا تفعل هذا..."
ضحك بنعومة قبل أن يقذف بالحشرة خارج النافدة و يغلق هذه الاخيرة ليمنع اي زيارات أخرى غير مرغوب بها:
" أيتها القطة السليطة اللسان سأملئ غرفتك بكل أنواع العناكب..."
" أتوسل اليك ابعدها عني..."
وضع أصابعه على يديها ليبعدهما عن وجهها، كانت عينيها ممتلئتين بالرعب و الدموع، بالكاد تلتقط أنفاسها، انها مرتعبة لحد الموت، اختفت سخريته اذ فهم بأنها في أزمة رعب حقيقية و تكلم بلطف:
" تخلصت منها... أنت بأمان..." دققت النظر في يده ثم في السقف قبل أن تبدأ بإستعادة أنفاسها، أمسك دقنها و أجبرها على النظر اليه، كم هي رائعة و منعشة بهذه الرموش المبتلة: " هل رأيت..؟؟ لا يمكنك العيش بدون حمايتي..."
* * *
المشهد يشبه سيناريو في فلم بوليسي، خافيير يستمتع بتبع تحركات روكو العظيم، هذا الرجل أسوأ مما تظنه الانتربول، الساعة السابعة صباحا، المكان، شقة الدبلوماسي، السيناريو، حفل شواذ طيلة الليل، روكو ينتظر أن يستعيد الدبلوماسي وعييه، كان يجلس على المقعد الجلدي، ينتظر مثله خروج الرجل من نومه، هذا الأخير ممدد في سرير مع رجال آخرين، التقط سانتياغو كل الصور الممكنة، لكن كل هذا مجرد سناريو، الاخراج لروكو ايميليانو... بالأمس لم يكن هناك تمة حفل، جلبو السياسي فاقدا لوعييه من بيته، كان ينام بجانب زوجته.... شيء مثير للتقدير.
بدأ الرجل يفتح عينيه، في البداية قرر العودة الى النوم، لكن حدسه دفعه ليستيقظ دفعة واحد اذ انه شعر بوجودهم، كان عاريا تحت الشراشف، جاهزا لما ينتظره:
" صباح الخير... ظننت بأنك لن تستيقظ" قال روكو بنعومة.
بدى الرجل مفقودا، ينظر من حوله دون أن يفهم شيء، كاد ان ينفجر في الضحك بينما يشاهد ذراع الرجل الذي يشاركه السرير تتلمسه تحت الأغطية، هذا الأخير قفز ارضا ، الشراشف حوله:
" ما كل هذا؟؟ مالذي يفعله الجميع هنا...؟؟ "
" أشششششت..." وضع روكو أصبعه على شفاهه كعلامة تحذير أولي و أشار الى الأرض:" اجلس و انظر جيدا.... لدينا فلم رائع جدا لك..."
اقترب سانتياغو بتابلت أيباد ليضعها أمام عينيه، مقتطف مشين لسهرة ماجنة قام بها سياسي مبتدء تضع ايطاليا عليه كل آمالها، امام صدمته انحنى وكو قليلا الى الأمام، ساعديه على ركبتيه:
" الفلسفة تعني الحكمة.. النظرة الواقعية... توقعت ردة فعل مغاير من أستاذ فلسفة لامع... " مازال السياسي يتفرج على الفيديو دون أن يتوقف وجهه عن التحول بكل التعابير الممكنة" كنت التهم كتب الفلسفة في شبابي، فثنت بما قرأته، استفدت منه، وضعته ركائز حقيقية في مشواري..."
" تقصد مشوارك الاجرامي..." قال جيانكارلو دي ماريو وهو يهز عينين محمرّتين من الغيض و الغضب نحو العرّاب.
" نستفيذ من خبرات السياسين جينكارلو، عكسكم فلا نختبئ وراء المظاهر... انتم عصابة مافيا ضخمة للغاية، تتاجرون بالبشر، تستعبدوهم، تهضمون حقوقهم، أما فيما يخصني شخصيا فأحاول أن أكون مواطن مثالي يدافع عن أبناء شعبه... مثلا... أنت رجل مثلي... أعذرني فأنا لا انتقض الميول الجنسية لأحد، يمكنك استعمال مؤخرتك لكل الاستعمالات المباحة فهذا يخصك وحدك، المشكلة هو أن الواجهة التي تقدمها للشعب متناقضة عن الأحلام التي تبيعها اليهم... برئي ان ننشر هذا الفيديو لنرى ما يفكر فيه حزبك و قبله... من تعتمد عليهم للتصويت عليك... فكما ترى.. أنا رسول خير... أظهر فقط الحقيقة للعلن..."
استعاد سانتياغو التابليت بينما عاد روكو ليستوي في جلسته:
" أنت من بدأ جيانكارلو دي ماريو...و ليس أنا... أنت رفضت لقائنا للحوار السليم و تركت لنا حجة رائعة لدسك في السجن... بعد ساعة من الان... ستعثر الشرطة على حمضك النووي في أكثر الماكن شبهة في روما... "
" أنت سافل..." رد السياسي من بين أسنانه:" لا تظن أن البقية سيبقون مكتوفين الايادي..."
" بل انهم متعاونون..." رد روكو بهدوء و هو يمسح آثار غبرة وهمية على سترته:" انهم في المستنقع أكثر مما يتخيله رأسك الفيلسوفي العظيم... "
" مالذي تريده مني؟"
ابتسم خافيير، وصل روكو لما يرغبه، الرجل مكبل الأيادي و الأرجل:
" أنت قمت بتوقيف شحنة كوكاين لأناس ينوون شن الحرب علينا... استغليت مصادرك لتظهر في التلفزيون متفاخرا للغاية بإنقادك العالم من التجارة المحرمة بينما عمك نوفا يملك وكر دعارة خاص بالأطفال حيث ستجد السلطات كل الدلائل التي تورطه الى آخر أيام حياته... أظن أن الشعب يهمه موضوع الاطفال أكثر من اقتناصك شحنة كوكاكين لم تكن موجهة لإطاليا بل أمريكا....أعد تلك الشحنة لأصحابها " حاول السياسي الوقوف، لكن نبرة روكو الصارمة جعلته يبقى مكانه:" في وجودي... أنت تبقى أرضا... هل هذا مفهوم..."
لم يرد السياسي، يتعجب خافيير للفرق بين من هددهم أمس و من يحني راسه أمامهم اللحظة:
" أريد أسماءا... من اخبرك بشحنة أسوغارا...؟"
" مصادر مجهولة..."
أخد أنفاسا عميقة، طريقته للاحتفاظ بهدوئه، التقط التابليت من سانتياغو و بدأ بالاطلاع على الفيديو:
" أنت حقا في موقف سيء...عندما أتخيل ردة فعل زوجتك... بناتك... الشعب الايطالي أمام هذه المشاهد الساخنة..."
" اقسم لك بأنني لا أعرف..."
ابتسم روكو:
" لا اثق أبدا بقسم السياسين... أريد اسماءا... ان كنت غير قادر على قولها جهرا مرتعبا من لعنتها يمكنك كتابتها..."
أشار الى خافيير الذي أخرج من جيبه قلما و مذكرة صغيرة ليضعها امام وجه الرجل الذي رفض أخدها:
" التعليمات تلقيتها بريديا..." قال السياسي بصوت مختنق:" كل شيء كان جاهز لكن اعرف بأن الأوامر أتت من الكراسي العليا... أعرف بانهم يتأمرون ضدك... أصبح وجودك مزعجا جدا..."
" تقصد الرئيس...؟" سأل روكو و قد ازدادت ابتسامته تهديدا،:" انه من حزبنا... أخبرني من وراء الموضوع قبل أن أفقد هدوئي!..."
" ليس الموضوع بهذه البساطة..." هز عينيه اليه:" امنحني القليل من الوقت لأعرف بالضبط لما ورطوني في القضية، عندما تلقيت المعلومات عن شحنة الكوكايين ظن الحزب أن ايقافها سيلعب دورا ايجابيا جدا في نجاحنا، بالنسبة لي توقفت الابعاد على هذا النحو، لكن هناك اشعات تحوم، هناك من ينوي حقا الايقاع بك"
" ليست المرة الأولى التي ينجرف الجميع نحو حلم مستحيل بالإيقاع بي..." انحنى روكو اكثر عليه:" سنعقد اتفاقا... ما حذث اليوم سيبقى بيننا، لكن وكر دعارة عمك سيتم ايقافه الليلة، ستتم محاسبته كمواطن و بشرعية، تريد ضم الأصوات سنمنحك الدعم، لكنك ستعمل لصالحي... ستجد لي الأسماء كلها، كبار ايطاليا أو غيرها فهذا لا يحذث أي فرق... اسرارك الغالية ستتبخر و كأنها لم تكن... نحن أناس تحترم كلماتها نكره الخونة و الأنذال، نقف مع الخير و نسير في طريق بلا منعرجات... ان ظننت ذات يوم بأنك أذكى... فستحصد فقط ما زرعته...."
ثم وقف العرّاب منهيا اللقاء، السياسي لم يعد قادرا حتى على التطلع اليه، أشار لهما بتبعه و هذا بالضبط ما حصل، القى خافيير نظرة أخيرة على من بصق في منديل كي ينقلب حمضه النووي عليه... لكن عقله استوعب كل ما قاله السياسي، شيء ما غريب يحذث، فالانتربول لم تحصل على تصريح للتجسس على روكو، يقال انه محمي بدرجة لا تقبل الانفصال، لما يلمح السياسي بأن مجموعة داخلية من ترغب استعماله و الايقاع به لإهذاف غير معروفة؟ ايطاليا تحميه بشدة... انه أكثر الشخصيات تأثيرا في المجتمع.
حتى هذا الوقت تجارة العراب في السليم، وربما تكون فقط طريقة ذكية لابعاد الشبهات، فيانيس لم يتم اتهامه او ايجاد اي نوع من الدلائل ضده بالرغم من انه كان قائد اقتصاد الظل... هل سيكتشف مع الوقت واجهة العرّاب الأخرى؟؟؟ التي تتعاقد مع ابليس في كل الصفقات و تدير بقبضة حديدية امبراطورية ضخمة لم تشهد لها ايطاليا مثيل؟؟
الأمور بدأت تتشابك... وهو يعشق الغرق في ملذات التعقيدات.. يشعر بأنه سيتسلى كثيرا في شخصية مساعد أكثر زعيم صقلي غموضا شهدته الجزيرة.
* * *
استيقظ سيزار على أنين مختنق، كانت روبي غارقة في النوم بجانبه، رأسها على ذراعه، سحب نفسه ببطئ كي لا يوقضها، ليلتهما الأولى في أريزونا، أمضت زوجته النهار في الاعتناء بإبن شقيقها و لعب دور الطبيبة النفسية، كما وعدته قام الصغير بزيارة قبر والدته الذي لم ينوي أبدا تركه، يعترف بأن الموقف كان محزن للغاية، وبدل أن تسعده الزيارة و تريحه زادته ابتعادا مما أحزن زوجته، انحنى ليعدل الغطاء على الجسد الأنثوي الساكن قبل أن يخرج على اصابع قدميه من الغرفة و يغلق الباب خلفه، غرفة نوم آنجلو مضائة، دفع الباب بهدوء، الصغير منزوي في ركن السرير، دمية الشيفون بين ذراعيه، يضمها بقوة و كأنه خائف على فقدانها، ما ان سقطت عيناه عليه حتى اتسعتا أكثر من الخوف و تصلب جسده الصغير بحدة مقلقة:
" اهدأ أيها الصغير.. لا أنوي ايذائك..."
لكن لا يبدو أنه ينوي سماعه، كانت شفته السفلى ترتجف و كأنه يستعد للانفجار في البكاء:
" أنت لن تبكي و تتسبب بإزعاج عمتك!..."
هذا التنبيه جعله يتراجع، دنى سيزار من السرير و جاس عليه، غير بعيد عن الصغير:
" ما الأمر أيها؟؟ لما أنت خائف لهذه الدرجة؟"
" أريد النوم معكما..."
ابتسم سيزار:
" انت لا يمكنك النوم في سريري و مع زوجتي .... لكن يمكنني البقاء بجانبك الى أن تعود للنوم ما رأيك؟"
لا يبدو سعيدا بهذا الاقتراح، فجأة تذكر ما يمكنه أن يساعده على النوم:
" ما رأيك في كوب من الكاكاو؟؟ أترغب بالمجيئ معي الى المطبخ؟؟"
بعد تردد النصف ثانية استسلم الصبي، ارتاح سيزار لأنه تمكن من اقناعه بالاستماع اليه، ثم أتى دور ابداعه في تجهيز الشراب السحري الذي سيمكن الصبي من النوم، انحنى عليه ليأخده بين ذراعيه و يضعه على لوحة المطبخ، هذه الحركة اثارت اهتمام الصبي الذي قل تصلبه، كان يراقبه بعينيه الواسعتين و الفضوليتين بينما يقوم بفتح الجوارير حيث وضعت روبي المستسلزمات التي قاما بشرائها، وجد أخيرا ما كان يبحث عنه، وضع علبة الكاكاو على لوحة المطبخ بالقرب من آنجلو بينما أخرج علبة الحليب من البراد و صب منها في كاسرولة قبل أن يضعها على النار و يعيد علبة الحليب الى البراد، أخد الكاكاو و بدأ بقراءة محتوياته:
" هل تملك أي نوع من الحساسيات؟؟" هز الصبي رأسه بالنفي.: أسألك لأنني شخصيا أملك حساسية من الكاكاو... من زبدة الكاكاو، من الصوجا و القرنبيط..." عاد الى الحليب و ازاحه من النار:" هذا ليس صحيحا... لست حساسا من القرنبيط، لكن عمتك تسيء طهيه لدرجة أنني اخترعت هذا الموضوع كي تتركني بسلام..."
ابتسم آنجلو، كانت ابتسامته رقيقة لدرجة أنه شعر بقلبه يذوب بين ضلوعه:
" و أنت... مالذي تكره تناوله في الخضر؟؟"
" البازلاء.." اعترف الصبي بخجل.
" تجد مذاقها سيء؟؟"
" بل أراها مثل وحوش مقززة و صغيرة..." كان يتكلم بجدية لدرجة ان سيزار انفجر في الضحك قبل أن يضع يده أمام فمه.
" لا أرغب بإيقاض الجميلة النائمة.. يجب أن نظل سريين للغاية... " صبّ الحليب في كوب كبير و اضاف اليه ملعقتين من بودرة الكاكاو ثم بدأ بتحريكها جيدا بملعقة قبل أن يقدمه للصبي:" كن حذرا فهو ساخن..."
بينما يحاول ابتلاع مشروبه بحذر استرسل سيزار بالقول:
" لم تكن البازلاء ما اراها وحوشا صغيرة بل البطاطا المقلية... أعرف... كل الأطفال يعشقون البطاطا سواي، و ذات مرة أقنعني أبي بأنني مخطئ للغاية و بأن مذاقها رائع، وثقت به و منذ ذلك الحين و أنا أستمتع بمذاقها بطريقته... موجة من المايونيز، صلصلة الطماطم الحلو و الاستمتاع بنكهة لا تقاوم..."
" أنا لم أرى والدي يوما..."
هذه الملاحظة أحزنت سيزار:
" والدي توفي أيضا منذ سنوات..."مد يده ليدفع بخصلاته الحالكة السواد بعيدا عن جبينه:" والدك... كان شهما جدا و رائعا و يحبه كل الناس..."
تطلع اليه ببعض الذهول و الفضول:
" هل كنت تعرفه؟؟"
ابتسم سيزار:
" كنا بنفس العمر أيها الصغير، بالتأكيد عرفته معرفة وطيدة، كان ليسعد بطفل لطيف و ذكي مثلك... لكنك لم تفقد كل شيء... أنت تحمل اسمه و شهرته... آنجلو جوزييف سيفيرانو... أنا متأكد انه يراقبك كل يوم من السماء و يحميك..."
" تماما كما تفعل أمي؟؟" سأله منبهرا.
هز سيزار رأسه موافقا:
" تماما كما تفعل أمك... انهما معا في هذه اللحظة، و سيسهران عليك حتى تكبر، و تصير أنت أيضا بالغا و ناجحا في أعمالك كما كان والدك... سيفخرون بك كثيرا لأنك لم تخيب أملهما و تجاوزت هذه المحنة بأن تكون أكثر قوة..."
وضع آنجلو كوبه الممتلئ جانبا، و خلافا لكل توقعاته دنى منه و لف عنقه بذراعيه الصغيرتين و قال له بصوت مهتز من الدموع:
" شكرا لك..."
اذا فشلت محاولات روبي بالتقرب من ابن شقيقها فلأن هذا الاخيرة كان بحاجة ماسة لوجود ذكوري، شعر سيزار بالعار لرده فعله نحوه بينما هذا الاخير كان يترقب تغير موقفه ليتجاوب معه، مسح برقة على ظهره و ابعده عنه كي يعطيه كوب الكاكاو مجددا:
" اتمم شرابك و سآخدك الى السرير و ابقى معك حتى تستسلم للنوم"
" هل تعرف سرد قصص النوم؟" سأله الصغير بإهتمام.
لا... كانت والدته تسرد له حكايات الأميرات و تنسى بأنه صبي
" لست موهوبا لكنني سأجد لك قصة مناسبة في النت... "
على هذا الوعد اتسعت ابتسامة انجلو و اتمم بسرعة كوب الكاكاو لينتقل فورا الى الخطوة التالية.
* * *
لا يستطع اتهام النبيذ بسبب الشعور غير الحقيقي بالدوار الذي سيطر عليه،كانت تستند بظهرها على صدره، رأسها على كتفه، كنا صامتين للحظات مفصولة بالمسافة لكنهما مرتبطان بالعواطف. النار تلتهم الحطب ببطئ بينما القمر ينير بقية البانورما التي يجعلها فضية، كان قد جلب بطانية من الداخل ليضعها على كتفيها كي يحميها من برودة الليلة، تحذثا مطولا، عن طفولته، عن طفولتها، عما جعل منهما الشخصين الذين هما عليهما اليوم، لكنه لم يكن صريحا حقا كما ظنت، انها تمنحه ثقتها ببساطة تجعله يشعر بالسوء، لكن في كل لحظة تصبح مسألة الكشف عن زواجه مستحيلة، يرفض قطعا فقدانها، لسيما بعد ما حذث بينهما في هذا الشاطئ، القبلة البريئة الوحيدة التي تلقاها في حياة الدون جوان التي عاشها حتى دخولها حياته، اقترب ليضع شفاهه على رأسها و يستنشق عبيرها الذي أصبح مألوفا... متى يمكنه استعادة حواسه حقا بعد كل الزوابع التي صارت فيه في هذه الأيام الأخيرة؟ فيرنا تملك موهبة تجعله يضحك، تجعله سعيدا، تجعله هو ببساطة، لديها موهبة دفعته للكشف لها عن كل الظلمات التي سكنته كل هذه السنوات، خلاصتها لقصته كانت بسيطة، حاولت اضفاء طابع مثالي لأفعاله، انحنت عليه لتقبله للمرة الثانية بنفس الطريقة المتجردة تماما من اي خبرة جنسية.
"رفضك للشرف لا يعني بأنه لا يخصك !"
ضمها أكثر اليه، شعر بها رخوة قليلا، انحنى لينظر الى وجهها، كانت غارقة في النوم.
" الجميلة النائمة..." لامس وجهها بظهر يده:" فيرنا... تتركيني بمفردي؟؟"
فتحت عينيها الناعستين، ابتسمت من خلال نعاسها:
" أشعر بأنني في الجنة و لا أريد الاستيقاض أبدا..."
" ابقي معي و سنعيش الجنة في كل مرّة..."
تنهذت، جاء صوتها مفتقدا تماما للثقة:
" تعرف بأن عالمينا مختلفين جدا...."
هزها برفق كي يوقظها من هذيانها السلبي:
" سأتوافق معك... أريدك معي فيرنا... أشعر معك بأمور تحصل لي للمرة الأولى..."
شدت على يديه اللتين تشدانها بقوة، ثم قالت و كأنها تحذث نفسها:
"لكنني سوف أرحل الى افريقيا قريبا، أعشق الأعمال الخيرية سانتو، هي ما تشعرني بأهميتي... بقيمتي"
قبل رأسها بحرارة عاشق و همس في أذنها:
" سوف أنتظر اتمامك لمهامك فأنا أيضا أملك الكثير من الأمور العالقة و أتوقع انهائها خلال فترة غيابك كي أكون لك كليا ..."
لم ترد، لكنها ضغطت بشدة على يديه و كأنها تمنحه موافقتها، الأمور تتخد طريقا لم يكن يحلم به، فيرنا تجاوبت بسهولة ما ان فتح لها قلبه و هذا يجعلها استثنائية في نظره، فات الأوان كي يخبرها بشأن زواجه الكارثي، سيحاول انهاء الموضع بسرعة كي يعيش قصته معها بكل حرية، حياته معقدة جدا و لا توجد امرأة يمكنها تصديق بقائه ست سنوات مع امرأة لا يحبها، لا أحد يمكنه تصديق أنه تبث بزواجه من أجل ابنته كي لا يكرر أبدا ما فعله يانيس به، يعرف ما يعنيه طفل منبوذ، العذاب و القهر و الاحتقار النفسي، يعرف بأن فكتوريا ستحب فيرنا بالتأكيد، لا يوجد من يكره هذا الملاك، عاد ليقبل رأسها بنهم و يستقبل مجددا رائحتها التي تخدره و تنمل حواسه.
" لما أنا سانتو..؟" سمعها تسأله بحيرة بصوت منخفض:" هناك الكثيرات و بصحة جيدة... و أنت رجل كامل جدا و وسيم بشدة تملك كل المؤهلات كي..."
وضع يده على فمها ليمنعها من اتمام كلامها، الشعور بشفاهها تحت راحة يده يوقظ رغبته بطريقة مؤلمة:
"لست كل النساء ..." كرر كلماتها التي قذفته بها في يوم وصولهما" من السهل جمع الانتصارات الصغيرة عزيزتي...النجاح على المدى الطويل يُزرع...ما أريده أحصل عليه وأحتفظ به لا أخذ و أتخلص دون إدراك قيمة الأشياء..."
شعر بشفاهها تبتسم تحت يده، ثم استدار جسدها في حلقة ذراعيه كي ترفع نحوه وجه ملائكي رائع التفصيل و مثير بشكل لا يقاوم، انه مفثون تماما بها:
" أنت مليئ بالعبر 'دون سانتو فارينا'"
لقد أخذ صوتها لكنة رقيقة مرت فوقه مثل المداعبة.
" هذه العبر آخدها منك... فيرنا...أنت لا تفتقرين إلى قوة الشخصية "
"هل هو نقدًا أم إطراءا؟ "قالت ذلك بلهجة ليست اتهامية ولا دفاعية.
أمسك بدقنها بأصابعه، مجددا تحرقه الرغبة في الإنحناء نحوها و تقبيلها، في أن يذوب بجشع على شفتيها الرقيقتين و الشهيتين.لا ينوي مباغثتها ابدا:
" أشكر مارسيليو لأنه اقتحم المزرعة و سرق الفواكه و كان السبب في لقائنا..."
انفجرت فيرنا ضاحكة:
" تتذكر إسمه أخيرا؟؟ تناديه عادة بالصبي..."
" صبي لا يطاق لكنه بقوة شخصية أخته..." لامس خدها بإجلال حقيقي:" هذه الأخت التي أنوي الاحتفاض بها الى جانبي..."
تغيرت ملامح وجهها، عادت الشكوك لتملأ نظراتها:
" بالكاد أصدق ما يحذث... حتى و ان اقتصر الموضوع على فترة قصيرة فسأسعد به لأنني أفتقر للتجارب، لكنني... سانتو... أنوي حماية نفسي مما قد يعقب، أعرف بأنني لست كاملة و ربما ما تشعره نحوي سيكون قصير العمر..."
" لن يكون كذلك..." قاطعها الا انها وضعت يدها على شفاهه لتمنعه من التكلم:
" ارجوك لا تقاطعني... دعني أكمل... تجربتي السابقة كانت سيئة جدا و تدخل أمي كان أسوأ فأقسمت الا أجد نفسي مجددا تحت رحمة غضبها، أريد الحصول على تجربة جديدة و أنت رجل فريد من نوعه و تعجبني حقا، لكنني أريد أن أعقد معك صفقة... ذات يوم... ان أحسست بتهديد ما، أو أي تغيير منك نحوي... فسأنهي كل شيء، و أنت... أريدك أن تحترم رغبتي..."
هذا لا يعجبه، قبل اصابعها على شفاهه وأمسك بها ليضعها على وجهه، يتحسس نعومتها:
" لن أتغير نحوك فيرنا... أنا حقا معجب بك..."
ابتسمت ببعض الحزن:
" أعرف و أنا أيضا, لكنني بحاجة لضمانات و لكلمتك سانتو... أنت رجل ثري جدا، ابن دون يانيس ايميليانو، لا يهم ان تكون شرعيا أم لا لكنك ورثت هالته و شخصيته و طاقته..."
عاد ليقطاعها:
" تقصدين أن أكون زير نساء مثله؟؟"
رغم العتمة الا انه رآها تحمر تحت ملاحظته:
" أعرف بأنك رجل نبيل... لكنني بحاجة لمعرفة بأنني حرّة في الرحيل ان تغيرت ناحيتي... أرجوك وافق... عدني بالا تطرح الأسئلة أو تجبرني على البقاء... فقط هذا"
لا يمكنه قطع وعد يعرف بأنه لن يوفي به، لا يمكنه أن يضمن المستقبل لأن حياته معقدة، يعرف بأنها ستهرب منه ما ان تعرف بالحقيقة و ان وعدها فلن تكون له فرصة الشرح:
" سانتو..."
" لما تحددين القواعد الان؟ دعينا نعيش ما بيننا بكل طبيعية الى أن نعرف بعضنا البعض جيدا... فيرنا لا يمكنني قطع وعود لست مقتنع بها، آسف أن أخبرك بأنني أنوي الاحتفاظ بك حتى مع أطنان عوائق و سوء فهم..."
لا تبدو مقتنعة، فيرنا تعتمد دوما على المنطق، لم تطرح عليه اسئلة خاص و هو تعمد عدم البوح، تعمد البقاء على الحياد
" تعتقد بأنني أرفض أن تأخد حياتي منعطف مغاير و مختلف؟؟ حاولت مرّة لكن الواقع أدركني"
" من هي والدتك ؟"
يبدو أن سؤاله فاجأها بشدة، هربت من عينيه:
" لا أنوي اخبارك بهويتها آسفة..."
" أخبرتك أنا بهوية أبي..."
تصلبت تحت يديه:
" البوح بهويتها لن يغير شيئا ..."
" تلك المرأة أسائت اليك فيرنا و مازالت تسيء اليك حتى الان... أنت تتركينها تتحكم في حياتك..."
" في الماضي ارتكبت الحماقات..."
" كان عمرك الثامنة عشر..." قال مدافعا:" اليوم أنت بالغة و حرة و مستقلة و يمكنك فعل ما تشائين بحياتك العاطفية... "
كشرت قليلا و عادت لتعذيب شفتها السفلى بأسنانها الصغيرة المصففة، لا يبدو أنها تصدق كثيرا ايمانه بها، هو المندفع وراء رغبة متوحشة بمعرفة كل أسرارها بينما يحتفظ بالأسوء لنفسه، المرأة الوحيدة التي همته بشدة و لم تشاركه في البداية اهتمامه بدأ بالحصول على تجاوبها، قد يضع هذا في خانة انجازاته، ولكن في نفس الوقت هذا الانتصار له طعم مرير لا يمكنه تفسيره، وهي...المرساة الوحيدة المتبقية.
مع كل الظروف التي مرّ بها خلال حياته أصبح بارد ومنهجي - مثالي لإدارة شركتين منفصلتين بمليارات الدولارات، لن يكشف لها شخصيته الأخرى: الشخص الذي جعله رجل أعمال لامعًا ، وجعله يحصد التقدير والإعجاب من قبل الجميع - من أقرانه كما خصومه...مع استحواذ ارشيبالد على مجموعة آرتر-شي للمحركات، عزز مكانته كأشد الرجال سلطة ، تاركًا أقرب منافسيه خلفه... لا يمكنه أن يعتز بنجاح أكثر من هذا... فقط لو كانت اوكتافيا على قيد الحياة.
لن يكشف لها أيضا عن جانبه المظلم جدا، ذلك الذي استفاذ من مكر يانيس ايميليانو و دخل في جلدته ليتلاعب مطولا بروكو الذي لا يهزمه أحد، لأشهر لم يتمكن أخاه وضع يده على المتسبب له بسلسلة ازعاجات متتالية، لن يخبرها أيضا بأنه حصل على نشوة كبيرة بانتزاع الحياة من الرجل الذي قتل والدته، بأنه التحق بقافلة والده الاجرامية رغما عن أنفه، و بأنه لم يشعر بالعار من ذلك... أخبرته فيرنا بأنه يبقى ابن ابيه، تريد تأمين قلبها لأنه برئيها سيقوم بتحطيمه، و بالتأكيد منطقيتها مزعجة للغاية، انها محقة... كل يوم يمر يجد نفسه أكثر شبها بوالده.
" لدي جانبي المظلم..." سمع نفسه يقول.
" كلنا نملك جانبا مظلما نحاول التغلب عليه بالايمان ... و ليس هذا ما يخيفي..."
ابتسم لها و لامس الخطوط الانيقة جدا لفكها:
" لن المسك فيرنا بدون اذنك... أنا سأنتظر الى ان يزول خوفك تماما، عموما فأنت سترحلين الى افريقيا و أنا الى روسيا أمامنا مهلة للتواصل و التعمق في بعضنا... لم اجلبك الى هنا بنوايا سيئة..."
" أعرف... " همست :" لا أشعر أبدا بالرعب منك بل مني... بسبب ضعفي نحوك و أنا أراك لامعا في السماء بينما أنا في الأرض سانتو..."
" النجاح ليس سوى ارقام فيرنا... هذا لا يغير حقيقة من أكون و ما اشعره نحوك، أو ما آمله منك... " عاد ليغرق مجددا في جمالها:" ممن ورتث بهاء هذه الملامح؟؟ والدك؟؟ والدتك؟؟"
" أنا لست جميلة..." أكدت ببعض السأم.
" و كأنك فراشة تريد اهام نفسها بأنها دودة قز..."
ابتسمت فيرنا و تنهذت:
" والدتي امرأة بارعة الجمال، ارستقراطية الملامح، قوية الشخصية، و هذا لم يمنعها بالسقوط تحت سحر شاب يصغرها و يعمل في حديقة قصرها، من خلال الصور التي احتفظ بها عن والدي... فقط كان وسيما للغاية، نوع الرجال الذين لا يمكنهم منح المرأة سوى جسد كامل جدا تتسلى به، لم يكن موهوبا في جني قوت يومه، كان يحلم بأن يصير عارض أزياء، ربما ممثل دائع الصيت ذات يوم... الأمور لم تسر كما رغب، وجد نفسه مع طفلة صغيرة و انتهت أحلامه... المرأة التي ظن أنها تحبه و ستترك زوجها من أجله أدرات له ظهرها"
حاول استخلاص الايجابي من القصة و الابتعاد عن الدراما الفارغة:
" اذن فقد ورتث سحر الاثنين..."
هزت عينيها الى السماء:
" فقط لو رأيتهما... لا أشبههما بالمرة... كانوا يلقبونني بالدب في المدرسة لأنني أملك رموش كثيفة للغاية و حاجبين مريبين..."
" رموش كثيفة مميزة يمكن للنساء ان ترتكب جرائم بشرية للحصول عليها..."
ضحكت فيرنا من قلبها:
" أرى بأن تجربتك النسائية واسعة..."
" بما فيه الكفاية كي أجزم بأنك مميزة و استثنائية و لست نسخة مقلدة كغيرك... أنا تحت السحر 'دونا فيرونيكا'...أنا تماما تحت السحر"
* * *
{ ...هذا البعد... لكن كيف تجرؤ بنسياني؟؟
بطني تكبر و نظراتهم تمتلئ بالازدراء و الاحتقار، قرروا ابعادي عن مدريد كي لا تنتشر الفضيحة، والدي توقف عن اعتباري ابنته منذ ان رفضت الاجهاض، يرفض الفضيحة... يرفض أنني امرغ اسم العائلة في الوحل... فتركني بين يدي ناديا...
انها تراقبني...
أشعر بأنني أفقد السيطرة على الأمور... لست قوية كما حسبت نفسي... غدا سوف نرحل خوسيه... أتوسل اليك اجب على رسائلي.. أجب قبل أن يفوت الأوان..}
أغلقت دانيلا المذكرات ببعض الحدة، و سقطت الحقيقة القاسية عليها بكل وحشيتها مثل موجة أطلسية جليدية في قلب الشتاء الإنجليزي، كيف يعقل أن تنتهي قصتها بهذه الطريقة، القت نظرة على اصبعها العاري من خاتم اليساندرو، ان كانت تسرعت بإخراجه من حياتها لأن والده مجرم نذل قام بتحطيم امرأة مسكينة لأنها تهدد سمعة شقيقته؟ العذاب لهذه الحقيقة يجعلها فارغة داخليا... لا تجد طائرات متوفرة لمدريد، كان عليها الانتظار ليلة أخرى، لكن اليساندرو اللطيف أبرز لها وجها آخر بينما تهجره بتلك الطريقة أمام والدته، لم يتوسل اليها البقاء، سابرينا حاولت، أخبرتها أن روكو مسافر، بأنه سينفجر من الغضب عندما يعرف مغادرتها صقلية بدون علمه، لكن آخر اهتماماتها هي مشاعر العرّاب، تلك العائلة غريبة جدا، ملئية بالاذى و الاسرار، و منذ أمس وهي هنا... في هذه الغرفة الصغيرة بفندق في قلب باليرمو، عاصمة صقلية العتيدة، طائرتها في المساء... سترى خوسيه أخيرا بنظرة مختلفة هذه المرة، يمكنهما الكلام بالموضوع، ستخبره بأنها على علم بالحقيقة، بأنها ابنة عمّه، بأنها ثرية لأنها ورتث أمواله و ليس لأن ناديا كانت تملك أكثر مما أعطاها اياه المادو لتسهر على ابنة أخيه.
لكنها لن تدخل في تفاصيل اليونور... هذا سيؤذيه بشدة... خوسيه بصدد استعادة السيطرة على حياته, لقد تزوج امرأة من العامية و انجب منها توأمين و أخبرها ذلك المساء في المستشفى بأنه يطوي نهائيا صفحة الماضي اخباره الحقيقة سيدمر كل شيء... سيعاني بشدة مع عذاب ضميره... لقد نبذ اليونور بشكل أو بآخر لأنه لم يحاول الوصول الى الحقيقة.. و مساعدتها.
طرقات على باب غرفتها جعلتها تنتفض، كانت قد طلبت وجبة للغدء و لابد أنها وصلت:
" أدخل..."
ابتسامتها اختفت بينما ترى ستتة اقدام من الرجولة المبالغ فيها تقتحم غرفتها، شعرت بكل الدم ينسحب من وجهها، كان يحمل وجبة غدائها، وضعها على الطاولة أمامها ثم تخلص من قفازيه و معطفه الأسود ليبقى في بداته المعتادة:
" تنوين الرحيل دون توديعي دانيلا؟؟"
بلعت ريقها بصعوة، لما تشعر بنفسها متهمة بينما هي الضحية أمامه؟
" روكو..."
" أشششت.." أشار لها الى البيجاما التى ترتديها:" غيري ثيابك و لملمي أغراضك فورا..."
" اسمع..."
" فورا..."
لم يمكنها أبدا الاعتراض على هذا الأمر الذي أتى قويا لدرجة أصّم أدنيها، امتلئت عينيها بالدموع و لم تقدر ركبتيها على حملها،مطلقا لم تره يوما هائجا بهذه الطريقة، استغلت أمر ابتعاده عن صقلية و لم يتمكن أحد من منعها بالرحيل، لكن الأمور لا تسير دوما كما يرغب المرء، وحده العرّاب من يملك الكلمة الأخيرة، كانت يديها ترتجفان بحدّة بينما تضع الاغراض القليلة التي استعملتها مجددا في الحقيبة، كانت بصدد ارتداء حدائها عندما انتصب أمامها:
" تنوين الخروج بالبيجاما؟؟..."
" انت تربكني ، افقد توازني عندما تكون هائجا في وجهي..." انحنى على حقيبتها و أخرج عشوائيا بلوزة و بنطال.
" ارتدي هذا بسرعة..."
" تنوي اعادتي الى تاورمينا؟؟"
" لا أسجنك دانيلا, لكنك مخطة ان ظننت بأنني سأتركك تدمرين كل شيء مع خوسيه..."
اعمتها الدموع بينما تجاهذ انتزاع بيجامتها مما جعل روكو للتدخل مجددا:
" بوركاميزيريا دانيلا استعملي الحمام لهذا الغرض"
منحها ظهره و شعرت بأن عصبيتها ستفقدها عقلها، التقطت أغراضها و حبست نفسها في الحمام، ما منحته لها المرآة مريب، كانت تتجاهل النظر الى نفسها كي لا تنفجر في البكاء، لكنها اللحظة لم تعد قادرة على حبس دموعها أو السيطرة على نفسها، كانت ترتجف بحدة، هذا اللقاء معه لم تتوقعه... قفزت بعنف بينما يدق على باب الحمام:
" استعجلي لا أنوي الانتظار طويلا..."
" و متى كان الصبر من شيمك ...؟؟"
صرخت به وهي ترتدي ملابسها على عجل و تكور البيجاما بين يديها بعصبية، عندما خرجت كان ملتصقا بهاتفه، يتكلم بصقلية سريعة و يعطي الأوامر بصوت مقتضب، انزلقت نظراته عليها قبل أن يشير الى حقيبتها أمرا اياها بإنهاء لملمة أغراضها.
" أريد أن أعرف الى أين تأخدني؟؟"
" الى مدريد... "
لم تتوقع هذا، حزمت أغراضها و ارتدت حذائها و جمعت شعرها في تسريحة عشوائية، كانت منتصبة أمامه بوجه منغلق، يدها على مقبض الحقيبة:
" لست مضطرا للعب دور الحاضنة يمكنني الاعتماد على نفسي، طائرتي في المساء..."
" اغلقي فمك الجميل و أعيدي ارتداء هذا..."
أخرج من جيبه خاتم خطوبتها الذي التمع كي يجعلها تشد أنفاسها، انتقلت بنظراتها بينه و بين الخاتم لكنها لم تجرؤ بالاقتراب منه:
" ماذا تظنين؟ بأن الموضوع سينتهي بهذه البساطة...؟ أيتها المجنونة الساذجة... ستوقظين ثنين تم تنويمه منذ سنوات طويلة..."
" لا تظن بأنني أنوي الانتماء لعائلة الرجل الذي قتل والدتي..." قالت بشهقةآملة أن تتوقف أمعائها عن التمزق.
هز روكو رأسه ببعض الاسف:
" أيتها البلهاء الصغيرة... كدت أصدق بأن لك عقل تحسنين استعماله... لكن في أي عالم تعيشين؟ "
" بالتأكيد ليس في العالم الذي آلفته أنت ..."
" هذا ما يبدو بالتأكيد..." التقط يدها ليدس الخاتم في أصبعها:" انتزعيه عندما يحين الوقت، أما الأن، استمري في لعب دور العاشقة أمام خوسيه، لا شيء يجب أن يفسد مزاجه هل انا واضح؟؟ "
من رؤية أخرى كلامه في محله، انتزعت يدها منه و ضمتها اليها تفرك معصمها الذي أطبقت عليه أصابعه الفولاذية بقسوة.
" سأفعل روكو... ليس لأنني أكثر تهذيبا من همجيتك بل لأن خوسيه يعني لي الكثير و أحبه..."
" و انا لا أنتظر منك أكثر من الاحتفاظ بالحقيقة لنفسك الى أن يحين وقتها... " انحنى على حقيبتها ليحملها و كأنها لا تزن شيء:" فلنمضي... الطيار بإنتظارنا..."
كافحت لقمع دموعها، قسوة هذا الرجل تفوق الفهم... يجب أن تعترف بأن نظرتها لم تكن صائبة، خوسيه ليس مستعدا لهذا النوع من الاضطرابات، منذ خطوبتها باليساندرو وهو سعيد، حتى ان علاقتهما تحسنت، انهائها فجأة سيفتح فوهة بركان لا يمكن اغلاقها بكل التبريرات الممكنة.




أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 02-10-20, 05:38 PM   #3287

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثالث عشر

" تبلين بلاءا حسنا يوما بعد يوم أيتها الأميرة..."
توقفت صوفي فورا عن التقدم في الحديقة بينما يظهر أمامها خافيير، أيام من التجاهل الكلي وهاهو يتمكن في محاصرتها أخيرا، شدت عليها يداي المساعدة الطبية لكنها القت عليها نظرة:
" اجلبي الكرسي..." امام ترددها انفجرت صوفي: " انا قادرة على البقاء واقفة لوحدي...."
بقيت ثابثة صلبة بينما تحررها أيادي المرأة، خافيير اقترب أكثر، ابتسامة لعوبة تترنح على شفاهه المغرية:
" تتجاهلينني صوفيا...؟؟"
" إسمي صوفي.." صححت له وهي ترمقه بجليدية:" مالذي تفعله في القلعة بهذا الوقت بينما روكو يطير الى مدريد؟؟ الا يُفترض أن تكون معه؟؟ بصدد تنفيذ أوامره..."
اتسعت ابتسامة خافيير:
" عدائيتك تزيدك جمالا..."
وضعت عينيها في عينيه مباشرة دون أن ترمش:
" سأكون واضحة معك... كل من له علاقة بروكو أمقته، لذا لا تضيع وقتك بأن تكون لطيفا معي فقد لشراء امتنانه..."
هز حاجبيه الكثين و برقت عيناه الرمادية بتسلية:
" متى اصبحت عدوك الرقم واحد؟؟ ظننت أن ثمة صداقة نمت بيننا في التايلاند..."
بدأت ركبتيها ترتجفان تحتها من شدة المجهوذ الذي تقوم به للبقاء صامدة في وجه الرجل أمامها، هذا الأخير لمح وجهها يحمر تحت الضغط اقترب منها:
" لا تفعل..."
تمتم بتجهم مسرحي:
" تعجبني شجاعتك صوفيا لكنك بحاجة عاجلة للمساعدة..." شدّت أنفاسها بينما تلفها ذراعه القوية، شعرت بعضلاتها صلبة مثل الصخر تحت ظهرها،جسدها كله أشتعل مثل الكبريث تحت تأثير الاتصال المفاجئ، عادت لتلتقي بنظراته الرمادية الشفافة، نظرات اليخاندرو أشد رقة، أشد حنانا، هذه النظرات التي تثبتها اللحظة نظرات مغواء متمنق و زير نساء، بالتاكيد ، لديه سحر. حسنا سحر يشدها، .. سحر جنوني لكنها لا تنوي منحه متعة الكشف له عن ضعفها، لا حاجة لنفش ريشه اكثر . لديه بالفعل ما يكفي من الغرور ولن تزيده غرورا، انه يعرف كيفية فك لغة جسد المرأة و ان خذلت نفسها فسيكشف سرها الصغير، سر انها متيمة بغرام شقيقه و سيخر منها لما تبقى من عمرها.
مرعوبة من الاضطراب الذي الذي استولى عليها ، كافحت للهروب من اتصاله و دفعته عنها، نسيت تماما أنها غير قادرة بعد على الاتفاق التام مع جزئها السفلي، عجزت ركبتيها عن حملها فسقطت عليهما أمامه، الالم كان مبرحا لدرجة أن انفاسها توقفت في حلقها و لم تستطع التقاطعها الى أن تحول لون بشرتها الى القرمزي، رأته يجلس على ركبتيه أمامها، يأخد وجهها في يدها، يدس ابهامه بين شفاهها و يأمرها:
" تنفسي... تنفسي..."
اعتقدت أنها تهلوس. هل كانت تحلم؟ كان ذهولها إلى درجة أنها بقيت متجمدة ، غير قادرة على التعبير عن أدنى صوت، خرجت الشهقة الأولى مصحوبة بالدموع التي انزلقت على وجنتيها:
" هكذا أفضل... تنفسي بعمق..."
بدأت تستعيد أنفاسها بهدوء، صدمة التقاء ركبتيها بالأرض الصلبة مرّت لكن حريق يشبه النار بنهشهما، كيف تهورت بهذه الطريقة و نسيت وضعها الهش؟؟ هذه المرّة عندما حاول خافيير مساعدتها لم تعترض، تركته يضع ذراعا خلف ظهرها و الأخر أسفل ركبتيها، ثم و كأنها لا تزن شيئا شعرت بنفسها تطير في الهواء، كان الألم أسوأ عندما حاولت تحريك ساقيها، لمحت كل الفريق الطبي يقصدها مهرولا، لابد أنهم كانو شاهدين على سقوطها المريب، هزت عينيها نحو خافيير:
" ضعني في الكرسي..."
" افضل أخدك لغرفتك..."
تنشنجت تحته، هذا الالم في ركبتيها و التصاقها به أمران لا يُطاقان:
" لا تتعاملني كعاجزة، أو أسوأ... كموظف روكو... أنزلني فورا ..."
لكنه لم يفعل، شد على نظراتها للحظات قبل أن يدنو بوجهه من وجهها و يقول:
" منذ اللقاء الأول لم أعاملك كعاجزة... فتوقفي عن معاملتي بتنازل... أو أسوأ كموظف لشقيقك.."
ثم بحركة أقل لطف وضعها على الكرسي المتحرك الذي وصل مع مساعدتها، أبقت عينيها على خافيير، لايبدو غاضبا، كان فحسب يتطلع اليها ببعض الترقب قبل أن يدير ظهره، لكنه توقف ليعود مجددا نحوها و ينحنى عليها، يديه على المسندين، قريب لدرجة انها ترى انعكاسها في عمق مقلتيه:
" عندما تقررين التوقف عن التصرف كطفلة مدللة... يمكنني أخدك في نزهة من فينة لأخرى، بدل فقدانك رشدك في هذا المكان الشاسع... "
" من أخبرك بأنني أنوي مغادرة عزلتي معك الى أي مكان؟..."
" لماذا؟؟" سألها و هو يسجنها بنظراته:"لأنني أعجبك لدرجة تمنعك من الاعتراف بذلك؟؟"
اختنقت بردها، منحها ابتسامته اللعوبة ثم غمز لها دون أن يتوقف عن تفحص اجابتها في وجهها، و تسائلت ان كان الاتصال الجسدي بينهما ما جعله يفقه لردة فعلها العنيفة، نعم يعجبها شكله لأنه صورة مطابقة للرجل الذي أغرمت به منذ مراهقتها، مالذي ستكون عليه ردة فعله عندما تقذف هذه الحقيقة في وجهه؟؟ بأنه ليس هو المقصود ...
" غرورك مثير للشفقة...حتى أنك لست صنفي المفضل"
لم تهمه ملاحظته، قال فجأة:
" أنت تنزفين..."
أقطبت اذ انها لم تفهم بسرعة قصده:
" ماذا؟؟" سألته وهي تلقي نظرة عن ركبتها، الدماء الحمراء فكرتها بمعاناتها الطويلة مع الحاذثة اللعينة" سيقوم شقيقي بقتلي. ... لا يجب أن يعرف"
أمنية ضائعة، تعرف بأن أعين روكو في كل مكان...هذه الملاحظة دفعته للنظر مجددا الى وجهها و كأنه يستغربها، لا لم تكن تمزح، روكو سيغضب بشدة ان أدرك بأنها قامت مجددا بإيذاء نفسها، انه مهووس بصحتها و بشخصها عامة، مهووس بها لدرجة الاختناق... كيف لوالدتها أن تخبرها بأن يانيس كان أسوأ؟؟ لقد كان توأم روحها... وفاته دمّرتها... علاقتهما غلفها الكمال التام ...زياراته الليلة الطويلة لغرفتها... أسمته بزائر الليل... عانى الأرق بفضاعة... و روكو ورث هذه العادة المريبة... والدها جعل من زياراته لغرفتها عادة مقدسة، أحيانا تراه، و أخرى تستقبلها رائحته الرجولية ما ان تفتح عينيها صباحا تنم عن مروره... كان يترك اثره خلفه... زائر الليل يهاب سكينتها، حتى بوجود طاقم حراسة مشددة يسهر على كل من في البيت بقوة جيش بلد جبّار، عشقت كلماته الموزونة... أحبت دعمه و حمايته لها، لسيما عندما يرسم في راحة يدها علامة ∞، المودة و الحب الامحدودين و يخبرها بأنها أجمل ما حصل في حياته.
لكن كم كان عمرها عندما رحل بشكل مفاجئ؟ لم تكن مراهقة كفاية كي ترى الى اي حد يمكن لسيطرته الوصول!؟ لو مازال حيا فهل سيكون متملكا كما هو الحال اليوم مع شقيقها؟
ما تتذكره أن الكل إرتجف لهبته، حتى روكو العظيم يحني رأسه عندما يُسمّره بنظراته، لكن تلك النظرات ترق ما ان يحطهما عليها... وهي... اعتزت بشدة بتأثيرها عليه... شعرت بأنها أقوى من الكل... شفقت عمن فشل في كسب مودته.
لكن كل شيء انقضى اليوم... رحل رجل عظيم كي لا يعود أبدا... و كم تفتقده.
" أريد العودة الى غرفتي..."
فريقها الطبي استجاب الى أمنيتها، القت نظرة أخيرة على خافيير الذي بقي واقفا في مكانها، يديه في جيوب سترته الجلدية، ارتاحت لأنه لم يحاول فرض نفسه... كشرت بينما تضغط بيدها على فخدها، ثوب بنطالها التصق بالاصابة.
" فلتلعن أينما حللت خافيير ميندوزا"
* * *
سمح الموقع الجغرافي بتغيير الملذات من خلال توفير إمكانية المشي في السهل وبالتالي التوغل لمسافات كبيرة عبر مناطق عشبية شاسعة بالخيول التي امتطياها، لم يعد الفريق اذراجه سوى بعد ان بدأ الصغار بالشعور بالارهاق من الممارسات التي قاموا بها طيلة اليوم، لحسن حظ لونا انها وجدت في مجموعتها اطفال بعمرها و اكبر قليلا، في الاصطبل بينما يعيدون الاحصنة للموظفين لم تكن لونا بخير انحنت عليها ميغان
" ما الامر؟"
" انا اتألم هنا" اشارت لها لما بين فخديها، مسدت على المنطقة الحارقة و همست لها بحنان:
" لأنها المرة الاولى التي تطيلين فيها ركوب الخيل... "
أحد المرافقين اقترب منهما كله ابتسامات، الرجل لم يخفي اهتمامه بها :
" هل هناك من مشكلة؟"
" ابنتي تقرحت بسبب امتطاء الفرس".
بعد قليل كانتا معا في الحمام بصدد طلاء مرهم على التقرحات بتطبيق تعليمات المرافق، ارتاحت عندما عادت ابتسامة لونا، بدى المها ذكرى بعيدة:
" أنا جائعة جدا..."
" مع هذا الجو البارد العكس هو ما سيفاجئني عزيزتي..." قالت لها ميغان وهي تضع قبعتها الصوفية و معطفها الواقي من المطر:" سوف نمر على محل فطائر بريطون التي تحبينها... أممم أشم سلفا رائحة الفانيلا و العسل"
قفزت لونا من الحماسة، أمسكتها من يدها و خرجتا معا تدندنان بلحن أغنية مشهورة ، المفضلة لابنة شقيقتها، التي رددتها تقريبا طيلة النهار...
" ستسجلون أسمائكم لنزهة الغد ؟؟ سنقوم بجولة للبحيرة..."
لا يبدو أن المرافق ينوي تركهما ترحلان بهذه البساطة، تعرف بأنه يحاول الحصول على رقم هاتفها بكل الطرق، بينما تستعيدان حاجياتهما ابتسمت له ميغان بتهذيب:
" غدا سنزور حديقة الحيوانات و نتزلج، لكن هذا النهار كان استئنائيا فريقكم مميز للغاية و قد استفذنا الكثير..."
" أوكتافيا.."
ظنت ميغان بأن الصغيرة تقحم اسم أوكتافيا لأنها تشتاق اليها و أدركت أنها هي المخطئة عندما هزت عينيها و سقط فمها من وجهها بينما ترى اوكتافيا تركض بكل قوتها نحوهما، لوكا ورائها ينبهها بأن تكون أكثر حذر كي لا تسقط، جدائل أوكتافيا الشقراء تطايرت من حولها وهي تحتضن لونا بحرارة، صدمة رؤيتهما سمرتها مكانها، أبقت عينيها على الرجل الوسيم في معطف أزرق طويل و حذاء ايطالي متناقض مع الوحل الذي يملئ المكان.
لم تجد ما تقوله بينما يتسمر أمامها، ابتسامة راضية على وجهه، ان كانت توقعت هذا؟ ابتعدت عن وجهه و انحنت على ابنة رئيسها، هذه الأخيرة ترتدي ملابس من ينوي قضاء وقت في حفل عيد ميلاد و ليس نزهة في الغابة... انها أميرة حتى آخر تفاصيلها:
" كيف حالك أوكتافيا؟؟"
" بخير.. أخبرني خالي لوكا بأننا سنمضي اللية معكما في الشاليه... "
عادت تهز عينيها نحو لوكا، الغضب بدأ يتآكلها، لكنه نظر اليها ببراءة:
" رائع..." صرخت لونا بحماسة وهي تمسك بيد أوكتافيا لتشير الى الأحصنة:" قمنا بإمتطاء الجياد طيلة النهار..."
لوت أوكتافيا شفتها السفلى و أمسكت بكم معطف لوكا متوسلة :
" هل يمكننا امتطائها خالي؟؟ أرجوك... أرجوك"
" انتهى وقت التأجير لكن يمكنكما تسجيل نفسكيما لنزهة الغد..." تدخل هذه المرة المرافق الذي نسيت وجوده، يبدو أن لوكا انتبه له ايضا، رآت نظراته تتصلب، رباه، تعرف هذه النظرات:
" من أنت؟؟"
" ستيفان، قائد المرافقين و مسؤول ترفيهي...." رد الرجل بمهنية.
" لسنا بحاجة لتسجيل أنفسنا للحصول على نزهة خاصة... أين مديرك؟؟"
شعرت بالموظف يتوثر تحت لهجة لوكا الخالية من الود، رغبات أوكتافيا دوما أوامر، لوكا يفسدها دلالا، و كيليان يتفوق على الجميع بإفسادها أيضا، ان استمر الموضوع على هذا الحال فستصبح الفتاة وحشا من الأنانية... تماما مثل والدتها!
" يمكنكما العودة غدا أوكتافيا عزيزتي الا تظنين؟؟" تدخلت ميغان برقة وهي تضع يدها على كتف الطفلة:" لونا تتضور جوعا، وعدتها بفطائر لذيذة فهل يهمك الأمر...؟!"
بدت أوكتافيا مترددة أمام الفطائر أو نزهة على ظهر الجواد، لوكا متأهب لتحقيق رغبات صغيرته حتى لو كانت شراء الإصطبل برمته، ابتسامة لونا جعلت هذه الأخيرة تتخذ قرارها:
" سنعود لاحقا إذن... "
ابتسم لوكا لحماسة ابنته بالمعمودية، انه متيم بها لدرجة ان افسادها مباح جدا له، القت نظرة وداع على المرافق الذي انصرف تحت ضغط نظرات لوكا، ميغان التي لم يفتها هذا اقتصت منه بنظرات سوداء:
" أنت لا تحتمل..."
هز كتفيه مدعيا البراءة:
" مالذي فعلته لتثوري هكذا؟؟"
الفتاتين تلعبان، بعيدتين على التقاط التوثر الذي يتشقق بين البالغين، كتفث ذراعيها فوق صدرها و هاجمته بصوت جليدي:
" هل يمكنك أن تخبرني ما يعنيه كل هذا السيرك؟؟ لما أنت هنا؟؟ هل تقوم بملاحقتي و استعمال أوكتافيا؟؟"
اتسعت ابتسامته:
" أنا أقوم بملاحقتك نعم... استعمال اوكتافيا نعم و لا... ايموجين مرهقة نفسيا لإخراجها لذا فضلت ضرب عصفورين بحجر واحد، كما انك لن ترمي بي خارجا مع طفلة صغيرة!..."
هزت عينيها الى السماء:
" الشاليه صغير..."
" يمكن للطفلتين استعمال نفس الغرفة... أما فيما يخصني... كنت لأسعد بتقاسم سريرك الا انني سأنتظر هذا الامتياز... تكفيني الكنبة في الصالون..."
كتفت ذراعيها فوق صدرها:
" اتيت الى هنا في سبيل امضاء وقت حميمي مع لونا... عائلي نوما ما ان كنت تفهم المقصد... أنت لست فردا من هذه العائلة..."
" أنوي استعادة مكاني..."
" تنوي استعادتها بعد ثلاثة سنوات و نصف من الفراق؟" سالته بصوت جليدي" لا أؤمن بالمعجزات لوكا، كل شيء بينا انتهى منذ أن قررت استبدالي بتلك المحامية!.."
" شرحت لك بأن تمة التباس في الموضوع ...انا على الاقل احاول فهم ما حذث اما فيما يخصك فقد رميتي ملابسي خارجا و دخلت في صمتك اللعين دون مبررات او اي تفسيرات... لم تمنحيني فرصة الدفاع عن نفسي"
شعرت بالغضب لهذه الاتهامات، الان يحط المسؤولية عليها، بعد أن امتهن المجون منذ رميها له خارجا بسبب خيانته يعود ليضرب بكل شيء عرض الحائط و يتهمها بالتقصير؟
رأت لونا تمسك بيد أوكتافيا كي تركضان نحو المرآب، تابعتهما بنظراتها و بخطواتها على مضض، الغضب يمنع عنها سماع وقع خطواتها، لكنها من الافضل ان تضع بينهما مسافة قبل ان تتعلق بعنقه و تخنقه لحد الموت، في تلك الفترة القاسية، ليس الحب فقط ما خذلها لكن القدر أيضا، و كان أقسى على لونا التي فقدت والديها معا، هل كانت تملك الطاقة لتتحمل ضربة لوكا أيضا؟ لا أبدا...
" هل سنأخد سيارة واحدة؟؟" سألت لونا ما ان فتحت سيارتها عن بعد.
" سيارتنا هناك... لكنها لشخصين..." قالت أوكتافيا وهي تشير نحو ابداع من ابداعات ارشيبالد.
أن تكون مديرة الفروع الأمريكية و تستعمل ماركة بعيدة عن العلامة التي تعمل لصالحها أمر سخيف، لكنها تفضل السيارات الكبيرة الرباعية الدفع، تسهل عليها الحياة اليومية، لوكا رمق سيارتها بإهتمام:
" يمكنني القيادة..."
" لا تنوي ترك سيارتك هنا؟؟ سيغلقون المكان... قُد ورائي..."
ثم انحنت لتغلق حزام الامان لأوكتافيا و لونا و اغلقت الباب الخلفي عليهما، عندما عادت لتواجهه لم يكن قد تحرك من مكانه:
" أريدك أن تتخلي عن عدوانيتك معي..."
" لوكا أنت لا تفهم... لا أنوي تغيير تصرفاتي معك، كلما اعتدت على الأمر كلما كان أفضل..."
ثم دارت حول سيارتها و أخدت مكانها خلف المقود.
* * *
هل تملك خيار؟؟ لا بالتأكيد... الرد أتى اليها عفويا بينما تختلس النظر الى الرجل الغارق في الاب توب أمامه، عندما أخبرها بأنه سيرافقها الى مدريد فلم يكن كلام من فراغ، متى قال روكو شيئا فارغا؟ انه رجل يعرف ما يقول جيدا، رجل ناضج و حسابي أيضا، من المعيب المقارنة بينه و بين اليساندرو، هذا الأخير أضحى أمريكا منذ زمن، و هذا ما راقها بشدة فيه، بأنه لا يشبه تسلط خوسيه أو روكو في شيء.
ابتعدت بنظراتها عليه لتحطهما على المقعد البعيد قليلا، سانتياغو تخلص من معطفه، تسريحته الصارمة فقدت قليلا من حزمها، يبدو أكثر شبابا بهذا المنظر المهمل قليلا، بدأت تخمن القطع الفاخرة عليه، قميص بانانا ريبابلك ، بنطلون لويس فويتون، حذاء مارك جاكوب، و أربع أرقام باليونانية القديمة موشومة على قاعدة أصابعه القوية حيث تظهر في معصمه ساعة سويسرية ليست من امكانيات مساعد بسيط لرجل أعمال طبيعي، بدى سانتياغو و كأنه خارج من احدى الاعلانات الدائعة الصيت، الذكاء الذي يشع من جبينه دليل على اختيار روكو له، لو لم يكن عبقريا لم كان ظل العرّاب و أمين أسراره... فجأة حط عليها نظراته البنية الخضراء و كأنه شعر بمراقبتها له... وجه فاثن لقاتل محترف... هل هناك وشوم أخرى تحت قميصه؟
" الا تمل من تبعه في كل مكان؟؟" سألته بصوت بارد.
هز روكو عينيه بعيدا عن حاسوبه، رأت التسلية في هذه النظرات التي حطها على مساعده، لكنها و كأنها تكلم تمثالا، بقي فحسب ينظر اليها دون التعقيب عن كلامها.
" اتركيه بسلام دانيلا... وجهي غضبك لي..."
" أرفض مكالمتك " عادت تنظر الى سانتياغو... " منذ متى تعمل لديه؟؟"
لم يجبها، لكنها لمحت السخرية في عمق نظراته الساحرة، الرجلين يتسليان بها، أتممت غير مهتمة ببروده لمحاولاتها الهروب من الجمود اللعين في الطائرة:
" ما الأمر؟؟ هل تعمل بالقطع النقدية؟؟ بالبطاقات المغناطيسية؟؟ "رأته يتبادل نظرة مختصرة مع رئيسه، ثم يعود ليحطهما عليها، هزت حاجبها:" سانتياغو اسم اسباني... "
" سانتياغو اسم عام...." صحح لها روكو:" وهو يكره الثرثرة التي لا فائدة منها... "
ابتعدت عن الوسيم الاخرس لتحط نظراتها على روكو، مازالت تغلي من الغضب لما حذث في الايام الأخيرة، و عليها أن تقول ما حرق صدرها قبل أن تنفجر أمام خوسيه:
" فليكن روكو... فلنثرثر اذن... الى متى برئيك ستجبرني على الاستمرار في الكذب على خوسيه هيه؟؟ انه ذكي للغاية، لن يتأخر بإكتشاف ان خطوبتي مع شقيقك لم يتبقى منها سوى هذا الخاتم الجميل..."
عادت تنقل نظراتها لسانتياغو الذي أدخل أصابعه بين خصلات شعره السوداء ليعدلها، لا تخفى على هذا الرجل اسرار عائلة الايميليانو و يبدو أن الموضوع يشعره بالملل:
" لن يتأثر كبرياء أحد ان ذكرت الموضوع أمام موظفك؟..."
" كبريائك وحده ما سيتأثر عندما تدركين بأن ردة فعلك غبية للغاية و طفولية..." قال روكو وهو يغلق الاب توب و يسترخي كملك في عرشه:" قررت ادفاع اليساندرو ثمن خيبتك... أظنه يستحق امرأة أكثر نضجا ..."
هذه الملاحظة جعلتها ترى كلشيء باللون الأحمر.
" يبدو أن القاء اللوم على الغير عادة متوارثة عند الايميليانو..."
ابتسم روكو ابتسامته الكسولة:
" هيا 'كارا'... انفجري، التهبي و القي الملامة علي... أفرغي شحناتك البركانية فكلي أذان صاغية... فقط تحذير بسيط... أنا غير قابل للاحتراق"
شبح ابتسامة ظهر على شفاه سانتياغو، رباه... انهما يتسليان بها... تواطئهما شيء يفوق حدود فهمها، لكن الأمور أكثر خطورة مما يحاول روكو اظهاره، هناك مصيبة وقعت في الماضي أودت بحياة والدتها، أغمضت عينيها لتعود و تفتحهما على الكنبات الفخمة للطائرة الخاصة، التقطت الاصابع الانيقة لسانتياغو هاتفه و بدأ بتفحصه يحاول قدر الامكان منحهما الحميمية الا انها تعرف بأن أذنيه معهما بالتأكيد:
" ربما أنت محق... لست امرأة ناضجة بعد... و كيف لي أن أكون بينما أخرج لتوي من مراهقة مشددة الحراسة... لم أكتسب خبرتي من شيء سوى ما منحه لي وصيي الذي تبين لاحقا بأنه ابن عمي... " أخدت نفسا عميقا، نظرات روكو الشديد الذكاء تحطان عليها مثل بصمة نار، يترقب منها انهاء حكايتها:" لكنك لست الناصح الجيد روكو... فعندما نرى علاقتك المهتزة مع صوفي التي تفضل الاحتراق في الجحيم على البقاء معك دقيقة كاملة..."
" لا تتكلمي عنها..." نصحها بهدوء:" تملكين تعقيدات أكثر .. القي ما عندك دانيلا و لا تغير وجهة كلامك..."
و كأنه يملك عصى الراعي التي يضع قطيعه في المسار الصحيح، كم تكرهه لهذا.
" أنت و سابرينا تملكان قصة مختلفة لما حذث في الماضي... أنت تقول أن أمي مومس... بينما هي تناقضك... فمن منكما يكذب؟!..."
" الكذب ليس ضمن شيمي أبدا..." قال بصراحة:" يا طفلتي... بعض الأمور يُفضل التغاضي عنها كي يعيش البعض بسلام، قصة سابرينا بدلائل نعم لكنها لا تخلى من الغموض، ما حذث في الماضي يعرفه يانيس و المادو....فقط... وكل هذه الدراما... لن تزيد خوسيه سوى تعاسة... تعرفين بأن اليونور متلت له الحلم الذي لم يحصل عليه أبدا... دعيه يعيش فرصته الجديدة مع المرأة التي أختارها لتمنحه وريثا... أتركيه و تحملي مسؤولية ماضيك كإمرأة قوية و ليس كمراهقة مختلة العواطف و الهرمونات..."
يعود لاتهامها بعدم النضج:
" أريد رد الاعتبار لأمي..."
انحنى روكو الى الأمام ليسألها بجدية:
" مثل ماذا مثلا؟؟ اخراج يانيس و المادو من قبريهما و قتلهما مرّة ثانية؟؟ "
اختنقت أنفاسها في حنجرتها و شعرت برغبة ملحة للغاية في البكاء المرير، كانت تجاهذ كي لا تضعف أمامه لدرجة انها اختنقت، ترك فجأة مكانه ليجلس بالقرب منها، دفعت أصابعه شعرها الى الوراء، هذه الحركة الحانية و التي لم تتوقعها أجبرت صدرها على تحرير تنهيذة معذبة، ثم بكت بصمت... بكت مصير أمها التعس، بكت طريقة موت ابيها المريبة، بكت خيبتها في الشيء الوحيد الذي آمنت به، علاقتها مع اليساندرو... اللوم يقع عليها نعم... أدفعته ثمن أبيه... كانت بحاجة لأدفاع أحدهم الثمن...و مازالت تحلم بإدفاعه لأحد...
وضعت رأسها على صدره و تركت دموعها تنزل، انها مضطرة لأنزالها قبل لقائها بخوسيه، و روكو يبتزها لإفراغ شحنتها تفاديا لأي دراما أمام الصديق الذي ينوي حمايته حتى النهاية.
" أنا أكرهه..." تمتمت بعد أن مد لها العرّاب كوب ماء جلبته المظيفة:" كيف يعقل أن يكون الانسان حسابيا لهذه الدرجة؟؟ كيف أمكنه تدمير حياة أمي و سلبها ابنتها و قمع الفضيحة فقط لحماية مصالح أخته و انتخبات صديقه..."يعرف بأنها تتكلم عن يانيس، لكنه لم يعقب على كلامها، شربت القليل من المياه المثلجة قبل أن تبعدها عنها، التقط الكوب سانيتاغو، منذ متى وهو واقفا أمامهما؟:" لما تعمد الاساءة اليها؟"
" في كل قصة هناك روايات مختلفة... لا نعرف الزيف من الحقيقة..."
هزت اليه عينين متورمتين:
" اليونور أضرمت النار في مكتب الفونسو بعد أن قام بالاعتداء عليها جسديا لمدة أسبوع كامل... أي رواية أخرى تأملها أخبرني؟؟ أنا أبنتهما... التحاليل تثبت هذه الحقيقة... و خوسيه يظنني ابنة ناديا و الفونسو... أخبرني كي ستكون ردّة فعله عندما يعرف بأنني ابنة حبيبته؟!"
أقطب بشدة:
" لن يعرف أبدا..."
" لكنه سيعرف ذات يوم..."
" لن يعرف... لأنني أثق بك و أعرف بأنك عاجزة عن تدميره بينما يجاهذ لبناء كيان جديد و مختلف... "
اعوجت شفتها في تعبير متهكم:
" تثق بمراهقة حمقاء تتلاعب هرموناتها بها؟؟"
أمسك بيدها، لم تكن في حركته اي دعم نفسي، بل حركة تنم عن تحذيره الجدي لها:
" حان الوقت كي تكبر تلك الحمقاء و تترك تفاهات الماضي خلفها... الانفصال عن الاشباح المظلمة و عيش حياة كريمة ما يستحقه خوسيه...ّو أنت أيضا"
هزت كتفيها:
" توقف عن النفاق روكو أعرف بأن مصيري لا يهمك..."
" النفاق ليس من شيمي أيضا.." أكد لها كبالغ صبور يحاول اقناع طفلة متمردّة:" تعنيني علاقتك بشقيقي الصغير، لكن لا تنتظري منه التنازل بعد تهورك، اليساندرو لا يعود عندما يتم الرمي به... اقول هذا عن تجربتي التي خضتها قبلك يا صغيرتي......"
و هذا صحيح، اختار أن يصبح أمريكي أكثر منه ايطالي، في الماضي حاول روكو ان يجعل اليساندرو نسخته الثانية، و خلافا لكل آماله تمرّد هذا الأخير، كانت له رؤى أخرى، مسحت المتبقي من الدموع على خديها و هزت كتفيها:
" لا أنوي استعادته... ما يهم اللحظة هو ان ارمم شتات نفسي... قبل أشهر كنت ابنة السيد و السيدة كورتيز ليتوضح بأن حياتي برمتها مجرد كذبة لعينة... "
" فليكن... لا أحد يجبرك على ما لا تريدينه دانيلا، لكنني مضطر لإعادة تنبيهك بضرورة حماية خوسيه من الحقيقة، أخبريه بأنك على علم بقرابتكما، أخبريه بعد مدة مناسبة بأن اليساندرو ينام بجواربه و ربما يشخر ليلا ، جدي اي عذر سخيف لاقناعه بفسخ الخطوبة... لكنني أمنعك دانيلا... أمنعك بأن تحزنيه أو تسيئي اليه... انه يحاول العيش من أجل أطفاله... لا تتعجلي بحفر قبره قرب قبر اليونور فتمضين حياتك في الندم ..."
* * *
خرج لتوه من مياه البحر ، لا يزال جسده وشعره يقطران بالمياه المالحة ، عندما انجرفت نظرته إلى المرأة التي تتقدم من الشاطئ تصلب مكانه. جسد راقي وأرجل لا حصر لها وشعر أسود فاحم ساحر يسقط نحوها مثل الستارة، كانت المرة الاولى التي تتخلص فيها من الثنورة المريعة، بدت مختلفة للغاية بهذا الشورت القصير و الكنزة البيضاء بلا أكمام، تبدو مثل النسمة، انزلقت نظراته على نذوب ركبتها الغائرة، واقي السلكون أخفى تماما تلك العيوب المريعة، فيرنا أكثر ثقة هذا اليوم، الاشياء تغيرت بشدة منذ أمس، و جرأتها الجديدة تعجبه بشدة:
" يالها من مفاجأة... أنت فاثنة..."
ابتسمت تلك الابتسامة التي تعرف طريقها الى قلبه:
" انه يومنا الأخير سانتو... وعدتني بزيارة شاملة ..."
اقترب منها و لم يقاوم بلمس وجنتها المخملية:
" أنا رجل يفي بوعوده، لسيما لإمرأة جميلة..."
كشرت قليلا:
" سأبدأ بتصديق أنني جميلة بسبب تردديك لهذا الكلام بإستمرار..." أشارت الى هندامها:" أنت مؤثر قوي كما ترى... "
اشرق و جهه بسرور صادق:
" أنا سعيد لأنك تخلصتي من تلك الثنورة التي تخفي كل هذا الجمال تحتها..."
لكنه ندم على هذا الكلام بينما تثير فيرنا مجددا النظرات بشكل جنوني، مثل المعتاد، الجميلة تظن أنه هو من يدير الرؤوس، اهتمامها بعيد جدا على أن تتعمد اثارة اعجاب أحد، هذا الاختلاف الشاسع بينها و بين ايموجين مثير حقا للدهشة، كانت تتصرف بطبيعية و بطلاقة، ثارة تجذب شعرها على كتف واحد، و ثارة تهمله ورائها،كان أكثر ما يشد الانتباه، الخصلات العذراء التي لم يلمسها مصفف، اللون الطبيعي تناغم بشدة مع بقية تقاسيم الوجه، فيرنا آية في الجمال، جمال استثائي، لا يشبه في شيء جمال ممثلاث هوليود، انه خام و راقي للغاية.
فيرنا أحبت غران كناريا، تفتحت مثل زهر الصباح و نسيت بقية تحفظها، الشخصية الأخرى لها لذيذة للغاية، انها ميالة للمزاح بشدة، ميالة للنكث و الضحك ايضا، التقطت صور لا معدودة في حوض أسماك بويما ديل مار، حتى انها اشارت الى سمكة غريبة و أكدت له بأنها تملك نظراته الشيء الذي ادخله في هستيرية من الضحك، القرى الداخلية في غران كناريا أجمل من تلك الموجودة في تينيريفي والمناظر الطبيعية أكثر ملحمية ، تشبه تقريبًا تلك الموجودة في أريزونا.
عندما أمسك بيدها لم تتركه مجددا، عفويتها رائعة، في لاس بالماس دي جي سي ، علقت عن اعجابها بتنوع وثراء المناظر الطبيعية والمنازل الاستعمارية والملونة، للأسف لا يملكان الكثير من الوقت ليكتشفا أكثر المكان، في مطعم بحري صغير طلبا وجبة العشاء.
"انهم أجمل ثلاثة ايام قضيتهما في حياتي..." سمعها تقول وهي تبعد عنها لائحة الطعام:" أحببت كثبان ماسبالوماس وقرية بويرتو دي موجان الجميلة... الشواطئ مصنوعة من الرمال السوداء... الحمامات الطبيعية في بويرتو دي لاس نيفيس.... أمممم... ولكن ما فضلته هو المناطق الداخلية ..." وخزت أنفها الجميل:" يلزمنا أكثر من اسبوع لرؤية كل شيء..."
مد يده ليلتقط يدها من خلال الطاولة الخشبية القديمة:
" سوف نعود فيرنا الغالية... و سنبقى أكثر أعدك..."
شدت على أصابعه أكثر، و أطرقت برأسها الجميل على اليمين، حركة صار يحفظها و يجدها جدّابة" ما الأمر عزيزتي؟؟" سألها بينما يرى ملامحها تتغير، بعض الحزن في عمق مقلتيها.
" انا عاطفية أكثر من الازم... أشعر بالحزن لأننا سنرحل غدا..."أجبرت نفسها على الابتسام و ضغطت مرة أخرى على يديه بإمتنان:" شكرا لأنك اتيت بي الى هنا... هذا خلق لي تغيرا كبيرا صدقني و سأعود الى الواقع بطاقة كبيرة..."
ابتسم لها بحنو:
" على الرحب و السعة يا طفلتي..."
قوله دفعها للضحك بنعومة، أسندت رأسها على راحة يدها:
" الفرق بيننا ليس كبيرا الى هذه الدرجة..."
" احدى عشر سنة..."
استرخت رموشها الكثيفة، ضوء الشموع جعل من بشرتها متوهجة و ذهبية أكثر، عينيها اصبحتا سوداوتين:
" كيف يعقل أنه في هذا العمر... لا تملك عائلة؟"
شعر بنفسه يتصلب تحت هذا السؤال، تفادت فيرنا الكلام في حياته الخاصة حتى الأن...
" لدي ابنة..." اتسعت عينيها من المفاجأة، لا يبدو أنها توقعت هذا:" اسمها أوكتافيا و هي في السادسة تقريبا من عمرها..."
راقبها تبلع ريقها ببعض الصعوبة، بدأ القلق يزحف اليه بطريقة ما:
" أنت لم تخبرني..."
" أنت لم تسألي..." رد عليها بسرعة.
بعض الحذر تخلل نظراتها، بدأت تحملق اليه بطريقة مختلفة لا تعجبه، بدأت في تقييمه مجددا، هذه النظرات لفيرنا التي لم تعره أدنى أهتمام بينما يقع فريسة سحرها، لا ينوي التخلي عما يشعر به نحوها فقط لأن حياته العاطفية أشد تعقيدا مما يتمنى:
" و أين هي الان...؟"
" مع والدتها في أمريكا..." أخرج هاتفه و قلب عدة صور قبل أن يضع الشاشة المضائة أمامها، أوكتافيا بإبتسامة شاسعة:" أعرف بأنها لا تشبهني... أخدت كل شيء من والدتي"
بعد تردد مدّت يدها الى الهاتف و التقطته تتفحص الصورة بفضول متزايد، عندما أعادت له الهاتف أخيرا كان قد فقد فيرنا التي تمكن من كسبها مؤخرا، تقوقعت فجأة على نفسها بشكل مريب.
" لا تعجبك فكرة أبوتي؟؟"
" ما لا يعجبني هو تسترك على الموضوع..." بدت عصبية، عينيها تلمعان بشدة و كأنها على وشك البكاء، لكنها لا تنوي ذلك، بالأحرى هي غاضبة للغاية.
" لم تسنح الفرصة لأكلمك عن ابنتي..."
لم تجبه، بقيت مكانها، تحاول تفادي نظراته، وصل النادل بالاطباق، كان قد فقد شهيته كما فقدتها هي، بالكاد لامس طعامه بينما اكتفت الايطالية الصغيرة بالمشروبات المحلية، أقفلت كل فرصة الحوار، ردة فعلها تغضبه و ايضا ترعبه، يأمل فحسب اقتحام رأسها لرؤية ما يدور فيه:
" أكره الأسرار... لسيما هذا النوع من الأسرار "
" أنا آسف..." خرجت الكلمة بسرعة، التقط يدها في يده، لم تحاول سحبها:" لم اخطط لأقع تحت سحرك...الأمور تسير بشكل سريع للغاية بالنسبة لي..."
كيف سيفهمها بأنه هو بنفسه غير قادر على موازاة الاحذاث؟؟ بأنه أصبح غريب عن نفسه بسبب فتاة بشعر طويل للغاية قررت قلب موازين حياته؟
" انها جميلة جدا..."
" عفوا؟؟" سألها.
" ابنتك..." قالت بصوت منخفض:" تقول بأنها لا تشبهك...لكن... برئي تملك عيناك !..."
ثم لم يعودا للموضوع، فيرنا طلبت من النادل ان يجمع طعامها و ان يفعل الشيء نفسه ببقايا صحنه الذي لم يمس منه الا القليل، أخدت الأكياس و فور خروجهما من المطعم توجهت نحو رجل يتفرش الكراتين و يضع عليه بطانية يشك سانتو بأنها ستقيه من البرد، انحنت عليه و خلافا لكل توقعاته انطلقت تكلمه بالاسبانية، شاهد الرجل يشد بشراهة على اكياس الطعام و يهز راسه عدة مرّات شاكرا.
" تتكلمين الاسبانية؟؟"
" الفرنسية ايضا... أحاول تعلم لغة المهاجرين الثانية..."
عندما قصدا الشارع حيث تصطف سيارات الأجرة لم تحاول مجددا التقرب منه، منحها المسافة التي تطلبها، الموضوع اسوأ بـأكثر مما يمكنه تحمله، لايريدها بعيدة بل قريبة للغاية... احساس مريع للغاية يتملكه، بأنه فقدها سلفا.
" فيرنا..."
توقفت عن المشي لتواجهه، الاستسلام في نظراتها سحق قلبه، سألته بصوت مباشر:
" منذ متى انفصلت عن زوجتك؟؟" لم يجد بما يجيب، الا ستمرار في الكذب لن يزيد الوضع سوى تعقيدا، رغم عتمة الشارع الخفيفة رآى وجهها يشحب بشدة:" أنت متزوج!..."
" فيرنا..."
" يا الهي...شيء لا يُصدق"
تجاهلته، ابتعدت بينما يحاول الامساك بها، الأمور تخرج عن السيطرة، و لا يبدو بأنها على استعداد لسماع قصته اللعينة، تبعها عن قرب، كانت تعرج أكثر بساقها، اليوم الطويل أثر بها في النهاية، توقفت بجانب سيارات الأجرة، لا تبدو مستعدة لمتابعة اي حوار حاليا، فتح لهما السائق العربة فدخلا اليها صامتين...
بينما السائق يتوجه الى العنوان الذي أعطاه اياه، كانت فيرنا ملتصقة بباب مقعدها و كأنها تنوي الهرب في أول فرصة يضع يده عليها، الانوار تتعاقب على وجهها الخالي من اي تعبير، كانت نظراتها فارغة تماما... مثل صدره في هذه اللحظة.
عندما وصلا الى الفيلا استغلت دفعه ثمن رحلتهما كي تختفي من محيطه، ايجادها لم يكن صعبا، هو من يملك المفاتيح عموما، من طريقة زمها لشفاهها لا تبدو مستعدة لمناقشة أي شيء ما:
" أريد أن اشرح لك..."
ابتسمت له ابتسامة جليدية:
" لست مضطرا لشرح أي شيء سانتو... فلا شيء بيننا ...عموما أنا هنا بصفتي صديقة..." شعر بها تنفلث من بين اصابعه كالرمال، هو الذي كان سعيدا خلال هذه الايام كما لم يكن طيلة حياته:" افتح الباب أرجوك... أنا مرهقة بشدة و غدا سنرحل باكرا..."
و ما ان ترحل حتى تختفي كليا من حياته البائسة، القلق أربك أحاسيسه، مكانها كان ليتصرف بنفس الطريقة، ربما هو عبقري في كل شيء سوى في هذا، لم يسبق له أن أحب في حياته ولا يعرف كيف تسير هذه الأمور، أو كيفية اقناعها بحسن نواياه.
" أنا بصدد الطلاق..."
نصف الحقيقة، ما حذث انه أوقف الاجراءات بينما يمنح ايموجين فرصة أخرى، الشيء الذي يستهجنه بقوة الأن.
" لا أريد أن أعرف..."
" أريدك ان تسمعيني..." جاء صوته أكثر حدّة مما جعلها تتراجع في مكانها:" لم انوي الغدر بك فيرنا كل شيء اتى مسرعا بيننا و لم أستطع اخبارك الحقيقة لأنني ارتعبت بشدة من امكانية فقدانك..."
قاطعته بنفس النبرة الجليدية:" كيف يمكنك فقدان شيء لم تملكه؟!.."
الجواب سمّره مكانه، لكن الصفحة الجليدية اختفت كي ينفجر غضبها:" تظن بأنك أول رجل يحاول التقرب مني؟ أول رجل يراني أعرج فيخمن حاجاتي الماسة لحمايته؟؟ انا لا أحتاج أحد... تمكنت من الاستمرار في حياتي رغم كل شيء... أنا لست هشة و لا ضعيفة و لا يائسة لدرجة ان أقبل برجل امرأة أخرى..."
بما انه يتأخر في فتح الباب قررت تركه هناك و قصدت الشاطئ،كانت هذه المحادثة قاسية للغاية لدرجة أن تبادلها بدا سرياليًا بالنسبة له، بلا أدنى شك فيرنا قررت محيه من حياتها و كأنه لم يكن.
لحق بها في خطوتين، لايمكنها الاسراع أكثر بسبب اعاقتها، أمسكها من كتفها ليجبرها على مواجهته، هذه الليلة الخالية من القمر، الشديدة السواد، الحالكة و المريبة ستبقى عالقة في مخيلته الى الأبد.
" أنا أسوء من يمكنه التعبير عن مشاعره لكنني سأحاول اخبارك بما أحسه اللحظة..." بحث في الظلام عن عينيها، يبحث عن لمسة من الدفء، ولكن النظرة لا تزال الجليدية:" أشعر كمن يقع في شرك لم يخطط له... قبل عدة سنوات، قررت الزواج لسبب واحد، حمل صديقتي آنذاك بإبنتي أوكتافيا، رفضت قطعا اعادة سيناريو يانيس، أنا افضل منه، ابنتي تستحق أن تكون مع والديها و أن تعيش طفولة حقيقية... و الأمور لم تسر كما آملتها... لا ألوم ايموجين بقدر ما ألوم نفسي... طفل لا يكفي لتكوين أسرة... و أنا ربما لم أتمكن من حبها بالطريقة الصحيحة... مع الوقت تدمر زواجنا، كنا نعمل كثيرا، كثيرا جدا و أهملنا البيت و الأسرة و الطفلة... حاولت منحها فرصة... لكن الأمور انفلتث من بين يداي ما ان التقيتك... "
" كفى..."
دفعته عنها، رفضها قاسي لدرجة أنه يشعر بجدران غير مرئية تنغلق من حوله و تخنقه.
" آسف لأنني آذيتك..."
كانت نبرته صادقة لدرجة أنها دفعتها لرفع عينيها الممتلئتين بالغضب و الدموع نحوه، خاض يأسه في الترقب و الانتظار، ان قررت عدم الاستجابة لأعذاره فكل شيء سينتهي الليلة... وهو ليس مستعدا لتركها ترحل.
" من بين جميع المبررات التي يمكن أن تطرحها ، هل هذا هو الذي اخترته؟ فكرت في نفسك فقط و لم تفكر بالاذى الذي سأشعره بينما أقبل بدخول حميمة رجل متزوج؟؟" حاول الاعتراض لكنها اشارت له بحزم ليصمت :" الخيانة هي أكثر ما أكرهه في حياتي... سبق و أخبرتك عن قصة والداي، أمي كانت متزوجة عندما ربطتها علاقة بوالدي، و كل هذا ... لم يدفعك لمصارحتي الحقيقة!... تركتك تقبلني، و تعانقي، تركت نفسي أشعر بالسعادة معك... كيف سأتطلع لوجهي في المرآة بعد اليوم؟؟ بسببك قل احترامي لنفسي!..."
" لا يجب أن تشعري بالسوء فيرنا... زواجي منتهي حتى قبل لقياك..." أكدّ لها صراحة.
" ربما بالنسبة لك... لكن ليس بالنسبة لي... " ردت بلكنة خشنة:" و بعد الليلة سانتو... أريدك أن تخرج من حياتي... أرفض قطعا أن أشارك في هذه المهزلة... خير لنا ما حذث... لأنه لا مستقبل بيننا ... نصيحة، حاول تصليح الأمور مع زوجتك فأنا ضد الطلاق بوجود أطفال"
* * *
خوسيه؟ خوسيه رجل آخر في وجود أصدقائه، وجهه يتغير، نظراته ايضا، يصبح رجلا متجدد الطاقة، و لا يبدو أنه المسرور الوحيد في هذه اللحظة.
" أين هما؟؟ أنا متحمس للغاية.." قال روكو.
قوانين خوسيه تنطبق على الجميع، لم يمنع العرّاب نفسه بالتعليق بسخرية بينما يقوم خوسيه بمنحه جل التعقيم.
" الا تظن انك تبالغ؟"
" انهما صغيرين للغاية..." دافع زوجها عن نفسه، رغما عنها تابعت آيا الموقف بتسلية.
هز الوسيم الايطالي عينيه نحوها و سألها:
" كيف تتحملينه؟؟"
" من أخبرك أنني أفعل؟؟" سألته مختنقة في الضحك" هو لا يحتمل بالمرّة... "
انتبهت فورا الى ابتسامة دانيلا القسرية، كانت تقوم بتعقيم يديها هي الأخرى، لكن نظراتها فارغة، لا تبدو الشابة الحماسية و الحيوية التي ذهبت من القلعة قبل العيد.
ضمت آيا ذراعيها اليها، كان الجميع في جناح التوأمين الخاص، سيسيليا متوهجة لإستقبال صديق ابنها العتيد، تتطلع بفضول لرؤية ردة فعله بينما ينحنى أولا على مهد المادو، هذا الأخير لم يكن نائما... مثل المعتاد:
" كم هو صغير..." جاء صوت العراب متعجبا، يبدو الصبي صغير جدا بين ذراعي عرّابه المستقبلي، صغير لدرجة أن خوسيه يبقى متأهبا لمد يد العون ان تطلب الأمر، يديه ممدودتين نحوهما:
" انتبه يا صديقي... ضع يدك جيدا خلف رأسه..."
" تعاملني و كأنني افتقد الخبرة..."
" انت تفتقدها نعم..."
" اهتممت جيدا بصوفي في نفس العمر..." علّق العرّاب وهو يهتم بالمادو بكل احترافية:" لما تقول انه يشبهك...؟"
لا يبدو ان ملاحظته راقته، هذا الأخير بحث عن دعم والدته أمام هجوم صديقه :
" أؤكد لك بأنه هو في نفس العمر.." تدخلت سيسيليا بجدية.
" يلزمني دليل..." أكد روكو بتجهم مسرحي:" انه جميل جدا... يشبه والدته بالأحرى"
رغما عنها شعرت بالحرارة تغمر وجهها، هذا أجمل اطراء قاله أحدهم منذ ولادة التوأمين، ابتسمت لروكو ممتنة، هذا الأخير غمز لها بتواطئ، الشيء الذي لم يروق بالمرّة لخوسيه المتملك للغاية:
" لا تنفش ريشها أكثر... يكفي أن أوزلام صورة مصغرة عنها..."
دنى الرجلين بحذر من مهد الصغيرة، كانت نائمة، هادئة، لطيفة و سهلة مثل المعتاد، الحنان الذي أطل من نظرات الرجلين كان مذهلا، رغما عنها وجدت نفسها تتبادل الابتسام مع دانيلا التي شعرت بنفس الحب و التقدير الطائر في هواء الغرفة:
" انها رائعة خوسيه... الصور لا تعطيها حقها..." قال روكو بلكنة خشنة من العاطفة:" لكن هذا لا يكذب ظنوني... هي لا تملك شعرا حتى الأن..."
" سبق و اخبرتك بأنها شقراء..." السئم غلف كلماته... شخص مل تكرار الشيء نفسه.
انفجر روكو في الضحك، انها المرة الأولى التي ترى فيها هذا الرجل مسرورا، يبدو حقا متوهجا و سعيدا للغاية برؤية التوأمين و هذا يشعرها بالفخر، أطفالها محظوظين بالحصول على كل هذا الاهتمام و من الجميع، كل الهدايا التي وصلتهما بمناسبة مجيئهما و كل بطاقات التهنئة تدل على مكانتهما القوية في مجتمع انتظر وجودهما بكل حرقة.
" انهما رائعين... قمتما بعمل رائع...فليباركهما الله" التقط خوسيه ابنه من بين ذراعي صديقه الذي توجه نحوها، تسارعت ضربات قلبها من المفاجأة وهي تراه يلتقط يدها و يحملها لشفاهه كجنثلمان حقيقي:" ' دونا آيا مارتينيز' شكرا لأنك جعلت من هذا الرجل أبا أخيرا... و جعلتي مني عمّا و عرّابا... أخبرني خوسيه أن الولادة كانت صعبة للغاية، كان قلقا بشدة عليك و أنا سعيد لأن الأمور أنتهت بخير و صحتك و صحة التوأمين بخير..."
هزت نظراتها نحو خوسيه، هل قلق حقا عليها ؟هذا الوحش الكاسر الذي انقلب ضدها فور رفض عرضه الرائع بإنجاح زواجهما؟ لم يمنحها متعة وضع أمل على كلام صديقه، رده أتى فوريا في نظرة متهكمة للغاية أعادتها للواقع، من البديهي جدا أن يمثل على من حوله بأن أمرها يهمه، هي أيضا قلقت بشانه عندما أخبرها كارلوس بأنه مريض و قد أجرى ثمة عملية... لو حذث لها مكروه خلال الولادة... كان هذا ليسهل مأموريته... بإمكانه الحصول وحده على حضانة التوأمين....لم تستطع التوغل في أفكارها أكثر، العرّاب أخرج علبة سوداء مخملية من الجيب الداخلي لسترته و قدمها اليها:
" هدية مني و من بريانا..."
شدت على انفاسها عندما أبهرتها أشعة متلالئة لسوار من الذهب الأبيض و الماس، كان راقي التصميم و متعة حقيقة للعين، لا تجرأ على تخيل القيمة المادية، لكنها متأكدة بان ثمنه سيغطي كافة مصاريف حربها ضد روكو ان دخلتها يوما.
" انه رائع للغاية روكو... هذا حقا كثير..."
" كل الامتيازات للأم الجديدة... انهما حقا رائعين... تجهلين كمية السعادة التي خلقاها بذاخلي..."
كان يتكلم بصدق بالغ دفع الدموع الى عينيها، لفتته جميلة للغاية و تعامله طيب و رقيق، هو الذي وضعته في خانة الجبابرة، في النهاية ذاب أمامها ما ان وقعت عيناه على التوأمين:
" شكرا لك على الهدية... "
" سأكون بجانبهما و بجانبك دوما...خصوصا اذا استمر خوسيه في حملة تعقيمه...سأتي و أخدكم جميعكم الى صقلية"
ضحكت بنعومة، لكنها قالت ما تفكر به بكل صراحة:
" انه أب رائع..."
" لا أشك بهذا أبدا... هاتفي سينفجر بصوركم... إنه فخور بعائلته..."
يرسل صورها هي أيضا لأصدقائه؟؟ عادت لتلتقي مجددا بعينيه، هذه المرة لم يكن تعبيره المتهكم، هل قالت ما يقلب مزاجه؟ حتى أن كل اثر للتسلية اختفى، كان يتطلع اليها بطريقة غامضة جعلتها عصبية...
ثم استيقظت أوزلام و منحت العرّاب اسبابا عديدة ليضحك مرّة أخرى، مشهده متوهجا بشدة مع الصغيرين لم يكن قد أثر بها هي فقط، دانيلا و سيسيليا أيضا حتى ان خوسيه علق بينما يتأهب الجميع لمغادرة الجناح كي تتمكن من اطعام صغيريها بسلام:
" عليك الحصول بسرعة على طفل؟؟"
" لما الإستعجال؟" سمعته يهمس لصديقه كي لا يسمعه غيره:" نوع الحياة التي أخوضها لا تناسب طفلا ... كما أنك قمت أنت بهذا الدور و أنوي أن أكون عمّا رائعا لهما..."
أقطبت آيا، لا يبدو أن الصديقين قد انتبها أن هناك اذن ثالثة التقطت الملاحظة المتهكمة و أيضا... الموجعة...
عندما يرى المرء الأصدقاء مجتمعين، يدرك بأن لكل منهم مكانته الخاصة، مثلا روكو يظهر بأنه الأكثر سطوة بين البقية، لكن المظاهر خادعة أحيانا، العرّاب ضحك مرّتين في هذا المكان، و كان هذا بفضل التوأمين.. كانت ضحكته أجشة للغاية، كرجل لم يضحك منذ زمن طويل أو ربما... نسي كيفية الضحك ببساطة.
* * *
كانت تراهما متواطئين بشدة، حتى أن آنجلو أتمم طعامه اليوم، و لم يحاول الدخول في أي أزمة أخرى من أزماته المريعة بشأن والدته، النهار كان ملئيا بالمفاجآت، سيزار تصرف بشكل رائع مع الصغير، حتى أنه هو من يقص عليه اللحظة قصة الليل، وقفت قرب الباب، تراقب سيزار يجلس على جانب سرير آنجلو، منحني على هاتفه يقرأ منه، الصغير بين النوم و اليقضة، يجاهذ كي يسمع آخر القصة:
"حكم إدوارد السادس ست سنوات فقط ، لكن عهده ، الذي انتهى في 1553 ، كان من أكثر الأوقات المجيدة والأكثر تساهلاً في هذه الأوقات الكئيبة. أكثر من مرة حدث أن شخصًا عظيمًا ، تابعًا تاجًا عظيمًا ، محفورًا بالذهب ومغطى بالمجوهرات ، أشير إليه كيف تم نقل لطفه المفرط إلى نقطة الضعف.
"سيكون من الأفضل ، أيها الملك" ، أن يترك جلالته العدالة تأخذ مجراها ، دون التفكير في الإصلاح ، في إلغاء القوانين التي يدين بها هنري الثامن بصلابة عرشه ، ودون أن يظهر نفسه أنه سهل على الناس الذين 'يمكن للمرء أن يحتوي فقط عن طريق الظلم. ثم رفع الملك الشاب عينيه البليغة إلى محاوره ، وقال له: - أنت تتحدث عن الظلم يا سيدي. أنا وشعبي نعرف ما هي ، لكن عظماء فنائي الخلفي يتجاهلون ذلك."
أغلق هاتفه، لكن آجلو غرق في النوم، راقبته يعدّل الغطاء من حوله قبل أن يترك الغرفة على اصابع قدميه، تجهل بالضبط ما يحذث، لكن زوجها بدأ بالتودد للصبي الذي رفضه بشدة في البداية، و يبدو ان ثمة علاقة مثينة نمت بينهما و لا تفهم مصدرها، ابتسم لها سيزار ابتسامة عريضة بينما يحيط خصرها كي يبعدها عن باب الغرفة و يغلق الباب خلفه بهدوء:
" يجب أن اناقشك بموضوع مهم..."
" عن حكم ادواردو السادس؟؟" سألته متهكمة وهي تتبعه الى المطبخ، رأته يعمل بحركات نشيطة بينما اخدت مكانها وراء طاولة الطعام:" هل تظنها قصة مناسبة لطفل في عمر آنجلو؟؟"
" يبدو بأنه أحب قصة الأمير و الفقير.. قهوة؟؟"
" لا عزيزي... أنوي النوم هذه الليلة..."
ضحكت بينما ترى ملامحه المتحسرة، أراحت وجنتها على كفها، مأخودة بحركات ذراعيه و عضلات كتفيه القوية وهو يضع الكبسولة في ماكينة الاكسبريو، بعد لحظة فاحت رائحة القهوة اللذيذة، أتى ليجلس على الكرسي المقابل لها، خاتم الزواج يلمع في بنصره بينما يحمل الفنجان لشفاهه المثيرة:
" اذن... مالذي يحذث بينك و بين آنجلو؟؟ أراكما متواطئين فجأة..."
" انه طفل لذيذ... " كان قد استهلك قهوته في جرعتين و هجر فنجانه الفارغ أمامه، عيناه الرماديتين تلمعان بشدة:" لدي فكرة ستنهي معاناة الصبي..."
اتسعت عيناها بالفضول و الترقب:
" و ماهي؟؟"
" سننقل قبر والدته الى صقلية... سيتم دفنها بجانب قبر جوزيف... مارأيك؟؟" أقطبت روبي... قبر جوزيف... أصبح مجرد قبر في النهاية، شقيقها الغالي الذي سرقه الموت في وقت مبكر للغاية، لابد أن سيزار لمح تغير ملامحها، التقط يدها في يده:" أعرف كم أحببته روبي..."
هذه الكلمات زادت من معاناتها، أحبته كم لن تحب نفسها يوما، لكن فكرة سيزار عبقرية، هذا سيمنح آنجلو بعض الاستقرار النفسي، ابتسمت له برقة:
" أتيت لحياتي كي تملأها حبا أيضا سيزار كوستانسو... لا أعرف ما سأفعله من دونك... يبدو أنك فعلا رجل حياتي..."
كشر قليلا:
" تأكدت من هذا مؤخرا فقط؟؟"
انفجرت في الضحك لتجهمه اللذيذ:
" فلنقل أن كل يوم يزيدني يقينا ايها الوسيم..." ثم تركت مقعدها و اتت اليه، جلست على ركبتيه غير قابلة لأي مسافة بينهما، دفعت خصلات شعره الى الوراء و غرقت في عينيه الرائعتين:" أحلم بالفستان الأبيض و بزفاف يضم كل من نحب... الزواج أمام الله سيزيدنا قوة و صلابة... سنحصل على أطفال عندما نتمم عهودنا الدينية..."
" سنحصل على دزينة أطفال..." أكد بسرور، تتغير ملامحه عندما يتكلما بهذا الموضوع الذي يرهق أعصاب كليهما.:" أحلم أيضا برؤيتك بالفستان الأبيض... قررنا تأجيل الموضوع بسبب عروضك الفنية..."
ذكرها وهو يلامس أنفها بأنفه:
" يمكننا ايجاد تاريخ مناسب... لسنا مضطرين لإنتظار سنة ونصف ... مارأيك في الربيع؟؟ كانت الفترة التي التقيتك بها..."
ابتسم ابتسامة شاسعة:
" تقصدين عندما ظننت أنني حارسك الشخصي الذي أرسله جدك لمراقبتك...؟؟"
تلونت خداها، هذه الذكريات تحيي فيها مشاعر لا منتهية:
" عندما وقعت في حب حارسي الشخصي و اكتشفت بأنه هو نفسه السافل كوستانسو الذي يريد استرجاع ارث أسلافه بي... هل تظن ان جورجينا ستصاب بأزمة ان عجلنا الموضوع؟؟ هي التي تأمل بشدة أن نمل بعضنا و أحرر لها ابنها الوحيد لتعثر له عن الأفضل..."
قبل كتفها بحرارة:
" أنت الأفضل..."
" انها تكرهني..."
" ليست وحدها... كل نساء ايطاليا تكرهنك... بإستثناء فلورانس و بريانا فهما مضطرتان لتحملك لأنك فرد من المجموعة..."
ضربت على كتفه فإنفجر في الضحك:
" أتكلم بجدية... أتمنى فحسب ان تنتهي هذه الأشواك الواخزة بيني و بين والدتك... انها مزاجية للغاي و صاحبة طباع نارية، في وجودها أبقى بإستمرار متأهبة..."
" حبيبتي... جورجينا تقول الشيء نفسه عنك... أظن أن الأمور ستتحسن مع الوقت... دعيني أتكفل بموضع تاريخ الزواج... الربيع هو فترة مناسبة للغاية، و بإنتظار ذلك... ما رأئيك بإقتراحي ؟ هل انت موافقة على أن ننقل قبر فيوليتا الى صقلية؟؟"
أحاطت عنقه بذراعيها و توهج وجهها بشدة و هي تؤكد :
" انها فكرة عبقرية... علينا أخد رئي آنجلو بالموضوع! "
" سيوافق..." أكد لها بلطف:" آنجلو يعيش آخر لحظات حياته القديمة هنا... غدا... سيتغير كل شيء روبي... سأقوم بحماية ابن شقيقك و أفعل ما بإستطاعتي ليكون رجلا يُعتمد عليه مستقبلا..."
* * *
" طلب اجازة...؟"
التعجب لم يخفى من صوت داركو، يعترف بأن هذا الطلب آخر ما توقعه من الأمين و الوفي فرانكو، سبق و اقترح عليه اجازة بعد اصابته في حاذثة فلورانس لكنه رفض بشدة، حتى ان نقاهته لم تكن طويلة، تحرق للعودة الى العمل.
منذ ان التحق للعمل لديه.. أي منذ أن ترك عمله كقناص محترف بعد موت زوجته و ابنته بأكثر الطرق وحشية، لم يطلب يوما اجازة، لقد ظل مسار عمله غير قابل للتغيير وظروفه غير قابلة للتفاوض. الاستقلال بأي ثمن.. اتبع نجمه ضد كل الصعاب... كل العقبات، لكنه امتنع ايضا عن اللقاءات اللطيفة طول الطريق ، بالطبع ، العلاقات الجسدية الممتعة ، امتنع حتى عن مشاركة اللحظات مع النساء اللائي يعرفن قواعد اللعبة ،أي بدون روابط دائمة، يجهل عقابه لنفسه بهذه الطريقة، لسيما ان صديقه لا تنقصه الوسامة كي يثير الاهتمام الانثوي في كل مكان يذهبان اليه... ربما هذا الطلب ورائه امرأة في النهاية، هل وجد اخيرا من تنسيه لورين و ابنته جوي؟ هل سينسى بأن حرفته ما تسبب بتدمير عائلته الى الأبد؟؟ عيش تأنيب الضمير بهذه الطريقة مريع للغاية، و كما اقترح عليه مرارا و تكرارا، فهو مستعد لمد يد العون، لكن فرانكو يملك حساسية ضد شفقة الأخرين... بالرغم من أن صداقتهما ما يدفعه لهذا الاقتراح و ليس الشفقة.
" جهزت لك و للسيدة طاقم خاص..."
" الأميرة..." صحح له داركو يمنع نفسه من الابتسام... ظن بأن الحاذثة ستقربهما من بعضهما ، يبدو بأن حارسه يرفض قطعا تقبل فكرة زاجه من أخرى غير أميرته المفضلة ديامانتي.
" الأميرة فلورانس عفوا... هذا سيمنحها بعض الاسترخاء، تكون عصبية للغاية في وجودي..."
" هذا لأنها تعرف بأنك تفضل زوجتي السابقة عليها..."
كما توقع لانت نظرات فرانكو... يالهذا الوفاء.
اقترب منه ووضع يده على كتفه، حركة بعيدة عن رئيس لموظفه، منذ سنوات أصبح فرانكو أكثر من مجرد موظف بالنسبة اليه:
" لست ضد فكرة أخدك اجازة فأنت تستحقها بالتأكيد، منذ انضمامك لطاقمي و أنت تعمل ليل نهار... فقط يتحرقني الفضول لهذا التغيير... هل حذث شيء؟ أم أنه مجرد طلب اجازة عادي و ليس مختلف الدوافع؟..." بقيت نظراته جامدة، من الصعب... بل من المستحيل دفعه للفضفضة..." فليكن ... اين تنوي الذهاب؟ سأعلم الطيار ليأخدك اينما ترغب"
" انا قادر تماما بالإعتماد على نفسي داركو... انها مسألة اسابيع فقط "
" لكنك لم تحدد تاريخ عودتك في الاوراق فرانكو"
" هذا يتوقف على الظروف... "
" اي ظروف؟؟"
عاد ليصمت مجددا، اذن يمكنهما البقاء في هذا المكان و لعب هذه اللعبة حتى المساء يعرف بأنه لن يحصل منه على رد مقنع، فرانكو موظفه و ليس عبده و ان قرر عدم مقاسمته اسراره فهو يحترم رغبته.
" تعرف بأننا نملك الكثير من الممتلكات في النواحي الاربعة للعالم.. يمكنك اختيار ما تشاء"
" اعرف داركو شكرا لاقتراحك..."
لكنه بالتأكيد لن يستعمل شيئا من هذه الممتلكات، تنهذ داركو، فليكن... لم يتبقى له سوى تركه و شأنه.
" سأحول لك مكافئة العطلة..."
" جعلت مني ميسورا في سنوات خدمتي و لست محتاجا لمكافئة عطلة... "
كما انه يبدو مستعجلا:
" هل سترحل اليوم؟؟" كيف سيمضي أيامه بدون فرانكو؟؟ لقد اصبح جزءا من ديكور روتينه اليومي بحق الجحيم.
" طائرتي في الصباح... "
" لا بأس... سيفتقدك نيكي..."
ابتسم فرانكو لهذه الملاحظة لكنه لم يعلق بالمرّة، تركه داركو يغادر مكتبه أخيرا، لكن الفضول يتآكله بشدة، لما يبقى حارسه غامضا عن وجهته؟؟
دخلت زوجته من نفس الباب الذي اتى فرانكو على اقتحامه، كان نيكولاي بين يديها، يبدو عصبيا مثل عادته، هذا الطفل يتفجر طاقة لدرجة انه يرفض قطعا ان يتم سجنه، رآها تكشر ببعض الألم، دنى نحوهما و أخد ابنه بين ذراعيه، كانت شاحبة قليلا، دفع شعرها بعيدا عن كتفها:
" سبق و طلبت منك عدم حمله... جرح العملية يحتاج للراحة كي يندمل بشكل سليم..."
تنهذت وهي تضغط على المنطقة العليا لصدرها:
" افتقد تماريني الرياضية و التحرك بطبيعية... مرت اشهر على تلك الحاذثة اللعينة..."
أمسك دقنها ليجبرها على النظر اليه... تبدو مرتبكة للغاية:
" ما الأمر؟؟"
" اتصل بي دافيد... انه في صقلية مع أصدقاء له... "
جحيم دافيد، لكنه خنق اعتراضه، عموما لا حق له بإبداء أي رأي سلبي لشقيق زوجته، سبق و قرر الا ينزعج مجددا من وجوده:
" والدي في المستشفى ... تعرض لأزمة... لكن هل تصدق هذا؟؟ يتعمد اخفاء الأمر عني... صرت غريبة عليه منذ توطيد علاقتي بالكونت اندريس... انه يعاقبني داركو..."
مسح على وجنتها، نيكولاي يندفع نحو الأرض يريد التحرر من قبضته، يمنعه من الحصول على حوار هادء مع زوجته التي تبدو تعسة للغاية:
" أظن أنه وفر عليك القلق فحسب... في أي مستشفى هو؟؟"
" في باليرمو..."
اضطر لوضع ابنه على الأرض، في هذا العمر يرغب نيكولاي بتأكيد استقلاليته من خلال تجربة أشياء مختلفة وحاجته إلى الشعور بالحماية و ربما اثارة الاهتمام أكثر بالتسبب بالمصائب الواحدة تلوى الأخرى، لديه طريقة استثنائية للدفاع عن استقلاليته و نفسه، ينتقل فجأة من عاطفة إلى أخرى مثل نوبات الغضب عندما يكون محبطًا مثل هذه اللحظة. يريد المساعدة ولا يريدها في الوقت نفسه... يبني شخصيته بطريقة مثيرة حقا للاهتمام، يملك ثقة بالنفس مبهرة، وحده من يقرر اي قصة يريدها للمساء و اي بيجاما أيضا...و أي طبق طعام أيضا، فقدت فلورانس السيطرة على ذوقه.
شيء أخر أكيد... ابنه يحب الشقراوات.
" نيكولاي... لا تلمس هذا..."
و كأنه ينتظر اذنه، يكره الأوامر، يكره منعه مما يريده، يحب أن يكون سيد نفسه... انه بالتأكيد فرد استثنائي من الفالكوني استخدم الايماءات و الكلمات ليعلم عن رغبته الشديدة باللعب بما هو ممنوع كليا...
" ورقة و قلم و يمكنك الاحتفاظ بمقعدي ريثما أنهي الكلام مع والدتك..."
كان قد جلس على ركبتيه فوق المعقد خلف المكتب، ازاح داركو المعدات المهمة ووضع أمامه ورقة بيضاء و قلم حبري.
" سوف أذهب الى باليرمو... يمكنك الاهتمام به؟؟"
ماذا؟؟ تظن بأنه سيتركها ترحل بمفردها ؟؟ عندما اطمئن بأن نيكولاي لن يقوم بحماقة أخرى غير الرسم على الورقة عاد الى فلورانس ليكتشف بأن عينيها غارقتين في الدموع، رقت نظراته و هو يأخد وجهها بين يديه:
" كارا... لا يجب أن تشعري بالذنب، الكونت أندريس هو والدك و ان كان روبيرتو غبيا جدا ليتقبل هذه الحقيقة فهي مشكلته... أنت لم تسيئ لأحد... تحاولين بإستمرار البقاء حيادية نحو الجميع..."
" لا يبدو ان حياديتي خلقت السلام المطلوب..." تمتمت بإنزعاج :" هل أخطأت بحب والدي الفعلي؟؟ انه مثالي و يفعل ما بإستطاعته لإسعادي... كيف يمكنني نفره بينما أمضى حياته محروما مني؟"
" أظن أن غيرة روبيرتو متعلقة بفرجينيا و ليس بك... ليس سهلا عليه قلب الصفحة..."
" ليس سهلا بالمرّة... " تنهذت وهي تلامس صدغها و كاأنها تعاني من صداع عنيف" بغض النظر عما يشعر به نحو الموضوع الا انه حاليا يعاني مع صحته و علي أن أكون بجانبه.. هل يمكنك الاهتمام بإبننا؟؟ " ماذا؟؟ كلا... بالتأكيد كلا... " يمكن لفرانكو مرافقتي..." أكدت له.
" فرانكو أخد اجازته..."
لم تستطع اخفاء دهشتها:
"ماذا؟؟ شيء لا يُصدق... "
" لكن هذا ما حذث بالفعل... " أمسك بكتفيها و قرّبها من صدره ليضمها اليه، يحاول في كل مرة تجنب التسبب لها بالألم مكان اصابتها:" سوف نترك نيكي لبيانكا أو لأمي...و أرافقك الى باليرمو..."
" دافيد سيكون هناك..." ذكّرته وهي تحيط خصره بذراعيها و تضع رأسها على صدره، الاحساس بدفئها حوله لذيذ مثل المعتاد" أنت لا تتحمله...."
" أصر أن أكون معك في هذه الظروف..."
كان بمواجهة المكتب، فلور تمنحه ظهرها، بإمكانه رؤية الفوضى التي تسبب بها نيكولاي، لا يفهم كيف نجح بفك قلم الحبر، لا تفسير منطقي للمنظر المريع أمام عينيه... انتشر المداد على يديه، على وجهه، على دفتر شيكاته الذي فضل الرسم فيه بدل الورقة التي وضعها أمامه، على وثائقه، على الهاتف، كان منظره مضحكا لدرجة انه لم يتمكن من الشعور بالغضب، و كأن نيكولاي شعر بأنه مراقب، هز نحوه نظرات خضراء تبرقان تحدي، نظرات والدته عندما تقوم بمصيبة ما و تنتظر المقاتلة بشراسة للدفاع عن سفالتها، قبل رأس زوجته:
" عزيزتي؟؟"
" أمممم؟؟"
" أظن أننا أنجبنا وحشا..." ابتعدت برأسها لتلقي نظرة الى نيكولاي الذي منحها اشد ابتساماته براءة:" تعتقدين أن الحبر سيختفي بالصابون ؟"
" بالأحرى يتجوب رمي هذا الطفل في آلة الغسيل و لما لا المزبلة ؟!" تركت أحضانه و اقتربت من الصبي الذي حاول الهرب من العقاب:" كيف يُعقل أن تتسبب في كل مرّة بهذا النوع من الأعمال الشائنة نيكولاي؟؟ أنظر مالذي فعلته بمكتب والدك لقد افسدت أوراقه كلها...أنت بحاجة لمراقبة مشددة رباه... أنت تفقدني عقلي "
فلورانس محقة في تدمرها، حتى مع خبرة كليهما لم يتمكنا من التخلص كليا من الحبر من وجهه، بعد ساعة استقبلت والدته حفيد مزرق الوجه، شرح لها وهو يعطيها اياه مع أغراضه:
" إنه بصدد التحول الى سنفور..."
" جدتك تملك الحل..." الشيء الذي لا يمكنها تصنعه هو حبها الشديد لنيكولاي، ابتسمت له ملئ فمها و ضمته اليها بينما الخادمة تتكفل بحاجياته:" لا تقلق نيكولاي.. والدتك لا تملك الخبرة الكافية للتعامل مع طفل بنشاطك الكبير... لحسن الحظ أنني هنا"
و لحسن الحظ أيضا أن فلورانس تنتظره في السيارة و لم تسمع ملاحظتها الأخيرة، كانت لتنسى أمر المستشفى و أزمة أبيها و تدخل في مشاذة لا منتهية معها.
* * *
" أنا سعيد برؤيتك بصحة جيدة..."
يلتقط خوسيه كل الصدق في كلام صديقه، ليلة وحيدة في مدريد قبل بها، يعرف بأنه يكره البقاء بعيدا عن صقلية، لكن يبدو أن التوأمين لعبا دورا مهما في ابقائه وقتا أكثر، خلال وجبة العشاء قامت آيا بمجهوذ، كانت جميلة، بفستان لائق و حذيث من عسل، حتى أن روكو بدى هائما بها، لم يكن وحده الهائم بحذيثها، منذ البداية ادرك بأنها لم تكن مجرد وجه جميل، او استثمار مهم، رفقتها غنية و ليست فارغة، احاذيثها ايضا مفيذة، انها مثقفة أكثر مما يتمناه في امرأة، عادة لا يحب النساء الذكيات، الا ان الصغيرة تتمكن من سلب الاهتمام من حولها ليس بنفس الطريقة التي تتعمدها النساء بفستان فاضح او حذاء بكعب عالي، بل بحذيثها العذب، يمكنها الانتقال من السياسة الى الاقتصاد ثم التاريخ و لما لا الفن بلغات مختلفة بكل سلاسة.
ثم شعر بالغيرة..
نظراتها المتواطئة مع الضيف خلال العشاء، الشيء الذي لم يتقاسمه معها في كل فترة تعارفهما تقاسما الحميمي و ايضا الاطفال لكنهما لم يكونا يوما مقربين حقا... مهما يحاول الا ان آيا تفضل رؤيته كوحش، لن تتغير رؤيتها اليه مطلقا.
عندما سقى خوسيه شراب صديقه المفضل و جلس بالقرب منه على كنبات المكتبة الجلدية اخرج هذا الاخيرة مفاتيح سيارة انيقة ووضعها على الطاولة أمامه، الماركة معروفة للغاية.
" هدية الابوة الجديدة"
أطلق خوسيه تصفيرة تقدير طويلة:
" هل تمزح؟ يجب تسجيل اسمك على لائحة الانتظار للحصول على سيارة ارشيبالد..." انحنى على المفاتيح ليحملها في راحته:" أخبرني كل شيء... أنت الذي يفضل الصنع الايطالي..."
ابتسم روكو و ارتشف من كأسه:
" لما تظن أن الموضوع فيه بعض الغموض؟؟"
" لأنني صديقك منذ الطفولة؟ و أعرف بأن تمة موضوع يسحق تفكيرك بلا انقطاع عندما تضرب بإستمرار على ركبتك بأصابعك ..." أوقف فورا النقر باصابعه على ركبته مما دفعه للابتسام، هز المفاتيح و لمعت أحرف الماركة الذهبية بشدة:" مضطر لقبول هديتك..."لمعت عينا روكو بتهكم، لكن خوسيه تابع:" المفاتيح هنا... أين السيارة؟؟"
" في طريقها بحرا اليك..."
" هذه ميزة الحصول على اصدقاء أثرياء..."
هز روكو راسه موافقا :
" هذا بالضبط ما فكرت به بينما استلمها بدوري جوا... يوليا فولكوفا ظنت بأن تحفة من أرشيبالد قد تروق رجل صعب الرضى مثلي... يبدو انها أساءت التقدير..."
احتاج خوسيه للقليل من الوقت كي يقرن الاسم بعلاقة صديقه القديمة، اعاد المفاتيح على الطاولة، التقط جل التعقيم و بدأ بدعك أصابعه:
" حبيبتك السابقة؟!..."
" لم تكن يوما حبيبة..." صحح روكو بصوت ناشف" بالأحرى علاقة لذيذة عابرة.. توقف عن استعمال مطهرك اللعين لأنك أتلفث جلدة يديك"
تجاهل ملاحظته و قال:
" انت تنقر على ركبتك مجددا..."
توقفت اصابعه على ركبته، راقبه يميل براسه جانبا يحملق اليه بجدية ثم يقول:
" دانيلا تعرف بأنها من المارتينيز..."
يحترم شجاعتها بالبحث عن الحقيقة بكل ثمن، هذا يشعره بالارتياح، راقب ملامحها الحزينة منذ وصولها، لكنها ستتقبل الحقيقة مثله، هو أيضا شعر بالغضب بسبب اخفاء والده الموضوع عنه، من الصعب اكتشاف أن حياتك برمتها مجرد زيف:
" نقطة جيدة قراراها بالعودة الى قلعة بعد معرفتها سرها... و بما انني ربيتها فأنا متأكد بأن اليساندرو أخد احباطها على ظهره و غادر الى نيويورك بدونها..."
" أظنك تعرفها جيدا..." قال روكو وهو يضع كأسه على ركبته، طريقة جديدة كي لا ينقر عليها ليتم انتقاضه.
" ستتخطى صدمتها و تصلح الأمور مع اليساندرو... " عاد ليحملق الى المفاتيح الانيقة على الطاولة:" ما قصة هذه السيارة روكو؟؟"
لم يجبه، بدى فجأة شارذا و كأنه بدوره يتمعن في السؤال، أن يمرر له روكو هدية قيمة مماثلة ليس جديدا، طالما كان كريما مع من يحب، أن يرفض هدية من يوليا ما يثير فضوله، في الماضي أخبره بأنها أشد النساء إثارة، و بأنه أمضى معها ليالي لن يتمكن يوما من نسيانها، عيب يوليا انها ابنة رجل يشبه جدا يانيس، و بأنها عكس روكو، دخلت الميدان و اظهرت عبقريتها الشديدة فيه، تفوقت التلميذة على استاذها، والدها لم يعد قادرا على ادارة امبراطوريته و الفاثنة الروسية هي من تولى زمام الأمور و بقبضة فولاذية.
" كيليان أرشيبالد ... ابن يانيس..."
" عفوا؟؟"
كان منغمسا في أفكاره لدرجة أنه اعتقد توهم ما التقطته أذنيه، ملامح روكو جادة جدا، لا يمكنه المزاح في هذا الموضوع أبدا:
" القصة، طويلة للغاية ... قصة مريبة و غريبة و مقرفة... مثل العادة... تمر السنوات و أكتشف بأن حياة ابي شائكة أكثر مما اعتقدت... العظيم يانيس يثبت حتى بعد موته بأنه الأدهى و الأذكى ، كيليان ارشيبالد يدعى في الحقيقة كيليان سانتو ايميليانو... ثمرة قصة حب بين راقصة و رئيس فرقة اجرامية راقية ... الأمور لم تسر بشكل جيد... تم اغتيال المرأة ...كما تم رمي ابنها في دير ثم بين احضان جاك ارشيبالد بأمر من يانيس... كبر الطفل بعقدة النبذ و عاد لينتقم مني ظنا منه انني حصلت على كل الامتيازات ... هو من كان وراء سلسلة الاعتداءات و منها ما حصل في مونتي كارلو... كان يتسلى، يرغب بإثبات لنفسه بانه ورث اجرام والده رغم كل شيء... يملك هويتين و شخصيتين و يرتديهما كلما تطلبت الظروف ذلك... يانيس رغب به منقسم الشخصية، فرض عليه بالمقابل مستقبلا مشققا و منفصلان يعيشه بإحترافية من آلف الانسلاخ من جلده ليتوافق تماما مع الظروف... بشكل ما... توصلت يوليا الى هذه الصلة و تعمدت ارسال سيارة من صنعه... تحتاجني لشيء و تظن بأنني سأقفز لحماية رأس كيليان ان تطلب الأمر... ما لا تعرفه هو أنه أخر شخص قد اركض لحمايته... عندما واجهته في كابري... ظننت نفسي أواجه أبي... الشبه بينهما كبير للغاية,,,"
بقي صامتا، يجهل بأي كلمات سيرد، يشعر بأنه يحلم و أن روكو سيضحك متهكما في هذه اللحظة كي يخبره بانه يمزح و أن القصة مفبركة، لكن لا شيء حصل من كل هذا، بل كانت ملامحه جادة للغاية، انه بحاجة ماسة لشراب أقوى لبلع هذه الأخبار... ترك مكانه ليسقي نفسه كأسا:
"لم أرى مخلوقا بهذه الجينات الجبارة، علي يانيس أن يكون فخورا بثوريثه هذا النجاح و الذكاء لأولاده... "
" هذا ما تجده لتقوله؟"
استدار نحو صديقه، كانت السخرية تطل من نظراته التي تلتمع بالكثير من التعابير مثل الغضب، متى تمكن روكو من التخلص من شعور الغضب من والده كلما وجد نفسه في مأزق مريب؟ أبدا...
" بغض النظر على ان كيليان كلب حقود و ابن عاهرة و لقيط الا أن هذا لا ينفي اطلاقا بأنه من انجح رجال الأعمال في العالم و من اثراهم ايضا... انه عبقري... انه من الايميليانو بلا أدنى شك... ناجح مثلك و مثلما كان والدك.."
" لم يكن يوما لقيط يانيس... القصة أكبر مما يمكن للمنطق استعابه، رغم تحجر قلبه الا أنه أغرم بشدة، أغرم بمن لم تترك له فرصة التراجع، قاومته فتزوجها سرا في روسيا و لم يطلقها أبدا......"
يشعر بأن رأسه سينفجر... لكن هل يتابع الأحذاث جيدا؟؟
" لم يطلقها أبدا؟؟ ما قصدك بحق السماء؟..."
عادت أصابعه لتنقر على ركبته، تأمله لهنيهة و كأن ما سيقوله يحتاج استعابه أولا:
" بعد أن تبين أن لي أخا يكبرني فقط بأشهر فضولي فاق كل الحدود، يانيس ترك لإبنه البكر عدة ملفات و رسائل و كل مايحتاجه ليدافع به عن نفسه من القبر، تطلعت على الملفات نفسها، وثيقة ولادة كيليان لا تقبل التشكيك، انتبهت الى أن أوكتافيا تحمل اسم الايميليانو... ثم انفجرت سابرينا ما ان ناقشتها بموضوع ربيبها... تزوجها يانيس لأنه اضطر للزواج من ايطالية و الحصول على أطفال بدماء ايطالية مئة بالمئة... مسألة تقاليد غبية... عندما فهمت بأنها الزوجة الثانية وضعها أمام خيارين... اما الصمت أو الصمت الى الأبد... حبه لأوكتافيا كان يفوق قدرة تحمله على هجرانها، الأمور لم تسر كما خطط، لأن والدة كيليان انقلبت عليه ما ان عرفت بالموضوع و طالبت بحقوقها الشرعية... "
" و بدل تحريرها أصمتها الى الأبد هي الأخرى؟؟" أتمم خوسيه بهدوء.
راقبه يكشر قليلا:
" أشكك في مصداقية هذه القصة... يجب أن تكون أوكتافيا مميزة و استثنائية كي يجن بها... رجل مغرم لا يقتل حبيبته... هناك غموض في الموضوع... "
" اذن فسابرينا من تخلص منها..." تبثه روكو بعيون مدورة، هو نفسه لا يفهم لما استخلص هذا:" الغيرة تدفع النساء لإرتكاب أمور لا يتقبلها منطق... و أظن أن شرعيتها دفعتها للتخلص من العائق الوحيد لتحافظ على عائلتها..."
طرقات على الباب أغلقت الموضوع، كان مازال يطفو على سحابة غريبة متأرجحة بين الخيال و الواقع، ظهر سانتياغو..
" هل مازلت بحاجتي أم يمكنني الانسحاب لغرفتي؟؟"
" أدخل سانتياغو ..." اقترح خوسيه وهو يشير الى الكنبات:" شاركنا كأس أخير ..."
" سانتياغو لا يشرب أبدا..." تدخل صديقه بهدوء :" يمكنك الانسحاب، سنطير الى صقلية في الخطوط الأولى من الفجر."
* * *
" يوم بائس منذ بدايته..."
انطقلت الملاحظة من بين شفاه فيرنا وهي تلاحظ توقف سيارة راقية في الممر المؤدي الى بيتها، بدون اي شك عن هوية الزائر، هي التي آملت بعض الوحدة قبل استئناف عملها غدا، لا يبدو أن الأمور تسير كما تتمناها مؤخرا، استعملت مفاتيحها الخاصة بينما شدت حقيبة سفرها الصغيرة اليها، سانتو فرينا كان شهما و احترم رغبتها بالعودة بمفردها، لحسن حظها انه يتمتع ببعض اللباقة و الانسانية، عموما الموضوع أصبح سلفا وراء ظهرها، وهل سبق و حصلت على ما تأمله من هذا الجانب؟؟ حياتها العاطفية كارثة حقيقية... لهذا قررت تحاشي الرجال كليا و منذ سنوات.
استقبلتها رائحة العطر الراقي، كانت مثل المعتاد، مشعة و مبهرة بشكل كبير، عمها يبدو عصبيا، أما فيما يخص الصغير فهي تعرف بأنه يغادر البيت ما ان تأتي هي اليه.. لا تتوقف عن انتقاصه و هو لا يطيق تصرفاتها العرناء نحوه.
" أخيرا وصلت... أين كنت؟؟ لما لا تردين على هاتفك؟؟ " شعرت ببرد عظيم يغزوها. اللقاءات تشبه بعضها و يبدو أن هذه أسوأها ألف مرة . لا عجب أنها تحمي نفسها كثيرا منها. " رباه انظري الى نفسك تبدين كمتشردة... مالذي تفعلينه بكل الأموال التي أحولها لك؟؟ "
نفس الهجوم، نفس الاتهامات، لكنها اليوم تبدو حقا غاضبة للغاية، دنى منها عمها ليأخد حقيبة الظهر التعسة و المتهالكة مما زاد من قرف المرأة التي تبدو متناقظة مع بساطة الديكور.
لما اختارت المجيء اليوم...؟؟ في نفس اليوم الذي تحول فيه أملها إلى كارثة! ظنت سانتو مختلفا... في النهاية لم يكن سوى رجل عادي... ينوي تمضية بعض التسلية معها. لقد حان الوقت للعودة إلى الواقع. إلى جانب ذلك ففد ندمت على ثقتها... لقد انجذبت اليه بصدق... لكن في النهاية الابن لا يختلف كثيرا عن الأب اليس كذلك؟
أول ما هاجمت وهي تقترب منها هي الضفيرة الطويلة على كتفها:
" لما تهملين نفسك فلانتينا؟؟"
" لا تناديني بهذا الاسم مجددا... اسمي فيرونيكا..."
" لم يكن يوما اسمك فيرونيكا... اختبائك وراء اسم آخر لا يبدل من حقيقتك شيئا..ّ " حاولت لمس وجهها لكنها انتفضت الى الوراء، عيناها مثبتتان على هذا الوجه الرائع التفصيل رغم مرور السنوات:" غيري ثيابك و لنمضي..."
الرعب شلها مكانها، بحق السماء مالذي تريده منها هذه المرة؟؟ لقد قاومت كل رغباتها في ابعادها عما آلفته في كابري، رغم كل جهوذها لإخراجها من حياتها الا انها تفرض وجودها فيها، قوة ارادتها و تحديها يسلبانها جهوذها:
" نمضي الى أين؟؟"
" لشراء ثياب لك و لرؤية المزين، كلمت صديقة لي في ميلانو، يمكنك الاستفادة ماديا من وجهك بدل هدر وقتك و مجهوذك في أعمال لا نفع منها... أنت بصدد هدر حياتك فلانتينا, لا يمكنك الاستمرار بهذه الطريقة، أمنعك كليا بالذهاب الى افريقيا انت تجهلين ما يحذث هناك من عمليات خطف و اغتصاب..."
نظرت بإتهام الى عمها، اذن فهو من أخبرها عن خططها؟؟ لكن كيف يستمر هو و عمتها في الوفاء لهذه المرأة بعد ما فعلته بشقيقهما؟؟
" أؤمن بما أقوم به و أظنني بلغت سن الرشد مند سنوات و لست بحاجة لتدخلك المستمر في حياتي.. لا أعرف لما تصرين على خنقي بينما أرفض أي علاقة معك..."
" أنا والدتك..."
" ليس على الأوراق و لا بنظر المجتمع الايطالي، لا أريدك مجددا في حياتي... سأفعل تماما ما يحلو لي و ان كانت طريقة عيشي لا تعجبك فطريقتك انت تثير قرفي... "
استوقفتها قبل أن تبتعد:
" تنكرينني لكنك تقبلين الأموال التي أحولها لك.."
" أموالك تسدد مصاريف المحاميين للأسر التي اساعدها... توقفي عن هدرها اذن و انسي أمري لأنني ببساطة لن أغير رئي بشأن أفريقيا... لن تمنعيني من تحقيق أحلامي بأن أكون انسانة جيدة... "
توجهت الى غرفتها و اغلقتها خلفها قبل أن تلقي بثقلها على سريرها، ارتطمت عينيها باطار صورة بجانب انارة الشوفيه، التقطتها، كما تفعل كل صباح عندما تستيقظ و كل مساء قبل النوم، الشاب في الصورة في العشرينات، sex appeal ايطالي حتى آخر التفصيل، هذا ما سلب والدتها رشدها، قربت الصورة منها، كان عمرها أربع سنوات، ابتسامة عريضة على وجهها بينما والدها يحملها بذراع واحدة و بدون اي مجهوذ، تصلبت بشدة في مكانها بينما يُفتح باب غرفتها لتظهر الجميلة الارستقراطية مجددا، عيناها الرمادية فقدت هجومها هذه المرّة، تجاهلتها و مسحت الصورة بكم كنزتها القديمة قبل أن تعيدها الى مكانها، تريد الاحتفاظ بذكرى الشاب الوسيم جدا، المفثول العضلات، صاحب الابتسامة المغرية و المدمرة على الرجل الذي جرفه اليأس...كان في الخامسة و العشرون عندما وضع حد لحياته.
لقد انتظرها و هي لم تأتي، و عندما قرر القدر الابتسام اليه و بدأ بالعمل في أكبر دور أزياء روما قررت هي قطع طريق شهرته بسبب الغيرة، كانت ترفض أن يكون لغيرها، لسيما و أن وجهه الجميل استقطب اهتمام دعائي و جمهوري قوي، وعدته ان تهجر زوجها و أن يكونا معا للابد، مع ابنتهما... لكنها لم تفعل أبدا... وهو... كان يحبها بصدق رغم فارق السن بينهما... مات لأنها كانت من الانانية بحيث لم تترك له الخيار.
" فلانتينا..."
جلست على السرير قربها، راقبت اصابعها الانيقة بأظافرها المشذبة بعناية تمسك بيدها و تعصر بشدة عليها، هزت وجهها نحوها أخيرا، كي تعثر فيه على كل انش من الوجه الذي تراه كل صباح في المرآة، لكن بحلة سمراء.
" أنا آسفة... لم يكن يجذر بي مهاجمتك بتلك الطريقة، لكنني فقدت رشدي عندما أخبرني عمك بشأن سفرك..." مدت يدها لتلامس وجنتها :" حبيبتي أنا خائفة عليك، أنت حساسة و هشة جسديا..."
تصلبت تحت الملاحظة:
" انها عاهة اعيش بها بطبيعية... لست مختلة عقليا..."
ابتسمت والدتها و اطل الحزن من عينيها:
" أعرف... لم أقصد جرحك، تعرفين أن الطب يتطور بإستمرار، سبق و كلمتك عن..."
" كلا..." اعترضت بقوة:" أرفض الخضوع مجددا لتلك الجراحات المؤلمة و الا منتهية"
" أريد فحسب مساعدتك..." وشوشت لها برقة.
" اذن دعيني أعيش حياتي بالطريقة التي تريحني... "
لكن لا يبدو أنها تنوي الاستسلام، بدت نظراتها حازمة:
" اسمعيني فلانتينا، الحياة التي تعيشينها لا ترضي أحدا حتى عميّك، انهما قلقان بشدة عليك، أخبروني عن احتجاز الشرطة لك مؤخرا لولا وجود المالك الجديد لمعاصر ايميليانو و اخراجك من الورطة... لكن مالذي تصنعه فتاة جميلة و ذكية مثلك مع المتشرذين و العجزة؟؟ لما ترفضين كل مساعداتي بان تصبحي شخصا مهما و ناجحا؟؟ لما تصرين على معاقبة نفسك بالعمل المضني و ارتداء هذه الخرق البالية ... لما تصرين على دفن شبابك و جمالك ابنتي؟؟"
" لأن هذا ليس مهما... "
" و المهم برئيك هو رمي نفسك في المخاطر لمساعدة أناس غرباء و تعريض نفسك للمشاكل؟؟"
" أحب الأعمال الانسانية..."
" هناك ألف طريقة لتساعدي الناس فلانتينا... أنت من رفض اتمام دراستك و أظنني كنت ورائك وحاولت جاهذة دفعك الى الأمام ... الرحيل الى افريقيا فكرة سيئة... أرفض أن تبتعدي عني و أن أراك تدمرين مستقبلك بنفسك... لن تجدي رجلا بهذا المظهر البائس... أريد تزويجك برجل دو مكانة تماما كما فعلت مع أخواتك..." شعرت برغبة عنيفة في الغثيان:" دعيني أخد موعدا مع إختصاصي ترميم في الخارج ، يُقال انه عبقري و تنجح كل عملياته ..." مسحت على وجهها و تأملتها بإهتمام:" أنت الوحيدة التي أخدت كل مقومات الجمال بين أخواتك، أنت تشبهينني في نفس العمر فلانتينا، دعيني أمسح الغبار على هذا الكنز الذي تصرين على اخفائه... دعيني أساعدك في تغيير حياتك للأفضل ابنتي... أتوسل اليك انسي موضوع افريقا فسأموت ان حذث لك مكروه"
انها المرّة الأولى التي تسمح لعاطفتها بالبروز بهذه الطريقة، بدى العذاب ينخر الملامح الرائعة التي لا تتوافق مع سنها، كيف تتمكن بالحفاظ على جمالها؟؟ من يراهما سيقسم بأنهما شقيقتين، لسيما أنهما تشبهان كثيرا بعضهما... هذا الشبه الذي حرّم عليها العودة الى صقلية كي لا يُكشف سر المرأة الأكثر جدلا في ايطاليا.
" لا تتكلمي بهذه الطريقة.. سأبدأ بتصديق حبك لي..."
" لكنني أحبك..." وشوت لها وهي تعود لتلامس وجهها.
" تماما كما أحببت والدي؟؟ "
سقط الصمت عليهما جليديا، تظن بأنه مسموح لها بتنظيم مستقبلها و كأن طفولتها كانت مثالية؟؟ بأي حق تعود اليوم متحمسة بجعلها نسختها و تقديمها كدمية لرجل ثري؟؟ لن تكون بغباء الشاب المغرم الذي كان عليه والدها، لقد صدّقها و آمن بها، و جعلته عبدها يفعل تماما ما تريد، أمضت ثمان و عشرون سنة في الظل، لأن هذه الحسناء أمامها بنظراتها الرمادية الرائعة قررت نبذها بإسم الفضيحة... لا تريد أن تكون مدينة لها بشيء، ولت الايام التي كانت بحاجة ماسة لها... تلك الليالي التي تفرغ فيها دموع الجسد لأنها وعدتها بزيارتها لكنها لم تأتي أبدا...
" أحب روتين حياتي... أحب ملابسي البالية و عاهتي و مظهري البائس...أحب العجزة و المتشرذين... أحبني لأنني أنا ... لأنني تعلمت أن أحب من أكون و ما أفعل... كنت بحاجتك و أنا طفلة، عندما أبكي بحرقة و أتسائل لما ليس من حقي العيش معك في ذلك البيت الجميل و الكبيرـ؟ عندما أمسك يد أبي و أراك مع عائلتك تستعدون للسفر في عطلة من دوني ! تظنين بأنني لا أتذكر هيه؟؟ عندما لاحظ أحدهم في القصر بأنني أشبهك... رميتي بي خارجا...قمتي بطردي الى كابري و منعتي عني العودة الى صقلية... كيف تجرؤين بإنتقاض خياراتي اليوم بينما لم تكوني يوما حاضرة لمقاسمتي أي شيء.؟ انتهت صلاحيتك... أريدك خارج حياتي فحسب "
* * *
" مالذي تفعله هنا؟؟"
اعتدلت صوفي في جلستها على الصوفا بينما خافيير يقتحم غرفتها و يغلق الباب خلفها، هذا الشبه بينه و بين اليخاندرو يفقدها رشدها، لكن سرعان ما يعود وجهه ليتخد صورة بعيدة عن شقيقه، كانت تتطلع اليه بحذر، تلقائيا لا تشعر بالراحة ناحيته، هذا الغموض الذي يلف هالته مريب للغاية، قد تكون مختلفة عن أفراد عائلتها لكنها ورثت على الأقل حدس الايميليانو.
" سألتك ما تفعله في غرفتي خافيير؟؟"
" اهدئي أيتها الجميلة اتيت للاطمئنان عليك..."
راقبته بحذر يقترب نحوها، ركبتيها المتورمتين بشدة آلمتاها طيلة الليل، لكنها لن تشاركه هذه المعلومة، يذهلها أن يتنقل بحرية في البيت بينما كل موظفي روكو لا يجرؤن على اختراق هذا الجزء من القصر، حتى سانتياغو، رجل شقيقها الأمين لا تطأ قدميه هذا المكان.
" سيتم طردك ان كُشف أمرك..."
" لما تتصرفين معي و كأنني عدوك صوفيا؟؟ الا يمكننا ان نكون أصدقاء على الأقل؟؟ "
" أخبرني لما يجب أن اكون صديقة لموظف روكو؟؟ "
رأته يهز كتفيه القويين و يدلف يديه في جيوب بنطاله الجنزي:
"اذن وظيفتي هي ما يزعجك لهذا الحد؟؟"
" كل شيء يحيطك يزعجني... اسمع... أنا لست مثالية، و عندما أغضب أبدأ بالتفوه بكلام جارح للغاية، يستحسن بك أن تغادر فورا هذا المكان لأن روكو ان عرف بتسلك هنا فسيلقي بك خارجا و تصبح بلا وظيفة..."
" لا تحتاجين لذريعة كي تكوني جارحة عزيزتي"
هزت رأسها بعدم تصديق، وقاحته لا حدود لها، لكن كيف تقارنه باليخاندرو؟؟ بينهما تناقض في الشخصيات صادم للغاية:
" ان اتيت لتطمئن على ركبتي فأخبرك بأنها بخير"
" هذا ما يبدو..." رد بتسلية متهكمة:" تملكين سمعة سيئة للغاية في القلعة... يُقال بأنك لا تطاقين، و بأن طاقمك الخاص يتدمر منك، تجعلين حياتهم مستحيلة... حتى أنهم قاموا بطلب انهاء عقد العمل لكن العظيم روكو الذي يرفض أن يتم اقلاق راحة شقيقته الصغيرة رفض قطعا الاستقالات مهددا بمقاضات كل من تجرأ على الاخلاء بمسؤولية عمله بما تنصه البنود بينهم..."
أبقت فاهها فاغرا لهذا التصريح، بينما هذا الأخير يغمز لها و يعود أذراجه، هل حقا طاقمها الطبي طلب الرحيل و منعهم روكو؟؟ تعترف بأنها صعبة للغاية، لكنها تحاول أن تتغلب على هذه الطباع التي تفاقمت بسبب عملية رأسها، تشعر بأن الامها الجسدية و النفسية تدفعها لحد الجنون... لا تطيق أحدا أبدا، عاد الباب ليفتح مجددا، هذه المرة كانت سابرينا، مثل المعتاد أنيقة الى آخر تفصيل:
" اتصل دافيد ريتشي... ينوي زيارتك..."
المفاجأة جعلتها ترمش:
" هل عاد الى صقلية؟؟ في آخر رسالة له أخبرني بأنه لن يعود مجددا..."
" والده مريض و ربما عودته بهذا الشأن... متى أحدد موعد زيارته؟؟"
" الليلة... سأكون سعيدة جدا برؤية منقذي مجددا...."
تنهذت سابرينا:
" منقذ بقناع زير نساء صوفي لا تنسي، ذلك الشاب يملك اسوأ سمعة شهدها التاريخ، أؤيد صداقتك به لكنني أعرف بأنك هشة و حساسة مؤخرا..."
" تتكلمين و كأنني سأقفز عليه ما ان يدخل غرفتي!"
" روكو لا يحبه.. لكنه مدين له لأنه أنقذ حياتك, أعتمد عليك بالا تنسى أبدا من يكون دافيد ريتشي عزيزتي..."
لم يكن سيء السمعة عندما خرج مع بيانكا فالكوني الغبية؟! فكرت صوفي وهي تهز عينيها الى السماء، ربما دافيد وسيم لحد الفثنة لكنها لن تنظر اليه أبعد مما تعتقد والدتها، عموما فقد كان رائعا معها في الأشهر الأخيرة، راسلها و أخد أخبارها، و اذا اتصل رسيما بالقلعة لأخد موعد فلأنه يدرك عقلية روكو الشديدة الحمائية، وهي سعيدة للغاية برؤية صديق في ظروفها الصعبة و القاتمة... هذه الزيارة ستكون علاجية لها و مفيدة للغاية، التقطت الهاتف و أدارت رقمه، أجاب بعد رنتين:
" يمكنك المرور هذا المساء"
" لست بمفردي هذا المساء أنا مع بعض الصديقات..." أجابها.
" يمكنهن المجيئ، سأعلم المطبخ بأن يهيئوا وليمة مميزة لشرفهن... ستسعدني رؤيتك دافيد...أنا لا أملك أصدقاء في هذه الجزيرة المريبة"
* * *
على غير عادتها، تركت زوجته التوأمين للمربية و لم تأتي لوجبة طعام العشاء، عموما ليست الوحيدة التي بقيت حبيسة غرفتها، دانيلا أيضا حذوت حذوها، رغم اغرائاته الا انها تفضل عدم خوض موضوع قرابتهما حاليا، يفضل ترك بعض الوقت لها، و المساحة أيضا، عموما سيستأنف بداية الأسبوع أعماله، يتمنى أن يتعدل مزاج نسوة هذا البيت... يبدو بأن لا أحد منهن يتحمل وجوده، ماعدا أوزلام... تبتسم له ملئ فمها... يعترف بانه غارق في غرامها حتى النخاع و سيفتقدها بشدة.
طرق على باب جناح آيا و اتاه ردا مختنقا، كان الصالون فارغا، وجدها في السرير، عيناها لامعتين ووجنتيها محمرّتين، كانت تحاول الجلوس الا انه منعها، جلس بالقرب منها و وضع فورا راحة يده على جبينها:
" أنت محمومة..."
" قربك مني يجعلني محمومة دون مارتينيز..." سخريتها الناعمة جعلته يهز رأسه، بحق الجحيم لما ترفض المساعدة من أحد عندما تكون مريضة؟" انت تضرم النار اينما حللت"
انزلقت عيناه عليها، كانت بشرتها مضاءة، أرنبة أنفها محمرّة، عينيها شفافتين للغاية، شعرها متكوم على كتفها، حمالات قميص نومها تظهر من تحت الشراشف التي تضمها اليها و كأنها تشعر بالبرد بالرغم من حرارة الجناح المعتدلة، في حياته لم يرى مريضة بهذا الاغراء، و كما تعود في وجودها... نعود ذكورته لتذكره بأنها تستيقظ فقط في وجودها...دفع يده الى جبينها مرّة أخرى ليبعد هذه الخصلة الناعمة التي تلتصق ببشرتها الندية، التقت نظراتهما... آيا الغريبة الأطوار... آيا التي لا يمكن التنبؤ بلسانها، العاطفية و الحية القوية التي تحرم نفسها عليه بكل الطرق الممكنة... آيا التي يجدها مرغوبة حتى و هي تهذي تحت حرارة مرتفعة... و ليكن صريحا مع نفسه... يعجبه هذيانها الجميل.
" أضرم النار أينما حللت؟؟ هل هذا مدح أم ذم؟؟؟"
ابتسمت له مجددا بتلك السخرية الناعمة:
" أنت فخور بنفسك أيها الاسباني...تظن بأنك لا تقاوم؟"
" كنت أظن ذلك قبل أن التقيكي.. " تأخرت أصابعه على وجنتها:" أنت غيرت موازين كل شيء..."
كانت الانوار الخفيفة للسقف المقعر ترتطم عليها و تجعلها شبه واقعية،الصمت الذي رد عليه كان يصم الآذان... كانت تتطلع اليه و كأنها تراه للمرة الأولى، أو ربما تعيد صياغة كلماته التي يقصدها و ليس ناذما عليها بالمرّة، لقد تزوج امرأة غير عادية، بإمكانها ارضاع طفلها و مراجعة دروسها بالوقت نفسه، في الوقت الذي يمكن للفتيات في سنها الاعتماد على الرخاء و على نقوده لتذليل أنفسهن، جمعت كل فلس لتشتري بيتا... شعر فيه بالدفئ اكثر مما احسه طيلة عمره في هذه القلعة، تزوج من امرأة كلما حاول الابتعاد عنها ازداد قربا منها... ازداد وجعا و ازداد اعجابا بها...
خلافا لكل توقعاته، راقبها تبعد الأغطية لتحرر ذراعها، توجهت يدها الى فكه، شد أنفاسه بينما تتحسس بشرته ببعض الاصرار، عادت نظراتهما لتلتقي مجددا:
" لماذا دخلت حياتي؟؟"
" لماذا أنت دخلتي حياتي؟؟" شعر بلمستها في كل خلية من كيانه:" في أشد الأماكن مجونا أتيت بكل طهارتك... أنت ملكة المتضادات... ملكة العصيان... لم يكن بإستطاعتي تركك ترحلين وقد عثرت عليك أخيرا..."
" مسألة كبرياء خوسيه... فأنت لم تحبني... كنت مناسبة لأمنحك ما تريد.. "
أمسك بيدها و قرب راحتها من شفاهه ليطبع عليها قبلة، بصيص من الفكاهة عبرت نظراته لفترة وجيزة. وهو يثبتها تجاهذ لتبقى واعية:
" أنت أيضا لم تحبينني... لكنك منحتني فرصة عيش ثانية"
هذه المرة أغلقت عينيها، يعرف بأن هذه المحاذثة لن تتذكرها بعد أن تفتح عينيها غدا صباحا، ان حكم على الدواء الموضوع قرب كوب المياه على طاولة الشوفيه فستنام بدون أي أحلام... نوع الأدوية الممنوع تماما على المرضعات فهل انتبهت لهذا الأمر؟؟ عادة لا تنجرف آيا وراء الحماقات...
بقي مكانها يراقبها، يدها ما تزال تحت شفاهه، رائحة بشرتها تخترق أنفه، كانت محمومة و نارية، ستنخفض حرارتها و لن يرحل قبل حذوث ذلك، في الحالة المعاكسة سيتصل بالطبيب، لا يعرف متى تعرضت لهذه النزلة من البرد، راقب شفاهها تنفرج ببطئ كي تلتقط من خلالهما الهواء... واحد... اثنان... ثلاثة... ثم بدأت بالشخير كما توقع... يحفض عن ظهر قلب هذه العادات التي آلفها بشدة في الماضي... لما بقي على اخلاصه لذكرياته معها التي لم تتعدى سوى ايام قليلة؟ كرس نفسه على الا ينساها اليس كذلك؟؟ هو من لا يرغب بنسيان شيء... لأنه... في ذلك الوقت كان سعيد حقا برفقتها.
ضغط مجددا بشفاهه على بشرتها الحارقة، مرة مرتين ثلاثة قبل أن يعيدها اليها تحت الأغطية و يعدل الشرشف على صدرها:
" أنت قادرة على حب اليخاندرو، الاعجاب بشخصية داركو، التودد الى سيزار و التواطئ مع روكو... لكنني الوحيد الذي تعجزين عن تقاسم أي نوع من المشاعر معه ... و انوي تغيير الأمور آيا الجميلة... لأنني أنوي تخليد ملكيتك..." وقف من السرير، بقي شاهق فوقها و كأنه ينتظر أي ردة فعل، لكنها تبدو غارقة في نوم ثقيل، مد اصابعه الى شعرها ليتحسس نعومته، كانت تنام على وجنتها اليمنى، يمكنه أن يلمح الشريان النابض في اسفل رقبتها:"برئيك أنا أب رائع؟!... يمكنني أن أكون زوجا رائعا ايضا..."استعاد أصابعه اليه... ادمانه لمسها شيء فوق طاقته :" فقط جربي... يمكننا ان نكون سعيدين آيا... فقط جربي..."
رد عليه تنفسها المنتظم، بقي للحظات يملئ عينيه بها قبل أن يلتقط علبة الدواء و يخرج من الجناح بهدوء، عليه قراءة التعليمات ليرى ان كان هناك من خطر على الأمهات المرضعات، و ان كان الأمر كذلك فسيتصل بالطبيب لأخد رئيه بالموضوع، عموما لن يتأخر عليها... ينوي السهر عليها لما تبقى من الليل... و لما لا لما تبقى من العمر؟




أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 02-10-20, 05:41 PM   #3288

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الرابع عشر


" كل أحلامي الرومانسية تتحقق الليلة... هذا المكان اجمل من البطاقات التذكارية المنتشرة في المدينة"
تؤكد و تبصم بالتأكيد على كلام صديقتها، بعد كل ما شاهدوه في كاتانيا و تاورمينا، يعتبر قصر الايميليانو تاريخيا و يستقبط السياح بشدة ، من الخارج يبدو شاهقا على الصخور البحرية، لكن من الداخل يبدو مبهرا و يستحق التبجيل. هي التي اعتادت على الرخاء منذ نعومة أظافرها تعترف أن المكان أنيق بشدة، يمتزج بين العصرية و الكلاسيكية، و كمصممة ديكور، يبدو بأنها ستستمتع بشدة هذه الليلة.
" لطف من الايميليانو دعوتنا..."
الايميليانو الوحيد الذي تعرفه في أمريكا هو اليساندرو، لم تكن تتخيل يوما أن تقوم بزيارة بيت أسلافه في صقلية، يبدو أن صديق شقيقها ينتمي لعائلة عريقة للغاية... أخبرهم دافيد بأن دون روكو ايميليانو صاحب نفوذ، تقريبا يهتم بشؤون الجزيرة و كأنهم أسرة واحدة... حاكم لكن من منظار مختلف شيء يثير للدهشة حقا... لم يفقد الدوار شدته بينما تستمر بطبع كل جزء يمرون به في مخيلتها.. ربما تقدم والدها للانتخابات لكنه بالتأكيد لا يملك هذا الطاقم الهائل من الحراس، القلعة مشددة الحراسة... هل سيارة الشرطة تبقى دوما على مسافة غير بعيدة من البوابة الرئيسية؟
تاخر دافيد في باليرومو أكثر فإتصل بهن ليطلب منهن الذهاب قبله، الجميل في الأمر أن سائق قلعة الايميليانو من أتى ليقلهن ، يبدو أن دافيد محق، صوفي ايميليانو متحرقة للغاية لرؤيتهن، و هي متحرقة للتعرف على شقيقة اليساندرو الصغيرة، تلك التي كانت لترحل دون عودة لو لم يصل دافيد في الوقت المناسب و ينقدها من موت محتم.
" لما يوجد كل هذا الكم من الحراس؟؟ " سألت ايفا حائرة" هل شقيق اليساندرو سياسي؟"
" القلعة مشهورة و لابد انهم يمنعون دخول المتطفلين من السياح" غامرت ناومي بالقول بينما الليموزين تتوقف اسفل درجات نصف دائرية شاسعة تؤدي الى مدخل روماني التصميم، كانت الانوار في الارض تجعل منه شاهقا، حتى الرجال الثلاث الواقفين عليهم، من مظهرهم لا يبدون من عامية الحراس المنتشرين.
" هل سيفتشوننا قبل الدخول؟؟" سألت جيم بجدية.
" ان كان سيتم تفتيشي من قبل هؤلاء فلا مانع لدي..." علّقت ايفا بنبرة مغرية:" يمكنني التعري فورا... انهم رائعون"
هي أيضا لا مانع لديها، كاندي الثخينة كانت تخشى أن تحط عليها نظرات وجه وسيم لأنها تشعر بنفسها أسوء من فأر صغير، لكنها تعلمت أن تثق في نفسها اليوم، يمكنها ان تبقى رأسها مرفوعا، اذا اختلفت نظرة دافيد اليها و لمحت الاعجاب فيها فهي خطت خطوة كبيرة جدا، دافيد لا تعجبه أي إمرأة لأن ذوقه النسائي مرتفع للغاية... ربما هو أصعب رجال أمريكا فيما يخص النساء.
فتح السائق لهم الليموزين، القت نظرة فضولية نحو الرجال الثلاث امام المدخل المهيب، كانوا مميزين بشدة، لا ينتمون لقلعة الأحلام التي تشعل مخيلة أي امرأة عاطفية.
أقطبت قليلا بينما تلتقط ملامح وجه مألوفة للغاية... أنخيل أسيانو؟؟ هذا مستحيل... توقفت مكانها في الوقت نفسه الذي اقتربت صديقاتها منها، العالم ليس صغيرا لهذه الدرجة و الموقف سيكون غريبا ان صدق بالتأكيد.
" من هو شقيق اليساندرو؟؟" سألت ايفا بصوت مرتجف من الاثارة و الترقب.
" سنعرف حالا..." أجابت جيمي و هن تتسلقن الدرجات نحو المدخل.
ثلاث نكهات رجالية، لا وجه تشابه، لكن عندما تحرك الضخم الجثة ببدلة أنيقة مخاطة على مقاسه و أدركت بأنه هو صاحب المكان، لا يشبه مطلقا اليساندرو، كان هذا الرجل مظلمًا جدًا ...قويًا جدًا... مسيطرًا للغاية ... مدروسًا بجاذبية جهنمية، من المستحيل عدم الانجذاب اليه مثل الحشرات نحو اللهب... اللهب الذي يحرق الأجنحة بلا أدنى شك.
" سعيد برؤيتكن... أدعى روكو ايميليانو... شقيق صوفي .."
مد يده أولا نحو ايفا التي احمرت وجنتيها بينما تتطلع اليه و كأنه نزل من السماء، فلتكن صادقة مع نفسها، كلهن يتطلعن اليه بنفس الطريقة، انه فاثن و ايفا لا تحمر خجلا مجانا... لقد أثر بها حتى النخاع، ان كانت تعرف جيدا صديقتها فهي تتخيله سلفا عاري أمامها و بدون بدلته الفاخرة:
" ايفا جونس..."
أهملها بنفس السرعة ثم صافح جيمي:
" جومانا دارسي..."
ثم حان دورها،التقت نظراتها بأسود نظرات رأتها في حياتها... شعرت به و كأنه يقرأ فيها:
" ناومي مارشال..."
تأخرت يده على أصابعها، شعرت به يسجنها فجأة، لم تخفى عليها التقطيبة الرقيقة التي أفسدت هذه الوسامة الايطالية المتوحشة... بدى بغثة و كأن نظراته تحرقها حتى العضم... تقسم أنها تشم رائحة الدخان.
" مارشال؟؟ هل يقربك G-T Marshall أم أنه مجرد تشابه أسماء؟؟"
كان الجو بارادا لدرجة أن اجابتها تركت أثرها في الهواء:
" انه أبي..."
ترك يدها فجأة و كأنها تحرقه، شعرت بالإنزعاج للنظرات التي أصبحت جليدية للغاية، عادت نبرته الاجشة تقول بينما يهملها و كأنها أصبحت شفافة:
" صوفي بإنتظاركن..."
انتظرت أن يقدم الرجلين اليهن لكنه لم يفعل، هزت نظراتها الى من أربكتها هالته يوما و ظنت بأن ثمة شيء نمى بينهما...الم يتعرف عليها؟؟ لا يعقل... من المستحيل الا يكون هو... هي مقتنعة بأنها لا تهلوس.كان قلبها قد تجاوز لتوه مئتي نبضة في الدقيقة، من المستحيل نسيان هالة هذا الانسان، جعل من نفسه ذكرى قوية و لقبته مع صديقاتها بــ'رجل عبّارة الكاتراز'، تعرف أنه هو... في أعماقها تعرف بأنه هو و لن يمكنها الخطأ لأنها انسانة صاحبة ذاكرة قوية للغاية... هذه النظرات المميزة لملامح بديعة تجمع بين الوسامة و وحشية قاطع طرق...شعره أطول مما في ذاكرتها، وتعرف بأنه تعرّف عليها أيضا لكنه يتبنى تعابير محايدة... تعابير من لم يراها يوما في حياته... حتى في ذلك الوقت... لاحظت أن ذوقه في السرية راسخًا، في طابور العبارة الأخيرة إلى الكاتراز رأته يركز عليها بنفس هذه النظرات الرائعة و القوية... لقد سحرها، فثنها و أفقدها عقلها.
انجذابها الفوري اليه كان بمثابة جبل شامخ يسقط على رأسها، كل شيء جاء سريعا للغاية... يوما في الاستجمام في سان فرانسيسكو ، الضحك و المغازلة، تقاسمت معه ما لم تتقاسم في كل حياتها مع رجل، كانت الأمور مختلفة للغاية، بعيدا عن رجال الأعمال، أو حتى هوسها المراهق بدافيد ريتشي، و كم عشقت خفة دمه و مزاجه الميال للمزاح... الموعد الثاني انتظرته... لكنه لم يأتي أبدا... وهي لم تفهم لما نبذها بينما انفجرت بينهما كيميائية متوهجة و قوية للغاية... تعترف بأنها بحثت عنه... منحت اسمه كاملا لموظفي مكاتب العبّارات و أخبروها بأنه لا يوجد أبدا هذا الاسم من بين الزائرين!...
شكت صديقاتها أنها تخيلت رجلا بهذه المواصفات... أخبرنها بأنها ربما حلمت و لم تلتقي وسيما بشخصية قرصان فاثن، رجل وعدها أن يعود لكنه اختفى و كأن الأرض بلعته، و كم آلمها ذلك... لكنه الأن أمامها... تعرف بأنه تعرّف عليها...يكفي أن تلقي نظر على ظهر يده... هناك وشم غريب يجسد معلم في ميكسيكو... لكنه يخفي يديه خلف ظهره.
انتبهت الى أن صديقاتها لحقن بمظيفهن بعدة خطوات، جيمي انطلقت في حذيثها الشيق مع الرجل الذي يجيبها بكلمات مختصرة للغاية، بقيت تقف بمواجهته و نجحت بلاقرار بكلمات صلبة:
" أنخيل أسيانو!"
حط عليها نظراته الرائعة للغاية، تلك النظرات التي أبت مطلقا الانشقاق من ذاكرتها، كان يتجرّع كل قسم من وجهها على حدى، و كأنه بالمقابل متشوق لهذا اللقاء الذي أتى في أشد الأماكن بعدا مما أشعلته مخيلتها، تمنت أن تلتقيه مجددا لكن ... في صقلية؟؟ شيء لم يداعب خيالها... لكنه عندما تكلم لم تأتي الكلمات التي تمنتها:
" أظنك تخطئين الشخص..."
انه هو... نبرته أكدت لها شكوكها، فجأة تكسر أمامها ذلك الحلم الجميل و شعرت بالاهانة، الاهانة لأنها انتظرته حتى منتصف الليل تلك الليلة، الاهانة لأنه سخر منها و يستمر بالسخرية منها في هذه اللحظة، الاهانة لأنه احتل تفكيرها لأشهر عديدة و رحلتها الى فيغاس مع صديقاتها لإصطياد أي رجل للتخلص من أحلامها الرومانسية بسببه هو، لم تشعر متى ارتفعت يدها لتصطدم بوجهه، لم تصدر منه أدنى ردة فعل، بل تقبل هذا العقاب و كأنه يريحه هو الأخر... فجأة لم تعد ترغب بالبقاء في هذا المكان الغريب الذي جمعها بهذا الرجل الذي لم تتمكن من فهمه بالمرّة... ولا نسيانه.
الفضول الذي طل من عيون الرجل الأخر تتخللته بعض التسلية و كأنه يسخر من أنخيل أو مهما كان اسمه، هزت دقنها بكبرياء و التحقت بروكو و صديقاتها الى الداخل غير واعية بجمال ما يحيط بها.
* * *
" و بجانب العش المهجور ، توجد ريشة. نظر 'بينو' الى السماء قائلا: شكرا على هذه الهدية أيها الجرس الضائع ! قال للسماء الزرقاء... ثم صرخ من الفرح ، وركض لإيقاظ إخوته..."
أغلقت ديامانتي القصة، آريوس لا يبدو أنه ينوي النوم، كانت عيناه الشاسعة تتطلع اليها و كأنه يريد المزيد من القصص، لكن الوقت تأخر و قد تركا خلفهما وقت النوم منذ مدة، مسدت على خصلات شعره السوداء:
" ما الأمر حبيبي؟؟ لما تمتنع عن النوم؟؟"
" أبي..."
تبتسمت له متفهمة:
" سوف يعود في نهاية الأسبوع كما سبق و شرح لك... وسيجلب معه هدية كبيرة لك..."
ليس لأن نيوس عاد لعاداته القديمة، هي نفسها من اصرت على أن يسافر لتسوية أوضاعه في الصين، لقد امتنع و اعترض بسبب اقتراب الحمل أجله، لكن الموضوع استدعى حضوره، وعدها أن يدخل شركته في البورصة كي يتحرر من مجمل مسؤولياته، انها تصدق كلامه، خلال فترة الحمل كان رائعا، زوجا لطيفا متفهما و لسيما... انسانيا...
لن تقول بأنها كانت سهلة العيش، تعرف بأن شيء ما مات بداخلها منذ تلك الليلة في جزيرة القمر، و بأنها تجاهذ كي تستعيد حبها الكامل له، لسيما أنها في أسابيع حملها الأخيرة، لن تتأخر بالحصول على معجزتها الثانية... و آريوس متحمس مثلهما بالحصول على شقيقة.
ان كانت حياتهما مثالية؟؟ كلا... تشعر بالملل في زواجها، السبب أنها على حذرها كل الوقت رغم كل جهوذ نيوس... فليكن الاختبار سريعا... فلنأخد ورقة و نجعكها بحدة ثم نقوم ببسطها مجددا، بالتأكيد لا تعود لطبيعتها... زواجها ليس كاملا بسبب عواقب كل الأحذاث الصعبة التي مرّت بها علاقتهما منذ البداية... غريب جدا كيف يمكن للانكسار أن يغير المرء... لكنها تنوي معالجة نفسها نحو جراحها، ترفض أن يتحطم زواجها لسيما و هي تتهيئ لإستقبال الطفل الثاني، وضعت فكرة هجرانه بعيدا، بل نبذتها كليا، تحاول ملئ نفسها بكل الايجابيات الممكنة و نسيان سلبيات نيوس البغيضة، ثم يعود عقلها لسلبيات و تجد نفسها مجددا أمام الحاجز الذي يرتفع بينهما تلقائيا، ذلك الحاجز اللعين الذي فشلت بطمسه كليا... انها تحبه، ربما حبها ليس مثل البداية فهو تعرض لصدمات زعزعت قوائمه...
مدت يدها لتمسح على وجه ابنها... كم هو لطيف و حنون النظرات... ابتسم لها ابتسامته الرائعة:
" كل شيء سيتغير آريوس... والدك بصدد وضع شركته في البورصة... سيصير متوفرا لك و لأختك ... فأنتما بحاجة ماسة لوجوده... أعدك أن أتعلم حبه مجددا و أن نكون عائلة سعيدة للغاية..."
ان استمرت بترديد هذا الكلام فستنجح بتصديقه او بالاحرى فستبتعد لعنة سوء الحظ عن حياتها، تخشى بشدة ان تمنح نيوس مجددا كل ثقتها كي يخذلها ما ان يرى بأنها تخلت عن حذرها، بالنسبة لروبي... فنيوس صادق، تدور الايام كي تصبح عدوته اللذوذة محاميته... مؤخرا، أصبح الثنائي صديقين. بدأت جفون آريوس بالانغلاق، استمرت بملامسة وجهه، هذا يساعده على الاسترخاء و النوم، ابتسمت بحنان وهمست له عندما عاد ليحملق اليها بنظرات ناعسة:
" أنت طفل طيب جدا و سهل العيش آريوس... أريد أن أخبرك بأنك شمس حياتي و بأنني فخورة جدا بك "
تأخرت في غرفته الى ان اغلق عينيه و غرق في النوم، أطفأت النور و تركت الباب مفتوحا قليلا كما هي العادة، في غرفة نومها التقطت وشاحها و هاتفها، نيوس اتصل مرّتين، نزلت الدرج بحذر، ان تتمشى قرب البحر قبل النوم لتصفية ذهنها صار عادة من عاداتها المسائية، أخدت معها أيضا جهاز التنصت عن بعد قبل ان تقرر معاودة الاتصال بزوجها، صدمة البرد الأولى مرت بينما ترمي بقدمها خارجا، رغم كل شيء فالجزيرة دافئة في النهار رغم برودتها ليلا، نيوس لم يرغب مطلقا تركها بمفردها، بعض افراد عائلته من والدته قدموا من كريت للسهر عليها، رغم كل اعتراضها الا أنه فعل فقط ما في رأسه، في الحقيقة كانت تفضل وجود روبي معها بدل دزينة نساء مسنات و متشحات بالأسود تراقبنها بإستمرار و تطرحن كل ساعة نفس السؤال الميكانيكي ' هل لديك انقباضات؟'
ادارت رقم نيوس و ماهي الا لحظات حتى سمعت صوته القلق:
" هل أنت بخير حبيبتي؟ هل كل شيء على مايرام؟"
" كل شيء بخير إهدء... أهملت الهاتف في غرفة النوم بينما أضع آريوس في سريره... لن تكون هناك ولادة قبل عودتك "
سمعته يتنهذ بعمق ثم يقول بجدية:
" انا حقا اسف حبيبتي لكن الوضع هنا أسوء مما إعتقدته... أعمل ليلي نهار كي اتمكن من العودة قبل نهاية الاسبوع..."
ابتسمت رغما عنها:
" هل يجب ان اذكرك بأنني من اصر على هذه الرحلة؟؟ توقف من الشعور بالذنب... انا حامل و لست مريضة"
" حامل في الشهر الاخير ..." ذكرها بنبرة يائسة " لم اشهد ولادة اريوس... ارفض الا اكون موجودا في ولادة ابنتنا..."
لامست اصابعها البطن المكورة كالصخر امامها، الانقباضات متكررة في هذه المرحلة لكنها ليست قوية:
" سنكون معا لاستقبالها فلا تقلق"
تنهذ مجددا:
" أحبك يا زوجتي... دوما تجدين الكلمات المناسبة لطمئنتي و مواساتي... اخبريني مالذي تفعلينه الان؟"
" اتمشى قرب البحر..."
" آسف لانني لست معك..." يبدو حقا مقترفا من الوضع" رباه كم اكره بعدي عنك... أعدك أن أكون متوفرا ما ان اضع الشركة في البورصا"
" أعرف... "
" أنا قادم" سمعته يقول لاحدهم ثم يعود اليها " لدي اجتماع بعد خمس دقائق... لا تتأخري كثيرا في الشاطئ فالجو بارد و لا اريدك ان تمرضي... اهتمي بنفسك و بالطفلين سأتصل بك لاحقا..se agapo glykia mou"
" أنا أيضا أحبك..."
ابقت الابتسامة على شفاهها، مجددا تحاول اقناع هذا الاحساس اللئيم بعدم الامان داخل صدرها بأن كل شيء على ما يرام، بأن حياتها لن تنقلب مجددا الى جحيم، و بأنه سيبقى هذا الزوج الرقيق و المهتم و العاطفي الذي أصبح عليه منذ عودتهما من لوس أنجلس.
تنفست بعمق و حشوت رئتيها بهواء ايجيه المملح كي تبعد الافكار السوداء عن رأسها، سيكون كل شيء على مايرام، نيوس يحبها و هي تحبه و هما متزوجين و سيرزقان بطفلهما الثاني... اذن... يجب أن تتخذ قرارا قاطعا بنسيان أذيته لها بشكل نهائي... عليها ان تتعلم الوثوق به... لا خيار أمامها... سعادة آريوس و شقيقته القادمة أهم أولوياتها.
القت نظرة أخيرة للبحر المظلم و عادت أذراجها ... ستثق بالقدر... ربما تحرك نجمها من مكانه التعس و ربما سيكون مستقبلها أكثر اشراقا عما كان ماضيها.
* * *
تعرف تعابير روكو جيدا، عندما يكون محايدا لهذه الدرجة فهو ليس بخير أو ثمة أمر مريب يشغل باله، السهرة تتخذ مجرى مغايرا لما توقعت بريانا، صوفي انسجمت بسرعة البرق مع ظيفاتها، دافيد ريتشي وصل بعدهن بثلاثين دقيقة، لكنها ليست غبية كي لا تشعر بالتوثر المذبذب بينما روكو يفتح شهية إحداهن، حتى انها رأت الخيبة فيي عينيها بينما تعرفهن على نفسها كخطيبة سيد القلعة، هذا الوضع يسليها أكثر مما يثير غيرتها، تعرف بأن أعين خطيبها معها هي فقط، كان يتفادى محاولات الجميلة في الدخول بحوار معه، كانت تنتظر ان يعتذر كي يختفي مع سانتياغو كما هي عادته، لكن رؤية صوفي سعيدة جعلته يبقى أكثر، كانت ترى نظراته عليها، منذ متى لم تتوهج صغيرة القلعة لهذا الحد؟؟
" للأسف أنكن سترحلن الى البندقية غدا..." تدخلت صوفي بينما ينتقل الجميع الى غرفة المعيشة حيث تم تقديم القهوى و الحلوى المحلية.
" غدا ليلة رأس السنة... " علقت المدعوة جامي" حجزنا قرب الغراند كانال..."
" آخر مرة ذهبت البندقية كنت في الثالثة عشر..." أمام منظرهن المشدوه انفجرت صوفي في الضحك:" لا تتوقعن أنني أتنقل بإستمرار خارج صقلية؟َ!... شقيقي روكو مهووس بفكرة حمايتي، انه يحتجزني هنا..."
الأعين انصبت على روكو الذي لم تتغير ملامحه و تدخل بهدوء:
" أنا لا أحتجزك..."
" أنا لا أملك حبيب..." شرحت صوفي بطريقة مسرحية:" يريدني عذراء حتى يوم زفافي!.."
" صوفي هذا يكفي!..."
تجاهلت نبرته الصارمة، ثم عادت تتصنع الحماسة، بدت التعاسة في عمق عينيها مؤذية، ابتسمت لناومي:
" مازلت أحتفظ بذكريات عذبة عن البندقية لأنها كانت برفقة والدي الحبيب... " هزت بريانا مجددا نظراتها نحو روكو، لم تكن صوفي الوحيدة التي يتآكلها العذاب في هذه اللحظة، عندما يبقى صامتا هكذا و يضغط على فكه بهذه الطريقة فلأنه في هيجان نفسي حقيقي..." لقد... فقدناه منذ سبع سنوات..."
الغصة في حلقها لم تخفى عن أحد، مما دفع دافيد لمد يده ووضعها على يد صوفي مقترحا فجأة:
" ما رأيك أن تأتي معنا للبندقية؟؟ وعدت بأخدهن الى هناك... ستقضين وقتا رائعا..."
شعرت بهذه الكلمات مثل الرصاص، نظرات روكو اشتعلت مثل جهنم بينما انفجرت صوفي بحماسة و سألت الفيتات:
" هل يمكنني المجيئ؟؟ "
" بالطبع يمكنك... "أجابت ناومي الشقراء الفاثنة بنظراتها البنفسجية الشفافة.
ثم حان الوقت الذي ستتواجه فيه صوفي مع روكو، وقفت بريانا تلقائيا من الكنبة تعرف بأن هناك ثمة ما سينفجر بشدة اللحظة:"سنكون سعيدات للغاية..."
استدارت نحو روكو، كلها أمل... كل نظراتها توسل:
" أخي؟؟ هل يمكنني الذهاب؟؟ أرجوك وافق..."
لم يرد، بقي فحسب ينظر الى كل عنصر على حدى، بإعتقادها، يقوم بإخيتار أي منهم سيتم اغتياله أولا؟ هل يبدأ بدافيد صاحب الفكرة؟؟ أم ناومي التي رحبت بالفكرة؟ أم بإيفا التي لا تزيل نظراتها الحالمة عليه بالرغم من ان خطيبته على بعد خطوة منه؟ أم بسبرينا التي لا تتدخل لتضع حد للموضوع:
" حالتك...الصحية لا تسمح" كيف تمكن من نطقها بهدوء هي لا تعرف.!
دنت منه ووضعت يدها على كتفه، لكن لا يبدو أنه شعر حتى بلمستها أو بإقترابها، عيناه دخلتا في صراع حاد مع نظرات صوفي التي حاولت رغم كل شيء البقاء هادئة:
" لقد حُبست في غرفة طبية لأشهر طويلة جدا و لا منتهية... أظن أنني أعرف متى أكون قادرة على تمضية بعض الوقت بعيدا عن فريق التمريض و تلك الآلآت القاسية التي اتمرن عليها يوميا... أستحق بعض الراحة مع بعض الاصدقاء الجدد..." أمام صمته تابعت بصوت بدأت تظهر فيه بعض الشقوق:" أنا لا أملك أحد روكو... الوحدة تقتلني..."
عاد يحط نظراته على دافيد، لا بد أنه نادم على موافقته بزيارتهم الليلة، لكن تعترف أنها تشفق على صوفي، تبدو حقا يائسة وهي تترجاه ان يسمح لها بهذه الحرية الصغيرة:
" أخي؟؟"
" كلا... صوفي...نهاية الكلام" تكلم بالصقلية،سقط صمت جليدي على المكان مما تسبب بتوثر لا يطاق ، هذا التوثر صنع غمامة سوداء فوق رأس صوفي التي غرقت عيناها في دموع الكراهية لكنها لم تعلق، لا تعرف كيف تمكنت من الاحتفاظ بلسانها السليط في فمها، حاولت الابتسام لدافيد كي تخفي احراجها ربما، تذكرت بريانا الموقف ذاته عندما تعرفت على الايميليانو للمرة الأولى، تبادل الطبات الواخزة بينهما، برئيها روكو يبالغ في خنق صوفي، من حقها يوم راحة بعد معاناة أشهر من الضغط النفسي و الجسدي، ستكلمه جديا ما ان يصبحا بمفردهما:" سررت برؤيتكم و التعرف عليكم... اعذروني لدي بضع التزامات..."
وقفت ناومي في الوقت نفسه، تطلب الذهاب الى الحمام استغلت بريانا هذا لتقودها بنفسها الى المكان، تركتها و رائها و لحقت بخطوات خطيبها السريعة، تمكنت من التقاط ذراعه قبل ان يعبر باب القلعة، انه بصدد الهرب الى الملهى ليختلي بأحد اصدقائه:
" أريد اجابة واحدة روكو... لما هذا الرفض القاطع؟؟؟"
أمسك بيدها و قربها الى شفاهها، غاص في أعماقها مثل المعتاد، رأت سانتياغو يقترب منهما، لكنه يتوقف على بعد خطوتين يمنحهما الحميمية.
" عقاب صغير لأنها تحب يانيس أكثر مني؟؟"
شعرت بالعذاب لهذا التهكم الصغير:
" أرجوك اتركها تذهب... انها بحاجة للترفيه بعد كل ما مرّت به... لم أرها سعيدة كما هو الحال اليوم مع أولئك الفتيات... ان كنت خائف عليها لهذه الدرجة فيمكنني مرافقتها..."
" قطعا لا! ..." اعترض و كأن اقتراحها جنوني:" لا يمكنني العيش بدونك ليلة واحدة"
تنهذت و مدت يدها لتلامس هذا الفك الذي سينتهي بتحطيمه في النهاية ان لم يتوقف عن الضغط عليه:
" أنت أدرى... بأن الضغط يولد الانفجار... رأيت طباعها تسوء يوما بعد يوم، حتى فريقها الطبي طلب الاستقالة للتخلص من تنمرها و قسوتها، أراها سعيدة الليلة... تقرب منها روكو... انت قاسي جدا معها..."
" قاسي جدا..." ردد روكو و كأنه لا يصدق اتهاماتها..." أفعل كل ما بإستطاعتي لإسعادها ... لكنها تضعني دوما في خانة أكثر الوحوش خطورة و يُحذر الاقتراب منها..."
" لأنك كذلك..."
استدارت بريانا نحو الصوت، كانت صوفي، بمفردها، لابد أن بقية المدعوين بقيوا في الداخل برفقة سابرينا، يبدو أن كل ما امتنعت صوفي عن القائه في وجه روكو امام الاخرين تنوي تفريغه اللحظة، بطرف عينها رأت سانتياغو يقترب من صوفي متأهبا أيضا لأنفجارها:
" أجبني لما تفعل هذا؟؟ أحرجتني أمام الجميع... أنا بالغة روكو و تستمر بالتحكم في قراراتي اللعينة" ثم اشارت الى سانتياغو:" أنت... ابقى بعيدا عني أقسم أن أقتلع عينيك ان اقتربت مني أو أجبرتني على الرحيل!...."
" أتركها..." تدخل روكو وهو يدنو منها، كانت عيناها مبللتين فمها مزموم بحقد و كراهية بينما التعاسة أظلمت ملامح وجهها الجميلة:" لا أثق بذلك الرجل..."
" متى وثقت بأي رجل؟؟" سألته بنبرة محطمة:" مشكلتك معي شخصيا... أنت لا ثتق بي، تظنني سهلة، يمكن لأي رجل السخرية مني و استغلالي... أنت تنسى بأنني كبرت روكو... أنا امرأة الأن لما لا تغير نظرتك اللعينة لي بحق الجحيم؟؟"
القلق من هذه المواجهة يجمد أطرافها، رأته ينزل لمستواها:
" لما لا أغير نظرتي اللعينة؟؟ لأنك تتصرفين كطلفة مدللة و ليس كإمرأة صوفي... سأغيرها عندما تحصلين كليا على ثقتي و تفرضين الاحترام من حولك... كل من في هذا البيت يتدمر منك.. أنت لا تُحتملين ..."
فتحت بريانا فمها من المفاجأة كما فعلت صوفي، لم تتوقع انفجاره بهذه الطريقة، رأت وجهها يفقد كل أثر للدم، رأتها تبلع ريقها بصعوبة، تأخد عدة ثوان قبل أن تقول بصوت حيادي:
" فلنرى كيف ليكون مزاجك بينما كل جزء من جسمك يتألم و يرفض التجاوب معك..." وضعت يديها على لوحة تحكم كرسيها المتحرك لكنها لم تبتعد:" لا أعرف لما يمنحني الله فرصة عيش ثانية بينما أنت تضع نفسك بيني و بين الحياة... لو كان أبي حيا لما سمح لك بإيذائي بهذه الطريقة... أنت تستغل سلطتك روكو، تتدمر لأنني أرفض النضج... لكن الحقيقة أنك من يرفضن نضجي بعيدا عنك... كنت أتمنى لو لم يصل دافيد في الوقت المناسب ليخرجني من تلك السيارة اللعينة... الموت أهون من العيش بجانبك... لكن لحظة... من يستحق الموت ليس أنا... بل أنت... فقط لو رحلت مكان أبي لما كانت حياتي بهذا البؤس اللعين... "
لم تتجرأ بريانا بهز عينيها نحو روكو، يمكنها تكهن مشاعره اللحظة، راقبت صوفي ترمقه بنظرات ممتلئة بالضغينة ثم تدير كرسيها و تعود الى الداخل، عم الصمت قبل أن يتدخل سانتياغو:
" يمكنني مرافقتها و حمايتها ان كان هذا ما يقلقك..."
" سئمت دفاعك المستمر عليها..." تمتم روكو بصوت جليدي:" صار الأمر مزعجا "
" روكو..." تدخلت بريانا للدفاع عن سانتياغو الذي صمت أمام هذا الهجوم:" أرجوك اهدأ..."
" هذا الموضوع منتهي... أرفض سماع كلمة واحدة بشأنه... لا منك و لا منه و لا من أي لعين آخر... "
ثم منحهما ظهره و ابتلعه الظلام بينما يسلك الطريق الضيقة نحو الجزء الجنوبي من القلعة.
* * *
{ أتمنى أنك بخير...}
آخر شيء توقعته هو رسالة من اليساندرو، التعاسة و العذاب سحقا قلبها بينما تقرأ تلك الرسالة لعدد لم تعد تعرفه، برأي روكو، هي لا حق لها بالتدمر... حقيقة أن والدتها تم اغتصابها و بأن والدها مات لأن هذه الأخيرة اضرمت النار في مكتبه لا يفرق معه شيئا... هذه الحقيقة دمرّت كيانها و حياتها، خوسيه حاول مكالمتها، كان رقيقا لطيفا، لكن كيف ستشفى مما تشعر به بينما ترى وجهها فيه؟؟ ترى وجهها في اليونور؟ الوضع مريب حقا، و صار لمذكرات اليونور معنى...في داخلها... نوع من الطنين المؤلم. لا تتخلص أبدًا من هذا الشعور العميق بالظلم كلما فكرت في يانيس... الخصم الذي كان يملك كل الأوراق في متناول اليد، بما في ذلك الجوكر ، اليونور المسكينة... في أي مصيبة و وضع مزر وجدت نفسها في ذلك الوقت؟؟
bipe
وصلت رسالة أخرى، ابتسمت بعذاب من خلال دموعها بيينما تظهر صورة قطتها السوداء، عندما تركا نيويورك للطيران الى أروبا، أبقت قطتها الجميلة في مركز عناية خاصة الى حين عودتهما، يبدو ان اليساندرو لم ينسى أمرها و أعادها الى البيت.
{ كانت تشعر بالوحدة ....}
لم تجب، و ما عساها تقول؟؟ بأنها كانت حقيرة معه و أن ما فعله والده لا يتهمه في شيء؟ عموما كل شيء مريب للغاية حاليا و كبريائها يمنعها من الضغط على لوحة الحروف للرد عليه، هي ليست مصنوعة من حجر، لا تشبه روكو في صلابته، هو الذي يطلب منها نسيان الموضوع التافه بنظره، و كأن قلبها مجرد آلة يمكنها برمجتها على حسب المزاج، ربما نختار الخيارات ونتطور وفقًا لما تخبئه لنا الحياة. .. لكنها لن تتمكن من التكيف مع الموضوع بالسرعة التي يطلبها منها الجميع... تشعر بأنها ستموت من حزنها.
خرجت من سريرها، بدت تشعر بالإختناق و الشيء الوحيد الذي سيعيد لها رغبتها في الاستمرار و المقاومة هو رؤية التوأمين، ارتدت روبها و أهملت هاتفها خلفها كي لا تتملكها الرغبة في الرد على رسائل اليساندرو.
جناح الصغيرين مجهز بأشد الاجهزة حذاثة، مثلا كلما فتح الباب كلما عملت آلة تعقيم الجو تلقائيا، كانت أوزلام مستيقظة، المربية بصدد ترضيعها، ابتسمت لها:
" حبيبتي مستيقظة... رباه كم هي رائعة... هل يمكنني اتمام المهمة؟؟"
قبلت المربية شرط أن تعقم يديها كما هي القوانين، يمكن أن تكون أوزلام فخورة جدا بأب مثل خوسيه لأنه متيقض لأقل التفاصيل:
" هل هو حليب اصطناعي؟؟" سألت مستغربة لأن آيا لا تفوت وجبة واحدة للصغيرين.
" نحتفظ بحليب السيدة طازجا في البرّاد... انها مريضة و طلب السيد عدم ازعاجها"
أقطبت دانيلا:
" مريضة؟؟ لكن مابها؟؟"
هزت المربية كتفيها كإجابة عن جهلها التام، أوزلام ترضع الحليب بنهم، عيناها الشفافتين تثبتانها بفضول، مسحت دانيلا على جبينها المخملي بلطف، ابنة خوسيه... شعرت بالحزن لموقف والدتها التي عشقت رجلا بكل كيانها كي لا تستفيذ من حبه سوى الموت، وهاهو اليوم يعيد حياته، و يحصل على طفلين بدل الواحد... هل هي سعيدة حيث هي؟ أم أن روحها ماتزال هائمة على وجهها؟؟ امتلئت عيناها بالدموع بينما تضع أصبعها في راحة أوزلام التي أغلقت أصابعها الصغيرة عليه.
خوسيه أحب والدتها بصدق، انها المرأة التي فضل الموت على العلاج من السرطان، المرأة التي لم يتمكن من نسيانها، يمكنها ان تسمح لنفسها بالسفر بخيالها و لما العودة الى الماضي، تخيلهما معا، شابين و مغرمين بشدة، عيب اليونور أنها لم تكن في نفس مرتبة خوسيه الاجتماعية، كانت امرأة جميلة جدا و ذكية و تعمل بجد في شركة الفونسو مارتييز... الرجل الذي ورتث لون عيناه و ظنت لغبائها بأنهما لخوسيه و أن هناك تمة أمل على أن يكون والدها.
عادت آلة التعقيم للعمل تحت الحركة مما ينبؤ بوصول أحد آخر للجناح، لم تتفاجئ كثيرا عندما رأت وصيها، كان يبدو بصحة جيدة وسط جينز أسود و بولو أزرق الملكي، كانت الساعة قد تخطت منتصف الليل و لا يبدو بأنه ينوي الالتحاق بسريره بعد، رأته يعقم يديه ثم يدنو منها، كان شامخا أمامها، تجاهلته أيضا هذه الأمسية فلم يخفي رغبته بالكلام في الموضوع، تهرّبت منه... فلا تملك ما تخبره به.
" أراك صاحية..." لاحظ بصوت لطيف.
" لم أتمكن من النوم..." قالت وهي تعيد نظراتها الى أولازم التي ما تزال تسجن أصبعها بين أصابعها:" أفتقد قطتي..."
حاولت تبني الدعابة الا انه لم يكن يبتسم، كانت نظراته العميقة و الرائعة تثبتها بنفس طريقة روكو اللعين... لهذا هما صديقين اليس كذلك؟؟ فهما متشابهين للغاية.
" خدي استراحة..."
قال للمربية التي سارعت بالاختفاء من المكان، التحكم في مشاعرها صار صعبا للغاية، ربما هي أوزلام التي تتطلع اليها بنظراتها الرائعة للغاية و كأنها تفهمها، أو ربما لأنها تعرف بأنها لن تتحمل أكثر بعد اليساندرو... انها تفتقد حنانه.
جلس بالقرب منها، شعرت بدفئه يلفها،و يبدو ان اوزلام ايضا احست به، اذ انها حولت عيناها لوالدها، هذه الطفلة تشبه دمية مصنوعة من غزل البنات و الحلوى، تفتح الشهية لإلتهامها.
" بالكاد أصدق أنك أصبحت أبا... "
" انا أيضا أحاول التكيف مع الوضع..." اعترف خوسيه بصوت مشحون من العاطفة:" كل يوم أغرم بها أكثر..."
حطت عليه دانيلا نظراتها لتتأمل ملامح وجهه الفخور:
" يجب أن تغرم بوالدتها أيضا كي يكتمل زواجك..."
لا يبدو أن ملاحظتها تروقه، أبقى عيناه للحظات على أوزلام ثم مد يده ليلامس بأصابعه الأنيقة خصلاتها الشقراء .لقد كان لديه ما يكفي من التجارب، ما يكفي ليتم اختزاله عن النموذج الأصلي الذي عاش بجانبه لسنوات، آيا ربما لا تحمل كل المقومات، لكنها تراها سيدة خوسيه مارتينيز عن جدارة، انها من اذكى النساء اللواتي التقتهن في حياتها، لكن و صيها يصر على البقاء في ماضيه هذا الواقع أكثر تعقيدًا!
" هل تنوين منحي درسا في الحب؟؟" سألها بنبرة ناعمة... خطرة..." أنت التي انقلبتي عن اليساندرو 180°؟ "
الوضع مختلف، لأنها و اليساندرو ليسا زوجا و زوجة و لم يفكرا يوما حتى في احتمالية ذلك، أو حتى الحصول على أطفال، علاقتهما بدأت بشكل غريب، هي أحبته منذ البداية، لاحقته، استفزته ثم حصلت منه عما تريد، منحها كل ما حلمت به من رجل، و كانت سعيدة للغاية مؤخرا... انهما منسجمين بشدة، وهو رجل حياتها.
" هل كنت تنوي في يوم ما اخباري عن قرابتنا؟؟" سألته مباشرة، متجاهلة ملاحظته.
انتهت قنينة الحليب، التقطها منها خوسيه ليضعها جانبا، رأته يضع ملاية قطنية على كتفه قبل أن يأخد منها أوزلام و يضعها عليه، كانت حركاته موزونة و حانية لدرجة أنها حسدت الصغيرة في هذه اللحظة:
" يجب أن تهضم حليبها كي لا تتقيأ..." شرح لها بينما يضرب بكياسة على ظهر الصغيرة.
" تتعلم بسرعة خيالية..."
ابتسم لها ابتسامة عريضة:
" أريد استغلال كل لحظة معهما..."
هل يلمح لمرضه؟؟ يجهل تماما كم تمنحه له الحياة من مدة، ان عاوده السرطان فتلك ستكون مصيبة حقيقة... المادو لم ينتظر أكثر ثلاثة أشهر كي يموت... يقال بأنه اصبح شبح نفسه في أيامه الأخيرة، آلامه كانت قوية لدرجة أنه طالب بالموت الرحيم... لكن القانون الاسباني يرفض هذا النوع من المزاولات فتم رفض طلبه.
" ذات يوم... و بالفستان الأبيض و الطرحة ستتأبط أوزلام ذراعك لتقودها الى المذبح نحو زوجها المستقبلي..."
" رباه... ياله من كابوس...لن أترك ابنتي لأحد... "
ضحكت دانيلا بخفث كي لا توقظ المادو بالرغم من ان غرفته في الجهة الأخرى من الجناح.
" تقول هذا بينما فعلت المستحيل لتزويجي؟!..."
اختفت تسلية خوسيه و بدى فجأة جديا:
" سأبقى ظالما في نظرك مهما قلت و فعلت هيه ؟؟ ..." لم ترد، تركته يهزهز قليلا الصغيرة التي نجحت في التشجؤ أخيرا:" سبق و شرحت لك بأن الشبه بينك و بين اليونور دفعني للشك و كنت تملكين نظراتي أيضا... كنت مرتعبا في أن أكتشف بأن الجميع كذب فقط كي أتزوج من الخطيبة التي أجبرني أبي عليها... ثم اتخذت الأمور سياقا مختلفا... الأرقام تشير بأننا على قرابة بالرغم من أنك لست ابنتي،... ثم... فهمت لما تم اختياري للوصاية... ورثت ثروة والدك التي كانت كبيرة، و لا أحد يمكنه الحفاظ عليها غيري، حاولت ما استطعت لأكون وصيا جيدا و ابن عم متفهما، لكنك بدأت تكبرين و تشبهين اليونور أكثر و أكثر... بدأت أراها في أحلامي ... المرض زاد من قلقي على مستقبلك... رغبت بتأمينه لك قبل أن أختفي.. لم يكن هناك مشروع آيا أو حتى التوأمين... حياتي كانت تتأرجح بينك و بين اليونور... عشت حياة فاخرة و مترفة، كنت محظوظا ماديا، لكن تعس للغاية من دونها... عذاب الضمير جعل أيامي جحيما..."
الفضول تمكن منها، أوزلام لا تنام، عادة تستسلم للنوم فور انتهائها من الرضاعة، يبدو ان صوت والدها فثنها، اذا انها كانت تتابع بعينيها كل حركات و تعابير وجهه.
" عذاب ضمير لأنك لم ترد على استثغاتتها؟؟"
" اسمعي دانيلا..." التقط نفسا عميقا:" أنا و الفونسو كنا قريبين في السن، كلانا فثن باليونور... عمي حينها وجد من المعيب مغازلة امرأة بينما نخطط للزواج من أخرى... أظن أنه كان يملك ضعفا اتجاه اليونور، ضعفا حقيقيا...لم يسامحني بعد ان وقع اختيارها علي و ليس عليه... المنافسة اصبحت ضارية بيننا"
" لم تخبرني لما يؤلمك ضميرك بعد!..." قالت بينما قلبها يضرب بعنف في صدرها.
"كنت حبيبا سيئا" بان بعض الاحراج في عينيه:" لم أتمكن من الوفاء ا..."
المفاجأة تمكنت منها، هي التي اعتقدت ان ما جمعه بها هو حب حقيقي بلا أي شوائب، رومانسيتها في هذه اللحظة احترقت و لم يعد يبقى منها سوى الرماد:
" عفوا؟؟ هل هذه مزحة؟؟"
" أصابني الغرور...كنا في منافسة حتى أمام المجلس الاداري الذي وضع شروطا حازمة ليضعوا حدا لعزوبية الفونسو... والدي لم يحب أبدا بحياة شقيقه العابثة، ضاف شروطا كي يجبره على الزواج سريعا من امرأة بقيمته الاجتماعية ان رغب بمنصب شقيقه في الرئاسة..و بالنسبة اليه... اليونور هي المناسبة... كان يستغل فضائحي ليضغط عليها كي تتركني، لكنها لم تفعل أبدا... لم تسألني حتى ان كان الأمر صحيحا... لقد كنت شابا جدا و عابث و لم أحبها في البداية كما حذث معي في سنوات علاقتنا الأخيرة... فهمت بأنها هي حقا من أريد... كانت تفهمني و تتحمل مزاجاتي و تساندني... ثم فجأة انتهى كل شيء... عندما قررت فسخ خطوبتي من خيتانا ... تزوجت هي من رجل آخر... شعرت بالذنب لأنني لم أكن كما تمنت كي تستبدلني في النهاية دون ان تعلمني حتى بالموضوع... كنت مجروحا لدرجة أنني محيتها كليا من عقلي و قلبي... لكن... عندما انتحرت... بدأت أرى الموضوع بنظرة مغايرة... أظن أن أهلها أجبروها على تركي... أو ربما أبي استفزها كي أتمكن من الزواج من خيتانا... لقد ماتت بسبب اهمالي... كانت تحبني كما لن تحبني امرأة طيلة عمري..."
انزلقت دمعة على خدها، اذن فألفونسو أحبها أيضا، و خوسيه كان سافلا و عابثا و زير نساء حتى في حياة المرأة التي رغب بالموت من أجلها؟ ماهذا التناقض بحق الجحيم...؟؟ هذا الرجل مختل عقليا.
" كيف يعقل أن نخون من نحب؟"
" كنت صغيرا جدا، عندما أرى نساء أخريات يمنحني هذا بعض الأمان ... بأنني مازلت المسيطر الوحيد على حريتي..."
" أريد فحسب فهمك..." وشوشت له:" فهل سأنجح...؟"
رأته يبحث عن ابنته بأصابعه، عشقه لها في كل حركة و لهفة:
" اخبرتك قصة شاب ظن بأنه سيوفق بين الحب و الوفاء ثم فشل..."
" عادة لم تتخلص منها حتى اليوم على ما يبدو" علّقت متهكمة.
" ليس ذنبي ان كنت مدلل أنثويا ...حسنا.. اعرف بأنها مشكلتي الكبيرة لكن اليونور غيرت شيئا بي و ظننت بأنني سأمنحها إستقلاليتي التي كلفتني الكثير"
" لهذا تراها في أحلامك؟ لأنك لم تحبها كفاية؟"
" بالطبع احببتها..." لا تبدو نبرته مقنعة بالمرّة، بدأت تشعر بالشفقة على هذا الرجل التائه المشاعر، المفقود، المعقد بألف عقدة و عقدة:" كانت حامل مني عندما ماتت..."
" لم تحبها حقا... قصتك سخيفة و تنقصها المصداقية... فلأكن صادقة معك، تأثرت اكثر لوضع الفونسو على الاقل هو رغب حقا الزواج بها، أنت كنت مخطوبا، عابثا، خائنا و رغم كل هذا اجبرتها على تقبل استهتارك الى أن تدمرت كليا... اين الحب في هذه القصة؟؟ تتعذب فقط لأفتراضية حملها منك؟!... حتى انك لست متأكدا !.."
رأت وجهه يشحب بشدة، هل بدأ يستوعب بأنه يتشبث بقصة خيالية لا أساس لها من الصحة؟ اليونور لم تكن اكثر من عشيقة امضى معها بعض الوقت، تماما كما فعل مع جوليانا و غيرها، يبدو أن تجارته مع الجنس الأكثر عدالة تقتصر على الأنشطة الجسدية على مدى قصير... ميول خوسيه الشديد للنساء معروف، انه الأكثر مجونا بين اصدقائه، زواجه لم يمنعه من الاستمرار في رؤية كل ما راقه منهن ، كانت علاقته بزوجته باردة، جليدية، تعسة، كل محاولات سيسيليا لم تنجح بدفع ابنها الوحيد لإنجاح زواجه و منحها حفيدا، بعد موت خيتانا تحرر ليزداد رصيده النسائي ارتفاعا، و لا يبدو ان الجميلة و الذكية آيا غيرت شيئا في الموضوع.. لسوء الحظ، يجهل خوسيه أي جوهرة بين يديه، ربما ينتبه للأمر عندما تلمع في رائحة رجل آخر:
" فقط لو تركت فرصة لألفونسو ...ربما تغيرت الأقدار أظنه أحبها أكثر منك" تركت مكانها و القت نظرة أخيرة على أوزلام التي اغمضت عينيها متأثرة بتأرجح والدها " لا توهم نفسك ... فأنت لست الضحية... هي وحدها الملامة، آمنت بعابث مثلك...أنت لم تستحقها كما لا تستحق آيا "
ثم غادرت المكان دون ان تظيف كلمة.
* * *
التوهان في هذا المكان تجربة مميزة، تفهم لما سياح الجزيرة يتكبدون كل هذه المعاناة للتجسس على المكان، السهرة التي بدأت بمفاجئة غير متوقعة انتهت أيضا بمواجهة سيئة مع صوفي و شقيقها، روكو مختلف تماما عن اليساندرو، من المستحيل وضعهما في نفس الكفة، لم يخب حدسها الأول، صاحب هذه القلعة ليس رجلا عاديا، كانت هالته و طاقته تسيطر على كل فرد منهم حتى النهاية، الأروقة تنفتح أمامها لتقودها الى أروقة أخرى، انتهت حقا بأن تفقد طريقها، بقيت حائرة أمام باب خشبي منقوش يدويا، كان مغريا للغاية لتفقد ما خلفه، أدارت أصابعها على المقبض و انفتح هذا الأخير على ما يشبه مكتب يعود لعصر النهضة الايطالية، لم تمنع نفسها من طلق تصفيرة اعجاب، اللوحات التي يفترض ان تعرض للناس في مدينة فلورانس الفنية توضع بعناية على الجذران، هزت عينيها نحو السقف المقعر، الفنان الجداري يعود بلا أدنى شك لعصور النهضة، ناومي تعشق بشدة الفن الايطالي، للاسف لم تأخد معها هاتفها لإلتقاط بضع صور.
اقتربت من المكتب الماهوجني، اذا كانت اللوحات تعود الى فترة مايكل آنجلو فهذا المكتب الكبير و المسطح من جميع الجوانب يعود لفترة لويس الخامس عشر.. قشرة خشب الورد من إطارات خشب البنفسج خير دليل.
" هل يمكنني مساعدتك؟؟"
وضعت يدها على قلبها بينما يخرجها من انبهارها صوت خشن و متجرد بالمرة من الدفئ، استدارت ناحية الصوت، بحق الشيطان، بينما تقتحم هذا المكتب لم تنتبه الى أن أحد المقاعد الجلدية الفخمة يجلس روكو ايميليانو، بلعت ريقها ببعض الصعوبة، أصبح حلقها جافا لدرجة انه يصعب عليها البلع:
" الفضول سيمة سيئة..." سمعت نفسها تقول.
" هذا بالضبط ما فكرت به بينما أراك تدخلين..." سمعته يقول ببرود، كان قد فك ربطة عنقه و فتح أزرار قميصه الأولى، يبدو وسيما لدرجة لا تصدق، ليست وسامة المجلات... بل بدائية رجولية تتنفس حتى آخر طرف.
رأته يترك مكانه، يهمل كأس الوسيكي الذي لم يتبقى منه سوى جرعة واحدة، كان يحط عليها تلك النظرات الغامضة التي تبناها معها ما ان اخبرته بأنها من المارشال.
" آسفة لأنني اقتحمت خلوتك..."
" تأخر الوقت عن الاعتذار..."
عادت لتبلع ريقها، حاولت الهروب من هجومه، بما انه تم ضبطها كلصة فمن الافضل استغلال الفرصة لتملئ عينيها بروعة المكان. عصر النهضة الإيطالية فترة تغير ثقافي كبير في أوروبا امتدت من نهاية القرن الرابع عشر حتى بداية القرن السادس عشر ، تطلعت الى لوحة العذراء قرب جبال عارية مع مجموعة أوفياء، كل هذه التفاصيل رائعة:
" نسخة رائعة من Botticelli"
" ليست نسخة مقلدة... انها أصلية..."
شعرت و كأن السقف يسقط على رأسها، اتسعت عيناها من الذهول:
" تقصد... كل هذه المجموعة أصلية؟؟"
"منذ وصول فرانسوا سفورزا إلى السلطة وهذه المجموعة ملك عائلتي..."
هزت عينيها نحو اللوحات الزيتية مجددا، تبحث عن الأسماء المعروفة بنهم، الدم تجمد في دمها بينما تكتشف أكثر الاسماء شهرة، هذه المجموعة تساوي ثروة لا تقدر بمال، لو عرف اللوفر بهذا الشأن لرفعت باريس قضية ضد الايميليانو.
ثم كان هناك لوحة مختلفة خلف المكتب تماما، في البداية ضنت أنها تهلوس، بقيت متصلبة أمام الملامح المألوفة بشدة، وسامة بدائية، نظرات زرقاء غامضة، هبة غريبة، شعرت بروكو ورائها، أنفاسه على أذنها تماما:
" هذا ما أتى بك الى هنا اليس كذلك؟؟."
استدارت نحوه لتضع بينهما مسافة، شعرت اللحظة بأنها ضحية فخ ما.
" من هو؟؟"
" القائد العظيم Yannis Santo Davis Emiliano..." ظهر تعبير متهكم في عمق عينيه القاتمتين:" والدي..."
مستحيل... اتسعت عينيها من الهلع وعادت تحملق للوحة التي تثبتها بدورها و كأنها تسخر منها، هل هي ضحية كامرا خفية سخيفة؟؟ :
" انه صورة مطابقة لـ....لـــ....لكيليان..."
بدأ ينظر اليها و كأنه ينتظر منها كلام آخر، لا تفهم بالضبط ما ينتظره منها، لكنها لم تعد تشعر بالأمان معه، تريد الرحيل من هنا...الخوف جمدها لدرجة انها نسيت تماما طريقة الكلام:
" تظنيني غبيا كي لا ألاحظ في لعبتك الصغيرة؟؟" نبرته الايطالية طغت على انجليزيته:" مالذي يريده كيليان من مكتبي؟؟ مالذي يخطط له مجددا هذه المرّة؟؟ يعرف بأنني قادر على اخراجه من جحره الحقير..."
جحطت عيناها أكثر، لم تستوعب كلمة مما يقوله، هذه الصورة و اتهامات هذا الرجل لها بالتسلل و التجسس، هي التي ما ان وضعت رجليها أرض هذه القلعة و هي تشعر بأنها أليس في بلاد العجائب.
" عما تتكلم؟؟"
بدى السأم على ملامحه النبيلة، كما انه لا يبدو يمزح معها، كانت نظراته قاسية، صلبة، قوية و عازمة للغاية، خطت خطوة الى الوراء الا انه تمكن من الامساك بمعصمها و اعادتها الى مكانها:
" ادعائك البراءة أمر سخيف للغاية..."
" أقسم لك لا أعرف عما تتكلم..." القت نظرة عن معصمها:" أنت تؤلمني أتركني من فضلك..."
خفف قبضته لكنه لم يتركها، أبقى نظراته المتفحصة عليها مثل السكانير، شعرت بأنها ستموت من الرعب:
" كيليان من أرسلك الى بيتي؟؟ لما يريد ابعاد صوفي عن البيت؟؟ هل يخطط لإختطافها هي الأخرى كما اختطف خطيبتي؟؟"
هذه المرة لم تعد قادرة على السيطرة على ارتجافها، مالذي يقوله هذا الرجل؟ كيليان الهادئ ... الرزين .. الذي لا يتكلم كثيرا...رجل الاعمال الذكي جدا و الناجح و الاب المثالي لأوكتافيا:
" أظنك تخطئ الشخص... لا نتكلم عن الرجل نفسه"
ظهرت ابتسامة سيئة في زاوية فمه:
" كيليان ارشيبالد... زوج شقيقتك ايموجين، ابنتهما أوكتافيا، هل تكتفين بهذا أم أعطيك أيضا شجرة عائلتك؟؟"
انه لا يمزح،لا توجد كامرات و لا طاقم تصوير، الأمر لا يتعلق بكامرا خفية اذن؟... هذا الرجل القوي غاضب، بل هو هائج و هي السبب، عادت تحط عينيها على صورة من يسميه بوالده، انه كيليان في حقبة أخرى، بتصوير كلاسيكي أكثر، لكنه هو، انه ينتمي لهذا الرجل... لهذه العائلة... مهما يكن نوع الأسباب التي تدفع هذا الرجل في مهاجمتها، الا أن هناك قصة حقيقية و خطرة وراء الموضوع، تعلمت على ان تكون واقعية و منطقية و قوية، لقد حاربت السمنة و كاندي الحمقاء لتصبح ما هي عليه اليوم، وهذا الرجل يظنها مذنبة بشيء لا علاقة لها به.
" نحن هنا لأنك قمت بدعوتنا!..."
" انتم هنا لأن دافيد ريتشي اقترح رؤية شقيقتي... ربما استعملته للوصول الى صقلية ثم الى بيتي، لن أغفر هذا الاهمال لنفسي، عادة اتقصى عن الزوار قبل السماح لهم بدخول حميميتي..."
لمعت فكرة في رأسها:
" لو كنت جاسوسة كيليان...فلست غبية كي أعطيك اسمي الحقيقي الا تظن؟؟ سيد ايميليانو... أؤكد لك هناك خلل في الموضوع... هل يمكنك ترك معصمي والهدوء قليلا كي يفهم كلينا حقيقة الوضع؟؟"
بدى و كأنه يتمعن جديا في كلامها، و ربما يجده منطقيا... كيليان ارشيبالد الغامض غموض لا حل له، انه ابن جاك ارشيبالد، هذا كل ما تعرفه عائلتها عن رجل يكره اظهار وجهه للصحافة، تركتها أصابع الصقلي رويدا الى أن حررتها، فركت معصمها دون ان تفارق عيناه لحظة واحدة، كانت تريد أن تفهم الكثير من الأمور:
" أخرجي من هنا..."
أمرها بصوت جليدي، لكنها لا تنوي الرحيل، ان رحلت فلن تفهم كل ما يحصل معها الليلة، بدءا من أنخيل أوسيانو الى كيليان أرشيبالد...
" لما تظن أنني أتجسس على عائلتك أو اساهم في خطط خطف صوفي؟؟" هزت عينيها نحو اللوحة الغريبة على الحائط:" ما علاقة نسيبي بوالدك؟؟ "
لم يرد روكو، بقي يحملق لها بنظراته الذكية و الداهية، يقيمها أكثر و يتفرس فيها كمن ينوي بلعها قريبا، ترغب أن تفهم ردة فعله العنيفة نحوها، لك لا يبدو أنه ينوي الكلام بعد أن أمرها بحزم بإخلاء مكتبه، ان ظن بأنه يتخلص منها بهذه الطريقة دون أن يشرح لها موقفه منها فهو واهم:
" تتهمني بالتجسس لصالح زوج شقيقتي... و أجد أنجيل أوسيانو من ظمن موظفيك، الحقيقة هي انك من استعملني للحصول على معلومات قبل أشهر اليس كذلك؟؟ "
كل شيء واضح لا محالة، لقائها بأنخيل لم يكن مصادفة، بين هذا الرجل و كيليان حسابات، قبل اشهر ظنت أن اعجاب من النظرة جرفها مع رجل استثنائي، لا شيء كان طبيعيا اذن... انه يعمل لصالح هذا الرجل...
" من هو أنخيل أوسيانو... عما تتكلمين؟؟" سألها بهدوء.
" الرجل الذي كان بجانبك عندما وصلنا..." شرحت بغصة:" أنت من يدعي البراءة اللحظة..."
رأت عاصفة قادمة في عينيه:
" سانتياغو؟؟ خافيير؟؟ "
" الاسباني..."
" لا أحد منهما اسباني..." شرح لها ببعض الحدة.
لا يبدو بأنه يستمتع بهذه الأحجية، لا يمكن ان يكون بريئا أيضا... لا يعقل أن يكون كل هذا مصادفة:
" صاحب النظرات الرمادية..."
" خافيير ..." قال لها:" تقصدين خافيير ميندوزا؟"
" يعمل لديك و أنت تعرفه أفضل مني..."
هز حاجبه، بدى فجأة مهتما بالموضوع:
" أعرف بأنه لا يدعى أنخيل أوسيانو على الأقل... "
يبدو صادقا... ربما لا علاقة لهذا الرجل بما حذث بينها و بين السافل قبل أشهر.
"انه متعدد الهوايات على ما يبدو... محترف التنكر... طريقته الجميلة لاستمالة الفتيات الصغيرات و الساذجات مثلي" التقطت أنفاسها لتبعد عنها غصة في حلقها:" هل ستفهمني ما علاقة كيليان بوالدك؟؟ و لما قام بإختطاف خطيبتك؟؟ و لما تعتقد أنه ينوي مجددا الحاق الاذى بعائلتك؟؟"
أغرق نظراته القاتمة في عينيها و اقترب منها الى أن شعرت به مهيمنا و مسيطرا مجددا، مد يده نحو خصلة من شعرها لكنه لم يلمسها، كان فحسب يجرب قوته عليها كي يرعبها أكثر:
" اطرحي أسئلتك على نسيبك مباشرة جميلتي... سأمنحك حتى الغد كي تختفي من الجزيرة و الا تعودي اليها مجددا ، أفراد عائلة ذلك الرجل غير مرحب بهم هنا..."قوة هذه الكلمات دفعت ساقيها للوراء، لا تتذكر في كل حياتها ان كانت مرتعبة كما هذه اللحظة، من المستحيل أن يكون هذا المخلوق المريب شقيق اليساندرو... " اختفي من هنا... فورا"
هذه المرة تركت جرأتها جانبا و استجابت لأمره الجليدي، وجدت نفسها تجري بكل قواها في الأروقة التي أشعلت خيالها و تجدها الأن مظلمة و على استعداد للانقضاض عليها، عندما وصلت أخيرا الى أصدقائها الذين كانوا يمضون وقتا رائعا عكسها، أدركت من تعابير وجوههم بأن منظرها مرعب:
" ما بك؟؟ تبدين شاحبة كالأموات..." سألها دافيد بتقطيبة عميقة وهو يترك مكانه ليقف و يمسك بذراعها.
" أريد الرحيل من هنا... على الفور.."
دون ان تنتظر ردهم التقطت حقيبة يدها و سبقتهم الى الخارج.... لكن أنخيل أوسيانو لم يكن هناك.
* * *
فلم في التلفزيون، نار في قلب المدفئة، جسدين ملتصقين بحميمية على الكنبة، هذا ما استقبل خافيير بينما يدفع باب منزل توأمه... حلمه شخصيا في مزرعة عمل جاهذا لشرائها، و منعته الانتربول بأخد تقاعده اللعين، انه يحسد هناء اليخاندرو، هذا الأخير ادار رأسه نحوه، كانت بيانكا تنام على صدره، هي الأخرى هزت نحوه ابتسامة شاسعة:
" مساء الخير خافيير..."
القى نظرة على ساعة يده:
" صباح الخير عزيزتي..."
تقدم نحوهما، شعر بيانكا الغزير و الجميل متكوم على صدر شقيقه، كانت تجسد كل ما يرغبه رجل في امرأة، يفهم لما أفقدت اليخاندرو رأسه.
" أسف ان أفسدت سهرتكما... لن تشعرا بوجودي أعدكما..."إنحنى ليلتقط يدها و يضع عليها قبلة" أعيش على أمل أن تغيري رئيك و تتزوجيني بدلا منه..."
اتسعت ابتسامتها أكثر:
" ستنتظر طويلا جدا اذن..."
ترك يدها و غمز لها:
" لن أنتظر طويلا... ستكتشفين بأنه ممل المعشر حتى قبل أن تتزوجيه..."
" لما لم تمضي ليلتك اللعينة في القلعة؟؟" تدخل اليخاندرو وهو يرمقه ببرود:" الم تجد من تزعجه و قررت افساد مزاجي مجددا؟؟"
" أنت لست بحاجة لذريعة كي يفسد مزاجك ما ان تسقط نظراتك علي" ابتسم مجددا لبيانكا التي تعشق بشدة هذه المشاذات بينهما، ذهب الى المطبخ و التقط قنينة ويسكي:" سأترككما و شأنكما... توقف عن النظر الي بهذه الطريقة فلن تتأخر بإضرام النار في..."
بلع ابتسامته القسرية ما ان اصبح بعيدا عنهما، رغم برودة الجو الا انه بحاجة ماسة للهواء خارجا، جو الحب و الرومانسية في الداخل يزيد فحسب من اختناقه و خيبته.
ناومي في صقلية........ بحق الجحيم....... من كان يتخيل.؟
تذمر على مضض بينما يغلق مجددا باب عش الحب و يجلس على العتبة الجليدية، في تلك اللحظة... عندما تعرف عليها حتى قبل أن تتعرف عليه هي، ذاكرته النشطة التقطت فورا كل التفاصيل الصغيرة التي جعلتها مميزة جدا ... مميزة لدرجة دفعته للهرب.
حياته ليست لقصص الحب السخيفة...
و ناومي... في تلك العبّارة ... ما ان حطت عيناها البنفسجية عليه حتى ظهر كيوبيد اللعين من ورائها و أرسل سهمه الغبي الى قلبه.
لقد أمضى... أشهره الأخيرة، بأيامها... ساعاتها... دقائقها... ثوانها يحاول أن يقنع نفسه بأنه أحسن صنعا بعدم الذهاب لموعدهما ذلك المساء.
في الحقيقة... لقد ذهب لموعدهما.. رآها جالسة على الطاولة المحجوزة سلفا لعشاء لشخصين... هو بقي بعيدا يراقبها... حماستها التي تحولت الى عصبية، ثم الى خيبة و غضب... بقيت هناك ... الى أن دقت الساعة معلنة عن منتصف الليل...
عاد منظر الركاب وهم يكدحون على سطح السفينة بهواتفهم الذكية يلتقطون صورة للشاطئ وبرج Coit و جزيرة الملاك وسجن الكاتراز الذي يقترب رويدا.
لم يكن في اجازة... آه كلا... كان مع موعد عمل... تحول لموعد قدر، التقط الصور المطلوبة منه لاثبات ان ماريو دوغلاس ما يزال على قيد الحياه، هذا الرجل الذي يقف قرب شقراء فاثنة تدير الرؤوس، كان لا يفارقه بعينيه و يعطي الاشارة لبقية الفريق، ثم التقت نظراته بها، في تلك اللحظة التي اعتقدت ناومي بأنه يلاحقها هي و ليس جاسوس مختفي منذ عدة اشهر.
ثم انتبه الى ذلك اللون الغريب في عينيها... و فُقِدَ ببساطة.
لم تكن مسألة وقت لطيف مع امرأة في احد فنادق المدينة، ناومي ابتسمت له.. و ادرك بأنها ستكون أكثر من متعة ليلة.ابتسامتها جعلته محموما.
شق طريقه من خلال الحشد الذي يميل على الجانبين للتمعن في مياه البحر المضطربة. أبتعد قليلا على الجسر و اصبح امامها ، بنفس الوقت يمكنه الحصول على رؤية شاملة لماريو دوغلاس، كان مضطربا للغاية و كأنه ينتظر بفارغ الصبر ان تنهي العبارة رحلتها، و كأنه يشعر بأنه مُراقب:
" نظراتك احرقت كل مركباتي الجينية"
" يمكننا طلب المساعدة من خفر السواحل..." اجابت ببعض الجفاف دون ان تخفي تسليتها.
" يصدمك ان أكون مباشر؟"
" منعني والدي من التكلم مع الغرباء!"
ابتسم لها، راقب الحمرة الناعمة تغمر خديها، ثم مد يده نحوها:
" أنخيلو أوسيانو"
أطبقت اصابعها الانيقة على يده:
" ناومي مارشال..."
في ميناء سان فرانسيسكو في كاليفورنيا ... تحديدا في غرب الولايات المتحدة...أصابته حالة عشق رهيبة.. فهرب كالجبان لأنه لم يكن أهلا لما انقشع أمامه.
انفتح الباب خلفه، بعد لحظة راقب اليخاندرو يجلس بجانبه، راقب وجهه يقطع في العتمة، تردد الى مسامعه clik لفتح قنينة بيرة.
" الأرض صلبة، كيف تتحمل مؤخرتك المسكينة هذه القسوة؟؟" تمتم شقيقه.
شرب من قنينته وهز عينيه نحو السماء المظلمة:
" ستجد من يمسدها لك ان تورمت!..."
ضحك اليخاندرو بخفث، بقيا للحظات يستمتعان بصمت الليل و هدوئه، الويسكي يشعل النار في شرايينه:
" كل شيء على ما يرام في القلعة؟؟" سمع شقيقه يلقي بسؤاله القلق أخيرا.
" توقف عن التصرف و كأنك أمي..."
" مزاجك سيء... أعرف متى تحاول ايهامي بإبتسامتك الصفراء... مالذي يحذث؟؟ هل تشاجرت مجددا مع روكو؟؟ "
" ظروف العمل جيدة لا تسألني مجددا بهذا الشأن..." ارتشف من مشروبه:" صديقك أكبر من أن يستسلم لإستفزازاتي... "
شعر بإبتسامته و لم يرها، اليخاندرو يذوب مثل امرأة عندما يلمح الى أحد من أصدقائه... الوفاء بينهم رائع و يستحق التقدير:
" هناك ما انوي اخد رئيك به... " أعاد اهتمامه الى شقيقه الذي يبدو جديا:" أعرف بأنك رجل ميدان خافيير، طالما كنت كذلك... منذ طفولتنا و أنت تحب الحرية و تعشق المعارك بكل أنواعها، العمل عند روكو فكرة سيئة و منذ البداية، فكرت بمشروع لك... شركة أمن خاصة، تكون جميع أنشطتها مكرسة فقط لتطوير وتنفيذ أفضل تدابير الحماية المباشرة من أجل ضمان أمن الأشخاص الخاضعين للحماية بشكل فعال حتى حماية أصولهم وسمعتهم والمعلومات الحساسة الخاص...من الخدمة القصيرة إلى المهام الطويلة الأجل .. يمكنك ادارة حراسًا محترفين متخصصين يتم تعيينهم خصيصًا لكل نوع من المواقف... أظنك تملك الخبرة الكافية لتضمن جودة الخدمة والراحة التي لا تشوبها شائبة.. أنا أتكفل بالماديات... سأعطيك رأس المال..."
سخائه تركه بلا صوت، يعترف بأنها فكرة لامعة و رائعة، هو الذي امضى حياته في المغامرات الخطرة و الامنتهية يعرف جيدا كيف يدير شركة مماثلة بقبضة من حديد:
" هل ستبحث لي ايضا عن أميرة أتزوجها؟؟ امرأة جميلة مثل بيانكا لكن بحلة شقراء!..."
" خافيير..." تذمر اليخاندرو:" هل يمكن أن تكون جادا أرجوك؟؟"
" أنا جاد..." أجاب وهو يهز كتفيه :" أنا مرهق من المغامرات اليخاندرو... أريد عيش حياة طبيعية مع امرأة و الاهتمام بالحيوانات و الأحصنة... تماما كما هي مهمة راعي بقر!... امتفيت من حمل الأسلحة"
يبدو أن اليخاندرو تفاجئ من هذا التصريح:
" راعي بقر؟؟ واو... أراك مناسبا للمهمة...."
ابتسم خافيير و اردف بفخر :
" أملك مزرعة في التكساس، تحتاج لبعض التعديلات لكنها مناسبة لتأسيس أسرة..."
" أنت بصدد تحقيق حلم أمي..."
من المصائب و الالم تتكون شخصية المرء، ملاحظة توأمه فتحت جروحا يتجاهلها بإستمرار، لقد امضى حياته متمردا لأن استعاب صدمة طفولته فوق طاقة تحمله، و لليوم يرفض حمل عبء الماضي، مازال جبانا ليتقبل الموضوع مثل اليخاندرو الذي مجّد اسم سفانا... مازال يشعر بالعار و الذنب لما حذث لوالدته، لم يتمكن من انقاذها من بطش والده... هل سيأتي اليوم الذي يتخلص من هذا الغضب؟؟
في عمر العاشرة كان يقوم بالمهام البشعة لـ'خوليو سانشيز' أكبر تاجر مخدرات في كارولينا الشمالية، لقد تبناه ليصبح مجرما، وهو كان مستعدا ليصبح خارج قانون، قلقه المتزايد على توأمه لم يصلح شيئا من نفسيته المتدمرة، في الثانية عشر تم القبض عليه لأنه أشطر طفل مخدرات، الشرطة لم تتمكن منه رغم السنوات و خوليو كان فخورا به، بإمكانه التغلب على صبية أكبر منه، كان يملك من العنف و القوة ما يثير شهية رئيسه، لكنه أمضى سنوات في مركز خاص، تمكن من الفرار مرتين، جن جنون الجميع بحيله و ذكائه الخبيث، لكن قدره تغير عندما اهتمت به مجموعة سرية، جعلوه مقاتلا و استغلو هذه الطاقة لمصالحهم، وهو ممتن لأنه وجد نفسه عميلا و ليس مجرما في النهاية، أمضى كل حياته في خدمة العدالة، انتمى الى قوات عدة الى أن التحق بالانتربول في النهاية، و ينوي ان تكون آخر انتمائاته... يريد عائلته الخاصة بحق الجحيم... يريد أن يتزوج بشقراء و الحصول على أطفال لطفاء مثل شقيقه و ليس مثله.
" كيف عرفت بأن بيانكا هي المرأة المناسبة؟؟ّ"
لابد ان اليخاندرو لم يكن يتوقع هذا السؤال، لسيما أن عرضه مغريا و يستحق التفكير فيه.
" لا أدري... عرفتها و هي صغيرة جدا... كانت في الخامسة عشر..."
كشر خافيير:
" ياللهول..."
ضحك توأمه مجددا بنعومة:
" لم أغريها في ذلك العمر خافيير رباه هل فقدت رشدك؟؟؟ مع الوقت تطورت صداقتنا بسبب مرضها... بيانكا تعاني من القصور الكلوي... رأيتها شجاعة جدا... تقاوم بشدة... لا تتذمر من الألم...أجهل متى أغرمت بها
"شجاعة مثل سفانا..." خرجت الملاحظة دون ان يتحكم بها.
ملامح شقيقه أشعرته بالندم:
" أمنعك من هذا التشبيه الغير عادل... "
" انها تشبه أمي..."لم يجد ما يقوله شقيقه، راه يفتح فمه عدة مرّات ليعلق بشي دون جدوى:" أظنني أحبها لهذا الشبه أيضا... "
" كيف تنجح بأن تكون جارحا على الدوام ؟؟" سأله بغصة، يبدو أنه نجح بإيذائه.
" لا تحب أن نرمي بالحقيقة في وجهك؟؟ هل كلمت طبيبك النفسي عن هذا الشبه؟؟ "
بقيا يتواجهان كثورين ينويان التناطع قريبا.
" ان كانت هي تشبه أمي، فأنت تشبه أبي خافيير... أنت منعدم الضمير و جارح مثله..." هذه الملاحظة أوجعته أكثر مما تمنى، رباه... انتبه اللحظة بأن عينا اليخاندرو ممتلئتين بدموع اليأس و الغضب:" لم يكن خطئنا بحق الجحيم لما تحسسني في كل مرة بأنه لا حق لنا بعيش حياة طبيعية؟؟ ليس من حقي أن انجدب لسمراء فقط لأن سفانا كانت كذلك؟؟ انت من يجب أن يرى طبيبا خافيير... لم تتصالح مع نفسك بعد، لا تنوي التصالح معها يوما... أحب بيانكا لأنها امرأة حياتي... اكتفيت من الماضي و تصالحت معه منذ زمن... افعل الشيء نفسه فربما ستجد السلام ذات يوم..."
لا يطيق هذه المناقشة، ترك مكانه مع زجاجة فارغة و قصد سيارته القديمة، اليخاندرو في أعقابه، منعه من الابتعاد:
" افرغت نصف زجاجة ويسكي الى أين تنوي الذهاب بحق الجحيم؟؟"
" لما لا تهتم بحبيبتك الجميلة و تتركني و شأني.؟؟"
" مازالت ردود أفعالك نفسها و لم تتغير..." علق اليخاندرو بقسوة:" عندما كنا طفلين تقوم بضرب رأسك في الحائط الى أن تنزف فقط لتهرب من موضوع سفانا..."
" لا يمكنك الفهم..."
" تستمر بالشعور بالذنب لأنه بإعتقادك حمايتها اعتمد عليك؟؟ كنت في التاسعة فقط من عمرك خافيير لم تكن مسؤولا عليها أو على غيرها ..."
" أنت تعشق الدراما و مازلت تظن نفسك قادرا على انقاذ البشرية و انقاذي معها..."
" فقط لو أستطيع انقاذك..." الحزن أثقل هذه الكلمات المتألمة:" فقط لو تسمح لي بمساعدتك أخي..."
لا يرغب بسماع المزيد، استجابت السيارة له و انطلق مبتعدا، في الزجاج الداخلي تراى له اليخاندرو متجمد مكانه، انه يعيش حياة هادئة مع امرأة لطيفة و تحبه، لما تختار الانتربول اقحامه في حياته؟؟ هو الذي طالما تفاداه لأنه يعرف بأنهما مختلفين رغم تشابههما الجسماني الشديد، مهمته الأصلية في صقلية ليس لكشف النقاب عن روكو ايميليانو، بل لمواجهة شرسة مع ماضي أصر على دفنه للابد.
مزرعة روبيرتو ريتشي في حدود كاتانيا، يحدها البحر، ناومي تقيم هنا مع صديقاتها، بينما دافيد ريتشي يقيم عند شقيقته،هذا بالضبط ما سمعه من روكو ايميليانو، المزرعة شاسعة، هناك طاقم حراسة تقليدي و ليس المجموعة الخاصة التي يتمتع بها الايميليانو، التسلل الى الداخل لم يكن صعبا، احترف التسلل منذ نعومة أظافره.
ربما الأراضي شاسعة لكن البناية كلاسيكية، كل غرف النوم في الطابق العلوي، يمكنه حتى ايجاد ناومي بتعقب رائحة عطرها، مازال يحفظه عن ظهر قلب، مزيج من الياسمين و الفانيلا و الحلوى.
توقف عندما التقطت مسامعه أصوات نسائية من الشرفة الغير بعيدة عن الغرفة التي يعتقد انها لناومي، مازالت الفتيات مستيقظات، القى نظرة، كانت ناومي في بيجاما صوفية بينما صديقاتها في لانجري أكثر أنثوية، حط نظراته عليها كما فعل طيلة وجودها في قلعة الايميليانو... مازالت رائعة كما في ذاكرته...
" قمت بنقل هويته إلى مكتب المنصة ، للتحقق مما إذا كانت هناك تذكرة بهذا الاسم وما إذا كان قد استقل المركب... لا يوجد شخص اسمه أنخيل أوسلانو... لا أفهم لما كذب علي بتلك الطريقة؟؟ "
أغمض خافيير عينيه و استنذ برأسه على الحائط، من حيث هو من المستحيل أن تلاحظه الفتيات، لكنه يحصل على رؤية شاملة للوجع المرتسم على وجهها.
" اسمه خافيير ميندوزا... انه مكسيكي و ليس اسباني... حتى أنه كان يملك لكنة اسبانية بحق الجحيم لكن كيف نجح بإيهامي بالعكس؟؟ انه حقا موهوب..."
" لما لا تنسي الموضوع برمته هيه؟؟" سمع صوت صديقتها، لا يعرف من منهما تتكلم:" هذه القصة مضى عليها أشهر و تغيرت الأمور منذ ذلك الوقت... اليوم هذفك هو دافيد... كلنا لاحظنا الطريقة التي ينظر اليك بها..."
دافيد؟؟ دافيد ريتشي؟؟ لسخافته شعر بشعور مؤلم يلوي معدته:
" هل أذكرك بأنك كنت مغرمة به منذ... دعيني أخمن... منذ أن ولدتي؟؟" علقت العاهرة الثانية
بدأ يشعر بالنار تتآكله و تسلبه صبره... هل هو الويسكي؟؟ أم هو غبائه..؟؟ الم يتركها ترحل بباسطة؟؟ ليس في وضع يسمح له بالتذمر مطلقا... حتى وجوده هنا سخيف للغاية... ناومي الشقراء الوحيد التي حركت شيئا لعينا في ذاخله... لقد وقع في الحب بشوارع سان فرانسيسكو، تعمد ترك تلك المشاعر معها في تلك المدينة و أقنع نفسه مع الوقت بأنه أحسن صنعا... كل ما يشعره بالضعف يدفعه للفرار، يكره تلك الهشاشه التي أحس بها معها... لو احترم كلمته و التحق بها في ذلك المطعم تلك الليلة ربما كان قد طلبها للزواج أيضا... الأمور كانت عاجلة في ذاخله لدرجة دفعته للفرار... يمكنه مواجهة أشرس أباطرة المخدرات في العالم لكن الخوف أثلف أعصابه أمامها هي.
" طالما أحببت دافيد... انه حب مراهقتي أنا عاطفية وهو جنسي" سمع صوت ناومي متأثرا:" شيئا ما حذث بيني و بين أنخيل ذلك اليوم... أعرف أعرف... أعود لأتكلم عنه لأن الموضوع خارج سيطرتي...أعجز عن التفسير ... كأن ثمة روابط... ثمة خيوط غير مرئية تشدنا... شيء حقا استثنائي انفجر بقوة بيننا... أو ربما هذا ما شعرته رومانسية حمقاء مثلي ..."
ليس وحدك... هذا بالضبط ما جعلني أهرب كالجبان... فكر خافيير بمرارة... التعلق بفتاة بينما كل حياته انجازات خطرة، لم يكن مستعدا للحب الكبير الذي جائه في رحلة قارب قصيرة...
" انسي الموضوع ناومي... لقد اخفى هويته عنك و بالاضافة لم يكن واضحا ايضا... لا تنسى أننا في ايطاليا مع الوسيم جدا ريتشي، و غدا...مع القليل من الحظ ستنهين الليلة في سريره..."
العاهرة رقم 2 من تكلم اللحظة، لم تصله اجابة ناومي، مد عنقه لينظر اليها، كانت ابتسامتها مترددة، و كأنها تعيد الموضوع جديا في رأسها، كم يرغب بالاقتراب منها و تقديم اعتذاره، بأنه كان سافلا و ان تغيير هويته من عادة عمله اللعين، لسيما وقد التقت طريقيهما وهو في مهمة سرية وفي غاية الخطورة ايضا.
عندما قررت الفتيات انهاء سهرتهن و التحاق كل منهن الى غرفتها، كان بإنتظار ناومي عندما دخلت غرفتها، تعرفت عليه ما ان انتصب أمامها، قبل أن تبدي أي رد فعل وضع يده على فمها كي يمنعها من الصراخ، كانت عيناها متسعتين الى آخرهما:
" اهدئي..." مفاجأة الناس بهذه الطريقة صار جزءًا تقريبًا من مركباته الجينية:" ناومي الجميلة... أنا هنا لنتكلم... "
الاشارات التي يرسلها جسدها كفيلة بأن تحذره بأنها لا تنوي منحه فرصة الكلام، كانت متصلبة، ترتجف من الرعب و القلق، لم يترك فمها الى بعد أن شعر بها تستعيد هدوئها رويدا، صدمتها انقضت شيئا فشيئا، سحب اصابعه عن شفاهها، كانت تتطلع اليه بمزيج من المشاعر التي يصعب عليه تحليلها:
" هذه الجزيرة التعسة... أقسم الا أعود اليها مجددا..."
ضربته على كتفه لكنه لم يتحرك من أمامها، عاد نفس الاحساس للاشتعال بينهما مجددا، الأشهر لم تغير شيئا مما يدفع أحدهما للأخر، وضع يده على خدها المشتعل، تركته يفعل:
" اسمي خافيير ميندوزا... كنت في مهمة ذلك اليوم و لم اتمكن من منحك اسمي الحقيقي..."
" بحتث عنك في كل مكان..." وشوشت بخيبة:" كنت في مهمة لروكو ايمليانو؟؟"
" كنت أعمل لدى شخص غيره... اقامتي في الجزيرة ليست بالطويلة..." كان ملمس بشرتها ناعم جدا تحت أصابعه:" لم أنساك ناومي.... أبدا"
كانت مترددة بين تصديقه أو رميه من الشرفة بالتأكيد، نظراتها الفريدة من نوعها تنظران اليه بحذر، بدت حقا ممزقة بين خيارين و يبدو انها قررت عدم تصديقه في النهاية:
" من الأفضل أن ترحل من هنا..." جاء صوتها أقل ثقة:" لم تعد تبريراتك مهمة..."
"ناومي.."
" أرجوك لا تلمسني..." قالت وهي تبتعد الى الخلف:" هناك شيء غريب يحذث بيننا و لا يمكنني شرحه بالكلمات... أظن أنني أفضلك خارج محيطي بالنهاية!"
صراحتها كالأطفال و هذا بالضبط ما أعجبه فيها منذ البداية، ناومي صاحبة مزاج رائع للغاية، ميالة للضحك و الفكاهة، صفتين يعشقهما في امرأة، انه سافل و لا يستحق مطلقا تنازلها، لكنه لا ينوي ترك الفرصة الأخيرة التي تمنحها له الحياة... لما صقلية؟ في بيت روكو ايميليانو؟!... هذه المرأة هي من يحلم حقا الاستيقاض بجانبها كل صباح... فهل سيكون من الجرأة بالا تخذله مشاعره مجددا و يقوم بالهرب من محيطها؟
" اذهب أنخيل... أقصد... خافيير أو مهما كان إسمك..."
كانت متوثرة، حساسة لوجوده، قام بالنظر إليها بعناية و تعرف على الضباب في عينيها... الرطوبة... الرغبة... تريده بقدر ما يريدها... كما أرادها في سان فرانسيسكو.
" راقبتك لساعات على طاولة ذلك المطعم في fisherman's wharf كنت ترتدين فستان أزرق... تخفين كل النساء من حولك..."
" لما لم تأتي؟؟" سألته بغصة اتهامية.
"أصبت بالذعر..." أعترف ببساطة" الأمر كان.. شديد الكثافة و العمق...لم أكن مهيئا له"
كانت تتطلع اليه بينما فمها الجميل يتوقف في O كبيرة، تحاول استعاب هذا السر الذي لم يفقه له شخصيا سوى بعد شهر من التعذيب النفسي، لم يكن صعبا ايجادها، ناومي الفاثنة هي سيدة أعمال ناجحة، ابنة نيويورك عن جذارة، مهندسة ديكور ووالدها يتشرح ليصبح سياسيا، كان من السهل التواصل، من الصعب تقبل ما سيعقب، عيش الرفض و ربما السخرية، لقد أذلها، تركها خلفه بينما انتظرته لساعات حتى منتصف الليل، مسح على شعرها الأشقر الناعم، انزلقت نظراته على ملامحها الجميلة لتتوقف عند هذه الشفاه التي تذوقها بشراهة فيما مضى:
" أريد تقبيلك..."
" كي ترحل بعدها؟..." سألته بلكنة حادة:" مثل لص... مثل متخفي هارب من العداله...مثل ..."
لم يتركها تتمم كلامها،أمسك فكها بقوة بأصابعه و دفع رأسها للوراء قبل أن يحصل على ما تنوي منعه منه، انها تترثر كثيرا عندما تكون عصبيىة، شعر باندفاع الحرارة في رأسه بينما يلتقي بشفاهها الممتلئة،
الصمت الذي ساد في كل مكان جعله يشعر وكأنه خرج من الواقع، هذا بالضبط ما شعره في المرة الأولى التي قبّلها فيها، الغرق في المجهول جعله يفر دون الرؤية خلفه، توقفت مقاومتها، سمعها تتنهذ ثم بذراعيها تلفان عنقه، خفف من قبضته على فكها، ان استمر بالضغط فستسيقظ غدا بعلامات زرقاء مريعة، وهو لا ينوي افساد جمالها، انزلقت أصابعه في شعرها و حرر الدبابيس الواحدة تلو الأخرى ، وسرعان ما تجمعت كتلة شعرها الأشقر على كتفيها... تماما كما يحب...مرة أخرى ، أغمض عينيه ، غير قادر على التفكير..ناومي تشل عقله و هذا يرعبه... ثم عاد اليه نفس الاحساس بعدم الأمان... انه غير مستعد... انه في مهمة في صقلية و ليس ليقع مجددا تحت سحر ناومي... هذه المرأة تثلف كيانه اللعين.
قطع قبلتهما مرغما، يكرهسيطرتها عليه... لم يكن قد توهم في الماضي... ناومي تسيطر حقا على عواطفه.
" ستهرب مرة ثانية؟؟" سألته بصوت مرتجف من العاطفة بينما تبدو في محنة بالغة لالتقاط أنفاسها، تماما مثله هو:" ستظهر بعد أربعة أشهر في مكان عام كي تخبرني بأن اسمك ليس خافير انما لا أعرف أي كذبة أخرى؟؟" لم يجبها، لا يملك الكلمات، أغرته فكرة الاختفاء للسيطرة مجددا على نفسه، هذه المرأة خطر عليه، آلف على الا يستهين ابدا بحدسه:" أيها السافل..."
تمكن من حماية رأسه من الحذاء العالي الكعبين الذي ارتطم بعنف على الجدار خلفه، رباه... انها خارج السيطرة، كانت عينيها تلمعان من الغضب الأسود، كانت تحاول مقاومة دموعها بلا جدوى، لقد نجح بجرحها للمرة الثانية:
" ارحل من هنا ولا تعود... لا أرغب برؤية وجهك مرة أخرى"
لا يمكنها أن تفهم، لأنه نفسه لا يفهم الاضطراب النفسي و العاطفي الذي تتسبب له في كل لقاء، منحها ظهره و خرج من الغرفه كي يبتلعه الظلام مجددا... نفس الظلام الحالك الذي عاش فيه منذ التاسعة من عمره.
* * *
كما توقع خوسيه، آيا لم تتحرك من مكانها أو حتى تغير وضعيتها، كانت تنام بعمق شديد، الحرير الأسود لقميص نومها عزز لمعانه منحنيات الجسد بشكل فاضح، كان قد أعاد الغطاء اليها كي لا تقهره أي رغبة مجددا، حواره مع دانيلا يمنعه من النوم، ليس بمزاج ليتحمل أهوائه الجسدية ، الحقيقة أنه مرتعب من فكرة البقاء بمفرده في غرفة نومه، يعرف بأنها ستأتي أيضا الليلة، بعد أن توقفت من زيارته مؤخرا، سوف تأتي لتحاسبه مشاعرها، نهايتها المأساوية، منذ أن اصبح أبا تركته و شأنه، لكن ايقاض دانيلا لهذه الأشباح... دانيلا لم تواجهه سوى بالحقيقة.
هل حقا أحب اليونور كما يجب؟؟ أم أن غروره فحسب ما دفعه للبقاء كي لا يترك أدنى فرصة لألفونسو؟ عندما نحب لا نخون... ملاحظة دانيلا صائبة، كان يعاني مع الوفاء، حاول أن يكون طبيعيا، حاول ان يحتفظ بواحدة فقط، لكن شراهته منعته في كل مرّة، كانت مغامرات سخيفة أمام ما شعره حقا نحو اليونور، تقول دانيلا بأنه لم يحبها، لكنه متأكد من مشاعره آنذاك، لقد أحبها حقا... ربما بطريقته... ربما بطريقته البائسة، أحبها و قرر قطع صلته بسفالته و الزواج بها، لكن المادو رفض قطعا أن يهجر خيتانا، ثم انقلبت حبيبته عليه، بعد ستة اشهر من الزواج انتحرت، اكتشف في مذكراتها بانها كانت تحمل طفلا قبل موتها، بأن هذا الطفل لم يكن من أحد غيره هو... ثم انقلبت حياته الى جحيم... لم يكن رجلا كفاية ليحميها و يحمي ذلك الطفل الذي لم يقدر له أن يعيش...
عاد ليحط عيناه على الجمال النائم، ثم يبعد اهتمامه عنها متفاديا التفكير في الموضوع، دخول آيا حياته كان حصريا، لم يقرر يوما الحصول على طفل، كان قد حزم أمره بجعل دانيلا وريثته الوحيدة، كان ينتظر أن يزوره المرض و ينتشر فيه الى أن يرحل اليها... ان يجتمع بها وينهي حرب خاسر مع ضمير معذب طال أمدها.
انتشرت نظراته في الجناح الذي لم تغير فيه شيئا سوى الصور المؤطرة لها و للتوأمين على طاولة الشوفيه، وضعها في هذا المكان البعيد كليا عن مكان اقامته الخاص، ظن بأنه سينساها الى أن يحين موعد الولادة، آيا ليست شفافة كي يتم نسيانها بهذه السهولة، عاد ليلتقط مذكراتها و يقلب أوراقها دون ان يفهم كلمة واحدة، يجهل لما يفضل بعض الناس عرض حياتهم على الاوراق... هو شخصيا ضد هذه المزاولة التي يراها سخيفة.. اليونور ايضا فعلت الشيء نفسه... كتابة المذكرات كانت هوايتها المفضلة، او ربما... متنفسها الوحيد.
أقطب.. متنفس... لم يرى الامر بهذه الطريقة.
اعاد المذكرات لمكانها قبل أن يبدأ بالبحث عما يجهله في كل اركان الجناح، يرغب ان تترك اثرها هنا و ليس في ذلك البيت الذي سمحت له بدخوله مرة واحدة، لا شيء شخصي في هذا المكان، و كأنها تؤكد عدم بقائها...
الى جانب خزانة الملابس هناك باب لا يراه مفتوحا أبدا كلما أتى الى هذا الجناح، أمسك بالمقبض و حركه ببعض الصرامة و لكنه رفض الاستسلام، كان مغلقا بالمفتاح، مالذي تخفيه آيا هنا؟؟
القى نظرة حيرة عليها، عادت لترمي بالأغطية جانبا، ربما تشعر بالحر، عادت تمنحه رؤية مثيرة للغاية لجسد تحول كثيرا و تغير خلال الاشهر الأخيرة، ابتعد عنها مجددا بإهتمامه و بدأ برحلة البحث عن المفتاح، الجوارير و حتى حقيبة يدها حيث مفاتيح بيتها، انتهى به الأمر للطلب نسخة من الخدم، لم يتبقى سوى ساعات على طلوع الفجر، لكنه أناني جدا ليترك الناس تهنئ بنومها بينما هو عاجز عن ايجاد السلام الداخلي... كما ان زوجته تغلق بابا بالمفتاح و سيقتله الفضول ان لم يكتشف ما يوجد خلف هذا الباب.
عندما تمكن أخيرا من فتح الباب بفضل النسخة التي أتت بها الخادمة، استغرق الأمر بضع ثوانٍ ليفهم ما كان أمامه.. هناك مكتب عليه كمبيوتر مفتوح وجبال من الأوراق، على الحائط ، عرضت لوحة ضخمة قوائم والعديد من الجداول، انحنى على كتاب ضخم وفتحه ليتبين له بأنه كاتالوج لعينات نسيج مختلفة، البوم صور للعديد من السجاجيد التركية، بقي متصلبا أمام هذا الاكتشاف الذي الجم حقا لسانه، عاد يمر بعينيه مجددا على القوام و الجداول و العينات الملتصقة في الحائط، أرقام الهواتف، شعار ضخم لعلامة تجارية تحمل اسم {Oriental Ozlam-almado Carpets and Textiles}.
التقديم بالاسبانية، آيا تقوم بالترجمة للتعريف عن نشاط الشركة، أمسك بالورقة بين يديه و بدأ بالقراءة بصمت:
{ لطالما كان للسجاد الشرقي مكان مركزي في العديد من التصميمات الداخلية ، ويشتهر السجاد التركي بأنه الأجمل. هذا السجاد الفريد ذات الأنماط الرائعة قد سحر الناس منذ فترة طويلة ومن السهل فهم السبب. مع هذه الاختلافات التي لا نهاية لها والحرفية الرائعة التي تتمتع بها ، فإن هذه السجادات لافتة للنظر داخل منازلكم... }
أعاد الورقة مكانها ليلتقط أخرى تجسد سجاد بألوان مرحة:
{ صناعة السجاد الحرفي: نسج ، تلميم ، حياكة... رحلة مع نساء قبيلتي من غزل الصوف حتى وضعها على أرضية صالوناتنا المحبوبة..}
أعاد الورقة الى الملف الذي يضم شبيهاتها في شرح دقيق للحرف اليدوية لنساء قبيلة تركية، انه مشدوه، و مصدوم لدرجة لا يعرف كي يعلق على ما هو أمامه... يفهم لما تختفي النقود التي يضعها في حسابها بنفس السرعة التي يحطها فيها، آيا تقوم بالاستثمار، لقد أنشأت شركتها الخاصة و اطلقت عليها اسم 'سجاد ومنسوجات اوزالمادو الشرقي'... فعلت كل هذا بنقوده؟!
لقد مر وقت طويل منذ أن كان عاجزًا عن الكلام، و بقي هكذا... متحجرا لمدة دقيقة طويلة... أولاً لأنه عاجز عن التصديق،و ثانيا، لأنه يتسال اين وجدت الوقت بين حملها بتوأمين و دراستها بشراء بيت و تأسيس مشروع جيد ؟لا يصدق أنها أسست شركتها الخاصة دون اعلامه أو حتى أخد بضع نصائح منه...لقد تمكنت من انجاب طفليها، فتح شركتها شراء بيتها في بلد أجنبي غريب عنها و في أشهر قليلة للغاية..
لمح عنوان الكتروني، أدخله على الفور في محرك البحث ليسقط في موقع مبيعات خاص بنفس الاسم، الاثمنة ليست رخيصة بالعكس، تتأرجح ما بين عشرة ألف حتى خمسة عشر ألف، الصنع محلي و يدوي و الصبغات مستخرجة من نباتات محلية، سجاد عضوي، رباه انها المرة الاولى في حياته يسمع بهذا النوع من المنتوجات، آيا أتت بفكرة جديدة و مختلفة للغاية، لا يبدو انها تستفيذ لوحدها من هذا النجاح، بفضلها تعمل نساء قبيلتها في تركيا... رباه... لقد تزوج امرأة استثنائية و قوية للغاية جعلت من مصروفها الشهري ثروة حقيقية... أنشأت شركتها للترويج لمنتوج سكان قبيلتها في جميع أنحاء أروبا.
أغلق هاتفه، شعور بالاختناق يتملكه، انها تكبر... تتوسع...تبتعد... لن تحتاجه مستقبلا، انها سيدة أعمال حقيقية، يمكنها تكلم سبع لغات، انجاب طفلين و شراء منزل و تأسيس شركة و البحث عن الاستقلالية لأن حياتها بدونه هي طموحها اللعين.... هذه العجلة في الانفجار في عنان السماء مثل المفرقعات النارية لا يعجبه بالمرة، آيا ستنفلث من بين يديه... انها ذكية جدا كي تبقى مع رجل بائس مثله.
انها صغيرة، يمكنها أن تجد رجلا في سنها، تعيش معه قصة الحب الحالمة التي رغبت بها منذ البداية مع اليخاندرو، انها ذكية كفاية كي تخرجه من حياتها بأقل أضرار ممكنة و لما لا الحصول الكلي على حضانة الطفلين؟؟ هذين التوامين الذين تتنفس من خلالهما... وضعت اسميهما كعنوان شركتها الصغيرة التي ستنفجر أسهمها بعد سنوات قليلة؟؟...سجاد عضوي... يالها من فكرة جهنمية....مالذي يمكنه أن يفعله كي يمنع نجاحها؟؟ انها لامعة.. لامعة لدرجة أنها تعمي بصيرته.
التقط صور لكل مستجداتها التي كانت تعمل عليها ربما في صباح اليوم نفسه قبل أن تمرض، انتبه الى أن أصابعه ترتجف، توقف أمام لائحة مصاريف الأشهر الاخيرة، العاملين على تطوير الموقع في تركيا، الساهرين على الطلبيات من بلدان عُملتهم المصرفية أدنى من اليورو مما يساعد في كسب أرباح أعلى، عبقريتها تذهله، هل تدرس حقا اللغات و تجهز الدكتوراه فيها أم أنها في جامعة الأعمال؟؟ من هي هذه الفتاة بحق الجحيم؟؟
أغلق الباب خلفه ببعض الحدة، كانت عيناه مثل الجمر، ينظر اليها مسترخية في سريرها، تشبه الحمل الوديع بينما تخطط وراء ظهره للنجاح و الطيران بعيدا عن العش الذي ينوي جعله أبديا لها، لكن لما تفعل هذا؟؟ لما هي عاجزة عن رؤيته بشكل مختلف عن الوحش المريع الذي تصر على الاحتفاظ به نصب عينيها؟؟ لما هي عاجزة عن حبه كما أحبت اليخاندرو؟
ان كانت تظن بأنها ستتمكن من رميه من حياتها بهذه البساطة و قد استثمرت أمواله... ان كانت تظن بأنه مجرد جسر للنجاح.
{ أموالها و ليست أموالك... استحقت كل قرش... }
استوقفه ضميره، لكنه كان يغلي ليستمع لصوت العقل، لم يعد قادرا على تحمل بقائه معها في نفس المكان، ان لم يخرج من هنا فسيرتكب حماقة بالتأكيد... لا يحق لها النجاح من دونه... لا يحق لها النجاح بينما أتى بها من المستنقع و حدد لها دورها الذي يفترض بها الالتزام به لا شيء آخر... سيقص جناحيها، لا ينوي تركها تطير بعيدا عنه.
* ******




أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 02-10-20, 05:43 PM   #3289

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الخامس عشر


المشي في الشهر الأخير مفيد لتسريع الولادة، صيادو الجزيرة رحبوا بها، من لا يعرف هنا بأنها زوجة سيد المكان؟؟ تعيش عينة ضئيلة من الناس، تحب أخد العبّار من فينة لأخرى الى الجزيرة القريبة لأنها أكبر و بها أيضا الكثير من المحلات التجارية، نيوس احترم استقلاليتها، يمكنها العيش بدون حرّاس، هذا يذكرها فحسب بماضيها مع الأمير الأسود و الذي لم يعد أسودا في النهاية، بدأت تراه بألوان مختلفة في الجرائد، انه يعيش الحب الكبير مع الجميلة فلورانس... وهي سعيدة من أجلهما.
فقط لو تتغير الأحوال مع الرجل الذي فقدت ثقتها فيه و تعيش الهناء أخيرا، تتمنى من قلبها أن تقع مجددا في حبه بنفس الشغف، أم أنها عادتها المريبة؟؟ حذث معها الشيء ذاته مع داركو، ما ان شعرت بالخطر حتى تحول حبها اليه الى لا شيء... لم تستعد مطلقا مشاعرها نحوه، فهل نفس المصير سيصيب قلبها هذه المرة أيضا..؟؟ الا تحب نيوس و تبقى معه من أجل الطفلين فقط؟؟
و كأنه يعرف بأنه يستحوذ على تفكيرها، رأته يتصل بينما تأخد العبّارة:
" هل انت في طريقك الى موعدك؟؟؟" سألها بلهفة.
" أنا كذلك..."
" ارسلي لي الصور على هاتفي..."
ابتسمت مرغمة:
" لقد كبرت بشدة و لن تكون الصور بنفس الطريقة... انها آخر جلسة فحص... "
" أعرف حبيبتي..." يبدو حقا عصبيا للغاية:" أريد العودة الى البيت..."
" الم تتحسن الأمور بعد؟؟"
" انها أفضل من أمس، سأترك مساعدتي و أعود ديامانتي، لا يمكنني البقاء بعيدا عنك و أنت في حالتك الحساسة..." سمعته يلتقط نفسا عميقا:" أريد أن أخبرك شيا..."
الصقت أكثر الهاتف بأذنها، العبارة تحذث ضجيجا طفيفا، بإمكانها استعمال مركبها الخاص لكن الاختلاط بالناس من فينة لأخرى مفيد لها.
" ما الأمر؟؟"
" ربما ليس الوقت المناسب... لكن أصر أن أخبرك بأنني طالما كنت سعيد معك و طالما أحببتك بشدة، هذا الجمود بيننا يؤلمني، أريد أن ننسى كل شيء و أن نعيش سعيدين مع أطفالنا..."
بقيت صامتة، هل كان يقرأ في أفكارها؟؟ هل شعر بأنها لا تحب لمساته مثل البداية؟؟؟ بأن ليس الحمل وحده ما دفعها لإستعمال سرير آخر؟؟" الوضع يحزنني... أنا آسف لكل الأدى الذي تسببت به لك..."
لما يقول لها كل هذا بحق الله؟؟ مالذي يحذث؟؟
" سبق و تكلمنا بالموضوع..." قالت بصوت مرح تحاول كبث دموعها:" سيكون كل شيء على مايرام... فقط أنهي ما عليك و عد الى البيت، آريوس يشتاق بشدة اليك... ما ان تدخل مشاريعك للبورصة حتى تأخد أسرتنا مسار جديد..."
" أنا أعمل جاهذا لتحقيق ذلك زوجتي الحبيبة... أريدك أن تهتمي جيدا بنفسك و بآريوس، أخبريه أن والده يحبه بشدة، و بأنه سيفعل المستحيل للعودة سريعا الى البيت... لا تنجبي قبل عودتي..."
و كأن الأمر بيدها:
" سأنتظرك..."
في سبيل السعادة الزوجية يلزم بعض الكذب... بتعبير آخر... لم تكن لتستمر في هذه التمثيلية في ظروف أخرى، وعدت نفسها أمس أن تضع جانبا خيبتها و ان تتعلم مسامحته و الثقة به مجددا وستفعل.
الأمور طبيعية للغاية، الطبيبة رأت معها التفاصل الأخيرة، كانت هناك مشكلة في الدم لكن الفيتامينات الأخيرة أصلحت الموضوع، يمكنها الحصول على التخدير النصفي ان رغبت بذلك خلال الولادة فلا خطر نزيف على مايبدو، بعد ولادتها الصعبة الأولى تفضل أن تنظم كل تفصيل يتعلق بهذه الولادة.
انه آخر يوم في السنة، الطبيبة اخدتها استثنائيا لأن نيوس دفع لها ثروة، الجميع مشغول بتجهيزاتهم، بالنسبة اليها هو يوم عادي ككل ايام الاسبوع، اختلطت بالناس، رغم بطنها الكبيرة الا انها تثير الاهتمام الذكوري مثل المعتاد، شعرها الاشقر لا يمر مرور الكرام، ربما هي ايطالية مئة بالمئة الا أنها لا تحمل المواصفات الشرقية مثل روبي، ضمت اليها حقيبتها و احنت رأسها متفادية هذا الهجوم الصامت، ربما نيوس محق في قلقه بتركها تحت حراسة أحد.
كان المرفأ أقل زحمة، بإنتظار العبّارة قصدت الصخور لتلقي نظرة على بحر ايجيه المضطرب مع الريح.
"انتبهي فالمنحذر وعر"
هذا التنبيه أعادها سنوات الى الوراء، في قبيلة الغجر، أدارت رأسها فورا نحو اللكنة العميقة، رمشت عدة مرّات لأنها لا تصدق ما تراه عينيها:
" فرانكو!!..."
" كيف حالك أيتها الأميرة؟؟"
مد حولها يده ليساعدها على ايجاد توازنها، المفاجأة جعلت ركبتيها خائرتين، وضعت يدها في راحته الكبيرة و أغلق أصابعه عليها، فورا شعرت بأنها في أمان، شعرت منذ بعض الوقت بأنها مراقبة لكنها كذبت نفسها، اختلاطها بالناس جعلها مجددا حساسة، ظنت أن نظرات الاعجاب الرجالية ما جعلتها عصبية وولد لديها هذا الاحساس.
انها المرّة الأولى منذ سنوات، منذ معرفتها به، منذ رؤيته للمرة الاولى في المستشفى بروما برفقة الأمير المصاب لم ترى هذا الرجل خارج اطار بدلة عمله المهيبة، من أمامها شاب وسيم جدا بقميص أبيض و جنز أسود و سترة كحلية، أبقت فمها مفتوحا من المفاجأة:
" لكن مالذي تفعله هنا؟؟"
" أتيت للاطمئنان عليك..."
" كما تفعل دائما و أبدا؟؟" سألته مبتسمة.
" أصبحت عادتي فإعذريني أميرتي... " عادت الى الارض الصلبة مجددا، اندفعت نظراتها اليه، كانت عيناه الزيتونية لا تترك وجهها لحظة واحدة:
" لا يمكنك ترك داركو و المجيئ هكذا..."
" أنت بحاجتي أكثر منه... أنت حامل.. نيوس ليوندياس بعيد... هذا يغضبني..."
هذه الكلمات أصابت قلبها مثل السهم، فرانكو يحمل الكثير من المودة نحوها، لكن ان يعتبر نفسه مسؤولا عليها...
" أعماله الخارجية في محنة... أنا من اصر عليه الرحيل، هو لا يهملني فرانكو... و أنت... لست مضطرا لحمايتي بعد... انفصلت عن داركو منذ سنوات... لا أحد دفع لك لحمايتي..."
تصلبت ملامحه قليلا، نظر ببعض الحذر حوله و كأنه يتأكد بأنها بخير والا خطر محدق بها:
" لا أفعل هذا لأن أحدهم يدفع لي... فوق طاقتي رؤيتك وحيدة في أسابيع حملك الأخيرة... نيوس ليونيداس كان عليه ترك محنه المادية جانبا... لا يحق له تركك تحت أي ظرف..."
" فرانكو..."
" اسمي ليس فرانكو..." اعترف.
أقطبت بعدم فهم:
" عفوا...؟؟"
" Miloslav Borislav ، أنا سبيري من أم روسية-أمريكية عملت لسنوات قبطان في الجيش الأمريكي. قوة دلتا... اعتزلت بعد أن فقدت زوجتي و ابنتي في احدى المهمات... الأمير فالكوني أنقد حياتي .... انه عائلتي الوحيدة " أمام ملامح وجهها المشدوهة تابع:" أنا مدين له... و أنا وفي له... الا فيما يتعلق بك أميرة ديامانتي... "
كان يتكلم بميكانيكية و كأنه حفظ عن ظهر قلب هذه الكلمات، شعرت ببعض التسلية لأنها رأتها ايضا في عينيه، يسليه أن يفاجئها بهذه الثرثرة التي لم تتعودها منه.
" هل يزعجك ان استمر بمناداتك فرانكو لان اسمك معقد للغاية"
" نعم يمكنك.."
انتبهت الى شبح ابتسامة في عينيه، انه أكثر انسان يمكنها الشعور بالأمان معه، لا تنوي السؤال عن معرفته بشأن سفر نيوس، أو حتى سؤاله عن كيفية انقاذ حياتها من الموت بينما يلقي بها موظف ديل ماريا في البحر، أو كيف تم انقادها من الموت محتم في صحراء تونس القاحلة، طالما كان ملاكها الحارس، لم يطلب يوما مقابلا.
" تنوي حمايتي الى أن يعود زوجي؟؟"
" هل تمانعين؟؟" سألها، بدى قلقا حقا من رفضها:" أعدك أن أكون سريا للغاية..."
رغما عنها شعرت بغصة مؤلمة في حلقها، ليست بحاجة لحارس، انها تملك دزينة و تهرب منهم بإستمرار، لكن أن يهجر فرانكو زوجها السابق لأن ولائه لها بلا حدود... مطلقا لم يحبها شخص الى هذه الدرجة.
" لا أحتاج حارسا..."
" لا يمكنني تركك.."
" أنت لست مسؤولا علي..." ذكرته بنبرة حزينة.
" هذا أقوى مني... " قال ببساطة" أؤكد لك بالا شيء يجبرني على ترك مكاني بجانب الرئيس و الطيران الى هنا... حمايتك لا جدال قيها"
هذه المرة لم تعد قادرة على كبث عاطفتها، لكن مالذي فعلته لتستحق كل هذا الولاء؟؟ حتى انها لم تكن لطيفة حقا معه، كانت تراه النسخة المظلمة للأمير فالكوني، بالرغم من أنه فعل كل ما بإستطاعته لحمايتها، حتى عندما أخد داركو منها ابنها، كان يتسلل ليلا ليبقى معها كي لا تفقد رشدها، يعدها بأن كل شيء سيكون على مايرام.
" ربما لا أحتاج حارسا..." بدأت بصوت لطيف:" لكنني بحاجة لصديق... هل تعلمت في سنوات خدمتك كقبطان للجيش أن تكون كذلك؟؟؟"
" سأتعلم..." لم يكن يبتسم، يتخذ المسألة بجدية و تحدي:" العبّارة قادمة... سأرافقك"
ضحكت بنعومة و هي تبقى مكانها
" مازلت تتصرف كحارس..." القت نظرة نحو العبارة و عادت تبتسم له ملئ فمها"ابدأ بالتفكير كصديق و ليس كموظف..."
عاد فكه ليتصلب قليلا، بدى عليه التفكير قبل أن يلقي نظرة على ساعة يده:
" هل يمكنني دعوتك للغذاء؟؟ الوقت يمر و أنت لم تتعذي بعد... هذا سيء للطفل" هذه المرة ابتسم لها تلك الابتسامة الناذرة للغاية:" هكذا يتصرف الاصدقاء...؟؟"
ضحكت من قلبها، لايبدو أنه يمزح، كان جادا بشكل مسلي للغاية:
" أنت فعلا تتعلم بسرعة"
المطعم الصغير في المرفأ كان عكس كل ما آلفته مع نيوس من فخامة، لكنه نظيف جدا و يقدم أطباق سمك شهية، بعيدة كل البعد عن تصديق ما يحذث لها في هذه اللحظة، تجلس في نفس المنضدة مع ذراع الأمير الأيمن، رجل كل المهمات الصعبة، عادت تغرق في ملامح وجهه أمامها، لائحة الطعام باليونانية فقط، يبدو بأنه لا يفهم كلمة:
" أستطيع الشرح.."
" أتكلم أربع لغات لكن ليس اليونانية بالتأكيد..."
هزت حاجبها وهي تلتقط منه لوح الطعام لتقوم بالترجمة، سمعته يتابع:" الانجليزية، الروسية، الايطالية ..."
توقف عن الكلام، هزت عينيها عن لاحة الطعام:
" و ماهي اللغة الرابعة...؟"
" الصقلية..."
ضحكت:
" أنت تغش..."ابتسم لها مرة ثانية خلال دقائق، و كانت ابتسامته رائعة جدا .:" أنت تبتسم فرانكو و دون أن أطلب منك أراك تحرز تقدما.."
لم يعلق على كلامها، كان متأهبا و ليس مسترخيا، مازال في جلدة الحارس الشخصي، قد لا تكفيها كل الاسئلة التي تتزاحم في رأسها، شيئا ما ربطهما و منذ مدة لا يحتاج تفسيرا، برئيه هي ما تزال تحت حمايته، و برئيها هو الانسان الوحيد الذي وقف معها في أعز أزماتها، نظرت اليه من خلال رموشها، كان يتفقد كل الطاولات الشبه الفارغة، لن يتأخر المكان بالامتلاء لحد الانفجار، فهذا وقت الغذاء و رغم برودة الطقس الا أن الناس تحب المطاعم البحرية.
عندما أخد النادل طلباتهما تمكنت من استعادة نظراته، عاد ليعبس، عادت شفاهه للكتزاز، عاد لهويته التي عرفته بها، حاولت دفعه للاسترخاء:
" كيف أقنعت داركو بالرحيل؟؟ هو الذي لا يمكنه العيش يوما واحدا من دونك..."
رأته يشبك اصابعه القوية أمامه على الطاولة:
" طلبت اجازة..."
" أنت؟؟" سألته وهي تستنذ براحتها على كف يدها:" منذ معرفتي بك لم تغادر كاستيلو دي فالكوني برهة واحدة..."
كانت نظراته زيتونية غامقة، حطها عليها بكل هدوء:
" لا أحب الاجازات... "
لأنها تسمح له بالتفكير فيما حذث لحياته؟؟هو المستعد للتضحية بحايته لإنقاذ الأمير، تذكرت حاذثة فلورانس الأخيرة، مدت يدها لتضعها على اصابعه المشتبكة:
" كيف هي اصابتك؟؟"
" أنا بخير... " أجاب وهو يسحب يده منها:" الجرح لم يكن عميقا مثل جرح 'دونا فلورانس'..."
لم تعني بحركتها شيء سوى لفتة تعاطف، استعادتها بدورها و هي تشعر بوجنتيها تشتعلان بحدة:
" أنا سعيدة لأنها لم تصاب بأدى..." قالت تحاول اخفاء ارتباكها:" داركو يحبها بشدة..."
" انهما سعيدين... نيكولاي وحش حقيقي لكنه بهار العائلة..." يبدو صادقا في سعادته بينما ينطق بإسم الصغير، تثبتها عيناه بجديته المعهودة:" لقد مر كليكما بأزمات عدّة، فهل تعيشين الهناء الذي سعيت له أميرتي؟؟ هل نيوس ليونيداس استحق كل التضحيات التي قمتي بها من أجله؟!"
شعرت بالدم ينسحب من وجهها، آخر ما تتمنى التكلم به هو تضحياتها الكثير التي بقيت بلا مقابل لوقت طويل، اليوم نيوس يحاول شراء غفرانها، وهي بالتأكيد تحاول... و ستحاول... على زواجها أن ينجح.
" لقد... أبعد الأمير عن رأسه و ركز على عائلته..." لامست بطنها، هذه الحركة لم تفت فرانكو:" نحن ننتظر طفلنا الثاني..."
بدت كلماتها مثيرة للشفقة،لم تطر فوق الطاولة لتسرد له حكاية من الخيال، هو الذي أنقذها من الموت عدة مرات يعرف تماما نوع المصاعب التي واجهتها، عندما عادت من تونس الى سردينيا كانت تنام بمسدس تحت مخدتها، تتنقل به عندما تشعر بأي ضجة أو تهديد، نعم لقد فعلت كل ما بإستطاعتها لتحافض على طفل الرجل الوحيد الذي خلق كل هذه الاضطرابات في حياتها، لم تحصل على أي مقابل، لم يساعدها عندما اتصلت به من صقلية بعد اعادة داركو لها بالقوة، حاولت ايجاد اعذار، وعندما وجدها هددها فقط بأخد ابنها مما تسبب مجددا بما سمح لطليقها بإستعادة مناجم عائلته من اليونيداس، ثم بعد الولادة لم يلين، بعد الزواج ازداد سوءا، ابتعادا، تغطرسا، موت سبيروس أظهر اسوء ما في نيوس... فهل من حقها التدمر بحق الجحيم؟ تعبت من مسامحة كل من يؤذيها... تعبت من طيبتها التي يظنها اغلبهم غباءا.
" انت تستحقين السعادة"
هذه الملاحظة الرقيقة من رجل قوي مثله دفعت الدموع الى عينيها:
" أنت أيضا... لم تعد بناء حياتك منذ موتهما... لست مضطرا لإنهاء حياتك في حماية الأخرين و كأنه عقاب... "إنسحبت رقته، بدى فجأة و كأنها ضربته بحجر وسط رأسه:" أنا آسفة... لا يحق لي..."
لم يرد عليها، لا تعرف ان تقبل اعتذارها على كلماتها السخيفة، ارتاحت بينما النادل يأتي بأطباق السمك المشوي و السلطات، رغم كل التغييرات في جو الطاولة التي تفتح حاليا الشهية الا ان نظراته لا تبتعد مطلقا عليها، قالت تحاول تغيير الموضوع:
" اتمنى ان تعجبك السلطة..."
"أنت عصبية..." لاحظ بهدوء بينما تملئ صحنها بالسلطة.
" كانت ملاحظتي غبية... " اعترفت بضجة نفسية:" كل منا يفعل ما يستطيع ليهرب من أشباحه... "
هز رأسه موافقا، رأته يأخد السمك المشوي في صحنه، يتخلص من الجلدة، من الأشواك، يعصر بعض الليمون على الهبر الأبيض، لدهشتها وضعه أمامها:
" أعرف بأنك تحبينه هكذا... تناولي طعامك أيتها الأميرة... تغذي جيدا من أجل الطفل"
هل يعرفها شخص أكثر منه؟؟ تسائلت وهي تغرس شوكتها في السمك وتضعه بين شفاهها، لم تعش فترة طويلة في بيت داركو، تفحصته وهي تمضغ بتمهل، بدأ بتكرير نفس العملية مع قطعة سمك أخرى، وضعها مجددا في صحنها، يبدو جديا في عمله، مهمتما بمعدتها هي أولا، ابتسمت لهذا الاهتمام الذي يلامسها مرغمة:
" آخر شخص فعل هذا معي كانت أمي...."
رأت شفاهه المزمومة تسترخي و ظهرت تكشيرة تشبه الابتسامة:
" لا بد أنها كانت امرأة رائعة..."
هزت رأسها بالايجاب:
" في النهاية... اكتشاف حقيقة انها لم تكن حقا أمي لم يغير شيئا من انها كانت أما رائعة..."
عاد ليملئ صحنها، لكن هل يظن بأنها ستتمكن من ابتلاع كل هذا؟؟
" الأب هو من يربي و ليس من يلد.."
هذا صحيح، كلامه صحيح، و هو بالتأكيد كان ليكون أبا راعا لو عاشت ابنته التي رحلت باكرا جدا،لا تنوي مجددا التطرق لهذا الموضوع الذي يزعجه، اختارت اكتشافه أكثر:
" اذن فقد كبرت في سبيريا؟؟"ابعدت صحنها عندما حاول وضع قطع سمك جديدة و قالت بجدية:" هذا كثير و لن أتمكن من ابتلاع كل شيء... عليك اطعام نفسك أنت أيضا،ان كنت تنوي حمايتي حتى عودة نيوس..."
استقبل اعتراضها برحابة صدر، لأول مرة في حياتها ترى فرانكو يفعل شيئا آخر غير الحراسة، بدأ بملئ كأسها بالمياه قبل أن يباشر بتناول طعامه، في النهاية... هو قادر على الأكل أيضا... و ليس مجرد آله.
" أبي و أمي كانا يديران حانة في بلدة صغيرة، في عمر العاشرة قررت أخدي معها الى ماديسون بعد أن ملت حياتها السبيرية..."
كيف كان فرانكو في عمر العاشرة؟؟ يمكنها أن تتخيله سلفا أشد ضخامة من صبيان في عمره.
" لم ترى والدك بعدها؟؟"
" لحق بنا بعد خمس سنوات من النزاعات النفسية و القضائية، كان يكره أمريكا لكنه اضطر لايجاد حل مريح مع والدتي... "
" هل مازالا على قيد الحياة؟"
" والدتي تعيش حاليا في هوستن ووالدي في روسيا، لقد أعاد كليهما بناء حياته مع الانسان الذي يناسبه.."
" تملك أشقاء آخرين؟؟"
" نصف أخت... تعيش في ويتشيتا بولاية كانساس..."
اذن فهو يملك عائلة، لما يقول بأن الأمير فالكوني هو عائلته الوحيدة؟؟ عموما علاقتهما صلبة للغاية، و ربما هناك أمور لن يفصح لها عنها بالرغم من فضولها المتآكل.
" التحقت بالجيش الأمريكي في عمر صغيرة؟؟"
" ما ان بلغت سن الرشد حتى هربت من حماية أمي الزائدة، والدي كان فخورا، لسيما و أنني حققت الانجازات تلوى الاخرى و أثقلت سترتي بالمداليات... "
ابتسمت للكنة الفخر في كلماته:
" تزوجت أيضا في نفس السن؟؟"
بلع ما في فمه قبل أن يمسح شفاهه بمحرمة و يعديها على الطاولة.
" أنا و لورين كنا عدوين في الاعدادية، حبيبن في الثانوية، تزوجنا فور تخرجنا..."
ابتسمت ديامانتي:
" لا بد أنها كانت مميزة جدا لتعجب و تتزوج بها"
بدى عليه التفكير قبل أن يعترف:
" كانت حامل... جوي جاءت بعد ستة أشهر من زواجنا... أبي صاحب مبدأ... اضطررنا للزواج، ربما كان خطأ في النهاية، بسبب خدمتي في الجيش لم أكن متوفرا أبد... وهي لم تكن سعيدة"
يمكنها أن تفهمه جيدا، شاب في الجيش، كل حياته أمامه، يجد نفسه مسؤولا عن أسرة بينما عمله خطر نوعا ما.
مرّت الوجبة في دردشة ناعمة، لا شك أن فرانكو بئر علم في كل المسائل، و رفيق مميز، مستواه الثقافي جيد للغاية، بالرغم من أنه غير ميال للدعابة لأنه يبقى جديا و مهنيا في أغلب الاحيان، لقد هجر داركو من أجلها، السبب تعلمه السماء، تجهل ما فعلته لهذا الرجل كي يقطع وعدا على نفسه بحمايتها حتى النهاية.
* * *
" كيف تشعرين اليوم؟؟؟"
ابتسمت آيا لزائرتها، أتت على ترك سريرها، مازالت تشعر بالتخاذل و الضعف و الهشاشة، الطبيب منع عنها الرضاعة بسبب المضادات الحيوية، التوأمين سينتقلان تلقائيا للحليب الاصطناعي مما يسبب لها الحزن، لقد اصيبت بالتهاب القصبة الهوائية و يمكنها معرفة السبب، في برد قارس عرت على صدرها في الحديقة لاطعام ابنيها.
" القليل من الحمى... أمرني الطبيب الا اقترب من التوأمين ليومين آخرين..."
" أعرف..." وشوشت لها الجميلة السمراء بتعاطف:" لا تقلقي سأهتم بهما جيدا..."
" أعرف... " لكن هناك سؤال يحرقها بشدة:" لم أرى خوسيه!... عادة يتنطط مثل القط بين غرفتي و غرفة التوأمين!"
ابتسمت دانيلا:
" نهاية السنة مقدسة لدى خوسيه و بقية أصدقائه... لقد رحل الى مونتي كارلو...الجميع يجتمع هناك كل سنة"
رغما عنها شعرت ببعض الخيبة التي بلعتها فورا كي تترك المرارة على لسانها.. مالذي آملته في النهاية؟ هذا بالضبط هو خوسيه الذي تزوجته، لا يفكر سوى في نفسه، و بالتأكيد لن يمضي ليلة مماثلة مع امرأة تستمر برفضه... من أخد معه الى هناك؟؟ جوليانا؟؟ أم إمرأة أخرى!؟... الغيرة آلمت قصباتها الهوائية المتضررة، لابد أن دانيلا انتبهت لشحوبها:
" هل أنت بخير؟"
" أحيانا يستعصى علي التنفس..." بررت، هناك شيء من الحقيقة، لكن ان تبقى طبيعية بينما تتآكلها نار مريعة امر مريب! عليها أن تتوقف عن الحلم... عن تمني المستحيل، لن ينظر اليها يوما بطبيعية، ستبقى فتاة المستنقع، و لسيما الأن... فتاة المستنقع بنذبات مريعة على بطنها.
" خدي وقتك في التنفس عزيزتي... يقول الطبيب بأنك ستعودين الى حالتك الطبيعية قريبا"
" المريب في كل هذا انني مضطرة لقطع الرضاعة الطبيعية.. انهما في شهرهما الأول فقط".
" لم تتعمدي المرض آيا... الأدوية قوية جدا و حالتك هشة، فكري فقط في صحتك، لا تقلقي فخوسيه يبحث سلفا عن مرضعة بديلة... "
مرضعة بديلة، ثم أم بديلة، لا تثق به مطلقا... ثقتها به مثل ثقتها بإبليس، مرضعة بديلة رباه...صحيح انها لم تتعمد المرض لكن الرضاعة ضمانتها للبقاء أكثر بجانب طفليها ريثما تأمن جيدا نفسها و تهجر خوسيه للابد قبل أن يهجرها هو... قبل أن يجد طريقة لتفقد كليا الحضانة و يستولي على كل حقوقها الشرعية.
عندما اعتذرت دانيلا و اخلت المكان بقيت مسمرّة مكانها و كأن صاعقة ضربتها، الكثير من الاحتمالات عادت لتعذب مخيلتها، المشكلة انها تجهل دوما ردود أفعال خوسيه، ثارة يكون آدميا، ثارة يكون غريب الأطوار، ثارة متناقضا و قليل الصبر و ثارة... يمسد ظهرها و يساعدها للتغلب على آلامها الجسدية، انها متزوجة من كوكتيل خوسيه و لا تعرف من ستواجه في كل لقاء... الأمر يستنزف طاقتها... تجهل ان كانت ستخرج سالمة من اللقاء أو سيتمكن من ضعفها.
" العاهر..." القت بالوسادة عرض الحائط
رحل الى مونتي كارلو... رحل مع امرأة هي متأكدة... من المستحيل أن يبقى من دون رفقة أنثوية، هو الذي أمضى الايام و الاسابيع الطويلة في القلعة، معها و مع التوأمين، و استعمل كل الاساليب المغوية في البداية لاستمالتها و امام رفضها استعمل أساليبه القذرة، في النهاية يستسلم فقط... مرضها لم يوقف خططه، لقد غادر دون أن يلقي نظرة أخيرة... لا شيء يغير خوسيه... لا التوأمين و لا هي... لكن من هي أصلا.؟؟ ثم هي قامت بقطع أي أمل بينهما فلما تشعر بالغيرة فقط لأن هناك امرأة ستكون معه الليلة و ربما كل الليالي القادمة؟
" ركزي فحسب على خططك اللعينة و انسي أمره أيتها البلهاء المثيرة للشفقة... " نبهت نفسها ببعض الحدة قبل أن تدفع بيدها تحت مرتبة سريرها و أخرجت مفتاحا..." تظنين أنك ستغيرينه؟؟ تعتقدين نفسك ساندريلا وهو الأمير؟..."
تحاملت على نفسها لتصل الى الغرفة التي جعلت منها مكتبها الخاص، كانت هشة وضعيفة لدرجة انها أمسكت بالحائط كي لا تقع، عندما عادت لتفتح عينيها و قد انقضى الدوار و جدت أن الدموع سبقت الى خديها، لا تعرف ان كانت دموع المرض، ام دموع الغضب من رجل لا تجد له موقعا تضعه فيه، رجاد شاذ عن القاعدة و لا يستحق ان تهدر وقتها الثمين في التحسر عيله، لسيما و قد قررت سلفا الا يكون شيئ بينهما بسبب تشوه جسدها... أكثر ما يهم الاسباني فيها.
لما اذن تشعر بالخذلان؟... لما آملت أن تكون النتيجة غير هذا؟؟ بأن يسارع فارس الاحلام ليتحقق من المخاوف التي تدفعها لرفض عرضه بتوثيق زواجهما و جعله حقيقيا؟؟ حتى انه لم يكرر عرضه... لم يحاول التقرب و فهم ما يجعلها مرتعبة و خائفة.
توقف عقلها عن العمل عندما وضعت المفتاح في الثقب و انفتح هذا الاخير حتى قبل المحاولة، أقطبت... الباب مفتوح.
" لا لا لا لا..."
اختفت آلامها الجسدية أمام فضاعة امكانية تسلل أحدهم الى حميميتها، من المستحيل أن تترك هذا الباب مفتوحا، تتعمد اغلاقه حتى وهي في الحمام، بحثت بعينيها و يديها عن ملفاتها و عن جداولها و حاسوبها، كل شيء في مكانه سوى كاتالوج الصوف ملقى على الأرض، انحنت عليه و التقطته بكلتا يديها كي تقلب في أوراقه الثقيلة و تعيده الى المكتب.
جلست على مقعدها اماما الحاسوب و أشعلته كي تتطلع على آخر المستجدات في قيد التنفيذ، كل هذا سيتدمر ان كانت شكوكها في محلها، بالأمس كانت مريضة للغاية، كانت فاقدة الوعي تقريبا بسبب الحمى، ربما نسيت الباب مفتوحا، و ربما احدى الخادمات تسللت لتنظيف المكان، لكن لا... شعور سيء للغاية يكبر في ذاخلها... خوسيه مريض بالفضول، مريض بها هي شخصيا... يفعل كل ما بإستطاعته ليطبق عليها سياسة القمع و التحقير كي يضمن بقائها مثل الخادمة بجانبه و بهذا يضمن السلطة الكلية على التوأمين... فهل استغل هشاشتها ليطلع عما تحاول اخفائه بكل قوة منذ أشهر؟؟ هذا المكان لم يعد آمنا لها... عليها التصرف و بسرعة، ان صدق تخمينها فعالمها سينهار قريبا.
عادت الى غرفتها تبحث عن محمولها، جلست على السرير و بحتث عن رقم الشخص الوحيد الذي تثق به في اسبانيا:
" كارلوس... هذه أنا آيا... نهاية سنة سعيدة"
وضعت يدها على صدرها، التكلم بطبيعية بينما كل كلمة تكلفها مجهوذا... كان لابد تبريد أعصابها و التفكير فورا في مخرج للمصيبة القادمة... ان كان خوسيه... ان كان هو فعلا من دخل مكتبها، فهي تعرف سلفا بأن الحرب قد بدأت.
" آيا... مرحبا عزيزتي، نهاية سنة سعيدة لك أيضا... سمعت بأنك مريضة"
" نزلة برد قاسية تسببت في تعفن قصباتي الهوائية..." شرحت له بصوت ضعيف:" اسمع كارلوس... أظن أنني في ورطة... أنا بحاجة دعمك... "
" كل ما تريدين..."
" هل يمكنك المجيئ الى القلعة؟؟"
" تعرفين ان خوسيه منعني من الاقتراب منك..."
أغمضت عينيها، كارلوس المتنفس الوحيد، الصديق الرائع الوحيد الذي ساعدها في دراستها عن بعد، خوسيه طرده بكل لباقة، هو الذي امضى طفولته في القلعة يجد نفسه مضطرا لقبول عرض مستخدم والده بالسكن بعيدا بجانب عمله كذريعة.
" لكن لم يمنعك من العودة الى القلعة..." قالت آيا" اسمع كارلوس... أنا حقا بحاجتك... تسلل الى جناحي أو قم بأي وسيلة للوصول الى هنا... أريدك أن تأخد كل أغراضي الى بيتي، اظن أن خوسيه اكتشف انشائي للشركة..."
صمت كارلوس، هو الذي طالما حذرها، هو نفسه من ساعدها بإجاد مرشد اعلاميات و أيضا من عرفها على محاسبها الحالي.
" سيقلب الارض دون أن يقعدها..."
" أنا مرتعبة..." اعترفت بغصة:" انوي أخد الحيطة و الحذر فلا شيء مؤكد بأنه فعليا أتى الى مكتبي و اكتشف سري..."
" اهدئي عزيزتي"
" كيف يمكنني الهدوء اخبرني؟" لم تعد قادرة على حبس دموعها" ذلك الرجل هو آفة حقيقية... لا يهمه عدد الضحيا التي تخلفها انانيته كل ما يهم هو الانجاز الاخير، انه يعشق التوأمين، سيحاربني حتى اخر قطرة دم، لقد كافحت كي اصنع مصدر مادي موثوق به كارلوس... انا اوفر أقل قرش كي انسحب من حياته بكرامة"
سمعته يتنهذ من الجهة الأخرى، ان كان شيا مميزا في كارلوس فهو يعرف كيف يكون مفيد، كما انه عملي للغاية و يملك افكار استثنائية لرجل اعمال مميز، تجهل لما اختار الشرطة العلمية بدل التجارة التي تراها مربحة للغاية.
" يلزمني زوجة مثلك..."ابتسمت من خلال دموعها، يكرر لها هذه الكلمات كلما رآها تتخطى العواقب و تنجح خططها." اسمعي... قومي بحشو اغراضك في الكراتين و سأنقلها لك بعد ساعة... هل الوقت كافيا بالنسبة اليك؟"
شعرت بالراحة تغمرها، بسبب صحتها الهشة لن يمكنها التكفل بالموضوع وحدها.
" أنا مدينة لك"
" اه نعم... انت مدينة لي بالكثير أيتها التركية الجميلة..."
" نصفي فقط هو التركي"
" لكنه الطاغي عزيزتي... أنت أكثر النساء تأثيرا التقيتهن في حياتي و لا احتاج للذكاء كي استنتج بأن هذا ما يجعل الرئيس متأهبا و يقضا فيما يخصك..."
" انه ولد افسده والداه انانية و يجهل قيمة الاشياء"
" انه رجل يدرك جيدا قوة المرأة التي منحته شرف الابوة أخيرا.... جهزي أغراضك كلها.. سأكون في القلعة خلال ساعة"
* * *
" أنظر الي أحترق... يستهويك منظري؟؟ اتدمر امامك كل يوم اكثر... كل يوم أكوام و أكوام مني تتكوم تحت قديمك لكنك لا تعير الأمر اهتماما... مالذي يجب أن أفعله أكثر مما أفعله؟ "
و مثل المعتاد هو لا يرد على استغاثاتها الى أن تصل به للحد الذي لا يتحمل صبره صوتها، يكتفي فحسب بهز عينيه الزرقاوين نحوها، يقمها و كأن بيده آلة التحكم عن بعد...فتضطر للصمت... لأن بقية الكلام تتجمد في حلقها، من أغرب عاداته، عندما يكون بمزاج كارثي، يغلق على نفسه في 'الغرفة المظلمة'، يمضي فيها ساعات في الصلاة و طلب الغفران قبل أن يعود للرجل الذي يتطلع اليها بهذه الطريقة التي تجمد الدم في شرايينها:
" أغلقي... هذا الفم الذي لا يخرج كلمة واحدة مفيدة" عاد الى المستنذات أمامه و تجاهلها كليا.
كي يراها يجب أن يعترف بأنها موجودة.. بأنها تحتل مكانة في روتينه... بأنها تحمل اسمه... الا انها شفافة أمامه... يمكنه أن يخترقها بجسده كما يخترق الهواء.
ما يجمعهما هو المكان الوحيد الذي يسارع فيه للحصول على وريث لكل هذه الامبراطورية التي يتراسها... خارج غرفة النوم... ينسى أن له زوجة، لأن وقته الحميمي الحقيقي يمضيه هناك... مع المرأة الأخرى.
" كذبت علي... لم تقم بالتخلص منها" اتهمته بحدة أكثر مما هو مسموح لها:" قمت فحسب بنقلها الى 'كابري'"
مرّت المرمدة الكرستالية على انش واحد من وجهها كي تنفجر عرض الحائط خلفها، بقيت متسمرة مكانها، قلبها نسي تماما الطريقة الصحيحة للخفقان، لا تعرف ان كانت ما تزال حية أم انه تمكن منها و أسقطها ميتة.
" لا ترفعي أبدا صوتك في وجهي .. "ثم وقف من مكانه... انغلق المكان من حولها كأنه قفص صغير، بدأت الحيطان بالتقارب بطريقة مهددة، الهواء نفذ تماما من رئتيها و من الغرفة:" تظنين بأنك تملكين أدنى قيمة... بأن لكلمتك أقل هبة؟؟"
اقترحت بتحدٍ:
"أنقذني من أوهامي اذن لقد حان الوقت لأن تكشف لي أخيرًا ما تتوقعه من زوجتك ... اذ من الواضح بأنك لا تريد ذلك على الإطلاق..."
" أريد من زوجتي أن تغلق فمها الكبير و أن تختفي من أمامي قبل أن أتسبب لها بإرتجاج قد يمنعها من التكلم لأشهر طويلة" لم تتمكن حتى من الابتعاد عندما تمكنت يده الكبيرة بسجن حلقها:"... و صدقيني... هذه الفكرة تغريني بشدة، أصبح الحاحك مزعجا لي... "
" لأنك عاجز عن حبي؟؟"
" لا أحب حسب الطلب... بيننا زواج تقليدي قبلت بشروطه كما قبلت عائلتك... أمنحيني أطفالا و سيحصل والدك على الدعم الذي وعدته به... سأمنحك حتى نهاية السنة... ان فشلتي في منحي صبيا... فستختفين من حياتي..."
" و ان منحتك ما تريد... هل ستخرجها من حياتنا؟؟"
لكنه لم يرد، ازدادت فحسب أصابعه على الضغط الى ان توقف دماغها على العمل، كي تنقذ نفسها من غضبه القت ما لديها بسرعة وهي تضع يدها على بطنها:
" أنا حامل... أرجوك توقف أنت تؤلمني..."
"أمي؟؟" عادت سابرينا فورا الى الواقع، كانت يدها ما تزال فوق بطنها، صوفي بصدد الوقوف على قدميها أمامها، الرؤية بدت لها خيالية و بعيدة عن الواقع أيضا، من الرائع رؤيتها منتصبة أمامها مثل قبل... لا تراها كذلك سوى في حصص الترويض، كانت تعتمد على عكاز واحد : " تبدين شاحبة... هل أنت بخير؟؟"
بالتأكيد هي بخير، الصبي الذي كان يحلم به يانيس هو من يدير حاليا امبراطوريته، و لم تربح أوكتافيا الحرب ضدها، في النهاية اختار العرّاب أن يبقى مع اسرته الشرعية...معها و مع ابنه ... هوسه بتلك الساقطة لم يكن كافيا لابعاده... جسديا فقط... فلم يتوقف عن حبها حتى النهاية.
" كنت شارذة التفكير..." شرحت وهي تدنو منها لتمسح على بشرة وجهها المخملية :" ارى بأنك تتجولين دون الكرسي!..."
أنيرت الابتسامة وجهها الجميلة، رغم مشاذتها العنيفة مع روكو هذا الصباح الا أن صوفي تكون أكثر انطلاقا عندما يغيب هذا الأخير عن القلعة.
" ما رأيك بي؟؟ "
" أنت مذهلة..."
" سأستعيد قريبا جميع قدراتي و آخد زمام أموري بيدي... صارت المشاحنات كثيرة جدا مع روكو... أظن بأنني بحاجة ماسة لمسافة... للطيران بعيدا و عيش استقلاليتي... "
شعرت ببعض التعاسة لهذا، مدت يدها لتبعد خصلات شعرها التي صارت طويلة الأن، تلامس أسفل رقبتها:
" تفكرين في هجره و تنسين أمري... لا يمكنني العيش من دونك!"
" لا يمكنك البقاء عبدة له لبقية عمرك أمي... سوف تأتين معي... أرى كيف يعاملك! انه لا يطيقك، شيء تغير منذ الحاذث، لاحظت أن التواطئ بينكما اختفى و تلمع عيناه كراهية كلما حطهما عليك... لما تتحملين اذلاله لك...!؟"
ربما لأنها تستحقه بكل بساطة... ان عرفت صوفي الحقيقة فلن تكلمها لما تبقى من عمرها...
" هذا البيت هو ذكرياتي... صوفي و من المستحيل ان انهي حياتي بعيدا عن هذه الجذران التي شهدت سنواتي الجميلة مع والدك..."
بان التعطف و الحب في عينيها، موضوع يانيس يجلب دوما الابتسامة لشفاه صوفي، اقتربت منها ووضعت رأسها على صدرها كما كانت تفعل دوما وهي طفلة صغيرة:
" أفتقده بشدة في حياتي..."
" اعرف يا طفلتي..." وشوشت لها سابرينا برقة وهي تمسح على شعرها بحنان.
" لما رحل و هجرنا أمي؟؟ لماذا؟؟لو كان حيا لأختلفت حياتنا ..."
تجهل ابنتها كليا من كان يانيس، برئيها روكو وحش؟؟ روكو حمل وديع، انه يتمتع بالمنطق، بالرأفة، بالرحمة، تمكن من حب امرأة و يعاملها و كأنها آخر نساء الأرض، يملك حساسية من الخيانة، من الخداع، صاحب وعد، كلمة، رجل المواقف النبيلة... نقيض والده بالتأكيد... يانيس كان لئيما لؤما لا معقول، لم يأخد أبنائه من شره شيئا وهي سعيدة جدا بأن جيناته الفاسدة لم تؤثر بهم.
" أنا بحاجة للاستقلالية أمي..." وشوت صوفي في صدرها:" بحاجة لعيش قصة حب، السهر، الرقص، بحاجة للاشياء البسيطة مثل شرب قهوة لعينة مع شاب بعمري في مقهى دون أن يرتمي علي واحد من رجال روكو و اعادتي بالقوة الى البيت... لم أعد صغيرة...عبئ اسم الايميليانو ثقيل جدا أمي... أنا مرهقة"
كما كان ثقيلا على كتفيها هي أيضا، وزن اسم يانيس ايميليانو جعلها تحت الضغط النفسي المستمر.. الزواج منه لم يكن اجازة مفتوحة، بل حكم بسجن مؤبد مع الأعمال الشاقة.
ظهرت مساعدتها الخاصة، بقيت على بعد تمنحهما بعض الحميمية، ابتعدت صوفي عنها فيما سألتها سابرينا بصوت عملي:
" ما الأمر لورا؟؟"
" دونا جورجينا كوستانسو هنا... تريد رؤيتك!"
جورجينا هنا؟؟ منذ أن منعها يانيس من وضع قدميها في القلعة لم تعد أبدا، حتى صوفي لم تخفي مفاجئتها، أطل الفضول الشديد من عينيها الزرقاوين.
" مالذي تريده والدة سيزار منك؟؟؟"
" لا أدري ابنتي. لما لا تذهبين الى غرفتك ريثما أعرف ما تريد؟؟"
لم تعترض كثيرا، رأتها تخطو خطواتها ببطئ شديد و شعرت بالفخر لكل جهوذها، كل مرة تثبت صوفي بأنها من الايميليانو و بأن الاستسلام لا يوجد في قائمتها.
وقفت جورجينا ما ان لمحتها، مثل المعتاد، فاثنة لحد مهوس في طاقم أبيض و كأنها عروس ستزف الليلة، شعرها الشديد الشقرة متموج حول وجهها الذي لم يفقد شيئا من شبابه، تعرف كيف تعتني بنفسها، تصل تضحياتها في سبيل ذلك الى أخد حمام ثلج كل صباح، خمس ساعات رياضة يوميا، انها امرأة مليئة بالنشاط.
" جورجينا..."
" سابرينا أنا آسفة لأنني لم أتصل بك قبل المجيئ... " قبلتها على وجنتها بينما يلفها عطرها :" هل يمكننا الكلام في مكان خاص؟؟ مكتب مثلا؟؟"
* * *
" الفرار من أي مناقشة مجدية ليس الحل و أنت تعرفين هذا جيدا.... "
تركت فيرنا ما بين يديها وعادت تواجه عمّتها التي قطعت كل هذه المسافة من صقلية لتعيد لها رشدها كما سبق و قالت في كلامها، على ما يبدو، الكل صار الداعم الأول لوالدتها، ان كانت قد وجدت فكرة السفر الى أفريقيا جيدة فيما ما مضى فهي الان تجدها فرصتها الوحيدة للفرار من سيطرة تلك المرأة، يكفي أن قلبها الأحمق محطم، عقلها لا ينفك من استعادة تلك الذكريات الشحيحة مع سانتو، رغما عن انفها مالت اليه ، كونه متزوجا لا يكفي لطمسه كليا من عقلها، انها بصدد ارتكاب نفس خطأ والدها المسكين... والدها لم يكن مسكينا... بل ضعيفا، ووالدتها... امرأة مناورة و قوية جدا و تصل دوما لما تريد.
" فليكن عمتي... أواجه بإستمرار مشاكلي و لا افر قطعا منها... "
هجرت الأواني التي كانت تقوم بترتيبها في الرفوف و مسحت يديها في مريولها ثم نزعته لتضعه في طاولة المطبخ، عمتها تتطلع اليها ببعض الحدة.
" بغض النظر عن كرهك للسيدة فكلامها منطقي... لا أنا و لا عمك نوافق على طريقة عيشك... "
" السيدة؟؟" رددت فيرنا متهكمة و هي تجلس على كرسي كي تريح ركبتها المرهقة من عمل النهار في الحقل:" لسنا في مطبخها الأنيق فدعي رسمياتك جانبا... ناديها فحسب بجورجينا"
بدانة عمتها لا تسمح لها أيضا بالبقاء واقفة، جلست على الكرسي القريب منها ووضعت ساعديها على الطاولة المصقولة.
" تريد أن تجعل منك شخصا ذو فائدة بدل دور ساندريلا الذي تصرين على ارتدائه لأخر يوم في حياتك..."
" أنا لست سيدة... أنا لقيطتها و لن تعترف بي يوما، لا أفهم لما تصر اليوم على العودة و كان شيئا لم يكن؟؟ عمتي... أنت تكبدت مشقة السفر للاشيء... يمكنها الاحتراق في الجحيم مع أموالها و صدقتها اللعينة... أفعل بحياتي ما أريد... لن أكون لعبة في يدها كما كان أبي... أبدا"
الغصة كسرت كلماتها الأخيرة، تجهل لما تم نسيانه و كأنه لم يكن، أعمامها بصف تلك المرأة التي أتعسته بشدة، لن تفلح في فهم العقول البشرية، مدت عمتها يدها لتلتقط يدها و تعصر عليها بحنو:
" فلانتينا... كوني عاقلة يا بنتي... السيدة لا ترغب سوى بسعادتك، ربما هي طريقتها في التكفير عن أخطاء الماضي... والدك لن يكون راضيا عن وضعك... تعملين بكد شديد و تهدرين جمالك و تتجاهلين اعاقتك التي قد تزداد سوءا ذات يوم بسبب هذه الاعمال الشاقة التي تفرضينها على نفسك... قد تكرهين نصائحها ... لكنها محقة للغاية في القلق بشأن سفرك لأفريقيا, هناك يوجد خطر الخطف و الاغتصاب و القتل... شابة حسناء مثلك لن تمر بدون أن يتم الانتباه اليها... قد تكون رحلتك الأولى و الأخيرة نحو الهلاك"
" كما كانت نهاية والدي؟؟"
اعترضت عمتها متنهذة:
" فلانتينا..."
أوقفتها فيرنا بعصبية:
" توقفي عن مناداتي بهذا الاسم أكون منونة..."
" انه الإسم على شهادة ميلادك..."
" أبي اختاره لأنه اسمها الثاني... لا أريد أي علاقة معها لما تبقون ايديكم على أذانكم و ترفضون فهم ما أقوله... يمكن أن تكون المهمة التي أنوي القيام بها خطرة نوعا ما... لكنني سعيدة للغاية بهذه التجربة و أتحمل مسؤولية ما سيعقب... على الأقل هذا خياري... ما أصاب أبي كان خيارها هي و رأيتم بأنفسكم نهاية حبه وولائه لتلك الشمطاء الشريرة... أخدت مني الشخص الوحيد الذي أحبني بصدق... أخدت مني أبي"
هذه المرة لم تعد قادرة على كبث تعاستها، انهمرت دموعها بشدة، دموع خيبتها في حياتها، في رجل ظنته بشكل ما يشبه والدها لكنه أخفى بأنه مرتبط و أيضا أب لطفلة رائعة، لم تعد تتحمل ارهاقها النفسي، و ترفض أن تكون لعبة لجورجينا، ليس الحب ما يحفزها، تلك المرأة تكون لها أهذاف ما عندما تهتم فجأة بأمر شخص ما.
فجأة شعرت بجسد يلتقطها من مكانها كي يضمها اليه بكل رفق و حنان، انها تعرف جيدا هذا الحضن، هو نفسه من أخرجها مرارا من كوابيسها ليلا و هي صغيرة بعد أن فقدت والدها، مسح على شعرها طويلا الى أن هدأت، هزت نحوه عيون متورمة شاكرة و سمعته يوجه الكلام الى شقيقته:
" هذا يكفي... جورجينا تأخرت ثمانية و عشرين سنة، أخبريها بأن فيرنا بالغة و ستفعل تماما كل ما يحلو لها و أنا سأساندها... و ان كانت تنوي قطع معونتها الشهرية فلا باس بذلك... سأعمل مرتين زيادة لأكفلها... اكتفينا من اوامرها... "
لم تجب عمتها، أبقت فحسب نظراتها على شقيقها لا تعرف بما تجيب، كل تضحيات عمها إيليو لها منذ سنوات، لم يتكفل فقط بأمرها هي بل بمارسيلو أيضا، لقد كان ابن زوجته من رجل آخر، تتذكر فيرنا طيبة تلك المرأة التي ماتت بسبب مشاكل في الرئة لم يتم السيطرة عليها، تكفل ايليو بإبنها، و عندما قرر الزواج للمرة الثانية لم تسر الأمور كما تمنى، الخطيبة لم تكن لطيفة معهما لذا قرر قطع خطوبتهما فورا و السهر عليهما... هي كانت كبيرة كفاية للاعتماد على نفسها، بسبب اعاقتها يرفض ايليو ابتعادها عن جناحه.
" لا تبكي عزيزتي أعدك الا تزعجك تلك المرأة مجددا"
* * *
" هل فكرتي جديا في عقوبة مطالبك جورجينا؟؟"
في حقبة بعيدة، مثلت جورجينا لها منافسة خطرة، يُشاع ان ثمة علاقة ربطتها بيانيس، ملكة جمال ايطاليا، في ذلك الوقت حامت حول أشد الرجال سلطة، لكن يانيس موهوب في الاغراء فقط و لا يتزوج عشيقاته، جورجينا تحتاج لإسم عريق كي يفكر جديا بها العرّاب، لذى ساعدها في مهنتها مقابل ليالي اغراء، لم تتمكن منه لدرجة انها لاحقته الى صقلية و أغرت دومينيكو كوستانسو الذي كان صديق يانيس المقرب كي تثير غيرته، ما حذث أنها تزوجته و لم تنجح خططها بشأن عشيقها السابق.
" لا مخرج آخر... روكو يملك الكثير من النفوذ..." قالت جورجينا بثقة و هي تزم شفاهها الجميلة.
" هذا صحيح... لكن تنسين أنه الصديق الروحي لسيزار..."
لا يبدو ان هذه الملاحظة راقتها، بدأت تلعب بالعقد الماسي الذي يزين رقبتها الخالية من اي تجعيدة، و كأن الزمن لم يمر على هذا الجسد.
" لسنا مضطرين لمنحه الكثير من التفاصيل..."
ابتسمت سبرينا و انحنت أكثر الى الأمام كي تتطلع الى عينيها الرماديتين:
" لسنا ماذا؟؟" اتسعت أكثر ابتسامتها على اسنانها البيضاء:" يكفي أن تضعي القليل من الشك..." وحددت لها الكمية باصابعها المشذبة بعناية :" القليل فقط... من الشك في عقل روكو... كي يكتشف أسوأ أسرارك جورجينا... ورث دهاء والده فلا تظني أنك الأذكى..."
رأت وجنتيها تفقدان القليل من لونهما، انها من الأقلية الشديدة التي تعرف بشأن مغامرتها القديمة مع البستاني الوسيم جدا و الذي سلبها رشدها فإرتكبت الحماقة التي يُصعب تصليحها، انتهى الموضوع بشكل سيء للغاية...
" وحده يملك السلطة ليمنعها من الابتعاد..."
" رجل شديد الملاحظة مثل روكو سيراك فيها فورا عزيزتي... انتما تشبهان بعضكما بشدة، ربما فلانتينا ورتث لون شعر والدها لكن وجهها مطابق لوجهك حتى في هذا العمر لا يمكننا تجاهل الشبه..." عادت سابرينا لتستوي في جلستها و تضع رجلا على رجل:" جدي حلا آخر لمنعها من الخروج عن الحدود الايطالية... سيكون هناك تسوية مناسبة افضل من حشر روكو... لأنه في نهاية المطاف... ان عرف روكو ان لك ابنة تنوين حمايتها... فسيعرف سيزار بأن له أختا... و الله وحده يعلم ما سيحذث بعدها..."
زمت شفاهها:
" و كأنني لا أعرف ما سيعقب... نصف شقيقات داركو لسن من دم سيليو... أنا و أنت فقط نعلم بهذا الشأن، ايستر لم تتحمل يوما زوجها و مغامراتها لم تكن من أجل الحب... ما حصل مع والد فلانتينا مختلف... وقعت حقا بحبه لكن دومنيكو رفض منحي الطلاق، هدد بحرماني من كل شيء حتى من أطفالي... كان على يانيس أن يقحم نفسه..."
" يانيس و دومينكو كانا أصدقاء منذ الطفولة... لا تظني بأنه سيتركك تشوهين سمعة صديقه..."
" تعرفين ما فعله زوجك بي..."
" الماضي وراء ظهورنا..."
" لقد جعلني أوقع على تنازل كامل لكل حقوقي الشرعية في حالة تركي زوجي و الهروب مع عشيقي..." أتممت جورجينا و كأنها لا تسمعها:" أدخل كل عائلتي للسجن و أنهى مستقبل شاب في مقتبل العمر وسد كل الأبواب في وجهه... تظن فالنتينا بأنني السبب، بأنني هجرتها و هجرت والدها عن قناعة..."
تتذكر غضب يانيس حينها، حتى الجبال لا تطيق لعنته، مسكينة جورجينا، في ذلك الوقت فقدت نصف وزنها، لا أحد يتمكن من تحمل عداء رجل مثله، سرعان من هجرت الطفلة لوالدها و عادت الى صقلية مدعية انها فقدت حملها و كل الأمور اتخذت وضعها الطبيعي... والد سيزار كان ضعيفا أمام سحر زوجته، لقد كان يعشقها بشدة، جورجينا رغبت برجل مسيطر مثل يانيس، رغم هذه الكراهية التي تتكلم بها عنه الا انها الوحيدة التي بكيت كثيرا على موته كما لم تبكي على موت زوجها.
" ستضيع مني ابنتي ... أرجوك كلمي روكو... حيكي أي قصة ممكنة لأقناعه فأنت تعرفينه أكثر من الجميع..."
" قصصي لم تعد كافية جورجينا فقد اكتشف أن صوفي ابنته و منذ ذلك الوقت و هو عاجز عن مسامحتي" بدت الخيبة على وجه زائرتها:" اسمعي... لما لا تلغي عقدها؟؟ ادفعي المال لمسؤول كبير كي يبطئ الاجراءات ريثما نجد حلا..."
" لا يمكنني فقد سبق و حاولت..."
" اذن استخدمي حارسا شخصيا لها حتى انهاء مهمتها... لا تملكين خيارا اخر... و ان كنت مصرة للغاية على حشر روكو في الموضوع فتأكدي بأن وثيقة ولادة ابنتك السرية ستصل اليه حتى قبل أن تخرجي من مكتبه... فكري جديا فيما أقول، لا تتعاملي معه ان كنت خائفة من أن يتم فضح ماضيك 'كارا'..."
* * *
اختيار مدينة العشاق لقضاء 31 ديسمبر وإنهاء العام بأناقة هو اختيار موفق بلا أدنى شك، كاتدرائية القديس مارك في الليل ، المطبخ الإيطالي العالي: ليلة رأس السنة في البندقية لا تنسى، و انطباعها السيء بلقائها بروكو ايميليانو انقضى تقريبا بفضل سحر ما يحيط بهم الليلة...الا صورة ميخايل... أو خافيير أو مهما كان اسمه... مازالت عواطفها في انفجار تام منذ أمس.
ايفا و جيمي اصرا على دافيد بالبقاء بالرغم من رغبته الشديد للاختفاء و الانفراد بنفسه، يبدو هو ايضا في حالة نفسية مزرية أكثر من حالتها شخصيا، لا تعرف ما يحذث بالضبط في رأسه الا انها بالتأكيد تتفهم كرهه لصقلية، هي ايضا انضمت للقائمة، لن تعود يوما الى هناك، تعرف أيضا أن حبيبته السابقة مع رجل آخر، و بأن علاقته باردة بزوج شقيقته التي اصرت عليه النزول عندها، خيارت دافيد دوما مميزة، و لأنه ايطالي فقد اختار لهم مطعما أنيقا بأطباق محلية استثنائية ليس بعيدا عن ساحة سانت مارك بحيث هناك ترثيبات لحفل سيدوم حتى الصباح.
أحبت الأطباق المحلية و لم تحب أبدا اكتضاض المدينة بالسياح الذين أتوا خصيصا لعيش أمسية لاستقبال السنة الجديدة، شعرت بيد دافيد على يدها، بدى و كأنه طرح عليها السؤال مرارا:
" لم يعجبك الأكل؟؟"
رأت النظرات المتواطئة بين ايفا و جيمي، تظنان حقا بأنها ستسقط في سرير دافيد فقط لأنه رقيق معها؟؟ سبق و أخبرتهما بأنها تثوق لعيش قصة حب، و لا تنوي عيش مغامرة جسدية مع فارس أحلام مراهقتها.
" انه لذيذ.."
عادت تحملق للاطباق الموضوعة بعناية على الطاولة،سمك التونة المبستر مع الأعشاب العطرية، Bacchala Mantecato و mantecato snapper على عصيدة من دقيق الذرة الأصفر والأسود،رافيولوني مع الاسكالوب وكريمة الكركند، فيليه تربوت مع البطاطا المقرمشة والزيتون تاجياشي مزين بالكوسا، ميرنغاتا مع صلصة التوت و ثاني قنينة شامبانيا شبه فارغة، كمية الكحول لم تنجح بفك أعصابها، بما انها ماتزال تفكر في خافيير فهذا يعني بأنها ليست ثملة كفاية.
" أريد الانضمام للساحة و الرقص على انغام D-Jحتى الصباح... أنا متحمسة..."
أشارت الى النادل، تريد شراب أقوى، هي بحاجة لما هو أقوى كي تنسى جنون الاربع و العشرين ساعة السابقة..." قنينة تاكيلا من فضلك..."أمام نظرات الجميع المتسلية و الفضولية:" انها ليلة مثالية... ليلة للرقص و الجنون..."
" تعجبك ايطاليا؟؟" سألها دافيد بنصف ابتسامة متهكمة.
" أكره ايطاليا... "
انفجر هذا الأخير في الضحك، دمه ليس ايطاليا بالكامل، فهو نصف ايطالي نصف انجليزي و نصف برازيلي، لكنه أمريكي بكل ما للكلمة من معنى.
ضحكته تدير رؤوس نسائية، لكنه موجوع متخبط في يأس يرفض تقاسمه مع أحد، ليست هذه نظرات دافيد المتألقة و الشقية، انه في حفرة وجع، تراه تائه النظرات و متألما، لكنه ممثل رائع، يمحي كل هذا بنفس السرعة التي تظهر فيها عليه.
" دافيد ريتشي... أنت تملك معجبات..." همست له و هي تشير الى طاولة غير بعيد.
" العكس ما سيفاجئني..."
انفجرت ايفا و جيمي في الضحك بينما علقت ناومي ساخرة:
" أنت حقا مغرور...ذات يوم ستجد من لا يؤثر بها جمالك الفاحش دافيد ريتشي"
لم يعلق، ابتسم لها ابتسامة لم تصل الى عينيه و التقط قنينة التاكيلا التي وصلت ليخدم الجميع، عيناه المميزتي الزرقة منطفئة الليلة... الفاثن عاد ليدفن سعادته مجددا في صقلية.
* * *
الإدمان لا يقتصر على المخدرات و غيرها، انها مزاولة سيئة تشمل البعض، وهي ادمنته، اصابعها ترفض الرد على رسائله، ربما هي محتاجة للوقت، لكن حاجتها الى دعمه ووجوده أكثر من اي وقت مضى، سيسيليا طارت الى الأندلس عند عائلتها كما تفعل كل نهاية سنة، لم يتبقى غيرها و غير آيا في القلعة، هذه الأخيرة ماتزال مريضة و لا تخرج من غرفتها، وهي من يسهر على التوأمين لأن المربية أيضا رحلت لتمضية نهاية السنة مع عائلتها.
خوسيه يتصل كل ساعة تقريبا، مزاجه جهنميا، لا يتوقف عن القاء الأوامر، انفجر في الغضب عندما أخبرته بأن المربية أخدت اجازتها، نسي تماما أنه نفسه من وقع على اجازتها، هذا التقلب المفاجئ في تصرفاته يتركها حائرة، فلتكن صادقة مع نفسها، ظنت ان عاداته ستتغير هذه السنة، لسيما بمجيئ التوأمين الذين غيرا حياته، لكنه هرب مثل لص دون تنبيه، لم تجرؤ بسؤال آيا... عموما هي ايضا بدت متفاجئة بغيابه، تعترف بأن ما يربط الاثنين يفوق قدرتها على الفهم و لا تنوي التورط في مشاكلهما، التوأمين هما نعمة من الله و قد غيرا حياتها، تتوق بشدة لتصبح عرابتهما و هذا لن يتحقق الان، يكفي ان تتطلع الى وجهيهما حتى تنسى تعاسة قصة والديها المريبة, و حنينها المؤذي لاليساندرو.
أخدت المادو بين ذراعيها، لكنه كان عصبيا هو الأخر، انه يعاني من غازات منذ رضاعة الصباح، لا يبدو أن الحليب الاصطناعي يليق به، مسدت برقة على بطنه:
" هكذا أفضل اليس كذلك؟"
كشر، و كانه ضد خلاصتها، لا فهو ليس بخير، التقطت هاتفها و بدأت تبحث عن طرق طبيعية للتخلص من غازات البطن عند الرضع، لكن البحث تلاشى ما ان ظهر اسم خوسيه مجددا، كم من مرة اتصل؟؟ الف مرة؟؟ لما رحل ان كان سيضل ملتصقا بهاتفه؟
" هل كل شيء على مايرام؟؟" سألها للمرة الألف.
" لما لا تركز فقط على سهرتك المقدسة خوسيه؟؟ أخبرتك بأن كل شيء بخير، ان احتجت للعون فسأتصل بالأرقام التي تركتها لي فلا تقلق..."
صمت قليلا يحاول الاقتناع بكلامها، ثم سألها :
" كيف حال آيا؟؟"
اذن فهذا ما يقلقه أكثر؟؟ لم يحاول السؤال عنها منذ رحيله... تجنب اسمها طيلة اتصالاته.
" عاودتها الحرارة و هي تعسة للغاية لأنه لا يُسمح لها بترك غرفتها و خصوصا الاقتراب من التوأمين..."
" هل عاد الطبيب لرؤيتها؟؟"
" لا..." اعترفت دانيلا:" قمت بحسب بالاتصال و قال بأنها مجبرة على اتباع العلاج ... خلال ثلاثة ايام ان استمرت الحرارة فهو مجبر على نقلها الى المستشفى..."
عاد ليصمت مجددا، كانت هناك جلبة من حوله، يمكنها تخيل موناكو في هذا التوقيت من السنة...
" اتصلي بالرقم الذي تركته لك كي تهتم المربية بالتوأمين لهذه الليلة و ابقي بجانب آيا أرجوك..."
لسبب لم تتمكن من تحديده ، جعلتها هذه الملاحظة الأخيرة غاضبة للغاية.
" لما لم تبقى أنت بحق الجحيم بما أنك قلق الى هذا الحد على حالتها؟؟"
" لأنني آخر شخص قد ترغب به بجانبها..." أجاب ببساطة.
عندما اغلق الخط بقيت مكانها، أشد الناس تناقضا التقتهم في حياتها هو وصيها، أو ابن عمها كما اكتشفت مؤخرا، عادت لبحثها تتقاتل لعدم الغوص في هذه القصة مجددا، حاجتها لاليساندرو تزداد حدة، انه مرتبط بالموضوع بشكل أو بآخر، التفكير في اليونور يقودها رأسا الى علاقتها مع الحبيب الذي اخرجته بجبن من حياتها... نفس الحبيب الذي أعاد قطتها الى البيت لأنها تشعر بالوحدة.
أعمت الدموع عينيها، هي ايضا تشعر بالوحدة و التعاسة و الضياع، قرارها في البحث عن الحقيقة كاملة يمنعها من اي مشاريع حاليا أو أي ارتباطات، ستخضع رحلة العودة الى الماضي، المتحري وصل الى قرية والدتها، حيث كبرت و ترعرت قبل انتقالها الى مدريد لملاقاة مصيرها، في ذلك المكان تم عزلها الى أن أنجبتها... و هناك ستجد الاجابة على كل تساؤلاتها اذا كان روكو المحق في قصته أو سابرينا.
وضعت المادو على ظهره وبدأت تمسد على بطنه تماما كما في الفيديو، هذه الحركات أراحته بشدة على ما يبدو، بدأت غازاته بالخروج مما دفعها للضحك:
" أظنني عرّابة جيدة ..."
كما توقعت ارتاح الصغير ما ان تقلص بطنه و غرق في نوم فوري، أخدت معها الـــ babyphone قبل أن تخرج من الجناح و تغلق الباب خلفها بهدوء، قصدت المكتبة اذ لا تنوي البقاء بمفردها في غرفتها مع اشباحها، و بصراحة آيا فتحت شهيتها للقراءة و الاطلاع مجددا، كانت بصدد اختيار رواية لكارلوس رويز زافون عندما عاد الهاتف يستوقفها مجددا، هل هو خوسيه؟؟ ...
هذه المرة اليساندرو لم يكتفي بارسال رسائل لم ترد عليها مطلقا... كان يتصل بها... بقيت متسمرة مكانها تتطلع الى الرقم دون ان تنجح حتى بإلتقاط أنفاسها... انفلث الكتاب من يدها و أحذث دويا بينما يصتدم بالأرضية الخشبية، عادت الشاشة للظلام مجددا، يمكنها أن تفخر بجبنها... أكد لها روكو بأن شقيقه الصغير لا يعود عندما يتم الرمي به، في الماضي... عندما وضع العرّاب شقيقه أمام خيار... اختار هذا الأخير أن يكون أمريكيا و تجرد من صقليته، لم يبقى له منها سوى الشهرة... يبدو أن جينات يانيس لم تؤثر به.. اليساندرو يترك كبريائه جانبا و يصر عليها و هذا... هذا يجعلها ضعيفة للغاية.
من المستحيل أن تبقى بمفردها أمام شاشة تحمل مكالمة مهجورة لم يتم الردّ عليها...تنهذت و انحنت على الكتاب الذي سقط على وجهه، استقبلتها الأحرف بسخرية، تهرب من الواقع لخيال 'زافون'، هذا ليس الحل بحق الجحيم، لا يمكنها التهرب من مواجهة كلامية حقيقية مع رجل اهداها كل شيء، لا يستحق منها هذا اللؤم المجاني... لكنها عاجزة عن نسيان انه ابن يانيس ايميليانو.
تأبطت الكتاب و قررت العروج على جناح آيا كما وعدت خوسيه قبل الالتحاق بغرفتها، ضحكة مخنوقة استقبلتها، اتسعت عيناها الى آخرهما بينما تراها مكورة في سريرها أمام التلفزيون:
" يبدو ان المضادات الحيوية أتت أكلها..." لاحظت دانيلا مسرورة.
" هذا صحيح..." قالت آيا وهي تحاول الاعتدال في جلستها، بدت حقا صغيرة بشعرها الطويل المكوم على كتفها و وجنتيها الزهريتين بقعل الحرارة، لكنها تبدو أقل مرضا من الصباح:" سئمت النوم ... لذا وجدت فلم كوميدي و قررت رؤيته... "
القت نظرة على جهاز التلفزيون المعلقة على الحائط:
" وهذا ما يجعلك سعيدة؟؟؟ سمعتك تضحكين..."
" انها نهاية السنة... لا انوي استقبال العام الجديد بين الأغطية... ما رئيك أن نتابع مشاهدته معا من الصالون؟؟"
شككت دانيلا في حماستها، لكم آيا محقة في رغبتها بالابتعاد عن السرير، وهي... بكل صراحة... تفضل عدم الاختلاء بخيباتها في غرفتها.
بعد قليل كانتا على الكنبة أمام الشاشة العملاقة، رغم حرارة المكان المعتدلة الا ان آيا تضع عليها بطانية، مسافة محترمة بينهما تفاديا لأي عدوى، التقطت دانيلا كأس الكوكتيل الذي حضرته لنفسها بينما رفيقتها تدفئ أصابعها في كوب شكولا ساخن:
" نهاية سنة غريبة هيه؟؟ الا يفترض بك التواجد في نيويورك مع الوسيم اليساندرو بدل الاهتمام بصغيري وصيك؟"
ابتسمت دانيلا و حطت عيناها على الشاشة المضائة، تجاهلت الرد على ملاحظتها:
" هذا هو الفلم الذي يخرجك من مرضك؟؟ "
نفخت آيا على شرابها:
" رابيل ويلسون تلعب دور ناتالي و هي امرأة تكره كل ما له علاقة بالرومانسية، تتعرض لحاذث كي تجد نفسها فجأة عالقة مباشرة في قلب عالم الخطمي من الكوميديا الرومانسية... "
" امرأة ضد خداع أساطير الحب الرومانسي ؟؟ "
" تضطر للعب اللعبة..." أضافت آيا." كي تخرج من كابوس الرومانسية التي يحيطها"
عادت دانيلا تتابع الفلم الذي يجعل زوجة وصيها مسرورة... و اصغر من سنوات سنها الحقيقية، قلما تراها متخلية عن حذرها و منشرحة، في وجود خوسيه تكون شبيهة بمحاربي الساموراي مستعدة للقتال.
الفلم كان كوميديا و ابعدهما عن حالة التعاسة و المرض و اليأس الذي تعيشه كل منهما من جانبها، انسجمتا فورا مع الأحذاث و تشاركتا الضحك على نفس المواقف المضحكة، تعترف إن الفكرة الجيدة الحقيقية لهذه الكوميديا العاطفية وما يسمح لها بتمييز نفسها على نطاق واسع تمامًا هو تفكيك النوع الذي توضحه بلطف... لكن ما ان قررت نتالي تجربة حظها في الغناء و انطلقت رائعة Whitney Houston في أغنية I Wanna Dance With Somebody حتى تركت مكانها لتبدأ بالرقص، انها نهاية السنة حبا بالله و قد هجرت خطيبها مع قطتها المسكينة و لا تنوي أبدا الغوص في تعاستها.
{... أريد أن أرقص مع شخص ما
أريد أن أشعر بالحرارة مع شخص ما
نعم ، أريد أن أرقص مع شخص ما
مع شخص يحبني
أريد أن أرقص مع شخص ما
أريد أن أشعر بالحرارة مع شخص ما
نعم ، أريد أن أرقص مع شخص ما
مع شخص يحبني...}
يبدو أن قصبات آيا الهوائية تحمست لفكرة التسلية، ما ان مدت لها يدها حتى قبلتها و رافقتها في جنونها، لم تعد خائفة من العدوى اللعينة، العدوى الوحيدة هي ان تنغلق على نفسها و تنفجر من قهرها، يبدو أن زوجة خوسيه تملك صوتا رائعا للغاية رغم تضرر صوتها، الا انه يمكنها التقاط روعته... السهرة بعيدة على أن تكون مملة في النهاية.
* * *
" أنا أحلم"
ملاحظ فلورانس دفعت بريانا و البقية للاستدارة نحو الفردين الوحيدين المفقودين في المجموعة، أقطبت بينما تنتبه الى أن خوسيه مارتينيز لم يصل مع زوجته الشابة و الفاثنة، بل شقراء ملفوفة في فستان سهرة مثير، خنقت روبي ضحكتها بيدها بينما بيانكا فتحت فمها و عيناها على آخرهما بلا تصديق.
" من اين اتى بها؟ هل هي Escort girl؟"
" per favore cara " نبهها داركو وهو يضع يده على يدها" لا ملاحظات!..."
التقت نظراتها بروكو، هذا الاخير يكرر نفس الكلمات بنظراته الغامقة، وماعساها ان تقول؟ سبق و اخبرته بأنها تكره طريقة عيش خوسيه، ظنت ان الامور ستتغير منذ زواجه الا ان انحلاله بدون دواء على ما يبدو.
" لا أنوي تقاسم سهرتي مع عاهرة.. أرفض البقاء!"
هذه الملاحظة أسقطت صمت جليدي على الطاولة، كي لا يغير الرجال من عادتهم السنوية قررن المجيء، لتكن صريحة مع نفسها لم تتوقع أبدا مجيئ آيا مع خوسيه، سبق و أخبرها روكو بأن ما يجمهما هو ورقة، و الكل يعرف هذا بلا أدنى شك، لكنها ترفض مثل فلورانس تقبل خيانة خوسيه العلنية، بشكل أو بآخر هذا يمس سمعة الصغيرة التي أتت على وضع صغارها... كم تشعر بالشفقة عليها.
تم استئجار صالون خاص في أرقى مطاعم مونتي كارلو، في آخر مرة، كادت ان تفقد حبيبها بسبب قناص غامض، لديها ذكرى سيئة، العودة الى هنا ليس بالهين، لكنها لن تفسد مطلقا سهرة تبدو مقدسة لجميع الذكور، يكفي أن اليوم بدأ بشكل سيء للغاية لروكو الذي لم يتمكن من اقناع صوفي بمرافقتهما، كل السبل لاستمالة المدللة الصغيرة فشلت، أخبرته أن يحترق مع دعوته المريبة، بأنها تفضل الموت على امضاء وقتها معه... مثل المعتاد يظل صبورا أمام قسوتها، يظن بأنه يستحقها... صوفي موهوبة في دفعه للاحساس بالذنب.
" فلورانس سيسمعك..." عاد داركو ينبهها ببعض الحدة هذه المرّة.
" وهل تظن بأنه سيستوعب شيئا؟؟ يبدو ثملا..."
فلور لا تحتفظ مطلقا بملاحظاتها لنفسها، و دوما مستعدة للقتال بشراسة للدفاع عن رئيها، خوسيه بدى بمزاج سيء للغاية بعد وصوله، تجهل من أين التقط هذه المرأة التي لا تناسبه، تبدو رخيصة ايضا، عكس نسائه الاعتياديات، هل هي محاولة يائسة كي لا يشعر بأنه بمفرده الليلة بينما يرى كل أصدقائه مع نسائهم؟
"فلورانس... من فضلك... ليس الليلة..." هذا كان تنبيه روكو وهو يقف من مكانه ليستقبل صديقه، هذا الاخير انشقت ابتسامة متهكمة على وجهه، كان يبتعد عن رفيقته و كأنها تقرفه... ياله من توقيت سيء للمزاح.
" مرحبا... المطعم رائع مثل المعتاد... صديقي روكو الأجدر في مفاجئة الكل... أنت وسيم يا رجل"
أحاط كتفي روكو بذراعه:
" أقدم لكم تاتيانا... "
" براندا..." صححت المرأة دون أن تعير اهتماما للموضوع.
" اسم العمل..." شرح الاسباني قبل أن ينفجر في الضحك:" انها لا تؤمن بالقصص الخرافية... و بالتأكيد... لا أحد يريدها هنا... الكل تزوج و ترك العبث خلفه"
" تعالى معي..." شد روكو بحزم على ذراع صديق، و كأنه متبوع بسلسلة حديدية، بدأ الرجال بالانسحاب الواحد تلوى الأخر، داركو، سيزار، ثم اليخاندرو.
بقيت المدعوة براندا تتطلع اليهن ببعض الفضول، كما توقعت وقفت فلورانس من مكانها:
"مالذي تنتظرينه يا فتاة؟؟"
" 1500 يورو ..."
" الم يدفع لك؟؟" هزت هذه الأخيرة رأسها بالنفي، أخرجت روبي فورا دفتر شيكاتها و بسرعة زركشت الرقم قبل أن تلتقطه منها فلور و تمنحه للمرأة التي القت عليه نظرة لتتأكد بأنه يحمل المبلغ المثفق عليه من قبل مستخذميها:" و الأن اختفي من هنا قبل أن أوشم لك الرقم في مؤخرتك"
عادت روبي تحبس رغبتها المجنونة في الضحك، لكن بريانا لم تعد قادرة على تحمل الموضوع أكثر، ما ان التقت نظراتهن حتى انفجرن في الضحك الهستيري، أفرغت بريانا مخزونها قبل أن تستعيد جديتها، بيانكا لا تشاركهن الضحك، بدت متأثرة:
" لا يبدو سعيدا في زواجه..." شرحت لزوجة والدها التي جلست بالقرب منها :" ما حذث اللحظة ليس مضحكا... "
" خوسيه ليس مغرما... لا أظنه قادرا على ذلك مع امرأة..." تدخلت روبي بواقعية:" انه بالغ و ما يفعله في حياته يخصه فقط..."
" آيا أيضا لا تحبه..." أكدت بيانكا بينما تدفع خصلات شعرها جانبا:" كانت منجذبة لأليخاندرو في فترة من الزمن... أظن أن هذا يجرح أي رجل لسيما أن كان متملكا و غيورا مثل خوسيه"
لا يبدو أن هذا التصريح فاجأ أحد، يبدو ان الكل على علم بمشاعر آيا لأليخاندرو، هي عن نفسها اكتشفت الموضوع مصادفة، نظرات امرأة عاشقة لا تُخطئ.
" انت تدافعين على سفالته بيانكا..." نبهتها بهدوء:" كل منا يعرف الظروف التي تزوج بها الاثنين... خوسيه لا يستحق أي ولاء من تلك الفتاة... لو كنت مكانها لتركته...لا يحق لك القاء الملامة على تلك المسكينة"
" بريانا..." استوقفتها روبي مدافعة:" خوسيه مرّ بظروف صعبة للغاية... أخبرني سيزار بأنه فقد حبيبته منذ زمن و لم يتمكن من ايجادها في أخرى"
" أنت فنانة رومانسية و ترين من هذا المنظور العاطفي المتفرد... في الحقيقة أجرم بحقها.. مهما كانت الشروط بينه و بين آيا الا انه ظهر علنا مع نساء غيرها و هذا يؤذي مشاعر أي كان..." قالت بريانا.
" خوسيه غير متزن عاطفيا..." أكدت فلور و هي تلتقط كوكتيلها الذي لم تلمسه اي منهن حتى الأن:" أحبه بشدة نعم لكنني أخشى من تأثيره السيء على زوجي"
" على زوجي أيضا.." اعترفت روبي التي كانت اللحظة تدافع عن خوسيه بحرارة.
" اذن فكلتاكما تدافعان عنه و تنتقداه..؟؟..." تسائلت بريانا بسخرية.
" سفالته ما يجعله مميزا.." ردت فلور بضحكة خفيفة:" ان كانت آيا مختلفة فستتمكن منه، ستغيره و تجعله تماما كما تريد هي!... "
" لو كانت آيا عاقلة بنظري لهجرته... عليها حماية نفسها منه، فلا شيء يمكن أن يغير عاداته السيئة... أظنها أفضل منه... روكو يفقد رشده عندما أكرر هذا الكلام، من المستحيل مناقشته مساوء صديقه... يضعه فوق أي تقديس"
" ليس روكو فقط..." اعترفت فلور:" عندما سألت داركو اكتفى بالقول 'أحبك بشدة كارا لكن لا تقحمي نفسك في علاقتي بأصدقائي'"
ضحكت روبي معلقة بنعومة:
" اظنهم نسخوا نفس الجملة..."
" أمر مؤسف للغاية ... لقد رزق بطفلين رائعين... أي شيء أكثر من هذا كي يغير المرأ؟؟" قالت بريانا متنهذة بأسف:" أظنه عابث و مغرور أبدي..."
لو رزقت بطفل من روكو لتغيرت الكثير من الأمور بينهما، ربما أصبح أكثر أنانية ليفكر في نفسه بدل أن يفكر في الأخرين كل الوقت.
" انهم هنا... " نبهتهن بيانكا التي لم تنتقض خوسيه بكلمة واحدة.
الاسباني الوسيم مازال مبتسما تلك الابتسامة القسرية بينما يلمع بشدة بين اصدقائه، تجهل ما حذث بينهم في الخفاء الا انه يبدو أكثر استرخاءا، يمكنه أن يكون فخورا بوجود هؤلاء الرجال الى جانبه، يمدون ايدهم اليه في كل محاول سقوط، رأته ينتبه اخيرا الى أن رفيقته المريعة غير موجودة، بينما بدأ الرجال يأخدون أماكنهم بجانب نساهم، تمتم ما ان انهار بجسده القوي على مقعده:
" أين جاكلين!؟..."
" براندا" صححت له فلور متهكمة وهي تمنحه ابتسامة شاسعة متحدية:" قمنا بالتخلص منها... لا تقلق فقد دفعنا لها، روبي كانت سخية...."
برقت عيناه بتسلية و ابتسم لها متهكما تلك الابتسامة التي تليق بشدة برجل مثله:
" داركو فالكوني... لقد تم النصب على زوجتك ..."
رأت وجه الأميرة يشحب من الغضب، روبي التي دفعت الشيك لم تتأثر بالموقف مثل فلورانس نفسها، رأتها تقف مجددا من مكانها مانحة مجددا الرؤية الشاملة للجسد الرائع و سط فستان أسود سهرة بلا أكمام، محاولات زوجها لتهدئتها لم تنفع، تعرف جيدا الأن هذه المرأة كي تشك بإستسلامها، منعته من اللحاق بها بينما تهجر المكان كالعاصفة:
" ستقوم بقتلها..." ردد هذا الأخير بيأس وهو يغادر المكان بدوره ملقيا في وجه خوسيه:" هل كنت مضطرا لاستفزازها بحق الجحيم؟؟"
فلورانس لم تقتل المرأة لأنها عادت بعد عشر دقائق و بيدها الشيك تلوح به لخوسيه قبل أن تضعه على الطاولة أمام روبي التي ابتسمت ملئ فمها لربحها هذا التحدي، الأميرة عادت لتجلس بأناقة على مقعدها و ترد ابتسامة الاسباني المسترخي في مقعده بدوره، مستمتعا بشدة بالعرض:
" لا أحد ينصب على زوجة داركو فالكوني..."
تعالت التصفيرات لكلامها، حماسة لم يشارك بها الأمير الذي جلس بجانب زوجته مقطب الجبين، وجه اليه سيزار الكلام بدعابة ساخرة:
" هل مازالت المرأة حيّة؟؟"
" أفضل نسيان الأمر..." قال داركو بجدية.:" لكنها لن تنسى لقائها هذا لوقت طويل"
يبدو أن الأمسية التي بدأت بشكل سيء تعتدل أخيرا، لم يحذث ما يربك الامزجة، تخللت الدعابة وجبة العشاء الفاخرة،الأمسية استثنائية من عروض الصوت والضوء على واجهة كازينو دي مونت كارلو في قلب مكان أسطوري حقا بحيث ينوي الرجال اتمام سهرتهم بالتأكيد، و استقبلوا العام الجديد في مزاج جيد!
تبادلت قبلة مع روكو الذي لم ينوي تفويث اللحظة بينما تنفجر الالعاب النارية في السماء و ترتفع الهاتافات من كل مكان، كانت تشعر بنفسها تذوب تحت حرارة نظراته:
" انها سنتنا الأولى..." قالت له بنعومة، الكحول يجعل منها حالمة للغاية.
" لن تكون الأخيرة أعدك... عيد سعيد حبيبتي..."
اتسعت ابتسامتها:
" أين هديتي؟"
" في جيبي..."
يمكنها التخمين... مجوهرات مجددا؟؟ كم أصبحت تملك بحق الجحيم؟؟ بينما الكل يقوم بتبادل التهاني حطت عليه نظراتها الأكثر جدية:
" ما أريده ليس في جيبك أيها الوسيم..." تجرعت رائحة روكو المميزة التي تثملها و معها بعض الحذر بينما تتابع بإصرار:" سأوقف استعمال حبوب منع الحمل... أريد طفلا روكو"
* * *
" happy New Year......."
هز سانتو عينيه بعيدا عن أكوام الأوراق المكومة فوق مكتبه، ان كان ينتظر زيارة مماثل في قلب الليل؟؟ ايموجين في اطار باب مكتبه، لا ترتدي شيئا سوى لانجري ساخنة من ثلاث قطع، قنينة شامبانيا في يدها، كانت الاغراء بعينه بشعرها الاحمر المتموج حولها، و جسدها الذي لا خطأ فيه، تجاهلها منذ عودته من أروبا، لكن زوجته الفاثنة لا تستسلم أبدا.
" مالذي تفعلينه هنا؟؟ أين فكتوريا؟؟"
يبدو أن قلة اهتمامه بعرضها المغري أزعجتها، لا يحتفل أبدا برأس السنة، برئيه لا يختلف عن باقي الأيام المتشابهة، وهي تعرف جيدا بأنه لا يمنح اهتماما لهذه السخافات، لكنها فضلت قطع المحيط لملاقاته بالرغم من تأجيله المستمر لهذا اللقاء الحتمي، لا يطيق رؤية أحد، منذ ما حذث مع فيرنا لا يحتمل الاختلاط بالبشر، لسيما زوجته.
" أراك متحمس لرؤيتي..." قالت بخيبة وهي تتقدم الى قلب الغرفة و تضع قنينية الشامبانيا على الطاولة المنحذرة أمام الكنبة:" تجهل ما تكبدته للوصول الى هنا و امضاء الليلة معك... مع زوجي الذي وعدني ان نحاول لانجاح زواجنا من أجل ابنتنا, انت لا تقوم بأدنى مجهوذ..."
ثم بدأ العضاض، ملامة ايموجين لا تتوقف عند الحدود المعقولة، فهي ترتدي رذاء المرأة المغلوب عن أمرها، لكنه يمنحها العذر، هو الملام الوحيد، منحها فرصة أخيرة بينما في قرارة نفسه يرفض الإستمرار في زواج لم يعد يتحمله.
" اين ابنتي؟؟"
" تركتها مع أهلي في أمريكا..." ردت بنبرة خشنة:" أتيت و بنيتي امضاء بعض الوقت مع زوجي... أخد يومين عطلة ، فقط أنا و هو كما لم نكن منذ سنوات طويلة..."
تحولت خديها إلى اللون الوردي تحت تأثير الغضب و أصبح فمها أرجوانيًا. لم تبدو له أكثر ازعاجا مما هي عليه في هذه اللحظة، ليس مستعدا لأي نوع من أنواع المشاذات الكلامية، ايموجين مثله، تطمح دوما للخروج منتصرة من أي نقاش، وهو حاليا تعزيه بشدة وحدته، كان يأمل لو أن فيرنا أقل احتراما لذاتها كي تقبل بوضعه و تنسى أمر القطيعة، أمنية أنانية و غريبة، فما أحبه في تلك المرأة هو نزاهتها الشديدة.
" تعود مجددا لتقليل من شأني!..."
" دور الضحية الذي تتعمدينه أصبح سخيفا ايموجين..." انطلق بالقول وهو يغادر مكانه ليتوجه نحوها:" أخبرتك بأنني أرغب بالبقاء بمفردي، لكنك تقومين بالرحلة متجاهلة تعليماتي و تناقضينني لأنني لم أوفر لك الاستقبال المطلوب..."
" هذا هو عيبك تماما... تستمر بالقاء التعليمات و لا ترى من زاوية أخرى بأنني تكبدت كل هذا العناء لأنني أرفض تركك وحيدا في ليلة مماثلة... على الأقل أحاول أن أكون زوجة جيدة... لكنك لست متعاونا بالمرّة..."
" لم يطلب منك تكبد كل هذا العناء.."
قاطعته بخيبة.
"رأسك مليء بالأفكار المسبقة عني ...بالأفكار الجاهزة و السلبية"
" لأن على علم بانهيار واجهتك المزيفة قريبا..."
" لا ترغب حتى بالمحاولة بينما أترك عالمي خلفي من أجلك..." أمسكت بيده ووضعتها على الانتفاخ الجميل لصدرها:" هيا كيليان... أعرف بأنني أثيرك، من هذه الناحية طالما كانت الكيميائية قوية، نحتاج فقط لبعض المزاولة المستمرة كي تشتعل النار مجددا حبيبي... المسني... افعل بي كل ما تشاء..."
بدت بشرة يده السمراء متناقضة من بشرتها الحليبية، ليس بحاجة للجنس كي يدرك أن الهوة التي انفرجت بينهما لن تلتئم مجددا، ترك قلبه مع فيرنا، قد تفرقهما الظروف و أيضا كبريائها و مبادئها لكنه لا ينوي ترك الأمور على حالها، لن يستمر بالتوجع لأنها فضلت التخلي عنه أمام زواجه، سيعمل على أن يجتمع بها، و كي يصل الى هذا الهذف على ايموجين التنحي منها... استعاد يده اليه!.
" لن ينجح لأنني لا أشعر بشيء نحوك..."
رآها تشحب تحت تبرجها المثالي، لا يبدو أنها توقعت هذا، لسيما أنها من طلبت الاطلاق في المرة الأولى و هو من حاول لأجل أوكتافيا، هو من وضع تلك الشروط القاسية و هي قبلتها لمفاجئته!
" بالأحرى... لم تشعر يوما بشيء نحوي" سمعها تقول من بين أسنانها:" في ميدان مونتي كارلو للسباق اخترتني من ظمن كل الحاضرات... و لليوم أتسائل مالذي جذبك في بينما أظهرت علامات السأم في بداية علاقتنا! مالذي أبقاك؟!..."
لوكا كان صديق اليساندرو ايميليانو ببساطة...هذا التصريح سيدمر كبريائها المبالغ فيه، لا ينوي تقاسم أشباح ماضيه مع أحد... ربما فعل... مع فيرنا... تقاسم معها ما لم يفصح به لأحد... وهو يفتقدها لدرجة أن أحشائه تتمزق بحدة.
" أريد أن نتكلم كبالغين ايموجين... للمرة الأولى... يمكننا ان نناقش بجدية ما يحصل لحياة كلينا... ففي النهاية... حياة أوكتافيا تتوقف عن نتيجة ما سنتباحثه ... هل يمكنك ارتداء ملابسك و الانضمام لي في الصالون؟؟"
كبثت ايموجين فورا هيجانها داخل صدرها و ارتدت قناعها المحايد، قد تمضي كل حياتها لفهم كيليان لكنه أشد الرجال غموضا التقتهم في حياتها، محاولتها الأخيرة اليائسة لاستمالته، الأمور لا تسير كما خططت لها، لا يبدو سعيدا بهذه المفاجئة التي ظنت أنها ستمنحها بضع نقط عليه، راقبت وسامته الشديدة امظلمة، نظراته الزرقاء التي تنظر من خلالها و كأنها شفافة، لقد مثل تحديًا في عينيها قبل سنوات... نموذج جديد تمامًا يصعب الحصول عليه ، كأس غير عادي لوضعه على لوحة الصيد الخاصة بها، ثم وصلت الى مبتغاها بايقاعه في الفخ... و ماذا بعد؟؟ كيليان يشبه الخيول المتمرة التي كبرت في البراري و ترفض ان يتم ترويدها، تعرف بأنه صعب المنال، بأن ما يبقيها في حياته هو أوكتافيا لأنها نقطة ضعفه اللعينة و الوحيدة.
" فليكن... فلنتحذث كيليان... امنحني خمس دقائق"
بدى بعض الارتياح في نظراته لتجاوبها، كانت تغلي في ذاخلها مما يمنع عنها ملاحظة ردات أفعال أخرى، ارتدت بسرعة الروب على ملابسها الداخلية التي أتت بها خصيصا من مصمم فرنسي في عاصمة الموضة، رغبت بتخليد الليلة، و لما لا الحمل مجددا؟؟ انها الفترة المناسبة لتحقيق ذلك...انها في فترة التبويض.
كان بصدد افراغ القليل من الشراب في كأس عندما التحقت به، لا يبدو أن اكتفائها بالروب يسعده، سألها بنبرة محايدة:
" هل ترغبين بمشروب؟؟"
" كنت أمل فتح الشامبانيا الا انك تملك خطط أخرى مناقضة لأتمام السهرة..."
" يمكننا فتح الشامبانيا لبداية حياة جديدة لكلينا..."
حياة جديدة لكليهما؟؟ لكنه هو حياتها... لن يكون لها وجود من غيره... فجأة بادرتها فكرة مجنونة لكن ربما هي السبب في تغيره مؤخرا بعد ان اتفقا على المحاولة... هل هناك امرأة أخرى؟؟ تعرف أن أطنان من النساء تحمن حوله و كأنها فايروسات لكن كيليان بطبعه سري للغاية و يكره تماما المغامرات السريعة و المنتهية الصلاحية.
" حياتي الجديدة هنا في روسيا معك و مع أوكتافيا... " ذكرته مجددا و رأت عضلات ظهره القوية تتصلب تحت هذا التنبيه.
" قبلت من أجل أوكتافيا فقط ... "
" و تستمر في التقليل مني!..."
" انها الحقيقة..." زمجر بها وهو يواجهها بنظرات حادة متخليا عن هدوئه الأسطوري:" لا يمكنني التقليل منك لأنك ستظلين والدة طفلتي الوحيدة، لكنني أثوق لنقاش جدي بعيدا عن كل هذه التراهات ... دعيني أخبرك بأنني لست سعيد، ولا تدعي العكس لأنك تعسة أيضا في هذا الزواج، لن يمكنك البقاء بعيدا عن عملك و مجدك فقط لإرضائي... هذا غير ممكن... أنت امرأة أعمال و طبيبة ناجحة و لن أصدق نيتك الصادقة في التخلي عن كل هذا فقط لأنني خيرتك بيني و بين مجدك... قد نكذب عن أنفسنا أشهر و ربما سنة أو أكثر لكننا سننتهي بتدمير أنفسنا... أحب أوكتافيا... أحبها بشدة و أريدها ان ترانا سعيدين لأنها حساسة للغاية فيما يخصنا... فيما يخصك خصوصا، تشعر بالذنب نحوك... " ثم حط عليها نظرات اتهام:" أنت تشعرينها بالذنب... "
" هذا ليس صحيحا..." أنكرت متظاهرة بالصدمة.
" تقحمينها في مشاكلنا و تبعدينها عني... في المرة الأخيرة... أخبرتني بصراحة بأنها ترفض السفر معي مجددا لأن هذا يجعلك تعيسة..."
" هذا سخيف أنا لم أمنعها..."
" أنت ملكة الاستفزازات العاطفية" قاطعها ببعض العنف:" رأيت ما فعلته معي أنا شخصيا بينما تمنعينني من التواصل معها... هذا لن يحل الوضع بل سيزيده تعقيدا ايموجين.. فكري بعقلك رجاءا... عالمك الأمريكي البراق... مستشفياتك، أطبائك، مشاريعك الاخرى القيد التنفيذ... افصلي بين خيبتك و بين ابنتي... لا ذنب لها ان كنت عاجزا عن الاستمرار في هذا الزواج الذي لم يكن ليشهد النور لولا حملك"
وقع صمت متوثر ازاء هذا التصريح المذل، لا يبدو أن كيليان يمزح بشأن مصير زواجهما هذه المرة، يبدو عازما عن اخراجها من حياته، لكنه لن يفلح بهذه السهولة.. لسيما ان كان عزمه ناتج عن علاقة سرية مع امرأة أخرى... لم تخلق بعد من تأخد منها كيليان أرشيبالد... انه ملكها حتى النهاية.
تنهذت وفركت جبينها متظاهرة بصداع مريب:
" تريد الطلاق؟!" سألته بصوت منخفض:" لم يكن كافيا كل ما فعلته لك مؤخرا؟؟"
" انت تبيعينني أوهاما ... لا يمكنك الوفاء بوعودك أعرف... لا يمكنك التخلي عن أعمالك و العيش معي في موسكو... أنت تكرهين هذه المدينة"
" هذا صحيح أكرهها..." اقرت بهدوء و هي تقترب من البار الصغير لتسقي نفسها كأسا ترخي به أعصابها المشدودة:" هناك دوما طرق عديدة لتسير الأعمال عن بعد... على الأقل أنا حاولت وضع مستقبلي بين قوسين لإرضائك... بينما أنت... تتخلى عنا من أجل امرأة أخرى!"
الاضطراب الطفيف في عينيه جعلها تتأكد بأنها لم تخطئ التقدير، الغيرة سحقت قلبها بشدة لدرجة انها أخفقت في ابتلاع مشروبها الذي أحرق في طريقه حلقها و معه معدتها.
" أنت واهمة... لا توجد امرأة..." قال بهدوء وهو يدخل يديه في جيوب بنطاله.
" تظن بأنني أهتم حتى لو كان صحيحا؟؟" قالت ببعض الصعوبة و هي تترك نزعتها الانثوية الشرسة جانبا:" أوكاتفيا هي من ضمن أولوياتنا... و ان كنت أنت مصرا على الطلاق فلن نجبرك على البقاء... أتمنى من قلبي أن تجد السعادة و الهناء مع غيرنا..."
" أنا أهجرك بمفردك ايموجين ، لا تجمعي أوكتافيا مع أغراضك عندما تخرجين من حياتي لأنني لن أكون لطيفا هذه المرة..." النبرة الجليدية التي نطق بها هذا التهديد جعلتها تتصلب مكانها:" الوقوف في المحاكم في وجهي ليس فكرة جيدة لسمعتك الامعة التي أقسم أن أقوم بتسويدها... أنظري الي... بفضلي أنا أصبحت ما انت عليه اليوم... و ان وضعت مشاريعك التعسة نصب عيني فلن يتبقى لك سوى مجدك القديم... أحذرك للمرة الأخيرة... اتركي ابنتي و شأنها... كفاك تلاعبا بمشاعرها، لن تعاقبيها فقط لأنني قررت انهاء هذه المهزلة التي طال أمدها... أتركيها تعيش طفولتها بسلام..."
" تقوم بتهديدي؟؟"
" أهددك؟؟" اقترب منها ليحملق مباشرة في عينيها:" فلنبسط هذه الكلمات أكثر و نضعها في خانة التنبيه... لأنك... تجهلين تماما ما يعنيه التهديد الذي يصدر مني ايموجين... تجهلين تماما من أكون و لا ما أنا قادر عليه لحماية مصالحي... اعبثي في علاقتي مع ابنتي و سأغلق أبواب أحلامك في وجهك بأشد الطرق المشروعة الممكنة... سأدمرك"
بقيت متسمرة مكانها حتى بعد رحيله لدقائق، تعرف أنه ذهب الى مصنع ارشيالد، عندما يكون منزعجا يغلق على نفسه فيه ليعود بمحرك لعين أقوى و أنجح من سالفه، الموضوع جدي جدا هذه المرّة، كيليان مصر على أخراجها من حياته و الاحتفاظ بمكانه في حياة أوكتافيا... هي التي تحسدها عليه كل نساء العالم... الانفعالات لن تجدي نفعا، عليها اكتشاف سبب تغيره هذا، فكما يبدو... لا يمكنها مجددا لعب ورقة أوكتافيا فلم تعد تنفع... كيليان مصر على الطلاق حتى على حساب سعادة ابنته التي يضعها في موضع التقديس... من التي همته لدرجة الا يتأثر مجددا بمشاعر أوكتافيا؟؟
عندما وصلت كان منغلقا على نفسه في المكتب... ستجد الرد هناك... يجب ان تجد غريمتها و غريمة ابنتها بالتأكيد.. لكن كيليان... و كما حسبته دوما متيقظا للغاية و ليس ساذجا... مكتبه اللعين مغلق.
* * *
نهاية سنة من دون قمر، الجو بارد الليلة مثل غيره من ليالي ديسمبر، جزيرة القمر بنكهة مختلفة هذا المساء، فرانكو يستعمل البيت الخاص بروبي في الطرف الأخر من الجزيرة، لم يكن ينوي البقاء بعيدا، عندما رأته بصدد استئجار قارب للنوم تركته يستعمل ملكيات روبي الخاص و هو لم يعارض، فرانكو جدي للغاية... لا ينوي البقاء بعيدا بينما الطفلة ستخرج قريبا، ينوي ملئ الفراغ الذي تركه نيوس... وبالتأكيد... لا ينتظر مقابلا لهذه الحماية و لا هذا الوفاء... تعرف بأنه سختفي ما ان يلمح نيوس في الجوار... تماما كما ضهر اليوم.
النفس البشرية صعب فهمها.. صعب فك طلاسمها، شيء ما فيها يجعله على طريقها بإستمرر، و شيء فيه يطمئنها للغاية و يشعرها بالأمان... أو ربما... حقيقة أنه أنقد حياتها من موت محتم عدة مرّات؟؟ يقول بأنه صائب في الحكم على شخصية الأخرين، بأنه خريج كلية الحياة، و بأنها بنظره امرأة من زمن آخر.
ضمت الـbaby-phone اليها و تعمقت في الشاطئ نحو الصخور المنحذرة، يمكنها رؤية أنوار الجزيرة المقابلة، أضواء الاحتفالات العارمة، عموما لن يمكنها النوم بهناء هذه الليلة التي كان يفترض ان تمضيها مع زوجها في جو احتفالي، لكن الامور تمر دوما عكس كل امانيها، تتطلع لأن تتغير احوالهما قريبا، جلست على الصخور الكلسية تتابع رحلة باخرة سياحية متلألأة في ضلمة بحر ايجيه، على الاقل روبي تستمتع بوقتها، بعتث لها بصورهم في مونتي كارلو، تتسائل احيانا لو بقيت زوجة داركو، كانت لتمضيها بجانب روبي ايضا... شقيقتها التي تفتقدها في كل لحظة... عائلتها الوحيدة.
{ لن تصدقي... سيزار وقع في حب آنجلو... أظن بأنه لن يتأخر بالموافقة على التبني...}
حماسة روبي أمام احتمالية تكوين اسرة حقيقة مع طفل متبناه جعلتها تبتسم، سيزار المغرم يفعل كل ما بإستطاعته لاسعاد زوجته... حتى تبني طفل ليس من صلبه... فهل هناك ولاء أكثر من هذا؟ الحب الحقيقي ينعكس بشدة في زواجهما، ربما مرا بالعديد من العقبات المريبة، شقيقتها كادت أن تفقده و معها رشدها في لوس انجلس، لكنها تركت كل شيء خلفها كي تستعيده، و نجحت.. تعمل اليوم على الا تفترق طرقيهما مجددا.
{ قررنا الزواج دينيا في الربيع... جورجينا ستصاب بأزمة... أظنها تثوق بشدة أن يمل ابنها مني و يهجرني... ما لا تفهمه أن سيزار مثيم بحبي و لن نترك بعضنا سوى في أحلامها السافلة}
عادت تتفقد هاتفها اذ تلقت صور أخرى من روبي، كان ' السيلفي' يبرزها بوضوح مع سيزار الذي يبدو أن أحدهم يشد انتاهه في حوار ما و هي تستمر بإزعاجه و اجباره على التقاط الصور:
{ لو لم تكوني في شهر حملك الأخير لكنت تستمتعين معا}
هذه الملاحظة أحستها بالسخرية، ضربت بسرعة على لوحة الحروف:
{ تريدين للمتوحشة خضراء العينين ان تصاب بأزمة قلبية؟ عزيزتي انا ممنوعة كليا من الاقتراب من محيط داركو فالكوني... هذه سخافة، ذلك الرجل لا يهمني بالمرة}
اتى رد روبي فوريا، هذه المرة اجبرت سيزار على النظر للكامرا بالشد على فكيه بأصابعها، ضحكت على منظرهما، لكنهما لذيذان للغاية، روبي لم تعلق على فلور او داركو، اصبحت تتحاشى التكلم عنهما معها، تعرف بأن دخلت سلسلة الولاء المتبادلة بين تلك المجموعة التي كرهت دخولها يوما.. الوحيد الذي كانت تراه انسانيا و يحمل لها المودة هو سيزار، و أحيانا اليخاندرو.
{ زوجي يكره الصور...}
{ أنتما رائعين للغاية}
وكانت الحقيقة، يكملان بعضهما البعض بطريقة مبهرة، سعادة روبي مثل البلسم على جروحها الخاصة، لا تتوقف عن الابتسام كلما قرأت رسائلها:
" تبدين سعيدة أيتها الأميرة...!"
كاد الهاتف ان ينزلق من بين اصابعها بين الصخور الكلسية، وضعت يدها على قلبها:
" فرانكو!؟... كيف تنجح بأن تكون بهذه السرية؟؟ ذات يوم ستصيبني بذبحة صدرية! أو ربما ستُعجّل بولادتي" كان يحمل بطانية صغيرة في يده:" هل تنوي لعب دور المربية لي؟؟"
انبثقت من موقفه انطباعًا عن الرجولة لدرجة تحبس الأنفاس، وهذا الانطباع بالقوة ، الصلابة ، لم تصادفه إلا في شخص واحد حتى الآن، وهذا ما يميزه بالتأكيد في عمله، كان صوته العميق محجباً قليلاً ، أجش تقريباً ، كما في ذاكرتها:
" أنوي فحسب الاهتمام بصحتك أيتها الأميرة، الجو بارد جدا..."
تركته يضع ما بين يديه على كتفيها كي تشعر بالدفئ فورا، وصلت رسالة أخرى من روبي، هذه المرة كانت ترقص مع سيزار بين حشوذ زبائن الــ night club أغلقت الهاتف و أعادته الى جيب بلوزتها الواسعة:
" وضعك مريب فرانكو... أنت بصدد امضاء ليلة رأس السنة في جزيرة شبه مهجورة و مع امرأة مملة بينما كان بإمكانك التسلية في مونتي كارلو مع البقية..."
سمعت الابتسامة في كلماته بينما يقول:
" أكره الاحتفالات و لا احب مونتي كارلو... أما فيما يخص أن الجزيرة مهجورة فلا أراك حقا تمضين بقية حياتك هنا...ربما تكون جميلة و استثنائية لكنها كئيبة "
تركت بنظراتها الأضواء التي تنير السماء الحالكة من بعيد:
" لم تعلق على كوني مملة.."
" لا نملك نفس الرؤية للأمور..."
" لست مرحة مثل شقيقتي ..." عادت تحملق في البحر الهائج قليلا:" لا أملك شيئا من شخصيتها الرائعة، أجهل كيف يعقل أن نكون توأمين على أية حال..."
" أنت متفردة و هذا يحذث الفرق... يكفي أنك أنت... المرأة التي قاومت رجل تخشاه صقلية و حافظت على حملها بينما تتوه في صحراء تونس، وضعت ابنها الأول دون المساعدة الطبية، تظنين أن كل هذا سهل.. ؟؟ صحيح فهناك فرق بينك و بين توأمك...هناك اختلاف في الشكل كما الشخصية ... دونا سيفيرانو كبرت كوريثة، كبرت كزهرة ظل... أما أنت... فعملت بجهذ منذ سنوات و تأثرت شخصيتك بعوامل شتى، مثل زهور الصيف البرية التي لا تؤثر بها الحرارة... برئي... من المستحيل أن تتشابها يوما أيتها الأميرة... "
كانت نبرته محددة و كأنه طالما فكر في هذا الفرق،هي لم تعش كوريثة، والديها أقما الارض دون أن يقعداها ليوفرا لها كل ما تأمله، لم تكن محظوظة منذ البداية، لم تملك اصدقاء لا في الطفولة و لا المراهقة، و ازداد الوضع بؤسا عندما تفجرت أنوثها فبدأ الرجال بالسقوط أمامها كالذباب، لم تكن تملك خبرة لنوع الجمال الذي حظيت به، هذا خلق لها عدوات لسيما في العمل، تعترف بأن شخصيتها منغلقة بشدة، بأن تجاربها محدودة، بأنها لم تمنح نفسها فرصة لتكتسف تجارب حقيقة رغم حظها الرجالي الوفير، كانت تملك كل الخيارات، يكفي فحسب اقتناء الأفضل... ثم ذات يوم... فثن بها أمير... شعرت بكرة حرارية في بطنها:
" هل تدري فرانكو؟؟! لم اشأ يوما الزواج بأمير... كانت طموحاتي الرومانسية محدودة... محدودة للغاية... " التقطت أنفاسا من الهواء المملح مما أنعشها:" كنت خجولة جدا في طفولتي بسبب التأتأة، و أفضل الاحتفاظ بالصمت كي لا يسخر مني بقية الأطفال... تمت معالجتي مع الوقت لكنني احتفظت بداخلي بتلك الطفلة التي تفضل الهرب بدل مواجهة الناس بعيبها، كنت أشعر بالأمان مع أمي و أبي لأنهما الوحيدين الذين يُشعراني بأني مهمة و بأنني جميلة حتى بعيوبي... ثم حلمت بحبيب يشبه أبي... حنون و رقيق و ان يحافظ علي و يحميني من هجوم الناس... داركو لم يرى في شخصي سوى وجه جميل جدا رغب بالتفاخر به أمام الناس... هذا أصابني بالفزع... وهذه الجزيرة المعزولة... كانت ملاذي... آه لا تسخر مني لكنها الحقيقة، نيوس لا يحب عرض زوجته مثل داركو... و بما أنني لست اجتماعية.. هذا المكان مثّل لي الجنة و اليوم أراه قفص... أعرف... تقلباتي مثيرة للشفقة"
شعرت به ينظر اليها بتمعن شديد ظهرت ابتسامة ساخرة على شفتيها.
" تظنني مجنونة؟ أتيحت لي فرصتي سعادة لكنني فاشلة كبيرة مع الرجال... حكمي ليس صائبا بالمرّة... لكنك تميل بشدة لداركو... برئيك توجب علي البقاء بجانبه في صقلية..."
" لم أقل هذا..." قال لها بهدوء:" عندما رأيتك للمرة الأولى في المستشفى بروما، أدركت بأنك خجولة جدا... خجولة حتى على رفض مناورات رجل خبير مثل الأمير... ما يحذث بأنك تحاولين ارضاء الجميع بالرضوخ... تبحثين عن ملاذا باي ثمن!"
شعرت بغصة في حلقها، هذا بالضبط ما حصل مع داركو، ربما أحبته، لكن زواجهما جاء بسرعة لم تروقها، لم ترغب لا بالزواج به و لا بالنوم معه، تركته يقودها مثل المغلوب على أمرها.
" أخبرتك بأنني لم أرغب بأميرا يوما... أردت فقط رجلا يحبني و أحبه و يحميني و يهتم بي... "
" و وجدته في ليونيداس؟؟"
السؤال جعلها تتصلب بشدة و تنغلق عن نفسها مثل المحارة، هذا الصباح تناولا نفس الكلام، و سألها نفس السؤال، لا تعرف لما يصر عليها؟ ان عرّت عن حقيقة هذا الزواج فلن يتأخر فرانكو من الهرب فعليا، سيكتشف بأنها مهتزة عقليا و عاطفيا، بأن كل اجلاله لها لا يساوي شيئا، كان ينتظر ردها، رغم انعدام القمر الا ان ملامحه الرجولية تلفت الأنظار ، أكثر من مرة ، خلال جولتهما في الجزيرة المجاورة ، رأت النساء يستديرن في طريقهما، فرانكو لم يكن واعيا بأن هيئته الضخمة تثير الانتباه الرجالي ايضا... شعرت بانطباع عابر...مثل نوع من خيبة الأمل الناجمة عن لهفته في انتظار ردها ، لكنها لم يكن لديها الوقت لتحليل غرابة هذا الشعور لأنه ، مرة أخرى ، تجهل نوع الردود التي يمكنها قولها، فكررت ما قالته له خلال الغداء:.
" لدينا عائلة...سنرزق بطفلنا الثاني..." بلعت ريقها ببعض الصعوبة:" أظن أن الوقت فات لاعادة تقييم الوضع"
انطلقت الالعاب النارية في هذه اللحظة من الجزيرة المجاورة، كان العرض مبهرا لدرجة انها نسيت وساوسها المعتادة،رفقة فرانكو تشعرها بالطمئنينة، الشيء الذي لم تحسه فورا عندما سقطت عيناها عليه للمرة الأولى في المستشفى بروما، الوحش الأدمي لم يزل نظراته عليها خلال عملها حتى قبل أن تلتقي المريض الذي اتى على الخروج من غرفة العمليات، كان داركو سيئ المزاج حينها لدرجة أن الممرضين يتفادون غرفته، لكنه اصبح حملا وديعا ما ان رآها، بعد أسبوع من خروجه المستشفى طلب يدها للزواج كي تتغير حياتها الى الأبد.
* * *
كان المركب يشق ببطى أمواج موناكو المضطربة، منذ زمن لجئت نساهم للأسرتهن، و ربما لمنحهم تلك الحميمية التي يرغبون دوما بها ليناقش كل منهم طريقه التي توقفت فجأة أمام باب مسدود، يراهم الليلة اليخاندرو شارذو الذهن، ربما أمضوا ليلة رائعة لكن روكو اصبحت ابتسامته قسرية بدءا من منتصف الليل، خوسيه أصبح أكثر صمتا، سيزار أكثر قلقا، يبدو انه و داركو الأكثر ثرثرة:
" من سيبدأ بالإعتراف؟؟ و من سيلعب دور الكاهن؟؟"
قال داركو وهو يفتح قنينة شامبانيا لم يعد يتذكر اليخاندرو عددها، توقفت محركات اليخث على منظر جزر قريبة و الالعاب النارية تضئ رداء السماء الحالكة و الخالية من النجوم.
كانت مياه المسبح المضاءة مضطربة أيضا بسبب الرياح، بفضل الكحول الكل يشعر بالحر على ما يبدو، كانو يسترخون فوق كنبات وثيرة في مؤخرة اليخث العملاق، رذاذ البحر لا ينفك عن الالتصاق بشعرهم و ملابسهم.
" اليخاندرو الكاهن..." اقترح خوسيه وهو يهز كأسه نحوه:" يملك دوما الكلمات المناسبة ..."
" ان كنت ترى بأنني المناسب لما لا تبدأ بإلقاء ما لديك؟؟" سأله اليخاندرو وهو يقبل بكأس الشامبانيا الذي قدمه له الأمير:" أم تفضل الانعزال لتبكي خيبتك الواضحة؟"
" خيبتي؟؟ لما تظنني خائبا؟؟" هاجمه خوسه بصوت خالي من التسلية.
" لأنك جلبت عاهرة لطاولتنا و بين نسائنا... ظننا ان الجميلة آيا تمكنت من كسر قيودك اللعينة..." تدخل سيزار لم يروق لخوسيه الذي عدّل من جلسته و رمقه بنظرات سوداء:
" لا أنتظر أن يتم اصلاحي من طرف امرأة..." قال بصوت جليدي:" أحب أن تبقى قيودي في مكانها اللعين ، لما تظن بأن امرأة مثل آيا تؤثر بي؟؟"
" لأنها تؤثر بك..." أكد داركو وهو يجلس على الكنبة:" أنت تعس الليلة، و لو كان العكس لجلبتها معك..."
" لما تظن بأنني قابل للتأثر؟؟" سأله متصنعا عدم الفهم.
" هناك ما يزعجك بشدة خوسيه... ان احتفظت به فستنفجر... يمكنني وضع العنوانين الكبيرة لو رغبت..." اقترح مجددا سيزار بتهكم:" الجميلة ترفضك في سريرها؟؟"
بقي خوسيه بلا صوت، يبدو أن أصبع سيزار وُضع تماما على الجرح النازف الشيء الذي دفع روكو للتدخل.. مثل المعتاد... لا يمكنه تركه يتلقى الضربات بمفرده.
" حبا بالله أتركوه و شأنه... لقد بالغ في الشرب، لم يكن يهذف للإساءة"
" يمكنني وضع أي امرأة شئت في سريري فالخيارات متاحة و بكل النكهات..." قال خوسيه متجاهلا دفاع العرّاب عليه:" رفض آيا لي لا يعني بأنها المرأة الوحيدة!..."
ثم أتى على الاعتراف علنا، انصبت كل الأعين عليه، عادة خوسيه يتفنن في اجوبته، انه غامض أيضا و صاحب كبرياء مريب، أن يلقي بهذه الملاحظة يكلفه الكثير، عاد ليدافع عن نفسه بهدوء:" مجيئ التوأمين جعلاني عاطفيا و ارتكبت خطأ اقتراح تعديل بنوذ عقد زواجنا... خطأ... لا أنوي ارتكابه مرتين... أظنها تملك خطط أخرى بعيدة جدا عني... استثمرت أموالي و اشترت بيتا لعينا و أسست مشروعا سينفجر خلال سنوات لأن فكرته استثنائية و متفردة... قامت بوضع زرابي عضوية في السوق و تشغيل كل سكان قبيلتها التركية النائية..."
ان كان ينتظر تعاطفا فهو واهم، الكل أبدى اعجابا بآيا تخللته بضع تصفيرات طويلة تحمل كل معالم الاجلال، رغما عن أنف خوسيه الا أن الجميع يحب تلك المرأة و يقدرها، ذكائها يجعلهم بصفها، الشيء الذي جعله ينفجر من الغضب:
" أنتم معي أم معها؟؟"
" أحب زوجتك..." اعترف سيزار:" أظنها أجمل استثمار قمت به حتى الليوم دون خوسيه مارتينيز فلا تكن معميا, انها تملك كل مقومات المرأة الناجحة و القوية... برئي حاول كسبها بدل محاربتها... "
" تحبها؟ لكن هل تسخر مني؟؟" سأله خوسيه وهو يواجهه:" انها تخطط لأخد أطفالي مني؟؟"
" لما تصر على انها خائنة رغم كل ما فعلته أنت بها؟؟" سأله اليخاندرو متعجبا:" لما تصر على وضع الملامة عليها بينما لم تكن نزيها و منذ البداية؟؟"
" بما انها رفضت الرضوخ لي فلأنها تخطط للطلاق كما هو متفق عليه، سوف تتركني من أجل رجل آخر و ستحصل على الدعم المالي الكامل لمحاربتي... "
وقف روكو فجأة من مكانه ليقترب من خوسيه و يجلس بجانبه، و ضع يده على كتفه و كأنه يكلم طفل صغير:
" لن يحذث ذلك خوسيه... "
" ستكرر ما فعلته اليونور أنا متأكد..."
سقط الصمت المثبق على المكان، تبادل اليخاندرو النظرات مع داركو الذي التقط أيضا الخلل في الحذيث، الكل يحفظ قصته مع اليونور عن ظهر قلب، لكنها لم تكن يوما مسألة خيانة، لما يتكلم الأن و كأن كل المعلومات لديهم مجرد واجهة زائفة؟! رغم كل تساؤلهم الا ان روكو قطع فورا الحذيث الخاص بماضي صديقه المقرب، و جذب الانتباه اليه... تضحية جميلة لرجل فضل الالتزام بالصمت فقط ليخرج صديقه من ورطة الانزلاق وراء انفعالاته:
" أظن أنني أكثر من يحتاج للفضفضة..." ربث مجددا على كتف خوسه و كأنه ينبهه بالمتابعة في الموضوع، هذه الحركة زادت فحسب من تكثيف شكوكهم:" رفضت بريانا هدية نهاية السنة... و أخبرتني بأنها تريد طفلا..."
" هديتها ليست في جيبك انما في بنطلونك!" تهكم خوسيه بعد صمت لهذا التعقيب فإنفجر داركو في الضحك.
" لما لا نستبذل نسائنا روكو؟؟ أنا أريد طفلا بينما فلورانس ترفض الموضوع بتاتا؟؟"
" لن أستبذل بريانا بزوجتك ... لا وقت لي بترويضها..." علق روكو بتسلية مزيفة، يبدو أن موضوع الطفل يزعجه بشدة.
" من يملك طفلا متوحشا مثل نيكولاي فبالتأكيد سيمتنع عن التفكير حتى في الموضوع..." علق سيزار مبتسما:" أخبرتني روبي بأنه تناول طعام الكلبة..."
" ماذا؟؟" تسائل خوسيه بقرف و هو يمنع نفسه من القاء كل ما شربه خارجا... مهووس النظافة يرفض قطعا تخيل منظر الصغير بصدد تذوق غذاء الحيوان، اندفع الأمير للدفاع عن ابنه:
" لم يأكله... انتبهت لأمره المربية في آخر لحظة و أجبرته على القاء ما في فمه خارجا... من الطبيعي أن يحاول الاطفال اكتشاف ما حولهم..."
" ذلك الطفل مصيبة كبيرة، أظنه سيبدأ بإكتشاف ما تخفيه تنانير النساء باكرا جدا..." علق خوسيه مجددا:" برئي يستحسن تعليمة كيفية استعمال العوازل في الرابعة من عمره..."
" لن أقلق بهذا الشأن بينما ستتوفر له أوزلام..."رد داركو على الملاحظة بتهديد مبطن." يمكنه كسب تجاربه منها..."
" لكن كيف تجرؤ؟! أنت حقا سافل داركو..."
" أنت من قمت بسب ابني اولا..."
" ابنك ليس بحاجة للتشهير، سيكون زير نساء مثل والده... هذا في الجينات داركو لن يمكنك التحكم به"
" لكن أنظرو من يناقضني... رجل لم يترك سريرا في اسبانيا..."
قاطعهم روكو مجددا:
" هذا يكفي... للتذكير أيها الأمير... تنسى بأن أوزلام لها عرّاب سيحميها... و الأمير الصغير سيفقد أعضائه التناسلية ان فكر حتى بالاقتراب منها" هز داركو عينيه الى السماء بينما ابتسم خوسيه ملئ فمه، سعيد بدفاعات روكو عليه:" و الأن هل يمكنكم أن تكونو جديون للحظة؟؟ بريانا تنتظر جوابا مقنعا غدا... "
هذه المرة، سقط صمت محرجا للغاية، روكو لا يحتاج لنصائح أحد، يمكنه أن يفهم اسبابه بالتأكيد، وهم لا يملكون حلولا، من حق بريانا المطالبة بالأمومة لسيما بماضيها الحزين، اكتفى اليخاندرو بحط نظراته على سيزار الذي تراجع الى الخلف و قد فهم نواياه:
" انتزع ملابسك و ارمي نفسك في البحر.."
اعترض سيزار أمام عدم فهم البقية:
" هو لم ينطقها..."
" لن يحتاج لنطقها.. انه يقلق بشأن ردة فعلها... و هذا له تفسير واحد, هيا سيزار... كن عند كلمتك و انتزع ملابسك"
أمام تردده ابتسم اليخاندرو و وجه كلامه لروكو، سائلا اياه بنعومة:
" أنت تحبها؟؟"
" بالتأكيد أحبها و الا لما أطلب يدها بحق الجحيم؟؟ "
هذا التأكيد جعل سيزار يشتم بقوة بينما انفلتث صرخة نصر من شفاه اليخاندرو الذي راقبه بإستمتاع يبدأ بالتخلص من ملابسه قطعة قطعة الى أن بقي فقط بملابسه الداخلية:
" أقسم أن أدفعك الثمن اليخاندرو..."
أمام دهشة الكل اندفع الى نهاية المركب و قفز بين الأمواج، اندفع الجميع لمراقبته بينما شرح اليخاندرو بإنتصار:
" لقد خسر الرهان..."
" أظن أنني خسرت أيضا الرهان.." قال روكو بتسلية حقيقة هذه المرة و بدأ بدوره بإنتزاع ملابسه:" أيها السفلة الحمقى... أجهل لما أستمر بتحمل جنونكم..."
التحق بسيزار في المياه الجليدية و ترددت شهقة صدمة التقائه بالمياه الباردة، انفجر ثلاثتهم في الضحك، داركو أحب الموضوع، في لمح البصر تخلص أيضا من ملابسه و ارتمى بين المياه، لم يتبقى غيره و خوسيه:
" جبناء" صفّر سيزار من بين أسنانه.
" أقبل التحدي..." قال خوسيه وهو يتخلص من ملابسه ليرتمي في المياه و يشتم عاليا بالاسبانية مما دفعهم للانفجار في الضحك.
" هيا اليخاندرو... المياه رائعة" صرخ به داركو، يبدو سعيدا بين الأمواج التي تنيرها اضواء اليخث القوية.
يشك في هذا... لكنه لا يمكنه التجزأ من هؤلاء الذين يعتبرهم عائلته قبل أن يكونوا اصدقائه، يعرف بأنهم سيمرضون، وقد يجد روكو الفرصة ليتملص من طلب بريانا و كسب بعض الوقت بمرضه، تخلص من بنطاله و قميصه و صلى في نفسه قبل أن يصدمه التقائه بالمياه المثلجة التي سلبته أنفاسه:
" ايها السافل سيزار... "انفجر هذا الأخير في الضحك بينما يحاول تفادي المياه التي يلقيها اليه اليخاندرو بهياج حقيقي." كان يفترض بك السباحة بمفردك..."
و ككل سنة... نهاية العام ذكرى لا تنسى معهم.




أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 02-10-20, 05:44 PM   #3290

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل السادس عشر.

الانتربول لم ترسله للتجسس على ناومي مارشال بل على من تعتبره أخطر رؤساء مافيا في صقليلة، عموما هو في اجازة نهاية السنة، العرّاب اختار أخد رفيق دربه سانتياغو بدله الى مونتي كارلو و لا يبدو أن رؤسائه يأخدون تقاريره الأخيرة بجدية بالغة، برئيهم يبتعد عن الهذف، منحهم معلومات عن جماعة أسوغارا و أيضا يوليا فولكوفا، وضع كل أعمال روكو ايميليانو في قائمة كبيرة، رجل أعمال يستثمر في كل ما تسقط يده عليه، بعيدا عن المخدرات و عن الأسلحة، أعماله مخصصة جزئياً للxxxx ، والذي يضمن عدة سلاسل فندقية ، مؤسسات مرموقة من أربع أو خمس نجوم في العواصم حول العالم ، يملك معامل نسيج، معامل الطاقة، ملاهي ليلية، مطاعم راقية، مزارع و معاصر للنبيذ، اسم الايميلانو على محلات تجارية دائعة الصيت، كما انه رئيس المجلس الاداري لأضخم مشروع يتم انشاؤه في أغريجينتو، بواخر سياحية و يهتم بالرياضة اذ انه زعيم فريق كرة القدم المحلية، لا يبدو أن الانتربول مقتنعة و لا شيء كافي بالنسبة اليهم، المعلومات تبرء العرّاب و تبيضه و هم يرغبون بإسقاطه، ان كانت هناك تحركات مثيرة للشبهات فلم يراها للأن، الابتزازات للسياسي كانت منطقية برئيه فهو يضع شعبا بأكمله في مأزق مع مجرمون خطرون، و لا يعرف لما فضل الالتزام بالصمت بهذا الشأن.
راقب ناومي تهتز على الموسيقى العالية للــ D-J كبقية الجمهور من حولها، صديقاتها المستهترات لا يقمن وزن لحراكتهن المثيرة و هذا بدأ بجمع بضع الفضولين من حولهم، دافيد ريتشي تركهن بعد منتصف الليل، ان كان ينوي انهاء ليلته مع ناومي فربما انسحب ليهيء لها استقبالا مناسبا، لكنه هنا لمنع هذا ... تصرف سخيف من رجل أتى على هجرانها مرتين، تسلل بين الحشود بينما يرى أحدهم خلف ناومي مباشرة، و كما توقع قام بالتحرش بها مما جعلها تنتفض و تستدير نحوه لتدفعه بكل قوتها، لا يبدو أن رفضها راقه، رآه يمسكها من ذراعها ليقربها منه، لا يبدو أن الدخيل يفهم كلمة لا التي تكررها له، الحريق استهلكه و تحول دمه الى حمم، في ظرف ثانية حطّم قبضته على فكه ليجبره على تركها، الهتافات، و الصراخ، و الموسيقة العالية حالت دون ان يُسمع له صوت، أمسك بذراع ناومي ليبعدها عن الحلبة المكتظة، صديقاتها لم تنتبهن حتى للهجوم الذي تم عليها، شعر بها تقاومه بينما يجرها خلفه، بدأ الضجيج يبتعد ثم يتلاشى رويدا، تركها بعد أن أصبحا في عتمة احد الزقاق الخالية، كانت شاحبة و تهتز من الغضب، بالكاد تلتقط أنفاسها:
" كيف... كيف تظهر و تختفي بحق الشيطان؟؟ لكن من تظن نفسك لتجرني خلفك ككلبة ضالة؟"
وضع يديه على خصريه، كان غاضبا منها، غاضبا من دافيد ريتشي لأنه ترك ورائه ضيفاته، غاضب من نفسه لانه لم يقم بقتل المتحرش المعتوه:
" بهذه الملابس أنت تنادين للتحرش علنا..."
كانت ترتدي فستان بالكاد يخفي فخديها، ملاحظته جعلتها عمياء من الغضب، تبدو ثملة ايضا.
" ماهي مشكلتك معي بالضبط هيه؟؟ لما تلاحقني؟؟ مالذي تريده مني؟؟" لقد بدت عنيفة بينما تعود للهجوم عليه جسديا:" أجهل من تكون، لكنني متأكدة بأنك تعاني من خلل عقلي لذا أمنعك من الظهور أمامي مجددا"
تجاهل تنبيها بينما يراها مستعدة للعودة الى الساحة مجددا:
" اتيت على انقاذك من التحرش..."
" المتحرش الوحيد هنا هو أنت... مهما يكن اسمك.. انا لا أعرف من تكون و لا أريد أن أعرف... " وضعت أصبعا على صدره تضرب عليه ببعض الحدّة:" أو ربما أنت بصاص متسلسل تلاحق الفتيات مثلي... لا تبدو نزيها أو حتى واضحا... "
ابتعدت عنه تحاول الهرب الا انه عاد ليلتقط ذراعها، منظرها بهذا الفستان المثير جدا دعوة حقا للاعتداء الجنسي، لسيما من شبان أمضوا وقتهم في افراغ قنينات الحكول للاحتفال، اشتعل غضبها وضربته على صدره مجددا، هذه المرة لم يترك لها الفرصة، بقبضة واحدة التقطها من خصرها و سمرها مع الحائط الى ان حبست أنفاسها من المفاجأة، مازالت النار تتآكله و تجهل ما هو قادر عليه عندما يفقد صبره:
" لا أنوي تركك تعودين الى هناك... انها الثالثة صباحا و أنت ثملة و بفستان فاضح، الايطاليون ليسوا متحضرون..."
" و أنت تظن نفسك متحضرا؟؟" سألته من بين انفاسها المتسارعة تحاول التحرر منه بدون جدوى.
أجاب بلهجة مؤكدة:
" سأنسى تحضري ان استمريتي بتحديي و ضربي ناومي... سوف آخدك الى فندقك"
لم يكن يمزح! آه كلا... يمكنها رؤية النار المتأججة في عمق عينيه العاصفة، الكحول أعطاها جرأة لكنه يخل توازن أفكارها، كانت تتلوى، تلهث، تشتعل تحت لمسته التي تبصمها مثل الحديد المصهور، هذا ما يحذث في كل مرّة معه، مشاعرها تنطلق في عنان السماء مثل المفرقعات التي زيّنت سماء البندقية في منتصف الليل معلنة عن بدأ عام جديد، ما يحذث بينهما غريب للغاية... لقد تشكلت نوعًا من الروابط الخالدة بينهما يصعب شرحها، ولا شك في أنها ماسوشيًة للانخراط في هذا التعذيب، لأن كل ثانية تمضيتها بالقرب من جسده الدافئ و الرائع هي تعذيب حقيقي، وشوشت له بصوت أجش بينما تنجح مشاعرها من سلبها سيطرتها.
" أوقف هذا أرجوك!"
" أوقف ماذا؟؟"
" اللعب معي... لم يعد الأمر مسليا..."
تعرف أنه يشاركها مشاعرها المحرقة اللحظة، يمكنها الشعور بطاقته تلفها، بأنفاسه المتسارعة و التي تصفع وجهها، كانت صغيرة الحجم مقارنة به، قمة رأسها بالكاد تلامس دقنه، حتى بكعبها العالي دي التسع سنتمترات، شعرت به يخفف قبضته على خصرها لكنه لم يمنحها المسافة المطلوبة للهروب من جاذبيته التي تخدرها، لم تعد تشعر ببرودة الحائط الحجري ورائها و لا بخشونته التي تنهش لحمها العاري، حرارة جدعه تحرقها حتى العضم.
" لابد من اختتام هذا الفصل... " بدى صوتها غريبا جدا في مسامعها، هزت وجهها نحوه، كان يميل اليها كي يصبح بطولها، يتفرس في عينيها كمن ينوي الدخول من خلالهما"لا أعرف من أنت حقيقة... لما تستمر بملاحقتي! اليوم لست في مزاج لتحمل أهواءك!.. لعبة الغميضة خاصتك أصبحت مملة"
وضع يده على الحائط، قريبا جدا من وجنتها:
" أخبرتك من أكون... إسمي خافيير ميندوزا و انا مكسيكي ... التقيت بك ذات يوم و لم أتمكن من انتزاعك من رأسي... أما لما الاحقك... فأنا أجهل الاجابة ناومي... ما تفعلينه بي مثير... و مريب في الوقت نفسه"
هذا التصريح قضى تماما عليها و دمرّ خلاياها العصبية كلها، هي نفسها لا تفهم ما يفعله بها، لقد تشاركا يوما واحدا فقط، و تمكن من حفر نفسه بقوة في رأسها و قلبها، ان كانت تؤمن بالحب من النظرة الأولى؟؟ أصبحت تؤمن به منذ ذلك اللقاء الذي لم يكن في الحسبان.
" أتيت من صقلية لأجلي؟؟" سألته بنبرة غريبة.
" تعرفين الإجابة .." أكد لها بجدية.
كانت أنفاسه تقترب أكثر من وجهها، في عتمة الزقاق و برودة ديسمبر أصبحت عبارة عن كرة لهب متفجرة:
" كيف وجدتني؟؟" سألته وهي تقترب غريزيا من شفاهه.
" من المستحيل عدم إيجادك أو ملاحظتك..." اقترب أيضا منها و كأن ثمة مغناطيس يستحيل عليهما مقاومته:" أنت الفتاة، الأكثر اثارة و الأكثر جاذبية التقيتها في حياتي belleza "
ركضت أصابعه الرجولية حول خصرها ، وبينما كانت تهتز في صدمات كهربائية رائعة ، أدركت أنها فُقدت، لسيما وهي تقطع بنفسها المسافة الضئيلة جدا لتتجرع شوقها من تلك الشفاه الرجالية المغرية،من المستحيل عليها التراجع بينما تتفجر مشاعر قوية بداخلها... لقد كانت فريسة رغبة ملتهبة، منومة بجاذبيته الشديدة التي تسلبها كيانها... كان يقبلها و كأنه لم يقبل امرأة غيرها في كل حياته.
"mi amor"
هل هذا يعني حبيبتي بالاسبانية؟! الكلمة انسابت عليها و كأنها خليط من الشكولا و العسل، رغم كل التاكيلا التي شربتها لتنساه الا ان عقلها صافي اللحظة للاحساس بكل قبلة، بكل لمسة، بكل كلمة.
فتح باب قربهما كي يغمر الضوء المكان، ابتعد عنها خافيير لكنه لم يتركها، الرجل بدى متسليا بمنظرهما و لاحظ شيئا بالايطالية فلم يتأخر خافيير بالرد عليه مما جعله يضحك قبل أن يغلق الباب و يبتعد بإتجاه الساحة المكتضة بالرقصين.
" مالذي قاله؟"
" بأنك فاثنة..." تعرف بأنه يكذب، ضمها الى صدره القوي مجددا و عصرها الى ان انحبست انفاسها:" انا جدّي جدا... أرفض أن تنهي سهرتك مع بقايا شبان ثملة... يفترض أن تُحذّري صديقاتك أيضا... سآرافقكن للفندق..."
عندما أمسك يدها لم تهرب، أتت الحركة عفوية، حتى أنها وجدت نفسها تشبك أصابعهما و كأنهما عشاق منذ سنوات مضت، نوع من السعادة خدّر حواسها، كانت تتطلع اليه و كأنها بالكاد تصدق نفسها، خائفة و مرتعبة من أن يهجرها مجددا دون تفسير مقنع، تماما كما فعل أمس...
ايفا و جيمي لم يحتفضا بلسانهما، ما ان سقطت نظراتهما على خافيير حتى فضحا كل اسرارها اللعينة، الكحول السبب، على الفور نادينه بمجهول عبّارة كاتراز... شعرت بخديها تحرقانها بشدة.
العودة الى الفندق تبعثر بين الضحك الهستيري لصديقاتها و أيضا... ايفا أفرغت كل معدتها في زقاق ضيق غير بعيد على الفندق:
" بالغت في التاكيلا..."
لم تعد قادرة على المشي، انحنى خافيير عليها ليحملها فوق كتفه، اتسعت عيناها من الرعب بينما تشاهد يدي ايفا تبحث في عضلات ظهره و تنزل نحو وركيه:
" اللعنة... مما أنت مصنوع؟؟ كل شيء فيك صلب..."
جيمي ضحكت من قلبها بينما خافيير تمكن تخليص نفسه من تحرشها بوضعها مجددا أرضا بعد وصولهم الى الفندق، بدت ايفا حقا مريضة و شاحبة للغاية، لم يتركها الا وهي في غرفتها و فوق سريرها، نامت فورا على وجهها، انتزعت ناومي حذائها و وضعت عليها البطانية.
" أظنها بالغت في الشرب..." قالت ناومي وهي تغلق الباب خلف صديقتها التي بدأت تشخر.
" ستستيقظ بألم رأس فضيع..." قال خافيير وهي يدخل يديه في جيوب بنطاله:" حان دورك للخلود الى النوم..."
هزت رأسها نحو الغرفة التي قصدتها جيمي قبل قليل:
" أتقاسم غرفتي مع جيمي... "شعرت بعاطفة شديدة تشع في صدرها، لا تنوي الالتحاق بجيمي فورا، تخاف ان يختفي مجددا و الا تراه أبدا...طائرتها غدا" فندقك بعيد عن هنا؟؟" قالت محاولة تأخيره أكثر.
" في الواجهة المقابلة"
أقطبت قبل أن تفهم قصده، هزت عينيها الى السماء:
" حجزت في نفس المكان؟؟ أظنك تحريت جيدا بشأني؟؟ كيف تمكنت من العثور على غرفة بينما الفندق يعلن عن امتلائه؟!..."
ابتسم لها ابتسامته الساحرة التي تسلبها رشدها:
" ضربة حظ..."
" لا أصدق كلامك..."
" هل تريدين المجيء؟"
كانت دعوته مباشرة، انسحبت ابتسامتها بينما تراه متحرقا لردّها، ان ذهبت معه فستمضي الليلة في سريره، و هي... ترفض أن تكون مرّتها الأولى بهذه الطريقة، من المستحيل مقاومته في خلوة بينما كل جسدها منجذب اليه بهذه القوة:
" أظنها... أظنها فكرة سيئة..."
يبدو متفهما، يعرف تماما ما تقصده، ما بينهما يشتعل مثل أعواد الثقاب، مثل البنزين، ان انغلق باب خلفهما فستتحول الدعوة البريئة الى انفجارت مدوية.
" لا بأس... تصبحين على خير إذن..."
لامس خدها بأطراف أصابعه و منحها ابتسامته المغوية، قوة وكمال الانسجام الجسدي بينهما غريب، يكفي لمسة هاذفة كي تشتعل مجددا... هل يشعر بهذا؟؟ بهذه الطرطقة في الجو؟؟ نعم هو يفعل... انسحبت ابتسامته كي تظلم نظراته من رغبة سلبتها أنفاسها، قطع المسافة بينهما ليلتقط شفاهها في قبلة جائعة، هذا بالضبط ما يخيفها... قوة مشاعرهما ، يمكنه ان يكون غريب و تجهل من هو الا ان تفادي ما يحصل بينهما مستحيل.
" أه عفوا... سأمضي الليلة في غرفة ايفا أظنها ستكون بحاجتي..."
جيمي لم تلقي نظرة أخرى نحوهما، أبعد خافيير شعرها عن الوجه الذي تشعر به ساخنا جدا و يكاد ينفجر من الاثارة، أمسكت بيده لتجره خلفها نحو الغرفة التي أصبحت لها وحدها، لم تفكر في العواقب بينما يغلق الباب خلفهما، في لاس فيغاس بحتث عمن يُمكّنها من عيش لحظات لا تنسى و بدون تتمة فقط لنسيان هذا الرجل أمامها، لحسن الحظ أن اليساندرو ايميليانو كان مفثونا بسكرتيرته و لم يأخد دعوتها على محمل الجد، و قد يمضي العمر و تتسائل عما سيكونه الحب بين ذراعي من رفض عقلها تحاشي صورته طيلة أشهر.
" لا أريد فرض نفسي ..."
" أعرف..."
لكن في الحقيقة، هي لا تعرف شيئا، كل شيء ضبابي و مشوش في عقلها، الاتصال بينهما أقوى من أي منطق، قد تكرهه لممارسة هذا الإغواء الشيطاني مرارًا وتكرارًا! ولكن في كل مرة تنظر فيها إلى هذا الوجه المشبوه تشعر بضعف غريب يخذر أطرافها، هذه البشرة البرونزية ناعمة ومشرقة. هذا الفم الذي يُقبّل جيدا، و هذه الهالة من الدفء والقوة ... مستعدة لإعطاء أي شيء لتمحي انجذابها له، ظننت أنها الأذكي بتقويم عرضه بالفكرة الغير الجيدة، لكنها من جرّته من يده الى هنا... هو من يقود اللعبة.
" ماذا؟؟ هل تنوي الاختفاء ككل مرّة؟؟"
سألته بينما تنتبه الى بعض التردد في عينيه، رأته يدنو منها قبل أن يحط يده على شعرها، يتلمسه ببعض الاجلال:
" أريد البقاء... أريد البقاء بشدة ناومي... " لكنه لا يريد وعودا، انه منجذب اليها بنفس الطريقة الملتهبة و المتفجرة الا انه بعيد عن الرومانسي الذي يمكنه ان يمنحها الاستقرار العاطفي الذي تبحث عنه، انها تثوق لعلاقة حقيقية و ليس ليلة عابرة في فندق بالبندقية،لم يدع لها مجالا للتفكير لسيما وهو يلامس اللحظة خطوط شفاهه بإبهمه و يتأخر على السفلى منها:" أنت امرأة فاثنة للغاية يا صاحبة العيون البنفسجية..."
ابتسم لها مرة أخرى، ابتسامة مغرية ومرحة... تعبت من الحرب مع انفعالاتها، منذ ذلك اليوم في عبّارة كاتراز... وهي تحترق من الرغبة له، من الأفضل وضع حد لهذا الهوس.لا شك في انه لا داعي من المماطلة. فضلت أن تكون مباشرة، وقفت على أصابع قدميها كي تضع كل موهبتها في قبلتها، لكن خافيير يبدو أكثر تجربة، و كأنها لا تزن شيئا حملها اليه، أحاطت خصره بساقيها، قبلته المتمهلة و الحسية تفقدها رشدها، تخللت أصابعها خصلات شعره الكثيفة، كان ملمسها ناعم للغاية، ينزلق تحت بشرتها مثل الحرير، شعرت على الفور بجسدها يتفاعل. بغض النظر عن خوفها من الحميمية وخبراتها المنعدمة السابقة مع خافيير فغرائزها الأساسية سيطرت على جسدها. لن تستطع المقاومة - ولا ترغب في ذلك..دون أن يرفع عينيه عليها وضعها فوق شراشف السرير الباردة ، تقوست ورمت رأسها الى الوراء بينما يخلصها من فستانها بلمحة بصر:
" جميلة من الداخل كما من الخارج mi amor "
يمكن لــ'كاندي البدينة' ان تكون فخورة بتحولها، فكرت بسرور و هي تستنذ على ذراعيها للتطلع الى الاعجاب في عينيه، ان كان يحب ما يرى فهي ايضا ترغب بإكتشافه من الداخل:
" هل تنوي البقاء بملابسك؟؟"
تلاعبت مجددا تلك الابتسامة النصف متسلية و اللعوبة المتهكمة، تخلص من سترته الجلدية قبل أن يأخد بحواشي كنزته السوداء و يبعدها عنه كاشفا عن جدع قوي جعلها تحبس أنفاسها، لا تميل مطلقا للـ Bad boys tattooed ، ربما المغواين مثل دافيد لكن رجل يعرض انجازاته على صدره شيء جديد عليها، كل هذه الوشوم لا تخفي روعة العضلات تحتها، أمام هذه الصورة ، خيمت الإثارة على أفكارها مثل دوامات من الدخان. كانت تعلم أن الرغبة تفقدها محاملها ، والآن ، هي تعاني مع نفسها.
" يالهي...أنت.. أنت رائع جدا "
وضع ركبته على السرير الذي اهتز تحت ثقله و اطل شامخا فوقها، مسيطرا عليها، مدت اصابعها الى تاريخ مكتوب أفقيا، تحته تماما رأس ثنين بوجهين! رمز القوة والحكمة.
" ما معنى هذا؟ تتمتع بشخصيتين ؟"
ابتسم لها كي تظهر غمازته اللئيمة التي تسلبها رشدها:
" أملك توأما...اسمه اليخاندرو و صدقيني, نحن مختلفين جدا "
المفاجأة الجمت لسانها، لم تتوقع أبدا أن يكون له توأما:
" واو... لم أتوقع هذا... هل يعيش في المكسيك؟"
" بل في صقلية... انه خطيب الاميرة فالكوني، حبيبة صديقك دافيد السابقة"
توقفت يدها على عضلة قلبه التي تكشف عن وجه ثنين بتعابير متناقضة، مَن مِن التوأمين الهادء و من منهما المتقلب؟ هذا ما يوحي به الوشم، تطلعت الى عيناه الرماديه العاصفة من الرغبة، ادركت بأنها على وشك تقاسم الحميمية مع رجل تجهل من يكون بالمرة، غريبة حقا هذه الصدف، ان يكون توأم خافيير من سلب دافيد حبيبته... مزاج هذا الاخير سيء للغاية... هل مازال يحبها؟ العودة الى صقلية مريب له... لسيما ان يرى حبيبته مع رجل آخر... اذن ففي النهاية دافيد يملك قلبا.
اندحرجت اصابعها على الرسوم الأخرى، لامست رمز الشجاعة والقوة في بداية عضلات معدته القوية، تأخرت على رمز فالكيري الذي يضعه الجنود المستعدة في المعركة و الحفاض على الشرف العسكري، الرسوم على جسده ذو جودة عالية للغاية، في أسفل بطنه حفر الجعران رمز خلود الروح على نذبة غائرةـ و كأنه تعرض لطعنة سكين، انها امام قصص و أحداث لا يمكن نسيانها مدى الحياة لأنها محفورة فيه،تعكس الحالة الداخلية خاصته ، وشخصيته ، وخصائصه وعاداته،أي من الوشوم أمامها تحمل معانى خفية ، لكنها تعكس دائما قوة وثقة رجل حقيقي، وفي الوقت نفسه تخفي نذوبة، هل هذه آثار طلقات نارية؟ استعادت اصابعها و هزت نظراتها اليه، تخمة من المشاعر المتناقضة:
" هل أنت جندي؟"
" سأكون كل ما تريدينه الليلة mi amor "
تبخرت بقية اسئلتها في الوقت نفسه الذي امسك بمؤخرة رقبتها ليطبق عليها بشفاهه الشرهة، بادلته شغفه بنفس الالحاح و القوة، شعرت بوجوده في كل خلية من كيانها، أغمضت عينيها بينما يجردها مما تبقى لها من ملابس و من تعقل أيضا ،كانت تسمع أنفاسهما المضطربة فقط، و لم يكونا رومانسيين في اندفاعهما، كانا مثل حيوانين يتقاتلان بشراسة في بركة وحل ، هي الفتاة الرومانسية التي تنتظر عشيق هادء و لطيف بصدد صدم نفسها، لا شيء بريئ في لمساتها، و كأنها فعلت هذا مع عدد لا يحصى من الرجال، وربما خافيير يفكر في الشيء نفسه لأنه مستعجل للانتماء اليها، هل هي مريضة كي تعجب بالحيوان فيه؟ نفس الذئب المكشر عن أنيابه الموشوم في المنطقة الذاخلية لذراعه؟
ليست هذه الافكار ما تتناوب في رأسها عندما تتخيل مرتها الأولى، و لسبب ما... هذا السيناريو يروقها أكثر... فليذهب التعقل الى الجحيم.
* * *
استيقظت ببشرة شاحبة و هالات مريعة، منظرها في المرآة مريب للغاية، أمضت أسوء ليلة منذ صراعاتها الأخيرة معه، لغبائها ظنت أنها تسيطر مجددا على الوضع، الا ان حياتها تعود للانفلاث من بين يديها مجددا، أمضت ليلتها في التفكير و التفكير دون الوصول الى نتيجة، الوجه الجديد الذي منحه لها كيليان غريب عليها، انها المرة الأولى التي يقوم بتهديدها فيه، و لا يبدو أنه يمزح، الشيئ الذي تركها بلا نوم، تستعمل كل دهائها الأنثوي لتعثر على حل للمصيبة، ان فقدت كيليان فستفقد كل شعبيتها، ستفقد عائلتها، و من المستحيل أن تعثر على أحد بقيمته و سلطته، انها زوجته، و هذا ما يجعلها ما هي عليه اليوم.
انها بحاجة لربح الوقت، ستعمل على أن يغير رئيه، ستفعل المستحيل للعثور عمن تحاول نزع ممتلكاتها منها، ثم ستغويه مجددا، و ستمنحه وريثا جديدا، تعرف بأنه لن يفكر مجددا من الابتعاد عنها ان تحققت آمالها.
تجملت قليلا لتخفي شحوبها و خرجت من غرفة النوم التي ظنت بأنها ستتقاسمها مع رجل فضل قضاء وحدته بين محركاته اللعينة، شدت على حزام روبها بينما تراه في غرفة المعيشة أمام طاولة الفطور، جريدة في يد و قدح قهوة فوار في الأخرى.
اضطربت رؤيتها بالسقوط عليه و تشوشت، مثل المعتاد... وسيم لحد الهذيان، شعره الحالك السواد مصفف الى الوراء، دقنه المربعة حليقة، يرتدي سترة رقيقة من الكشمير بيضاء كالثلج شكلت ذراعيه القوية و جدعه العضلي وأخرج اللون الابيض أكثر زرقة عينيه... ست سنوات و نصف من الزواج و لازالت تفقد كل قدراتها لدى رؤيته، لسيما وهي تعرف بأنها لا تمثل له أكثر من والدة ابنته... قيمتها أقل من الجريدة التي تسلبه اهتمامه بشدة، حتى أنه لم يلتهمها يوما بنظراته بالطريقة نفسها، هل من المعقول أن تشعر بالغيرة من حفنة أوراق اقتصادية؟؟!
هز نظراته الزرقاء من فوق الجريدة ليمنحها لفتثة وجيزة ثم يعود ليغوص في أسهم البورصة و أخبار منافسيه الذين يحتاجون لسنوات ضوئية للحاق به، كيليان ارشيبالد خلق مع ورقة الحظ في يده، وهي... بصدد فقدان كل هذا.
جلست مقابلا له و تنحنت قليلا لتصلح صوتها قبل أن تقول:
" صباح الخير !"
التقطت ابريق القهوة لتسقي لنفسها فنجانا بينما تراه من خلال رموشها يطوي الجريدة و يضعها فوق الطاولة.
" صباح الخير ايموجين..."
اضافت العسل الى فنجانها و رأت أصابعه الانيقة و المقلمة جيدا تلتقط هاتفه ليتفقد الشاشة قبل أن يعيده فوق الطاولة بحركة جافة، هل ينتظر رسالة لم تصل؟ هل هي المرأة الاخرى التي ينفي بقوة وجودها؟
توفر النوافذ الضخمة ورائه إطلالة بانورامية على المدينة. كانت أبواب الشرفة مغلقة، الثلج يتساقط بكثافة شديدة على العاصمة الروسية، تملك يوما كاملا معه، قد يستأف اعماله غدا لان كل موظفيه في اجازة، لجس النبض سألته وهي تلتقط كرواسون من الصحن الذي يعرض كافة المخبوزات المفضلة له.
" عملت طيلة الليل؟"
يبدو و كأنه لم يسمعها، عاد يحمل هاتفه الذي أصدر صوتا مخنوقا، رأت ملامحه تنغلق بسخط شديد، هل تلقى خبر سيء؟ حط عليها نظرات جليدية لدرجة انها اخفقت في بلع قهوتها، ثم رأته يدفع بظهره على ظهر المقعد :
" أتمنى أن الليل كان مرشدا مميزا؟!"
" القصة تبدأ مع زوجة و أم تأمل بالحفاظ على أسرتها... " مسحت اصابعها في المنديل الانيق بجانب صحنها الفارغ " ارجوك كيليان فكر في الموضوع مجددا... ليست استغاثة عاشقة مجروحة القلب بل أم تخشى عن مشاعر ابنتها"
" هذا يكفي" تدخل بصوت منخفض بينما يعود مجددا لتفقد هاتفه و يكتب رسالة ما مردفا" انت تضيعين وقتك بتحسيسي بالذنب... لم أولد أمس... و لا يتم ابتزازي بسهولة، سأكررها لك للمرة الاخيرة... أنا و أنت تنتهي رحلتنا الان... و ان قمتي بإستعمال مشاعر أوكتافيا فسأعمل على أن تتحول حضانتها لي، لا اسعى لإيذائك فلا تتذاكي معي... أريد الحصول على حريتي في اسرع وقت... هل أنا واضح الأن؟ هل هذا يلخص لك وجهة نظري؟"
لم يهز مطلقا عينيه اليها، كان مايزال ينقر على ذلك الهاتف اللعين، كم تتمنى اختطافه منه لرؤية ما يكتبه و لمن يكتبه.
" انا لا أفهمك" قالت ببحة يائسة" تعيدني اليك بشروط كي تخرجني بنفس السرعة؟!"
هذه المرة هز عينيه اليها مجددا، نوع من المعاناة مر بسرعة في عمق نظراته الزرقاء، معاناة لا علاقة لها بها هي تعرف، انه يعاني من ارتكابه خطأ العودة فحسب، و هذا بالضبط ما أكدته كلماته الحامضة:
" اعذري غباء تخطيطي"
" لست مجردة من المشاعر كيليان كي تعاملني بهذه الطريقة.... وضعت كل اعمالي، كل روتيني، كل حياتي العائلية جانبا من اجل ارضائك و لا يبدو هذا كافيا... أنت وحش من الأنانية" قالت من خلال الدموع التي تحرق عينيها" مالذي جرى ؟ هل من حقي معرفة الحقيقة على الاقل؟ مالذي جعلك تنقلب ضدي؟"
" توضحت الرؤية بعد عودتك و أدركت أنك عاجزة عن جعلي سعيدا"
انزلقت الدموع على خديها، هذه الكلمات مؤلمة للغاية، يرفض ان يكون صادقا و يخبرها الحقيقة. لكنها تقسم أن تكتشف ما يحاول اخفائه بكل قوة، تحتاج فقط للوقت كي تضغط عليه من خلال أوكتافيا.
" آسفة لأنني لم أتمكن من اسعادك... أنا حقا آسفة و أظنني استحق هذا العقاب... لسيما و قد منحت عملي الاهمية... كنت اتمنى فحسب أن تمدد الفترة التجريبية, من أجل اسرتنا... من أجل ابنتنا"
قفزت بعنف بينما يضرب على الطاولة بقبضته، ست سنوات زواج... تقريبا سبع سنوات لم يظهر ادنى مؤشرات العنف حتى اللحظة، من هذا الرجل أمامها بحق السماء؟:
" توقفي عن حشر أوكتافيا ... أنت من سيخرج من حياتي و ليس هي... منحتك ست سنوات من حياتي كي تتمتع الصغيرة بأكبر مدة ممكنة مع والديها معا لذا توقفي عن استغلالها مرارا و تكرارا"
" لكنني أريد البقاء في حياتك كيليان أنا أحبك"
" لكنني لا أبادلك مشاعرك..."
" لماذا لأنك تحب أخرى؟؟"
رأته يثبتها بطريقة قوية، كان ينسلخ تماما عن معطف كيليان الذي طالما عرفته، اللبق و الذي يختار كلماته كي لا يجرحها، انها امام غريب لا تعرفه، عندما تكلم جاء رده هادئا:
" فليكن ايموجين... تريدين لعب هذه اللعبة؟ " وقف من مكانه دون ان يتركها بنظراته" لم اخفي يوما عنك مشاعري و بأنني منحتك اسمي من اجل الطفل الذي تعمدتي الحمل به لأنني لست أبلها كما تظنين... أنت طبيبة ووسائلك عديدة اليس كذلك؟ لم اتمكن من الغفران لك، لن يمكنني الثقة بك يوما، لم اعد احتمل تعاليك و تبجحك و انانيتك، لا ارى نفسي محبوسا في زواج زائف لما تبقي من عمري، من حقي كما من حقك بداية جديدة... فلا تحاكمي مشاعري، لا تحاكمي قراراتي بينما فعلت تماما ما يرضي ضميري كأب نحو ابنتي، دعيها تعيش طفولتها و ارحميها من انانيتك...أنا من يرغب بالطلاق فلا دخل لها بقراراتي كي تدفعيها الثمن و تتعسيها... هذا آخر كلام بيننا... سيتواصل المحامي معك"
" لا انتظر" التقطت ذراعه قبل ان يبتعد "كيليان اسمع... انت محق في كلامك لكنني اطلب مهلة فحسب ارجوك... "
نجحت بإستقطاب انتباهه لم يعد امامها سوى الخطة B
" ابي يتقدم للانتخابات و هذا النوع من الفضائح سيقضي على حلمه السياسي... فلنؤجل موضوع الطلاق حاليا... سأعود الى ميامي و اتركك و شأنك لن اخبر اوكتافيا بشيء، أعدك ان تكون راض ما ان يحصل والدي على منصبه... طلاقنا سيدمر كل شيء... انا ارجوك .. لقد عمل جاهذا و هو ايضا لا ذنب له في خلافاتنا... سيخسر كل شيء ان تركت العائلة الان"
بقي ينظر اليها قليلا و خلافا لتوقعاتها بالتعاون قال لها:
" أعدك ان يكون الأمر سريا للغاية... آسف ايموجي ليس في نيتي الانتظار"
شعرت و كأن يدا تسللت الى صدرها كي تلتف على قلبها و تعصره بلا رحمة، تخادلت و جلست مجددا في مقعدها تراقبه من خلال دموعها يتوجه نحو غرفة نوم الضيوف التي قضى فيها ليلته، لم تجعله سعيدا... وهو؟؟ هل جعلها سعيدة بحق الشيطان؟؟ رجل غامض لا يتكلم عن نفسه و لا يسمح له بالدخول سوى لجزء ضئيل جدا من حميمته، مسحت دموعها بهياج و غضب، يظن بأنها ستستسلم بهذه الطريقة؟؟ يلعب بها و بمشاعرها و كأنها بلا قلب، انها في فوضى عارمة يستعصى عليها التفكير بينما كل كيانها يحترق في هذه اللحظة، عاد الى مجالها البصري، كان يجر خلفه حقيبة معطف كاشمير على ذراعه، اصابها الهلع، هل سيرحل بهذه السرعة؟
" الى اين تنوي الرحيل في هذه العاصفة الثلجية؟"
" السباقات التجريبية على الابواب..." شرح لها بهدوء" سوف يتصل بك المحامي في الأسابيع القادمة..."
" كيليان... لسنا مضطرين لهذا..."
تجاهل تعلقيها:
" سآخد أوكتافيا الشهر القادم لأنني سأكون مشغولا للغاية... و أنتظر منك أن تمرريها لي عندما أتصل بها هاتفيا، انها صغيرة جدا على أن تحصل على هاتفها الخاص لهذا أتوقع تعاونك ايموجين..."
عندما تزوجا، كيليان أرشيبالد لم يكن مستعدا لتقاسم ثروته معها، لهذا وقعت على عقد زواج بشروط، و اليوم سيكون الطلاق سريعا جدا بفضل هذا، لسيما و قد ترك لها سلفا كل ممتلكاتهما في ميامي التي عاشا فيها خلال زواجهما.
" أترك لك فرصة التفكير..."
" أنت لا تستسلمين هيه؟؟" سألها متهكما و هو يضغط على الزر لينادي المصعد:" و أنا أيضا لا أستسلم... سوف ننفصل ايموجين رضيت بذلك أم لا... "
رأته يدخل الى المصعد:
" أنت ترتكب خطأ كيليان..."
" سأتحمل عواقبه بمفردي..." أجابها بنبرة سئمة :" أنا مسؤول بالغ تماما على قراراتي... و ما أعرفه، أنك خارج دائرة حياتي منذ اليوم"
* * *
" سنيورا فليبينا أنا هنا..."
أغلقت فيرنا الباب خلفها و تحكمت بصندوق الخضر بين ذراعها و خاصرتها بينما يطل رأس العجوز من المطبخ، لمعت عيناها بسرور بينما تقعان عليها، ككل مرة و منذ طفولتها توفر لها المرأة هذا النوع من الاستقبال الحار:
" أدخلي يا صغيرتي لقد أنتظرتك طيلة الصباح..."
جرّت رجلها أكثر مما يلزم مما نبّه العجوز بينما تتقدم لتساعدها في التخلص من الصندوق ووضعه على طاولة المعيشة:
" تبدين متألمة يا طفلتي!"
"انزلقت في ارضية الحمام هذا الصباح و انتهى الأمر بكمادات مريعة لكن لا تقلقي... أنا بخير..."
لكن العجوز لا تنوي سماع احتجاجاتها، أجبرتها على الجلوس و ابعدت ثنورتها الطويلة كي تلقي نظرة، عضت فيرنا على شفتها السفلى بينما أصابع المرأة تضغط على مكان الألم:
" صغيرتي انها متورمة للغاية ينبغي الا تعملي..."
" ليس المرض ما سيدفع ثمن الفواتير، لسيما و قد قررت رفض كل قرش من السيدة..."
هزت العجوز عينيها نحوها، لابد أن نبرتها اليائسة نبهتها بوجود مشكلة، فليبينا ليست فحسب امرأة وحيدة مثل بقية العجزة الذين تقوم بمساعدتهم، لكن كانت صديقة مقربة جدا لجدتها، و عملت لمدة أربعين سنة كقابلة للقرية و أيضا كمعالجة بالطب البديل، انها تعرف سرها، تعرف بأنها من الكوستانسو، لأنها و بكل بساطة هي من ساعدت جورجينا في الوضع، بعيدا عن المستشفيات التي من الممكن ان تفضح سرها:
" ألتقط غضبك ... مالذي حصل؟؟"
سألتها وهي تستوي كي تلتقط قنينة سوداء من أحد الرفوف و تعود للجلوس أمامها، رغما عنها شعر فيرنا مجددا بالرؤية تتضبب أمام عينيها:
" تتذكر فجأة بأن لها ابنة..." شرحت فيرنا و هي تشعر ببرودة المرهم على بشرتها المتضررة:" قررت قطع الروابط المتبقية، فلا داعي للاستمرار في هذه المسرحية المقيتة، أظنني كبرت كفاية كي أنسلخ عن ظلها... تعبت كوني البنت الغير شرعية للمرأة الثرية"
دعكت فليبينا بخبرة على ركبتها، المرهم مصنوع من الزيوت الأساسية التي تسللت بقوة الى أنفها،القرنفل ، الكاجيبوت ، القرفة ، الأوكالبتوس ،النعناع و الكافور، أصبحت معتادة على هذه الروائح، نزلات البرد و الحرارة و حتى وجع دورتها تتكفل بها المرأة بكل سهولة، لم تتمكن من تحقيق المعجزة مع ركبتها التي كادت ان تفقد ساقها في تلك الحاذثة المأساوية، تنهذت بإرتياح تحت الاصابع الخبيرة، مرّ من أمام نافذة المطبخ شاحنة عملاقة لمعدات البناء مما دفع المرأة للتعليق:
" الأشغال في أوجها في معصرة صديقك..."
" هو ليس صديقي..." صححت لها فيرنا بجفاف:" كنت أتقاضى أجرا للاهتمام بالمعصرة... "لمحت ابتسامة على شفاهها:" ما المسلي دونا فيليبينا...؟؟"
" اعذري مباشرتي يا صغيرتي فنظرا لسني أفضل أن أكون كذلك... لكن... ذلك الرئيس يبدو مهتما بجدائلك أكثر من عملك..."
فتحت فيرنا فمها لتتكلم و عادت لتغلقه، عموما فسانتو طالما أحب شعرها، تعرف أن العجوز لا تقصد هذا بتلميحاتها، فجأة تذكرت شيئا:
" كم من سنة عملت عند الايميليانو؟؟"
" حتى و فاة 'دون يانيس' و اهمال المزرعة..." ردت بهدوء وهي تأخد مجددا المرهم لتضعه هذه المرة على المنطقة الداخلية لركبتها.
" كان صاحب اسرار كثيرة..." أقرت فيرنا تجهل باي طريقة يمكنها الاستفساء بشأن والدة سانتو دون ان تثير فضولها..." منها عدم الوفاء اليس كذلك؟ دونا سابرينا لم تكن الوحيدة في حياته..."
" القي سؤالك مباشرة يا صغيرتي... "
لا يمكنها أن تكون مباشرة دون أن تفشي سر سانتو الذي أمنها عليه، بأنه الابن البكر ليانيس ايميليانو من راقصة روسية سلبت الديكتاتور لبه، فضلت نسيان الموضوع، هزت كتفيها مدعية عدم الاهتمام:
" عملت في طفولتي في المزرعة و كنت أتذكر رقته و لطفه معي..."
" طالما كن حمائيا بشدة معك...فلم يُخفى عليه أصلك هو من استأمنني على والدتك..."
" أعرف..." قالت متنهذة:" ذات مرّة أخبرني بأنني أشبهها بشدة ... "
" لم يخطئ التقدير... حتى أنني أراك أجمل و لابد أن ابنه يرى فيك نفس الميزات كوالده"
شعرت فيرنا بالدم يتجمد في عروقها، رمشت عدة مرّات بينما العجوز تنتهي من الاهتمام بكمداتها و تبدأ بجمع عدتها الصغيرة.
" من تقصدين بكلامك؟..."
" صديقك هو ابن يانيس من امرأة أخرى..." شرحت العجوز وهي تمنح لها ظهرها:" الشبه خارق للغاية، انه نفس صورة العرّاب، سبحان الخالق... برئيك لما اختارني كي أسهر على ولادة والدتك؟؟ سبق وو ضع حبيبته الغالية بين يداي... وضعت الصغير تماما كما وضعتك فيرنا... "شعرت بشيء ينفجر في داخلها، من الصعب تقبل هذه التصريحات، تعرف أن فليبينا اصفر وجهها عندما سقطت نظراتها عليه للمرة الأولى، حتى انها دعته عندها و طرحت عليه الكثير من الاسئلة، لكن أن تكتشف انهما يملكان كل هذه النقاط المشتركة تجعلها بلا صوت." هذا ما كنت تحومين حوله منذ البداية؟؟"
" عندما رايته للمرة الاولى التقطت الشبه بينه و بين دون يانيس، ذاكرتي الطفولية لم تنساه أبدا، كنت معجبة للغاية بغمازاته و سانتو يملك كل تفاصيله حتى تلك الغمازات شيء حقا لا يتقبله عقل، لكنه أنكر... أخبرني بأنه روسي..."
" نصف روسي... والدته أوكتافيا روسية... "
الفضول كاد أن يحرقها حية:
" اذن فقد تعرفت على عشيقة دون يانيس؟!.."
هزت العجوز رأسها بعدم فهم وهي تصحح:
" كانت زوجته.."
لم تعد فيرنا تفهم حقا ما تسمع:
" العرّاب تزوج من امراة و احدة و هي دونا سابرينا...."
منحتها العجوز مجددا ظهرها و رأتها تملأ الإبريق القديم بالمياه قبل أن تضعه على النار،اذن ففليبينا تملك مفاتيح ماضي سانتو تماما مثلها، صدفة غريبة حقا، تبدو منزعجة لأنها لاحظتها واقفة على قدميها مجددا:
" يا فتاة لن أتركك تعملين بقية اليوم، سوف تعودين الى بيتك و تهتمين بهذه الركبة المتضررة..."
" لا أنوي الكلام على ركبتي دونا فيليبينا... أرجوك أخبريني عن أوكتافيا, كيف يُعقل أنها تزوجت العرّاب؟؟"
أشارت لها للجلوس فأذعنت دون نقاشن طالما اهتمت بصحتها، تعرف بأنها تقلق بشدة عليها.
" كيف كانت؟؟؟"
" تشبه الملاك..." شرحت العجوز وهي تجلس بجانبها و تضع يدها مجددا على ركبتها و كأنها تتأكد أن مرهمها يقوم بدوره:" و تشبه الشيطان في نفس الوقت..."
هزت فيرنا حاجبيها منتظرة تفاصيل أكثر:
" كان مخطوبا لدونا سابرينا عندما تزوج أوكتافيا، ثم خشي على حياتها بسبب الصراعات فإخرجها من صقلية كي يضعها في المعصرة، العرّاب لم يكن نفسه في وجودها، أحيانا محبا لدرجة شاذة و احيانا... يكسر الجذران بسبب غيرته الشديدة، لدرجة انه سجنها لشهر كامل في غرفتها فقط لأنه رآها تتكلم مع احد قطاف العنب، لكنها لم تكن سهلة أو مغلوب على أمرها... طباعها النارية و شراستها جعلتها مميزة أمام رجل لم يجرؤ أحد على تحديه أو ترديد كلمة لا أمامه... "
لم تتكلم فيرنا، كانت تفضل الاستماع حتى النهاية:
" عندما حملت بطفلها كاد العرّاب أن يفقد رشده من السعادة، ظننتُ كما ظنت المسكينة بأن الأمور ستتخذ مجرى آخر و بأنه سيقوم أخيرا بتحديد خياراته، لكنه استمر في خطوبته لدونا سابرينا بل الزواج بها ايضا ... لصدمة كلتينا.... "
" العرّاب... تزوج امرأتين في الوقت نفسه؟؟ هذا خارق للقانون" صرخت فيرنا بلا تصديق.
" هو كان القانون عزيزتي.... جرأته أدت الى نهاية علاقته الجنونية مع أوكتافيا التي أقامت الأرض دون أن تقعدها و هددت بالرحيل و أخد إبنها معها... بالطبع هو لم يسمح لها... كان يخبئها عن الأخرين، جوهرته الثمينة التي يرفض كشفها لغيره، يغار عليها لدرجة أنه طرد كل الشبان العاملين في حقول العنب ليضع مكانهم نساء و رجال فوق الخمسين..."
عند هذه الكلمات ، شعرت بغضب يندفع عبر عروقها ، ونبض الأدرينالين في صدغيها.لقد تغلبت علي المفاجآت المتسلسلة بنوع من الحمى ...تيار حارق لا يطاق في أعماقها ، تكره الرجال الاستغلالين لضعف الاخرين كما تكره الاستغلاليات من النساء، ربما اوكتافيا لم تكن حقا بريئة او ضحية فقد شبهتها فليبينا بالملاك و الشيطان،لكن قصتها أشعلت حواسها الخمس... لا توجد من تستحق هذا الاذلال في سبيل الحب.
" يالهذا التناقض من رجل أحلّ لنفسه امرأتين!" علّقت متهكمة:" مسكينة أوكتافيا... سقطت ضحية مناور متلاعب و نرجسي... كيف يُعقل أنك من أشرف على و لادة سانتو؟؟"
" بسبب منصبه الحساس و تجرده من المنطق عندما يتعلق الأمر بأوكتافيا ، رفض ان تتلقى ولادة طبيعية في المستشفى... كان يضعها في مكانة التقديس و يخاف عليها اكثر مما يخاف على نفسه و لم يكن يثق بأحد غيري، استأمنني عليها في أسابيع حملها الأخيرة، أتذكر.... بأنه كان قلقا بشدة، أشيع آنذاك بأنه تورط في قضية كبيرة، لسلسلة اغتيالات سياسية، لكن حذره لم يكن كافيا.... قتلت أوكتافيا بأبشع الطرق بعد أشهر قليلة من ولادتها... سلطته و نفوذه أفقداه حب حياته... انطفئ البريق من عينيه منذ رحيلها الى الابد... لم يعد الى المعصرة منذ ذلك الوقت و أوكل لغيره التكفل بالأعمال.."
مريض نفسي نرجسي بقلب كبير قادر على الحب حتى الجنون، يالها من نهاية تعسة لامرأة تمكنت من افقاد الوحش السيطرة، شعرت بالحزن على والدة سانتو، الحزن العميق على نهايتها التعسة و المريبة... ياللسخرية القدر... الوسيم الذي ورث كل خصال العراب الجسدية يحارب شياطينه لهذا الشبه و يعيش الرفض و يوهم نفسه بقصة مختلفة تماما...هو الذي يظن بأن والده هجره كما اساء لوالدته، و في النهاية و كما هو واضح...أبعده ليحميه لأنه ثمرة عشقه المجنون... رغب له بوجود مغاير.
"من قتلها؟؟" سألت بغصة بينما تشعر بأوثار صوتها تهتز بحدة و بحلقها يؤلمها.
صفر ابريق المياه مما استدعى انتباهها، راقبتها تصب المياه المغلية في فناجين بها أكياس الشاي و أعشاب خاصة فقط بها و بخبرتها.
" تم خلق الكثير من القصص حول اغتيالها... كانت كابري في حالة انقلاب تام... كل الاباطرة نزلوا بها ليبرؤا أنفسهم أمام رجل غاضب ينوي حرقهم الواحد تلوى الأخرى... أشيع بأنهم المخابرات... ثم بأن والد العرّاب الذي رفض رؤية ابنه مع راقصة من سلط أحد للتخلص منها... ثم انتشرت قصة بأن دونا سابرينا وراء القصة...في النهاية... اتهموه بأنه وراء الاعتداء عليها و محيها بسبب غيرته المريضة و قرارها الاكيد بهجره ... أوكتافيا كانت حازمة للغاية معه و لم تكن وعودها هباءا"
" كل الاحتمالات واردة..."
منحتها فنجانها و عادت لتجلس بالقرب منها:
" لم تموت أوكتافيا بمفردها ذلك اليوم بل أخدته معها... لم تكن حبيبة عادية، كانت رفيقته، العقل المدبر أيضا، كان يستشيرها فيعمل بنصائحها في أغلب الأحيان، كانت ذكية، سريعة النباهة، حكيمة و آسرة للغاية... لم يكن يانيس ليكمل من دونها"
" اذن لما تزوج أخرى ان كانت حقا نصفه الثاني؟؟"
" لم تكن ايطالية و هذا ذنبها الوحيد... كي يستلم ارث و الده و جده كان عليه الزواج من ايطالية و الحصول على وريث ذكر بدماء صقلية مئة بالمئة... "
ثم تزداد قناعة بأن البشر أكثر الاشياء خلقها الله تعقيدا و أيضا سُخفا... ايطالية الدماء... هل توجد سخافة اكثر من هذه؟؟ هو الذي عشقها حتى الموت... تزوج غيرها بإسم التقاليد السخيفة... ياله من رجل... ماذا عن سانتو...؟ هل ورث عقد والده النفسية؟؟ أم ذكاء و دهاء و حكمة والدته؟؟ أم جمع كل خصالهما؟؟ من هو الرجل الذي اخفى عنها زواجه و أخدها الى جزيرة رائعة ثم قبّلها كما لم يقبلها رجل من قبله؟ هل هو أيضا بئر أسرار مثل يانيس ايميليانو؟؟
* * *
" استيقظي أيتها الجميلة النائمة.. أنا هنا! "
فتحت ديامانتي عينيها، لم يكن صوت فرانكو الذي آلفته منذ أسبوع الأن، نيوس يجلس على السرير، يده على كتفها و يهزها برفق، كان يرتدي بدلة رجل الأعمال، شعره مشعث قليلا و التعب باد بشدة على وجهه، هرب النعاس من عينيها فورا ، لم تكن تحلم... نيوس عاد حقا.
شعرت بالراحة تغمرها، هذه الأيام الأخيرة كانت بغاية القلق عليه و آريوس لا ينفك عن السؤال عنه، ساعدها على الجلوس و ماهي الا لحظة حتى كانت بين ذراعيه.
" متى عدت؟؟" سألته وهي تضع رأسها على صدره.
" لتوي عزيزتي... آسف لم أتمكن من الامتناع عن ايقاضك... الوقت مبكر للغاية..."كانت الساعة بالكاد تتجاوز الخامسة صباحا، لم تسمع صوت المروحية التي يقودها نيوس كما يقود سيارته، شعرت بيده على بطنها، يتحسسه برفق:" اذن فقد وفيتي بكلمتك و لم تلدي خلال غيابي؟!.."
" لن يتأخر ذلك بالحذوث... منذ يومين و أنا أعاني من التقلصات..."
شعرت به يضمها أكثر الى قلبه، يُقبّل شعرها، يشم رائحتها ببعض النهم، وشوش في أذنها:
" كم افتقدتك يا زوجتي!..."
" و أنا أيضا !..."
هزت نحوه وجهها مبتسمة، هذا الاسبوع برفقة فرانكو جعلها أكثر ترحيبا بنسيان كل تقلبات و قسوة نيوس، فلنقل أنه طبيب نفسي برتبة ممتازة، أو ربما ينتمي الى نخبة الإختصاصين في علم الطاقة، منحها الكثير من الدعم النفسي الذي جعلها قابلة لإمتصاص الألوان و الأمل، أتى اليها فرانكو و بنيته دفعها مجددا الى أحضان نيوس... أتى لأن سعادتها من أولى اهتماماته، تجهل اسبابه لكنها سعيدة للغاية لأنه كان بجانبها و أضاء حياتها.
" سوف أخد دوش و التحق بك في السرير لأنني لم أنم منذ يومين..."
قبل شفاهها مطولا و تركها متوجها نحو الحمام، وضعت يدها على بطنها المتصلبة بشدة و المتحجرة، موعد الولادة يقترب بشدة انها تشعر بذلك، و من ناحية أخرى هي سعيدة للغاية لأن زوجها تمكن من تحرير نفسه أخيرا و المجيئ، مندفعة بالحاسة السادسة تركت السرير ببعض الحذر و ارتدت روبها و خفيها، يدها على بطنها توجهت الى الشرفة الزجاجية لتفتحها على فجر حالك السواد، يناير بارد هذه السنة، لاحت بعينيها في الجزء الأخير من الجزيرة حيث يقيم فرانكو في ممتلكات روبي... حركة تحت الشرفة أثارت انتباهها، و كان هو، و كأنه خرج من تفكيرها ليتجسد أمامها، هل سمع صوت المروحية؟ بقيا يحملقان الى بعضهما ثم أشار الى المرفأ حيث العبّارة:
{ سوف أرحل...} هذا ما فهمته من حركته.
هزت رأسها معترضة... ليس بهذه السرعة:
{ كلا...}
{بلى... أرجوك اهتمي بنفسك..} كان يرتدي نفس الملابس التي ظهر بها في المرة الأولى أمامها، هل أتى تحت شرفتها و هو متأكد بأنها ستخرج للاطمئنان بأنه دوما في الجوار؟؟ غريب هذا التواصل, غريب أن يكون حساس جدا نحوها، أشار فجأة الى بطنهاففهمت بأنه يقصد حملها و أشار لها :{ اهتمي بالطفل}
أعمت الدموع عينيها و هي تراه يلقي عليها نظرة أخيرة قبل أن يتسلل بخفة فهد متمرس في جناح الليل نحو المرفأ، ابتسمت في تأملاتها و دموعها، أمضت أسبوعا وهي مدللة وهو أدرك كيف يكون صديق جيد، عليها أن تكون ممنونة لأنه أتى... ككل مرة يأتي عموما... يمكنها أن تكون في الطرف الأخر من العالم و في موقف صعب كي يظهر أمامها لإنقاذها من مأزق.
" وداعا ملاكي الحارس"
* * *
" ما هذا الاقتراح اللذيذ دون ايميليانو؟؟ أنت؟ ... مهووس العمل تنوي أخد عطلة؟!..."
راقب ملامحها المنشرحة فمنع ابتسامة كي يحتفظ بجديته، لم يصل بعد الى الأهم من الاقتراح، ربما حماستها لعرضه لن يدوم عندما تعرف نواياه، منذ تلك الليلة في مونتي كارلو لم تتطرق الى موضوع الطفل و هو لم يكن مجبرا على منحها اي وعد، للأن الأمور تسير بطبيعيتها المعتادة، تأمل خطيبته الجميلة في فستان شتوي من القطيفة، حدائها الأسود العالي الرقبة يصل الى ركبتيها، لا شيء في مظهرها شهواني لكنه يشعر بالغيرة مثل المعتاد من نظرات الأخرين، لا ينوي دفعها لنعثه مجددا بالدكتاتوري كما فعلت ليلة زفاف خوسيه، مشكلته مع التملك مريبة، انه يحاول التأقلم مع فكرة أنها لا ترى غيره كما لا يرى غيرها، لكنه عاجز، لسيما عندما يلمح نظرات اعجاب رجالية تتملكه رغبة وحشية في القتل، في تلك الليلة أخبرته أيضا بأن ليس قطعة قماش ما سيبعدها عنه، هراء.... الكلمات لا تنفع للتخفيف عنه.... أحيانا تتملكه رغبة بلفها بلحاف من رأسها الى أخمص قدميها و اخفائها في برج من أبراج القلعة كي لا يراها سواه....
دنى منها بخطوات كسولة و لف خصرها بذراعيه ليقربها منه، يتردد مثل كل صباح في تحريرها كي تلتحق بمكتبها، هي تجهل ذلك لكنه يتفقد يوميا مذكرتها للاطلاع على زبائنها، رجاله يتحرّون عليهم حتى قبل أن يضعوا أقدامهم في مكتبها، لامس خصلات شعرها السوداء العقودة في مؤخرة رأسها، يتجاوب جسده تلقائيا كلما كانت في محيطه، أبدت علامات نفاذ صبر و هي تتطلع الى ساعة يديها:
" حبيبي... يمكننا انهاء الكلام الليلة ان رغبت؟!...."
" سوف أوصلك... يمكننا التكلم خلال الطريق!..."
" آه ...." تنهذت و هي تهز عينيها الى السماء.
" ماذا كارا؟؟ " فرك أنفه بأنفها مستنشقا أكثر عطرها "كل دقيقة معك ثمينة و أرغب بإستغلالها حتى النهاية"
" يالهي... مالذي يمكنني فعله بك روكو ايميليانو و بكلماتك؟؟" أبعدت وجهها و لمعت عيناها بتسلية و هي تحملق اليه:" تتعمد في كل مرة ايصالي كي لا أتوفر على سيارة فتعود بنفسك مساءا لتقلني؟!..."
" كزوج محب و غيور على راحة زوجته..."
" لم نتزوج بعد..." ذكّرته متنهذة.
" سنتزوج نهاية الشتاء... " قبّل جبينها:" لو لم أكن شخصية مهمة و كل صقلية بإنتظار زواج بفارغ الصبر لأخدتك الى البلدية و ارتبطنا فورا دون دعوة أحد..."
يبدو ان كلامه يروقها، أشرق وجهها أكثر:
" حتى أصدقائك؟؟" كشر قليلا مما دفعها للانفجار في الضحك:" هم لا ينتمون الى 'دون دعوة أحد'!..."
" أقسمنا منذ زمن أن نكون دوما الأشابين في زواج كل منا... لم يتبقى سواي و سيزار و اليخاندرو..."
" سيزار تزوج من دونكم..." ذكرته متهكمة.
" ليس أمام الله... و نعدّر تسرعه... لم تكن هناك طريقة أخرى لإستمالة المرأة التي يحبها..."
ارتخت شفتها السفلي بدلال و بطريقة مغرية و سألته بتلك اللكنة التي تفقده رشده:
" هل كنت لتتصرف بالطريقة نفسها ان قررت الابتعاد؟!..."
ابتسم لها قائلا بجدية متخللة ببعض الصرامة:
" لن أتركك تبتعدين بريانا... أنت ملكي الان...الموت وحده ما سيُفرق بيننا"
ابتسمت و تلألأت أسنانها الصغيرة البيضاء ثم قبلت دقنه النامية:
" تعجبني شراهتك نحوي أيها العرّاب... هل يمكننا الذهاب الأن؟؟ أريد معرفة المكان الذي تنوي أخدي اليه في هذا الجو البارد.!.."
ساعدها بإرتاداء معطفها، و عندما قرر اغلاق أزراه حتى عنقها عادت لتهز عينيها الى السماء، لم يتركها تلتقط حقيبة أوراقها و حاسوبها، أخد كل شيء بيد و بالاخرى أمسك يدها ببعض التملك، لم تُخفى عنه ابتسامتها التي تحاول اخفائها، لم تعد لإنتقاض تملكه، انها تتعايش مع الموضوع و هذا يناسبه، لن تتجرأ بهجره مجددا، في الخارج ظهر سانتياغو أمامه حط عيناه على بريانا أولا ثم عليه ثانيا:
" صباح الخير سيدي... "
" صباح الخير سانتياغو... اعلم الطيار لأننا سنذهب بعد ساعة الى روما... خافيير سيرافقنا"
رآه يقطب بعمق لكنه لم يعترض، فتح باب سيارة المرسيديس الى بريانا التي أدلفت اليها تتقاتل مع الزر الأول من معطفها لتحريره، يعرف بأنها تكره بشدة سياراته الاخرى السريعة و تفضل شيء أكثر سرية...
" شيء آخر؟؟"
" صوفي طردت خادمتها الخاصة، ابحث لها عن أخرى أكثر صبرا..."
" انها رابع خادمة..." دكّره سانتياغو بحيادية.
" تظنني لا أعرف؟؟" سأله وهو يدور حول السيارة ليفتح باب السائق بحركة جافة:" ابحث لها عن امرأة بلا مشاعر و تتقبل أن يتم رميها بالاهانات... سأدفع أكثر مقابل أن تضع مشاعرها في ثلاجة "
عهد العبيد و لى و هذا بالضبط ما تجبره عليه ابنته التي يزداد مزاجها سوءا يوما بعد يوم، بالرغم من أنه متأكد من تعمدها كل هذه الفوضى، انها تستفزه شخصيا... تنوي اخراج الأسوء فيه... لكنه لن يسقط في شركها، الملل من حياتها يدفعها لإرتكاب الحماقات الواحدة تلوى الاخرى، عندما أخد مكانه بجانب بريانا تطلعت اليه هذه الأخيرة بنظرات يعرفها جيدا:
" برئي الا توظف أحدا بعد اليوم!..."
" انها ابنتي حبيبتي... و أنا فاشل حتى في التقرب منها... لن أمنحها فرص كره اضافية، يكفي أنها لا تطيق حتى جودي في محيطها!"
اهتز المحرك القوي تحته و انطلق بالسيارة نحو البوابة مانعا اي كلام في الموضوع، المطر يسقط برتابة، لكن رفيقته عادت تتململ في مكانها و لحسن الحظ انها تجاهلت موضوع صوفي و سالته:
" لما تقرر فجأة أن نسافر؟؟ و الى أين؟؟"
" أملك جزيرة خاصة في افريقيا" مد يده ليلتقط أصابعها المتجمدة، انه بحاجة ماسة للتواصل معها، انه نوع من أنواع البقاء:" غير بعيدة عن 'زنجبار'، جزيرة رائعة تقع قبالة ساحل تنزانيا..."
" و تريدنا أن نذهب في شهر عسل سابق لأوانه؟؟..."
ضغط على أصابعها قبل أن يلتقطها الى شفاهه و يضع عليها قبلة طويلة:
" طموحاتي هي اسعادك 'كارا'... و نظرا لمزاجك الفني فأنا متأكد بأنك ستغرمين بالمكان، لحظات حقيقية من الاسترخاء في قلب أرخبيل زنجبار مع سواحلها من الشواطئ الرملية البيضاء والشعاب المرجانية... جزر 'مافيا' و 'تشومبي' و 'بيمبا' مناسبة جدًا للغوص، أعرف بأنك تعشقين الغوص... بأنك تسبحين أفضل من الدلافين..."
" تريد ايهامي بأنك ستترك صقلية و أعمالك الكثيرة كي نسبح في سواحل افريقيا و نسترخي على رمال بيضاء؟؟"
" يمكننا أيضا تقاسم الغرام..."
ضحكت بنعومة، تمنى لو تدوم كي تتغلغل أكثر في شرايينه لكنها عادت لجديتها و حثته للاعتراف:
" هيا روكو... أخبرني كل شيء..."
ah dio...حبيبته اليونانية تعرفه جيدا، انحرف برفق الى اليمين عندما تأكد بأن الطريق فارغة، و بدأ بالشرح بهدوء..
" ستكون نوعا ما رحلة عمل ..." لم تعلق و تركته يتابع:" أعمالي الأخرى - كما تسمينها أنت- تستدعي ذلك!..."
يمكنه أن يتخيل الفضول الذي يطل من عينيها البنيتين في هذه اللحظة:
" تقصد الأعمال المتعلقة بيانيس؟؟"
" انه ماضيه عزيزتي... علي تسوية بضع أمور مع امبراطورة أسلحة روسية، سنستقبلها خلال يومين في الجزيرة و بالتأكيد أرغب بزوجتي بجانبي للعب دور المظيفة..."
لم تعد لرنتها المعتادة بأنها ليست زوجته بعد، اكتفت بالقول ببعض الاصرار:
" بالتأكيد لا أنوي تركك وحيدا مع امرأة... " تعجبه غيرتها:" أخبرني فحسب متى تنوي أخدنا الى هناك كي أوظف أحدهم ليساعد باولينا في المكتب!..."
" شكرا يا الله لأنك منحتني هذه المرأة... "انها تجعله عاطفيا و هذا... يعجبه.
سمعها تعود للضحك فوضع ذراعه خلف كتفيها كي يجذبها نحوه، وضعت رأسها على كتفه و قبّل قمته مستنشقا عبيرها المألوف:" هل أخبرتك كم أحبك؟؟"
" مرتين منذ وجبة الفطور..."
" أنا حقا مقصر في حقك..."
" أمممم... كثيرا"
عادت تختنق في ضحكتها مما جعله يبتسم كما آلف منذ دخولها حياته، في كل يوم يغرق فيها أكثر، يتورط فيها أكثرـ و يزداد تملكه خوفه من أن تهجره مجددا، تحاشى هذه الأفكار السلبية و ركز فقط عن مكانتها التي تكبر بشدة في قلبه و في كل خلية منه.
* * *
" يُشاع بأنك تنوي تبني ابن جوزيف سيفيرانو... هل هذا صحيح؟؟"
اذن فهذا ما دفع والدته لطلبه على عجل و أيضا بحضور جدّه؟! ظن بأن هذا الأخير تعرّض لوعكة، لكنه الأن أمامه، على مقعده الشاهد على مجده منذ عشرات السنين، يتطلع اليه و كأنه ينوي سبر غوره، لم يتفق يوما جدّه مع جورجينا، منذ البداية كانا عدوين لذوذين لكن يبدوان اللحظة متفقين ضده هو، أدار اهتمامه نحو والدته، كانت مشعة في طاقمها مثل المعتاد، رمز الاناقة الايطالي، حتى في هذا السن يمكنها أن تظهر على غلاف vogue و لن تنافسها امرأة بالتأكيد...
" ابن جوزيف سيفيرانو يدعى آنجلو وهو طفل رائع للغاية و ذكي... ناديه بإسمه..."
" هل تنوي تبنيه؟؟" هذه المرّة جدّه من سأله بصرامة.
لم يتخد قراره بعد، منذ أن أتمم الاجراءات بشأن نقل جثمان والدته الى صقلية، يعيش آنجلو في سلام داخلي، حتى أنه تأقلم مع أصدقائه الجدد في المدرسة، لن يخجل بالاعتراف بأنه يحب الساعات التي يمضيها معه، يسعده لعب كرة القدم معه و يقوم بتعليمه السباحة أيضا، ثمة رابط جمعها و أصبح صلب مع الوقت.
" تفعل هذا لإرضائها!؟..." سمع والدتها تقول بغل مبالغ فيه:" تلك المرأة تسيطر عليك سيزار... انها تفعل بك ما تشاء و أنت كالأحمق تتركها تتحكم بك و كأنك دمية خيوط... أنت ضعيف تماما مثل وا..."
لكنها صمتت عندما تذكرت بأن جدّه معهما في نفس المكان، هو الذي يرفض قطعا أن يسيء أحدهم لإبنه الوحيد الذي فقده في ظروف غامضة، ربما دومينيكو كوستناسو كان قويا الا في شيء واحد... جورجينا، كانت نقطة ضعفه التي تسببت في هلاكه.
" ضعيف مثل والدي؟؟..." أتمم عنها ببرود.
نزل الصمت على المكتب بينما راقب ملامحها تتصلب تحت النظرات المتحدية التي يرمقها بها... لكن مالذي تنتظره منه في النهاية بحق الجحيم؟؟ ربما حان الوقت ليوضح لها بضع نقاط مهمة.
" أحب روبي، انها زوجتي على الورق و ستصبح زوجتي أمام الله في الربيع... القرارات التي نتخذها ، و ما نفعله بحياتنا يخصنا فقط..."
" أنت ضحية متلاعبة و مناورة متمرسة..."
" كلام معقول من امرأة امتهنت ذلك كل حياتها..." ردّ سيزار وهو يدخل يديه في جيوب بنطاله:" أجهل لما تكرهينها الى هذه الدرجة... الا تري بأنني سعيد معها؟؟ لما لا تستسلمين الى الأمر الواقع؟؟ روبي هي حب حياتي... هي المرأة التي اخترتها كي أنهي أيامي بجانبها... لما تصرين على رؤيتها استغلالية و مناورة؟؟ لكن جورجينا انت كنت معلمة جيدة معي منذ الصغر... بفضلك أستطيع التميز بين النساء... أنا تلميذك المجتهذ فلا تخافي عليّ..."
" لا أرى اجتهاذك في ضعفك!..." علقت متهكمة.
" أنا لست ضعيف... أنا أحبها هذا كل ما في الأمر..." شرح بهدوء غير متأثر بإستفزازها.
" هذا يكفي..." تدخل الجد بلكنة قوية، جورجينا لا يمكنها مناقشته أو حتى تحديه، بعد موته، لم يترك والده لوالدته شيئا سوى الاسم العريق الذي تحمله،تأخد مصروفها من جده حتى هذا اليوم، جورجينا التي تتهم والده بالضعف في كل مناقشة، ذلك الذي أضعفه حبها تركها بلا مال... يتذكر ردة فعلها عندما تمت قراءة الوصية... ذهبت الى قبره كي تنعثه بكل الصفاة السيئة... أخبرته بأنها سعيدة لأنها جعلت من حياته جحيما... كيف يعرف؟؟ ببساطة سمع كل الكلام القاسي الذي وجهته لرجل ميت لأنه هو نفسه من أعادها الى البيت مع زجاجة كحول فارغة.
" قررتما الاحتفال في الربيع اذن؟؟ " قال جده.
" السيفيرانو يهتمون بكل شيء..."
" السيفيرانو يهتمون بكل شيء.!.." كررت جورجينا بسخرية و هي تضم ذراعيها اليها:" أصبحت فردا منهم و ليس لك أم و عائلة؟..."
" أمي أرجوك!..." اعترض بسأم.
" هذا بالضبط ما تتعمده تلك المرأة... ابعادك عنا... بعد كل الاذلال الذي تسببت لك به، هل يجب أن أذكرك بأنها هجرتك قبل أسابيع قليلة من زفافكما؟؟ جعلتك أضحوكة الجميع ... الصحف تلذذت بخلق القصص الزائفة بشأن هروبها، و ماذا فعلت أنت؟؟ جثوت على ركبتيها ما ان ظهرت مجددا في زفاف الأمير و الأميرة فالكوني! لم تكتفي بهذا فحسب... هدرت أموالك لإسعادها و تزوجتها سرا و كأنك لص... دعني أخبرك بأن تضحياتك مثيرة للشفقة... المرأة لا تحب الرجل المضحي بل تضعه في قائمة الحمقى... المرأة تحب الرجل الذي يقول لا... تخلص منها قبل أن تتخلص هي منك ما ان تنتهي مصالحها ..."
" اصبح الحوار سخيفا..." تجاهل جورجينا و تقدم من جدّه:" أفكر جديا في تبني آنجلو ليس لأن روبي من طلب مني فهي لم تفرض شيئا علي، بل لأن ذلك الطفل هو وريث السفيرانو و لا يملك من يقود أعماله، هذه نقطة لصالحنا الا تظن؟؟ يمكننا الاستفاذة من أسهمه حتى بلوغه، تبنيه سيزيدنا قوه فحسب... هذا ما كنت تأمله من زواجي من روبي جدي اليس كذلك؟؟ "
نقط ضعف جدّه هي الأرقام، و من الأفضل اقناعه عمليا بدل عاطفيا، ان أخبره بأنه تعلق بالصغير فسيتهمه بالضعف تماما مثل جورجينا، يبدو أن وجه نظره راقت جده الذي اكتفى بهز رأسه:
" أنتظر وريثا سيزار..."
" قررنا البدء بالعمل لتحقيق ذلك بعد زفافنا مباشرة جدّي...." كذب وهو يمنحه ابتسامة قسرية، لن يسر اليه بأنه عاجز عن جعل زوجته حاملا مرّة أخرى:" عليّ الرحيل لأنني تأخرت على المكتب..."
" تشجعه لتبني ذلك الطفل؟؟" صرخت جورجينا بعدم تصديق." أيها العجوز المجنون أنت تساهم في خرابه"
" أنا بالغ و أعرف مصالحي أمي..." ثم دنى منها ليقبل صدغها: "يمكنك التواصل مع السفيرانو للمساعدة في التجهيزات... أحب دوقك الراقي جورجينا... و سأحبك اكثر ان تركت زوجتي و شأنها..."
ثم و دون أن يترك لها مجالا للرد اختفى من المكتب.
* * *
* *
" اخلوا المكان فورا..."
لكنة سانتياغو الآمرة و الاذعة دفعت فريقها الطبي للرضوخ، كلب روكو الوفي، شعرت صوفي برغبتها في الاختفاء من المكان، لكنه اتى لأجلها، ستبدأ حصة السباحة و المسبح الداخلي الخاص مجهز ككل صباح لهذا، لكن سانتياغو يفضل المجيئ هنا مجددا لمنحها درسا في الأخلاق كما هي عادته، ضمت الروب الذي ترتديه فوق ثوب سباحتها و دفعت كرسيها المتحرك بعيدا عن هجومه:
" لا تقتحم مجددا هذا المكان سانتياغو..."
" تعرفين اين يمكنك وضع أوامرك صوفي!... "
هذه الاهانة جعلتها شاحبة من الغضب، كان ينسخ كل تصرفات شقيقها، انه صورة منه، حتى هذه النظرة المخترقة لدرجة أنها تفقدها وسائلها ...رجل كامل بدفوته الذكورية:
" مالذي تريده؟؟"
" لم أعد أجد لك أعذرا أمام روكو، هل يمكنني ان أفهم السبيل لكل هذا الهجوم؟؟ "
" لا أعرف عما تتكلم..." اندفعت الى الوراء مجددا بكرسيها مبتعدة عن هجومه الأسود.
" أنت تبالغين في الاقتصاص من الجميع... تبحثين لإثارة انتباه روكو أو ربما اخراجه عن طوعه؟؟ انه يطلب مني العثور عن خادمة جديدة... يدفع لها كي تضع كرامتها جانبا... الحقيقة أن المدللة الصغيرة من تستحق ضربتين قاسيتين على مؤخرتها... أنت تخيبين ظني..."
لا تنوي تخييب ظنه، طالما كان بجانبها للدفاع عنها أمام روكو و أحيانا يأخد غضبه عليه، شعرت بهجومها يتلاشى رويدا ثم شعرت بالخجل أمام نفسها، انها تبحث لمعاقبة شقيقها، تشعر بالراحة العارمة عندما تراه يتراجع أمام هجومها و قسوتها، لكن الأمر لم يعد مسليا مؤخرا.
" انه يرفض أن أكون طبيعية..."
" أنت لست طبيعية..." زمجر بها سانتياغو و هو ينحني على كرسيها كي يحملق مباشرة في عينيها:" أنت ابنة يانيس و شقيقة روكو ايميليانو... لا يمكنك أن تكوني كبقية الفتيات في عمرك... الا ترين انه يخاف عليك؟؟ لقد فتح بطنه من أجلك بحق الجحيم أي برهان حب آخر تريدينه؟؟"
زمت شفاهها بحدة، تتطلع الى عينيه الخضراوين بتحد، لم تكن تعرف ما إذا كان يجب أن تصرخ من القهر أو تنفجر من الضحك لتذكيره هذا، صعقتها صرامته ، نظرت إليه بتحد أكبر. كان منتصبا مثل لوحة رخام مهددة للسقوط عليها و سحقها، لكن عزيمتها لم تهزه. في الواقع ، يبدو أنه قادر على إقناعها بالتراجع عن اعلان الحرب... وبدأت أتساءل عما إذا سينجح.
" أكرهك كما أكرهه..."
" أنت لا تكرهينني...." أكد لها بصوت جاف و بتعبير متجهم:" سأقنعه كي يبدأ بتركك للخروج أكثر... لما لا السفر... أعرف كيف أكون مقنعا معه... لكن مقابل هذا صوفي... كوني متعاونة... " رغما عنها أغرتها وعوده، هو الوحيد الذي لا يخلف معها وعدا، انحنى اكثر عليها حتى شمت رائحة عطره المتحفظة للغاية:" لا تنسي صوفي كل ما فعلته من أجلك... قمت بشراء صمت الطبيب كي لا يكشف معدل الكحول في دمك خلال الحاذث... لذا... لا تقتصي أكثر من روكو... لديه ما يكفيه من المشاكل... "
حاولت أن تبقى بلا تعبير ، بينما اخترقتها كلماته مثل الشفرات الفولاذية.
" سوف أعيد نفس الخادمة التي قمتي بطردها..." سمعته يقول بهدوء و كأنه يكلم طفلة:" تجهلين ظروف تلك المرأة التي قمتي برميهه بلا سبب فقط لتبرزي انتصاراتك على روكو... انها تعيل طفليها اليتيمين صوفي... لذا... أثق في انسانيتك التي اعرف بأنها موجودة و لكنك تتعمدين محيها..." بقي صامتاً للحظة، هذا لا يعني أنه ينتظر إجابة. يرتب أفكاره وعواطفه قبل أن يوجه الضربة القاتلة لها مثل عادته"أنت العمياء و ترفضين الرؤية "
ثم ترك كرسيها و استوى في وقفته، عمياء و ترفض الرؤيه، فهذا اذن هو رئيه بها، يظن بأن حياتها سهلة؟؟ حتى انها تملك كل شيء لكنها ليست حرة كفاية لعيش حياة طبيعية، رأته يرتب سترته الفاخرة، يتفقد المكان و كأنه يتأكد من خلوه من المخاطر قبل أن يعود اليها ليلقي عليها نظرة سريعة أخيرة:
" لن أكون ضدك صوفي سأبقى دوما في صفك...فقط كوني متعاونة"
ثم منحها ظهره وغادر المكان.

* * *
منذ يومين وهو يختبئ عند شقيقتها كاثرين لكنه اليوم قرر أخيرا المجيئ الى ستار هاووس لرؤيتها، أو بالأحرى، الى رؤية نصف أخته التي لم يراها أبدا، في حقبة سابقة، كان الأكثر تقربا منها، فلورانس مهرة متمردة لدرجة أن دافيد مثل الحمل الوديع أمامها، تخلف عن المجيئ في العيد و ظنت بأنه لن يبادلها الكلام مرّة أخرى منذ مناقشتهما الحادة في الهاتف، لقد رفض المجيئ متعذرا ببيانكا و حبيبها، لكنها بدأت تعطي الموضوع أهمية الأن، لم ترى ابنها مهملا من قبل، كانت هالاته تثير الريبة، هل يتعاطى المخدرات؟؟ في فترة من مراهقته فعل ذلك و قادته فورا الى مستشفى اعادة التأهيل و منذ ذلك الوقت و هو حذر جدا لا يتغابى فيما يتعلق بصحته، و اليوم اصبح بالغا و عاقلا و لا تراه مستهترا كما كان في مراهقته، راقبته يلامس وجه اليسيا التي تتطلع اليه بفضول بعينيها الجميلتين و تبتسم له كما تفعل مع كل شخص حتى و ان كانت المرة الأولى التي تراه.
" تجهزين لتصوير فيديو كليب جديد؟؟"
كانت الحديقة تعج بطاقم التصوير الذي يأخد الصور الأولية.
" هذا صحيح..."
" ظننتك اعتزلت مع حياتك الجديدة!؟..."
" أبدع أكثر لأن حياتي الجديدة تعجبني.. لا أنوي الاعتزال دافيد."
لا تريد الدخول في المشاجرات معه، جلست بجانبه، حاولت لمسه الا انه ابعد رأسه، لقد بدى مكتئبا لدرجة أنها شعرت بقلبها يتمزق:
" دافيد... ترفض مسامحتي لأنني تركت والدك؟؟"
لكنه لم يرد، من الواضح أنه كان يواجه صعوبة كبيرة في تخليص نفسه من ثقل التغيير، لقد أمضت عمرها مع روبيرتو، كان زواجهما من أشهر زيجات هوليوود، لم ينفصلا، لم يتشاجرا يوما، كان روبيرتو نعم الزوج و الأب، لكن قلبها بقي في لندن، مع الكونت أندريس، لما يرفض دافيد فهم هذا؟؟ بأنها ضحت طويلا و لا تنوي التضحية أكثر.؟
" كنتِ سبب عيشه فرجينيا... اليوم يريد فحسب الرحيل لأن الحياة مظلمة بدونك!" هذه الكلمات تعمدها مؤذية كي يجرحها، هز نحوها نظرات الريتشي الشهيرة:" لما لا يفهم البعض بـأننا نندم على ارتكابنا الأخطاء و يرفضون منح فرصة أخرى لتسوية الأمور؟؟ أبي أخطأ بطلب الطلاق أولا... أخفى عنك مرضه لأنه يحبك و رغب بتحريرك قبل موته، لكنك استغليتي الموضوع، و ما ان شفي حتى هجرته...."
" أظن أن هذا الأمر يخصنا فقط... مهما قلت و مها فعلت فلن تغفر لي سعادتي الحالية... الذي تعتبرها على حسابه!..."
" سعادتك على حسابه.." أجزم بنوع من الاحتقار.
" استخلص بأن الأمر لم يكن ليزعجك ان كانت سعادته على حساب تعاستي؟!"
" لم أراك تعسة يوما..."
" هذا لأنني أحب أولادي و أظهر لهم فقط ما يحبون رؤيته... كأم فعلت كل ما أستطعت لحمايتكما أنت و فلورانس، أما كزوجة... لم أكن مكتفية دافيد... عليك أن تكبر و تبتعد عن انانيتك الصبيانية كي تفهم ... تزوجت روبيرتو كي ادفع أندريس ثمن سفالته معي... لكنني لم أتوقف يوما عن حبه... بعض ردود الافعال تكون سخيفة و بلا اي معنى "
رأته فجأة يشحب بشدة لدرجة انها اضطرت لأخد ابنتها من بين ذراعيه، من خلال هذا الاعتراف ، حاولت الاحتفاظ بنبرة مرحة على الرغم من الألم الذي اخترق صدرها...لقد نسيت هذه الحقبة الكئيبة، روبيرتو كان زوجا رائعا نعم...لكن... من الأفضل التزام الصمت حول تفاصيل زواجهما... هي التي استيقظت في فندق بلاس فيغاس ووجدت نفسها متزوجة لرجل لا تحبه... لا ترغب في الظهور بأي حال من الأحوال كفريسة أو كضحية للحياة تبكي على مصيرها... كان بإمكانها الغاء زوجها آنذاك... لكنها خشيت من جبروت أندريس ما ان يعرف بأنها تنتظر منه طفلا... فدفعت الثمن طيلة سنوات بعدها عنه.
" هذا ما تفعله بيانكا..."
" عفوا؟" كانت قد سمعت جيدا كلامه، دافيد لا يبكي أبدا على امرأة، النساء عامة لا تهمه.
" تنوي الزواج من ذلك المكسيكي الذي يكبرها كثيرا فقط كي تبرهن لي بالا مشاعر بيننا..."
وضعت يدها على كتفه بينما تراه فجأة كالطفل الذي عانى في طفولته مع البدانة و لا يجد حلا لمضايقة الأخرين له لسيما و أن كل عدسات البابارتزي على والدته، و الناس لم ترحم آنذاك طفل بسنه، كانو يسخرون علنا منه.
" عليك التفريق بين المفاهيم المتقاربة مثل الاعجاب و الحب... أنت متأثر برفضها لك ...سلوكها معك اختلف عما آلفته فأنت لم تحتاج للاعتذار كي تعود اليك امرأة..."
" كان عليك العمل كخبيرة علم النفس الإجتماعي البيداغوجي بدل الغناء" علق متهكما، لكنها تعرفه جيدا كي تلمح العذاب في أعماق نظراته الزرقاء.
" كم عشت معك من مغامرة قبل أن أكون رئي بنظرك؟؟" سألته بجدية:" دافيد أنت مثل مضخة نساء... تسأم بالسرعة نفسها التي تعجب بها... برئي رفض الأميرة لك ما يجعلك مرتبكا..."
" تظنيني أحمق كي لا أنتبه للفرق؟؟.."
" انه ضميرك..."
" فلورانس حذرتني في نيويورك... قالت لي ببساطة بأن زواجها مهم جدا و ترفض أن تخسر زوجها بسبب زير نساء مثلي... طلبت مني الانسحاب من حياة بيانكا... و بدل أن أقاتل من أجلها أجد نفسي مضطرا للابتعاد بحق الجحيم كي لا تتدمر علاقة أختي بزوجها... لكنه لم يكن الخيار السليم... رجل آخر استغل الفرصة ليأخدها مني... أعرف بأنها تحبني أمي... أشعر بذلك كلما تواجدنا معا في نفس المكان...العودة الى صقلية هو الجحيم... أنا مغرم بها و كان كافيا عودتي هذه المرّة كي أعرف بأنني أستخف بقلبي و عبثي ليس كافيا لنسيانها"
دنت منه لكنه رفض مجددا دعمها، وقف من الكنبة، مال بجسده الضخم، ارثه من والده الايطالي، رأته يحشر أصابعه بين خصلاته السوداء التي لا تحتاج لضوءا حقيقيا كي تبرق بشدة، اذن فالمسألة ليست في المخدرات و انما في الصغيرة بيانكا التي لم تمنع نفسها من السؤال عنه بدورها في العيد؟! لكن هذا سيمنح دافيد أملا، ان اخبرته بهذا فستدفعه مجددا في الركض ورائها، فلورانس محقة... عليه نسيان أمرها... لمن هذا التحول في قلبه مربك حقا... دافيد غير قابل للحب.
" لا يوجد شعور أكثر تعسفية وأكثر غدرًا من الحب... أحيانا يكون شيئًا مزيفًا ان لم يكن جديا"
بعد التزام الصمت الطويل ، سأل:
" تعودين للتشكيك في عواطفي؟؟"
"السعي غير المجدي وغير النافع لإمرأة رجل آخر؟؟من المستحيل تفادي هذا المأزق بخلق المشاكل في زواج شقيقتك".
" لا أنوي زعزعة استقرارها... تعرفين كم أحب فلور... "
شعرت حقا بالاسف، لكن الأمور صعبة للغاية و معقدة، لا يمكنها السماح له بالركض مجددا وراء بيانكا، رأت تألمه ليلة زفاف فلور عندما أعلن كيفن خطوبته بها.
" تقليل الحب إلى نوع من المعادلة و الاستجابة للمعلمات المنطقية ..." توقفت عن الكلام عندما عاد يثبتها بنظراته الزرقاء و الشفافة، كانت غارقة في الدموع، انها المرة الأولى في حياتها ترى عيونه دامعة، دنت منه و هذه المرة تركها تعانقه، اليسيا في حضنها سعيدة بهذا التقارب تعلقت بأخاها الكبير:" دافيد... أظن أننا كلنا أخطئنا في تقدير مشاعرك نحوها... أنا آسفة عزيزي..."
تلك الدموع التي لمحتها اختفت تماما بينما تعود لتفحص وجهه، مسحت برقة على ذقنه النامية، وهمست له مشجعة:
" سوف تنساها دافيد..."
ظهرت ابتسامة متهكمة في زاوية شفاهه:
"يسعدني إلى حد ما أن تُقدمي طموحاتي من هذه الزاوية التبسيطية ، ثلاث سنوات لم تفلح في ابعادها من رأسي... أظن أن مشروعك يحتاج لبعض المصداقية... كم من النساء أيضا؟؟ فقد مللتهن ... تجهلين الى أي مدى صارت حياتي مكانيكية، لسيما و قد انشقت العائلة التي كانت عائلتي ذات يوم... ربما هذا ما يجعل فراقكما انت و أبي مؤذيا أكثر... لا شيء مثل السابق أمي... فقط... لو أعود الى الماضي... كي أحذف تلك الحلقة من حياتها..."

* * *
كل شيء في مكانه، كارلوس قام بعمل رائع للغاية و هي ممتنة له، كانت فكرة جيدة للغاية تقسيم الكاراج و جعل جزء منه مكتبها الخاص، منذ توقفها عن ارضاع التوأمين أصبح لها الكثير من الوقت لإستغلاله في مشاريعها القادمة، لم ترى خوسيه مجددا منذ أن غادر القلعة في رأس السنة، سيسيليا عادت منذ ثلاثة ايام و دانيلا رحلت بدورها الى وجهة مجهولة، شيء ما نما بينها و بين هاته الأخيرة، صداقة جديدة توطدت بينهما، حتى انهما تتبادلان الرسائل النصية يوميا، تطالب برؤية التوأمين، خوسيه يفضل الاتصال مباشرة بالمربية و والدته، تعرف بأنه في آسيا ، و في الحقيقة لا يستهويها كثيرا طرح الأسئلة بشأنه.
منذ عشر دقائق و هي على اتصال بعمها باريش و برجاله، هناك مشكلة في تزويد الصوف العضوي، لكنها تفكر جديا في شراء الماشية و الاستفاذة منها بدل الدفع للممون، حاليا هي بحاجة عاجلة للمأونة كي يتمكن النسوة من انهاء الطلبات، لكن مزودها الوحيد يتذاكى منذ يومين معها:
" يطالب بعشرة في المئة اضافية..." شرح باريش بعد انتظار.
فكرت آيا قليلا، في الوقت الراهن لا تملك أدنى خيار، لكنها تبحث عن ممونين آخرين في أنحاء العالم و لن تتأخر بالحصول على مؤونتها الكافية و بالثمن المناسب أيضا، لكنها تنوي فتح باريش في موضوع الماشية، ستفعل ما ان تحصل على المعلومات الكافية بهذا الشأن، تنوي شراء قطيعها و تصديره من آسيا و افريقيا الى تركيا،ماعز الأنجورا المعروف بصوفه للتجارة، ستصبح نفسها الممون و المصنّع، لكنها بحاجة لمساعدة على نطاق واسع، حرفة خالها باريش في هذا المجال و يمكنه مساعدتها للحصول على أجود الانواع.
" مرره لي..." أمرت خالها وهي تترك مكتبها و تقصد السلالم المؤدية الى الطابق العلوي من بيتها، كانت بحاجة الى قهوة لأن رأسها سينفجر تحت الضغط، وصلتها لكنة مترددة، الرجل يشرح لها بأنه لم يكن حقا مطلعا على أرقام السوق قبل أن يوقع مع خالها العقود الأولية، هناك بند أخير يمنحه الأحقية في الإنسحاب، لكنه لا يمكنها التراجع الأن و الا شركتها ستنهار...
" لقد توصلت بالدفعتين و قمت بحبس دفعتي الاخيرة..."
" شاري ثاني منحني سعر أفضل...؟" اعترف الممون بحزم.
" بيننا اتفاق... يمكنك وضع شروطك في العقود القادمة..."
" لا أملك صوف عضوي، لكن بإمكانك أخد الكاشمير و فثيل الألبكة و صوف المارينيو..."
انها تحلم، ضغطت على صدغها:
" هذه الاصناف متواجدة بشدة في السوق، اخترتك منذ البداية لأنك تناسب احتياجاتنا، لا اريدك ان تقترح علي ما لاستعمله في صناعتي..."
" أعطيني نفس الثمن الذي اقترحه منافسك و يمكنك أخد الجُملة بأكملها..."
" لن اضيف اليك سنتا واحدا هل هذا واضح؟! من المعيب استغلال حاجة الزبائن انت حقا ممون مجرد من المبادئ... ان تجرأت بمنع دفعتي الأخيرة عني فسألتجئ الى القضاء... اتفقنا على سعر، لن تغير رأئيك فقط لأن شاري جديد انتبه أخيرا الى خرفانك التي لم يهتم بها أحد غيري!"
عندما عاد باريش الى الهاتف فهمت من نبرته بأنه غاضب مثلها، لكن الغضب لن يحل الشاكل:" اسمع خالي... حتى ان قبل أن يمنحنا المؤونة فسيتعمد التأخر كي يوفر البضاعة كاملة للشاري الأخر، سأحاول البحث بسرعة عن ممون آخر... يُستحسن أن نوفر الماشية الخاصة بنا... لدي بضع مذخرات... سأرى ما يلزم و أكلمك لاحقا بالتفاصيل..."
بعد أن جهزت قهوتها طافت في الساعتين اللتين أعقبتا في النت تبحث عن مصادر آمنة لتجار الجملة للصوف العضوي، الأسعار الانجليزية و الفرنسية مبالغ بها، من المستحيل أن تقدّم عملا مثقونا بسعر مناسب، عليها أن تضاعف أسعارها كي تكسب وراء عمل السيدات، لكنها بحاجة ماسة حاليا لدفعة كي تتمكن من تلبية الطلبات التي اخدت عربونها.
عصبيتها ازدادت بحدة عندما فشلت في ايجاد شيء مهم في النت، عليها التواصل هاتفيا مع معامل النسيج، تذكرت فجأة بأن روكو ايميليانو يملك الكثير منها، جودة الصوف الايطالي في اعلى القائمة، و ان كان ينتج أيضا صوف عضوي فلن يتبقى لها سوى شحنه الى تركيا لتلوينه بنفس الطريقة التقليدية و حياكته ريثما تجد مخرجا آخر...
المشكلة هنا... أنها لن تصارح روكو بشأن شركتها، لأن هذا الأخير مرتبط روحيا مع خوسيه، و ما عليها سوى المرور عبر هوية أخرى للحصول على طلبيتها، كتبت في محرك البحث Emiliano fabrics لم تتأخر بملئ عينيها بكل هذا الكم من المعامل التي تحمل نفس الاسم، و كما خمنت، انهم يقومون بصنع كافة الأنواع، و منها العضوي أيضا و من نفس الحيوانات التي تلهب حاسة المستهلك، الأثمنة كانت منخفضة مقارنة بباريس لكن كما توقعت، روكو لا يتعامل مع مبتدئين، انه يتعاقد مع شركات عالمية .
" ياله من حظ..."
لا تنوي ان تفقد عزيمتها و لا أملها، ظنت أن الحظ يبتسم لها، لكن شاري جديد وجد ممونها و سارع بقطع خبزها، و ليس فقط خبزها، بل خبز كل امرأة تعمل بكد كي تؤمن قوت أطفالها في القرية.
أخدت الباص لأقرب محطة للقلعة و تمشت عدة أميال قبل أن تبدأ ممتلكات المارتينيز بالظهور، تعرف بأنها ستجد حلا عاجلا للمشكلة، و الا ستضطر لإعادة الأموال لأصحابها و هذا... سيحطم اقتصادها كليا لأنها وضعت كل قرش في الأرباح القادمة.
" مساء الخير سيدتي..." البواب مثل المعتاد يبدو مندهشا من رؤيتها تسير على الأقدام بدل استعمال سيارات القلعة التي لا تعد و لا تحصى، خوسيه لن يمنحها سيارة و هي لا تريد طلب السائق لأنه سيعرف تفاصيل تنقلاتها:" ترغبين بأن أقلك الى القلعة؟؟
" أفضل ان اتمشى قليلا... شكرا لك"
المسافة طويلة نوعا ما بين البوابة الرئيسية و القلعة، لكنها و كاليوم الأول تبقى منبهرة بجمال ما يحيطها من طبيعة خلابة، لكن مزاجها سيء اليوم لتجرع كل هذا الجمال، و كأن كل المصائب التي تسقط على رأسها ليست كافية، اكتشفت أن الوحش عاد الى البيت... يمكنها أن تشم رائحته دون رؤيته، و عندما خرج من العدم بينما تصعد الدرجات الى مدخل القلعة تباطئت خطواتها... يالله... ليس اليوم... ليس اليوم:
" أرى بأنك بحال أفضل!..."
لن تهرب من نظراته الذهبية التي يغلفها بها في هذه اللحظة، انها أمام المالك والمدير التنفيذي لمجموعة من الشركات و من الطبيعي هذه الهالة التي تحيطه و تنساها كلما اختفى من القلعة، رغم اضطراباته العاطفية و تناقضاته و تغيراته المزاجية الا أن هذا لا ينفي بأنه رجل أعمال لامع، النتائج لا تترك أي شك فيما يتعلق بمهارته. في ظروف أخرى كان بإمكانها الاعتماد على خباراته، انه يملك أسماء لا منتهية من الممونين في كل الميادين، في جيبه أسماء ثقيلة الوزن و ذات نفوذ، منها بالتأكيد روكو ايميليانو، لكنها تعرفه جيدا... انه رجل بلا قلب... ما ان يعرف بمشاريعها حتى يحاربها بكل قوة.
" أنا بخير شكرا لك..."
حاولت تجاوزه لكنه استوقفها:
" أرى بأن مزاجك سيء!؟.."
" يكفي أن مزاجك أفضل..." ردّت عليه بنفس النبرة وهي تضع بينهما مسافة:" اعذرني لكنني سأذهب لرؤية التوأمين..." لكنه منعها جسديا هذه المرّة، أصابعه على ذراعها قوية، هزت عينيها اليه متسائلة:
" هناك ما يجب أن أكلمك به... عموما فالتوأمين أتيا على تناول طعامهما و النوم... يمكن للهفتك الانتظار، أخبرتني المربية بأنك رحلت منذ الصباح الباكر و لم تعودي..."
يتهمها بالتهاون؟؟ لم تفعل هذا كل الأايام السابقة، لكن بعد الجامعة اضطرت لايجاد حل للمصيبة التي تنوي هدم كل ما بنته منذ أشهر:
" كنت مشغولة للغاية اليوم... عدت الى الجامعة... فلا أرى داعي لبقائي في البيت لسيما و أنني توقفت عن ارضاع التوأمين..."
كيف تمكنت من العيش مع هذا الكائن دون أن يصيبها اكتئاب حاد؟؟ انجاز عظيم أنها ما تزال بكامل قواها العقلية، لكنه ظاهريا لا يبدو يعاني من انفصام حاد في الشخصية، بل رجل وسيم للغاية، متميز، لعوب، مثير، مغري و يملك ابتسامة متهكمة رائعة.
" انت أكثر النساء حماسة عرفتها في حياتي... الدروس مقدسة اليك..."
" سبق و وضحت لك طموحاتي و لن أحققها بغلق باب غرفتي علي في هذه القلعة الجميلة... " ردت بهدوء وهي تنجح بتحرير معصمها منه:" أخبرني خوسيه... فيما تريد مكالمتي؟؟ أنا حقا مرهقة و أريد الالتحاق بغرفة التوأمين قبل أن أذهب الى غرفتي..."
بقي يحملق اليها و كأنه يريد فهم سبب عصبيتها التي تحاول اخفائها،انها تكرهه... تكره كل شيء فيه،وكذلك... هذه الطريقة التي يتفحصها بها و كأنها لا تسوى شيئا... تخونه نظرات الازذراء في كل مرة، لن ينسى من اين أتت، لن تكون سيدة في نظره، لسيما اللحظة و هي ترتدي بنطلون من الجينز و كنزة بسيطة ارتدتهما على عجل في الصباح كي تتمكن من الالتحاق بكارلوس الذي اعلمها في آخر لحظة بأنه سيكون في الجامعة و أنه يملك كل المعلومات اتي طلبتها منه، عكس سيد القلعة... فهو... مثل المعتاد، أنيق أناقة المجلات... تحسد اناقته... لن تصل يوما لمستواه مهما حاولت.
" نحن... مدعوان لنهاية أسبوع في باريس!"
" نحن؟؟!..." كررت متعجبة وهي تضع يدها على صدرها:" خوسيه.. لا يوجد... نحن.. في أي قاموس في العالم!"
" يوجد بينما توقعين أوراق الزواج... سوف ترافقيني في حفلات استقبال، تظهرين معي علنا، تبتسمين و تلعبين دور المظيفة أمام المدعوين..."
لم تجد بما ترد، كل كلامه صحيح، وقعّت على أن تلعب دور الزوجة علنا في حفلات العمل، و الان جاء الوقت الذي عليها تأبط ذراعه المُقرفة و التصرف تماما كما علمتها سيسيليا طيلة أشهر اقامتها هنا.
" متى؟؟"
" نهاية هذا الأسبوع... "
يبدو مستمتعا بحيرتها و ارتباكها، تقسم بأنه يحاول كبث ضحكته المتهكمة ايضا، كادت أن تنخرط في البكاء، لا يمكنها الذهاب،لا يمكنها الابتعاد بينما شركتها في محنة، عليها ايجاد حل فورا كي تبدأ النساء بحياكة الطلبيات، لكن خوسيه يملك خطط أخرى لإبعادها... ثم هناك شيء آخر...
" هل سننام في غرفين منفصلتين؟"
" أنت رجعية..." تهكم.
" أعرف بأنك تنوي استغلال الوضع لصالحك... فأنا لا أهمك شخصيا خوسيه...شهيتك الجنسية شرهة و أضمن لك انتظاما على الأقل في هذا المجال، تريد زوجتك أولا وقبل كل شيء في سريرك." كل عصبية يومها الأسود عادت الى السطح.
" أنت موهوبة أيضًا و بخيال مذهل"
" في أحلامك فقط خوسيه... لن تلمسني مجددا... ان كانت هذه أهذافك لنهاية الأسبوع فأنصحك بالنزول من غيمتك الوردية... أنت آخر رجل أنوي تقاسم سريري معه..."
بينما تبتعد عنه بإتجاه القوس الفخم الذي يجسد مدخل القلعة سمعت صوته ناعما خلفها:
" لكنك ستتقاسمينه معي آيا الجميلة... عاجلا أم آجلا سيحذث ما تهربين منه"
امتنعت عن الرد،لا ينتظر تعاطفها ولا تساهلها، يتعمد استفزازها في كل مرّة كي تمنحه متعة رؤيتها عصبيىة و متفجرة، التجاهل يُفقده عقله و هذا ما تنويه، لديها ما يكفيها من المشاكل، خوسيه رجلاً فخورًا جدًا لتحمل هذا النوع من رد الفعل لسيما من زوجته. كان من الأفضل السماح له بالاستمرار في لعب الورق الذي يحب لعبه ، حتى يتمكن من العثور على الثقة بأنه دوما الأقوى... لكنها وحدها تملك الكلمة الأخيرة.


أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:35 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.