آخر 10 مشاركات
2- أصابعنا التي تحترق -ليليان بيك -كنوز أحلام(حصرياً) (الكاتـب : Just Faith - )           »          تائــهــة في عتمتـك (الكاتـب : نسريـن - )           »          همس الجياد-قلوب زائرة(ج1 سلسلة عشق الجياد) للكاتبةالرائعة: مروة جمال *كاملة&الروابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          موضوع مخصص للطلبات و الاقتراحات و الآراء و الاستفسارات (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          أحزان نجمة ( تريش جنسن ) 446 ـ عدد جديد (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          عشيقة الإيطالي (1) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )           »          368 - رياح الماضي - بيني جوردان ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          ربما .. يوما ما * مميزة و مكتملة * (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          زواج على حافة الانهيار (146) للكاتبة: Emma Darcy (كاملة+روابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          عواقب إنتقامه (144) للكاتبة Jennie Lucas .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام

Like Tree627Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-01-22, 10:19 AM   #6521

Ektimal yasine

? العضوٌ??? » 449669
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,963
?  نُقآطِيْ » Ektimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond repute
افتراضي


كل عام وانت وكل المتابهات واخلى منتدى بالف خير يارر



Ektimal yasine غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-01-22, 09:33 PM   #6522

Õûm âbdėssamad

? العضوٌ??? » 375750
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 388
?  نُقآطِيْ » Õûm âbdėssamad has a reputation beyond reputeÕûm âbdėssamad has a reputation beyond reputeÕûm âbdėssamad has a reputation beyond reputeÕûm âbdėssamad has a reputation beyond reputeÕûm âbdėssamad has a reputation beyond reputeÕûm âbdėssamad has a reputation beyond reputeÕûm âbdėssamad has a reputation beyond reputeÕûm âbdėssamad has a reputation beyond reputeÕûm âbdėssamad has a reputation beyond reputeÕûm âbdėssamad has a reputation beyond reputeÕûm âbdėssamad has a reputation beyond repute
افتراضي

كيف حالك إن شاء الله دائما بخير ؟ أقلقتنا عليك نتمنى أن تكوني بأحسن حال

Õûm âbdėssamad غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-01-22, 03:50 PM   #6523

فطوم لكوم

? العضوٌ??? » 414252
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 271
?  نُقآطِيْ » فطوم لكوم is on a distinguished road
افتراضي

سنة سعيدة عليكم يا بنات الله يجعلها سنة خير وبركة سعادة وطاعة وحسنات💜

فطوم لكوم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-01-22, 04:42 PM   #6524

نور بلادها

? العضوٌ??? » 125948
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 184
?  نُقآطِيْ » نور بلادها is on a distinguished road
افتراضي

كل عام وانتوا بخير عزيزاتي

نور بلادها غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-01-22, 09:59 PM   #6525

Ektimal yasine

? العضوٌ??? » 449669
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,963
?  نُقآطِيْ » Ektimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فطوم لكوم مشاهدة المشاركة
سنة سعيدة عليكم يا بنات الله يجعلها سنة خير وبركة سعادة وطاعة وحسنات💜
وعليكي وعالجميع يارب


Ektimal yasine غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-01-22, 02:31 AM   #6526

naomi1

? العضوٌ??? » 121666
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 900
?  نُقآطِيْ » naomi1 naomi1 naomi1 naomi1 naomi1 naomi1 naomi1 naomi1 naomi1 naomi1 naomi1
افتراضي

للللللللللللللللللللللللل للللللل

naomi1 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-01-22, 02:43 AM   #6527

naomi1

? العضوٌ??? » 121666
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 900
?  نُقآطِيْ » naomi1 naomi1 naomi1 naomi1 naomi1 naomi1 naomi1 naomi1 naomi1 naomi1 naomi1
افتراضي

للللللللللللللللللللللللل للللللل

naomi1 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-01-22, 03:06 PM   #6528

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته و سنتكم سعيدة
الليلة فصل جديد من الرواية
متحمسة للقاكم


أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 09-01-22, 07:20 PM   #6529

salwa shazly
alkap ~
 
الصورة الرمزية salwa shazly

? العضوٌ??? » 169345
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,400
?  مُ?إني » البحر الاحمر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » salwa shazly has a reputation beyond reputesalwa shazly has a reputation beyond reputesalwa shazly has a reputation beyond reputesalwa shazly has a reputation beyond reputesalwa shazly has a reputation beyond reputesalwa shazly has a reputation beyond reputesalwa shazly has a reputation beyond reputesalwa shazly has a reputation beyond reputesalwa shazly has a reputation beyond reputesalwa shazly has a reputation beyond reputesalwa shazly has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   fanta
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

بالتوفيق ان شاء الله

salwa shazly غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-01-22, 11:01 PM   #6530

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الثالث و الأربعين.

نيويورك.
( أمريكا)
.
.
.

(ابي العزيز الفونسو الذي لن اتعرف عليه يوما.
سأكون عند حسن ظنك كما لم يفعل احد من قبلي، المال فرق القلوب ووحد الأطماع و الخيانات.
لهذا سأعيد لكل مستحق نصيبه.
أنت ضحية زمن ، لكن اعلم بأن خوسيه كان خير وصي و لم يخذلني ، مازلت اجهل حقيقة ما حدث في الماضي الا انني أنوي المضي قدما و اتباع قلبي.
اليساندرو و قلبي واحد )
*
*
*
" دانييلا"
ابتسمت دانيلا لسما التي لم تخفي دهشتها وحماستها برؤيتها، أتت رأسا من المطار الى 'سكاي' العظيمة، بعد ان تركت رسالة لوالدتها اتخذت قرارها بالرحيل و تسوية الأمور مع خطيبها الذي لم يسأل عنها منذ رحيلها من نيويورك.
في الماضي، عندما عملت تحت وصاية هذه السكرتيرة الصارمة تعلمت بأن 'سما' تفضل الموت على خذلان رئيسها الوسيم، تغيرت معاملتها معها ما ان انفجر نوع العلاقة بينها و بين اليساندرو و مع الوقت اصبحتا صديقتين، الا انه، و بالرغم من ذلك تعرف بأن هذه المرأة الوفية لن تعطيها معلومات عن مكان اليساندرو ان صادف و كان مسافرا.
" كيف حالك سما؟؟"
" أنا بخير عزيزتي ..." تركتها تعانقها بمودة قبل ان تبتعد عنها و تتفحصها بفضول:" اخيرا قررت العودة؟؟ اليساندرو ظل نفسه هذه الايام و لا يُحتمل..."
فاجئها هذا الاعلان الغير متوقع، تبدو سما متأثرة حقا بالوضع.
" هل هو في الداخل؟؟"
" بل خارج البلاد..." ردت عليها سما معتذرة" سافر الى صقلية... تلقى اتصلا عاجلا من شقيقته مما دفعه لإلغاء كل مواعيده و الرحيل على الفور"
اليساندرو في صقلية..؟؟
في الحقيقة هي لم تتوقع تعاون سما و منحها المعلومات الا ان وراء عودة اليساندرو الى الجزيرة مصيبة ما، لقد قطع صلته بشقيقه و اسرّ عن نيته بعدم العودة يوما.
انهارت على المقعد، الخيبة تمطر عليها بسيول سوداء حالكة، جلست السكرتيرة قبالتها و حكت باصابعها كتفها و كأنها تدعمها.
" لا اعرف ما يحدث بينكما دانيلا الا انني سعيدة جدا بعودتك... أنا متأكدة بأن أموركما ستكون على مايرام"
هي ايضا تتمنى ان تحل الأمور بينهما، في آخر مرة كان خطيبها واضحا، ربما لن تجد مكانها متاحا ان قررت العودة.
" هل خرج مع نساء غيري؟؟"
هزت حاجبيها ببعض التعجب قبل ان تضحك فجأة و كأنها سمعت نكتة.
" اليساندرو وفي جدا لنسائه و أظنك اكثر امرأة أحبها أيضا، لم تكن هناك نساء غيرك ولم يبعث بباقة ورود او حتى بطاقات تهنئة في غيابك... لقد كان سيء المزاج كل الوقت... و كان يستفسر كل الوقت ان اتصلت خلال غيابه"
نوع من الراحة تغلب بشدة على خيبتها و قلقها،ان كان يتفقد اخبارها فلأنها ماتزال تهمه بشكل أو بآخر، لكن المرعب من كل القصة انه طار على وجه السرعة الى صقلية، هذه الانباء تجمد الدم في شرايينها... عليها الاتصال بصوفي و اخد المعلومات منها,
عندما وقفت من مقعدها انتصبت 'سما' في الوقت نفسه.
" هل سترحلين بهذه السرعة؟؟"
" سأذهب الى البيت" قالت دانييلا، وهي لا تقصد ابدا الشقة التي اشتراها خوسيه لها انما شقة اليساندرو... المكان الذي تشعر بأنه بيتها حقا" اتيت رأسا من المطار و أنا مرهقة"
" ساعلم السائق كي يوصلك... لا تبدين بخير"
لم تترك لها الخيار، كانت قد التقطت سلفا الهاتف و القت الاوامر، تفهم لما يتشبث اليساندرو بهذه المرأة، انها كفوءة للغاية و تعرف جيدا ما تفعله.
فرق الوقت مرهق و متعب، الا ان الرغبة بالاسترخاء لم تتملكها بعد أن وصلت الى شقة خطيبها و القت المفاتيح خاصتها على طاولة الصالون، لاشيء تغير في هذا المكان، مازال تماما كما تركته آخر مرة، ما تزال ملابسها معلقة في خزانة غرفة نوم اليساندرو.. على الأقل لم يتخلص من أثرها بعد هجرانها له.
هذه الملاحظة ضغطت بشدة على قلبها، لطالما كان صبور معها، فهل يسامحها هذه المرة و ينسى ما حدث كي يمنح علاقتهما فرصة جديدة؟
تحققت من ساعة يدها قبل ان تقرر الاتصال بصوفي، انه المساء في ايطاليا، الا ان الوقت ليس متأخرا كي تقوم ببعض الاتصالات العاجلة.
" دانيلا"
" صوفي عزيزتي" جلست على الكنبة الناعمة التي أبتلعتها في جوفها و منحتها الاسترخاء" هل كل شيء على مايرام؟ وصلت الى نيويورك الا انني عرفت بسفر اليساندرو الى الجزيرة"
سقط صمت عميق، عادة صوفي ثرثارة، ساخرة و في الكثير من الاوقات فضولية، الا انها لا تكون صامتة ابدا، لسيما حزينة، حتى بعد الحادثة التي افقدتها لوقت طويل استعمال ساقيها لم تكن حزينة او هشة كما يبدو صوتها في هذه اللحظة وهي تقول:
" طلبت منه المجيء ... نفذ صبري و لم اعد قادرة على تحمل البقاء سجينة في هذه القلعة اللعينة... سوف ارحل الى الابد.."
استرخت قليلا،اذن فاليساندرو استجاب لنزوة من نزوات صوفي الكثيرة؟ مسحت على وجهها تحاول التخفيف من الحرارة التي انتشرت فيه بسبب ارتفاع الادرينالين في شرايينها.
" ماذا عن روكو؟" سألتها ببعض الحذر" هل سيوافق؟".
لم تكن يوما علاقة الاثنين موفقة، صوفي الزيت و روكو النار، الا ان هذه الاخيرة تحبه رغم نكرانها الشديد لهذه الحقيقة، تشك بشعور الغيرة الذي زحف الى قلبها منذ زواج هذا الاخير من بريانا.
" اليساندرو هنا لهذا الغرض" تمتمت صوفي بنبرة شبه يائسة " احتاج للابتعاد عن صقلية "
" مالذي حدث عزيزتي؟ هل تشاجرت مجددا مع روكو؟؟ "
تلى الصمت هذا السؤال، عادة لا تتواني صوفي عن الصراخ ما ان يتعلق الامر بسيرة شقيقها الذي هو في الحقيقة والدها، هذا السر يثقل عليها كثيرا الا انه لا يحق لها مطلقا مشاركة المعنية بالامر به حتى لو كانت اقرب الصديقات الى قلبها.
" أريد فحسب الرحيل من هذا المكان و نسيان كل الأحداث المريبة..." تمتمت صوفي بنبرة مملؤة بالتعاسة" الحادث... موت اليخاندرو..."
عادت لتصمت مجددا تكهنت دانيلا بأنها تخنق دموعها:
" لم اعد قادرة على زيارة الحديقة الخلفية، انا عاجزة عن رؤية اسمه محفور في ذلك الرخام اللعين... الكل اتفق على جعل حياتي جحيما... وجدو من الرائع دفنه في حديقة منزلي... دانيلا ذلك الرجل أحببته منذ سنوات طويلة... انه حب مراهقتي فكيف يفعلون هذا بي؟ لا احد يفكر في مشاعري"
" الكل يجهل نوع المشاعر التي حملتها نحوه عزيزتي" اعترضت دانيلا" الا انها أمنيته الاخيرة ..."
" نعم بالتأكيد، قلبه كان مع الاميرة بيانكا الا ان كيانه مع روكو... فضل التعفن في بيتي لا بيتها هي..." تهكمت صوفي بصوت تغمره الغصة " لا شيء يسير كما اريد... عزمت على رمي الماضي ورائي و بدأ حياة جديدة و هذا لن يتم بجانب العراب و لا في هذه الجزيرة البائسة... اريد الرحيل و التحرر من اسمي الى الابد... ابلى اليساندرو بلاءا حسنا بالرحيل في الماضي، توجب علي فهمه بدل لومه..."
جرفتها الكلمات فورا الى ماضي قريب، عندما ظنت حماية خوسيه تسلطا، كانت تجهل تماما بأنه يحميها من مصائب لن تكون قادرة على تحمل قسوتها، وهذا بالضبط ما يفعله روكو مع صوفي، لن تفهم يوما هذه الأخيرة ابعاد هذه الحماية الا عندما توضع في موقف يبرهن لها بأن محيطه الامن ثروة لا تقدر بثمن.
تماما كما حدث معها شخصيا مؤخرا.
وكم تفتقده، كم تحبه و تعزه و تحترمه، بعد مواجهته مع والدتها اتصل بها ليخبرها بأنه سيختفي لفترة من الزمن.
( سأعمل على نفسي كي اكون ابا مثاليا لك و للتوأمين، انتم كل حياتي، أحبك دانييلا... )
حفزتها كلماته لدرجة انها قررت اخد زمام الامور بيدها فورا.. ربما خوسيه يملك أخطاءا، الا انه لم يكذب عليها يوما و لم يخدعها، هو نفسه ضحية مثلها، الوحيدة التي شعرت بعدم وضوحها في الموضوع فهي ( اليونور) نفسها.
لن يفرقها شيء على خوسيه و اليساندرو بعد اليوم، وان كانت والدتها تحبها حقا، فعليها احترام اختياراتها وتقبلها بأحبائها.
وضعت اصابعها على القلادة حول عنقها و لامست الملاك المتدلي منها
" لا تستعجلي قدرك عزيزتي، لانه قادم لا محالة فالحياة مليئة بالمفاجآت و لا تستثني احد"
" مالذي تقصدينه؟"
" اقصد بان تعطي روكو اعذارا، الاعمى وحده لايرى حبه و خوفه عليك"
" صرتي محاميته الان؟" تهكمت صوفي بنبرة جليدية" انت التي فررت تسلط خوسيه كل حياتك لا يليق بك منحي نصائح، الا ان الوضع اختلف الان اليس كذلك؟ صرت خطيبة رجل وسيم جدا و ناجح مثل اليساندرو بينما حياتي العاطفية كارثة حقيقية..."
" صوفي"
الا انها قطعت الخط.
* * *
كاتانيا
(صقلية)
.
.
.
" هل انت متأكد بأنك فهمت التاريخ جيدا يا بني؟؟"
هز انجلو عينيه الواسعتين باتجاهه و اطرق برأسه بالايجاب، يعرف سيزار بأنه طفل ذكي للغاية و يحاول التفوق على نفسه لارضائه، الا انه غير واثق حقا في قدرته على تلخيص الحرب العالمية الثانية دون الدخول في تفاصيل ثانوية، انجلو تعلم كتابة الايطالية الا انه مايزال يرتكب اخطاء املائية.
اغلق كتاب الدروس ووضع ورقة بيضاء امامه على سطح المكتب.
" لحين عودتي اريدك ان تلخص لي كل ماشرحته لك ولا تنسى ما نبهتك لاجله، ركز فقط على الخطوط العريضة.. اتفقنا؟"
" اتفقنا" قال انجلو مبتسما و لم يتمكن سيزار من مقاومة رغبته بالمسح على شعره بحنان قبل ان يثب واقفا فيما يراه ينغمس فورا في دروسه.
وجد زوجته في الصالون امام البيانو الكبير، بدت مأخوذة بورقة النوتات امامها بصدد تعديل بعض منها، لابد انها مقطوعة جديدة تعمل عليها، موعد عودتها الى لوس انجلس يقترب و هي تتمرن اكثر من مرة يوميا، منذ مشاحنتهما الاخيرة يمكن ان يقول بأن الامور توضحت جيدا بينهما، يفضل قطع لسانه على اتهامها مجددا بالسخافات التي تتعمد والدته وضعها في رأسه.
يمكن ان تتهمه جورجينا بالضعف ماتشاء الا انه يثق بروبي، ولاشيء ويزحزح هذه الثقة.
لاشيء يمكن ان يبعده عن الزوجة التي يعشقها بكل كيانه.
الكل يعيش لأجل شيء ما و هو يعيش من اجلها فقط... انها سبب حياته.
تباطئت خطواته قبل ان تتوقف تماما، استند على مدخل الصالون و كثف ذراعيه فوق صدره دون ان تفارق نظراته المرأة الغافلة عن وجوده، التحمت نظراته على قامتها، كانت منحنية على البيانو، شعرها الاسود معقود عشوائيا فوق رأسها، قبة كنزتها تكشف كتفها الايمن حيث تلتمع بشرتها السمراء النقية، قدميها حافيتين و تفرك الواحدة بالاخرى دون ان تشعر حقا بما تفعله.
انها غافلة عنه و ايضا غافلة عن نفسها وعن اللوحة الرائعة التي تقدمها، شعر بقلبه ينتفخ فخرا ككل مرة تسقط عيناه عليها و يدرك بأنها له.. ملكه.
و لا ينوي تركها ترحل يوما او تخرج من حياته.
هزت فجأة عينيها نحوه و كأنها شعرت بنفسها مراقبة، ابتسمت و اشرق وجهها مثلما تشرق الشمس يوم شتاء كئيب، بادلها الابتسام تلقائيا، انه يدين لها بكل السعادة التي يشعر بها في هذه اللحظة.
ابتعدت عن البيانو و اعتدلت في جلستها، وضعت ساقا فوق الاخرى قبل ان تدلك قليلا رقبتها التي بقيت لوقت طويل على الوضعية نفسها.
" فيما انت ساهم؟؟"
" أتخيل زوجتي في فستان زفاف أبيض..." قال و هو يترك مكانه و يخطو نحوها بخطوات بطيئة" متى يمكننا تحديد موعد و ترديد العهود المقدسة أمام الله؟؟"
اعادت رأسها الى الوراء قبل ان تنفجر ضاحكة، استرخت ملامحها الجميلة في تعبير ساخر .
" أرغب برؤية وجه جورجينا امام هذه الاماني... هي التي تريد رؤيتك مع واحدة من اختيارها"
" روبي كوستانسو هل تتهربين من الجواب؟؟"
تلاشت سخريتها و التوت شفاهها الناعمة في ابتسامة مغرية، عندما مد يده نحوها وضعت فورا اصابعها الانيقة في راحته، اغلق قبضته على نعومة بشرتها و جذبها نحوه، وقفت امامه، نظراتها الشفافة ملتحمة بنظراته.
" نحن متزوجين أيُّها الوسيم..."
" تزوجنا في امريكا مثل هاربين من العدالة و في سرية تامة..."
" تأجل موعد زفافنا الصقلي مرتين..." تنهدت و اسودت نظراتها قليلا" هل تظنه مؤشر سيء؟؟"
" لا أؤمن بسوء الطالع يا ابنة اثنا العنيدة... أحلم برؤيتك باللون الأبيض، و ان اردد عهودي جهرا امام كل سكان صقلية..." ترك يدها قبل ان يحيط خدها براحته" أريد ان يعرف الجميع كل ما تعنينه لي روبي ..."
" كل صقلية تعرف سلفا ما تعنيه روبي لك" قالت بنبرة ذكرته بمواء قطة مدللة" وهذا ما يفقد رشد جورجينا..."
" اعذريها عزيزتي فقلبها فارغ و مهجور، لم تحب والدي يوما كل ما همها فيه هو اسمه و نفوذه و حسابه البنكي، لا تنتظري تعاونا مع من لم يتعرف على الحب الحقيقي .. و مع الوقت...ستدرك جورجينا بأن ما بيننا اقوى من فصله" انحنى ليقبل ارنبة انفها و استغل قربها ليستنشق عطرها الممتزج برائحة بشرتها المنعشة، عندما ابتعد كان قلبه مملوء بالحب، يكاد ينفجر من السعادة. " كنت افكر بان الوقت قد حان كي نتخذ مسكن كبير لنا"
" هذه الشقة تلائمنا سيزار، اكره العيش في القصور الباذخة "
" انجلو بحاجة لحديقة كبيرة و مسبح و ملعب كرة " بلع بقية كلامه، الاطفال القادمين ايضا بحاجة للمساحة الا ان موضوع الاطفال يوجع روبي بشدة، ماتزال الجراح غائرة و تنزف بشدة، يكفي ان تكون دعاية حفاظات الاطفال على التلفزيون كي تحزن نظراتها و تذبل ملامح وجهها الجميلة.
" مارايك في منزل داركو و فلور؟؟"
" انه رائع جدا لا انكر ذلك..." صمتت قليلا وهزت كتفيها" ان كنت ترغب بأن ننشأ بيتا يحمل شخصية كلينا فلا مانع لدي... انت محق... أنجلو يحتاج لمساحة اكبر فلم نعد زوجين حديثي العهد و صرنا عائلة مكونة من ثلاثة اشخاص"
ابتسم سيزار و مسح على وجهها، انه عاجز عن الوقوف امامها دون لمسها، طوقت خصره بذراعيها ووقفت على اصابع قدميها كي تكسب بعض السنتيمترات تمكنها من النظر مباشرة في عينيه.
" ما رأيك في أيلول؟"
" أيلول متقلب وقد تمطر في زفافنا..."
"الا تحب الركض تحت المطر...؟ قد تكون صور الزفاف ملهمة و مثيرة للاعجاب... "
اتسعت ابتسامته و انحنى ليقبلها بشغف:
" أحبك في كل الفصول حبيبتي"
" و أنا أيضا أحبك في كل الفصول و بكل اللغات ايضا... " كمية الصدق و الاخلاص في نظراتها اتت بمفعول دوي قنبلة انفجرت في صدره، كيف له ان يشك فيها بينما تبرهن له كل يوم بأن المكان الوحيد الذي تريد البقاء فيه هو قلبه.
امضى دقائق غير منتهية في الاعتذار منها بأعذب الطرق، لو لم يكن له موعد مع العراب لما ترك البيت في هذه الساعة، انه يحب الامسيات العائلية مع روبي و أنجلو، يحب سماعها تعزف و يحب اللعب الالعاب الاكترونية مع ابنه بالتبني، انه يعشق بشدة دور الزوج و الاب الذي اصبح من اهم ادواره في الحياة.
" هل انت خارج؟"
سألته بنبرة أجشة من شدة الاثارة، كانت تتعلق اصابعها بياقته، وجهها محمر و شفاهها منتفخة من قبلاتهما، انها الاغراء بعينه.
" على العروج على القلعة لرؤية العراب الذي طلب رؤيتي"
قطبت روبي جبينها و بان الاهتمام على وجهها.
" هل لهذا علاقة برحيل بريانا المفاجئ من صقلية؟"
" لا يتكلم روكو عن حياته الخاصة، وربما الموضوع عكس ما تظنينه عزيزتي.."
" عكس ما اظنه؟" رددت روبي متهكمة وهي تبتعد لتتطلع نحوه بجدية بالغة" لا تخطو بريانا خطوة قبل ان يسمح لها العراب بها، انه متملك لدرجة انه يغار من الهواء الذي يدخل رئتيها فمابالك ان تبتعد عنه بمئات الاميال؟ "
" انت تصورين روكو بصورة وحشية و ظالمة للغاية عزيزتي..." اتت نبرته اقل حرارة .
هزت عينيها للسماء قبل ان تحرك رأسها يمنة و يسرة و تفرك جبينها، ابتسامة ارتسمت على شفاهها.
" اعتذر... نسيت بأن العراب مقدس وخارج اطار المناقشة"
تجاهل ملاحظتها:
" ان كان هناك ثمة مشاكل بينه و بين بريانا فهذا لا يخص غيرهما"
" فيما يتدخل هو في حياة غيره" ردت زوجته وهي تعود الى البيانو" انه يراقب تحركاتنا.. ما ان اخطو خارج الجزيرة من دونك حتى يتحول روتيني الى فلم اكشن..."
" لانه يخاف عمن يحب" برر سيزار.
" و انت من يحب بشدة.... لا يفعل ذلك لرفاهيته الخاصة " قالت مبتسمة وهي تهز مجددا عينيها الى السماء قبل ان تضع اصابعها على مفاتيح البيانو و تعزف بسرعة فائقة معزوفة فلم العراب الشهيرة، رغما عنه ابتسم بدوره لفكاهتها، انها تحب روكو و تحترمه الا ان فضولها بشأن مايحدث يكاد يقتلها، توقفت اصابعها و غمزت له" تتهرب من الكلام ما ان يتعلق الموضوع بأحد اصدقائك... هيا ارحل من هنا و دعني اعمل... لا تنسى ان العراب يكره الانتظار"
العراب يكره الانتظار نعم الا ان المشهد المغري امامه يسيل لعابه، فرك جبينه ليقاوم رغبته بالهجوم عليها ورميها فوق كتفه و التوجه فورا الى غرفة النوم.
" عند عودتي..اريد رؤيتك بقميص نومك الارجواني ..." امالت برأسها و ابتسمت "... ولاشيء تحته"
" هيا سيزار" التقطت مجددا اوراقها لتثبتها مكانها" كلانا يعرف ما يعقب دعوات العراب المتأخرة... لن تمضي الليلة في البيت للاستمتاع بقميص نومي بل في احد نوادي روكو المشهورة بنسائها الشقراوات الفاتنات و المغريات... لما تزوج سمراء ان كان مهووس بالشقراوات؟؟"
رنين الهاتف منعه من الاجابة، لم يكن هاتفه انما هاتف روبي الذي التقطته و اجابت فورا.
" مرحبا فلورانس"
كانت الكلمة الوحيدة التي تفوهت بها بعدها اتبعتها بسلسلة من اه... امم... حسنا.
" ما الامر؟؟" سألها ما ان اغلقت الخط.
" فلنقل بأن سهرة ترفيه تنتظرني ايضا و ليس انت وحدك من سيسهر الليلة... فلورانس تطلب رؤيتي و لن أفوت فرصة التهام نيكولاي المشاكس و الثرثرة قليلا... الفضول سيقوم بقتلي..."
* * *
تاورمينا
(صقلية)
.
.
.

كان الصمت مطبقا و ثقيلا في الورشة ، رائحة سيكار والده عالق في الهواء ممتزج بعبق الصندل و شذى المرمرية المتوحشة.
توقف روكو وسط الورشة و تعلقت عيناه على الصورة الضخمة المنتصبة امامه للرجل الذي مازالت صقلية تخشاه حتى بعد موته.
الهبة و السطوة و الغطرسة و الثقة بالنفس محفورة على كل خط من خطوط وجهه و حتى ملابسه المخيطة بدوق رفيع، لم يكن يانيس يحط عليه سوى قطع مميزة من البدلات الرسمية، حتى عندما ينهي حياة احدهم، ينهيها برقي .
( انه خائن... و الخائنون لا يستحقون تعاطفنا روكو... مصيرهم الموت)
وجد نفسه يقف امام والده الذي تخلص من سترته و طواها بكل كياسة على ضهر احد الكراسي الموضوعة لاغراض خاصة تحت القبة، المنظر امامه قبيح، رجل ينزف بشدة و يبدو انه تعرض للتعذيب الوحشي الى ان خارت قواه، كان مكبل الايادي، ويبدو ان احدهم فقع عينه، يمكنه ان يقسم على هوية الجاني، يانيس يعشق تعذيب الناس و ينتشي من آلامهم.
(مالذي فعله؟)
سأل روكو عندما استعاد صوته، رجال والده منتشرين في المكان، الكل يحط عليه نظرات جليدية لا تعاطف فيها، الكل ينتظر بأن ينفذ اماني القائد الذي يخيب امله فيه كل مرة يرفض فيها ابنه الضغط على الزناد.
( لقد اخترق القوانين...) شمر على ساعديه القويين و اخرج مسدس من حزامه كي يضعه في يده، كان وزنه اثقل من المعتاد و تركه ينزلق من اصابعه ليصطدم بالأرض مما اثار غضب والده الذي غرسه بعنف في راحته و امره بحدة:
( اضغط على الزناد روكو و اقضي على عدونا)
في هذه اللحظة هز الرجل رأسه نحوه و نظر اليه بالعين السليمة المتبقية، كان وجهه متسخا و الدم يملأه فيما ملابسه الممزقة تعرض كدمات غائرة، انتبه الى ان جزء من ساعده مفقود، يمكن رؤية العظم بسهولة، الشيء الذي دفعه للتراجع في مكانه برعب، معدته تقلبت و سقط على ركبتيه امام والده كي يفرغ طعامه امام حذائه.
(انت حقا مثير للشفقة)
زمجر يانيس فوقه قبل ان تلتقطه يده القوية من شعر رأسه ويجبره على الوقوف، لم يتمكن من استعمال ساقيه لانه تم جره بوحشة حتى مكان الضحية.
(انظر اليه... انظر اليه جيدا)
لم يملك رفاهية الرفض لان يدين قويتين ثبتتا وجهه اجبرتاه على فتح عينيه و النظر... النظر الى بشاعة ما يوجد نصب عينيه.
(عالمنا لايسمح بالضعف او شفقة روكو... ان لم تأكلهم اولا فسيجعلوك وجبتهم التالية.. لهذا خذ هذا المسدس اللعين و اضغط على الزناد قبل ان اجبرك على فعل شيء اكثر بشاعة من مجرد انهاء حياته بسرعة)
اصبح وزن المسدس اثقل و اثقل بين يديه، كمية الرعب على وجه الرجل امامه تثير رعبه و خوفه شخصيا. صبي العشر سنوات طغت عليه الأحداث... لا يريد ان يكون هنا، لايريد ان يصبح شخصا سيئا كوالده، يرفض قتل رجل يجهل جريمته او ما فعله ليستحق هذا القصاص.
(لا يوجد ابشع من اطلاق الرصاص عليه ابي)
انحنى عليه والده و نظر هذه المرة مباشرة في عينيه.
(بل يوجد... ان لم تضغط على الزناد فسأجبرك على تقطيع جسده حيا و التهام لحمه نيئا... الاختيار يعود اليك)
" بني؟"
صوت سابرينا الاجش اخرجه من دوامته، استدار نحوها و استقبلته ملامح مسودة من الخوف و القلق، كانت قبضتيه تحرقانه بشدة، هز يديه نحو عيني و اكتشف بأن مفاصله تنزف ، اقطب بلا فهم وعاد ينظر من حوله، صورة والده محطمة و الورشة في دمار شامل، وكأن زلزال بقوة عظيمة هز المكان.
هل هو من فعل هذا؟ متى؟
" روكو؟"
تجاهل ندائها و بقيت عيناه على الصورة تحت قدميه، لم يتبقى شيئا من الوجه العظيم الذي مزقه في ازمة جنون لا يتذكرها حقا، الا ان هذا لا يشعره بالاكتفاء.انه يريد العودة الى افكاره و حماية الطفل الذي كان عليه يوما.
"هذا الرجل.." تمتم روكو وهو يركل برجله بقايا الصورة" هذا الرجل الذي اخترته بنفسك ابا لي، ومازالت تدخنين سكاره المفضل، و تنثرين عطره في زوايا الورشة و كأنه مازال على قيد الحياة... جعل حياتي جحيما.." صمت قليلا ليقمع كمية الكراهية في قلبه التي تهدد بحرقه حيا" لا اظنني ساسامحه يوما أو اسامحك سابرينا"
" بني..."
" انا لست ابنك... لم تفعلي شيئا لحمايتي من بطشه"
عندما حاول الابتعاد استوقفته بنبرة حادة:
" روكو توقف و اسمعني" في قلب هذه الفوضى اخر ما يريده هو سماع ما ستقوله والدته، لقد خاب امله منها منذ زمن :" يانيس كان شخص سيء نعم،.... نعم كان زير نساء، مجرم و قاتل و سادي.. متلاعب و متغطرس و بلا قلب، الا انه اعطاك الحب بطريقته ... اعرف بأن اخفاء صوفي عنك أسوأ ما قمنا به، الا انني استمريت بالكذب لحمايتكما... كنت اخشى مما سيحل بعائلتي ان انفجرت الحقيقة... لم اخفي عن سوء نية اقسم لك... تعرف كم احبك و اقدرك... طالما كنت سندك روكو"
" هل كنت تحررينني من القبو عندما يقرر مجنون سادي معاقبتي بحبسي فيه طيلة الليل؟؟ لم اكن رجلا كفاية بنظره ولا استحق جيناته و لا مرتبة الابن كان ينظر لي و كأنني حشرة... عن اي سند و اي حب تتكلمين سابرينا؟؟ "
" روكو..." هزت رأسها معتذرة، لمعت الدموع في عينيها" لم اكن اجرؤ على كسر اوامره... اسفة لانني لم اكن قوية كفاية للوقوف في وجهه و انقاذك من ازمات هيجانه... الا انه احبك بني "
" اذهبي الى الجحيم سابرينا" تمتم بنبرة هادئة" انت وهوسك بمجنون مختل و تبريراتك التي لا جدوى منها يمكنكم كلكم الاحتراق في الجحيم... بسببك... بسببه صوفي تكرهني ولا اظن اعذارك كافية لاصلاح علاقتي بها او اجبارها على حبي... اعذارك لن تغير مصيري الذي يدفعني للعيش باستمرار في ظل والدي و لن يمنحني حرية اختيار حياتي التي اريد حقا عيشها... لن يحمي ابني القادم من ثقل اسم الايميليانو و لن اعيش زواج طبيعي مع امرأة احبها لان الواجب يستمر بمناداتي ولا يرحمني... "
تأثرت اكثر ملامحها، راقب دموعها تغزو وجنتيها الشاحبتين الا انه مرهق لتحمل ازمة بكاء .
انه يفتقد بريانا...
انها الوحيدة التي يتمكن من النوم في حضنها دون ان يعيش كل ليلة كوابيس للجرائم التي اجبره يانيس على ارتكابها.
" قل لصوفي الحقيقة..." نصحته بنبرة متعاطفة" اخبرها بأننا خذلناك وخدعناك و سرقناها منك ..."
قاطعها وهو يهز كتفيه:
" وتظنين بأن هذا سيغير شيا من نظرتها لي؟؟ انا الوحش الذي خطف حريتها وهي تكرهني بشدة.. تكرهني لدرجة انها لن تحبني تحت الطلب سابرينا و إثارة شفقها على المراهق الغبي الذي وثق بوالديه ثقة عمياء شيء مقزز و مثير للاشمئزاز... لن اضغط عليها بشيء، اتفهم شعورها لانني عشت الجحيم نفسه عندما اكتشفت الحقيقة..."
عندما توجه هذه المرة نحو المصعد لم توقفه، تفادى النظر الى وجهه في المرآة الداخلية، و انشغل بتنظيف مفاصل يديه بمنديل فيما يتمم رحلته نحو الطابق الارضي للقلعة.
كان بحاجة ماسة للاختلاء بنفسه و لكأس قوي، الا ان صوت المروحية جعله يغير اتجاهه، كان رجاله يوجهون المروحية لتحط بسلام على مرآبها الخاص.
وصل شقيقه الصغير اخيرا.
وضع يديه في جيوب بنطاله ليخفي اصابته فيما يراه يترجل من الالة الطائرة- الاشبه بحشرة عملاقة- متجاهلا تماما ترحيب الطاقم به، كان يعرف بمجيئه مند اقلاعه من نيويورك و حطه في باليرمو.
" غيرت رأيك و عدت اخيرا الى صقلية؟"
سأله من ان وصل هذا الاخير الى مدخل القلعة، نظراته الزرقاء جليدية ووجهه خال من اي تعبير.
" لم يغير رأيي سوى نداء استغاثة صوفي... اما فيما يخصني لا اريد رؤية وجهك مجددا ايها العراب"
تجاهل روكو هجومه و توجه نحو المكتب، اليساندرو على اعقابه، ما ان اغلق الباب خلفهما حتى انفجر فيه هذا الاخير.
" اتيت لاخدها... لن تمنعني هذه المرة"
كانت النار ملتهبة في قلب المدفئة، تقدم روكو نحو البار العتيق ليصب لنفسه كأسا، سذاجة اليساندرو تفاجئه في كل مرة.
اقترب من المدفاة وجلس على الكنبة الجلدية... مكانه المفضل عندما يكون بحاجة للتفكير.
" نداء استغاثة؟"
" لا يمكنك الفهم هيه؟" سأله شقيقه وهو يدنو منه، نظراته مشتعلة من الغضب " هناك حدود لكل شيء... كونك مريض بالسيطرة لا يعطيك ألحق بدفع ابنتك لحدود اليأس كي تهددني بالانتحار اذا لم اسرع لنجدتها و اتفاوض بشأن حريتها للخروج فورا من صقلية... و لسيما الخروج حياتك"
ارتفعت السنة اللهب اكثر و تطقطق الخشب تحت الضغط، ليس متأكدا ان اتى الصوت منها ام من الفك الذي يضغط بشدة على اسنانه في هذه اللحظة.
" لا يمكنها الرحيل من صقلية لسيما الان"
" لا تملك الخيار روكو... اما ان تحررها او تقوم بحماقة ستكلف الجميع ثمنا يصعب دفعه"
انفتح باب المكتبة بقوة و ظهرت فجأة صوفي، لابد انها سمعت صوت المروحية و اسرعة لرؤية البطل الخارق الدي ارسلت في طلبه، رآها تسرع نحو اليساندرو و ترتمي بين احضانه.
الغيرة اللئيمة وجدت طريقها بسرعة الى قلبه.
" وصلت اخيرا"
" انا هنا صغيرتي..."
" اخبره بأنني اريد الذهاب معك الى نيويورك..." سمع صوفي تتوسله بقوة " اخبره بأنك لن ترحل بدوني"
ماذا سيكون ردها ان وضع الحقيقة المريبة امامها؟ ثمة مهووس سادي يبحث عن منفذ كي يصل اليها و يخطفها؟
" ليس الان صوفي" سمع نفسه يقول بهدوء" الوقت ليس مناسب لمغادرة الجزيرة"
استدار نحوه وجهين بتعابير مختلفة، اليساندرو مسود من الغضب بينما اليأس و الرعب و الخوف شوه ملامح ابنته، بدت و كأنها تحتضر في هذه اللحظة.
" لا اريد البقاء معك تحت سقف واحد روكو... لا اريد الالتقاء بك او رؤية وجهك ولو صدفة..."
وقف من الكنبة بعد ان افرغ كأسه و ادلف يديه في جيوب بنطاله مخفيا كدماته:
" سأغيب لبعض الوقت لهذا لا توجد فرصة لنلتقي ببعضنا البعض... لكن الرحيل حاليا من صقلية مستبعد كليا... مجيئ اليساندرو لن يغير قراري.."
إنسابت دموعها على بشرة وجهها الشاحبة، انها تعاني، مثله تماما، الا انه لن يسمح بتعريضها للخطر، بعدها عن حمايته سيسهل مأمورية ماكسويل.
" كنت اعرف بأنك ستقول هذا"
سمعها تقول بهدوء مفاجئ، ادرك نيتها عندما رآها تدلف يدها في ظهرها و تخرج عيار ناري فضي صغير من حزام بنطالها، و بدل ان تصوبه نحوه وضعت فوهته تحت ذقنها.
" ان كانت الطريقة الوحيدة للتخلص منك..."
" مالذي تفعلينه بحق الجحيم صوفي؟"
صوت اليساندرو الخشن عكس مخاوفه الشخصية، صوفي تعرف جيدا استعمال الاسلحة ككل الايميليانو، و ان كان منظر هذا السلاح جميل الا انه اداه قاتلة و يمكنه انهاء حياتها فورا.
" اعطني هذا المسدس" قال روكو وهو يمد يده نحوها.
" اقسم بروح ابي ان اقتربت مني فلن يتبقى من رأسي شيئا" قالت بوحشية وهي تبتعد عن اليساندرو الذي يحاول التفاوض معها بلا جدوى" مالذي ستفعله هيه؟ ترسل ورائي دزينة حراس للعالم الاخر؟؟ انت حولت حياتي الى الجحيم وسممت وجودي، افضل الموت على البقاء في هذا السجن المريع الذي هو عليه حياتي"
" عزيزتي" تدخل اليساندرو برفق " اخفضي سلاحك و يمكننا التوصل الى حل..."
" لن نتوصل الى حل مادام هذا الاناني في حياتي... سيديرها باستمرار كما يريد كما حاول معك انت قبلي... الا انك كنت اكثر ذكاء... هربت منه و استقليت بحياتك" فجأة وجهت السلاح نحوه، تحول غضبها الى تعبير اشمئزاز واضح: " من يستحق الموت هنا هو انت روكو، ان كان يجب ان ابقى محبوسة كل عمري فأفضل ان يكون ذلك في زنزانة بالسجن، سأسعد بتخليص العالم من شخص مثلك"
" اضغطي على الزناد اذن" تمتم روكو بهدوء" افضل الموت على يدك بدل الموت كل ليلة قلقا عليك و على كل فرد يهمني امره في هذا البيت اللعين و في حياتي برمتها"
اهتزت يديها المصوبة بالسلاح نحوه في حركة غضب شديدة و صرخت بوجهه:
" ما يهم هو احتياجك الدائم بالشعور بالقوة و السيطرة، انت تسيطر علي و على حياتي لان هذا يشعرك بالاكتفاء... عندما نحب لا نؤدي من نحب ولا ندفعه للجنون"
سقطت عليه هذه الكلمات مثل الحجر، رآى نفسه مكانها فجأة، بمواجهة مارد بلا قلب يلتمس حبه دون ان يحصل عليه.
فجأة اصبح خطر ماكسويل اهون من هذه الكلمات التي اصابت وثره الحساس، حمايته الزائدة دفعت الجميع للانقلاب ضده حتى بريانا.
منشغلة باتهامه لم تنتبه صوفي اليساندرو الذي قفز عليها ليتمكن من انتزاع السلاح من بين يديها، الا ان الرصاصة انطلقت تحت ضغطها الزناد كي تستقر بعيدا، في الصورة الزيتيه ليانيس.
انها ثاني صورة تلقى حتفها الليلة...
بقي روكو مسمر في مكانه، كان بإمكان الرصاصة ان تخترق رأسها و ربما رأسه هو او رأس اليساندرو، اين اخطأ كي يجد نفسه في موقف مماثل؟
صوت النار اتى برجاله فورا الى المكان، ما ان اكتشفوا بالا دخيل بين افراد العائلة حتى انزلوا اسلحتهم، ظهرت سابرينا على العتبة، وجهها شاحب وعينيها متورمتين، كانت بصدد تفقد الجميع بعينيها كي تتأكد بانهم سالمين، قصدت صوفي التي رفضت ذراعيه و بقيت تتحب و تبلل قميص اليساندرو الذي كان يجاهد لتهدئتها بكل الطرق الممكنة.
ثم فجأة اتخذ قراره....
على هذا الموقف الا يتكرر مجددا.
" جوليان"
تقدم ذراعه اليمين فورا ما ان سمع اسمه.
" نعم ايها العراب؟"
" اريدك ان تختار فريق حراسة متمرس لمرافقة صوفي الى نيويورك و حراستها"
توقفت هذه الاخيرة عن البكاء و الانتحاب وهزت نحوه وجه متورم و عيون محمرة، كان فمها مفتوحا من الدهشة " سترافقك سابرينا... و لن تخرجي دون اعلام طاقم الحراسة و ان تمردتي فسندفع كلنا ثمن هذه الحرية كثيرا..."
هزت رأسها موافقة، لاتبدو مصدقة لتغيره رأيه بهذه السرعة، خطى نحوها و انحنى على المسدس الذي سقط ارضا قبل ان يعيده لها.
" لا تترددي باستعماله في وقته ولا تخرجي من دونه... انت حرة بالرحيل متى تشائين صوفي"
استعادت المسدس منه و التقت نظراتهما، انه يرغب بنسخ كل تفصيل من هذا الوجه الجميل، الالاف من المسافات تبعدهما بالرغم من انها على نصف خطوة منه، وكم يشعره هذا بالاسى.
انه يعرف...
يعرف بأنها لن تعود له في القريب...
يعرف بأنها لن تعود ابدا ان قررت الابتعاد كما فعل اليساندرو قبلها.
" أحبك من كل قلبي..." قال لها بصدق وهو يمد يده لملامسة وجهها، لكنها رفضت التواصل و ابتعدت و تكملت بين ذراعي اليساندرو، رفضت لمسته و معها وداعه للمرة الاخيرة." ارجوك اهتمي بنفسك و كوني بخير..."
" سأكون بخير..." ردت بسرعة" بعيدا عنك سأكون بأمان"
تركها كي يأخد اليساندرو جانبا و يقول له محذرا:
" تريد ان تلعب دور البطل الحامي؟... تفضل و احمها،انت المسؤول عنها منذ اللحظة، لكن احذرك...ان اقحمته في حياتها فلن أسامحك"
كان يتكلم عن كيليان ارشيبالد الذي اصبح الضيف المستمر في بيت شقيقه و صديقه الحميمي، قرر اليساندرو استبداله به و اصبح مثاله الاعلى، الا انه يرفض ان يدخل ذلك السافل حياة ابنته... يعرف مسبقا نواياه السيئة.
" من حق صوفي معرفة الحقيقة" هذا الجواب تعمده اليساندرو عاليا مما دفع دمه للغليان كما اثار انتباه صوفي التي اقتربت منهما.
" أعرف ماذا؟؟"
الا ان اليساندرو تحاشى نظراته القاتلة و المهددة، وواجه صوفي ليقول لها بكل بساطة:
" نحن نملك فردا أخر من الايميليانو، و هو ابن يانيس من امرأة اخرى... يدعى كيليان ارشيبالد و هو يشبه أبي كما لن يمكنك التفريق بين الشخصيتين يوما "
سقط الصمت السحيق على المكان، الغضب الذي يشعر به روكو مثل بركان اتى فجأة على الانفجار في صدره و انسابت الحمم بقوة في شرايينه:
" كيف تجرؤ" تمتم من خلال اسنانه
"ماذا؟؟.." ارتفع صوت صوفي مدويا في المكان، كان ممتزج بالدهشة و الصدمة و العدم تصديق" لكن ماهذه العائلة بحق الجحيم؟؟ في اي عالم مواز يعيش الجميع هنا؟؟ كيف تستطيعون العيش و سط سلسلة اكاذيب لا منتهية و تصرون عليها ايضا؟؟"
" ذلك الدخيل لن ينتمي لعائلتنا يوما..." تمتم روكو " انه رجل خطر و ممتلئ بالمرارة و الكراهية"
الا ان صوفي ترفض قطعا كل كلمة او تبرير يخرج من فمه، التمعت عيناها بكراهية و قذفت بنبرة جليدية:
" لم نملك يوما وجهة النظر نفسها روكو، لا تقس طريقة رؤيتك له بي، ان كان ابن ابي حقا فأنا أنوي التعرف عليه و مقابلته... وصلت لعمر صارت فيه سلطتك علي سخيفة و بلا أهمية... أنا سيدة نفسي و اتخذ قراراتي بمفردي..."
" جيد اذن" ترك غضبه يخرج عن سيطرته، كل ما يحدث الان هو الجنون بعينه و ليكن صادق مع نفسه ضاق ذرعا بعقوق و هجوم من يحميهم، هو الذي لم يجد من يحميه طفلا و مراهقا ، اطبقت اصابعه على وجه ابنته ليجبرها على النظر مباشرة في عينيه" لست همك الأكبر في هذه الدنيا و لست العقبة في طريقك، شئت ام ابيت فأنا والدك الذي يخشى عليك صوفي... الا انك ستكتشفين قريبا ان الحياة هي عقبتك الوحيدة و هي مليئة بالمخاطر و المفاجآت السيئة، ستعرفين ان كل ما فعلته هو لمصلحتك و لحمايتك من قسوة الواقع الذي نعيشه...اتمنى الا يخيب كثيرا املك بالحياه و معها ابن الرجل الذي تناديه أبي... أتمنى ان تكوني صلبة كفاية و قادرة حقا عن حماية نفسك من اسم الايميليانو و الا يصدمك الواقع الذي تظنينه ورديا... سلطتي تنتهي هنا نعم و حريتك المطلقة تبدأ اللحظة و انت سيدة نفسك... لكن في يوم ما، ستعرفين بأنني طالما كنت على حق، واشفق عليك سلفا من قسوة ندمك الذي سيكون الوقت قد فات عليه حينها"
* * *
قلعة الإيميليانو
( صقلية).
.
.
.

الانارة خفيفة في المقبرة الا ان الرؤية واضحة، بعد أن أبعد بعض أوراق الأشجار على الرخام البارد للقبر جلس داركو القرفصاء و أطال النظر الى الشاهد الذي يحمل صورة اليخاندرو.
حدث ما كُتب له ان يحدث، وان عرض حياته مقابل التكلم مجددا معه فلن يكون له ما يريد، عندما يموت الأمل، يصبح كل شيء واضح... كل الأوراق في يد القدر الذي قرر خطفه فجأة دون ان يهنئهم للخسارة الفادحة.
" مرحبا صديقي... "
توقف فور تفوهه لهذه الكلمة.
منذ موته وهو يكتم الالم في داخله، الا ان مشاعره تخنقه بشدة، يشعر بأن الجحيم يسحبه بقوة الى الأسفل، بأن صلابته تخذله و يفقد السيطرة عن حياته... انه مكتئب، مليء بالمرارة و الغضب و الأمر يتطلب الكثير من طاقته كي يظهر بمظهر محايد امام الجميع.
قوته تضعف.. و الله يشهد بأن حمل بيانكا بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
" سوف تصبح أبا" اخترقت الكلمات اذنيه مثل طلقات نارية، حملق بابتسامة اليخاندرو على الصورة بحيث تضببت وراء غيمة الدموع التي ملأت عينيه، ابتسم بسخرية " لم ابكي حتى في موتك مندوزا... و اشعر بأنني سأنفجر اللحظة مثل أنبوبة غاز"
لكن سخريته لم تكفي من تقليل حجم الخسارة التي يشعر بها، انه بحاجة لكلمات اليخاندرو المواسية، بحاجة ان يضع يده على كتفه و يخبره بأن كل شيء سيكون على مايرام.
" انها هشة هل تفهم..." وضع راحتيه على عينيه ليقمع الدموع " و أنا... أنا أمام وضع لعين و لا اجد مخرجا... هي تريد حماية طفلها و أنا أريد حماية طفلتي... أريدها أن تعيش والا تدفع حياتها ثمنا"
صفرت الريح من حوله، كان يضغط على عينيه بشدة، وهذا لم يمنع سيول الدموع التي انهمرت على خديه ما ان ابعد راحتيه و فتح عينيه حتى التقى مجددا بابتسامة اليخاندرو... و كأنه يواسيه.
" لماذا رحلت بحق الجحيم؟؟ لماذا تركتها خلفك و منحت الفرصة لذلك السافل ريتشي باستغلال هشاشتها و التقرب منها؟؟"
وضع يده على صدره، يحاول التخفيف من الضغط الرهيب الي يهدد بإيقاف نبضات قلبه.
" أحيانا ارفض التصديق بأنك لم تعد بيننا... بأنك تخليت عنا و انتهيت بالرحيل... " هز رأسه بخيبة" مازال يحتفض روكو بكرسيك فارغا... مازلنا نشرب نخبك... نوجه الكلام اليك و ننسى بأنك لست بيننا... و لا أظنك سترحل يوما من قلوبنا... لهذا أريدك أن تعرف شيئا مهما"
مسح بكم سترته خديه و لمعت عيناه بحزم :" ان منح القدر حياة لأبنك و ولبيانكا فرصة وضعه بسلام،عليك ان تعرف بأنني سأكون نعم الجد و الأب و الصديق له، سأكون سنده و رفيق دربه، ساحبه ليس فقط لأنه حفيدي بل لأنه ابنك انت اليخاندرو... سأعمل على الا ينسى أبدا أي رجل عظيم كان والده...
انه مستعد للمخاطره بحياته من أجل من يحب و هذا اليقين في نخاعه العظمي، انه يحب مسبقا ابن اليخاندرو و بيانكا.
" يمكن لبيانكا العناد ما طاب لها الا ان الصغير سيحصل على شهرة والده... لن امنح ذلك السافل ريتشي متعة سلبك اياه... "
صوت مروحية مزق سكون المكان، هز راسه ليلاحق رحلة نزول الالة على ارض القلعة،
يبدو أن العراب ينتظر زوارا الليلة، كان يرغب حقا برؤيته و التحدث اليه، لانية له بالعودة الى بيته و رؤية الاتهام على وجه زوجته، حاجته ماسة لليلة طويلة مع اصدقائه و افراغ قنينات الكحول كما كانوا يفعلون في الماضي.
اخرج منديلا من جيب سترته و نظف الرخام الى ان التمع، هدأت قليلا مرارة حزنه العميق. لن يختفي المه الا ان لحظة سلام ملأت الفراغ و كأن اليخاندرو امامه في هذه اللحظة و يطبطب على جراحه :
" سوف أعود لاعلمك بآخر التطورات... " مسح الغبار العالق بالصورة و بدت ملامح صديقه اكثر وضوحا وواقعية" وذات يوم... و ان منحتنا الاقدار فرصة... ،سآتي لك به كي تراه بنفسك اليخاندرو..."
عندما عاد الى المرآب الخارجي للقلعة وجد سيارة سيزار تركن بجانب سيارته، مند اجهاض روبي لا يرى قريبه كثيرا، يبدو ان هذا الاخير قرر التركيز على حياته العائلية.
" داركو..." بدى مسرورا لرؤيته وهو يغادر سيارته البورش الفضية.
" مالذي اتى بك الى هنا؟" سأله داركو فيما يتبادلان القبضات.
" العراب طلب رؤيتي..."
قطب جبينه:
" رأيت المروحية تحط في الباحة قبل قليل...ربما يستقبل زوارا..."
" حقا؟؟" لايبدو سيزار قلقا بهذا الشأن، يبدو مزاجه جيدا، يحسده داركو على ذلك.
" كيف حال روبي؟"
" بخير .. " رد قريبه و التمعت عيناه الرصاصية أكثر " انها منشغلة بالموسيقى و تجهز نفسها للتسجيل القادم في لوس انجلس... نحن... بخير"
" سعيد لسماع هذا..."
الباحة الممتلئة عادة برجال الحراسة شبه فارغة، فهم داركو السبب عندما رآى روكو يخرج فجأة من القلعة بوجهه مكفهر و منذر بالخطر، ورائه دزينة من رجاله، ثمة أمر مريب يحدث، الا ان صديقه ارتدى فورا قناعه المحايد ما ان سقطت نظراته عليهما...
شيء حقا لا يصدقه عقل... روكو موهوب جدا في تغيير قناعه و اخفاء مشاعره .
حتى انه تجرأ بمنحهما ابتسامة .. مظلمة.
" مساء الخير ايها الأمير..." حول نظراته القاتمة الى سيزار" دوق كوستانسو... مالذي تفعلانه هنا؟؟"
" انت طلبت مني المجيء" ذكره سيزار، روكو لا ينسى ابدا ارتباط له او موعد، بدى عليه التفكير قبل أن يهز رأسه و يترك رجاله الذين عادو لمواقعهم في الباحة، اثار انتباهه كدمات فضيعة على مفاصل يديه التي تأخر بإخفائها عنهم.
اقترب من سيزار:
" عذرا صديقي، نسيت موعدنا... هل يمكننا تأجيله ليوم آخر؟؟ "
" لا تبدو بحال جيد..." تعقيب داركو لم يروق هذا الاخير الذي اندفع فجأة نحو سيارة رونج روفر سوداء معلقا:
" انا بخير الا ان وجهتي ليست وجهتكما الليلة."
" الى اين تنوي الهرب؟؟" اصرار الأمير يعضه، استعمل هذا الاخير جسده كحاجز بينه و بين باب السيارة الضخمة، نظر مباشرة في عينه السوداوين مبادرا بهدوء :"وجهتك ووجهتنا واحدة ايها العراب فلا تنسى هذا ابدا، و لا أظنك أمضيت يوما أسوء من يومي، فنسبة امكانيات اقترافي جريمة الليلة عال جدا و اشك في انك ستتركني خلفك كي ارتكب عملا جنونا يكلفك الكثير من الجهد لإصلاحه... روكو ايميليانو لن تغادر الى اي مكان من دوني... "
برقت نظرات روكو فجأة بتسلية، الا ان نبرة داركو الجادة اقلقت سيزار الذي تمسك بذراعه ليجبره على مواجهته:
" مالذي يحدث بحق الجحيم؟؟"
"ستعرف لاحقا... " رد الامير دون ان ينظر اليه، كل اهتمامه مع روكو" انقلبت الأحوال منذ موت اليخاندرو ابتعدنا عن بعضنا البعض... كل منا فُقد في متاهته الخاصة، ثمة هوة تتسع بيننا ولن اسمح لها بالتعمق أكثر.... طالما كنا سند لبعضنا البعض و لن تموت علاقتنا بموت صديق عزيز... "
استرخت ملامح العراب و اثقل البؤس نظراته القاتمة، انه سعيد برؤية ردة فعل- بشرية- على وجهه بدل الاستمرار في التصرف كإنسان آلي و كأن كل شيء على ما يرام.
" انوي الشرب لحد الثمالة بعيدا عن ايطاليا... ولا اظن ان لكل منكما خطة الابتعاد عن حضن زوجته الليلة"
" لا انوي العودة الى البيت الليلة..." اعترف داركو بجدية" انا افتقدكم... كثيرا"
تحول الاهتمام نحو سيزار الذي هز كتفيه:
" تكهنت روبي سلفا بأنني لن اعود الليلة..."
" رائع" اتت اجابة روكو متهكمة و هو يفتح باب السيارة و يأخد مكانه خلف المقود فيما يحذو حذوه صديقيه" نحن محظوظة بالزواج من نساء متفهمات و لطيفات... فلنحضى الليلة اذن بنببد فاخر مع إطلالة ساحرة على قمم مكسوة بالجليد "
" أين الوجهة؟؟ " سأل قريبه فيما يدوي محرك السيارة القوي و يشق طريقه نحو البوابة العملاقة.
" الى حيث سننسى التزاماتنا لبعض الوقت" رد روكو الذي سمح لسيارة حراسه بسبقه في الطريق " لن تكتمل السهرة من دون 'خوسيه مارتينيز' "
* * *
شيكاغو
( أمريكا).
.
.
.

زائرته لم تتأخر عن موعدها، و مثل المعتاد كانت المرأة الشقراء بهية الطلة و أنيقة، الا ان الشعور بالنفور داهمه ما ان حطت نظراته عليها، لا تشبه في شقرتها شيئ من فيرنا، لا تملك طهارتها و لا برائتها ... و لا يحبها، ورغم ذلك هو بحاجة ماسة لتعاونها، انه يعرف تماما ما يحفز هذا النوع من النساء.
النقود.
النفوذ.
السلطة.

" هذا المكان رائع للغاية... هل هو اقامتك الرئيسية دون كيليان ارشيبالد؟"
سمعها تعلق ما ان اصبحت أمامه.
لن يخالفها الرأي، يعتبر المكان من أرقى ما بني على أرض شيكاغو. الا انه لا يرتاح سوى في شقته بموسكو، تلك التي تملك ملحقا لمعمله الخاص حيث يمكنه الابداع في حميمية تامة.
" نعم... طارت اليه والدة حبيبته ما ان اعلن عن رغبته برؤيتها.
" سعيد أن المكان راقك... هل كانت رحلتك جيدة؟؟"
"كيف لا و قد وفرت لي سفرا فارها و تم استقبالي كملكة حقيقية..."
ابتسم و دعاها للجلوس على الصوفا في الصالون الارجواني المطل على المسابح الثلاثة التي تنقسم لجزئين، جزء داخلي و جزء خارجي، أشجار النخيل مشتعلة في الخارج بألوان هادئة تجعل المنظر حالما.
" هذا أقل ما يمكنني فعله لوالدة حبيبتي... كيف حالها ؟ هل مازالت مستاءة مني؟؟"
ابتسمت له وهي تشبك ساقيها النحيلتين في حركة أنيقة للغاية.
" مستائة للغاية..."
نعم يتخيل ذلك... هي التي سارعت بقطع كل اتصال معه و حتى تغيير رقم هاتفها، و كأن هذا كافي ليمنعه من الوصول اليها ان هو رغب برؤيتها.
" هل سيستمر استيائها طويلا؟"
" انا اعمل جاهدة كي تبتلع خيبتها و تنسى السموم التي القتها زوجتك في وجهها"
" طليقتي" صحح لها سانتو وهو يسترخي في مكانه " اعدك الا يتكرر ذلك مجددا... ايموجين ترفض طلاقنا و تتصرف بلا تفكير احيانا... "
في الوقت الذي احتفلت بيه ايموجين عليه بانتصارها الصغير تواصلت معه هذه المرأة لتخبره ما يجري، انه مدين لها، لا يجهل اسبابها بالتأكيد فلا تهمها مشاعر ابنتها او حياتها العاطفية كما يهمها الامتيازات التي ستحصل عليها وراء هذه العلاقة، وهو مستعد للدفع لها مقابل خدمة مصالحه... فيرنا هي مصلحته.
" انها مرتبكة و مشاعرها متضاربة... الا ان زيارة زوجتك السابقة حفزها بشأن اعاقتها... تمكنتُ من اقناعها برؤية طبيبك"
" رائع" خرجت الكلمة من فمه و شعر بالسرور يعتريه:" متى يمكنها رؤيته؟"
" عندما تعود من الرحلة التي تكفلتُ شخصيا بها..." قالت بروية " المبلغ مرتفع الا انها تستحق العناء"
ادلف سانتو اصابعه الى جيب سترته الداخلي و اخرج دفتر شيكاته.
" عزيزي سانتو لا تفهم كلامي على هذا النحو"
" هيا 'دونا جورجينا' اعرف بأن ابنك هو من يتولى نفقاتك و ان اكتشف مصاريفك الضخمة الأخيرة فسيبدأ بطرح اسئلة لا تصب في مصلحة كلينا"
راقب ملامحها تتصلب و تزم شفاهها، الا انه ابتسم يلطف الجو:" أسف الا انني تحريت جيدا على عائلة حبيبتي... لا تقلقي بشأن مصاريفك، سأتولى امرك ان قمت بخدمتي"
زركش رقما على الورقة الذهبية قبل ان يمدها نحوها، امام الدهشة المرتسمة على وجهها شعر بالرضى، المال يسهل المأموريات، ان كانت فيرنا لا تعطي اهمية لحسابه البنكي فإن أمها تهيم به.
" آه..."
اتكئ سانتو بمرافقيه على ركبتيه ليتطلع اليها بجدية" لا يمكن اغراء فيرنا بالهدايا او المجوهرات وهي ترفض أموالي... لهذا اعتمد عليك بتوفير كل طلباتها "
يجهل كيف ستتمكن جورجينا بدفع فيرنا بارتداء فستان أنيق، أو حتى الجلوس على طاولة في مطعم فاخر.. لم يلتقي في حياته امرأة نزيهة و تفكر في احتياجات الأخرين قبل احتياجاتها مثلها، وهو يريدها أن تعيش في رخاء بدل العمل الشاق الذي تقوم به يوميا دون ان تعير اعاقتها اهتماما.
" بالنسبة لسيزار..."
بدأت بالتبرير، تبدو محرجة جدا من الكشف على سرها الصغير، راقبها تطوي بتمهل الشيك قبل ان تضعه في محفظتها:" انه... ينفذ فحسب وصية والده الذي حرمني من الارث بسبب ... مغامرتي خلال زواجنا"
" تقصدين خيانتك له مع والد فيرنا؟ "
ان كانت تظن بأنه سيشفق عليها..الا ان تعبير متهكم ارتسم على وجهها وهزت حاجبها قائلة:
" ارى بأنك تحب وضع الكلمات في نصابها الصحيح".
" افضل الشفافية... "
" والدك لعب دورا في سلبي حقوقي" قالت وهي تتفقد تسريحتها بحركة انيقة" اظنه تأثر بخيانتي اكثر من دومينيكو نفسه فأنزل أسوأ قصاص علي... اجبرني على التخلي على ابنتي و التنازل على حقوقي كاملة..."
" مات الاثنين منذ سنوات و انقضى الخطر عنك الا ان سيزار كوستانسو يجهل للان بأن لديه أخت غير شقيقة"
كلامه ازعج المرأة الجميلة التي زمت شفاهها:
" مالذي تريده من فلانتينا بالضبط؟؟ أعرف بأنها فتاة بلا اهمية كي تثير اهتمام رجل مثلك... "
" فتاة بلا أهمية؟؟" كرر سانتو و قد استفزته الكلمة" كيف هو رجل مثلي 'دونا جورجينا'؟ "
" أنت تفهم جيدا قصدي..." قالت المرأة وقد التمعت عيناها مثل قطة شرسة" والدك كان سافلا للغاية، وانا انظر اليك أفكر في انك لم ترث فحسب هذا الوجه الوسيم و الذكاء الحاد... ورتث جيناته ايضا فلما يجب ان تكون مختلف عليه؟؟.. و صدقني، يانيس كان رجل كل النساء... لم يترك سريرا في ايطاليا الا و زاره "
" سريرك أيضا؟؟" سألها متهكما وهو يعود للاسترخاء في مكانه" لا أجهل نوع العلاقة التي ربطتك به قبل زواجك من اقرب اصدقائه...، اتفهم خيبتك في يانيس فلم يكن مخلصا حتى لوالدتي التي يعتبرها العالم حب حياته... بالنسبة للجينات...لا انكر شهيتي النسائية ففي النهاية انا رجل و مكانتي جعلتني مدللين هذه الناحية ، كل هذا بلا أهمية الان... التقيت امرأة استثنائية لا تنظر لي كحساب بنكي او اسم معروف انما لشخصي و صدقيني... قامت بطمس بقية النساء من حولها... لا أرى غيرها و لا اتخيل المستقبل من دونها... انا جدي مع فيرنا و ارفض ان تاخدي الامر عبثا لأن هذا... سيزعجني كثيرا..."
كلماته خففت الضغط من الجو قليلا و قل التوتر:
" افعل ما استطيع لتحسين صورتك امامها لكن لا ضمانات لجهودي فأنت تعرف عناد فلانتينا جيدا... "
" نعم اعرف مبادئها جيدا و هذا سبب تعلقي بها" ابتسم ابتسامة لم تصل الى عينيه" 'دونا جورجينا' سأكون واضحا معك، سأتكفل بمشاكلك المادية مقابل فيرنا... أريدك ان تكوني بجانبها و أن تطلعيني على تفاصيل روتينها و حتى ما تفكر به، أنا سعيد لأنها وافقت على رؤية الطبيب للتخلص من آلامها الجسدية و مواجهة خوفها أخيرا فلا شيء يسعدني اكثر من سعادتها و راحتها هي... أعرف بانني اضع الشخص المناسب في المكان المناسب فكلانا يريد مصلحتها..."
تنهدت و كأنها غير مقتنعة حقا بكلامه.
"وماذا عنك؟؟ متى تنوي العودة الى حياتها مجددا ؟"
" فيرنا بحاجة لأمها اكثر من حاجتها لحبيب حاليا، و ما يهمني حقا هي صحتها و اتمنى من قلبي ان ينجح الطبيب بإقناعها في وجوب خوضها للعملية، لا انوي ارباك روتينها بأنانية 'دونا جورجينا' فهي بحتاجه لدعمك و لحبك و مساندتك اكثر مني لهذا اطلب منك عدم تركها بمفردها في هذه الظروف... كوني الام التي لم تكونيها خلال السنوات السابقة... امنحيها ما تحتاجه من حب واعدك ان اريحك ماديا... فيرنا تهمني كثيرا "
بدت حقا مصدومة من هذا التصريح و مذهولة امام كلامه، لاذت بالصمت قليلا قبل ان تقول متأففة:
" واو... انها... " بللت شفاهها بطرف لسانها " انها فتاة محظوظة في النهاية"
" بل انا رجل محظوظ بدخولها حياتي..." صحح لها وهو يقف من مكانه " سأطلب من الخدم بأن يقودوك الى جناحك، تصرفي و كأنك في بيتك ، و اعتذر مسبقا على وجوب تركك بمفردك اليوم لأنني ملتزم بمواعيد عمل... اراك غدا صباحا حماتي الغالية"
وقفت جورجينا، كل وجهها مبتسم:، بدت و كأنها تمشي على غيمة وردية
" بالتأكيد عزيزي اتفهم التزامات رجل اعمال في مكانتك... اهتم بمواعيدك و لا تشغل بالك بي... ارغب باستغلال الوقت لاكتشاف المدينة و معها دور الازياء"
" سيرافقك السائق... ضعي كل ما تشترينه على حسابي الخاص..." ازدادت ابتسامتها اتساعا بينما يصافحها" يومك سعيد"
* * *
كورفيجليا
(سويسرا.)
.
.
.

" هنا حبيبتي... رائع... انظري الي"
ابتسم خوسيه فيما تتمكن اوزلام اخيرا من النظر مباشرة في الكامرا و الابتسام له ملئ فمها، انها تشبه والدتها، كل يوم تزيد شبها بها، وهو يفتقدها كما يفتقد المادو بشدة، هذا البعد يؤذيه و يؤلمه أكثر مما يتمنى، الا انه هنا من أجلهما، من اجل مستقبل هانئ بلا ادنى عقد.
منذ وصوله وهو يتواصل مع المربية عندما يأتي دورها للاهتمام بالصغيرين، اما فيما يخص آيا، فقد انعدم تواصله معها، منذ مسرحيتها الصغيرة في اللقاء الاخير وهو يتفادها كليا، انها مثله، تقبل التحديات الصعبة، و يعرف ان رفضها الطلاق لم يحفزه سوى انوثتها المجروحة، فهو لا يهمها كما لم يهمها يوما. ولن يسمح باستمرار علاقة مسمومة ستضر طفليهما مستقبلا.
بدأت علاقتهما بشكل ملتوي و غير سوي، ولن تراه زوجته في يوم من الايام غير الوحش الذي استغل فقرها و قلة حيلتها كي يحصل منها على الوريث الذي رغب به بكل قوته.
" انت جميلة جدا" تمتم لطفلته و هو يلامس وجهها من خلال الشاشة الصغيرة لهاتفه" هل يستمر المادو بازعاجك؟؟"
" انه هادء للغاية منذ سفرك سيدي" اتى صوت المربية من خلف وجه ابنته المدور و الجميل.
" هل يأكل جيدا؟؟"
" لا تقلق بهذا الشأن... مازالت شهيته كما تركتها، كما ان الآنسة الصغيرة تنافسه مؤخرا بهذا الشأن... لن يتأخر جسمها بالامتلاء"
ابتسم لهذه الملاحظة، اوزلام تحتاج لكسب بعض الوزن بالرغم من ان الطبيب اخبره بأنها طفلة طبيعية للغاية و بأنه لا داعي لقلقه بشأن صحتها الهشة عند ولادتها. انه يعشق بشدة تدويرة خديها المتوردتين باستمرار.
" بابا يحبك بشدة " قال لها برقة" حان موعد النوم فالوقت متأخر على طفلة بعمرك"
سمع صوت الباب يُفتح ثم يُغلق ووصل اليه فورا صوت آيا الذي يحاور المربية .
" لمن تُرين ابنتي؟؟ أنت تخرقين القوانين و هذا سيكلفك عملك..."
ان اغلق الخط فستقتل زوجته المربية بالأسئلة، عموما هذه الأخيرة لم تتأخر بانتزاع الهاتف منها لتفقد هوية المتحدث و ما هي الا لحظات حتى ملأ وجهها الشاشة.
شد انفاسه بينما تحط نظراتها الشفافة مباشرة في عينيه، تراجع هجومها فورا، تأملها خوسيه، لم تكن تحط زينة على وجهها و تجمع شعرها في تسريحة صارمة، بدت صغيرة جدا بهذا المظهر، لا تبتعد كثيرا عن عمر مراهقة صغيرة تتوهج براءة.
" خوسيه... ياللمفاجأة..."
" مساء الخير ايا.."
فركت رقبتها ببعض العصبية و ابتعدت عن المربية كي تتمكن من محاورته بحميمية.
" لما تستعمل هاتف المربية لرؤية التوأمين ؟؟ يمكنك الاتصال بي... او ربما... يكفي ردك على اتصالي التي تتعمد تجاهلها..."
تستمر باللعب معه ورقة الافهم، وهذا الاصرار المرسوم في عينيها يكرهه، انه يكره حزمها و عزمها على تحديه، يكره تأثيرها عليه.
" خوسيه .. " سمعها تقول بنبرة سئمة " كل هذا الوضع سخيف الا تظن؟رد على اتصالاتي وتوقف عن التصرف كمراهق صعب المراس و لنتكلم كراشدين..."
" انت تضيعين وقتي و انا مشغول لسماعك "
" لا تغلق الخط ... " نبهته
من الافضل ان يضع حد لموضوع يرفض ان تقذفه في وجهه في كل مرة، انها ترفض الفهم و من الافضل ان يقول لها ما ترفض سماعه:
" لا ارى ما يمكننا قوله لبعضنا البعض... لقد كنت واضحا معك آخر مرة..."
" انت قلت مالديك مثل المعتاد دون ان تستمع لي..." قاطعته و قست نبرتها و التمعت عينيها بشراسة" ظننتك اكثر شجاعة الا انك جبان مرتعب من نفسه ومني"
" اعرف تماما ما انت بصدد فعله ايا..." قاطعها بنبرة جليدية" لن تغيري رأي بإستفزازي فانت تضيعين وقتك و وقتي، اقبلي عرضي قبل ان تنتهي صلاحيته لان صبري ينفذ، قابلي المحامي و وقعي الاوراق واوقفي هذه اللعبة السخيفة التي تقومين بها... فلا امل في ان نبقى معا هل توضحت المسألة الان؟..." راقب وجنتيها تفقدان لونهما فيما اتسعت عيناها عندما اضاف" انت خارج حياتي.."
انهى المحاثة و رمى الهاتف بعيدا عنه قبل ان يقوم بعمل سخيف و يتصل بها مثلا ليعتذر و يعري على مشاعره، و كم يتمنى ان تشبثها به لا مصلحة ورائه...
ان عادت زوجته الى القلعة فالفضل يعود لروكو بالطبع، الذي لم يحترم طلبه بعدم التدخل و حشر انفه كالمعتاد لأنه عنيد و يرغب برؤيته سعيدا.
لن يكون سعيدا مع امرأة اشتراها و لا تحمل له سوى الضغينة و الاحتقار، كان من السذاجة بحيث فتح لها بابا في قلبه كي تدخل منه و تستحوذ على مشاعره كما لم تنجح امرأة من قبل.
" مساء الخير..."
هز رأسه نحو باب الغرفة التي فتح و ظهرت الممرضة الحسناء سيفورا. منذ وصوله الى هذه المصحة وهو محاط بالحسناوات، طبيبه يتعمد استفزاز شهيته النسائية، هو لا يستطيع العيش طويلا بعيد عن حضن امرأة. و يعترف بأن صيامه الجنسي مريع للغاية.
" وصل العشاء..." قالت الممرضة وهي تبتسم ملئ فمها و تدفع عربة بها أواني فضية فاخرة.
المصحة تشبه منتجع شتوي فاره، تتوفرعلى ما يجعلها في قائمة المنافسة لأفضل الفنادق السويسرية، ملجأ أصيل في جبال الألب ،غرفته تواجه المناظر الطبيعية الجبلية المهيبة، واجهتها تطل جنوبا على بحيرة 'سانت موريتز' و الواجهة الشمالية تطل على المنحدرات الرائعة من 'بيز ناير' وغيرها من المواقع الجميلة في منطقة 'كورفيجليا'.
الى جانب بهاء المكان فالاطباء محترفون للغاية و أهم من ذلك، سريون.
" اتركي حذائك عند الباب"
خرج الأمر قبل ان يبتلعه، قد يقاوم شهوته للنساء مثلها الا انه يرتعب بشدة من الميكروبات.
" ارتدي واقيا فوقه"
القى نظرة الى حذائها، كانت ترتدي واقيا أبيض شفاف عليهما، الا ان هذا ليس كافيا... لا يريدها ان تدخل غرفته فتولاها جرثومات... تخيل الطفيليات تعلق في بشرته فوق طاقة تحمله.
" اتركي الطاولة هناك... سأهتم بالأمر بمفردي"
بدت مترددة قليلا، الا انها سرعان ما رسمت ابتسامة مهنية على وجهها.
" ان احتجتني فسأكون في الجوار، دورتي تنتهي عند الخامسة صباحا... عمت مساء سيد مارتينيز"
اغلقت الباب خلفها و عاد الصمت الى الغرفة الشاسعة التي تذكره بوحدته و بهدفه وراء هذه الرحلة الصعبة التي تحرمه رفقة اغلى ما يملك... توأميه و دانييلا.
لا يجب ان ينسى بأنه في هذه المستشفى كي يتعالج من وسواسه القهري، ان يحسن حاله و يصبح الاب المثالي الذي لن يخجل منه اطفاله ذات يوم.
( تم حظر ذكرياتي و اريد فك هذا الحظر)
كان هذا اول ما طلبه من الطبيب في اول مقابلة.
( لما تظن بأنه تم حظرها؟)
( لأن هذا ما حصل في طفولتي... فعل والداي ما استطاعا لحمايتي الا انني لن اكون رجلا جديدا دون معرفة كل تفاصيل الماضي... أنا هنا لأنني أريد الشفاء ...)
( الشفاء من الماضي؟) سأله الطبيب وهو يرمي بإهمال القلم الدي كان يلعب به بين اصابعه، هذا الاخير استقر على المكتب بشكل عشوائي مما ازعج خوسيه الذي وقف من الكنبة الجلدية الذي كان يجلس عليها و التقط القلم ليضعه بشكل صحيح وموازي لباقي الاقلام.
( لا اظن ان مشكلتك الوحيدة هي رفع الحظر على ذكرياتك ... )
( انا منبهر بذكائك) تهكم خوسيه قبل ان يخرج من جيب بنطاله قنينة المعقم و يفرك اصابعه.
لم يكن قادرا على العودة للتمدد فوق الكنبة و الفضفضة، توجه الى النوافد العالية لمكتب الطبيب و نظر خارجا.
الجليد يكسو الارض بحلة بيضاء ناصعة، هذا اللون المتناقض تماما مع السواد بداخله، من المعروف على الطبيعة السوسرية كونها تملأ المرأ بالسلام الداخلي، الا انه بعيد جدا على ان يشعر بالراحة... روحه لن تعرف يوما السلام.
( كلمني عنك)
( انا بحاجة إلى النظام والكمال والسيطرة والبحث عن التميز في جميع مجالات الحياة كما حاجتي للهواء كي أعيش....) تمتم خوسيه وهو يراقب طيور تتنقل من غصن لأخر في حديقة الفناء الخارجي للمبنى، الا ترحل الطيور عادة الى مكان ادفئ في الشتاء؟ تسائل دون ان يعطي اهمية للاجابة التي اعطاها الى الطبيب.
( و ماذا ايضا؟)
( انا حريص جدا على القانون و اقوم بمهامي بمفردي خشية ان تتم المهام بشكل سيء، اكره التقاعس و تضييع الوقت كما افعل اللحظة معك... ) اهمل المنظر الجميل امامها و ادار وجهه نحو الطبيب ( نزلت في هذه المستشفى مرتين قبل الان، ولابد انك تعرف جيدا اي نوع من المرضى أنا، ام انه نوع من الطقوس المقدسة بحيث تلعب انت دور الطبيب و تلقي اسئلة تافهة تعرف سلفا اجابتها)
ابتسم الطبيب.
( أريد فحسب ان اعرف مدى وعيك لحالتك سيد مارتينيز)
( انا هنا لانني اعرف جيدا حالتي دكتور... أعرف بأنني اعاني من الوسواس القهري، اعاني من نزوات السيطرة و النقص الذي لا يكل، و اؤكد لك بأن هذا لا يزعجني شخصيا بقدر ما يجعل المحيطين بي في محنة دائمة... لا اريد ان يعاني اطفالي مع مشاكلي النفسية... و انا ادفع ثروة لهذه المستشفى كي اشفى لا ان يتم التعامل معي كمجنون بعيد الادراك... متى يمكننا بدء حصص الغاء الحظر على ذاكرتي اللعينة؟؟ أعرف بأنني سأتخلص من مشاكلي المتبقية ان استعدت الماضي...)
( لما تظن بأنك ستشفى ما ان تعرف تفاصيل الماضي؟؟)
هذا السؤال جعل خوسيه يعقد حاجبيه، هو لا يعرف لما هو متأكد من هذا... وليس لديه جواب على سؤال الطبيب، ماذا ان اخطأ التقدير؟؟ ماذا ان ازداد وسوساه القهري سوءا مع استعادة ذكرياته.
( سيد مارتينيز ليس الامر بهذه السهولة، من الممكن ان يرفض عقلك الباطني التجاوب رغم رغبتك الكبير بتشفير نفسك... اتيت و انت مؤمن بنفسك و انا اقدر بشدة شجاعتك، أظن ان طفليك اكبر محفز لتتخذ قرار مماثل، الا انك عشت لسنوات طيلة مع مرضك دون ان تلتجئ للمساعدة النفسية و اظن ان علاجك و استعادتك ذكرياتك امرين مختلفين... أنصحك بالتريث و الثقة بخبرتي... ستعيد ذكرياتك بالتأكيد لكن احذر ا تضغط عليها... قد تخل توازن عقلك الباطني دون قصد...).
رنة هاتفه اعادته الى الوقت الراهن، وضع يديه على جيوب بنطاله و تذكر انه رماه بعيدا بعد محادثته مع زوجته.
كشر تحت ضغط الوجع الذي سحق احشائه لهذه الذكرى فيما رجليه تقودانه الى الكنبة حيث استقر الهاتف في عمقها، تسارع تلقائيا نبضه متسائلا ان كانت آيا المتصلة... ماذا يمكنه ان يفعل؟؟
الا ان الرنة التي اعلنت عن وصول رسالة لم تكن من زوجته انما صديق عمره 'روكو'.
( سنكون في الجوار خلال ساعة... يمكنك اخبار البقية بأن ثمة اعمال تقيدك في المدينة... خوسيه، انا بحاجتك)
شعر فورا بالقلق.
روكو لا يحتاج احد...
انه اكثر عنصر صلب وقوي في المجموعة، مالذي يحدث بحق الجحيم؟؟ تردد في الجواب... لا يجد ما يمكنه قوله لهذه الاستغاثة المختصرة.
طالما كان صديقه الى جواره و بالتأكيد لا ينوي تركه ان كان يحتاج لرفقته الليلة.
( العنوان؟)
وصله العنوان فورا في رساله مع كلمة مكتوبة بأحرف عملاقة.
(شكرا لك)
* * *
البندقية
( ايطاليا)
.
.
.

ما ان اقتحم دافيد غرفتها حتى تسللت الى انفها رائحة الطعام المثبل و فطيرة التفاح مما اسال لعابها، بعد ان امضت ساعة في التكلم مع الطبيب و اقناعه بوجوب عودتها الى لندن تعرف على الاقل بأنها ليلتها الاخيرة في هذا المكان، غدا سترحل من هنا كي تبدأ مغامرة تجهل مسيرتها او حتى نهايتها،
وهي عازمة على القتال كي يصل حملها الى بر الامان.
عازمة على انقاذ طفل اليخاندرو.
" رائحة طيبة"
" اعرف بأن طعام المستشفى سيء لهذا عرجت على مطعم اليكس و اهتمت بيلا بنفسها بتحضير طعامك... انهما يبلغانك تحياتهما"
جلب الطاولة المتحركة ووضعها بجانب سريرها قبل ان يبدأ بفتح علب الطعام التي ذكرتها بجوعها.
" فعلت هذا من اجلي؟" سألته ممتنة و هي تلتقط الشوكة و السكين فيما شريحة السلمون الوردية تناديها باغراء.
" بالتأكيد..." ابتسم لها وهو يضيف الصلصة البيضاء بصحنها و يشجعها على بدأ طعامها.
" الن تأكل؟" سألته وهي تغرز شوكتها في السمك الطري.
" لست جائعا عزيزتي... كلي هيا... شهية طيبة"
كان يتجرع كل حركة تقوم بها مما جعل الطعام اللذيذ يفقد فجأة مذاقه، بيلا طاهية استثنائية و من المستحيل عدم الاعجاب بمهاراتها الكبيرة، الا ان كل لقمة تعلق في حلقها و ترفض النزول الى معدتها، هزت عينيها نحو دافيد - البلاي بوي الذي مزق قلبها بلا رحمة و رماها بعد استغلالها مثل جورب قديم- ثم التقت بنظراته الزرقاء الصافية، كان وسيم جدا بالتأكيد, فهذه علامة التميز عند الريتشي. مد يده فجأة ليضعها على الاصابع التي تمسك شوكتها بها.
" ما الأمر...؟؟"
" ابي غاضب جدا مني... أعطيته صورة زائفة لما يحدث بيننا وارفض أن تظن بأن الأمور قد تتغير يوما دافيد... "
ابتسم لها ابتسامة ناعمة بعيدة جدا عن ابتسامة المغوي الاعتيادية التي يواجه النساء بها.
" أريد ان أكون صديقك"
" لماذا؟؟" سألته بحيرة " لماذا تصر على تواصلك معي بعد كل الذي حدث بيننا في الماضي؟؟"
استعاد يده كي يدفع بها غرته السوداء بعيدا عن جبينه، اندفعت الكلمات من حلقها و قالت ما يحرق صدرها بشدة:
" هل هي الشفقة؟؟ تأنيب الضمير؟"
" بيانكا..."
" أنت نفسك تجهل ما يدفعك نحوي مجددا اليس كذلك؟؟"
" لم تكن افكاري واضحة في كل حياتي كما هي الان بيانكا..." قاطعها بنبرته الامريكية، دافيد يتكلم الايطالية بطلاقة لأن والده صقلي، الا انه مثل فلورانس، يكفي ان ينفعل كي تغلب الامريكية على ايطاليته." لقد نضجت... و اتحمل مسؤولية افعالي فحسب، نعم.... ضميري يوجع الوغد الذي كنته، الا انه لم يكن ليدفعني نحو امرأة لا تهمني حقا... "
هذا التصريح اربك اكثر اعصابها و شوشها.
" اهمك حقا؟؟ "
" لم تهمني امرأة غيرك"
سقط الصمت عليهما، الا ان الغضب اخد مكان حيرتها، لكن كيف يجرؤ؟، لقد خرج مع كل امرأة صادفت طريقه منذ تلك الفترة الموجعة، افكارها انفجرت في صوت اجش
" لم ارى في وقاحتك من قبل..."
أبعدت طاولة الطعام عنها.
" ما الأمر؟"
" من يسمعك يظنك اعتزلت النساء بعد التجربة المذلة فيما جلت قمم و اروقة النساء و لم تترك ركنا الا دخلته دافيد ريتشي"
" لم تعتزلي الرجال على حد علمي بيانكا فالكوني" هذه المرة اختفت تماما ايطاليته و انطلق لسانه في امريكيته المعتادة" ارتميت بين احضان 'كيفن غراي' فورا و لبست خاتمه فيما كنت في الماضي القريب تتأهبين للزواج من اليخاندرو مندوزا"
اسم اليخاندرو اوجعها اكثر مما ظنت، كيف يمكنه ان يفهم نوع العلاقة التي كانت بينهما؟ رغما عنها غرقت عيناها في الدموع مما جعل هجومه يتراجع،وضعت تلقائيا يدها على بطنها حيث الحياة الهشة تكبر يوما بعد يوم.
" لن تكون يوما. رجلا حقيقيا.. كاليخاندرو"
رأت ملامحه تتشنج و كأنها صفعته، النظرات الشفافة التي كانت تبرق قبل قليل اسودت و فقدت تماما زرقتها، يبدو انها نجحت في ايلامه وهذا لم يشعرها بالاكتفاء، مالذي يحدث لها بحق السماء؟؟ لما تتملكها موجة من الغضب و الغيرة ألان فيما اتت على تذكيره بوضعه في حياتها.؟؟ هل هي هرموناتها؟
الفتاة العذراء و المغرمة التي التقاها دافيد في الماضي لم تكن لتجرؤ أبدا بإهانته، لقد كانت تعامله و كأنه مصنوع من زجاج، تسعى دوما لرؤية ابتسامته و الحصول على رضاه. هو من بعثر حياتها العاطفية و جعلها تبحث عن ثقة نفسها في اي رجل يبدي اعجابه بها.
لقد قامت بالحماقات لأنه دمرها.
" لا أحد... يكلمني بهذه الطريقة بيانكا"
" وحدك من اختار الطريقة التي اكلمك بها و ان لم تعجبك... لم يفت الوقت لتختفي من حياتي"
" هذا حقا ما تريدينه ان اختفي من حياتك؟؟"
زمت شفاهها...
سؤال في محله.
لكنها تريده حقا ان يختفي و الا يظهر مجددا وجهه الوسيم مع تلك الابتسامة التي تذكرها بشغفها القديم به، تريده ان يبقى السافل الذي استعملها ليلقن والدها درسا بدل هذا الرجل الجديد الذي يدعمها في أسوء وجع في حياتها و يتصرف و كأنه مرآتها.
و كأنه اليخاندرو.
" قولي بأنك لا تريدينني بيانكا "
عاد لايطاليته،و تطلب منها الكثير من الطاقة كي تضع عينيها في عينيه، لقد تطرق كليهما لموضوع المحرمات و فمها يرفض قطعا الصراخ و طرده حقا من الغرفة و من حياتها برمتها.
التزمت الصمت و هو لم يصر،راقبته يبلع غضبه و يستعيد هدوئه رويدا، اعاد طاولة الطعام اليها و اطبق اصابعه الانيقة على الشوكة البلاستيكية قبل ان يغرسها في السمك المشوي بمهارة و يأخد منه قطعة، عندما وضعها امام شفاهها لم تفتحهما، بقيت فحسب تنظر اليه.
" انا هنا كصديق... اعدك الا افعل ما يمكن ان يضر هذه الصداقة"
انفرجت شفاهها و استقبلت القطعة الشهية في فمها،مضغتها بتمهل دون ان تبتعد عنه بنظراتها، راقبت تقسيمات وجهه، الخطوط الدقيقة جدا في البؤبؤ الشفاف لعينيه، اثار الغمازة على خده، كل هذه التفاصيل تحفظها عن ضهر قلب. .. في الماضي، كانت تجد صعوبة شديدة في الابتعاد عنه بنظراتها الى ان نقشت هذه التقاسيم في روحها.
ثم انتهى الحب بكابوس مرعب.
اخبرها ذات يوم بأنه لن ينظر ابدا لفتاة مثلها... لا مقارنة بينها و بين حبيبته الممثلة التي يتقاسم السكن معها في نيويورك.
هل يمكن ان يتخيل؟؟...
يتخيل و لو جزءا بسيطا من الجحيم الذي عاشته بهجرانه لها؟ هل يمكن ان يتخيل مقدار عذابها و معانتها آنذاك؟
لا بالتأكيد... دافيد لا يعرف لعذاب القلب سبيلا.
الوحيد الذي احس بقلبها المكسور هو اليخاندرو... هو الذي شد بيدها و اقنعها بأن الحياة لا تنتهي مع قلب محطم.
عندما رفضت اللقمة الثالثة منه هز دافيد نظراته الرائعة نحوها و تركته يرى ما يدور في خلدها، بأنها لا تثق في لطفه المفاجئ و رقته الغير مألوفة...و مهما طال الدور الذي يصر على لعبه، لن تتغير مطلقا نظرتها اليه.
سيظل 'البلاي بوي' الذي استغل براءتها ليعاقب داركو فالكوني.
انها بحاجته لابعاد سيليو عن طريق طفلها و عندماينتهي من خدمة مصالحها... سترميه مثل القمامة تماما كما رماها.
*. *. *

كاتانيا
( ايطاليا)
.
.
.

" نخب ليلتنا من دون ازواجنا"
دقت روبي كأس نبيذها بكأس صديقتها و استرخت بين احضان مياه الجاكوزي الفوارة،.
ان كان بيت الاميرين مبني بدوق رفيع فأن منتجعهما الصحي في غاية الفخامة، الاثنين يهتمان بصحتهما جيدا و لهذا منحا هذه 'السبا' كل اهتمامهما. المكان يذكر روبي بشكل كبير المنتجع الصحي في 'بالي'
، البنية الخضراء - التي نشأت فيها السبا -على ضفاف البحر تماما و من الجهة الاخرى تطل على منظر بركان اثنا، الجدران الزجاجية تجعل المكان وكأن مبني في الفضاء ولا يفصله شيء عن السحاب، استرخت روبي اكثر بين المياه الحرارية الممتزجة بمياه اليانبيع الصافية، لقد احسنت بقبول دعوة فلورانس... كانت بحاجة للاسترخاء و الابتعاد عن جدران بيتها..
لكنها تعرف بأن الاميرة لم تدعوها فقط لسهرة استرخاء و نبيذ... يكفي ان يلقي المرء نظرة على هالاتها السوداء كي يدرك ان ثمة مشكلة تشد اعصابها.
" هل سبق و جربتي تدليك الايورفيدا؟" سمعت صوت الاميرة و كأنه اتي من وراء الغيوم.
فتحت روبي عينيها و نظرت الى صديقتها المسترخية في الطرف الثاني من الجاكوزي، كانت ترتدي ثوب سباحة اصفر، شعرها الاسود منتشر حولها و كأنه اعشاب بحرية، تلعب على حافة كأس نبيدها الكريستالي بشفتها السفلى."
"أسلوب تقليدي فريد يمارسه الهنود منذ آلاف السنين" شربت من كأسها و ابتسمت لها " المفاجأة انني استخدمت مهارات محترف سيصل بين لحظة و اخرى... رجل وسيم بعضلات مشدودة "
" أممهم... احب التدليك بكل انواعه... على ازواجنا الا يعرفوا ان ثمة رجل وسيم قام بفك عضلاتنا المشدودة " اعترفت روبي التي تشعر بأن عضلاتها تنطلق في كسل لذيذ " انا و سيزار نمارس اليوغا كل يوم... انه وقتنا المفضل معا"
اتسعت ابتسامة فلور التي عادت لتشرب من كأسها:
" ينقص الجمع بريانا فهاتفها مغلق... هذا لو سمح لها العراب بمغادرة حضنه خمس دقائق"
" بريانا ليست في صقلية... ثمة اشاعات حول عودتها الى اليونان"
قطبت فلور جبينها و بدى الاهتمام على وجهها:
" مستحيل... انه لا يسمح لها بالابتعاد عنه ثانيتين فكيف ان يتركها تسافر من دونه؟"
هزت روبي رأسها موافقة:
" سيزار يرفض قطعا اخباري شيئا ... تعرفين علاقتهم ببعضهم البعض"
" نعم بالتأكيد... يرفضون الكلام و افشاء الاسرار" عادت لتشرب من كأسها" هل يعرف على الاقل بأنها حامل؟"
"اجهل ما حدث فلورانس... هاتفها مغلق و انا حقا قلقة عليها "
اطلق هاتف روبي رنة واحدة معلنا عن وصول رسالة، مدت يدها الى المنشفة البيضاء الوثيرة لتجففها قبل ان تلتقط هاتفها الغير بعيد عن حوض الجاكوزي الضخم و قرأت جهرا رسالة زوجها,
" لا تنتظريني الليلة... سنطير خارج صقلية، احبك"
هزت فلور حاجبها :
" كنت اعرف بأن داركو لن يعود الى البيت"
اعادت روبي الهاتف الى مكانه و عادت لتغمض عينيها و تسترخي في المياه الدافئة.
" دليل قاطع على عدم وجود بريانا في القلعة... ثمة لغز في الموضوع "
سقط الصمت و لم يقطعه سوى خرير المياه و صوت الموسيقى الناعمة في المكان.
" بيانكا حامل"
في البداية ظنت روبي بأن فلور اخطأت الاسم و انها تقصد بريانا وعندما قامت بفتح عينيها و جدت ان صديقتها التي حاولت كل هذا الوقت الحفاظ على حياديتيها متورمة العينين، دموعها تغسل وجهها.
" فلور... لكن؟"
" لما اشعر بأن زواجي في خطر؟" تمتمت بسخط وهي تمسح وجهها بكف يدها و تضحك فجأة من خلال دموعها" كل مصيبة تحدث تؤثر على علاقتي بزوجي... لما لا اشعر بالامان في زواجنا و بأنني قد افقده في كل عقبة؟"
" فلور مالذي تقولينه؟ داركو مجنون بك، هل تشكين في علاقتكما بعد كل العقبات التي مررتما بها؟؟ زواجكما اقوى مما تظنين"
" لا ادري"
عادت لتضحك مجددا، انتبهت روبي بأنها ربما تكون ثملة، ربما شربت كثيرا قبل وصولها فلم ترى في فترة معرفتها بها ابدا ضعفها و لا دموعها، تبدو محطمة و مدمرة.
" قلتي بأن بيانكا حامل؟"
" نعم" وهزت رأسها بالايجاب، مرة، مرتين.. ثلاثة... و كأنها نفسها لا تصدق الموضوع " حامل من اليخاندرو و خمني من اسرع لمؤازرتها؟... اخي 'البلاي بوي'... تخيلي ردة فعل داركو... انا وسط زوجي و اخي و لا اعرف ما العمل فكلاهما على حق... اللعنة روبي... كلاهما على حق... دافيد يحب بيانكا الا انه غبي جدا كي يعترف بذلك. داركو يخاف على ابنته و هو محق في خوفه عليها من حب قديم دمرها... في صف من اقف بحب الجحيم؟"
بقيت روبي مكانها مصدومة من الخبر، اولا لان بيانكا في خطر كبير ان صدقت ادعاءات فلور، و ثانيا لأنها المرة الاولى التي ترى فيها ابنة ملهمتها الغالية بهذه الحالة الهستيرية.
" عزيزتي..."
تركت مكانها و معه كأس نبيدها الشبه فارغ كي تجلس بالقرب من فلور و تحيط كتفيها بذراعها لمواساتها، انها ثملة... اه نعم... يمكنها ان تشم رائحة مزيج متنوع من الشراب... المرأة القوية جدا تركت مكانها للهشة المرتعبة من فقدان رجل حياتها.
" بيانكا بالغة عزيزتي... هي وحدها من يقرر ان كانت ترغب بدافيد في حياتها او خارجها..."
هزت فلور رأسها موافقة:
" انت محقة... الا ان بيانكا ابنة رجل صقلي مهووس باطفاله و بحمايتهم.. ان حطم دافيد قلبها مجددا فلن يتم استبعاد حرب عنيفة.... سأصبح وسط رجلين يتبدلان الطابات و اجهل اي واحدة منها ستنزل على رأسي"
شدت روبي بقوة على ذراع فلور:
" من وجهة نظر عقلانية ، أفهم كل هذا ... لكن العقل لا علاقة
له بالعواطف ... كلنا نعرف بأن قصة دافيد و بيانكا لم تنتهي و ليس اعتراض داركو ما سينهيها ان قرر الاثنين المحاولة مجددا... ما احاول قوله عزيزتي هو ان الكل بالغ في هذه القصة و الكل مسؤول عن نفسه و عن مشاعره...، وان حدث و حطم دافيد مجددا قلب بيانكا فلأنها نفسها قامت بالاختيار... تماما مثلك فلور... لم تتواني عن اختيار رجل اختطف ابنك و عاملك بقسوة ... كما اخترت انا الزواج من رجل ترفضني قطعا عائلته... فلور... انت تتحاربين مع الفراغ عزيزتي فلا تلومي نفسك على ما لا سيطرة لك عليه"
امسكت بدقنها كي تجبرها على النظر اليها " هل تريدين منح فرصة للساقطة ' ديل ماريا' بالشك في صلابة علاقتك بداركو؟؟"
" لا احد يمكن ان يشكك بما يجمعني به روبي،و تلك الساقطة ستفقد أحد اعضائها قبل ان تحشر انفها مجددا في حياتنا... أنا قلقة فحسب... المستقبل يرعبني"
" اعرف..." تمتمت روبي و كأنها تكلم نفسها "المستقبل يرعبني انا ايضا فلورانس..."
* * *
أثينا
( اليونان)
.
,
.


لفحها البرد الجليدي ما ان وضعت رجلها خارج السيارة، ضمت ديامانتي حواف معطفها الى صدرها و تركت فرانكو يقودها نحو ما يشبه بناية شرطة، توقفت عن السير قبل ان تنظر ناحية حارسها الشخصي و صديقها المقرب، منذ ان اخبرها بأن زوجها حي وهي على جمر مشتعل، اتصلت بمارك انطونيو الذي الغى كل مواعيده و اتى الى اثينا، كان مثلها متلهفا لمعرفة المزيد، تركت ليم المريضة في عهدة المربية و تبعت فرانكو الذي اخبرها بعد ساعات انتظار بأن ثمة جديد عند الشرطة و يرغبون بها في الدورية، و الان... بينما تقترب من هذفها تفقد رويدا شجاعتها... ماذا لو كان كل هذا مجرد وهم؟؟ ماذا لو خاب أملها ككل مرّة؟؟
" برنسبيسا" وضع يده الضخمة تحت مرفقها و تطلع اليها بعينيه الزيتونيتين" هل انت بخير؟"
هزت رأسها بالنفي، هي ليست بخير...
لن تكون بخير قبل ان ترى نيوس بعينها و تتأكد بأنه حي يرزق.
"حياتي اللعينة عبارة عن دراما سخيفة فرانكو..." تتشبثت بيده كي تحافظ على توازنها" متى سينتهي كل هذا اخبرني؟"
" ستجتمعين بليونيداس و تشرق الشمس في سماء يوم جديد..."
فرانكو شحيح الكلمات عادة ينطلق في تعابير مشبعة بالأمل، امسك اصابعها في يده الضخمة و ضغط عليها، ودون ان يتركها سحبها برقة نحو البناية الكبيرة.
كيف انتشر الخبر بهذه السرعة الهائلة؟؟ حادثة 'ليونيداس' هي القضية الأكثر انتشارًا في البلاد و الصحافة تتكاتف للحصول على اي معلومات جديدة تتعلق به. شقت طريقها ببعض الصعوبة بين جيش الصحفيين و فرانكو الخبير و الكفؤ عرف كيفية حمايتها.
في الداخل توقفت النظرات فورا عليها، لم يكن لهويتها علاقة بهذا الفضول العارم، لا ينظرون اليها كونها زوجة رجل الأعمال مفقود، انها تعرف جيدا هذه النظرات الرجالية المتلهفة و الجائعة.
" اه... مارك" المفاجأة اشعرتها براحة عارمة انستها امتعاضها، وجدته في مكتب المدعي العام، وقف قريبها من مكانه ليأخذها بين ذراعيه و يلفها بحنانه و طيبته الاعتيادية " يقولون انه حي"
" اعرف بلسما " واخد وجهها بين راحتيه كي يحاصرها بنظراته الزرقاء الشفافة و كأنه قرأ الخوف و الشك في كلماتها... " كل شيء سيكون بخير اعدك..."
.

ارتجفت رموشها الطويلة في صلاة سريعة، الكل يعدها بأن حياتها ستتغير ابتداءا من اللحظة و كم تريد ان تصدق الوعود كلها و تجتمع بزوجها اخيرا.
اخذتهم عناصر الشرطة الى غرفة قاتمة بشاشات مراقبة و شرح لها رئيس المركز بأن العملية قيد التنفيد و هي مصورة على المباشر ايضا، لكن ثمة سؤال يحرق لسانها و يترك عقلها بلا تركيز.
" كيف عرفتم مكانه؟؟"
" " توصلنا بمعلومات من مصدر مجهول
هزت ديامانتي حاجبيه و فركت ذراعيها بعصبية.
" مصدر مجهول؟؟ هذا سخيف... لما يظل مجهولا و يضحي بالمكافأة التي هي في الحقيقة ثروة كبيرة؟"
" لن نجبر الناس على اخد المكافأة ان لم يرغبوا بها سيدة ليونيداس"
هذه اجابة لا تدخل عقل، لا احد يرفض المال لسيما مكافأة ترتفع لملايين اليورو.
" اظن ان الموضوع برمته لغز و به غموض كبير"
" ديامانتي 'كارميا"" و كان مارك الدي عاد ليلها بحضنه الامن " المهم اننا نعرف اين هو الان، سيُحل اللغز مع الوقت فلا اظن أن الشرطة أغبياء لدرجة الا يمنحوا هذا التفصيل اهمية..."
" يمكن ان يكون المتصل هو نفسه المسؤول عن الحادث مارك انطونيو"
" فكرت في هذا عزيزتي... " اكد لها برقة وهو يمسح مجددا على وجهها" لن تقف التحريات اعدك..."
ابتسمت له ابتسامة مرتجفة وعادت لتنظر الى الشاشات حيث عملية البحث مستمرة، المكان اشبه بالغابة، قضمت أظافرها بعصبية شديدة، كيف تحمل نيوس العيش هناك كل هذه الأشهر؟؟
" من هنا..."
صرخ احدهم كي يتبعه البقية.
" لقد وجدوه..." سمعت احد الاعضاء الموجودين في المكان يقول.
لكنها تشعر و كأن الامر لن يتهي، في النهاية توقفت عن قضم اظافرها و من الصراخ داخلها، كانت منهكة من النضال النفسي، لا تستطيع حتى حشد ما يكفي من الطاقة لذلك.
فتحت عينيها على اخرهما تتابع الأحداث و كأنها تشاهد فلم بوليسي، لا تريد تفويت لحظة رؤية وجه زوجها مرة اخرى..
استرخت و اصبح المها اشد احتمالا، في هذه المنطقة المتوحشة من 'سكيروس' بأرخبيل 'سبوراد' يوجد نيوس ،تلخص كونها في هذه الشاشة امامها،انها لا تفكر او تشعر، هي فقط تنتظر ...
انها تجربة غير واقعيه و كأنها منومة مغناطيسيا كل صوت و كل حركة من الفريق تدفعها اكثر نحو الاشعور و ربما شيء من القوة.
تجهل كم استمر توغل الفريق في المكان، ثم انطلق فجأة ما يشبه صوت الرصاص، خرجت فورا من حالة الالتباس و مسها الذعر الشديد، حلقها جاف لدرجة انها لم تتمكن من طرح السؤال ( مالذي يجري؟)
الكل مثلها، مأخوذ بمشاهدة الأحداث على المباشر،وكأن عقولهم منفصلة عن اجسادهم، فقط الأحداث تربط بين الاثنين.
شعرت بأصابع تلتف بأصابعها المتجمدة انه قريبها، ورغم العتمة الطفيفة يمكنها رؤية ملامح وجهه المشدودة، نيوس يعني له الكثير، انها صداقة طفولة و سنوات من التواصل المستمر و أعمال مشتركة، ضغطت على اصابعه بدورها و كأنها تدعمه مما جعله يفصل التواصل بينه و بين الشاشة و ينظر اليها ممتنا، لقد ساندها بشدة في هذه المحنة، تماما كما فعل منذ أول يوم التقت طريقيهما، ضد داركو و ضد العالم دعمها و حماها.
من المستحيل التفكير بأن هذا الرجل يحمل جينات ايمانويلا، انه نقيض عمتها التي يكره الريتشي و الديكاتريس حتى نطق اسمها جهرا، و كأنها لعنة.
عادت باهتمامها للشاشة وهنا رأت جسدا ممرغا في الدماء فتوقف قلبها عن الخفقان، اذن الرصاص الذي سمعته قام بإعدام احدهم؟
بعد السير في النفق و الدخول الى مكان مظلم بائس رأته أخيرا و انفجر قلبها في صدرها... تعرفت على غرته السوداء المالوفة... لأن بقية التفاصيل لا تشبه في شيء نيوس ليونيداس الذي تعرفه.
كان مشوه بشكل وحشي.
" Dio mio che orrore ..."
على الأقل وجد قريبها صوتا ليعلق به، أما فيما يخصها، فالرعب جمدها تماما.
* * *
سويسرا.
( جبال الالب... منتجع روكو)
.
.
.

روكو قليل الكلام، حتى بعد كأسين لم ينجح الكحول القوي من فك اعصابه، سيزار يعرف بأن صمت قريبه و العراب ورائه عاصفة مريعة و يحاول ان يكون صديقا مهتما كما يتوجب عليه في هذه اللحظة، طالما سانده الجميع في محنته مع روبي، صحيح ان الامور بينهما جيدة منذ عودتهما من اليونان الا انه ما يزال يشعر باهتزاز ارض زواجهما من حين لاخر.
لم يفوز بعد..
و مازال هناك الكثير من التحديات بانتظارهما... أولها النجاح بالحصول على طفل بالتأكيد.
كان يجلس ثلاثتهم بجوار النار أمام السنة لهب متراقصة في قلب مدفأة حجرية عملاقة، في الخارج أشجار التنوب مغطاة بالثلوج ، الاجواء حيوية داخل الشاليه الفخم التي تعد بإقامة الأحلام بطعم الخلود.
لكنهم ليسوا هنا ليحتفلوا بانتصاراتهم انما العكس، ولا يبدوا ان احدا واع حقا بجمال الطبيعة السويسرية و هدوئها، يمكنه سماع ضوضاء افكار الجميع هنا...
" خوسيه..."
تمتم روكو ما ان ترددت طرقات على باب الشاليه، و كأنه كان ينتظر فحسب وصوله كي تفقد ملامحه عبوسها و تشرق الشمس في عينيه، ما بينه و بين خوسيه شيء عميق جدا ووجع عمر بأكمله، لم تكن فحسب صداقة عادية، انها قصة حب و تضحية منذ الطفولة.
" سوف افتح الباب" اقترح داركو الدي كان قد وقف مسبقا من مكانه ليسقي نفسه كأسا آخر... عكس روكو، بدى الامير مستسلما لتأثير الكحول عليه و أقل تؤثرا.
بعد قليل ارتفع صوت الاسباني في المكان و دغدغ الجميع شعور بالالفة، هل انتبه روكو لنفسه بأنه يبتسم للمرة الاولى منذ مجيئهم الى هنا؟؟
لا يوجد علاج افضل من هذا... حب بلا شرط أو قيد.
" اللعنة... الى ماذا تخططون بهذه الوجوه الجدية احتلال العالم؟؟"
علا صوت خوسيه وهو يدخل الصالون بهيبته الاعتيادية ثم ينتزع معطفه الكاشمير و قفازيه، بعض ندوات الثلج عالقة على خصلات شعره الحالكة السواد.
" خوسيه مارتينيز" استقبله صوت روكو بحفاوة وهو يقف من مكانه، لم يكتفي بالقبضات كالمعتاد لأن هذا الاخير لم يتركه يفعل، بل جدبه اليه و عانقه بحرارة شديدة.
" افتقدتك ايها الوغد" قال روكو.
" تتكلم و كأنك لم تراني منذ زمن بعيد أيها العراب"
عندما ابتعد عنه لم يتمكن الاسباني من اخفاء قلقه.
" هل انت بخير؟؟"
" بأحسن حال" أكد وهو يعود ليحتل مقعده بجانب النار" انا هنا محاط بأقرب الناس الى قلبي فكيف سيكون شعوري بحق السماء؟؟"
لكن الامر احتاج لساعتين كي يتخلص الجميع من توثره و تسترخي الاجواء، هذه المرة علت المواضيع السخيفة المكان و القهقهات و رائحة السجار و الكحول و الجعة و لم يعد العراب مضطرا لاخفاء يديه المتورمتين عن انظارهم.، بل ترك مقعده ليجلس على الارض فوق السجاد الصوفي الناعم بعد ان تخلص من طبقة ملابسه كي يحتفض بتي-شرت داخلي اسود، خوسيه الخائف عادة من الجراثيم حدى حدوه فيما استمر الامير بالبحث عن افضل قنينات النبيد ليستبدل بها اخرى الفارغة.
الوقت يمر لكن لا احد يرمي بوجعه على الطاولة، و يعرف سيزار ان وراء الواجهات المسترخية نار ماتزال متقددة و سترتفع السنتها ما ان يختفي تأثير الكحول,
" كيف كان افتتاح مطعم اليكس؟؟" بادر سيزار قريبه الذي اتى ليجلس بجانب الطاولة على الارض، يبدو انه الوحيد الذي يفضل البقاء جالسا على الكنبة الوثيرة، و الوحيد الذي لم يبالغ بابتلاع لترات لا منتهية من الشراب، عموما لم يكن يوما ميالا للكحول مثل خوسيه او روكو.
" انه لامع مثل بقية افراد الريتشي فكيف تظن بأن يكون الافتتاح 'دون سيزار' ؟؟'"
راقب توثره يعود الى السطح، لم يخفي قريبه يوما مشاعره نحو الريتشي، بسبب تدخلهم في علاقته بديامانتي و ايضا قصة ابنته بالبلاي بوي دافيد.
"حضرت افتتاح مطعم قريب زوجتك؟؟" تهكم خوسيه ضاحكا " انت تحرز تقدما ايها الامير... من كان يتوقع ان تنسجم مع افراد تلك العائلة؟؟"
"زوجته" بررالعراب وهو يحط نظراته على داركو" الحب يخلق المعجزات"
" هل اصبحت عاطفي 'دون روكو ايميليانو؟ '" سخر داركو.
الموضوع يأخد مجددا مسارا بعيد عما يتمناه، فجأة لمعت فكرة في رأسه.
" هل كان دافيد هناك؟ اعرف بأن بيانكا قبلت دعوة اليكس"
هذه المرة سقط صمت جليدي على المكان،اختفت لا مبالاة الأمير، بدى فجأة و كأنه يقاوم كي لا ينهال عليه ضربا بسبب نطقه اسم ملعون في المكان، الا ان ليس اسم دافيد ما اغضب الامير انما اسم ابنته.
" انها تخيب ظني" قال بعد صمت قصير، ثم فجأة انفجر كأس النبيه في يده مما جعله يتراجع و كأنه نفسه لا يصدق ما حدث " انا اسف"
" لا عليك دعني اساعدك" قال روكو الذي اندفع لازالة بقايا الزجاج المكسور فيما وضع خوسيه منشفة لامتصاص السائل من الطاولة.
"مالأمر داركو؟" سأله روكو برقة متناهية و كأنه يكلم طفل صغير، من يقاوم العراب عندما يكون بهده النعومة؟ ليس داركو بالتأكيد، ولا اي واحد منهم...هذا الاخير اخد نفسا عميقا و سألهم فجأة.
" هل تريدون حقا معرفة ما يجري؟"
" تكلم بحق الجحيم انت ترعبني" تمتم سيزار بسخط.
لكنه صمت، متأملا مجددا في افكاره و كأنه في دوامة غريبة و امام لغز محير، عندما هز نظراته مجددا نحوهم كانت عيناه فارغتين مثل زجاجات الشراب الفارغة على الطاولة.
" بيانكا حامل... بطفل اليخاندرو..."
* * *
طار فورا تأثير الكحول من حواس روكو الذي صفى ذهنه فورا،حتى لو جرفتهم قنبلة نووية في هذه اللحظة لن تكون ابدا بتأثير الخبر الذي نزل مثل الصاعقة عليه، ولا يبدو انه الوحيد. فم خوسيه كاد ان يسقط من وجهه بينما اختفى الدم من وجه سيزار الدي تأفف وهو يقول:
" ماذا؟"
" ابنتي التي تعاني مع مرض مزمن تحمل طفل رجل ميت" عادالامير ليكرر و كأنها تعويذة شريرة.
الأمل غزاه بأنانية، نعم بيانكا مريضة و هذا الحمل قد يجرف معه حياتها، الا ان اكتشاف الهدية التي تركها اليخاندرو لهم تجعله ينظر للموضوع بطريقة اخرى.
اليخاندرو... الاسم القيم و العزيز... حتى بعد رحيله لا يتوقف عن مفاجأتهم.
" هل هو ابن مندوزا حقا؟؟" سأل خوسيه بعدم تصديق" اسف للسؤال ايها الامير الا ان الجميع يعرف بعلاقتها القديمة مع دافيد... وذلك المقال الناري عن قبلتهما في لندن"
" انه ابن ميندوزا" زمجر داركو رافضا المساس بسمعة و اخلاق ابنته" انه ابنه بحق الجحيم و هذا ما يجعل سيليو غاضبا للغاية و يدفع الحمقاء الصغيرة بإعادة المومس -زير النساء- الى حياتها..." توقف ليلتقط انفاسه " انه يستغل هشاشتها و يلعب بعقلها مجددا"
رغما عنه سمع روكو نفسه يقول:
" كلنا نعرف بأنه لم يخرج حقا من حياتها... قرار بيانكا بالعودة لا علاقة له بالوضع الراهن انما بقلبها"
منحه صديقه نظرة قاتلة، دافيد هو النقطة السوداء في حياته، عندما عقد خطوبة اليخاندرو بابنته ظن بأنه تخلص من -البلاي بوي- الى الابد، انه يكره بشدة فقدان السيطرة و يبدو ان تمرد بيانكا يوجعه
" مالذي تنوي ابنتك فعله بحملها؟" سأل سيزار نفس السؤال الذي كان على شفير طرحه.
" لم اتمكن من اقناعها بالاجهاض..." اعترف داركو ببعض العار" اعرف بما تفكرون، فاختياري يقع على ابنتي اولا و اخيرا.. بالرغم من ان هذا الحمل قيم جدا بالنسبة لي و اشعر بالخجل لمجرد التفكير باملي الشديد في تغيير رأيها و التخلص منه... انه ابن اليخاندرو بحق الجحيم و حفيدي" وهز عينيه نحوهم" و انا متأكد بأن كل منكم يريد حقه منه"
انه يتفهم الموقف و لو كان مكانه لفعل الشيء نفسه، ورغم كل الظروف الا ان الامير يشعر بتأنيب الضمير لرغبته في التخلص من حفيده لمنح ابنته فرصة العيش.
" اعترف بأنني ...سعيد للخبر" قال خوسيه" وكأن مندوزا يعود مجددا بيننا ... اريد ان اكون في حياة هذا الطفل "
" و انا ايضا" تدخل سيزار منزعج من اعترافه بالتأكيد" بالرغم من انه يشكل خطر على حياة بيانكا الا انني متفائل... انها فتاة قوية و الطب في تقدم مستمر و لن تكون اول امرأة تنجب فيما تعاني من مرض كمرضها"
" تظن ذلك؟؟" سأل داركو يستعمره الامل" تظن بأنه يمكنها النجاة بنفسها و طفلها؟"
صوته جعله يدرك فورا مقدار الرعب الدي يشعره اتجاه الوضع
" داركو انظر الي" قاطعه وهو يشد على كتفه " لا تظن بأن بيانكا ابنتك بمفردك، و ان حملها يخصك بغض النظر على قيمة اليخاندرو لكل فرد منا فإننا ندعمك بقوة مهما كان قرار كليكما... نحن فرد واحد لا يقبل التفصيل... روح و جسد واحد... اما فيما يخص دافيد ريتشي فأظنها الفرصة المثالية ليثبت حسن نيته... و ان كان 'البلاي بوي' عديم المسؤولية الذي نعرفه فلن يمضي اسبوع كامل بجانب امرأة تحمل طفل رجل آخر... سيفر فورا ما ان يكتشف بأن الامر ليس حماسيا او مثيرا..."
" و ماذا ان عزم البقاء .؟؟" سأله داركو بنبرة يائسة.
" ان عزم البقاء ايها الامير..." تدخل سيزار وهو يهز كتفيه" فما عليك سوى الاستسلام و رمي اسلحتك، لا يوجد في العالم برهان حب اكبر من هذا... عندها... عليك احترام حميمتها و تركها تتخذ قراراتها بنفسها"
يبدو كلاما منطقيا... لكن هل الامير مستعد لوضع مرارته جانبا و رؤية الامر بموضوعية مثل الجميع؟ بالتأكيد كلا.
اكثر شيء قيم في حياته هو اطفاله و سعادتهم و بالتأكيد لن يرى يوما بيانكا امرأة بالغة و مسؤولة عن نفسها.
مثله تماما... سخر روكو من نفسه، الم يفعل الشيء نفسه مع صوفي؟؟ الضغط الذي دفعها لاشهار مسدسها في وجهه الليلة و التهديد بإنهاء كابوسها.
" دافيد اساء اليها..." قال داركو من بين اسنانه" رؤيتها سعيدة مع اليخاندرو..."
" من تنافق بحق الجحيم داركو؟؟ ما فعله الشاب مع ابنتك ضاعفته مع شقيقته وهي اليوم زوجتك و أم طفلك و تعيش الحب الكبير معها..." قاطعه خوسيه بلكنة جليدية " اليخاندرو كان صديقها المقرب و الحميمي... أحبته كما احببناه جميعا، من المستحيل عدم حب شخص بنقائه... وحدها من يمكنها تحديد مستقبلها العاطفي لهذا دعها و شأنها قبل ان تفقدها بحق"
سقط الصمت، لا يكسره سوى طرطقة الخشب المحترق في كبد المدفاة.
" سنقطع عهدا" تكلم روكو و هو يفتح راحة يده امامهم" اعتدنا على قطع العهود في مواقف مماثلة... وهذه المرة... سنقطع عهدا على انفسنا بشأن ابن اليخاندرو... ان كتب له العيش... اريد ان يقسم أرجعتنا على حمايته و دعمه و التضحية من اجله الى اخر نقطة دم ... ان عزم القدر على ان يولد يتيما فسنعمل على أن يكون اربعتنا الوجه الابوي له... في السراء و الضراء... "
لم يتأخر خوسيه بوضع يده كما سيزار، الا ان داركو تأخر قليلا وعندما نظر اليه لمح موجة انفعالات عميقة، انه عاجز عن الكلام.
" ضع يدك داركو... فمصيرنا مشترك ووجهتنا واحدة "
* * *
. هذه الليلة تم تأمين مستقبل ابن اليخاندرو، يعرف خوسيه بأن كل فرد منهم صادق و جاد نحو عهده، يعترف بأنه قلق على صحة بيانكا ,,, لم يكن مؤمنا يوما الا انه سيبدأ بالصلاة كي تنجو و ينجو معها الطفل الذي يتحرق للقاءه، وجوده سيقلل من ثقل الحزن و الخسارة التي ضربت صداقتهم و اوجعت كل منهم بطريقة مختلفة، قصتهم مع اليخاندرو قصة حب ابدية و لن تنتهي رغم مرور الزمن ووجود ابن له سيخفف من الوجع و سيحفزهم على الاهتمام بمصالحه و كأن والده مايزال موجودا، وربما أكثر...
عندما استعاد كل منهم يده حاول خوسيه التخفيف من الاجواء الممتلئة بالعواطف.
" لصالح هذا الطفل ان يكون ذكرا... اخشى التفكير في ما سنفعله خلاف دلك...ان اتت انثى... فسنخنقها بحمايتنا المفرطة "
هز روكو رأسه نحوه و انطفأت الشعلة في عينيه كما اسودت ملامحه، موضوع داركو توضح نعم الا ان ما يوجع روكو مايزال مبهما،؟ و مالذي قاله كي تنغلق ملامح صديقه بهذه الطريقة؟لقد انتبه لمفاصل يديه المتورمتين و لم يجرؤ بطرح السؤال، انه ينتظر ان يكون مستعدا لمشاركتهم الموضوع.
" الحماية تمثل جزءا من حياتنا بسبب مكانتنا الحساسة الا انها لم تكن الطريقة المثالية للتعبير عن الحب" قال سيزار" لا يهم ان رزقت يوما بفتاة فلا انوي حبسها بجانبي و منعها من عيش حياتها بإسم الحماية"
حول روكو عينيه الى سيزار:
" لن يمكنها عيش حياة طبيعية .. "
" لن نتخلى عن الحلم الغامض و البعيد لمستقبل طبيعي" رد سيزار وهو يهز كتفيه" عالمنا مخيف نعم... الكل يطمع باخد شيء منا لهذا نحمي من نحب بشدة... السؤال هو هل هذه طريقة صحيحة لعيش حياة طبيعية؟ نحن نملك الكثير من النفود و الكثير من الاموال، السلطة المكانة الارستقراطية الا اننا نفتقد الامان، نحن عاجزين عن التنقل من مكان لاخر دون فريق حراسة... "
" انا ابن بارون مافيا نجح في معاداة العالم بأسره..." قال روكو " هل تدرك ثقل هدا على كاهلي؟؟ خوفي الشديد على من احب انقلب ضدي، فقدت اولا اليساندرو ثم اتى دور صوفي التي رفضت قطعا تقبل حقيقة انني والدها و نبذتني "
شعر خوسيه و كأن سقف الشاليه سقط على رأسه و كمية الجليد تتسلل داخل جسده لتجمد الدم في شرايينه... كان ينتظر بشغف ردة فعل صوفي ازاء الحقيقة، لكن ان تنبذ من ضحى بكل شيء من اجلها و شق بطنه من اجلها؟
" هل اخبرتها؟؟" سأله يحاول بلع غضبه.
" لم املك يوما الجرأة لاخبارها الحقيقة انما خلال جدال ناري مع ابنتي، فقدت بريانا برودة اعصابها و قذفت الحقيقة في وجهها..."
" لهذا السبب رحلت بريانا الى اليونان؟" سأل سيزار.
" ما هذه القصة ايضا؟؟ هل رميت بزوجتك خارجا لانها وضعت فتاة - سيئة الطباع - مكانها؟؟" سأله خوسيه بعدم تصديق" روكو... نحن نتكلم عن بريانا... تلك التي خلصتك من الارق و اصبحت كثير الابتسام منذ دخولها حياتك..."
لكن روكو لم يجب مما جعل غضب خوسيه يزداد:
" لا احد تًخفى عنه طباع صوفي السيئة... جعل منها يانيس وحش من الانانية... ستكون احمق ان ضحيت بسعادتك من اجلها"
" انها ابنتي خوسيه و هي في خطر" زمجر روكو وهو يضرب فجأة على الطاولة الى ان اهتزت قنينات الشراب الفارغة من مكانها " ما تجهله هو ان امير الظلام الروسي و سانتياغو هما شخص واحد..."
القصة التي تلت اخمدت غضبه رويدا و حل محلها قلق حقيقي، انه لا يشك في ذكاء و قوة صديقه و دهائه الا ان دخول حرب مع رجل مثل ماكسويل يعني اقلاق راحة روكو الذي لم يعش يوما راحة عائلية او يهنئ حتى بزواجه الجديد.
" نحن بجانبك" قال الامير " هل تريدني ان اتولى امره؟؟ يمكنني ايجاده فأنا املك الكثير من المصادر الموثوق بها"
" امنعك من التدخل ايها الامير ارفض ان يمسك سوء بسببي...." حذره روكو بجدية" سوف اجده و ادمره بنفسي... انه يعرف قوة علاقتي بكم وارفض ان يستغلكم لدى ارجو منكم البقاء على الحياد فهي حربي انا... ماكسويل ينوي استعمال صوفي لتأمين علاقته بنا... تحالفه مع لايميليانو يعني استيلائه على كل النفوذ و التأثير الممكن... اسم صوفي و جيناتها التي تعود ليانيس ما يسيل لعابه، صدقوا او لا... انه مهووس بالرجل الذي جعله الوحش الذي هو عليه اليوم"
" لن يصل تأثيره يوما لمستواك ايها العراب... العالم يحترمك فيما سيراه كتاجر اسلحة و مجرم" قال داركو.
" تعاقد مع الحكومات المعنية ليغضوا النظر عن الابادة التي يقوم بها... انه محمي أكثر من 'بوتين' نفسه... انتشرت شائعات ثأره الوحشي و لكنهم صامتون بإسم المصلحة العامة"
" في هذه الظروف لم يكن يجدر بك السماح لصوفي بالابتعاد عن صقلية"
على كلام سيزار هز روكو كتفيه:
" اصبحت صوفي خطر على نفسها و على من حولها.. ضمنت لها حماية مشددة و هذا كل ما يمكنني فعله... ان حبستها مجددا في القلعة فستقتل نفسها حتى قبل ان يتمكن ماكسويل منها..."
انها ليلة غريبة حقا،مليئة بالاسرار و بالثقة ايضا،قد يكون ماكسويل خطرا الا انه يعرف جيدا روكو الذي،سبق و تعامل مع من هم اسوا.
انه عالمه البشع الذي اعتاد العيش فيه منذ الطفوله و تعلم كيفية التعايش مع خطورته،لا يملك نصائح قد تفيد رجلا بنفود و مكانة العراب، الامر لا يتعلق بصفقة او مشروع انما بأمير تم قتل عائلته و هو عازم على الانتقام و الزواج بحفيدة الرجل الذي رباه.
الا انه يمكن ان يكون مفيدا في موضوع اقل خطرا.
" انت بحاجة لدعم بريانا ووجودها بجانبك..."
" اريدها بعيدة عني في هذه الظروف لسيما ...في وضعها..."
قطب خوسيه بعدم فهم قبل ان تنفجر حقيقة غريبة في رأسه، سبقه داركو الذي اشرق وجهه مثل البدر.
" هل زوجتك حامل؟؟"
انتظر خوسيه الرد بانفعال غريب، سيسكت قلبه الى الابد ان نفى صديقه الخبر الجميل، ابتسامة مترددة ظهرت على وجه العراب و دفع بشعره الى الوراء في حركة عصبية.
" ايه... نعم انها كذلك"
صفر سيزار طويلا فيما انفجر داركو بسلسلة شتائم لا منتهية، يلومه عن احتفاظه بخبر مماثل، لكن خوسيه عاجز عن التعبير في هذه اللحظة... انه بكل بساطة... بلا صوت.
اصر الجميع على شرب نخب ابن العراب القادم، ووجد خوسيه بأنه يمضي اجمل الامسيات منذ امد بعيد، هذه الليلة ستقربهم اكثر مما كانوا عليه من قبل، يشعر بأنه مدين لهم بالحقيقة التي لا يعرفها سوى روكو.
" في الحقيقة انا لست في سويسرا لبرم صفقة " كيف سيشرح الموضوع دون ان يخشى ردة فعلهم ازاء الحقيقة" انا نزيل في مستشفى العلاج النفسي "
قبل ان يفقد شجاعته اخبرهم الحقيقة بأكملها، عن قتله جده و التحرش الذي تعرض اليه و طمس والديه لذكرياته، و موت الفونسو وعودة اليونور الذي ظنها ميتة طيلة اعوام ، كل سر يخرج من فمه يقربه اكثر منهم، كانوا يتجرعون كل كلمة، حتى روكو الذي يعرف الحقيقة مسبقا مأخوذ به.
" انا فخور بك..." قال داركو...
" لا حكم؟؟" سأل بعصبية.
" هل تمزح؟؟' تدخل سيزار وهو يتطلع اليه بكل اخلاص " لو كنت مكانك لما ترددت بفعل ما فعلته... انت انسان قوي جدا برئي و انا متأكد بأنك تستحق فرصة حقيقية لعيش حياة عائلية سعيدة مع زوجتك و طفليك الرائعين"
" في الحقيقة قررت انهاء العقد بيني و بين آيا" هذا الكلام جعل روكو ينتصب من مكانه و كأنه تلقى صعقة كهربائية، لم ينتظر منه ردة فعل مختلفة ، هذا هو صديقه... يتحارب من اجل سعادته." أيها العراب أنظر الي... أنا جدّي... حان الوقت كي تمنح اهتمامك لحياتك الخاصة فقد استغليت شهامتك طويلا... ارتكبت اخطاء في هذا الزواج و انوي اصلاح جل الملابسات و هذا لن يتم بوجود صفقة مخزية البنود بيني و بين زوجتي... "
" لست بحاجة للطلاق كي تصلح ما افسد خوسيه" تدخل داركو.
التقط خوسيه كأس ويسكي فارغ و القى به ارضا كي ينفجر هذا الاخير الى اجزاء:
" قم بإعادة الصاق الاجزاء داركو... لن تتمكن من إخفاء الشقوق حتى لو تمكنت من وضع الشظايا مكانها ،و يستحسن استعمال كأس جديد لشرب نبيدك المفضل " ثم مد يده لكأس غير مستعمل و ملاه شراب ثم مده نحوه " لن ابني راحتي على ارض فوق فوهة بركان في حالة ثوران.... اريد الامان و الراحة النفسية لهذا انا في ذلك المصح... لن ابدأ صفحة جديدة ان لم اغلق ابواب الماضي وراء ظهري... و آيا من الماضي... انها تذكرني اي سافل انا... تذكرني بمسافة السنوات بيننا و بأي طريقة وصلت بها الى بيتي و منحتني التوأمين... فعلت ذلك مجبرة على حساب راحتها و شبابها... "
" تتكلم وكأنها ضحية..." تهكم روكو وهو يهز رأسه في حركة نفي قاطعة، انه يرفض سماع ما يتفوه به بالتأكيد"آيا استفادت جيدا من صفقتكما، انها سيدة أعمال استثنائية بفضلك، و دراستها في ارقى الجامعات الاسباني بفضلك ايضا، و ان أصبح لعائلتها كيان واسم معروف في المجر او تركيا فهذا بفضلك ايضا... ما يؤسفني... هو انك تتشبث بفكرة غريبة... الطلاق ليس حلا فيما اعرف نوع المشاعر التي تحملها اليها... لا شيء مضمون خوسيه و قد تستغل آيا حريتها كي ترتمي بين احضان رجل آخر"
نفحة حرارة عارمة انطلقت في سائر جسده، الغيرة السامة تسللت الى كيانه ، روكو يحاول استفزازه فحسب، يريده ان يبعد اهتمامه عن رغبته التي يجدها ببساطة فكرة ساذجة.
" أنت تحبها؟؟" تدخل داركو دون ان يخفي مفاجئته، مما دفع خوسيه لوضع غضبه عليه.
" انا رجل مثلكم ايها الامير و قادر على الحب..."
" هيه... لا تنفجر في وجهي، انا فحسب متفاجئ فلم نعتادك عاطفيا ... "
" انت ايضا لم نعتادك عاطفيا سيد ( دون جوان الكون)... " قاطعه خوسيه بجفاف " و ان كانت مشاعري نحو زوجتي تصدمك فهذه مشكلتك"
" فليتوقف كلاكما" تدخل روكو بنبرة عالية كي ينهي المشادة الكلامية " خوسيه انت لم تجب على سؤالي... "
" لا اريد الجواب عن سؤالك اللعين روكو " وقف من مكانه، يجهل لما يغلي بهذه الطريقة، يشعر بأنه سينفجر من شدة غيضه:" أريدك فقط ان تتوقف عن التدخل في قراراتي و حياتي اتفقنا؟؟ أنا راشد كفاية لأعرف نتائج اختياراتي ... أريد الطلاق بحق الجحيم... أريدها ان تختفي من وجهي و الا تعود" لم يكن يوما منافقا مع اصدقائه و مع نفسه مثل اللحظة، انه كاذب، و هذا آخر ما يريده... لا يتخيل ان تتخد آيا رجلا غيره عشيقا بعد طلاقهما، بل يريدها ان تراه من زاوية مختلفة، ان تحبه دون شرط او قيد...يريد العمل على نفسه و ترويض غيرته الغرامية.
" اهدأ خوسيه"
وكان روكو يقف بجانبه، مثل المعتاد رقيقا في مواقف مماثلة:
" اريدك ان تعدني بعدم التدخل..."
" اعدك الا اتدخل" اجاب صديقة وهو يغرس عينيه فيه، بدى و كأنه يقرأ في اعماق روحه:" أحترم قرارك و سأدعمك مهما كان قرارك..."
شعر بالراحة لهذه المبادرة، انه يفهم اخيرا و هو ممتن لتعاونه.
" سأتركها ترحل و ان عادت... فسيكون ذلك ناجم عن رغبتها و ليس بسبب العقد او تهديداتك... ان عادت ... " توقف قليلا، انه يشك باحتمالية عودتها حقا برغبتها " ان عادت سنبدأ صفحة جديدة دون ظلمة الماضي.... وإذا لم يكن الأمر كذلك ... فلن أعيقها أبدًا وسأدعها تعيش حياتها كما تتمنى وترغب"
تراجع العراب واضعا مسافة ا بينهما لم يشأ ايامه الا ان الوقت قد حان كي يتوقف صديقه عن لعب دور الدجاجة الام، الوقت قد حان كي يضع حياته الخاصة قبل حياة غيره حتى لو كانوا اصدقائه المقربين.
كي يبتعد عن موضوع' ايا '- المؤلم بشكل خاص- حول اهتمامه الى سيزار و سأله:
" هل اخبرك روكو بـشأن..."
" كلا " قاطعه روكو الذي عاد ليجلس في مكانه، ما يزال متأثرا بكلامه على ما يبدو " لم تسنح الفرصة بعد"
" يخبرني ماذا؟؟" سأل سيزار يدفعه الفضول.
تبادل خوسيه النظرات مع روكو الدي اندفع بجسده الضخم في عمق الكنبة و تركه يأخد دور ( غراب الشؤم) ، مهما يكن... حان الوقت ليعرف سيزار بشأن سر والدته الكبير و قرابته بالجميلة جدا فالنتينا دا راي' المرأة التي اسالت لعاب أكثر رجال الاعمال نفوذا في العالم... كيليان ارشيبالد.
أخ روكو الغير الشقيق... فهل يمكن للقدر ان يكون اكثر لؤما؟؟
....


أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:37 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.