22-04-20, 02:46 PM | #1 | |||||||||||
مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| عـليـاء _ قصة قصيرة بقلم د.هانى حجاج تأليف ورسم/ د. هاني حجاج =========================== لأسباب لا أعرفها بوضوح قرَّرت أن أسقط في حيرة شديدة. في الظاهر يرون الكهل الهاديء يُنهي عمله بهدوء في عيادة المستشفى. يعزف عن أي نشاط زائد ليمارس عادة الكتابة اليومية. هواية نصف خفية نصف معلنة، لا شهرة ولا عائد مُجز، ولا معنى لها ربما سوى العادة.. عدا مجاملات الأصدقاء فلا أحد يلتفت لما يتصادف نشره مما يكتبه بانتظام. تدخل في هذه المجاملات التعليقات الباسمة لباسنت التي ينوي خطبتها لكنه يؤجل الأمر، كالعادة. لماذا؟ لأن باسنت تحبه كثيراً. ترمقه بإعجاب ولا ينكر أنه يحب نفسه وهو يتكلم، وأن يسمع صوته. لكن الشوق لمروة حارق. قصة حب قريبة انتهت. غيرة مجنونة من الجانبين. عصبية وحماقة. أنت ممثل. أنتِ غبية. سرعان ما تقبل بأول من يخطبها. تركْتَني لأنك غبي. كنتِ إذن تمثلين! ذكريات مروة ولقاءات حديقة الأزهر بعد العصر. الهناء الواعد إذا خطب باسنت في هدوء ويُسر بلا فلسفة أو مشاعر على الحافة. قصة الصباح وأنشودة النهار وعذاب كل ليلة: كيف يستعيد مروة؟ يترصَّدها عند خروجها من البيت أو عند باب مكتبها في العمل كالمراهقين أم يُرسل كلمات موجزة بليغة تخربش قلبها برفق؟ لماذا يغدو تجاوبه مع حماس باسنت ثقيلاً؟ لماذا يتجهَّم بالأيام ويبرُد، كلما زادت لهفتها ودعواتها بزواجهما القريب, إن شاء الله؟! يترنح بين هذه وتلك ويدفعه خيال نزق إلى قصاصات سابقة من ذاكرته فيتحضَّر لرد فعله إذا التقى مروة مصادفة: يشيح بوجهه في كبرياء جارح أو يبتسم في مسكنة واستكانة وترحيب. لكنه رجل طيب رغم طول لسانه ولا يجب أن تبيت باسنت حزينة لجفوته, ليهاتفها ويريح ضميره. تجديدات تتم في المستشفى, الحركة الطارئة دمها خفيف, لكن الروتين يعود سريعاً كما الملل. مهندس البرمجيات يقنعه أن نظام تشغيل النوافذ ليس معطوباً وببعض الصبر والحكمة والدقة وعون عدة برامج خارجية يعود النظام إلى نشاطه المنتظر. لكنه يراوغ الضجر فيرفض. بل اهدم كل شيء وابدأ من جديد, لا معنى لبناء سليم فوق خرائب. يخبره الخبير أن النظام يبدو تالفاً في الظاهر فقط لكن الامتدادات قوية ومستعدة للاستمرار. يُسلِّم بالأمر الذي يراه عبثياً. يدهشه أننا ندقق كثيراً في نظام الحضور والانصراف، ومنطقية تشغيل صندوق من الحديد، لكن حياتنا قابلة لتفكك سهل وعاهات مستديمة في كل وقت! اليوم كالح سخيف. الممرضة في إجازة والمرضى تكدَّسوا على باب العيادة بصخب شعبي محض. استدعى الحكيمة في تبرُّم فأرسلت إحدى تلميذات مدرسة التمريض اللاتي يتدربن بالمشفى لمعاونته. تسجيل التذاكر وقياس الضغط. مزاجه متعكّر والبنت نشيطة لكنها غير معتادة على هذا الضغط. يخبرها بملاحظة هنا وإشارة هناك فتبتسم بتلقائية ابتسامة ضيقة معتذرة مختصرة. المريض يليه الآخر, وسادة الضغط تمتليء وتحتقن وتفرغ الهواء. عمود من الزئبق يصعد ويهبط. سائل معدني مشاكس محبوس في أنبوب زجاجي يرفعه الهواء وتخفضه لمسة إصبع بنت الستة عشر عاماً. انقباض. انبساط. نبض. طريق العودة هو هو. لكني حاولت أن أبدد هذا الصوت المكتوم, فشددت على يدي بقوة. لا لم أرها بوضوح. هل هذه هي العلامة القديمة؟ أيام كنت في المدرسة. الوجه الذي تحبه لا تتذكر ملامحه أبداً. تتذكر كل الوجوه إلا هو. وشعرت بشيء عابر. كشبح يمر في الصالة وقت الغروب. ربما كانت نسمة سعادة. وزمان كانت السعادة عندي طقسية. تيارات هواء شديدة أو غبار خانق أو موجة حارة موسمية. ولكن الذي حدث لي عندما ابتسمت هذه الفتاة. عندها غمازة على كل جانب إذا ابتسمت. الإبر التي غرزتها توخز وجداني برفق خطير. سن إبرة رفيع قادر على تدمير منطاد. هو كذلك مس أسطوانة أيامي المشروخة فخرجت نغمة جديدة لم تكن في الحسبان. لحن شقي رشيق له نفس التأثير الممتع المُتعِب؛ على طرف لسانك ثم يغيب للأبد. أحاول أن أستعيد الابتسامة لأتذكَّر معها رسم الشفة فوق الشفة وغمازة هنا وغمازة هناك والعيون المراهقة المرهقة. حاولت نسيان شهادة ميلادي والفكرة التالية وعبث الأيام. أغلقت باب حجرتي بهدوء لأُخرِج الآخر مني. أعيش خارجي قليلاً. أنا الآن جميل وكثير, أمد مشاعري نحو الخارج, ولو مؤقتاً. ضبطت نفسي متلبساً بالرذيلة القديمة؛ اختراع الحوار الوهمي, كلامي وكلامها. أسعدني أن الآخر العاقل أخرسني وأجبرني على تأمُّل نفسي في حالة النشوة. خرجت مني همسات تشبه الاحتجاج لكنها تعثرت في تجربتي لرسم ابتسامتها على وجهي. أنت أحمق. أنت عابث. كبرت وخرفت. السابق اللاحق. أناني. هوائي. عجيب. يجوز. ربما. احتمال كبير. كل شيء جائز. ممكن. نعم ولا وبين بين. لكن النشوة حقيقية بلا جدال. والأكيد الأكيد أن (علياء) قد سرقت قلبي! | |||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|