شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء ) (https://www.rewity.com/forum/f118/)
-   -   بعد النهاية *مميزة ومكتملة * (https://www.rewity.com/forum/t468698.html)

Heba aly g 20-04-20 10:50 AM

في المصرف وفي وقت الراحة جلست علية علي مقعدها تشعر بالعجز لقد أعطتها الأستاذة أماني عدة ملفات ولا تعرف كيف تتصرف فيهم لقد تعودت أن يكون العمل جماعياً وتقوم هي بجزأ منه أما اليوم فأماني تطلب منها أن تقوم بعمله وحدها حتي تستطيع تقييم أدائها...أصابها الأحباط فقالت لرضوي باستجداء وهي بجوار مكتبها:"رضوي هل تستطيعين مُساعدتي في هذه الملفات المُعقدة؟؟"..نظرت اليها الأخيرة ببرود قائلة :"لدي عمل أنا الأخري ولست مُتفرغة"...عادت الي مكتبها وجلست علي مقعدها ووضعت يدها علي وجنتها.. في هذه اللحظة أحضرت لها العاملة كوب الشاي بالحليب الذي طلبته منها والذي تطلبه تقريبا ثلاث مرات في العمل...وضعت المرأة الكوب أمامها فشكرتها علية بوجوم ..لاحظ وجومها فادي فقال لها وهو يفتح كيساً به بقسماط موضوع في مكتبه ويلتقط واحدة يقطمها:"مابك علية؟"....قالت بضيق :"أستاذة أماني أعطتني ملفات ولا أعرف كيف أتصرف لم أعتاد ان أعمل بمفردي يافادي ."...أخذ بقسماطة اخري من الكيس واقترب منها في ثانية واحدة بكرسيه ذو العجلات واعطاها البقسماطة قائلاً:"كلي هذه "..ابتسمت له ابتسامة رقيقة واخذتها منه فقال لها وهو يضع بقسماطته في كوب الشاي بالحليب خاصتها :"لاتقلقي سأساعدك"..لم تنتبه الي مافعله فقالت له وهي تضع بقسماطتها في الكوب وتتناولها:"حقاً فادي لا أعرف من دونك ماذا كنت سأفعل"...قال لها باستخفاف وهو يضع بقسماطته مرة أخري في كوبها:"عدي الجمائل"....نظرت رضوي بذهول الي مايحدث وقالت لتسنيم بصوت خافت مصدوم:"هل ترين ما أراه ...ليتني ساعدتها أنا"...
ربتت تسنيم علي يد صاحبتها الموضوعة علي المكتب ولم تدري ماذا تقول لها..أما علية ما أن أنتبهت أن فادي يغمس البقسماط في كوبها حتي صاحت فيه بحننق قائلة:"ماهذا الذي تفعله ..هذا كوبي " قال لها وهو يضرب كفاً بكف :"لا حول ولاقوة الا بالله أنت تتحولين ياأبنتي كنت من دقيقة واحدة تقولين لا أعرف من دونك ماذا كنت سأفعل وتصيحين في الان...ثم أردف بخبث ماذا أن غيرت رأي أنا ولم أساعدك "
ظهر الجزع علي وجهها فقال لها وهو يعود الي مكتبه بمقعده :"حسناً أطلبي لي كوباً خاصاً بي حتي أستطيع التركيز فأنا لاأستطيع التركيز الا بعد تناول البقسماط بالشاي"
***************
في المشفي عند فريدة..
أقتربت من الأنتهاء من عملها وهناك أوراقاً تخص الأجهزة تريد أن تأخذ توقيع تيمور عليها ....ذهبت الي مكتبه فلم تجده فخرجت الي سهام موظفة الأستقبال قائلة لها وهي تمسك الملفات:"أين دكتور تيمور سهام"...
قالت لها الأخيرة:"هو الان في العيادة بالأسفل "...هبطت فريدة للأسفل وطرقت بالفعل باب الغرفة طرقتين ثم دخلت لتجد تيمور يجلس وأمامه طفل صغير يقوم بتجبيس قدمه والطفل معه والده علي مايبدو....
قالت ما أن رأته يعمل :"عفواً ..سأعود في وقت لاحق"
قال لها بسرعة دون أن ينظر اليها:"لا تعالي دقائق وأنتهي أجلسي"...
دلفت وأغلقت الباب وجلست بالفعل علي المقعد المقابل لمكتبه في حين كان هو مع الطفل ووالده علي سرير الكشف ..أخذت تنظر اليه وهو يعمل بمهارة وشبح ابتسامة يزين زاوية شفتيها...في حين كان والد الطفل يخترقها بنظراته ..لم تنتبه هي له بل كانت مُنتبهة لتيمور الذي لاحظ نظرة الرجل المُتفحصة لها فرمقه بنظرة حادة صامتة جعلت الرجل يشيح بوجهه وينظر الي ولده الصغير ...أنتهي تيمور بالفعل من عمله وربت علي كتف الطفل وقبل رأسه وودع الرجل بابتسامة بلاستيكية قائلاً:"أراكم بعد ثلاثة أسابيع بأذن الله"..أنصرف الرجل
وجلس هوعلي مقعده خلف مكتبه ونظر اليها دون كلام فمنذ أن أعطته الهدية وأفكاره كلها مشوشة قلبه يقنعه بأن معني هذه الهدية أن مافي قلبها يماثل مافي قلبه وعقله يقنعه بأنها ليست بالدليل القاطع...وأدرك أنه لن يستطيع أن يستمر طويلاً في هذه الحيرة..لابد أن يتأكد
أعطته الأوراق التي تحتاج للأمضاء فقال لها:"أتركيها حتي أقرأها جيداً"...أومأت له برأسها بلا كلام...فمنذ الصباح منذ أن أعطته البورتريه وهي تتجنب نظرات عينيه المُتسائلة....
قامت من مكانها وتوجهت الي باب الغرفة قائلة :"حسناً سأصعد أنا لأكمل عملي "...نظر اليها والي البلوزة القصيرة التي ترتديها ولم يستطع الصمت بعد نظرات الرجل الوقح هذا لها ...رغم أنها ليست ممتلئة الجسد ولكنه شعر بالضيق لأنه لم يعتاد منها الا علي ارتداء بلوزات طويلة أما هذه فبالكاد تصل الي منتصف فخذيها....قال لها وهو يضع وجهه في الأوراق التي أمامه :"فريدة هل من الممكن الا ترتدي هذه البلوزة القصيرة مرة أخري؟"...التفتت اليه ووجدته مُنكباً علي أوراقه ولاينظر لها كأنه يتجنب النظر اليها وتعجبت منه كيف يطلب منها طلباً كهذا ولكن مازاد من تعجبها هو ردها عليه قبل أن تُغلق الباب حين قالت له:"حسناً"
**************
في اليوم التالي بعد العصر وعلي متن أحد البواخر الكبيرة التي تقوم برحلات نيلية جلست راوية بجوار زوجها سامح الذي كان يشبهها كثيراً في الشكل والشخصية حتي أن فدوي ظنت أنهم أقارب ....وجلس رامز بجوار داليا علي الجهة المقابلة وبجوار راوية جلست فدوي التي لم تترك لؤي من يدها منذ أن أتت وفي المقعد المقابل لها بجوار رامز يجلس سامر وما أن انتهوا من تناول الطعام حتي قامت فدوي لتغسل يديها وتركت لؤي أخيراً لوالدته ...ذهبت الي الحمام المُلحق بالباخرة وما أن خرجت حتي وجدت سامر أمامها يضع يديه في جيبي بنطاله الجينز وينظر اليها نظرته الجذابة التي أدمنتها.. قالت له بتساؤل :"هل هناك شيء؟"...
قال ببراءة:"أطلاقا كنت أغسل يدي "..سارت بجواره حتي يعودان الي طاولتهم ولكنه قال لها برجاء:"فدوي لما لانخرج علي سطح الباخرة الجو بالخارج رائع هم يجلسون هنا فقط لأنهم يخافون علي لؤي"....
نظرت اليه ولمحت نظرته اليها فقالت وهي تشيح بوجهها بعيداً:"حسناً"....خرجا معاً بالفعل علي سطح الباخرة الكبيرة واستقبلت فدوي نسمات الهواء البارد علي بشرتها فقالت وهي تدلك ذراعيها بكفيها:"الجو بارد قليلاً ..لهم حق يخافون علي الصغير"...قال وهو يقف أمامها :"أنت تحبين الأطفال الصغار جدا"...قالت بحب:"نعم أكثر مما تتخيل"...
وقفا معا يستندان علي سور الباخرة التي تسير ببطء في النيل وحانت من فدوي التفاتة الي سامر الذي تسقط أشعة الشمس الهادئة علي وجهه وأصابها الذهول حين رأت أنعكاس اشعة الشمس علي عينيه ولأول مرة تكتشف أن لون عينيه أخضر داكن هكذا ..ربما لم تنظر في عمق عينيه كثيراً لتكتشف وربما لأنهم لأول مرة يتواجدو في مكان مفتوح كهذا والأضاءة ساطعة فمكنتها من رؤية لون عينيه بوضوح..قالت لنفسها:"هناك بالفعل أشخاص لايظهر لون عيونهم الطبيعي الا في الضوء الساطع"...قال سامر وهو يتأمل سمار بشرتها الهاديء المريح لعينه:"حقاً يافدوي..مامعني أسم فدوى؟؟هل تعرفين أنك أول فدوي أراها في حياتي؟لم أتعرف في حياتي علي فتاة بهذا الأسم"...أبتسمت له ابتسامة عفوية بلا تحفظ...حسناً لقد زال التحفظ أخيراً معه...وراق لها أن تكون بالفعل أول فدوي في حياته...فماذا لو كانت أول أمرأة في حياته علي الأطلاق؟؟...نفضت هذه الأفكار من رأسها فبالتأكيد لن تكون أول أمرأة في حياته..يبدو أن خلفه حكايات وحكايات...هذا ماشعرت به من حديث راوية المُبهم عنه ..قالت له وهي تنظر في عينيه الخضراوان اللاتي أكتشفتهم للتو :"أسم فدوي يعني نكران الذات والتضحية والعطاء ..أو المنقذة التي تفك الأسير"...أبتسم لها أبتسامة صافية وقال:"أنه حقا أسما علي مُسمي" أخفضت وجهها بخجل وهي تبتسم فقال لها:"من أسماك بهذا الأسم أذن هل كان متداولاً في عائلتكم مثلاً؟"...رفعت وجهها اليه مرة أخري وقالت :"أبي من أسماني بهذا الأسم ..علي أسم الشاعرة فدوي طوقان هي شاعرة فلسطينية كانت تكتب عن وطنها المحتل وكان أبي مُحباً للأدب بشكل عام وللشعر بشكل خاص فأسماني بهذا الأسم"...قال لها باهتمام :"ماذا كان يعمل والدك؟"....قالت :"أبي كان مُعلماً للغة العربية وعند وفاته كان قد وصل لموجه عام للغة العربية "...عقد حاجبيه ثم قال.:"هل مات وأنت صغيرة؟"...قالت وهي تقطب جبينها:"كنت في الخامسة عشرة"..مط شفتيه وظهر علي وجهه الحزن وقال:"أنا أيضا توفي والدي وأنا صغير...ثم أردف بشرود هل تعلمين أن أبي أنجب أربعة بنات هم أخوتي وعاش يتمني أن ينجب ولداً ومات وأنا في العاشرة "...ظهر الحزن جلياً علي وجهها وقالت له:"رحمه الله هو وأبي وأمي" ثم أردفت :"هذا يعني أنك مُميزاً بين أخوتك"...ابتسم نصف ابتسامة ثم قال لها:"أنا حتي الأن مميزاً ولكن هذا الشيء ليس بالجيد "..قالت له :"لماذا"....قال وهو ينظر لشعاع الشمس الذي يميل للغروب :"أحيانا كنت أشعر بغيرة أخوتي من هذا الوضع خاصة حين كان أبي معنا كان يحبني بشدة كأنه كان يعلم أنه لن يعيش معنا طويلاً فكان يٌغدق علينا جميعاً بمحبته ولكن طبعاً كانت معاملته لي بشكل مميز أكثر وكانت أكثرهم حنقاً من هذا الأرتباط وهذه المعاملة رحمة أختي التي تكبرني مُباشرة"
ضيقت فدوي عينيها قليلاً وقالت:"أذن أختك أسمها رحمة"...قال وهو يضيق عينيه:"نعم..لماذا"...قالت وهي تبتسم بوجهها وعينيها معاً :"لأنك كُنت دائما تُخطيء في أسمي وتناديني برحمة"...أبتسم لها ولم يرد فهو لم يكن يُخطئ هو فقط كان يستفزها لا أكثر.....وجد أن الحوار بينهم يسير بسلاسة فسألها مُباشرة السؤال الذي يود أن يسألها عنه فنظر في عمق عينيها وسألها بجدية:"فدوي هل أنت مُرتبطة؟"....أجفلها السؤال المُباشر ولكنها حاولت أن تبدو طبيعية فرفعت كلتا يديها أمام وجهها حتي يري أنه لا يوجد محبس بهما..فابتسم وقال "أحيانا يكون هناك أرتباط ولم يتم الأعلان عنه بعد"....نظرت للبعيد قليلاً لشعاع الشمس الذي مال للغروب ولمياه النيل الممتدة أمامها وقالت دون أن تنظر الي عينيه :"أنا لم أرتبط طوال حياتي لا أرتباط مُعلن ولا أرتباط غير مُعلن...رغم أنني حقيقة تقدم لي كثيرون ولكني لم أجد ما أبحث عنه في أي شخص منهم.ثم أردفت بشرود هل تعلم حين تعيش عُمراً كاملاً تبحث عن شخص مُعين ولا تجده وفي نفس الوقت لا تقتنع بشخص غيره"نظر اليها وهو يضيق عينيه وقال:"تقصدين شخصاً بمواصفات مُعينة ؟"...قالت بنفس الشرود:"هو شخص لا مواصفات شكلية له هو شخص أريد عندما أراه أدرك أنه هو الذي أبحث عنه ...كل مرة كان يتقدم فيها شخص لي كنت أنظر اليه ورغم أنه ليس به عُيوباً تُذكر الا أنني كنت أشعر فوراً بالنفور أمي كادت أن تُصاب بالجنون بسببي ..ظهر الحزن جليا في نبرة صوتها وقالت:كانت تُريد أن تراني عروساً قبل موتها ولكني لم أستطع أن أحقق لها أمنيتها لم أستطع أن أضغط علي نفسي لأحقق لها رغبتها"....كانت تتحدث بشرود وهي تنظر للبعيد قال سامر وهو يتأمل ملامحها الجميلة:"وحتي الان لم يحدث أن رأيتي شخصاً وشعرتي معه هذا الشعور ...شعور أنه هو؟؟" تمتمت بخفوت :"نعم رأيت" قال بلهفة:"من؟"....أنتبهت فدوي من شرودها علي سؤاله وقالت له بحذر:"من؟"...قال لها بحنق :"فدوي أنا من أسألك "...أدركت فقط في هذه اللحظة أنها انجرفت لذكرياتها وأن سامر نجح في أن يتسرب ببطء الي عقلها وقلبها وجعلها تقص عليه أشياء لم تقصها علي أحد غريب عنها من قبل ....هكذا نحن في حياة كل منا صُندوقاً أسوداً يحوي أسراراً وحكايات وأوجاع وأحزان وأفراح ..وسامر بالفعل سحبها بانسيابية وجعلها هي من تفتح هذا الصندوق وتحكي له بلا توقف كالمسحورة ..وها هو الان يسألها من....أستفاقت بالكامل من شرودها يبدو أن شعاع الشمس الذي أنعكس علي عينيه وأظهر لها لونهما الحقيقي أصابها بسحر مؤقت وبعد أختفاء شعاع الشمس وحلول الظلام وأضاءة أنوار الباخرة بالكامل عادت هي من جديد الي الواقع...قال لها سامربصوت هاديء وهو مُصر أن يعرف:"من يافدوي؟"...قالت فدوي بصوت هارب منها :"راوية بالتأكيد تبحث عني لابد أن نعود"قالت كلمتها ولم تنتظره واتجهت للداخل مُباشرة ..أما هو فوضع يديه في جيب بنطاله ورفع وجهه للسماء وزفر بنفاذ صبر قائلاً:"متي تنطقها حتي أرتاح"
***************
يوم الخميس صباحاً وقفت فريدة في شرفة شقتها تنظر في أثر أبناءها الذين أنطلقت بهم للتو حافلة المدرسة ...اليوم الخميس يخرجون مًبكراً من المدرسة وتقلهم الحافلة الي بيت والدهم ويمكثون معه حتي يوم السبت ..هكذا تعودوا منذ سنوات وهكذا تعودت هي ..نظرت علي حديقة الدكتور فؤاد فوجدته يسقي الزرع بنفسه بكل همة ويضع للعصافير طعامها فعرفت أن مزاجه اليوم جيداً مادام يعمل بهذه الهمة من السابعة صباحاً وهي اليوم اجازة حتي تذهب الي خطبة ماريان في المساء...ليس السبب فقط في أجازتها خطبة ماريان ولكنها أرادت أن ترتاح قليلاً من الضغط النفسي الذي أصبح يلازمها في الفترة الاخيرة...هي أصبحت لاتستطيع التحكم في نفسها أمامه نظراته لها تخترقها ولاتملك من أمرها شيئاً ؛شعورها بالعجز هذا أصبح يتسبب لها في مشكلات عديدة أخطرها هذه الدمعة التي اصبحت تتراقص في عينيها ما أن تشعر به قريباً منها...ولكنها لن ترتاح اليوم بالكامل من هذه المشاعر لأنه سيأتي أيضا في المساء الي الخطبة وستراه ... حاولت أن تخرج من صخب أفكارها فوضعت غطاء السترة التي ترتديها علي رأسها وهبطت للدكتور فؤاد تجلس معه قليلاً ...كان باب الحديقة الخارجي مفتوحاً فدخلت فريدة مُباشرة وقالت له بمرح :"ماهذا المزاج الرائق يادكتور"...قال لها وهو يواصل عمله:"الا يوجد عمل اليوم؟"...قالت :"نعم أخذت أجازة صديقتي حفل خطبتها في المساء وسأذهب اليها "...قال وهو ينظر الي عينيها اللتان في ظاهرهما المرح وفي باطنهما الحيرة والألم اللذان تحجبهما هي عن الجميع الا هو فبنظرة واحدة لها يعرف مافي داخلها :"العاقبة عندك حبيبتي أريد أن افرح بك" قالت بتهكم وهي تأخذ بخاخ الماء لتقف بجواره وتروي باقي الزرع:"لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين أبي"..
قال وهو ينظر اليها وهي تدعي الأنهماك فيما تفعله:"ليس كل الرجال كبعضهم حبيبتي:"...قالت وقد تغيرت نظرت عينيها الي الخوف:"أخاف من الفشل مرة أخري ...لقد فشلت في زواجي من أول حُب في حياتي فهل تعتقد أنني أستطيع النجاح مرة أخري؟"....قال بنبرة حانقة وهو يأخذ منها البخاخ ويجذبها من يدها لتجلس بجواره في بورجولته الخشبية كطفلة صغيرة يريد أن يُصحح لها مفاهيمها الخاطئة:"أولاً لاتتكلمي بهذا اليأس مرة أخري كأنك أمرأة في الستين ...رفعت وجهها اليه وتعلقت عينيها بعينيه علها ترتاح فأكمل:ثانياً..من أقنعك بأكذوبة الحب الأول هذه؟ومن قال لك أنه كان حُباً من الاساس؟" قالت له بغير فهم:"كيف؟"....
قال بنبرة هادئة وصوت رخيم:"الكاتب الكبير أحسان عبد القدوس لخص هذا الامر في جُملة ألا وهي.أن في حياة كُل منا وهم أسمه الحب الأول .لا تصدقه...حبك الأول هو حبك الأخير ...ثم صاح بحنق :أي حب هذا الذي أحببتيه وأنت طفلة ..أنت عندما عرفتيه وتزوجتيه كنت طفلة.. هل تعلمين لو كانت هذه الزيجة تأخرت عامين أو ثلاثة كنت أنت من ستصرفين نظرك عنها" ....قالت له وهي تحاول أن تبدو لهجتها طبيعية:"هل الانسان لو احب مرة ثانية يمحي الحب الثاني أثر الحب الأول؟" قال :"لو كان الأول هذا حُباً لما استطاع المرء أن يحب ثانية...حُبك الأول هو حُبك الاخير وماسبق كان وهماً"...وجد الألم يتجسد علي ملامح وجهها وعرف ان شكه في محله فقال لها:"هل تعرفين كيف تتأكدين أن مشاعرك الجديدة هي المشاعر الحقيقة؟"..أومأت له برأسها حتي يًتابع فقال:"حين يمحي الحب الجديد كل أثر لتجربتك القديمة عندما تنسين تفاصيل علاقتك الاولي ..عندما تغفرين للطرف الأخر ذلاته ولاتحملين له في قلبك ضغينة عندما يمر امامك ولاتري سوي طيفه ...عندما يهجر أحلامك ويسكنها الزائر الجديد"...قالت ضاحكة:"زائر؟"....قال وهو يغمز بعينه تماماً كما يفعل ولده :"في البداية يكون زائراً الي أن يستطيع أخذ الأقامة الكاملة"...
قالت له وهي تنظر الي عينيه بابتسامة صافية:"هل تعرف يادكتور فؤاد كان من المُفترض أن تتجه للكتابة بعد تقاعُدك حقاً كلماتك تدخُل القلب بلا استأذان ثم أردفت بخبث...هل لك أن تعترف لي كم مرة أحببت؟"...ضحك ضحكته الواسعة التي تعشقها وقال:"يمكن تعديل السؤال أولاً بأن تقولي كم مرة توهمت؟حينها سأرد عليك بأنني توهمت كثيراً..أما الحب فلم أحب الا مرة واحدة وهي والدة أبنائي رحمها الله"
***********
صعدت الي شقتها بعد أن سرقها الوقت مع الدكتور فؤاد ..بدأت تجهز الملابس التي سترتديها في المساء بشرود تسترجع كل كلمة من كلماته...في حياة كل منا وهم اسمه الحب الأول....لوكان حُباً حقيقياً لما شعرتي بحب لأحد بعده....الأفكار في ذهنها أخذت في التداخل وهي تراجع كلماته هي حقاً كانت صغيرة عندما تزوجت ..لماذا تزوجت في هذ السن وسمحت لنفسها أن تُقصر في دراستها ؟؟ماذا لوكانت أجلته حتي تُنهي دراستها؟؟هل حقاً لو كانت أجلته كان من الممكن أن تُغير رأيها في عُمر فيما بعد؟؟؟تذكرت كيف فرض عليها بعد الزواج مُباشرة عدم الذهاب الي الجامعة الا علي الامتحانات بحجة أنها حاملاً رغم أن حملها كان طبيعياً وكيف أضطرت للرضوخ له رغماً عنها ؛؛تذكرت كيف ضاعت أجمل سنوات عُمرها وحين أعترضت وصممت وتدخلت أمها وخالها وأرغموه علي أن تعود الي دراستها بشكل طبيعي بعد ولادة عبد الرحمن وأن تترك الولد لأمها وأختها وتنتظم هي في دراستها وبالفعل أنتظمت العام الثالث كله لتتفاجأ في نهاية العام أنها حاملاً مرة أخري في البنتان ليرغمها علي الجلوس مرة أخري وأخذت الأعوام تتسرب منها عاماً خلف الأخر الي أن وجدت نفسها لاهم لها سوي البيت والأولاد ومشاكلهم لينصرف هو الي أخري تتمتع بالأمتيازات التي حرمها هي منها...تذكرت كل هذه الأحداث دفعة واحدة ولكن ماتتعجب منه أنها أصبحت تتذكر دون أن تشعر بالغضب...دون أن تشعر بالحزن...لم تعد ناقمة علي عُمر بل أصبحت تتحدث عن هذا الماضي بشكل عادي لايثير في نفسها أي ألم أصبحت حين يريد الحديث معها هاتفياً لأمر يخص الأولاد لاتُمانع مثل السابق وحينما رأته في الفترة الأخيرة عدة مرات وهو يأخذ الأولاد أو يعيدهم لم تشعر تجاهه بأي نفور بل شعرت بشي أخر...شعرت أنها من الأساس لاتراه..أكتشفت أنها نست تقريبا ً ملامح وجهه حيث لم تعد موجودة في ذاكرتها..هل يعني هذا أن كلام الدكتور فؤاد صحيحاً؟؟أن الزائر الجديد أستوطن في القلب ولم يعد يري غيره؟هو يطلق عليه الزائر الجديد أما هي فقد أدركت للتو أنه أصبح صاحب مكان
***************

Heba aly g 20-04-20 11:00 AM

استيقظت من نومها مُتأخرة فاليوم أجازتها الأسبوعية لاتذهب الي الجامعة في هذا اليوم فتستغله في النوم...وتتمني أن يظل طوال اليوم ونهايته بحلاوة بدايته ....ولكن هذا لايحدث بسبب العفاريت كما تُطلق عليهم فهي بالفعل لا تحبهم فالبنتان يشبهون أمهم تماماً...تشعر عندما ينظرن اليها أن أمهم هي التي تنظر اليها...رغم أنها لم تلتقي بها الا مرات قليلة تُعد علي أصابع اليد الواحدة ..ولكن أكثر مايجعلها حانقة منها هو برودها وتجاهلها التام لها ....كانت تتوقع عندما أحبت عُمر ووافقت علي الزواج منه رغم أنه مُتزوج أن زوجته ستغضب وتأتي اليها وتتهمها بأنها سبب خراب البيت ...وكانت تُجهز الردود المُفحمة التي سترد بها عليها ..ولكنها لدهشتها تجاهلتها تماماً ولم توجه لها كلمة واحدة ...طوال الأربعة أعوام ونصف السابقة وهي تتوقع أن تأتيها فريدة في أي وقت لتقول لها أنت سارقة وكان ردها الذي جهزته(أن لم يكُن عُمر يُريد أن يُسرق لما سرقته وأن لم تكوني أنت مُقصرة معه لما بحث عن غيرك...وأن لم يجد بي مالم يجده بك لما تزوجني)ولكن هذا لم يحدث وحيرتها من هذه المرأة تزداد يوماً بعد يوم.......
أنتزعها من أفكارها التي راودتها وهي ماتزال في فراشها رنين هاتفها الذي التقطته لتجد والدتها فابتسمت وهي تجيبها:"بونجور مامي"...فقالت فافي والدتها:"بونجور روح مامي كيف حالك ؟"...قالت رؤي :"بخير...أستيقظت للتو"..قالت فافي :"ألن يأتي الأولاد اليوم ؟"...قالت رؤي بضجر:"بل سيأتون مامي ".....قالت فافي :"حبيبتي حاولي أن تتقبليهم في حياتك "...قالت بغيظ:"هذا عندما يكونوا أطفالاً عادييين مامي ولكنهم عفاريت "...قالت فافي :"لقد حذرتك قبل الزواج يارورو أنه ليس من السهل الزواج برجل متزوج
ولديه أبناء...ولكنك صممتي ووالدك الذي لايرفض لك طلب وقف معك "
قالت رؤي بنبرة منخفضة:"ماذا أفعل يامامي لقد أحببته ومازلت أحبه ثم أردفت ضاحكة ثم هل كنت تريدين لبابي أن يرفض لي طلباً؟"
قالت فافي بغيظ :"لا بالطبع كيف يرفض طلبك وأنت أبنته الوحيدة أنت ضٌرتي في هذا البيت يارورو"
ضحكت رؤي بشدة فقالت والدتها:"متي ستأتين؟؟"....قالت لها:"ممكن أن أترك عمر اليوم في المساء يجلس هو مع أبناؤه وأأتي اليكم ولكن سأؤكد عليك في المساء لست متأكدة"...أنهت مكالمتها وأغلقت الهاتف مع أمها ثم قامت بضجر لتستعد لأستقبال الصغار اللذين أقترب موعد وصولهم
****************
في المساء وفي بهو أحد أكبر الكنائس وقفت فريدة بجوار وليد وهيدي وعدد من الأطباء والموظفين المدعوون لحفل الخطبة يستقبلون العروسين اللذان ما أن ظهرا عند باب الكنيسة حتي أنطلقت الزغاريد من كل جهة...نظرت فريدة اليهم وهي سعيدة للسعادة البادية علي وجوههم ... كان الجميع أنظارهم مُتعلقة بهم وهما يسيران ببطء في الممرالمؤدي من باب الكنيسة الي الداخل يسيران في منتصف الرواق وعلي يمينهم ويسارهم باقات الورود والشموع والمقاعد مصطفة علي الجانبين يرتفع صوت الألحان والصلوت منذ دخولهم ...أقتربت منهم ماريان وهي تتأبط ذراع ماهر فأشارت لفريدة وشادية بيديها بفرحة الي أن وصلا الي البهو الداخلي وجلسا متجاورين...وبدأت الاعدادات لأقامة الصلوات ومباركة الخطبة من رجال الدين ....جلست فريدة وبجوارها هيدي وشادية ووليد فسألت هيدي وليد باهتمام :"أين دكتور تيمور لماذا تأخر؟؟"
قال وليد وهو ينظر الي فريدة بطرف عينه :"لن يحضر من الأساس لديه ظرفاً عائلياً خاصاً"...
تجمدت ملامح فريدة ولاحظ وليد ذلك ...وتساءلت ماهذا الظرف العائلي الذي ظهر فجأة...لقد أكد أنه سيأتي وهي تعلم معزة ماهر وماريان عنده.....لا تنكر أن الأحباط أصابها ولا تنكر أنها تأنقت أكثر من العادة من أجله فقط ..نظرت الي فستانها الجديد ذا اللون الموف الهادئ والي حذاءها الفضي ذا الكعب العالي الذي أختارته بدقة وقالت لنفسها بيأس:"ليس له نصيباً أن يراه"...أما هيدي فقالت لوليد:"وهل هذا الظرف العائلي خيراً أم يوجد شيء ليس علي مايُرام؟"....قال وليد وهو ينظر الي فريدة للمرة الثانية :"لا أعرف يمكنك الأتصال به وسؤاله"....
لاحظ ظهور التوتر علي فريدة في حين مالت شادية علي أُذن فريدة قائلة :"لماذا تسأل هي عليه لا أعرف"...لم ترد عليها فريدة ...عندما تأتي سيرته تحاول عدم الأسترسال حتي لا تخونها الكلمات فتُفضل الصمت ...
في حين قالت هيدي لفريدة بفضول :"حقا فريدة سمعت أنك تقربين لدكتور تيمور هل هذا حقيقي؟"...نظرت اليها فريدة بطرف عينها ثم قالت باقتضاب لتضايقها ليس أكثر:"نعم"... ثم صمت الجميع ليستمعوا الي الصلوات التي بدأت بالفعل .....
بعد قليل خرج الجميع الي البهو الخاجي للكنيسة للمباركة للعروسين والتقاط بعض الصور التذكارية فباركت لهم فريدة وأخذت بعض الصور معهم واستئذنت مُبكراً...
ركبت سيارتها وهي تشعر بالضيق لأنها لم تراه وهي التي هيأت نفسها أن تراه اليوم حيث لم تراه صباحاً لانها لم تذهب الي العمل ...حسنا ربما يأتي غداً عند والده وتراه...وبخت نفسها علي تفكيرها هذا...وقالت لنفسها وهي تدير مفتاح السيارة :"المفروض أن تتجنبي رؤيته لا تحزني علي عدم رؤيته ياغبية"توقفت قليلاً بعد أن أدارت السيارة وتناولت هاتفها ودخلت الي التطبيق الذي تستمع منه للأغاني وأختارت أغنيتها المُفضلة في هذه الفترة وقامت بعمل مشاركة لها علي موقع التواصل الأجتماعي ثم قامت بالضغط علي زر التشغيل ليعلو صوت الأغنية في السيارة المُغلقة من جميع الجهات صدح صوت فايزة أحمد وأمتلئت معه عينيها بالدموع ليييه ياقلبي لييييه بتحلفني ليييه أخبي الحكاية وأداري علييه موصفلوش عذابي وحيرة شبابي وحبه اللي خدني من أهلي وصحابي وأزاي بس أداري وأزاي يبقي جاري وأتشوق اليه ..لييه ياقلبي ليييه بتحلفني ليييه.....
أنطلقت بالسيارة والألم في صدرها يتزايد فقد أصبح أقترابه وابتعاده فوق مستوي أحتمالها والكتمان مُوجع والبوح لايجوز....
لا مش قادرة أخبي بحبه ياقلبي وأحلف أنه أول وأخر حبايبي وأديني هقوله كلامك ده كله شوف هتعمل أيييه ليييه ياقلبي ليييه بتحلفني ليييه
تذكرت أول يوم رأته وأبتسمت أبتسامة مشتاقة تزامنت مع نزول الدمعة التي كانت مُتحجرة بعينيها وليس هناك أصعب من أختلاط الدموع بالأبتسامات ******************
علي مائدة الطعام أجتمع عمر ورؤي والأولاد لتناول طعام العشاء وما أن تناول عمر أول ملعقة من المكرونة حتي صاح في رؤي بعصبية:"كم مرة قلت لك أنني لا أتحمل الشطة في الطعام؟"....نظرت اليه بعدم فهم قائلة..:"أنا لم أضع الا القليل علي طرف الملعقة"...قال بضجر:"الوضع حقاً أصبح لايُطاق كلما طهوتي طعاماً أما ملح زائد وأما شطة زائدة ...ثم سعل بقوة قبل أن يقوم من مكانه ويدخل غرفته...أخذت هي ملعقة من المكرونة وتذوقتها وما أن أبتلعتها حتي سعلت بقوة وأحمرت عينيها ..فنظرت الي البنات نظرة مُتشككة قبل أن تقوم من مكانها هي الأخري لتلحق بعمر...قالت سهر لأخوتها بحيرة :"ماذا حدث لهم معقول القليل من الشطة يفعل ذلك وأخذت الملعقة لتتذوق الطعام فجذب عبدالرحمن منها الملعقة قائلا بحذر:"لا تأكلي من المكرونة عندك بانيه وسلطة كلي منهما"...نظرت سهر اليه والي سمر التي تلمع عينيها بخبث وقالت :"هل لكما دخل في هذا؟"....نظرت سمر الي عبدالرحمن بشقاوة قائلة :"برعاية أخي حبيبي"...ضحك عبدالرحمن ضحكة هادئة وقال بخفوت وعينيه تلمعان بشر:"أسمعي ياأبنتي نحن نعمل عملاً خيرياً بهذا ثم نظر لها نظرة تحذير قائلاً وأياك أن تفتحي فمك وألا قطعناكي أرباً أنا وأختك هذه"...نظرت اليه سهر نظرة مُتشككة ثم قالت :"وما هذا العمل الخيري أذن؟"...قال شقيقها بهدوء:"هي لها أسبوعان ترتدي العدسات الخضراء فالأن بعد أحمرار عينيها ستضطر الي خلع العدسات لنري عينيها السوداوان..الجميلتان"أردفت سمر بشقاوة:"الضيقتان"...ضحكت سهر علي أفعال أخوتها وصمتت وهي تشعر أنها تجلس مع ريا وسكينة وليس عبد الرحمن وسمر.....
بعد قليل وقف عبدالرحمن في الشرفة يتحدث الي والدته التي كانت لاتزال في طريقها للبيت ...قال عبدالرحمن باهتمام:"خيراً فعلت أنك لم تتأخري هناك فاليوم الجو شديد البرودة"....قالت له فريدة بحنان:"لاتقلق حبيبي أنا أقتربت من المنزل وعندما أصعد سأحدثك أيضا"....
في هذه اللحظة دخل عمر الي الشرفة يرتدي حلة رياضية ثقيلة تناسب الطقس البارد فقال لعبدالرحمن باستفهام:"مع من تتحدث حبيبي؟"....التفت اليه عبدالرحمن ثم قال:"مع أمي"....حانت منه نصف ابتسامة ثم قال لأبنه :"كنت أريد أن أتحدث معها أعطني الهاتف"...نظر عبدالرحمن الي والده ولمح شبح الابتسامة لايزال علي وجهه فقال لأمه:"أمي..أبي يريد أن يتحدث معك"...ثم أعطاه الهاتف فقال له عمر :"بأمكانك الجلوس مع أخوتك قليلاً"..نظر اليه عبدالرحمن بشك ثم أومأ له برأسه دون كلام قبل خروجه من الشرفة...وضع عُمر الهاتف علي أذنه وأجلي صوته قائلاً :"أهلا فريدة كيف حالك؟"....قالت له بنبرة صوت طبيعية:"أهلا بك بخير حال الحمد لله"..صمت قليلاً يحاول أن يستجمع بعض الكلمات..فقالت له باستفهام:"هل هناك شيء؟"....تنحنح وقال :"نعم ..قسط مدرسة الأولاد هل أدفعه أنا أم أرسله لك وتدفعيه؟"....قالت فريدة :"يمكنك أنت أن تذهب لدفعه لأني أكون في عملي في الصباح "...مط شفتيه بغيظ وصمت فقالت له بنفس النبرة الطبيعية جداً الخالية من أي غضب أو حنق أو حب أو كره... الخالية من أي مشاعر :"حسناً عمت مساءاً"..قال بسرعة قبل أن تُغلق :"فريدة كنت أريدك في أمر أخر"..قالت له بنبرة مُتعجلة:"هل يمكن أن نؤجله لوقت لاحق لأني أقود علي الطريق السريع الان "...رفع حاجباً واحداً مُستنكراً ومط شفتيه بحنق وظهرت نظرة خطرة في عينيه في حين أغلقت هي الخط ...نظر الي الهاتف ليتأكد أنها بالفعل أغلقت الخط ثم أردف بحنق ما أن وجد صوته :"أذهب أنت لأن لدي عمل في الصباح!...ونؤجل الحديث لوقت لاحق لأنها تقود !!!!
في نفس الوقت كانت رؤي تدخل الي غرفة المعيشة تسأل عن عمر فقالت لها سمر التي كانت جالسة علي الأريكة تتابع فيلماً أجنبياً هي وأخوتها.:"أبي في الشرفة يتحدث مع أمي في الهاتف"...أرتفع حاجبي رؤي بدهشة وغيظ في ان واحد ثم قالت:"ماذا!! ثم أردفت أقصد لماذا هل هناك شيء؟؟"...قالت سمر ببراءة مُصطنعة:"لا أدري فأبي حين يتحدث مع أمي يكون صوته مُنخفضاً جداً"...انقلب وجه رؤي ثم دلفت الي الشرفة بسرعة في حين رفع عبدالرحمن كفه ليضرب بها علي كف سمروانفجرت سهر في الضحك
******************
وقف تيمور في نافذة غرفة والده بعد أن أطمئن أنه تناول الطعام والدواء..... لقد أصابه الهلع حين أتصل به والده بعد العصر وسمع صوته الغير مُطمئن بالمرة وهو يشتكي له من ضيق شديد في صدره وضربات قلب مُتسارعة وماهي الا ربع ساعة حتي كان عنده ومعه الطبيب الذي أعطي له العلاج المناسب وأوصي بعدة تحاليل لذلك لم يستطع حضور حفل خطبة ماريان وماهر ....تناول هاتفه وفتح موقع التواصل الأجتماعي ليجد فريدة قد شاركت أغنية منذ عدة دقائق.. أستمع الي الأغنية وشعر أنها بها شيئاً..أتصل بوليد الذي رد عليه في التو قائلاً:"طمئني كيف حال الدكتور فؤاد؟"....قال تيمور وهو ينظر الي والده الذي غفي قليلاً:"الحمد لله أخذ دوائه وسنقوم بعمل التحاليل ما أن يستطيع الذهاب بأذن الله ..ثم أردف قائلاً:وليد أين هي فريدة؟"...قال وليد:"لقد أنصرفت منذ قليل ثم أردف بخبث بعد أن علمت أنك لن تحضر"..قال تيمور باهتمام:"ألم تُخبرها بأن أبي مريض؟"...رفع وليد حاجبيه كطفل صغير وقال:"لا بل قلت أن لديك ظرفاً عائلياً..فلايكون واضحاً بالضبط سبب غيابك ربما لديك مُناسبة سعيدة ربما تخطب مثلاً أنت الأخر..قال تيمور بضجر:"ماحركات الأطفال هذه؟"...قال وليد مُدعياً الجدية :"حركات الأطفال هذه جعلت وجهها يتحول الي عدة ألوان في ثانية واحدة"...قال تيمور بجدية وحزم:"وليد من فضلك لادخل لك بفريدة منذ اليوم ..لا تضايقها بكلماتك..لاتنظر اليها لتري ردود أفعالها فليس لك دخلاً بهذا الأمر من الأساس وياحبذا لو لاتلقي عليها السلام من الأساس"...
قال وليد بتهكم:"أنت أذن من هذه النوعيات التي تغيرهم المرأة علي أصدقاءهم"...قال تيمور بحزم:"لادخل لك بها وأنا لم أتغير معك بل أنت من أصبحت سخيفاً في الفترة الأخيرة"..ضحك وليد بملء فمه وقال له:"وأنت أصبحت عاشقاً في الفترة الأخيرة"...
أنهي تيمور المكالمة مع صديقه وماهي الا عدة دقائق حتي سمع صوت سيارة فريدة تتوقف بالخارج فأزاح الستائر الثقيلة من علي النافذة ووجدها بالفعل تخرج من سيارتها .....خرجت فريدة من سيارتها وهي في حالة من عدم التركيز والشرود وما أن وضعت قدمها علي الأرض حتي انثننت قدمها وسمعت صوت كعب حذائها العالي الجديد يُكسر...نظرت اليه بضجر وقالت بحنق:"اليوم ليس يومي علي الاطلاق"..رغم أن الساعة لم تكن تجاوزت الثامنة بعد ألا أن الشارع كان هادئاً ومدخل العمارة خالي تماماً و أضاءته ضعيفة..ربما بسبب برودة الجو ...أغلقت سيارتها بأحكام ودلفت الي مدخل العمارة بيدها اليمني حذائها ذا الكعب المكسور وبيدها الأخري تمسك طرف فستانها الطويل تسير حافية القدمين حتي وصلت الي البوابة الداخلية فتحتها وأغمضت عينيها وهي تدندن بصوت مسموع به بحة طبيعية دافئة...وأزاي بس ادري وأزاي يبقي جاري واتشوق اليه.....دارت حول نفسها دورة كاملة ما أن دلفت للداخل وهي تدندن وماأن فتحت عينيها حتي وجدت تيمور بكامل هيئته مُتمثلً أمامها يقف بجوار شقة والده يستند بكتفه علي الجدار أجفلت بشدة حين رأته ودوت من حلقها شهقة مكتومة وسقط من يدها حذاءها..فقال لها بابتسامته الهادئة التي أصبحت في الأيام الاخيرة تتحالف مع نظرة عينيه وكأنها تود قول الكثير :"لا تخافي أنه أنا"نظرت اليه نظرة صامتة وقالت لنفسها بيأس:"هذا الوضع لن أستطيع تحمله ..هاهو يظهر لي في كل مكان كعفريت العلبة..الصبر من عندك يارب" ..قال تيمور وهو ينزل الدرجات القليلة الفاصلة بينه وبينها:"أبي مرض بشدة اليوم لذلك لم أستطع الذهاب الي الحفل "...أخيرا ًنطقت وقالت بجزع:"مابه ؟ماذا حدث له"...قال لها وهو يدقق النظر في فستانها الأنيق بشدة وزينة وجهها الرائعة...وقدميها الحافيتين :"هو بالداخل مع سالم وسميرة يمكنك الاطمئنان بنفسك "
لم تنتظر بل تجاوزته بسرعة وما أن مرت بجانبه حتي أشتم رائحة عطرها الهادئ الذي لايستطيع شمه الا كلما حالفه الحظ وأقترب بالصدفة....قال لها بصوت مُتحشرج بعد أن تجاوزته سأذهب أنا لأحضر له الدواء"
لم ترد عليه وهرعت لتطرق الباب ....ففتحت لها سميرة ..دلفت الي الداخل وقالت لسميرة بقلق :"أين الدكتور فؤاد"...قالت سميرة وهي تُشير للداخل "بغرفته ثم أردفت أنا كنت ارتب له المطبخ بعد أن طبخت له عدة أصناف للغد ولكني لاأستطيع أن أكمل وفرحة علي يدى وسالم بالحديقة ينظفها"
أخذت فريدة فرحة من يدها ودلفت للداخل وما أن راته نائما ً في سريره حتي جلست بجواره ووضعت كفها علي وجهه قائلة بقلق:"أبي ماذا بك؟"....فتح عينيه في هذه اللحظة قائلاً بارهاق:"بخير حبيبتي لا تقلقي"...
قالت له :"ماذا حدث الم أكن معك بالصباح وكنت بصحة جيدة"...قال بابتسامة مُرهقة سبحان مُغير الأحوال ياابنتي نحن ليس لنا في أنفسنا شيئاً "..جلست بجواره وربتت علي يده الموضوعة علي صدره بحنان ووضعت فرحة التي كانت تريد أن تنام علي صدرها
بعد فترة عاد تيمور من الخارج وقد أحضر الدواء لوالده فوجد سميرة مازالت تقف في المطبخ وسالم في الحديقة ...دخل الي غرفة والده وما أن نظر للداخل حتي وجد والده يرقد في سُبات عميق و فريدة تجلس بجواره وتسند رأسها علي ظهر السرير يبدو أنها غفت دون أرادتها بجواره ابتسم حين رأي فرحة هي الأخري نائمة علي صدر فريدة تحتضنها بذراعيها كأنها قطعة منها ..أقترب منها حتي أصبح يقف فوق رأسها مُباشرة وأبتسم حين وجدها مُتشبثة بفرحة حتي وهي نائمة فقال لنفسه وهو يزفر زفرة حارة:"ألن يكون لي أنا أيضا نصيباً من هذا الحنان الدافق".....مال عليها حتي أصبح وجهه مُقابلاً لوجهها وحاول أن يأخذ منها فرحة ولكنها تشبثت بها وفتحت عينيها في نفس اللحظة لتجده يميل عليها ووجهه قريبا من وجهها بهذه الدرجة ..لم تستطع نطق أي كلمة .. ظنت نفسها مازالت نائمة وتحلم وما أجمله من حلم أما هو فلم يستطع رفع نظره عن هذه اللوحة الرائعة المُتجسدة أمامه بعينيها البندقيتين الواسعتين وبشرتها الناعمة التي تشبه بشرة فرحة تماماً وشفتيها اللتان تشبهان قطعة الكريز الشهية ولكنه توقف كثيراً عند طابع الحُسن الذي يُزين أسفل ذقنها كان جلياً وهي ترفع وجهها اليه هكذا..وزينة وجهها هادئة ناعمة مثلها..ما أن وجدت صوتها وتأكدت أنها لاتحلم حتي أجلت صوتها قائلة بتوتر :"غفوت رغماً عني أعتذر " قال بصوت هارب منه وهو يبتعد قليلاً :"لا عليك أنا كنت سأأخذ منك فرحة فقط حتي لاتسقط دون أن تنتبهي"...
قامت من مكانها دون كلمة أخري وأخذت فرحة أعطتها لسميرة بالمطبخ وأخذت حقيبة يدها الفضية التي تشبه حذائها من علي المقعد المجاور لباب الشقة ...لم تكن تدرك بعد أنها تسير حافية القدمين الا بعد أن جاء تيمور من خلفها وقال بصوت خافت وهو يشير علي شيء موضوع بجوار باب الشقة من الداخل :"فريدة لقد أصلحت لك حذائك للتو أرتديه"...نظرت اليه ونظرت للحذاء وقالت بخفوت :"لهذا تأخرت؟"...أومأ لها برأسه أيجابا فأبتسمت نصف أبتسامة ووضعت قدمها في الحذاء ليزداد طولها عدة سنتيمترات جعلتها لا تشرأب عنقها كثيراً وهي تنظر اليه ... لمح دمعة متحجرة في عينيها أصبح يراها كثيراً في الأيام السابقة ..فأدارت له ظهرها وفتحت باب الشقة وخرجت منه فخرج خلفها ..كانت الأضاءة خافتة ولكن هذا لم يمنعه من رؤية وجهها الذي يبدو عليه الألم قال لها في محاولة منه للتأكد من مشاعرها:"فريدة أنت بك شيئاً غريباً"...نظرت الي عمق عينيه العسليتين التي شعرت وهي تنظر اليهما أن الشمس قد سطعت في غير موعدها وقالت بهمس:"مثل ماذا ؟"..قال وهو يقترب منها حتي أصبح يقف مواجهاً لها في مدخل العمارة الواسع الذي تحول في هذه اللحظة وهما يتواجهان الي مكان ضيق لايتسع سوي لشخصين:"فريدة هل هناك نية منك للرجوع لوالد أبناءك"...نظرت اليه نظرة مُطولة ثم قالت بفتور:"لا"...قال بارتياح وهو يضع كلتا يديه في جيبي بنطاله:"ظنت أن سبب شرودك في الفترة الماضية أن يكون هذا هو السبب أو ...." قالت له وعينيها تتعلق بعينيه:"أو ماذا؟؟".....قال بلهجة ذات مغزي:"أو أن يكون هناك حُباً جديداً"...مطت شفتيها بيأس وتذكرت حديثها في الصباح مع الدكتور فؤاد ثم قالت له بشرود:"وهل كان هناك حُباً قديماً من الأساس؟؟ ثم أردفت بيأس دون أنتظاررده:هل تعلم أنه يحدث أن يبني الأنسان حياته علي شيء ويعيش فيه عُمراً كاملاً ليكتشف في النهاية أنه وهماً...يحدث أن يعيش الأنسان عمراً مع الشخص الخاطيء وحين يأتي الشخص الصحيح يأتي في الوقت الخاطيء وقتها يتمني الأنسان لو لم يكن عاش حياته في هذا الوهم و يحاول الأعتذار للشخص الصحيح أنه لم يخلص له رغم أنه في الأساس لم يكن يدرك شيئاً عن وجوده "...
كانت تعلم أنها تهذي وأن كلامها غير مُنظم ولكنها وجدته ينظر لها نظرة حزينة كأنه يشعر بكل الامها فقالت له بصوت مختنق بالبكاء:"هل تفهم شيء مماأقوله؟"...أشار لها برأسه أيجاباً....فقالت له بصوت مُختنق قبل أن توليه ظهرها وتفتح باب المصعد :"هل رأيت سوء حظاً أكثر من ذلك"....قال لها بصوت يملؤه الحسرة وهو ينظر مُباشرة في عينيها قبل أن يُغلق باب المصعد عليها:"نعم رأيت"
*************
بعد عدة أيام
أستيقظ في الصباح في موعده ؛جلس علي سريره قليلاً يُفكر في خطواته القادمة... لقد قرر أن يُفاتحها اليوم في أمرهم بعدما شعر أن مافي قلبه تجاهها يماثله شعوراً له في قلبها....سيتحدث معها في كل شيء سيفتح لها قلبه ...يشعر بالحماسة والخوف معا شعوران مُتناقضان فلابد له أن يحسم أمره معها وهو مُتفائل هذه المرة ...يشعر أنها مُختلفة عن أي فتاة عرفها..أبتسم وهو يتذكر ضحكتها الخجولة وردود أفعالها العفوية وبراءة ملامحها ..يعشق سمار بشرتها الهاديء ..كل مافيها يبهج قلبه....."سامر هل صحوت حبيبي..كنت للتو سأوقظك"...دلفت أمه الي حجرته وقطعت أفكاره فاعتدل جالساً فجلست بجواره تُربت علي كتفه بحنان .أمه قطعة من قلبه ضحت من أجله ومن أجل أخوته بكل غالي بعد وفاة والدهم ...لايستطيع أن يرفض لها طلباً أو يراها حزينة.....ربت علي كتفها وقبل رأسها بحب قائلاً:"صباح الخير حبيبتي "...قالت له بتردد لأنها تتوقع رده ولكنها لاتستطيع ألا تتحدث في هذا الأمر:"خالتك أرسلت لي صورة بالأمس لأبنة جارتها فتاه حديثة التخرج في الحادي والعشرون من عمرها ثم ظهر الفرح علي وجهها شديد البياض شديد الأحمرار وأكملت :لابد أن تراها ياسامر تقول للبدر قم وتجلس هي مكانه "ثم همت بأخراج هاتفها من جيب جلبابها البيتي فأسرع سامر بأمساك يدها وتقبيلها قائلاً بلهجة لينة حتي لاتحزن:"أمي كم مرة قلت لك أنني لن أتزوج بهذه الطريقة...ثم أنها صغيرة جداً ياأمي هل سأأخذها لأربيها"....
قالت وفاء بلهجة حانية في محاولة لأقناعه :"ليست صغيرة لهذه الدرجة حبيبي...سنها مُناسب"....نظر لها سامر نظرة حانية ثم قال:"أنا في السابعة والثلاثين ياأمي"....قالت له وهي تضيق عينيها الخضراوتان كعينيه تماماً :"أنت سيد الرجال ياسامر أنت تستحق أجمل وأصبي فتاة حبيبي"...أبتسم سامر لها دائما هي تلقائية وعفوية ومافي قلبها يخرج علي لسانها بلا تفكير قال لها سامر :"أمي لاتشغلي بالك بهذا الأمر أنا غالباً وجدتها وسأحدثها في الأمر أولاً وأتأكد من موافقتها ثم أعرفك بها"....أنفرجت أساريرها وقالت له بلهفة:"من ؟؟وابنة من ؟؟وكم عمرها ؟؟وكيف تبدو؟؟...ثم قالت بتأثر وقد أمتلئت عينيها بدموع الفرح:"أشتاق أن أحمل أبناءك حبيبي" قبل يدها قائلاً بأذن الله ياأمي أتأكد فقط من رأيها ثم اعرفك عليها ثم نفض الغطاء عنه قائلاً لقد تأخرت"..قامت خلفه وسألته بلهفة :"من أين عرفتها وماأسمها"..أبتسم لها قائلاً:"تعمل معنا أمي وأسمها فدوي"..ثم تركها ودخل الي الحمام ....
بعد نصف ساعة أنهي سامر أرتداء ملابسه وتناول أفطاره وذهب الي العمل و دقات قلبه تتسارع تكاد تقفز خارج صدره
**********
جلست في مكتبة الجامعة الخالية من الطلاب في هذا الوقت من الصباح.. أخذت تبحث بين الأرفف عن كتاب مُعين بذهن شارد فمنذ أخر لقاء بينهم وهو أختفي تماماً ..أعتذر عن كل المحاضرات في الكلية ..أغلق هاتفه..وهذا أصابها بالأحباط ولكنها أتخذت قراراً منذ أخر لقاء لها به حين رأت حزنه وأنهياره...وكان قرارها هو أن لم يقترب هو منها خطوة فلن تقترب ...ستحافظ علي كرامتها ولن تلهث خلفه كما كانت تفعل طوال الأشهر الماضية أخذت عهداً علي نفسها ألا تتصل به هي وألا...قطع أفكارها صوت رنين هاتفها المتواصل فأخرجته من جيب بنطالها بفتور فمن سيكون المتصل سوي والدتها أو عمر ولكن عينيها جحظت وهي تري هوية المتصل لتجده عبدالله..تجاوزت صدمتها بسرعة وأجابته وهي تحاول أن تجلي صوتها حتي يخرج طبيعياً فقالت :"السلام عليكم أهلا عبدالله"...قال لها بنبرة هادئة:"عليكم السلام أهلا نسمة أين أنت ؟هل أنت في الجامعة؟"...أزدادت ضربات قلبها وهي تقول له:"نعم"...قال مُستفهماً:"أين بالضبط كنت أريد أن أراك"....قالت له بسرعة:"أنا في المكتبة المركزية"...قال وهو يتحرك بالفعل:"حسناً أنا بجوارك خمسة دقائق وأكن عندك"...ثم أغلق الخط...كان صوته طبيعياً أو حاول هو أن يبدو طبيعياً...أخذت الأفكار تتدافع في ذهنها..لماذا يريدها؟؟هل حدث شيء؟؟؟ جلست قليلاً تنتظره فلم تستطع الأنتظار فخرجت من المكتبة الي الرواق الفاصل بين باب المكتبة وبين بوابة المبني فأذا بها تجده أمامها وقفت في منتصف الرواق فأقبل عليها هو بأبتسامة خلابة قابلتها هي بأبتسامة مُنهكة من أثر عذابها طوال الأيام الماضية فقالت له ما أن وقف أمامها:"كيف حالك الأن؟"...قال بنبرة صوت تبدو في ظاهرها طبيعية وفي باطنها تحمل الكثير من الحزن:"الحمد لله أنا بخير..أنا فقط كنت أحتاج لوقت مع نفسي أراجع فيه حساباتي ليس أكثر ثم أردف وهو يمط شفتيه وتغيرت نظرة عينيه بعد سحابة الحزن التي طافت بهما للحظة:"أنا حقيقة أشكرك نسمة لأهتمامك الفترة السابقة وأعتذر علي الوضع الذي رأيتني به أخر مرة لم أكن أحب أن أبدو كذلك أمامك"...
قالت بنفس الابتسامة المنهكة لتخفف عنه وفي الحقيقة هي تحتاج من يخفف عنها:"كلنا نمر بهذه اللحظات المهم الا تسيطر علينا وتُحيل حياتنا جحيماً"...
قال عبدالله:"أنا فقط كنت أحتاج بعض الوقت لأتمالك نفسي ثم أردف بصوت مُنخفض وعلي الأنسان أن يراجع نفسه ويعترف بأخطاؤه أيضا ولا أنكر أنني لمت نفسي حين شعرت كم كنت أناني وأنا أطلب منها البقاء معي وهي تشعر بافتقاد شئ هام في حياتها معي لقد راجعت نفسي ورأيت أن من يحب أنسان لابد أن يتمني له السعادة ومادامت هي سعيدة فالمفروض أن أكون سعيداً لسعادتها أنا بعد أن فكرت بهدوء وموضوعية لا ألوم عليها سوي في شئ واحد وهو أنها أعطتني أمل أنها ربما تعود ولم تكلف نفسها عناء أبلاغي أنها أخذت قرارها ثم أردف بشرود أو ربما خافت علي مشاعري حتي لا أظلمها"...أمتقع وجهها حين رأته كيف يتحدث بتأثر وهو يحاول أن يجتاز حبها.وهو يحاول أن يوجد لها المبررات..
صمتت ولم تعرف بماذا ترد فأكمل هو مُدعياً الصلابة :"لقد جئت اليوم لأشكرك أنك وقفت بجواري في الفترة الماضية وكنت داعما لي "...قالت له بتساؤل:"هل أفهم من هذا أنك أجتزت هذه الأزمة بهذه السرعة؟"...قال بثقة:"لابد أن أجتازها فأنت كنت مُحقة لقد ضاع من العمر الكثير أنا بالفعل أفكر حاليا في كلام عمتي نرجس وهو أن أحاول بدء حياتي مرة أخري مع أمرأة بظروف تناسب ظروفي ثم أردف بيأس لقد سئمت الوحدة يانسمة وأصبحت لا أقدر علي الحياة بمفردي ثانية...كنت في الماضي أنتظر الغائب عله يعود أما الأن وقد أيقنت باستحالة العودة فسأحاول أن أتجاوز الماضي بكل مافيه"..قطع أسترساله في الحديث صوت هاتف نسمة الذي أرتفع فكتمت هي الصوت وعادت الي حوارها معه قائلة بسعادة:"حسناً فعلت لا تعرف مدي سعادتي بقرارك هذا وأنك لم تستسلم لحالتك لوقت أطول"..قال لها :"صدقيني كلماتك لي ونحن في المدرج أخر مرة كانت تتردد في أذني طوال الأيام الماضية كانت كالصفعة علي وجهي التي جعلتني أستفيق"..أبتسمت له أبتسامة متوترة وأرتفع صوت هاتفها مرة أخري فقالت له :"ثانية واحدة عُمر يلح في الأتصال ثم أجلت صوتها قائلة نعم عُمر..."...قال عمر:"أين أنت ؟"...قالت :"أنا في الجامعة هل هناك شيء؟"...قال لها :"لا أسأل فقط في أي مكان بالضبط؟"...قالت له :"في المكتبة"...قال :"حسناً نسمة عندما تنتهين مري علي سأذهب معك اليوم"..قالت له وهي تُسرع لتغلق الخط:"حسناً سأنهي ما أفعله وأمر عليك مُباشرة"...أنهت الأتصال معه علي عجل ووضعت هاتفها في جيب بنطالها ونظرت الي عبدالله الذي أبتسم لها قائلاً:"وقفنا عند الصفعة التي جعلتني أستفيق... فبدأت أفكر جدياً في كلام عمتي ...ثم أبتسم أبتسامة يائسة وهو يرفع حاجبيه ويمط شفتيه قائلاً :باقي فقط أن أجد أمرأة ترضي بظروفي ولا يكون في حسبانها أن يكون لديها أطفال"....كان يتحدث معها كأنه يتحدث مع صديق له...هل يقول أنه يبحث عن زوجة الان؟؟هل فعلا من الممكن أن تراه مُتزوجاً فجأة من أمرأة أخري؟؟...هل ستحتمل هذا العذاب مرة أخري؟؟جالت كل هذه الأفكار في ذهنها في أقل من الثانية وكان قلبها يضرب في صدرها بعنف ولم تدر بنفسها الا حينما قالت له بصوت حاولت أن يبدو طبيعيا:"أنا"...ضيق عينيه ونظر في عمق عينيها قائلاً:"أنت ماذا؟؟"قالت له بثقة زائفة وبلهجة تبدو طبيعية حتي لاتعكس مدي الأهتزاز الذي يحدث بداخلها:"أنا طُلقت قديماً لعدم الأنجاب أيضا..وبالتأكيد لن أمانع أن أتزوج شخص مثلي"...
نظر اليها عبدالله مُتفاجئاً فلم يكن يعرف من قبل معلومة أنها طُلقت لهذا السبب لم يذكر له عمر سبب طلاقها قديماً وبالطبع لم يسأل هو أيضا..نظرت اليه نسمة وهما يقفان بمفردهما في منتصف الرواق وأدركت للتو أنها نطقت بكلمات لم يكن عليها النطق بها ..تمنت أن يكون حوارهم هذا علي وسيلة من وسائل التواصل الأجتماعي وقتها كانت تستطيع الضغط علي زر الألغاء ...ولكن الكلام خرج من بين شفتيها بالفعل والتقطته أذنه ولم تكن تدري أن ليس عبدالله فقط من سمع كلماتها المندفعة المتسرعة التي لم تحسب لها حساباً وهي تنطقها كالخرقاء ولكنها من أندفاعها لم تُغلق الهاتف جيداً وأن عُمر قد أستمع الي الحوار من أوله وكان يضع الهاتف علي أذنه وأستمع لكل كلمة ولسوء حظها كان بالقرب ولم يأخذ دقائق وأصبح عندهم...نظرت الي عبدالله المٌندهش أمامها وخلفه مباشرة ظهر عمر وكان شكل وجهه يغني عن أي كلام أقترب منهم والغضب يطل من عينيه وكل قسمات وجهه ليجذبها من ذراعها بعنف قائلاً وهو يجز علي أسنانه :"هل وصل بك الحال أن تعرضي نفسك عليه؟...من يستمع الي حديثك يظن أنك لا يطرق بابك كل شهر عريساً وترفضينه"...تمالك عبد الله نفسه وقال له وهو يراه يقبض علي ذراعها بعنف :"أهدأ ياعمر لم يحدث شيء لكل هذا"....جذبها عمر بالفعل لتقف بجواره وكانت ملامحها مصدومة لاتعرف من أين علم بشأن حوارهم..أخرجت الهاتف من جيبها فوجدت أن المكالمة مازالت مفتوحة فأدركت ماحدث.
نظر عمر حولهم فوجد الرواق خالياً فاقترب من عبدالله وهو مازال يقبض علي ذراعها بقبضته العنيفة وقال له بغيظ:"أخرس أنت "..جذبها وحاول الأبتعاد ولكنه توقف والتفت الي عبدالله قائلا بغيظ:"سمعتك تتحدث بشأن صفعة أخذتها علي وجهك ثم أعقب كلماته بلكمة عنيفة علي وجه عبدالله الذي تفاجأ بها ليكمل عمر :"هذه لكمة عوضاً عن الصفعة حتي لاتتباسط في الحديث مرة أخري مع أخت صديقك ..أو من كان صديقك"...جذبها للخارج بعنف وترك عبدالله واقفا في مكانه مذهولاً لايصدق مافعله عمر ويتحسس وجهه موضع اللكمة بصدمة

نهاية الفصل الثامن


Heba aly g 20-04-20 11:02 AM

قراءة ممتعة حبيباتي منتظرة رأيكم في الفصل بستمتع جدا بمناقشاتكم بعد كل فصل وبكون سعيدة بكل تعليق

Heba aly g 20-04-20 11:04 AM

وبأذن الله يوم الاربعاء القادم قبل رمضان مباشرة هينزل الفصل الثامن

Doaa hussien 20-04-20 01:13 PM

جميلة ياهوبة ⁦❤️⁩

Megd 20-04-20 01:29 PM

فصل رائع العاده حبيبتى
ربنا يوفقك

Mini-2012 20-04-20 01:44 PM

رمضانك مبارك
وكل عام وأنتم بخير

🤩🤩🤩🤩 🤩🤩🤩 🤩🤩 🤩

salwa habiba 20-04-20 02:02 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Heba aly g (المشاركة 14822700)
لا حبيبتي مين قال سبع فصول بس احنا قلنا نزل منها سبع فصول ولسة طبعا لم تنتهي احنا لسة بنقول ياهادي باذن الله في فصلين الاسبوع ده وتكمل بعد رمضان بأمر الله

بالتوفيق ياااااااااااااا رب :31-1-rewity::31-1-rewity::31-1-rewity:

Megd 20-04-20 02:09 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة heba aly g (المشاركة 14822926)
وبأذن الله يوم الاربعاء القادم قبل رمضان مباشرة هينزل الفصل الثامن

فى انتظار الفصل التاسع على احر من الجمر

Noha Fathy 20-04-20 02:53 PM

هرم الجيزة
 
السلام عليكم انا متابعة جديدة و سعيدة جدا بكده
كل العلاقات بالنسبالى مهضومة الا علاقة فادى بأمانى
هل هو فقد الامان بموت امه فراح اجوز واحدة فى سن امه


الساعة الآن 02:39 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.