آخر 10 مشاركات
لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          فى مهب الريح " متميزة " ... " مكتملة " (الكاتـب : الزينب - )           »          على أوتار الماضي عُزف لحن شتاتي (الكاتـب : نبض اسوود - )           »          تنظيف كنب بالخبر (الكاتـب : صابرين المغربى - )           »          في غُمرة الوَجد و الجوى «ج١ سلسلة صولة في أتون الجوى»بقلم فاتن نبيه (الكاتـب : فاتن نبيه - )           »          الإغراء المعذب (172) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 2 سلسلة إغراء فالكونيرى ..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          ثأر اليمام (1)..*مميزة ومكتملة * سلسلة بتائل مدنسة (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          588-المساومة -ديانا هاميلتون -ق.د.ن (الكاتـب : Just Faith - )           »          انتقام عديم الرحمة(80)للكاتبة:كارول مورتيمور (الجزء الأول من سلسلة لعنة جامبرلي)كاملة (الكاتـب : *ايمي* - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة

موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-05-20, 04:25 PM   #1

نوكسي

? العضوٌ??? » 471359
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 12
?  نُقآطِيْ » نوكسي is on a distinguished road
افتراضي صاحبة الشَّعر الدَّامي.


مدخل.




في 21 من شباط 2013.

كانت الأمطار تهطل كما لم تفعل قبلا، في قرية صغيرة مهجورة في جبال إيواتي. الغيوم الرّماديّة تخيّم على المكان وتجعلك تشعر أنّك في ظلام دامس، حتّى إن كانت الشّمس مشرقة خلفها، ورغم أنّ المكان لم يكن يغلب عليه الظّلام بل مجرّد لون رماديّ خفيف إلاّ أنّني شعرت أنّ المكان يشعّ سوادا، ربّما كان ظلاما داخليّا...مجرّد وهم.

خلف تلك الأشجار على السّاعة السادسة صباحا من ذلك اليوم...

-كلّه بسببك، بسببكم أنتم. أنت أجبرتني على هذا. أنا آسفة، أنا حقّا آسفة...

باكية قالت:

-حسنا أظنّ أن ّ لا أحد منّا ضحك في النّهاية. لكن كما أجبتك سابقا " لا أخلف أيّا من وعودي"...

كانت تقف امرأة أربعينيّة وسط العاصفة، خلف منزل حجريّ قديم، تحتمي داخل معطف أسود داكن، ينسدل عليه شعرها القرميدي المسود كما جعلته الأمطار يبدو.. تحمل مجرفة وتحفر في الأرض على عمق قدمين وعلى طول حوالي ستّة أقدام. تتابع الحفر.. ينسدل شعرها على عينيها فترمي المجرفة بعيدا وهي تلهث تعبا أو خوفا ربّما، تتسلّق الحفرة بصعوبة وهي تبعد شعرها عن عينيها فيظهر جرح بشع يقطع جفنها الأيسر وصولا إلى شفتها العليا...

-إلى متى سأفعل هذا.. متى أرتاح...

ملطّخة بالوحل قالت:

-إلى أن لا يبقى أثر، لن يكتشف شيء، كما اعتدت عملي دائما.. كاملا، مثاليّا...

تنظر إلى السّماء، قطرات المطر تصطدم بوجهها وكأنّها تقول لها شيئا.. تنبّهها لشيء ما فتغمض عينيها و تقول:

-إلى متى ...؟

في الجهة اليمنى لها يقبع رجل ملقى على الأرض، وجهه مغطى بالدّماء، ويصحّ أن أقول كلّ جسده.

تغسله الأمطار...

...رجل ميّت...

-إلى متى بعد...؟

اقتربت منه، مررت بيدها على وجهه وقالت.

ـ جرح بشع..

"يشعّ ظلاما"(أليست عبارة غريبة؟!) ...











. الفصل الأول

رواية هينا كويزومي .





كان كلّ شيء أسود...كلّ شيء...لا أستطيع رؤية أيّ شيء...فقط الظّلام...لا لون غير الأسود...أين أنا؟ فتحت عيناي ببطء.

فتحتهما، أغلقتهما...كان هنالك الكثير من النّور. لم أستطع رؤية شيء بوضوح، النّور أم الظلام لم أفهم شيئا...أين أنا؟

هنالك امرأة برداء أبيض، أنا على سرير...لكن ليس سريري، هذه ليست غرفتي...

هنالك نافذة، ستار أبيض...كلّ شيء أبيض، ما الّذي تفعله هذه؟ لم أدرك شيئا؟ هاجمتني كلّ هذه التّساؤلات في وقت واحد، كانت تخيفني. فقط التّفكير في أنّك قد تستيقظ في مكان لا تعرفه أمر مخيف. فكيف إذا حدث حقّا؟

_استيقظت أخيرا. أتسمعينني؟ هل يمكنك رؤيتي بوضوح؟

لمست رأسي، الكثير من الألم، صداع فضيع لا يمكن وصفه، كان رهيبا. تألّمت بشدّة، لكلّ شيء ثمن باهظ...قانون الحياة...كانت تحدّق بي بعينين تشعّان صدقا، ألما، لطفا، كان بهما شيء لا يمكنني وصفه.

_يؤلمك؟ لا تقلقي سيكون كلّ شيء بخير، سأنادي الطّبيب ثمّ سأقدّم لك مسكّنا يساعدك على التّخلص من الألم.

_الطّبيب؟؟

_أجل لا داعي للقلق.

طبيب؟؟...أجل أنا في مستشفى...والفتاة، ممرّضة.

لكن ما الّذي أحضرني إلى هنا، لم قد أكون في المستشفى...وما خطب هذا الألم الفظيع داخل رأسي؟؟

عادت الفتاة مجدّدا ودخل وراءها رجل أشيب يضع نظارات غريبة وأخذ يحدّق بي مع ابتسامة تدخل في نفس من يراها الهدوء، تماما كابتسامة والدي...أين والدي؟ ما الّذي أحضرني إلى هنا؟ لم أنا هنا؟ الألم فظيع. ما كلّ هذا؟ لا أستطيع تذكّر أيّ شيء؟ كيف وصلت إلى هنا؟ الألم؟ لا أتذكّر، كنت في المنزل، ثمّ...

كان الجوّ سيّئا، أجل. أمطار غزيرة، الأمطار كانت تتساقط بغزارة...وجه جدّي، ثمّ لا شيء.

_كيف تشعرين؟ أأنت بخير؟؟

_ماذا؟؟

_تتألّمين؟ أين موضع الألم؟

_من أنت؟

_هذا هو الطّبيب، ألا تذكرين؟ هو فحصك البارحة.

فحصني؟ لا أذكر شيئا؟ كان صوتها أحنّ بكثير من صوته، رقيق، هادئ، بينما صوته.. كان، لا أدري كيف أصفه بالضّبط..., كأنّ الكلمات تضيع منّي حين تصل إلى شفتاي، حين أريد أن أنطق بكلمة لا تخرج، شفتاي تخونانني.

_رأسي، الألم في رأسي.

_جيّد.

_ماذا؟

_أقصد أنّك واعية، وفهمت ما قلته لك، وهذا يعني أنّك بخير فأنت تستجيبين بشكل جيّد، ومقارنة بإصابتك فأنت تتعافين بسرعة وهذا مؤشّر جيّد. أمّا الألم فسيزول مع الوقت وسنضع مسكنا ليساعدك.

_أبي، أين أبي؟

لم يكترث بإجابة سؤالي أو لم يسمع حتّى ما قلته له فقد كان مركّزا على حديثه مع الممرّضة...ثمّ رأيتها تغادر، وحين عادت لاحظتها تحمل بعض الأدوية ووضعتها فوق الطّاولة إلى جانبي وعادت تنظر إليّ. أشار إليها بحركة لم أفهمها، ثمّ دخل ممرّض آخر إلى الغرفة بينما تابع الطّبيب العبث ببعض الصور وبعدها وجّهها إليّ.

_أخبريني ما هذا؟

_ماذا؟؟صورة.

_أجل أحسنت، والآن أخبريني صورة ماذا؟

_سيّارة.

_رائع، وهذه؟

_كلب.

_جيّد، هذه؟

_ماذا؟ لم تسألني هذه الأسئلة؟ أين أبي؟

في تلك اللّحظة تدخّلت الممرّضة، هي تعلم تماما متى تتدخّل لتلطيف الجوّ. لكن ليس معي، لا يمكن خداعي أو التّخلّص منّي بسهولة، عليّ أن أحصل على الإجابات الّتي أريدها بداية بمكان أبي.

_لا تقلقي عزيزتي، إنّه مجرّد إجراء روتينيّ لا أكثر.

-رأسي سينفجر وأنتم تقومون بإجراءاتكم الروتينيّة السخيفة بدل أن تقوموا بشيء ما لإيقاف هذا الألم. لم أنا هنا؟

_ألا تذكرين السبب؟

كان صوتي يرتفع و بعد كلّ ثانية يزداد الألم داخل رأسي و كأنّ قنابل موقوتة داخل رأسي تنفجر واحدة تلو الأخرى، كان ألما فظيعا لا يحتمل و كأنّني أتلقّى ضربات متتالية قاسية على رأسي، الواحدة تلو الأخرى، ضربة وراء ضربة...وهو يكتفي بإجابتي بطرح الأسئلة عليّ، طريقة البشر في الإجابة إذا سألتهم (أين كنتم؟) يجيبون (أتتحدّث إليّ؟) أو (ماذا تفعل؟) يجيبون (أتقصدني أنا؟) يجعلون محادثهم ينسى سؤاله، أو أين كان في حديثه معهم.

حين أدرت رأسي رأيت يونا كانت تقف خلف الممرّض وتنظر إليّ وعلى شفتيها ارتسم الفرح متخفّيا خلف قناع الحزن واليأس، عليهما ارتسمت ابتسامة مقلوبة إلى الأسفل، وارتسم حزن ماكر...

لكن وقتها سألت.

ـ من تلك؟!

كانت الصورة غير واضحة.. لا أرى جيّدا...

لم يجب أحد سؤالي.


فصول الروايه

الفصل الاول ... اعلاه

الفصول 1 و 2 و 3 و 4 و 5.. بالاسفل
الفصل 6 .. بالأسفل






التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 10-06-20 الساعة 04:42 PM
نوكسي غير متواجد حالياً  
قديم 08-05-20, 05:18 PM   #2

نوكسي

? العضوٌ??? » 471359
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 12
?  نُقآطِيْ » نوكسي is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثاني

لنعد إلى الخلف قليلا قبل أن ينتهي بي الأمر في المستشفي.



استيقظت على ذلك الصوت،الذي لم أعرف إلى الآن ما هو، في حين كانت العتمة مخيمة في الغرفة التي أتشاركها مع أختي و حين فتحت عينيّ...لا يمكن أن أقول هذه الكلمة بالتّحديد(فتحتهما) فقد كانتا شبه مغلقتين بسبب النعاس فأنا لم أنم حتى منتصف الليل و لا يبدو لي أنني أنال كفايتي من النوم هذه الأيام ،لا أسوء من ترقّب موجة النّعاس لأغرق معها.نظرت حولي فرأيت النور الخافت لمصباح حديقة منزلنا الخلفية ينبع من النافذة المقابلة لسريري،كان النور الوحيد الذي يجعل الرؤية شبه واضحة فقد كان الظلام حالكا جدا.في تلك اللحظة تملكني شعور غريب،هو شبيه بتلك القشعريرة الّتي تنتاب المرء من شيء لا يريحه أشبه بريح خفيفة تمرّ على قلبي فتجعله يهتزّ فجأة و يدقّ بسرعة.شيء ما يمنعني من النوم يوقظني في الوقت نفسه من اللّيل و يجهد عقلي بالتفكير و محاولته اليائسة لطرده من داخلي. جعلني هذا أبتعد أكثر عن الناس.انقلب داخلي رأسا على عقب،كل ما بنيت به عقلي و شخصيتي،سلوكي،وعالمي الداخلي منذ مجيئي إلى هذا العالم إلى اللحظة التي تسبق هذا التغير المفاجئ في إدراكي لما حولي،كل الأشياء التي اكتسبتها من عائلتي,أو العالم الخارجي,من أصدقائي و غيرهم من الناس مهدد الآن بالزوال بل قد أوشك على الانقراض،و ها أنا الآن أشاهد حياتي تعود لتبدأ من الصفر،و لست واثقة من أنها ستبدأ من جديد حقا فأنا لم أعد اعرف حتى نفسي.ما يحدث معي أشبه بما يحدث مع شخص ولدته أمه للتّو و قد بدأ ببناء نفسه و معرفة الأشياء من حوله و اكتساب نظرة شاملة و دقيقة في نفس الوقت بخصوص ما يحيط به و من يحيط به ليقيم كل شيء برؤيته الخاصة،ووجه الاختلاف بيننا هو استمتاعه و حبه لحياته الجديدة و تكوينها خارج رحم أمه،بينما أنا أقوم بهدم ما بنيته سابقا فحياتي تمر من الأسوأ إلى الأسوأ،لا أدري إن كان عقلي يبالغ في تضخيم المشكلة أم أنني حقا أعيش جحيما داخليا،صراعا لا أرغب في خوضه و حربا لم أحدد بعد طرفاها،نيرانا تستعر بداخلي و لا أستطيع إخمادها.كانت كل هذه الأفكار تتضارب داخلي في اللحظة التي استيقظت فيها، الآن بالتحديد، و كرهت السرعة التي امتلأ فيها عقلي بها و أنا لم أكد حتى أفتح عينيّ، وكأنها كانت تترقب استيقاظي لتهجم علي،ربما يعتبر النوم وقت هروبي الوحيد.

" خلاصي" الوحيد ..أو ربما "لا."

حاولت أن أستند على وسادتي وأعتدل في جلوسي بعد شعوري بثقل يملأ جسمي. مسحت بيدي على شعري ثم عينيّ، شعرت بأنني أستفيق بشكل أفضل وارتحت لتخلّصي من جملة كوابيسي فتوجهت بنظري إلى حيث تنام أختي وكأنني أطمئن عليها أو ربّما لسبب آخر؟ فنومها خفيف وتستيقظ جرّاء أقلّ ضجّة يمكن لأحد أن يتخيّلها على الرغم من ذلك تبدو مرتاحة الآن، طبيعتها هذه سلبيّة بالنّسبة إليّ فعادة أستيقظ عدة مرات ليلا وغالبا ما يزعجها هذا.. لا تفهموا الأمر وكأنّني أكترث لأمرها أو ما شابه وإنّما صراخها مزعج جدّا لشخص هادئ مثلي. علاقتي مع أختي ليست بالوطيدة، لم تكن كذلك أبدا، نتبادل بعض الأحاديث عندما نكون معا، ليست بأمور مهمة، لكل منا حياته الخاصة، وكنا إذا تحدثنا إلى بعضنا عن حياتي أو حياتها فما كان ليحدث هذا إلا بحث من والدتي لكن ليس الآن بعد وفاتها، أظن أن الفجوة اتسعت أكثر بيننا. كانت تقول دائما أن على الأخوات أن يكن مقربات وجعلتني أكره حياتي بالأمثلة التي تضربها لنا، عن جيرانها، أصدقائها وكيف أنهم مقربون على عكسنا تماما.

"يونا"... أختي الكبرى تكبرني بأربع سنوات، الفارق بيننا ليس كبيرا إلا أننا مختلفتان تماما، هي تمتلك حياة خاصة ومليئة بما تسميه هي أحداثا مستجدة، بينما وصفت حياتي بالمملة.





ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ





توجهت بنظرة فاحصة في أنحاء الغرفة كمن يبحث عن شيء ما، ثم رفعت بنظري نحو النافذة...تجمّدت في مكاني، لا أستطيع الصراخ، اختفى صوتي ونسيت حتى كيف أنادي<< أبي>>، أحسست بقلبي يتوقف عن العمل، كل جزء في جسدي يرتعش .. في حين تابع هو التحديق إلي بعينين واسعتين مرعبتين سمحتا للخوف والرهبة بالتدفق داخلي كتيّار كهربائي يشلّ حركتي ولساني. أحسست بدمائي تتدفّق داخلي كبركان ثائر يجعل كلّ نقطة في جسدي تشتعل حرارة، هو كالأطياف،شبح يواصل النظر إلي من وراء نافذة غرفتي ووجهه ملتصق بها إلى درجة جعلته يبدو كلوحة جداريّة معلّقة في احدى المتاحف العتيقة، ألوانها باهتة، رسمتها أنامل متخيّلها بتميّز جعلها تبدو حقيقيّة من الوهلة الأولى،فنّان أبدع في رسم النّور الخافت خلف شابّ يقف وراء زجاج نافذة.أبدع في مزج ألوانها، اللّون الأحمر متداخلا مع البرتقاليّ الباهت.أشبه بصورة مأخوذة لشبح ذاكرة ما.بدا كشبح لكن ليس عمله إخافة الآخرين كما يروى علينا في معظم الحكايات الخرافيّة فقد كانت ملامحه توحي بأنّني الشّبح وهو صاحب الوجه المفزوع.لكنه ليس شبحا بالتأكيد لا وجود للأشباح هي العبارة الّتي ظلّ عقلي يردّدها << ليس شبحا، لا وجود للأشباح >> و كأنّني في كابوس من نسج خيالي حيث يتجمّد جسدي و يمنعني من التّحرّك،حيث لا يمكنني الجري بسرعة إلى أبعد مسافة عنه مهما حاولت، أين تكون الصّورة و كأنّها تصوير بطيء تمنّيت أن يكون هذا ما يحدث معي. أغلقت عينيّ ثم فتحتهما مجدّدا...هذا ليس بكابوس...كان لا يزال واقفا هناك، شاب بلون شعر قرميدي أو هكذا بدا. أبعد وجهه عن النافذة وفي الوقت الذي فعل فيه ذلك ارتسمت على نافذة الغرفة بقع داكنة، دماء...إنها، إنّها كالدماء، راقبته وهو يعود إلى الخلف، راقبته وهو يختفي خلف العتمة، وفجأة وبدون أن ألاحظ شعرت بالجنون يتملكني، كان هنالك شيء يدفعني لفعل ذلك. رفعت الغطاء عن نفسي وتقدمت نحو النافذة بقدمين مرتعشتين لا تقدران عل حمل جسدي، اقتربت ببطء، وضعت يداي حول النافذة وراقبت المكان في الخارج، لا أحد، فقط الظّلام، رأيت بقع الدماء بوضوح حينها وتابعت مراقبتها وهي تنزل تاركة أثرا أحمر وراءها.

وفجأة...هو...هو.عاد ليلتصق بالنافذة مجدّدا،لا أعلم كيف ؟كل ما شعرت به هو قدماي متجمّدتان ترفضان التّحرّك.أحسست بخدر فيهما.و كلّ ما استطاعت عيناي تمييزه كان ملامحه المخيفة,الحاقدة,المتألّمة, تحدق بي.كان هنالك شيء مألوف في عينيه يجعل قلبي يشفق عليه.لكن من جهة أخرى في النّصف الآخر من روحي أو بالأحرى عقلي الواعي و المسيطر حاجز يمنعني من ارتكاب أيّة حماقة, يجعل فكرة الخوف تنبت داخل عقلي الباطن حيث يقبع إحساس يجعل الأدرينالين يتدفّق داخلي...الخوف...أجل الخوف.

استعمل دمائه ليكتب يوو، فكرت في أنه اسمه ربما ثم اندفعت إلى الخلف مرتطمة بالسرير، بعد أن ضرب على النافذة بيديه، مطلقة أول صرخة قدرت حبالي الصّوتيّة على إخراجها لست واثقة من أنها كانت صرخة، أو إذا أمكنني تسميتها كذلك. فعلى حدّ علمي لم يسمعها أحد، لا أحد استيقظ جرّاءها. المهم في الأمر هو أنني شعرت بصوتي يعود إلي,كسا ثوبه أخيرا حبالي الصوتيّة.توجهت بنظري إلى حيث تنام أختي و في عيني تلألأت نظرة استنجاد,لكنها لم ترها,كانت نائمة,وكأنها غير موجودة لمساعدتي كما هي دائما أنانية,ولم تكن لتساعدني في حياتها.وبعد ذلك توجه نظري نحو النافذة مجددا, فوجئت به يختفي مجددا,ابتعد عن مرمى بصري كما فوجئت بقدمي تركضان إلى الخارج للحاق به,أردت أن أتوقف,حاولت و لم أقدر,قدماي لم يستجيبا لي,لم يتلقّيا أوامري...حاولت كثيرا...أو ربما لم أكلف نفسي عناء المحاولة,تابعت الركض و الفضول يغزو عقلي و يتملكني أو ربما شيئا آخر؟شيء ما يدفعني للحاق به.توجّب عليّ أن أصرخ ,توجّب علي أن أختفي,أن أختبئ, تحت سريري مثلا,أليست هي تلك الغريزة البشريّة؟ ببساطة؟ لكن ما فعلته كالّذي نراه في الأفلام، نسمعه في القصص، كردود الفعل الغريبة تلك، الغير واقعيّة المستحيلة والّتي لا صلة لها بما نفعله عادة، اكتفيت بالركض متّجهة نحو الرّواق مقابل غرفة الجلوس، لم أعرف ما الذي أنا بصدد فعله؟و لا بحماقته ، كل ما أردته في تلك اللحظة هو أن أعرف من هو؟ لم هو هنا؟ عن ماذا يبحث؟ ولم واصل التحديق إلي بنظرته المرعبة تلك؟ بعينيه المتألّمتين؟ أردت أن أعرف كلّ الإجابات...لماذا؟؟ماذا يريد منّي؟ فتاة حمقاء...ما الّذي أردته بالتّحديد؟ ...

ما هذا الذي أفعله؟!!!





ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ





فتحت الباب، مر الوقت ببطء أم بسرعة...لا أعلم؟ حين صرت في الخارج تمنيت أن يتوقف الزمن.

انهمرت الدموع من عيني في حين توقفت حركتي...تجمد جسدي في مكانه...تابعت النظر من حولي، لا أعلم كيف تملكتني كل هذه الشجاعة أو من أين حصلت عليها؟ بحثت، لم أجد شيئا كان قد اختفى...إلى أين ذهب؟ ابتسمت، شعرت بالسعادة، اختفى...وما الذي دفعني للحاق به من البداية ؟

_حمدا لله، ما الذي أفعله هنا؟ جننت حتما.

لكن لم لا أشعر بالخوف الآن؟ لم لا ترتجف يداي؟ انسحبت كل تلك الهواجس دفعة واحدة! هذا غريب! غريب ما يحدث معي!

_هينا...هينا...هينا...

أحسست بأحدهم يلمسني، شخص يضع يده على كتفي. استدرت إلى الخلف.

_ما الذي تفعلينه هنا؟ هل من خطب يا ابنتي؟

كان صوته مألوفا...لم أكترث...تابعت سيري نحوها محدّقة بها، نحو تلك الشجرة..رأيت صورا من الماضي، شجرة طاعنة بالسّن...لا يمكنها فعل شيء...لمستها وتساءلت (كيف يمكن لأحد أن يغادر المكان، لا يمكن ذلك حتّى بمساعدتك، الأسوار مرتفعة ولا يمكن تسلّقها، لا وجود لأيّ باب...غير الّذي أتيت منه؟ تملّكتني الحيرة. اقشعرّ بدني، راودني شعور غريب، ما الّذي أفعله هنا؟ هي روحي تعود إلى جسدي، أو بالأحرى عقلي هو الذي عاد.

_هينا، هل تسمعينني؟

توجهت بنظري إلى حيث الصوت، حين تمكّنت أخيرا من سماعه.

_أبي أنا ...أنا...

_ماذا حدث؟ ماذا تفعلين هنا؟ في هذا الوقت!

_كان هنا...

_كان هنا!!من؟؟عن ماذا تتحدّثين؟

_لا أعرفه، لا أعرف...لا أعرف؟ لقد...

_لا أحد هنا!

_كان هنا أقسم.

_حسنا اهدئي، لنعد إلى الدّاخل. سيكون كل شيء بخير.

_كان ينظر.. إلى.. لقد.. أ.. أقسم أبي أنا لا أكذب صدّقني..

_لا بأس اهدئي ربّما كان حلما، كابوسا.

_لا توقّف عن هذا، لم لا يمكن لأحد أن يصدّقني؟ كان هنا رأيته من النّافذة ثمّ.. اختفى و..عاد ثانية.. يحدّق بي.. أجل لقد عاد وأخذ يحدّق بي مجدّدا و..

أذكر نظرة أبي، أذكر صوته، كلماته كانت غريبة...لم يحدّثني هكذا قبلا، ليس عادة؟ لكن ملامحه لم يكن فيها استغراب، فقط شفقة؟؟؟

_ما الذي تفعلانه هنا؟ إنّها الثالثة صباحا! ألا يمكن لأحد أن يرتاح من مشاكلك حتّى في هذا الوقت! ألا تتعلّمين أبدا؟

كانت تلك كلمات أختي موجّهة إليّ،كم كرهتها لحظتها وكم شعرت أنّني أمقتها،عرفت ما لا يمكنها أن تكترث له، ما لم تكترث له في حياتها ولن تكترث له...هي حتّى لم تكلّف نفسها أن تسأل عن حالي(ما الّذي قد يوقظني في مثل هذا الوقت؟ما السّبب وراء هذا؟ما الّذي أحضرني إلى هنا؟).كان منظرها بشعا وهي تنظر إلينا بعينين نصف مغلقتين،جامدتين،خاليتين من أيّ تعبير، شعرها القرميديّ الأشعث غير المرتّب و الّذي زادها بشاعة تحت الضّوء الخافت لمصباح الرّواق،أنارته خوفا من الظّلام أو ربّما لاصطناع الخوف من الظّلام و هذا ما زادها بشاعة.لا أدري إن كانت بتلك البشاعة ليلتها أم أنّني قد بالغت في وصفها كذلك لأنّني كرهت ما قالته،لأنّني كرهت لا مبالاتها،سخريتها؟من يدري؟

ما الذي حملها على التّحديق إليّ بنظرتها تلك؟ أو حتّى الّذي حملها على النّهوض من فراشها إن كان هذا ما أرادت قوله؟ أحضرت كي تتلو عليّ تذمّرها وكلماتها الجارحة؟

ما الذي تفعله هنا على أيّة حال؟؟

هذا كلّ ما خطر ببالي لحظتها،كلّ ما خلّفه فتيل غضبي،لم أشعر بكلّ تلك الأفكار و الأحاسيس إلا و وجدتها تتدفّق داخلي،تغزو عقلي و تلتهم قلبي ممزّقة شرايينه إلى قطع صغيرة بإمكانها أن تتحلّى بها بعد موتي،كانت تتدفّق داخلي لتشعل طاقة حقدي و تزيد لهيبها.كنهر لا ينظر خلفه،مياهه لا تعود إلى الوراء بل يستمرّ تدفّقها دائما إلى الأمام،ملتهمة كل شيء أمامها...ثمّ للحظة يتوقّف...شيء ما يجعله يتوقّف...قوّة أعظم تلغيه بدون إنذار،ليجفّ في النّهاية،أو ربّما كانت هزيمته بسبب خيانة أقرب حلفاءه، خيانة قوّته له،خانته نفسه...أليست هي أقوى أعدائنا...لكن أيمكن أن نقول أنّه خسر إذا ما نظرنا خلفه؟أيعقل أنّه الخاسر؟فمن الرّابح إذن؟؟؟...

...كنت أنا ذلك النهر عزيزتي ولن توقفيني

_ كلّ شيء بخير، عودي للنّوم.

استغربت ردّ أبي فهي لم تسأل عن حال أيّ شيء أو أيّ كان! بل كان كلّ همّها موجّها نحو<<لم أيقظتموني؟ ما كلّ هذا الإزعاج ألا يقدر أحد على نيل قسط من الرّاحة في هذا البيت؟ كيف أعود إلى النّوم الآن؟>>فهي غالبا ما تردّد هذه العبارات على مسامعي...أجل عادة ما تردّدها...إن لم أقل "دائما".

_أقسم أنّه كان هنا أبي...

تذكّرت...الدماء...هناك دماء على النّافذة، هو تركها...

_يا للمهزلة...هذا ما ينقص، مجنون في المنزل ليزيد الجوّ روعة.

كانت هذه كلماتها. رمتني بها واستدارت عائدة إلى غرفتها، خمس كلمات ساخرة!!!وما كانت بحاجة إليها، كان النّظر في عينيها كافيا، يكفي أن أرى ابتسامتها فقد كانت تنطق بالسخرية لوحدها.

_لنذهب إلى غرفتك.

كنت شاردة بأفكاري حين شعرت بيد على كتفي تدفعني للمشي، ثم... أفقت من شرودي ورأيت المكان...غرفتي...أنا في غرفتي، وأبي يهزّ كتفيّ بكلتا يديه.

_توقّف...كان هذا كلّ ما نطقت به، كلمة واحدة قدرت شفتاي على إخراجها من حلقي.

_عودي للنّوم.

نظرت إلى الأمام حيث أختي، حيث كانت، لكن لم يكن هنالك أحد، لا شيء، سرير مرتّب وكأن لا أحد نام عليه، رتّبته بسرعة؟ أو العكس؟ من يدري؟ غادرت قبل أن أصل إلى هنا. ما أبرد قلبها!!

_هل تسمعينني؟ هينا.

كان صوت أبي قد بدأ يرتفع، أجل، أحسست بذلك...أحسست بصوته يزداد غرابة.

وقفت أمام النّافذة.

_هناك...الدّماء...

توقّفت للحظات قبل أن أضيف كلمتي الأخيرة.. لا أدري لماذا؟ ربّما لأعطيها معنى أقوى.. أو بسبب شرودي؟ لا أدري؟ في تلك اللّحظة أحسست بأظافري وكأنّها تخترق يدي وحين أرخيتها ونظرت إليها، لاحظت آثار أظافري عليها ودمائي تتدفّق منها، لم أشعر بالألم، لم أشعر به حتّى حين جرحت نفسي. راقبت أبي بصمت وهو يغادر ثمّ عاد ليضمّدها، تابعت النظر إليه وهو يفعل ذلك دون أن ينطق بأية كلمة.

ثمّ غرقت في نوم عميق، لا أعرف كيف؟ لكن كلّ ما أذكره هو أبي يجلس إلى جانبي، يربت بيده على شعري.

وشعرت بالنّعاس يثقل جفني.



ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ





استيقظت صباحا على صوت المنبّه في غرفتي مع ثقل يملأ كلّ أنحاء جسدي.وجدت صعوبة في التّحرّك، جسدي لا يقدر حتّى على حمل رأسي.قاومت ذلك واعتدلت في جلستي و فور ذلك باشرت أفكاري بالسقوط عليّ كالنيازك مع صور و أجزاء متقطّعة من ذاكرتي،صور و ذكريات و أحداث لم أتمكّن من جمعها معا،لم أقدر حتّى على رؤيتها بوضوح و تمييزها،لم تتوقّف عن مهاجمتي.لم أفهم ما يحدث معي!و كأنّ ما أستعيده من ذكريات كانت من عقل آخر غير عقلي و كأنّها أجزاء مبعثرة من ذاكرة شخص آخر و عقلي يحاول ترتيبها و فرزها دون معرفته لسلّمها الزّمنيّ.

استعدت ما حدث معي البارحة، لحظات متقطّعة مرّت عليّ، شعرت بأنّه مجرّد حلم يلاحقني أو بالأحرى تمنّيت ذلك، رجوت ذلك بكلّ ما بقي في من عقل فقد أصبت بالجنون، ليس هنالك أدنى شكّ في ذلك...





ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ





قطعت طرقات خفيفة على الباب حبل أفكاري، أعادتني إلى هذا العالم، لاحظت أخيرا أنّني وحيدة في الغرفة...ثمّ دخل ذلك الغريب غرفتي مباشرة بعد والدي، لا أعرفه؟ لم هو هنا؟ وفي غرفتي!!!تذكّرت...البارحة...أج� � الدّماء، كنت واقفة أمام النّافذة...

_هناك...الدّماء...

_ما...؟

_الدّماء...هناك على النّافذة.

_ما الذّي تقولينه يا ابنتي؟

_قلت أنّ هنالك دماء على النّافذة، لم لا تصدّقني، لم لا تريد ذلك؟

كان صوتي يرتفع مع كلّ معارضة أتلقّاها من أبي، كذلك صوته، ربّما هو لم يكن يعارضني؟ ربّما أراد أن يفهم جيّدا ما أقوله؟ أو أراد أن يصدّقني لكن صعب عليه الأمر؟ لكن كلّ ما شعرت به وكلّ ما سمح لي عقلي بتصديقه (معارضة أبي لي وإنكاره لما أقوله).

_لا أحد قال أنّه لا يصدّقك، أنا فقط أريد أن أفهم...أريد، أريد...لم ستكون هنالك دماء على...على النّافذة؟ ماذا أتى بها إلى هناك؟؟

_هو أتى بها إنّها دماؤه، تركها حين كان ينظر إليّ من النّافذة...كان هنا.

في ذلك الوقت توجّه أبي إلى النّافدة بحركة بطيئة، خطواته كانت بطيئة جدّا...صغيرة، متعمّدة وكأنّه خائف ممّا سيراه...ممّا يمكن أن يراه، صدقني ربما! ثمّ ارتاحت ملامح وجهه، ماذا يمكن أنّه رأى؟ أيعقل أن يرتاح أيّ كان لمنظر دماء؟!هذا ما جال بخاطري.

_لا توجد دماء!!

ثلاث كلمات أوقفت تساؤلاتي، أوقفت عقلي عن التفكير . بقيت للحظات صامتة في حالة ذهول.

_ماذا؟ لقد كانت...

لم أكترث بإكمال عبارتي بل توجّهت مسرعة نحو النّافذة حيث بدأ كلّ شيء، حيث رأيت ذلك ال...لا أدري بم يمكنني مناداته أو التعبير عنه؟ كلّ شيء يجري في التّيّار المعاكس لي، التقطت أنفاسي.. كانت مفاجأة.. شيء لا يمكن تصديقه.. اختفت، أجل اختفت الدّماء. أبهذه البساطة؟ كيف يمكن لهذا أن يحدث؟ مستحيل. لقد رأيتها بأمّ عينيّ، رأيت بقع الدّماء. ليس هذا فقط فقد راقبتها وهي تنزل ملوّثة النّافذة بقدر لا يمكن أن يختفي وحده،لا يمكن أن يكون خيالا،كان حقيقيّا،هو كتب يوو...نظرت نحو النافذة مجدّدا بشجاعة مصطنعة،منحتني إياها كبريائي و الّتي منعتني من تصديق ما رأيته،منعتني من النّظر نحو والدي،في عينيه،هو يراقبني بدون شكّ...الكبرياء نفسها الّتي أبعدت أشخاصا كثر عنّي.غريب أمر البشر حين يتعلّق الأمر بكبريائهم ،لا يتخلّون عنها في أصعب مواقفهم، لا نتخلّى عنها حتّى في أكثر مواقفنا سذاجة أو إحراجا،نتمسّك بها مقابل أيّ شيء. مقابل أغلى ما نملك وما يمكن أن نملك، طبيعتنا، ما صنعناه بأناملنا، الطّبيعة البشريّة المتسلّطة الّتي ترفض أن نذلّ وحبّنا لذاتنا، أنانيّتنا ربّما .. أنانيّتنا الّتي تتفنّن كبرياءنا برسمها بعبقريّة متناهية. ربّما هذا إيجابي وربّما سلبي؟ أو كلاهما معا؟ فعادة تظهرها قيمنا المثلى وعادة تتحكّم بها ذاتنا السّفلى، وفقا لما نريد أن نكون؛ فلا أحد غيرنا يختار طريقنا، كما قال جورج برنارد شو<<الاختيار وليست الظّروف هي الّتي تحدّد مصيرنا>>.

ما زاد من كبريائي نظرة أختي إليّ، ابتسامتها السّاخرة أصابتني في الصّميم، أهانت كبريائي وأشعرتني بالاشمئزاز وإن كانت ترغب في مضايقتي وإزعاجي أكثر من الحالة الّتي أنا فيها فقد نجحت بامتياز، أهنّئها على ذلك. لكن سعادتها هذه لن تدوم طويلا، أجل لن تدوم.

لا أدري كيف استطعت أن أنسى كلّ هذا و لا أتذكّره حتّى مرّت هذه الصّور المتقطّعة على عقلي؟كيف أمكنني أن أنسى هذا؟كانت تنظر إليّ بعينيها الزرقاوين المختلفتين تماما عن شعرها القرميديّ المائل إلى الكستنائيّ، النّاعم الّذي بدا أشعثا البارحة،هي فتاة جميلة بيضاء البشرة تعلو خدّيها حمرة خفيفة لا تفارقها و شفتان صغيرتان متناسبتان مع ملامح وجهها الأخرى، ذات قامة معتدلة متناسبة مع شكل قوامها النّحيف أشبه بعارضة أزياء متكلّفة في إظهار نفسها بمظهر جميل دائما من خلال زينتها رغم أنّها لا تحتاج ذلك.كان جمالها يضايقني إلى حدّ ما و لا أدري لم؟

بيننا؛هي من ورث الجمال..

_إلام تحدّقين؟

هاجمتها بهاته الكلمات حين عادت إلى الغرفة لتنهي ما بدأته، اكتفت بالنّظر إليّ من خارج الغرفة وهي ترمقني بنظراتها دون أن تفارق تلك الابتسامة شفتيها. أغلقت الباب وغادرت تاركةإياي أستشيط غضبا جرّاء ما قالته. أتصل القسوة بأحدهم إلى هذا الحدّ؟

_هدّئي من روعك أيّتها المجنونة...تصبحين على خير.

_قل شيئا أبي.

_اهدئي...هي لا تقصد، مزاح لا أكثر.

ثمّ أذكر صورا وكلمات متقطّعة وكأنّها أحجية.

وجه هذا الغريب و...

_سأضع لها مهدّئا لترتاح، إنّها...

ثمّ أذكر أبي يمسح بيده على شعري، وجه ذلك الرّجل...ثمّ...لا شيء، فقط ظلام، ثمّ، لا أذكر...

كنت شاردة أسترجع هذا حين سمعت ذلك الغريب يتكلّم، هو نفسه...البارحة...أظنّ أنّ كلامه كان موجّها إليّ، ما الّذي أفكّر فيه بالتّأكيد هو موجّه إليّ؟ كان يناديني مرارا كالغبيّ يظنّ أنّني لا أسمعه...

وهل أسمعه أنا حقّا؟؟؟

_هينا،هينا...أتسمعينني؟

_ألم يخبرك والدي أنّني صمّاء؟

_هينا.

في النّهاية انقطع أبي عن صمته فقد لاحظت أنّه مذ دخوله يحاول الإبقاء على هدوءه و فمه مطبقا كان من السهل ملاحظة هذا من طرف شخص يعرف أبي فهو أكثر النّاس حبّا للكلام و الثّرثرة، لا يعرف كيف يهدأ أبدا,أتعجّب كيف استطاع الإبقاء على فمه مطبقا كلّ هذا الوقت و حين انقطع صمته نطق بكلمة واحدة و عاد إلى حجاب صمته الطّويل ربّما هي تعليمات هذا الطّبيب,أجل لا شكّ و أنّه طبيب,وهو من طلب إلى أبي أن يبقى صامتا فقد رأيته و هو يشير إليه بذلك و كأنّني أغبى من أن أفهم إشارته الغبيّة تلك,أيّ طلب هو هذا؟ لقد كرهت صمت أبي لا تناسبه بدلة الهدوء لقد كان مرحه و حبّه للحياة يدخل السّرور على نفسي,هو أكبر شخص محبّ للحياة في هذا العالم و قطع هذا الطّبيب وسيلة مرحي و أيضا لم الطبيب هنا(أنا في كامل صحّتي و قواي العقليّة و ليس بي أيّ مرض)بعد منتصف اللّيل أيعقل أن تصل به أخلاق المهنة إلى هذا الحدّ و يتعب نفسه ويفسد نومه لزيارة مريض؟ (أعرف تماما ما يحدث حين أستيقظ في منتصف اللّيل,أكثر الأشياء إزعاجا في هذا العالم) مع أنّني أؤكّد أنّه ليس بي شيء.

حين نظرت إلى أبي رأيت عينيه اللّوزيّتين الواسعتين غائرتين بالدّموع كان منظر الرّجل المرح مقطّعا للقلب، هي ثالث مرّة أراه فيها هكذا، حيث تنقلب الموازين ويرتدي الرّجل السّعيد قناع الحزن، يعتمر قبّعة الكآبة، باللّون الأحمر الدّاكن لوردة ذابلة، لون أقسى من الأسود، لون الكآبة المعتاد.

المرّة الأولى كانت يوم وفاة أخي ولا أشعر بالحزن عليه كثيرا وإن صدقت أقول لم أشعر به أبدا فبالكاد عرفته، مات بسرعة. حين كنت في الحادية عشر وهو في الخامسة، مرت ست سنوات على موته، لن أكذب وأقول أنّني شعرت بالحزن عليه فأنا لم أشعر بذرّة حزن من أجله، لا أستطيع حتّى تذكّر شكله رغم أنّ صوره تملأ المكان، لا أعرف حتّى كيف مات؟ أو أعرف ولا أصدّق؟ قيل لي أنّه مات فجأة بشكل عاديّ جرّاء سكتة قلبيّة، لكن من يصدّق ذلك؟ أدركت بعد أن كبرت أنّ قصّة موته العاديّة مجرّد كذبة، من يمكن أن يخدع إن لم يرد هو ذلك؟ لديّ شكوكي الخاصّة حول الموضوع والّتي سأحتفظ بها لنفسي لأكشف عنها يوما ما في الوقت المناسب، وهذا ما جعلني لا أصدّق تلك القصّة الخرافيّة السّخيفة ولكن من يدري؟؟؟

و المرّة الثّانية الّتي رأيته فيها هكذا كانت في 17 من شهر كانون الثاني قبل خمس سنوات في ليلة باردة, ممطرة,لست أبالغ أتذكرها حقا بكل تفاصيلها، السّاعة السّابعة و ثلاث و خمسين دقيقة,والدا أمّي معنا,جدّي و تلك السّاحرة رغم أنّها لم تأذني إلا أنّني أعتبرها ساحرة بدلا من جدّة,الجميع بخير... جميعا إلاصوفيا كانت تثير شرارات كالكهرباء و جدّي كالأبله يحاول تلطيف الجوّ بمرحه المعتاد ظنّا منه أن لا أحد لاحظ تكشيرتها الممتدّة إلى ذقنها,كانت كبركان خامد يستعدّ لينشط,تنظر إلى أبي بعينين حاقدتين غارقتين داخل حجرة عينيها تنمّان عن كره شديد,ينمو كبذرة داخل قلبها ليصبح شجرة ملتفّة على رئتيها لتقتلها يوما ما...

عندما غادرت متّجهة إلى فراشي تاركة أختي لوحدها بعد أن لم يبق غيرنا... سمعت صراخا حين اقتربت من باب المطبخ ,صراخ صوفيا موجّها إلى أبي,بصوت حادّ,حاقد,كان الباب مغلقا لكن سهل عليّ سماعه حين اقتربت منه.لم أتدخّل,لأنّه إذا فعلت سأنال توبيخا و محاضرة حول الأدب , الأخلاق الرّفيعة و اللّباقة...لكن اقتربت من الباب و شاهدت ذلك من خلف النّافذة الزّجاجيّة الصّغيرة عليه... عينا والدي...تحدّقان بنفس الطريقة...و المرح غائب عنهما...أحسست بدموعي تنزل من عيني لتتابع طريقها على خدّيّ فتتوقّف للحظة إلى جانب ذقني و كأنّها تدرك مصيرها فخافت من متابعة مسيرها لتلقى ما كانت تخشاه في النّهاية وهي تسقط مستقرّة على الأرض خائرة القوى.كان منظر أبي مقطّعا للقلب و لقلبي خاصّة تماما كاليوم.أحبّه كثيرا وأكره كلّ من يسبّب له الألم و يبعد عن وجهه صورته المرحة,السّعيدة و حبّه الزائد للحياة رغم الحياة البسيطة الّتي يعيشها و الظّروف القاسية الّتي عانى منها,هو مثال عن الصّبر.

سمعت حديثهم بسهولة وأنا أدرك أنّ ذلك (خطأ)وغير (لائق) وبعيد عن (الأخلاق الرفيعة، النّبيلة) ومن يكترث؟ (لست من النّبلاء)، وأيضا ماذا كان بإمكاني أن أفعل (أتوجّه إلى غرفتي تاركة كلّ شيء خلفي؟؟؟مستحيل، كان عليّ أن أشبع فضولي) وفعلت ذلك. كما أنّني واثقة من أنّ 99 بالمائة من مَن سيوضع في موقفي سيفعل ما فعلته، هذا إن لم يكونوا جميعا.

_كان كلّه بسببك أنت ما كان عليك تركه معه، فهو لا يعرف معنى المسؤوليّة ولم يكن مسؤولا عن أيّ شيء في حياته، أضف إلى ذلك أنّه كان مجرّد فتى صغير وقتها، فكيف أمكنك...؟

_وما ذنبي أنا، أين خطأي، كلّ شيء كان قضاء وقدرا، و...

_كفّ عن ترديد هذه العبارة، كلّ ما كان عليك فعله هو الانتباه عليه في حين كان ما فعلته هو التّهرّب من مسؤوليّتك بتلك البساطة .

_هل هو ذنبي إن أنا ذهبت للرّدّ على مكالمتك، كان ذلك ضروريّا أليس كذلك؟

_ضروريّا؟!وهل الرّدّ على الهاتف ضروريّ في نظرك وأهمّ من أن تنتبه على ابنك وتتحمّل مسؤوليّته؟

_إذن أصبح ذنبي، في حين كنت لتؤلّفي مئة قصّة تلومينني فيها على عدم إجابتي لمكالمتك.

_أتلومني الآن على خطأ ارتكبته؟ أنا ألوم أحدا إذا لم يجب مكالمتي؟ أنا أفعل ذلك؟!

_كنت لتفعلي أكثر من ذلك أمّي.

_أنظروا من يتكلّم. أنت اصمتي، كان خطأك من البداية، فلو استمعت لنصيحتي من البداية ولم تتزوّجي هذا الفقير اللامسؤول لما احترق قلبك حزنا على ابنك. أتعجّب كيف احتملت العيش معه كلّ هذه المدّة وكيف تثقين به بعد كلّ هذا؟

_هذا يكفي. اسمعي أنا لا ألوم أحدا على موت ابني ولا ألومك على مكالمتك، أنت أتيت هنا تهينيني في بيتي وأنا كالساذج رحّبت بك ظنّا مني أنّك أتيت لبدء صفحة جديدة. ولكن هذا يكفي لا أعلم لم تنبشين في الماضي ولا أرغب في معرفة السّبب.لا أعلم أصلا ما الّذي دفعني لمناقشتك في موضوع مرّ عليه أكثر من عام...سأغادر...استمتعي أنت بإفساد حياة الآخرين...

_ماذا يقول هذا...ما مَا هذاا...صابر قل شيئا.. قل شيئا لا يمكنكم أن تصمتوا ببساطة.. هكذا...سارة قولي له أن يعود إلى هنا لم أنه كلامي بعد، لا لا يمكنه المغادرة قبل أن أسمح له بذلك.. صابر..

_هذا يكفي أمّي، هذا يكفي...لا يحقّ لك أن تتحكّمي بحياة الجميع كما يحلوا لك...كالدّمى.

_أتغادرين أنت أيضا. ومن أين تعلّمت أن تتحدّثي إليّ هكذا...إنّه هو، هو علّمك هذا...صابر، أخرجني من هذا المنزل...سؤجنّ إن بقيت لحظة أخرى هنا.

_سنعود غدا إلى منزلنا، تعلمين أنّه ليس مرتبا الآن فقد مرّ وقت طويل منذ آخر مرّة أقمنا فيه.

_لا يهمّني المهمّ أن أغادر هذا المنزل البشع.

_حسنا.

_أنا أهتمّ بمصلحتها وأفكّر فيها وفي الوقت الّذي قضته تبكي فيه على ابنها وفؤادها محترق عليه وهي ماذا فعلت تدافع...

_اهدئي. أصلا كان مجيئنا كلّه خطأ...ما كان عليّ إقناعك بالمجيء لا أدري من أين أتيت بالفكرة؟

لم يتمكّن أبي من رؤيتي حين غادر غرفة الجلوس ,فقد كنت خلف الباب حين فتح,ولا تمكّنت أمّي و لا كذلك صوفيا و جدّي...لكن تمكّنت تلك البشعة من رؤيتي...حسنا..أعترف أنّها فطنة,ملاحظتها دقيقة.سألتني عن سبب و جودي هناك لكنّي ببساطة لم أعرها انتباها و غادرت متّجهة إلى المكان الوحيد الّذي يمكن أن أفكّر فيه بهدوء,و قبل أن أدخل الرّواق المقابل لغرفة الجلوس الّذي يحجب أختي عن رؤيتي توجّهت بنظري إليها كانت تستشيط غضبا,كان ذلك واضحا في عينيها.هي تكره من يتجاهلها,تماما كصوفيا,هي تحمل مورّثاتها بلا شكّ.أجل لا شكّ في أنّ جينات صوفيا قد انتقلت إليها.رميتها بابتسامة حادّة وعدت بنظري إلى طريقي داخلة الرّواق و تاركة إيّاها تشتعل بنار الغضب,كان يتملّكني شعور رائع كلّما فعلت ذلك لها.هذا الرّواق في منزلنا يخرج إلى حديقة صغيرة لطالما اعتنت بها أمّي كانت موهوبة في الاعتناء بالنباتات و دائما ما كانت والدتها تنتقد ذلك,دائما ما ردّدت على مسامعها أنّ ذلك سيضرّ بيديها الجميلتين,و غير ذلك من تفاهاتها الرّاقية...وصلت إلى حيث شجرة التّين العجوز,تسلقتها وصولا إلى غصن سميك متنام نحو اليسار في خطّ مستقيم,جلست عليه آملة أن لا يكون أحد قد رآني و إلا ستكون نهايتي وبدأت أستجمع سلسلة أفكاري.استعدت كلّ ما حدث في المطبخ وفكرت محدّثة نفسي:

_والدي مسكين حقّا,ساذج بطريقة عجيبة و لا يتوقّع الشّرّ حتّى من أبعد النّاس إليه فكيف من أقربهم؟كيف أمكن أمّي أن لا تدافع عنه إنّها ناكرة للجميل...أخيرا أدركت غطرسة صوفيا و تسلّطها ولكنّها أدركت ذلك متأخّرة.و جدّي أهو مسحور إلى هذه الدّرجة حين انقطع عنه صمته أخيرا ماذا نطق؟(سنعود,اهدئي,حسنا)إنّه منصاع لها تماما و بالكاد له رأي,يا للزّوج المثاليّ.بلا أي تعبير عدا ذلك المكر الذي تنطق به عيناه.كان يقول لي(لك نفس نظرة جدّك,رغم أنّه لا تربط بيننا أيّة قرابة دمويّة)كانتا توحيان بالقوّة على الرّغم من أنه لم يكن جميلا, مجرّد قزم بدين مستدير الوجه،ذو شعر أسود فاحم.لم يكن ضخما أو طويل القامة,ربّما هي القوّة الّتي يمنحها المال,جميع من يحبّه لا يحبّه لشخصه بل لجيبه.ربّما كان هذا هو السّبب وراء زواجه بصوفيا ربّما هي أحبّته لشخصه و أنا أشكّ في ذلك ,لكن من يدري؟فليس هنالك شيء جذّاب في جدّي غير ماله و فطنته الّتي جعلته يجني كلّ هذا المال,وقد كنتَ محقّا يا جدّي كان خطأ مجيئك إلى هنا ما كان عليك التّفكير في ذلك حتّى و زوجتك الغبيّة أفسدت كلّ شيء.أجل و بالعودة إلى جدّتي من تظنّ نفسها؟إلهة من آلهة الرّوم!!كيف تجرؤ على إهانة أبي؟و لكن ما دخلي أنا في أمور لا تعنيني؟ومن قال أنّ هذا لا يعنيني على كلّ حال؟؟لا أحد...أجل بالضبط لا أحد قال لي لا تتدخّلي.

فكّرت واستعدت كلّ هذه الأحداث ناسية الطبيب وأبي...تذكّرت كيف كانت صوفيا تنتحب مع كلّ كلمة تقولها و عيناها تجهشان بالدّموع,خيّل لي أنّني في عرض مسرحيّ يومها بطلته هي و الّتي خيّل لي أنّها تتكلّف البكاء بطريقة مسرحيّة عجيبة فقد كانت ممثّلة معروفة في زمانها على كلّ حال, ولم تصدّق أنّ زمن شهرتها قد انتهى و ولّى, ربما أدركت ذلك لكن صعب عليها( أن تنتهي البطلة هكذا نهاية مأساويّة)لا تطرح عليها إلا أدوار العجزة,بينما كانت تريد أدوار البطلات الشّابّات,صعب عليها أن ترى نفسها عجوزا رغم أنّها تبدو أصغر بكثير من عمرها الحقيقيّ لذا بقيت في عالمها الخرافيّ الّذي بنته بالأوهام .بسذاجتها أو بالأحرى مكرها الّذي يظهرها على أنّها ساذجة تعيش في عالم أحلامها الورديّ فيسايرها الجميع على أساس خدعتها هذه في حين هي ماكرة، متكبّرة، تلعب بالجميع كدمى خشبيّة، تسيّر حياتهم بطريقتها الخاصّة ككاتب رواية يتحكّم بمصير شخصيّات روايته لأنّه خالقها.و ما كان يصعب عليها تمثيل مشهد بسيط كهذا الّذي تمثّله على أبي الآن لكن كعادتها تكلّفها و ترفّعها يكشفها عادة كانت هذه نقطة الضّعف في شخصيّتها فإذا لم ينفّذ شخص طلباتها تنهار غضبا واصفة إيّاه بأسوأ الصّفات، دائما ما تعيش في عالمها المسرحيّ الخاصّ بها فكلّ مكان تتواجد فيه هو خشبة مسرح هي البطلة عليه بنظرها,و كلّ حدث في حياتها ليس سوى إحدى فصول رواية حياتها و كلّ من يحيط بها ممثّل و أيّا كان دوره في حياتها تبقى البطلة بلا منازع هي متغطرسة بحبّ نفسها,أرى أنّ المسارح و الشّهرة أثّرت عليها كثيرا.لكنها ا حقا فاتنة بلون شعر أشقر لم تصل يد الشيب إليه بسبب الصّبغة الّتي تضعها له باستمرار خوفا من ظهور خصلة واحدة بيضاء و عينيها الزرقاوين, لون بشرتها الفاتح,ذقنها الطّويل المتناسب مع ملامح وجهها الحادّة و قامتها الطّويلة و جسدها النّحيل ومن يراها لا يمكن أن يصدّق أن لها ابنة في مثل سنّ والدتي دون أن أنسى أنّ اقترانها بجدّي لم يكن في سنّ مبكّر فهي اقترنت برجل آخر، والد أمي و جدي الحقيقي قضت معه ثلاث سنوات تمكّن في آخرها من فكّ التعويذة السّحريّة الملقاة عليه. لن أستغرب أنّ جدّي تزوّجها من أجل جمالها فيستحيل أن يتزوّجها من أجل شخصيّتها. عقد قرانهما كانت المرأة الفاتنة في السّابعة والعشرين من عمرها بينما قارب جدّي من دخول عامه الأربعين. أظنّ أنّه قد مرّت أكثر من ست وثلاثين سنة على زواجهما. أخبرتني أمي أنها كانت في عامها الخامس حين تزوّجا وقد مر على وفاتها خمس سنوات، غادرت هذا العالم بعد أخي بعام، هي ابنة زوج جدّتي الأوّل نسيت اسمه ولا أتذكّر شكله، أظنّني التقيته مرّتين وكلاهما في سنّ مبكرة حين حظر إلى اليابان لزيارة والدتي ولم يكن موجودا يوم جنازتها،هو و صوفيا من أصول جزائرية لذلك لا تحمل أمي الملامح اليابانية و كذلك أختي بينما حملتها أنا على عكسهما لأنني أشبه والدي،هو قاطن بالجزائر الآن مع أن كلا والدي أمي لم يكبرا هناك و لم يسبق لوالدتي أن تواجدت بالجزائرفقد أتت إلى اليابان حين بلغت الخامسة عشر مع صوفيا وجدي بعد انتقالهما إلى هنا بدافع العمل بينما قضت طفولتها بلبنان أما والدتها فقد قضت طفولتها في فرنسا و بدأت تتحول إلى فتاة المسارح حين كانت في العشرين،لذلك لم يستطع أبي أن يكون ندا لهذه الساحرة أبدا فتفكيره ساذج دائما ما تعلّق بالقناعة.

لم أشعر بنفسي وأنا أسرح بأفكاري إلى هذا الحدّ. وحين طارت أفكاري بعيدا عنّي...عدت إلى الحاضر، عدت إلى كوكب الأرض، بدا لي أنّني سرحت بأفكاري لأكثر من ساعة بينما لم أبتعد عن العالم لأكثر من خمس دقائق استعدت فيها كلّ هذه الذّكريات.

رأيت أبي...كان وجهه شاحبا مبيضّا كالموتى.انتقلت عيناي بينه وبين ذلك الغريب,كان يتكلّم إلى أبي بصوت لا أكاد أسمعه.لكنّي أدركت بسرعة أن لا أحد صدّق قصّتي...و ربّما معظمهم ظنّ أنّ بي مسّا من الجنون,لذا كان عليّ أن أتوقّف عن ذكر ما حدث معي و كأنّني نسيت الأمر,فقد كان عليّ أن أستعيد ثقتهم و أن لا أقوم بأيّ شيء غريب,أن أستعيد ثقتي بنفسي أوّلا و أفهم ما حدث معي,لذا كان أوّل شيء فكّرت فيه أن أذهب لزيارة جدّي للمرة الأخيرة فقد عاد مع صوفيا إلى اليابان قبل أسبوع من لبنان بعد انقطاع دام خمس سنوات أو أكثر مذ تشاجرت صوفيا مع والدي في المطبخ.يمكن أن أقول أنّ الانقطاع كان معها و لا علاقة لجدّي لم يقاطعنا أبدا و عادة ما يتّصل بنا,هو شخص يمكن أن يكسب حبّ النّاس بسهولة و قد أحببت طريقة معاملته لي...شخص هادئ لديه ابتسامة باردة غالبا ما ارتسمت على وجهه.على الرّغم من أنّه لم ينطق بكلمة يومها,لكن لا بأس به كجدّ منصاع تماما لسيّدة متقلّبة المزاج.


نوكسي غير متواجد حالياً  
قديم 09-05-20, 01:01 AM   #3

سلسلبيل
 
الصورة الرمزية سلسلبيل

? العضوٌ??? » 428630
?  التسِجيلٌ » Jul 2018
? مشَارَ?اتْي » 72
?  نُقآطِيْ » سلسلبيل is on a distinguished road
افتراضي

إنطلاقة موفقة يا عزيزتي...واتمنى لك التوفيق 😊💙

سلسلبيل غير متواجد حالياً  
التوقيع

صبارٌ أنا والأشواك تحاصرهُ
من يقنع الكائناتِ ألا تخافه
قديم 09-05-20, 02:08 PM   #4

نوكسي

? العضوٌ??? » 471359
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 12
?  نُقآطِيْ » نوكسي is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثّالث.

رواية يونا كويزومي.









كان المنظر بشعا,مخيفا بشكل لم أختبره من قبل,منظرا لا تصفه الكلمات حيث يتعذّر عليها تشكيله و يعجز أيّ فنّان على إحياءه,يتعذّر على الرّسام تصويره و الشّاعر عن التّعبير عنه .كانت تلك أوّل مرّة أرى فيها شخصا عزيزا يحتضر,يفقد حياته,ينتقل إلى العالم الآخر لم أستطع التّحرّك,جمدت في مكاني.كلّ ما وعيته كان ذلك المنظر,شاهدتها, شاهدت هينا و هي راقدة على ذلك السّرير تنظر إليّ بعينين ملمّتين عن كره,لا أدري لماذا؟أو أدري؟!كلّ ما أحسست به لحظتها هو الإشفاق عليها,الحنين لضحكتها الاّمبالية و ابتسامتها السّاخرة.اشتقت إليها و تمنّيت عودتها لإزعاجي بسرعة,فعلى الرّغم من خلافاتنا فقد نسيت كلّ شيء في تلك اللّحظة,تمنّيت لو أنّني لم أشاجرها يوما,تمنّيت لو سايرتها في كلّ ما قالته لي,لو أنّني لم أبالي,تمنّيت لو لم تكن فضوليّة,رجوت من كلّ قلبي لو لم تر ذلك...

شعرت باشتياق شديد لها. شعرت بالحبّ، العطف. هي أختي الصّغرى رغم كلّ شيءورغم كلّ ما حدث.

رأيتها وهي تغلق عينيها حين أغمي عليها,اعتصر قلبي حزنا و ألما عليها,كان لونها شاحبا مصفرّا,تشبه الأموات.أختي الصّغرى الغالية على قلبي.لكن عقلي أقوى بكثير...أجل بالضّبط.رأيت الأطبّاء وهم يحاولون انتشالها من الموت,يجهدون أنفسهم في ذلك.استغربت أمر البشر فهؤلاء الأطبّاء مثلا يجهدون أنفسهم في مساعدة و محاولة إنقاذ أشخاص لا يمدّون إليهم بأيّة صلة,بأيّة قرابة دم,بينما هنالك أشخاص مستعدّون لفعل أيّ شيء و دفع أيّ ثمن لقتل أقرب النّاس إليهم لأسباب بنظر الكثيرين سخيفة و لا تستحقّ أن يقتل شخص لأجلها..لكن الأطباء يفعلون ذلك لأنه عملهم،يدفع لهم لفعل ذلك.. حين أفكر في الأمر الآن لا يبدو بذلك النبل!

_إنها تدخل في صدمة.

.ثبتوها_

_دقات قلبها تتباطىء...

إذن ستفارق الحياة لوحدها، هذا مريح.. أو هكذا ظننت..

حينها.





ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ



كان مشهدا دراميّا مخيفا حقّا بكلّ ما للكلمة من معنى، مشاهدة هينا وهي تموت هنا، لكنّني صمدت ولم يغمى عليّ، تمكّنت من مشاهدة العرض حتّى النّهاية (قبل أن يسدلو الستار) وخرجت بهدوء من غرفة الموت تلك وأنا أنظر إلى هينا، وأنا أرمقها بنظرة لم تستطع رؤيتها لأنّها ببساطة لم تكن حيّة لتراها. حدثت نفسي (كان عليها أن تعتذر إليّ، ما كان عليها أن تخاطبني كذلك، كان عليها أن تلزم الصّمت فهاهي الآن على فراش الموت أو شبه ميّتة بالأحرى وستذهب لملاقاة خالقها ولن تكون لها فرصة لتصحيح أخطائها حينها، وربّما يجدر بي التّعلّم من أخطائها).

بعد خروجي من الغرفة رأيت أبي يجادل تلك الممرّضة البدينة بشكل فاضح، ذات وجه مليء بالتّجاعيد بعيد جدّا عن وجه امرأة بشعر فاحم. بدا أبي شاحبا والدّموع تملأ وجهه، ابتسمت لحظتها، هذا ما كنت أتحدّث عنه؟

توجّهت نحوه، أمسكته من ذراعه وسحبته بعيدا عن تلك السّاحرة البشعة. لم يكن إبعاده صعبا كان منصاعا ولم يقل كلمة.

_ماتت.

_من؟

_ماذا دهاك أبي؟ هينا؟

_هي لم تمت لم تقولين هذا؟

_ربّما ليس بعد، لكن...

_توقّفي، إنّها أختك؟

_أنت لم ترها في...

_قلت توقّفي.

في ذلك الوقت تحديدا رأيت الطّبيب متوجّها نحونا، هو نفسه الّذي كان مع هينا...

_عذرا سيّدي.

_هل هي بخير؟ هل ابنتي بخير؟

_حالتها مستقرة الآن، وكل مؤشراتها الحيوية بخير.

_الحمد لله، أيمكننا رؤيتها؟

_للأسف دخلت في غيبوية مجددا لذا سنبقيها تحت العناية المشددة،لكن بإمكانكما رؤيتها لفترة قصيرة.

_شكرا على كلّ شيء.

أحنى الطّبيب رأسه وغادر واستدرت أنا إلى أبي.

_على ماذا تشكره بالضّبط؟

_أظهري بعض الاحترام.





ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ



كانت السّاعة تشير إلى الخامسة حين رأيت الممرّضة البدينة متّجهة نحو أبي، لم أبرح مكاني قرأت في وجهها ما تريد أن تقوله. كان وجه أبي يزداد شحوبا مع كلّ كلمة تقولها له، كانت بلا شكّ تزفّ له خبر وفاة هينا. لم أقدر على كبح دموعي في تلك اللحظة، شعرت بالذّنب لا أدري لماذا؟ كان الذّنب يتآكلني، لماذا؟ أكلّ هذا لأنّني أسأت معاملتها أغلب الأحيان؟ أ لأنّني لم أكن أختا لها؟ لماذا؟ لم عاملتها بتلك القسوة كلّ هذا الوقت؟ هي أجبرتني على ذلك؟ لماذا فعلت ذلك...؟

كاد يغمى عليّ و أنا أرى أبي يمشي نحوي و على وجهه ترتسم ابتسامة تكشف عن أسنانه البيضاء..عرفت السّبب الوحيد الّذي جعل أمّي تفتن به إلى حدّ معارضة والدتها,الشّيء الوحيد الّذي جعلها تقدم على فعل ما لم تفعله في حياتها...الرّجل الّذي يمشي نحوي الآن,لم أر فيه شيئا من والدي...ما الّذي فعلتِه أمّي؟رأيت فيه وحشا يكشّر عن أسنانه استعدادا لافتراس فريسته,في حياتي لم أمقته كما أفعل الآن و أنا أرى شخصا ينسلخ من كلّ فضائله الّتي بالأحرى ادّعاها و ادّعى الدّفاع عنها كلّ حياته أو كلّما فكّر في فريسته ,انسلخ منها الآن كما تنسلخ أفعى من جلدها,سقط عنه قناعه,جرّدته ابتسامته هذه منه.ارتعبت ممّا أفكّر فيه,ارتعدت خوفا..ما الذي أقوله؟!

أردت أن أختفي من هذا العالم، فكّرت في الهرب بعيدا وحيث لا يمكن أن يوجد أبدا. شيء واحد جمّدني مكاني وأنا أراه يقترب منّي...عقلي الواعي...تفكيره المنطقيّ البعيد عن كلّ ما نحلم به، عن كلّ خيال وكلّ شيء ساذج يمكن أن نفكّر فيه، أو نتمسّك به ونراه صحيحا. العقل الّذي يحمينا من كلّ فكرة لا يقيّمها عقلنا الباطن بل يسارع لجعلها حقيقة طالما آمنّا بها. بتفكيره المنطقيّ خاطبني (إلى أين؟).

_ أصبحت أفضل الآن.

ماذا؟؟؟كانت الكلمة الوحيدة الّتي خطرت على بالي. <<ماذا؟؟>>كلّ ما سألته نفسي. ثمّ<<لماذا هي بخير؟>>شعرت بحزن عميق داخل قلبي، أو عقلي؟ لا أدري أين بالتّحديد؟ لكن أدرك وأعي جيّدا أنّه كان حزنا، ولكن لم قد أشعر بالحزن؟ ألا يفترض أن يسعدني هذا الخبر؟

_قولي شيئا؟ كم أنت باردة متحجّرة القلب.

لم أقل شيئا ولم أردّ بكلمة، اكتفيت بالنّظر في عينيه والتّفكير عميقا فيما قاله. هل أنا حقّا باردة متحجّرة القلب؟ ولم لا؟ لم لم أدافع عن نفسي حين قال ذلك لي؟ تذكّرت ما فعلته قبل ثلاثة أيّام...حوالي السّاعة السّابعة وواحد وعشرين دقيقة...فيم كنت أفكّر حينها؟ ماذا دهاني؟ لم فعلت ذلك؟ ما كان عليّ فعل ذلك...؟





ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ



كنت أنظر إليها من وراء الزّجاج,كانت على جهاز التّنفّس.فكّرت في الأمر مليّا,أتستحقّ ما يحدث معها,كان منظرها مثيرا للشّفقة,هي أكبر شخص تضرّر بيننا.ثمّ نظرت إلى أبي كان يمسك يدها بكلتا يديه و الدّموع تملأ وجهه,ما حدث معه كان كثيرا على قدرة احتماله... تذكّرت ابتسامته...أهو حقّا نفس الشّخص الّذي كان ينظر إليّ البارحة؟هو أبي الّذي عرفته سابقا في هذه اللّحظة,عاد إلى سابق عهده الآن.و أنا أنظر إلى هذا الأب الّذي يمسك بيد ابنته و كأنّها ستهرب بعيدا و من عينيه تنهمر كلّ هذه الدّموع, نسيت كلّ ما قلته عنه سابقا,أيعقل أن يستطيع شخص بهذه الرّقّة أن يربّي وحشا داخله؟

قلت في نفسي (أيستحقّ أيّ من منّا ما يحدث معه؟)





ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ





لم أستطع استيعاب ما قاله لنا، ألا يأتي إلا بالأخبار السّيّئة؟ حدثت مضاعفات قال، ستفضّل الموت على هذا. ستكون عمياء؟ لن ترى مجدّدا؟ كم هذا قاس على المسكينة، أتمنّى لو تبقى نائمة على ذلك السّرير ولا تستيقظ أبدا حتّى يختفي كلّ هذا. أيّ خبر يمكنها أن تستوعب؟ أيّهم سيكون الأقلّ صدمة؟

_لم أقل أنّها ستصاب بالعمى كلّيّا، سيكون من الصّعب عليها أن ترى بعينها اليسرى وكأسوأ الأحوال لن تميّز شيئا بها، كما أنّها محظوظة إذ لم تصب بالعمى.

_وماذا تسمّي هذا إن لم يكن عمى؟ نوّرنا بعلمك.

_يونا. أعتذر عن تصرّف ابنتي المشين، فالأمر ليس سهلا علينا.

_أدرك هذا جيّدا وقد فعلنا ما بوسعنا لمساعدتها.

_ألا يمكن أن تستعيد بصرها مع الوقت.

_مع الأسف، لا أظنّ ذلك، هذا بعيد جدّا إن لم أقل مستحيلا، لقد كان معنا أمهر جرّاحي العيون وقد كانت الأعصاب في عينها اليسرى متضررة جدّا وهو فعل ما بوسعه للمحافظة على جمال عينيها وسيأتي ليشرح لكم المزيد حين ينهي عمله، أعتذر مجدّدا. ولا يوجد شيء لا يقدر الإله على فعله.

_ألا يمكن أن تضبطي تصرّفاتك.

_هذا لأنّك تتصرّف وكأنّ شيئا لم يحدث، ألا ترى الأمور تزداد سوءا كلّ يوم. لقد...

_توقّفي تظنّين أنّني لا أدرك ما حصل، فلتطمئنّي من تلك النّاحية فقلبي سيتمزّق و لكن حاولي أن تكوني مهتمّة منضبطة مرّة واحدة في حياتك من أجل من أجل أختك، مرّة واحدة لا أكثر، لقد فقدت والدتك ولا أريد أن أخسر ابنتي. والآن اعذريني.

ربّما تصرّفت بشكل سيّء لكن لا أحد يمكنه لومي حتّى أنا لن ألوم نفسي، كلّ ما حدث لنا وما يمكن أن يحدث بعد كلّ هذا لا أحد يستطيع تحمّله كان عليّ أن أصبّ جام غضبي على أحدهم لأشعر بقليل من الرّاحة في نفسي.. تذكرت والدتي، فارقت الحياة بشكل طبيعي على سريرها ككبار السن، كانت في عقدها الثالث.. لم يبد ذلك طبيعيا أبدا بالنسبة إلي.

الشّرطة، الأطبّاء كلّهم يطرحون الأسئلة...كلّ همّهم ما حدث و كيف حدث و لا أحد يتفهّم الوضع، الممرّضون و ترهاتهم و الشّرطة و تحقيقاتهم الرّوتينيّة، ذلك المحقّق القزم و أسئلته اللانهائيّة المملّة و الّتي لا يغيّرها أبدا. دون أن أنسى مساعده المتطفّل والّذي أجده أينما ذهبت، كلّ هذا صار لا يحتمل. ألا يمكن تأجيل هذه التّحقيقات الغير مفيدة والّتي لا تأتي بأيّة نتيجة؟

كان كلّ همّهم أن يلصقوا التّهمة بأحدهم و يجدوا الحقيقة وراء كلّ هذا, لكن لا لا تهمهم الحقيقة ..لا لم تكن أبدا أولى همومهم،كل ما يفعلونه هو النبش في الماضي و التحري عن كل واحد بيننا و لا يثقون في أيّ شخص أو فيما يقوله,كلّ هذا سيّء و أنا واثقة من أنّه لن ينتهي بشكل جيّد أبدا,على الأقلّ بالنّسبة إليّ.أنا واثقة من أنّهم لن يتوقّفوا حتّى يقلبوا حياتنا رأسا على عقب,لن يتوقّفوا قبل أن يجعلوا كلّ واحد منّا يشكّ بالآخر,لن تكون هنالك ثقة بيننا و لا وجود للتّفاهم,سيحوّلوننا إلى أعداء و سيغرسون النّميمة بيننا,أمّا نحن فلن يكون همّنا إلا إبعاد الشّبهة عنّا أيّا كان الثّمن. هينا على فراش الموت لذا فهي مستبعدة و أحسدها فهي بعيدة عن كلّ هذا الضّغط رغم كلّ ما حدث لها,والدي ليس مهتمّا بهذا أبدا كما يدّعي,و أظنّ أنّ له حجّة غياب كافية عن مسرح الجريمة وقت حدوثها.أمّا أنا فيمكن أنّني القاتلة كما يقولون فليست لديّ حجّة غياب مقنعة و هم يتحقّقون من ذلك,لذا فالأمور ليست جيّدة معي.و لكن كيف يمكن لأيّ من أفراد عائلتي أن يرتكب جريمة بشعة كتلك, فهينا قد أصيبت و كان المقصود من ذلك قتلها،إنهم يفترون علينا,فيم يفكّر هؤلاء الأغبياء,هذا غير ممكن,غير منطقيّ أبدا,كلّ تحقيقاتهم خاطئة,كلّ أفراد عائلتي ضعفاء من أين ستكون لهم الشّجاعة لفعل ذلك؟

ونحن عائلة...؟





ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ





ذلك الأبله متّجه نحوي...المزيد من الأسئلة...متطفّلون.

_عفوا، لديك بعض الوقت؟ أيمكنني أن أتحدّث إليك؟

_تفضّل.

_شكرا لك. أظن أنّه يجب أن ألقي التّحيّة أوّلا، لذا مرحبا.

اكتفيت بالابتسام كان مرحا مقارنة بمجال عمله، لكن لم أعرف بالضّبط سبب تواجده هنا، ربّما أرسله رئيسه للمزيد من الأسئلة؟ لا أعرف حتّى إن كانت هنالك أسئلة لم يطرحوها بعد، هي نفس الأسئلة دائما يصبغونها بألوان مختلفة.. طرقهم الملتوية.

هو شديد اللّطف معي و أحببت معاملته لي، ليس كمعظم الرّجال في قطاعه، ليس مخيفا أو منضبطا كدمية متحرّكة، لديه ابتسامة جذّابة، شعر أسود ناعم يتوقّف إلى أذنيه، لون عينيه أسود لكن ليس كأيّ لون عينين سوداوين سبق و رأيتهما، لون عينيه مختلف، مميّز إلى حدّ ما، داكن.. ما الذي أقوله؟ كل أسود داكن. هو يافع، طويل القامة.

_إذن كيف الحال؟

_كيف برأيك يمكن أن يكون؟

_لا تقلقي بشأنها، واثق أنّها ستستيقظ. تبدو فتاة قويّة.

_ليست بالقوّة الّتي تتخيّلها.

_ستكون بخير. أعرف مكانا هادئا قريبا من هنا، أيمكن أن أدعوك لتناول شيء ما، يبدو المكان كئيبا هنا.

_سيكون هذا رائعا، وشرب فنجان من القهوة كاف إن كنت لا تمانع.

_لا مشكلة لديّ إذا كان هذا ما ترغبين به، على الرّغم من أنّ الوقت المخصّص لفنجان قهوة يمرّ بسرعة كبيرة، وأيضا من المفترض أن أقرّر أنا هذا فأنا صاحب الدّعوة. أليس هذا صحيحا؟

_أمعتاد أنت على دفع الآخرين لفعل ما تريده؟

_يسعدني أنّك تضحكين. أمّا بشأن سؤالك فأظنّ ذلك.

_أنت المسيطر إذن؟

_بالتّأكيد أنا! ماذا ظننت؟

_أرى ذلك...

_ها قد وصلنا.

لم يكن المكان بعيدا، مقابلا للجهة اليمنى من المستشفى. لكن حين اقتربنا منه لم يبد أبدا كما وصفه، مكتظ إلى حدّ ما ويمرّ الكثيرون من ذلك الشارع.

_أظنّ ذلك المكان جيّدا.

_حسنا يمكنك الجلوس هناك، لن أتأخّر.

تساءلت كثيرا عن السّبب وراء دعوته لي. على كل حال حين دخلنا لم أصدّق أبدا أنّه المكان نفسه الّذي رأيته من الخارج بدا الجوّ هادئا جدّا، كانت موسيقى هادئة لأغنية أعرفها، سبق وسمعتها وكأنّني أشاهد مسلسلا دراميّا، وجودي هناك معه أمرا غريبا خاصّة في مكان كهذا، هو ليس من العائلة ولا أعرفه جيّدا، رأيته فقط مع ذلك البدين أثناء الاستجواب وما إلى ذلك.

فكّرت بيني وبين نفسي أنّ الشيء الوحيد الإيجابي في قبولي لدعوته هو أن أعرف موقفي أمام الشّرطة، يمكنني استدراجه على الأقلّ ليخبرني عن التّحقيق وربّما هو الشيء الّذي دفعني عقلي لقبول الدعوة من أجله دون أن أفكّر في الأمر حتّى لثانية. لكن ماذا إن كان الأمر مختلفا، ماذا لو كانت دعوته مجرّد البداية لأسئلته المعتادة؟ يمكن أن يكون كلّ شيء مخطّط له من قبل ذلك القزم البدين؟ لن أخسر شيئا على كلّ حال.

أحضر لي كأسا من الماء.

_تفضّلي.

_شكرا لك.

_أعجبك المكان؟

_أجل، كما وصفته بالتّحديد.

_حسنا ماذا يمكن أن تخبريني عن نفسك؟

_ألا تملك كلّ المعلومات عنّي وكلّ أفراد عائلتي؟

_ليست تلك هي المعلومات السّطحيّة الّتي أريد أن أعرفها عنك.

_وأيّ نوع من المعلومات تريد أن تعرف عنّي؟

_أيّ شيء آخر بعيد عن الوزن والعمل، القامة، السّوابق، أيّ شيء آخر عدا هذا.

_أ لديّ سوابق؟

_هذا شيء أنت تعرفينه.

_صحيح، لا أدري لم قلت هذا.

_لا عليك.

_تقول أنّك اصطحبتني إلى هنا من أجل هذا؟ غريب.

_هيّا بحقّك ما الغريب في الأمر؟ ماذا يمكن أن يكون السّبب وراء اصطحاب شابّ وسيم مثلي لفتاة جميلة هي الأخرى؟

_تقول إنّك وسيم؟

_ألست كذلك؟

_هذا سؤال يجيب عنه غيرك.

_وأنا أسألك، ألست كذلك؟

_لم أعرف أنّ من صفات الشّرطة مغازلة الفتيات المتّهمات في جريمة قتل.

_ترفضين الإجابة عن سؤالي، فليكن، في الحقيقة لم لا؟ يبقى الشّرطة بشرا كما أنّني لست شرطيّا بمعنى الكلمة.

_إذن فأنت نوع آخر من الشّرطة؟ وبالعودة إلى سؤالك فإنّي أخاف أن تزيدك الإجابة غرورا.

_قد أجبت عليه للتّو وتصفينني بالغرور وأنا أكثر النّاس تواضعا.

_شخص يصف نفسه بالوسيم ثمّ يقول أنّه أكثر النّاس تواضعا، ماذا يسمّى هذا؟ إلا إن كان مفهومي عن الغرور خاطئا؟

_بالتّأكيد هو خاطئ. كما أنّك تأخذيننا بعيدا عن موضوعنا الأصليّ، ليس موضوعنا هو الغرور، ماذا يمكن أن تخبريني عن نفسك؟

_أطلب إليك رئيسك أن تصطحبني إلى هنا؟

_لا مطلقا، سبق وأخبرتك عن السّبب.

_أنا لا أصدّقك. كما أنّني لا أتحدّث للغرباء عن نفسي.

_إذن تخرجين مع الغرباء لشرب القهوة، هذا ما تفعلينه؟

_ليس عادة.

_لم قبلت دعوتي إذن؟

_لا أدري. ما أعرفه هو أنّ اصطحابك لي هو جزء من عملكم التّافه.

_لم قبلت دعوتي؟

_قلت لك لا أعلم.

_أتجيبين سؤالي إن أنا أجبتك عن سؤالك بصدق.

_لم لا؟

_أنت القاتلة؟

_هذا هو جوابك، لتسألني هذا؟ كنت واثقة من أنّ هذا جزء من عملك.

_لا تغادري، توقّفي.

_كنت غبيّة للمجيء معك، أخطأت من البداية.

_قبل أن تذهبي أجيبيني عن سؤالي؟ هل أنت القاتلة؟ انتظري...



كان قاسيا حين قالها، كلّهم متشابهون، أخطأت في كلّ شيء قلته عنه سابقا. شعرت بالحزن لا أدري لماذا؟ ربّما لأنّني لم أحقّق ما أتيت لفعله؟ ولكنّ الواقع أنّني قد عرفت موقفي أمامهم لمجرّد سؤاله لي. أهذا هو ما أشعرني بذلك؟ موقفي أمامهم؟ أجل، فالأمر يتعلّق بمستقبلي وبشيء مهمّ في حياتي، أن أتّهم بجريمة قتل؟ هو الجحيم بحدّ ذاته، أفضّل الموت على السّجن.. أو شيء آخر.

يريدون إلصاق التّهمة بي، لكن هذا لن يحدث أبدا، مهما حاولوا.

أرتعش حين أسمع كلماته مرّة أخرى وهي ترنّ داخل عقلي دون توقّف، (أنت القاتلة؟) لا أصدّق أنّه قال ذلك، لقد وثقت به للحظة و لا أزال أفعل ذلك مع أنّه لم يحاول حتّى اللّحاق بي و الاعتذار حين غادرت.. لم شعرت بأنني أثق به! كان تفكيري مشوشا..

حينها..





ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ





لم ألتق به بعدها لفترة و كنت أخشى أن لا ألتقي به أبدا، فلم يكن موجودا حتّى حين كان رئيسه هنا، و لم يظهر حتّى مساء الرابع و العشرين من كانون الثاني بعد ثلاثة أيام من آخر مرّة رأيته فيها، كانت السّاعة تشير إلى الخامسة إلا عشر دقائق، كنت أنظر إلى هينا من وراء الزّجاج حين سمعت صوته خلفي، في البداية أفزعني فأنا لم أسمع خطواته حين توجّه إليّ و بعدها شعرت بالارتياح لعودته، أسئلته مريحة أكثر من أسئلة رئيسه و لم يكن يضغط عليّ كثيرا.

_أرى أنّها لم تستيقظ بعد...أخفتك؟

_كنت شاردة فقط.

_متأكّدة؟ هل أنت بخير؟ تبدين متعبة...ألا تزالين غاضبة؟

_أنا بخير، شكرا على سؤالك.

_هذا جيّد، إذن، هل أنا عدوّ أم صديق؟ أيمكنني أن أعتبر ابتسامتك بداية لصفحة جديدة؟

_موافقة، سأذهب الآن...أنا متعبة.

كنت أتصرف بشكل غريب في حضوره "موافقة"، غريب..

_مهلا لقد التقينا للتّو، كما أنّك وافقت على صفحة جديدة، فلم تهربين؟ أشعرت بالتّعب فقط حين رأيتني؟

_وافقت على بداية صفحة جديدة كعدوّ لي لا كصديق، لن أثق بك مجدّدا، كلّكم متشابهون. والآن اعذرني.. كما أنك لاحظت قبلا أنني متعبة (قلت عكس ما أردته).

_ماذا؟ ما الّذي تقولينه؟ أأنت جادّة؟ كلّ هذا بسبب سؤال سخيف؟

_أتمزح معيّ؟ تقول سؤال سخيف؟ لقد...معذرة سأذهب. لم لا تطلب إلى رئيسك أن يرسلك إلى مكان آخر، المكان مريح أكثر بدونك.

_إذن فقد لاحظت غيابي...هاي انتظري، لا تذهبي.

(يا له من مغرور) هذا ما جال بخاطري حين استدرت مغادرة.

قبل أن أخطو أكثر من ثلاث خطوات شعرت بيده على ذراعي,أول مرة يلمسني (عدا أول لقاء لي به،مجرد مصافحة..و ماذا تريدين أكثر يا إلهي) شعرت بقشعريرة تمتد لتمسح كل جسدي,لمسته ناعمة على الرّغم من أنّها قاسية,لمسته,صوته و حتّى تقلّباته القاسية و أسئلته المصاغة في كلمات طاعنة لقلبي,كلّ ما فيه يسيطر عليّ كما لم أتوقّع أن يحدث لي في حياتي,طالما قلت أنّ ما يحدث في خيالنا لا يمكن له أن يكون واقعا,كان قلبي السّاذج يجد عذرا لكلّ أسئلته القاسية,يجد أعذارا أكثر سذاجة ممّا نشاهده في الأفلام,كان عليّ أن أضع حدّا لذلك فلست الفتات الّتي تسهل السّيطرة عليها من رجل تافه مغرور بوسامته,كلّ ما يحدث في قلبي و داخلي يبقى كما هو و ينتهي به الأمر زائلا مع الوقت فلم خلقت عقولنا إن سمحنا لسذاجة قلوبنا بالسّيطرة علينا,هو غريب مغرور لم أعرفه لأكثر من أسبوع,فمن هو لينال قلبي؟لا أحد،هذا ما فكرت فيه وقتها..مباشرة نحو الحب،إلهي.

_توقّفي.

_أبعد يدك.

_فقط إن وعدتني بأن تسمعيني.

_ماذا لديك؟

_حسنا أيمكن أن نتحدّث في مكان آخر؟ من فضلك.

_ليس لديّ رغبة في ذلك، قل ما لديك هنا وإلا اسمح لي بأن أغادر.

_فهمت، لقد سألتك ذلك سابقا لأنّني أكترث لأمرك...و...

_تكترث لأمري؟!

_دعيني أتكلّم حتّى النّهاية. اسمعي لا أحد يصدّقك، لا أحد يمكن أن يصدّق حجّة غياب واهية كتلك، أنصحك بأن تغيّري إفادتك وتقولي الحقيقة...

_تعتقد أنّني...

_الرّئيس يشكّ بك ويرى أنّك الوحيدة القادرة على ارتكاب الجريمة و...لقد عملت معه لثلاث سنوات وأعرف جيّدا أنّه إن وضع شخصا في رأسه فلن تكون النّهاية جيّدة، إن كنت تحاولين حماية أحدهم أو حماية نفسك فلا تفعلي ذلك بهذا الغباء، هنالك ما يدفعنا لجعلك في أول القائمة.

_أنا...

_اسمعيني حتّى النّهاية، لقد وضعت نفسك في موقف حرج...إن كنت تعرفين أو تشكّين في هويّة القاتل فأخبريني بذلك...أنا أحاول مساعدتك فمن الأفضل أن تتعاوني معي، أنت.. أنت.. حسنا شابّة مثلك يستحيل أن تقبل برميها في السّجن في حين لا يزال العمر كلّه أمامها.. لا تريدين ذلك. صحيح؟ إلا إن كنت تريدين ذلك؟!

_كيف يمكنكم أن تشكّوا في أنّ أحدنا يمكن أن يرتكب شيئا كهذا؟ نحن عائلة، لم لا يمكن أن يكون القاتل شخصا من الخارج، سكّيرا أو سارقا أو عدوّا قديما ل...

_تعلمين أنّ هذا ممكن، يمكن لأمّ أن تقتل أولادها لسبب ما أو حتّى بدون سبب، افعلي ما تريدين أنا قلت ما عندي.. شخص من الخارج يفعل ذلك؟ أتسخرين مني!

_انتظر...أتشكّ بي أيضا؟

_لو كنت كذلك لسارعت لإلصاق التّهمة بك وما كنت لأكترث بتحذيرك.

_لم لا تشكّ بي؟

_سأكون صادقا لا أدري لم أميل إليك؟ كما أنّ جريمة بشعة كتلك لا تستطيع فتاة بحجمك وبضعفك أن ترتكبها ورئيسي يوافقني على ذلك فلارتكاب شيء كهذا يحتاج المجرم إلى قوّة جسديّة كبيرة.

_إذن لم يصرّ على أنّني...

_ليس لديه احتمال آخر ويمكن أنّك ارتكبتها بمساعدة أحدهم، أيّ رجل ولو لم يكن قويّ البنية إلى درجة كبيرة يمكنه فعل ذلك، لكن بصعوبة.

_لكن...

_لا توجد لكن عليك أن تجدي حلا بسرعة، أنا واثق أنّ ما أفعله خاطئ ويمكن أن تسحب شارتي، أتمّنّى أنّني أفعل الصّواب، أنا واثق أنّك لست القاتلة.

_شكرا لك.

_العفو، تبدين أجمل حين تبتسمين.

_هل تمزح معي؟ هذا ليس وقتا مناسبا...

_لا أمزح أبدا.

_حسنا، ألديك وقت غدا؟

_سأجد وقتا إن طلبت إليّ ذلك.

_حسنا، أرجوا أن نلتقي غدا، سأخبرك بكلّ شيء.

_لم ليس الآن؟

_لا أستطيع، أريد أن أفكّر فيما أنا على وشك فعله.

_لا تثقين بي؟

_ولم يجب أن أفعل؟

_يا إلهي ما الّذي تقولينه، أنا حذّرتك و..سأفقد عملي لأجلك.. لا أصدّق، ألا يعتبر هذا كافيا بالنّسبة إليك؟ تضحكين...على كلّ حال أعدك أنّك لن تندمي إن وثقت بي. وسأتركك لتفكّري. فقط سؤال واحد.

_ما هو؟

_لم قبلت دعوتي سابقا؟

_تدين لي بجواب...حسنا، لأنّني أردت أن أعرف موقفي أمام الشّرطة.

_يا لقسوتك...بعد...

_إلى اللقاء غدا، اعتن بنفسك.

_إلى الغد، أين نلتقي؟

_سأجدك.


نوكسي غير متواجد حالياً  
قديم 10-05-20, 02:29 PM   #5

قصص من وحي الاعضاء

اشراف القسم

 
الصورة الرمزية قصص من وحي الاعضاء

? العضوٌ??? » 168130
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,558
?  نُقآطِيْ » قصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond repute
افتراضي

اهلاً وسهلاً بك بيننا في منتدى قصص من وحي الأعضاء ان شاء الله تجدين مايرضيك موفقة بإذن الله تعالى ...

للضرورة ارجو منكِ التفضل هنا لمعرفة قوانين المنتدى والتقيد بها
https://www.rewity.com/forum/t285382.html

كما ارجو منك التنبيه عندما تقومين بتنزيل الفصول على هذا الرابط
https://www.rewity.com/forum/t313401.html

رابط لطرح اي استفسار او ملاحظات لديك
https://www.rewity.com/forum/t6466.html


واي موضوع له علاقة بروايتك يمكنك ارسال رسالة خاصة لاحدى المشرفات ...

(rontii ، um soso ، كاردينيا73, rola2065 ، رغيدا ، **منى لطيفي (نصر الدين )** ، ebti )



اشراف وحي الاعضاء


قصص من وحي الاعضاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
جروب القسم على الفيسبوك

https://www.facebook.com/groups/491842117836072/

قديم 10-05-20, 04:11 PM   #6

um soso

مشرفة وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومراسلة خاصة بأدب وأدباء في المنتدى الأدبي

alkap ~
 
الصورة الرمزية um soso

? العضوٌ??? » 90020
?  التسِجيلٌ » May 2009
? مشَارَ?اتْي » 33,769
?  مُ?إني » العراق
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » um soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم

اهلا بك بيننا في وحي الاعضاء ان شاء الله تجدين كل ماتتمنين


حبيت اسألك عن روايتك
الاسماء ليست عربيه

هل هي روايه كوريه او ماشابه ؟
وهل احداث الروايه واقعيه او خياليه

لاني قرأت جزء منها وفيه شبح ودماء وخيال

لذا سألتك كي احدد مكان العرض المناسب

تحياتي


um soso غير متواجد حالياً  
التوقيع
روايتي الاولى وبياض ثوبك يشهدُ

https://www.rewity.com/forum/t406572.html#post13143524

روايتي الثانيه والروح اذا جرحت
https://www.rewity.com/forum/t450008.html





قديم 11-05-20, 12:17 AM   #7

نوكسي

? العضوٌ??? » 471359
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 12
?  نُقآطِيْ » نوكسي is on a distinguished road
افتراضي

مرحبا و شكرا لك،الرواية من نسج خيالي و تدور أحداثها باليابان لحبي للبلد لكن بها شخصيات من أصول عربية.
أنا كاتبة ناشئة إنضممت منذ مدة الى هذه المجموعة وخطر لي أن أسجل في منتدى روايتي الثقافية...
إطلعت على بعض من أعمال الكتاب فيه فنالت إعجابي وكانت مصدر تحفيز لي كي أقدم على هذه الخطوة ألا وهي أن أنشر روايتي " صاحبة الشعر الدامي " في منتداكم لهذا أتمنى أن تنال إعجابكم...
سبق ونشرتها ورقيا،وقمت بادراج هذا بمجموعتكم على الفايسبوك أظن المنشور لم يقبل بعد..
أتمنى أن تنال إعجابكم...


نوكسي غير متواجد حالياً  
قديم 15-05-20, 06:40 PM   #8

نوكسي

? العضوٌ??? » 471359
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 12
?  نُقآطِيْ » نوكسي is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الرّابع.









لم أستطع النّوم تلك اللّيلة، كان كلّ شيء يبدو سيّئا، كنت أسبح في بحر أفكاري حيث بدا كلّ شيء مقلوبا، لا شيء في مكانه، لم أعثر على أيّة إجابات لتساؤلاتي ولا لما فعلته.

أأكمل ما بدأته؟ أخبره بالحقيقة؟ لكن ماذا عنهم؟ ما الّذي سيحدث إن أنا أخبرته؟ والأهم أعليّ حقّا أن أثق به؟

في النّهاية وجدت إجابة واحدة (سيساعد هذا في تبرئتي ولا وجود لشيء أكبر يمكن أن أخسره فحياتي لن تكون في أمان إن أنا أبقيت الأمر سرّا؟ ربّما ستكون كذلك إن أنا قلت له الحقيقة، سيساعدني والأكثر أهمّيّة سيصدّقني، إمّا أن أفوز أو أخسر).

لم تتوقّف الأفكار في رأسي للحظة واحدة، كان هنالك جانب منّي يدفعني لذلك بينما..



ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ

حين وصلت إلى المستشفى رأيته واقفا بمحاذاة المدخل في انتظاري طبعا,ربّما لم ينم و هو يفكّر في ما سأخبره به أيضا.لم أكن متأكّدة من أنّني أريد ذلك..كلّ شيء يبدو خاطئا,كلّ شيء يبدو..لا أعرف؟أحسست بدقّات قلبي تتزايد مع كلّ خطوة نحوه,درست الأمر من كلّ جوانبه,ماذا يمكن أن يحدث؟..شيء واحد يمكن أن يقلب كلّ شيء..ماذا لو..لو لم يصدّقني..عليه أن يثق بي,و لن أعرف هذا إن لم أجرّب.سبق و اتّخذت قراري و إن لم أكن واثقة من أنّني أريد ذلك فأنا واثقة من شيء واحد هو أنّني سأفعل ذلك,كما أنّني لست من سيخبره و هذا ما أسمّيه بالخطوة الأولى.

_منذ متى وأنت هنا؟ أترى لا داعي لأخبرك أين نلتقي.

_ألا يمكن أن تلقي التّحية أوّلا؟

_لم تجبني.

_منذ نصف ساعة.

_أيدفعك الفضول إلى هذا دائما؟

_انسي الأمر. أين تريدين الذّهاب؟

_لم أقل بعد أنّني...

قاطعني.

_واثق أنّك ستقولين الحقيقة لشخص واحد.

_وهذا الشّخص...

قاطعني ثانية.

_هو أنا.

_ومن أين لك بكلّ هذه الثّقة؟

_ومن بإمكانك أن تخبري غيري، أو أقول من يمكن أن يساعدك في موقفك هذا غيري؟

_هل تقول لي أنّ..

_لا تنكري أنّ هذا لمصلحتك.

_حسنا لن أنكر، تريد الصّراحة لو كان رئيسك مكانك الآن لكان هذا أفضل لي كما أنّك لا تعني لي شيئا، ولا تغضب من قولي هذا فنحن لا نعرف بعضنا منذ مدّة طويلة وربّما كان الأمر ليكون مختلفا لو أنّنا التقينا في ظروف مختلفة، ألا توافقني؟

كنت سأقول"أنا أعجب لأمر اهتمامك بي و بمصيري,أيمكن أن..."و إلى آخره من ترّهات لأستمتع بإغاظته لكن تراجعت عن ذلك فعليّ أن أتّبع قواعدي و لا أخطئ في أيّة كلمة أقولها و ألعب اللّعبة وفقا لقوانيني و توقّعاتي لأضمن فوزا في النّهاية,لأضمن نجاح كلّ خطوة في خطّتي دون أيّ خطأ.كلّ فتاة قويّة تدرك تماما كيف تقتل رجلا دون أيّة علامة خلفها و دون أيّة دمعة تسقط على خدّها أي أنّها لن تخرج جريحة من معركة افتعلتها أو لم تفعل,على منهجنا أن يكون ثقافة ربح/خسارة و أن لا نبالي بخصومنا و أنا لا أصدّق ما أتى في كتاب"النّساء من الزّهرة و الرجال من المرّيخ" (أحضرته لي جدتي) بخصوص طبع الزّهريّات بشأن تضحيتهنّ من أجل الغير و اتّباع ثقافة خسارة/ربح أو بتطوّرهنّ إلى ربح/ربح هذا لا يوافقني أبدا رغم أنّني فتاة فإمّا أن أكون من كوكب غير الزّهرة أو أنّ المؤلّف أخطأ في تفسيرنا أو في فهمنا خلف طيبتنا، أم أنّني من الهجناء.فيمكن لامرأة أن تفعل ما يعجز ألف رجل عن فعله بإمكانها أن تجعل رجلا يصل إلى الحضيض ببساطة و قبل أن يغمض لها جفن,بإمكانها أن تقضي عليه ببساطة دهس حشرة أسفل حذاءها و بالنسبة إليّ سأشفق على الحشرة أكثر.كلّ فتاة قويّة تعرف نقطة ضعف الرّجال و تعرف كيف تلعب أوراقها بنجاح فوق طاولته دون أن تلقي كلّ أوراقها أو تخفيها كلّها بذكاء من يتحرّك على رقعة شطرنج خصمه,بخفّة أفعى تلتفّ على رقبة فريستها أو تزرع سمّا قاتلا يشلّ الحركة بلسعة لا يمكن ملاحظتها..أي بدون أثر.فتبقى المرأة نقطة ضعف كلّ رجل أو ما يمكن أن يسمّى الحبّ,كلّ الرّجال يخرجون جرحى من معركة الحبّ الّتي يخوضونها معصوبي العينين ضدّ خصم لا يمكن أن يردوه جريحا لأنّه ببساطة من الجنس النّاعم.لقد استطاعت امرأة أن تجعل الرّسام فان كوخ يقطع أذنه ليقدّمها لها,ربّما أحبّها أكثر من اللازم أو كان مرهف الإحساس لتلك الدّرجة,و استطاعت لو أندرياس سالومة أن تكون أكبر خيبات نيتشة وسبب كرهه للنساء أو هكذا قيل و هناك الكثير غيرها فكيف نكون من ذوي ثقافة خسارة/ربح؟كيف لهذا أن يحدث؟يمكن لفتاة أن تجعل رجلا يتشبّث بها بأظافره و بكل قوّته إن هي أظهرت اهتماما بغيره أو إن لم تعره اهتماما ,بينما يمكن أن تجعله يبتعد بمجرّد سؤاله عن سبب اهتمامه بها أو قولها أنّها ليست في حاجة إليه و إن كانت ليست في حاجة إليه حقا فليس عليها قول ذلك كتاب "الرجال من المرّيخ و النّساء من الزّهرة".منطقيّ و مفيد إلى حدّ ما رغم أنّني لا أوافق على ذلك الرّسم لشخصيّة النّساء.ويبقى الرّجال مهووسين بالسّيطرة بشكل فاضح عكس الجنس اللّطيف ذي الخطوات الخفيّة.أليس مصطلح لطيف مثيرا للسّخرية؟

قال بعد سؤالي الأخير.

_يا لصراحتك وقسوة قلبك ألا يمكن أن تكوني ألطف مع شخص اهتمّ بأمرك؟ وأنا لا أوافقك يمكن لعلاقة تربط أيّ شخصين أن تكون جيّدة وإن كست المصلحة ظروف التقائهما.. وأتمانعين لو أكملنا حديثنا في مكان آخر؟

_ولم لا...

_صه، لا أقبل معارضة.

_قلت أتمانعين؟

_اعتبريها كناية عن ستذهبين رغما عنك.

_حقّا؟

_انظري للأمر على أنّك في موعد مع شابّ فاتن مثلي، ستحسدك جميع الفتيات على ذلك، ألست محظوظة؟

_أوه أرى ذلك.

_هاي؟ اعترفي أنا لا أمزح. هاهي ذي سيّارة أجرة.

_كان الموعد ليكون أفضل لو أنّ لرفيقي الفاتن سيّارة خاصّة به. أليس صحيحا؟

_اركبي. إلى الميناء لو سمحت.

لم يستغرق الوصول إلى وجهتنا وقتا طويلا.

_شكرا لك سيّدي، تفضّل ...إنّه شخص هادئ جدّا؟

_هو ليس هادئا، أنت تتكلّم كثيرا.

_ماذا؟ هذه ثاني مرّة تسخرين فيها منّي، وعلى ذكر هذا ولأكون واقعيّا أكنت لتوافقي على مرافقتي في سيّارتي؟

_لم لا؟

_حسنا إذن سأحرص على إضافة سيّارة إلى جمالي في المرّة القادمة.

_لن تكون هنالك مرّة قادمة.

_ماذا؟ ظننت أنّنا أصبحنا أصدقاء.

_لم اخترت البحر؟

_ألا توافقينني على أنّه المكان الأنسب؟ هادئ و.. و لم تفاديت سؤالي؟

_لا بأس به لنتابع...يبدو المكان جيّدا هناك، ما رأيك؟

_حسنا، أنت تتفادينني ثانية.

كان البحر هادئا في ذلك اليوم، بدا لي هادئا كما لم أره يوما...أشدّ زرقة أو أخفّ زرقة (لا أدري؟) ,وكأنّه التقى مع السّماء ممتزجا معها في الأفق، بينما لا يمكن لذلك أن يحدث أبدا حيث مهما خيّلا قريبين لحدّ الالتصاق يفصل بينهما دائما خيط رفيع ذو لون لا أستطيع تذكّره الآن.

أتى صوته لينقذني ممّا كنت على وشك تذكّره، ليبعد عنّي أعقاب تلك الذّاكرة، قال.

_أين شردت.

اكتفيت بالابتسام.

_أتدرين؟ أحيانا يخيّل لي أنّك تُفهمين بسهولة لكنّ نظرة واحدة من عينيك بالطّريقة نفسها الّتي تنظرين إليّ بها الآن تلغي كلّ ذلك وتسحبني إلى حيث لا أدري.

_تجنّب عينيّ إذن، قبل فوات الأوان.

ابتسمتَ يومها,و ربّما تجنّبت نصيحتي متابعا النّظر إلى عينيّ بشكل مباشر أكثر,أظنّني كنت أدرك ذلك من البداية و لهذا تعمّدت نصحك,فأحيانا لا تكون النّصيحة إلا شركا بريئا نقع فيه "تجنّب عينيّ إذن" ليست سوى عبارة هي غطاء لدعوة محتشمة بشكل غير مباشر"تابع النّظر إليهما إذن",أو ليست النّصيحة هي الطّريقة الأقلّ شبهة لرغباتنا,حيث نوهم فريستنا بالاهتمام لمصلحتهم فنطلب منهم عكس ما نريد ليقعوا في شرك نصبناه بغباوة طفل صغير طلب منه أن لا يعبث بسكّين فيقوم بعكس ما طلب منه ظنّا منه أنّه الصّواب و الطّريق لشيء مرح أبعدناه عنه في حين ليس سوى طريق ثانويّ مفروش بالورود يقود للألم.و الرّجال يعتبرون أنفسهم محيطين بكلّ شيء و لا شيء يخفى عنهم كما لا يمكن أن يخطئوا أو يخدعوا أو يحدث لهم شيء من هذا القبيل فهم علماء بالفطرة و في كلّ المجالات؟! يا للمهزلةأيّ علماء...؟ نقطة ضعفهم الأكبر.

قلتَ.

_وإن لم أقدر؟

تابعت المراوغة.

_على ماذا؟

أجبتَ.

_على الابتعاد عن عينيك.

لم أقل شيئا بل أشحت بنظري عنكَ لا أكثر، كنت واثقة من تأثيرك عليّ لذلك عمدت تجنّب التواصل المباشر مع عينيك، كان فيهما شيء من الجاذبيّة الّتي تصعب مقاومتها، والّتي يملكها القليل من الرّجال وإلاّ كان مجرّد تفكير ساذج منّي.

أسألكم أيّ النساء يعجب الرّجال أكثر خصوصا في وقتنا هذا؟

أليست أكثر النّساء خجلا واحتشاما وإن كانت مدّعية. فقط بإشاحة امرأة لعينيها بالطّريقة المناسبة تأسر مليون رجل.

قال محاولا إبعاد ثوب الصّمت الّذي اكتسحني.

_ألن تشاركيني الحديث.

_لم آت إلى هنا لمشاركتك الحديث.

_حقّا؟ لم أنت هنا إذن؟

_لا تأخذ الأمر بشكل شخصيّ.

_أوه فهمت، ليس...لم تتفادينني؟

_أتفاداك؟ لو كنت أتفاداك لما رافقتك إلى هنا.

_لسنا صغارا، لا تكوني ساذجة، أنت تتجنّبين النّظر إليّ منذ وصولنا إلى هنا.

"أتجنّب النّظر إليكَ منذ وصولنا إلى هنا"من كان يظنّ أنّ هذا سينجح؟ بجدّيّة لقد كانت مجرّد فكرة سخيفة مرّت على عتبة بالي وجرّبتها، لم أفكّر للحظة أنّك ستلاحظ أنّني أتجنّبكَ! حتىّ أنّك تكاد تكون غاضبا بسبب هذا، أنا الآن حقّا أؤمن ببعض ما قيل عن الرّجال في الكتاب "الرّجال من المرّيخ والنّساء من الزّهرة". إذن فالرّجال كالأحزمة المطّاطيّة، لا أكاد أصدّق هذا؟ وكأنّني أشاهد فلما؟

لكن.. حسنا أعترف أن لتأثيره على وجاذبيته جزءا من أسباب تجنبي لتلك العينين.

_أصبتَ.

_ماذا؟ ما الّذي تقولينه؟

_أصبتَ، لقد كذبت.

_كذبتِ؟ ماذا تقصدين؟ عمّا تتحدّثين؟ أهذا بشأن تجنّبك لي؟

لا أصدّق أنّه فكّر في ذلك، أين أنا؟ وأين هو؟ يا إلهي...؟

_ما الّذي تتحدّث عنه؟ قصدت أنّني كذبت بشأن مكان تواجدي وقت الحادثة.

_تقصدين وقت مقتل...

قاطعته.

_أجل، توقّف. تعرف تماما أنّني أقصد ذلك.

_إذن.

_لقد كنت مع صديقة قديمة لي.

_أيمكن أن يؤكّد كلامك أحد؟

_أجل، هي وأشخاص تعرفهم. لكن...

_ماذا؟

_هل هذا ضروري؟

_بالتّأكيد هو ضروري، ما خطبك؟ لم يمرّ يوم على تحذيري لك؟ لم ذكرت شهادة كاذبة من البداية، لم لم تقولي الحقيقة إن كانت لك حجّة غياب كفيلة بإبعادك عن الشّبهة كهذه؟ لماذا؟ إن كان بالإمكان سؤالك؟

_لا يمكنني الإجابة عن هذا، إنّه أمر خاص.

_أمر خاص؟ اسمعي عليك الذّهاب وتغيير إفادتك قبل فوات الأوان، هذه نصيحتي. وإن سألوك عن السّبب وراء إعطائك لإفادة كاذبة قولي لهم أنّ الأمر خاص. اتّفقنا؟

_أتسخر منّي؟

_ما رأيك أنت؟

_يمكنني تدبّر الأمر.

_تكذبين مجدّدا؟

_لا لن أفعل، سأقول الحقيقة. ذهابي إلى هناك أمر خاص، ستقول نفس الشيء إن سألتموها.

_أرجو ذلك، يمكننا الذّهاب الآن لتغيير إفادتك.

_الآن؟

_سنذهب منفصلين.

_منفصلين؟ أنت جاد؟

_هذا لمصلحتك، لا تفهميني بشكل خاطئ. سأطلب لك سيّارة أجرة.

_لا مشكلة.

_ما اسمها,قبل أن نفترق؟

_صديقتي؟ ليس مهمّا.

_يمكنك أن لا تخبريني، سأعرف من إفادتك الجديدة على كلّ حال.

_انتظر إفادتي إذن.

_عليك تغييرها.

_سبق وقلت هذا، وداعا.

_أفضّل إلى اللّقاء.







افترقنا عند البحر، أنت توجّهتَ إلى عملك وأنا إلى صناديق الأمان بالبنك كان يجدر بي فعل شيء هناك توجّب عليّ إنهاء ما بدأته قبل أن أتّخذ خطوتي الحاسمة بتغيير إفادتي. بعد أن غادرت المكتبة توجّب عليّ التّفكير في خطوتي التّالية كي أضمن نجاح خطّتي واحتمال الفشل غير وارد أبدا لذا من الضّروريّ إجراء مسح وتفقّد لأفكاري ووضع الخطّة "ب" في حال فشلت "أ" وكذلك "ج" و "د" فكما ذكرت سابقا الفشل غير وارد أبدا.. كم كان ذلك متعبا وسخيفا حين أفكر في الأمر الآن.

تفقّدت هاتفي، خمسة اتصالات منكَ، غير معقول؟ واتّصال من والدي كان كلّ شيء عاديّا فقد نجحت حقّا في جعلك تهتمّ لأمري، الاتّصال الأخير غير معروف...في البريد الصّوتي سألتَ عن مكاني و لِم لم أغيّر إفادتي بعد، كلّ شيء كان يسير بشكل جيّد حتّى تلقيت ذلك الاتصال، نفس الرّقم الّذي اتّصل أخيرا، مع أوّل كلمة تجمّد الدّم في عروقي، فقط سماع صوته أرعبني، جعل الزّمن يتوقّف في تلك اللّحظة لتصبح العشر ثوان على الهاتف كعشر ساعات بالنّسبة إليّ.

"افعلي ذلك و ستموتين...ولا أحد سيعرف" ثمّ توقّف الصّوت للحظات بدت طويلة جدّا إلى حدّ أحسست فيه أنّني لم أعد أسمع شيئا و كأنّني أفقد وعيي تدريجيّا ثمّ عاد يضيف "وردتي الحمراء" .لينقطع بعدها,حين سمعت رنّة انتهاء الاتصال أحسست أنّني بعثت من جديد..جاء صوتها ليعيدني إلى العالم من جديد كنت لا أزال واقفة مكاني و خلفي ببضعة أمتار البنك.تذكّرت النّغمة الّتي تكسو صوته,رجوليّة بدت مرعبة لحدّ بعيد و كان هنالك صوت آخر بدا واضحا حين توقّف عن الكلام,بدا أشبه بصوت مروحة إلا أنّه كان أقوى من ذلك.أوقفت سيّارة أجرة و أدركت أنّني لن أغيّر إفادتي حتّى الغد و ربّما في اليوم الّذي يليه لم أعرف بالتّحديد ما كنت أريد فعله كان الخوف قد سبق و سيطر على كلّ جزء في قلبي,شعرت بفراغ كبير داخله و الفكرة الّتي حاولت إبقاءها بعيدا عنّي هي إمكانيّة أن يكون الصّوت في التّسجيل مألوفا لديّ,لا أعلم كيف فكّرت في ذلك حتّى؟أو من أين أتيت بفكرة كهذه؟بدت لي كلّ أفكاري مشوّشة و لم أستطع تمييز شيء داخل عقلي..و ما الذي قصده بقوله (افعلي ذلك،أفعل ماذا؟) .. لم أعرف أو عرفت ونفيت ذلك، ربما.

حين استقررت بمكاني داخل سيّارة الأجرة عاودت تلك الأفكار مداهمتي,شعرت بها و هي تلتهمني مجدّدا...تسافر بي إلى عالم آخر حيث يسيطر الخوف... كما لم أعرفه يوما..تنمّلت قدماي و كذلك الأمر مع يداي,تحسّست حرارتي و هي ترتفع أكثر مع مرور كلّ دقيقة,لتصبح كلّ ثانية كساعة من الوقت و كأنّني أحمل قنبلة موقوتة على وشك الانفجار أو كنت القنبلة الموقوتة نفسها..أردت أن أقفز من مكاني حين رأيت ذلك الشّاب ذا القبّعة السّوداء مع نظّارة تكاد تغطّي كلّ وجهه و هو يضع يده على النّافذة الخلفيّة للسّيارة حيث أجلس حين توقّفت في زحمة الطّريق..جزء منّي ظلّ يقول "انظري جيّدا,ألا ترين لباسه إنّه مبالغ فيه,هو يحاول إخفاء نفسه خلف هذه الملابس, كان يراقبك و سينتظر اللّحظة المناسبة لينقضّ عليك و يقتلك كذئب يهجم على أرنب دون أن يترك أيّ شيء خلفه,تذكّري ما قاله,ألا تذكرين...؟",بينما كان جزء آخر يقول"أتهلوسين بسبب اتصال يمكن أن لا تكوني المقصودة به حتّى،ربما مجرد مزاح ثقيل؟كما أنّك بدأت تشكّين في كلّ شابّ يرتدي قبّعة و نظّارة شمسيّة..أتظنّين أنّه ليس للعالم عمل غير مراقبتك؟لا تكوني ساذجة..فكّري في الأمر من وجهة نظر منطقيّة و عقلانيّة أيمكن لأحد أن يخاطر و يهاجم آخرا في مثل هذا الوقت ووسط كلّ هذا الازدحام,قمّة السذاجة",كلّ شيء بدا مشوّشا و في غير مكانه و كلّ ما شغل تفكيري كان ذلك الشّاب و كلّ ما استطعت رأيته فيه كان شعره الأسود أسفل قبّعته.لكن لم أفكّر فيه؟ما خطبي؟...ثمّ ماذا عن الصّوت؟سمعته سابقا..بدا مألوفا,هل أتوهّم هذا أيضا؟





ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ





وصلت إلى المنزل و كلّ ما كان عليّ فعله هو القيام بخطوتي التّالية,فكّرت في الأمر كثيرا و سأفعل ذلك.كان عليّ فعل ذلك حتّى أتأكّد من أن لا أترك أيّ أثر ورائي,كلّ ما كان يلزمني هو الشّجاعة.لقد درست الأمر من جميع جوانبه و لن يحدث أيّ خطأ طالما التزمت بالخطّة,لكن ماذا عن الصّوت..ما الّذي كان يقصده؟ليس هذا وقت التّفكير في ذلك..وضعت حقيبتي..لبست القفّازين و سحبت الكيس و المصباح اليدويّ من الحقيبة..توجّهت نحو الباحة و بيدي معول،ذلك الذي كانت تستعمله والدتي،كم اشتقت إليها يومها،كنت في حاجة إليها..تزايدت دقّات قلبي مع كلّ خطوة أخطوها نحو الشّجرة,خفت كثيرا,شعرت أنّه سيغمى عليّ..أفعل هذا مجدّدا؟..عادت إليّ تلك الذّكرى,نظرت إلى يديّ كانتا ترتجفان بشكل مريع..توقّفت أمامها لأتنفّس و أستعيد قوّتي..يا لضخامتها و إخلاصها,أليس هذا رائعا؟لا يمكن لها أن تتحدّث..جامدة في مكانها،شهدت كل شيء,لطالما تسلّقنا أغصانها و شاركناها الكثير من السّعادة..و كذلك هو الأمر بالنّسبة..أجل..لا يمكنها فضح الأسرار..تماما كالأموات..بل تشاركنا أخطاءنا,فهي ببساطة لا تستطيع الرّفض,أنا واثقة أنّني سأجده هنا،علي أن أتأكد...

جثوت على ركبتي، شعرت أنّني أفضل حالا. ثم بدأت الحفر خلفها.. في البداية حفرت ببطء فيداي كانتا وهنتين، ثمّ لم ألبث أن سارعت في ذلك، استعدت قوّتي ولم أعد أفكّر في شيء غير إنجاح الأمر.. عليّ إنهاء ما بدأته ولا سبيل للعودة الآن. هذا ما ظللت أردّده طوال الوقت"لا سبيل للعودة، انتهى الأمر..."

رأيت تلك الصّفيحة الحديديّة.. هي نفسها.. رأيتها قبل ست سنوات.. وهاهي الآن مجدّدا في مكانها نفسه إلا أنّ الصّدأ يعلوها الآن.. ولم يتغيّر غير لونها الفضّيّ إلى صدئ.. لم على هذا أن يحدث مجدّدا؟ سحبتها من مكانها بصعوبة، وكأنّ الزّمن عاد بي إلى ذلك الوقت حيث هذه الحفرة، ردمتها في ذلك الوقت وأخفيتها عن الأنظار...رؤيتها منبوشة مجدّدا أعاد لفكري تلك الذّكريات الّتي لم أتخيّل يوما أنّني سأراها مجدّدا.. رؤيتها كذلك أثارت كلّ مخاوف وأحاسيس ذلك اليوم قبل ست سنوات، ربّما أكثر؟ أدخلت المفتاح بصعوبة في ذلك القفل مرة أخرى بعد كل هذا الوقت، بعد أن ظننت أنها كانت آخر مرة.

تلك..

وجّهت ضوء المصباح داخلها.. رأيته و في تلك اللّحظة أحسست بقلبي يتوقّف عن العمل...شعرت أنّني تلقّيت ضربة أعلى عنقي، صدمة أفقدتني السّيطرة على جسدي أو أيّ عضو فيه، مؤلمة و خفيفة، سريعة و بطيئة.. جمعت كلّ التناقضات في وقت قصير.. ربّما دقائق وقد لا تتعدّى عدة ثوان، ثمّ...كان حذاءه مقابلا لعينيّ وأنا مرتمية على الأرض، كلّ ما استطاع مجال نظري مسحه بضعفه وضبابيّته.. الألم لا يحتمل، ثمّ...

انحنى على عنقي بالقرب من أذني في حين لم أستطع حتّى رفع رأسي لرؤيته، لرؤية ملامحه... أتى صوته من العدم وهو يدوّي داخل رأسي.. أتى مرتفعا جدّا وكأنّه يصرخ داخل أذني.. أتى مخيفا...

_قلت لك، تذكّري.. هذه واحدة.

صداه في أذني أرعبني...لم أر شيئا غير الظّلام...ولم أشعر بشيء بعد وقت قصير.. كما أظنّ.. فقد كان الألم فضيعا في رأسي وإن كان وقتا قصيرا فقد كان أشبه بمائة سنة، لم أشعر بشيء غير الألم وهو يمزّقني...

هو نفسه.. قلت في نفسي قبل أن أفقد وعيي..

هو نفسه..

ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ





كلّ ما أذكره بعد ذلك اليوم، بعد تلك الضّربة هو استيقاظي في غرفة المستشفى، وكلّ ما خطر ببالي حين فتحت عينيّ"كيف وصلت إلى هنا؟ ماذا حدث؟ أيعقل أنّه من أتى بي إلى هنا؟ إن كان ذلك صحيحا، فيما كان يفكّر؟ أليس في هذا مخاطرة؟".

لكن أيّا كان ما حدث أو الّذي أتى بي إلى هنا فقد كنت ممتنّة، ممتنّة لأنّني لم أمت.. لأنّني لا أزال على قيد الحياة، منحت فرصة ثانية و كأنّني استيقظت من الموت...أليست بهبة عظيمة أن نمنح فرصة ثانية؟ ربّما لنكفّر عن أخطائنا ونعتذر للجميع، نرى الأمور أوضح ونكون أقرب من الإله.. نشكره على عطاءه وعلى هبته.

نحمده...

ظننته سيقتلني، لم لم يفعل؟

كان عليّ أن أسأل كيف وصلت إلى هنا؟و أن أفكّر في كلّ الاحتمالات.ثمّ داهمتني تلك الفكرة المرعبة"ماذا لو بلّغ عن ذلك؟ماذا إن هرب بعد أن بلّغ عنّي و فضح كلّ شيء للشّرطة؟أجل هذا ما قصده بقتلي إذن..إن رأوا ذلك,ستكون النّهاية,كلّ شيء فعلته حتّى الآن سيضيع هباء,و ماذا سيحدث؟يا إلهي...ثمّ,من هو؟لم ظهر فجأة و أفسد كلّ شيء فعلته؟لم الآن بعد كلّ ذلك العناء؟من هو؟لم هنا...؟"كلّ ما أردته بعد ذلك هو مغادرة المكان دون أن يروني,لكن هل التّسلل فكرة جيّدة؟ألا يوجد شيء آخر بإمكاني فعله؟...لا,لا يوجد عليّ مغادرة هذا المكان و حينها فقط أستطيع التّفكير بوضوح فيما يتوجّب عليّ عمله...سأغادر أو أتسلّل بالأحرى.

نظرت إلى ذراعي، سحبت تلك الحقنة المغروسة داخله، نزعت كل أجهزتهم عن جسدي وحاولت أن أقف إلى أن سيطر عليّ الألم، أحسست أن رأسي أصبح الأثقل على الإطلاق ومع ذلك حاولت بجهد واستندت على كلّ ما وجدته في طريقي وصولا إلى الباب، فتحته بهدوء وحين خطوت خطوتي الأولى خارج تلك الغرفة رأيتهما يقفان على جانبي الغرفة وكلاهما ينظر إليّ وقبل أن ألاحظ كان أحدهما يمسك بذراعي ليعيدني إلى الغرفة وحين نظرت نحو الآخر كان قد اختفى.

_أتحتاجين أيّ شيء؟

لم أجب، كان القلق قد سبقني وجمّد لساني، لم أفعل شيئا فقط جاريته عائدة إلى الغرفة متمسّكة بذراعه بعد أن تمكّن منّي الألم. حين جلست دخلتَ أنتَ، لم أنتَ.. لم أفهم شيئا، كلّ شيء كان غريبا.. أستيقظ في مستشفى بعد تلقّي ضربة قويّة على رأسي ثمّ أنتَ.. كيف عرفت؟ وهل رأيت ذلك؟ ارتعبت لكلّ الاحتمالات، فقط التّفكير في ذلك لا يطاق.

_ماذا حدث؟لم أنا هنا؟

_أنت من يجب أن يجيب عن هذه الأسئلة.

_أنا لا أفهم، كيف وصلت إلى هنا؟ و...

_أنت اشرحي لي هذا، لم لم تفعلي ما أردته منك؟ لم لم تغيّري إفادتك؟ أين كنت كلّ ذلك الوقت؟ اتّصلت بك كثيرا ولم تجيبي.

_ لم تهاجمني بهذه الأسئلة؟ ثمّ كيف حصلت على رقم هاتفي؟

_هل تسخرين منّي؟ أهذا سؤال؟ لم لم تسأليني هذا قبل الآن سبق واتّصلت بك وكنت تردّين بشكل عادي؟ ما هو عملي؟ ثمّ إنّ والدك موجود في المستشفى طوال الوقت.

بقيت صامتة ولم تكن لديّ طاقة للعبث أو المراوغة، لم أقدر حتّى على الكلام. هنالك سؤال واحد رغبت في سماع الإجابة عنه.

_كيف وصلت إلى هنا؟

_حقّا؟

_اسمع أنا متعبة وليست لديّ طاقة لمجاراتك في استهزائك لذا أجبني باختصار.

_ألست من تدينين له بتفسير؟

_لا أدين لك بشيء وإن لم ترد الإجابة عن سؤالي فغادر، لست بحاجة للمزيد من الألم.

_تذكّري أنّك من قال هذا.

_انتظر، ألن تجيبني؟ أبي أحضرني إلى هنا؟

_هل أنت جادّة، لقد...

_أنا آسفة، أنا لا أشعر أنّني بخير، لا يمكنك تخيّل الألم..

_ارتجاج خفيف في الدّماغ، قال الطّبيب أنّك ستكونين بخير إن ارتحت جيدا. أنا أحضرتك إلى هنا.

_ماذا.. أنتَ؟ لكن، لكن كيف؟

_ما بك؟ وكأنّ شبحا أحضرك؟ لم تفاجأت أو بالأحرى يمكنني أن أقول ارتعبت. ما الّذي تخفينه بحقّ السّماء؟

لقد ارتعبت حقّا و ما كان عليّ ذلك,هي تلك الأخطاء الغبيّة الّتي نرتكبها فجأة بسبب انفعالاتنا.ما كان عليّ ذلك,يجب أن لا أدعك تشكّ في شيء و إن كنت قد رأيت ما وراء الشّجرة,و إن كنت قد اكتشفت الأمر فعلي أن أتابع اللّعبة بدون أخطاء,دون أن أسمح لانفعالاتي بالتّدخّل حتّى في أكثر المواقف الحرجة.بهذه الطّريقة تلعب اللّعبة,بهذه الطّريقة يحقّق الفوز,سأحرّك الدّمى في اتّجاه آخر وأرمي بورقة أخرى,أضحّي ببيدق لأحصل على وزير في وقت لاحق, ليظفر خصمي بفوز ينسيه اللّعبة. أغيّر مسار اللّعبة و وجوه اللاعبين لا أكثر.يستحيل أن أخسر ببساطة,هنالك أكثر من حلّ لمشكلة واحدة لكن أين البيدق الذي أضحي به إن كنت قد رأيت ذلك،كان علي أن أفكر بسرعة.أنتقل إلى الخطوة التّالية أو أغيّر للخطّة "ب".لأيّ غرض وجدت الخطط البديلة إذن؟في أي مأزق وضعت نفسي؟

سحبتني من بحر أفكاري.

_لم لا تجيبين؟

أرمي الورقة الأولى وفقا لتوقّعاتي الأكثر احتمالا دون كشف كلّ أوراقي بحركة غبيّة من ملامحي. ينجرف هو بسهولة في سرد ما حدث دون علم منه، حين نتقن اللّغة نتقن اللّعبة. حين لا يرغب خصمنا أو أيّا كان في إخبارنا بما نريد ببساطة نجاريه وننسى ما نريد معرفته، ننسى الأساس ونبدأ بالحواف، الأسئلة الغبيّة غالبا ما تنجح والعناد يفشل. نقول كذبة أقرب للحقيقة وننسى أنّنا نكذب، لتكون الكذبة صادقة في النّهاية.

_أحضرتني من المنزل؟ كيف دخلتَ؟

_أحيانا أظنّك غبيّة، لم أسئلة كهذه؟ ومن أين يمكن أن أحضرك؟ هل أثّرت الضّربة على ذاكرتك؟ داهمنا المكان.

"داهمنا"تلك الكلمة جعلتني أرغب في الهرب، لكن وفقا لملامحه وحديثه فهو لا يعرف شيئا عن ذلك ولا يعرف شيئا عمّا حدث. أيعقل أنّ ذلك الشّخص أخذه وجعل الأمر يبدو شيئا آخر؟ من هو؟ ما غرضه من ذلك؟

_داهمتم المكان؟ وماذا دفعكم لذلك؟ على كلّ أتى ذلك لمصلحتي.

_ماذا دفعنا؟ أنت بالتّأكيد، لم تردّي..

قاطعته.

_وحين لا أجيبك تداهم منزلي. مخيف. ماذا ستفعل لزوجتك المستقبليّة إن غابت لأربع ساعات وأغلقت هاتفها هل ستحضر دوريّة تفتيش وتغلق كلّ الطّرق؟

_ماذا؟ لقد داهمت منزلك لسبب وجيه، أنت لم تجيبي اتّصالات والدك أيضا وذلك ليس لأربع ساعات بل ليوم كامل، ووفقا لما مرت به عائلتك. وما علاقة هذا بزوجتي بالتّأكيد لن أفعل ذلك؟

حين تعرف أين ترمي الصنّارة وأيّ طعم تختار تحصل على الكثير من الأسماك، هل فقدت وعيي ليوم؟ يا إلهي، أكانت الضّربة قويّة لهذه الدّرجة؟ هذا يفسّر شدّة الألم على أيّة حال، أو ربما خدرني يا إلهي.

_يوم؟ لكن لم المداهمة؟ ألم يعد أبي إلى المنزل؟

_لم يعد وقد اتّصل بك ليخبرك أنّ أختك استيقظت وأنّه..

قاطعته متفاجئة.

_هينا استيقظت؟ كيف يعقل أن.. متى؟

_استيقظت لفترة قصيرة لذا أراد والدك البقاء في المستشفى ظنا منه أنك ذهبت لتمكثي مع واحدة من صديقاتك كما هي عادتك وبالعودة إلى أختك فقد تحسّنت حالها كثيرا حسب الطّبيب. استيقظت مساء البارحة وأنت لم تكلّمي أحدا منذ افترقنا البارحة. أجل تذكّرت لقد نزعوا عنها جهاز التّنفس وهي على ما يرام حتّى الآن.

_عادت للنّوم ثانية، هي دائما تحبّ أن تجعلنا نقلق.

_كنت مع والدك في المستشفى وحين لم يسمع منك كل ذلك الوقت أظهر لي قلقه وفي تلك اللّحظة عرفت أنّني لست الوحيد الّذي لا تردّين على اتّصالاته أدركت أنّ عليّ فعل شيء ما بحكم ما حدث مع عائلتك.

_لم كنت مع والدي؟ منذ متى وأنا هنا؟

_أحضرناك إلى هنا صباحا السّاعة 6 وتشير الآن إلى الحادية عشر مساءا واليوم هو 26,أنت بخير؟

_رأسي.. سينفجر.

_الطّبيب قال أنّ الضّربة كانت قويّة على رأسك. والآن أخبريني ماذا حدث؟

_ماذا تقصد؟

_تعرفين ما أقصده، أين كنت حين تلقّيت هذه الضّربة؟

_لم هذه الأسئلة وكأنّني ارتكبت جريمة؟

_أنت مشتبه به.

_هل تمزح معي؟ إذا كنت تفعل فتوقّف هذا ليس مزاحا.

_ومن قال أنّني أمزح، أجيبيني عن سؤالي.

_ما الّذي تقوله بحقّ السّماء؟ كنت في المنزل بالتّأكيد، أين يمكن أن أكون؟

_أين بالتّحديد في المنزل؟

_ماذا؟ توقّف عن هذا. ولم المسجّل؟

_أجيبيني بدون ماذا فأنا من يطرح الأسئلة هنا.. إلا إن كنت تفضّلين أن أكون رسميّا أكثر.

_رسميّا أكثر، ماذا تقصدّ؟

_أن أطرح عليك الأسئلة هنا أفضل من أن أعتقلك، أو ربّما تفضّلين غرفة الاستجواب؟

_تعتقلني؟ وبأيّة تهمة؟ هل أصبحت عدوّي فجأة؟

_يمكن أن أجد واحدة بسهولة وستكون كافلة بسجنك لا تقلقي بهذا الشّأن.

_دعني أصحّح لك تقصد تلفيق واحدة لي. تستغلّ سلطتك؟

_أين كنت بالتّحديد؟

_لا أعرف ولا أتذكّر، يمكن أنّني انزلقت في أيّ مكان في المنزل وسقطت على شيء حاد. أعلى رقبتي ربما.. أظنّ في المطبخ، لا أذكر.

_حقّا؟

_يمكنك أن تستعمل جهاز كشف الكذب إن أردت.

_أنا لا ألعب هنا أنا أقوم بعملي.

_أنا ألعب.

_يا إلهي، سأدعك ترتاحين، نكمل لاحقا.

_حرّيّ بك أن تفعل.

_تستهزئين بي؟

_ما رأيك؟

_سأذهب لأنّني إن بقيت أكثر فسأفتعل شجارا معك أو ربّما أنت من سيفعل.

_لم تجبني، هل أنت عدوّ الآن؟

_أراك لاحقا.

قلت في نفسي.

"هذا ما لا يمكنك أن تكونه أبدا. متى أقوم بخطوتي التّالية؟ عليّ أن أقرّر بسرعة فقد بات الأمر جدّيّا، من يمكن أن يكون ذاك؟ أهو صاحب الاتّصال المجهول؟ مالك تلك النّغمة المألوفة؟ عليّ أن أعود إلى المنزل وقبل ذلك سأعرف بما يفكّرون من أبي.

أنا خائفة..



ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ







حين استيقظت.. أوّل شيء رأيته هو وجه ياماتو و عيناه تحدّقان بي، توقّعت أنّ للأمر علاقة باستجواباته الّتي أصبحت مزعجة في الآونة الأخيرة و أظنّني قد دفعته للشّكّ بي بشكل أوسع بل أنا متأكّدة من هذا و هو الأمر الّذي لم أرغب بحدوثه بهذه السّرعة، صحيح أنّني أردت أن أتقدّم خطوة في خطّتي لكن ليس الآن، لا يجب أن يشكّ بي في هذا الوقت. كما أنّ أمر الاتّصال والضّربة الّتي تلقّيتها يشغلان كلّ تفكيري الآن وما يزيد الأمر سوءا أنّني لا أعرف ما يمكن أنّهم وجدوه ولا حتّى أين عثروا عليّ.

الدّمية.. هل...؟ أيعقل؟

هذا مستحيل..

كنت غارقة في هذا حتّى أتى صوته ليسحبني. كنت أستعيد تلك الصّورة في مخيّلتي.. تلك الّتي تشكّلت حين أضأت نور المصباح اليدويّ.. حين أحسست بيديّ ترتجفان وكأنّهما لا ترغبان في حمل المصباح.. لأنّ عيناي كانتا أشجع من أن تنغلقا.. ثمّ مباشرة تلك الضّربة.. ذلك الألم..

الدّمية.. لا يمكن.. سينكشف كلّ شيء إن.. لا، هذا غير ممكن، لم أفكّر في هذا الاحتمال؟ لو كان ذلك صحيحا لكنت.. لكان.. يا إلهي، عليّ أن أنسى الأمر، هذا يسيطر عليّ بالكامل.

لكنت مكبلة إلى السرير الآن..

_كيف أنت الآن؟

_أفضل حالا، هدأ الألم قليلا.

_أتحتاجين أيّ شيء؟

_لا شكرا.

_أهناك أيّ شيء تريدين إخباري به.

_ماذا؟ لا.

_متأكّدة؟ لن أسألك بهذه الطريقة مجدّدا.

_ما الّذي يحدث معك؟

_اسألي نفسك هذا، وبما أنّك لن تخبريني فانظري إلى هذا الرقم، ربما ينعش ذاكرتك.

_هاتفي، لا يعقل، لا يمكنك.. كيف أخذتـ.. مهلا كيف لم أنتبه لغياب هاتفي.. أيعقل أن؟ يا إلهي.. وما الّذي يضحكك؟

_لو ترين نفسك.

_حقّا؟ كلّ شيء مزحة بالنّسبة إليك! أعده إليّ، لم تحبّون العبث بأشياء الآخرين وتفتيش أغراضهم؟

_إليك الأمر يبدو لي واضحا أنّني سمحت لك بتعدّي حدودك ولن أسمح بحدوث هذا مجدّدا اعتبارا من الآن. تعلمين أنّنا نتولّى هذا التّحقيق أي بمعنى آخر أنا أسأل وأنت تجيبين لا أكثر ومن حقّنا حجز هاتفك كدليل إن أردنا لهذا لا تطلبي هاتفك حتّى نقرّر إعطاءه لك.

_حقّا؟ هكذا يجري الأمر إذن؟ أتعلم؟ هذه الشّخصيّة لا تليق بك أبدا.

_لم أسأل رأيك وهلا تفضّلت بالإجابة لو سمحت؟

_ليس قبل أن أستعيد هاتفي.

_قلت لك أ...

_أجل أجل أدلّة بلا بلاَ بلا، هل لي بهاتفي الآن أنا أحتاجه ولست غنية لدرجة تسمح لي باقتناء آخر.

_على حدّ علمي أنت غنيّة جدّا بعد الّذي حدث، فأنت ستكونين من الأثرياء في غضون أيّام قليلة بعد أن تحوّل كلّ تلك.. أو سبق وأصبحت كذلك.

_توقّف، إلى ما ترمي؟

_أنت أخبريني، من المستفيد الأوّل من وفاة ثلاثة أفراد من عائلتك، أليس هذا واضحا؟ وهو السّبب الرّئيسيّ لجعلك المشتبه به الأوّل في اللائحة و..

قاطعته.

_ما هذا بحقّ السّماء؟ لا أريد أن أسمع شيئا، اخرج.

كنت أستشيط غضبا في تلك اللّحظات,شعرت أنّني سأنفجر إن هو قال كلمة واحدة بعد,أصبح كلّ همّي هو أن أوقف ذلك السّيل من الكلمات عن الانهيار عليّ بتلك القوّة,كان ذلك قاسيا جدّا إلى حدّ لا يطاق,أمر لا يمكن وصفه,كان أشبه بـ...لكن انتظري لا تفهمي الأمر خطأ لا أقصد أنّني شعرت..آه ،كيف أشرح الأمر بالشّكل المناسب؟أجل,وجدت الطّريقة المناسبة,حسنا ما أردت قوله من البداية هو أنّني لم أغضب كلّ ذلك الغضب بسبب الكلمات الّتي قالها..يا إلهي كيف أفهمك هذا,في الحقيقة لقد غضبت بسبب كلماته تلك،لا شكّ في أنّك تظنّين أنّني جننت الآن فأنا أعكس ما قلته قبل لحظات، سأوضح؛أنا غضبت بسبب كلماته لكن ليس للسّبب الّذي تفكّرين فيه حين تقرئين ما قلته سابقا فأنا غضبت من كلماته لأنّني في تلك اللّحظة رأيت أنّ كلّ ما عملت لأجله ذلك الأسبوع قد انهار كلّيّا فكلّ ما فعلته لأسيطر على ياماتو بصفته قريبا جدّا من المحقّق البدين الأحمق الأرعن ذاك و الّذي يجعلني المشتبه به الرّئيسيّ في قضيّته قد انهار، فهو..حسنا إمّا أنّه لم يعد يثق بي إطلاقا و هذا يجعلني القاتلة في مخيّلته أو أنّه يدّعي شكوكه ،أو أنّه حقّا يشكّ بي و لا يريد أن يصدّق ذلك فيحاول إخافتي لأنزع حائط الغموض و السّرّيّة الّذي يحيطني و في الحالات الثّلاث الأمر سيّان بالنّسبة إليّ "هو يشكّ بي" و هذا يعني أنّني أخفقت في الوصول إلى ما أريده حتّى الآن..يمكنك تخيّل الأمر الآن,صحيح؟أنا واثقة أنّك سترسمين صورة واضحة جدّا في مخيّلتك بعد كلّ هذا الشّرح,فأنا و كما تعرفين لن أقول أنّني غضبت بسبب تلقّي كلماته القاسية من الجانب..لا أدري كما يقول المجانين صدمة عشقيّة و طعنا في القلب هيّا بحقّ السّماء ما هذا الهراء..لا يمكن أن يخطر شيء كهذا على بالك,أنا مخطئة؟لكن مهلا يمكن أنّك قد تخيّلت ذلك فسبق و كتبت أنّني أنجذب إليه نوعا ما...ليس إلى حدّ الجنون ها أنا ذا أوضّح الأمر و أزيل عنه الشّوائب الآن,و من جهة أخرى هو محقّ نوعا ما..في بعض النّظريّات فقط,ليس كلّها و إن كان يحاول رسم صورة أخرى لي في مخيّلته البلهاء إلى حدّ ما. لكن عليه أن يغرس في مخيّلته تلك أنّني بلا أدنى شكّ بريئة، هو محقّ في كوني سأحصل على ثروة طائلة سبق و فكّرت في أنّها ستكون لي"لن أقول سأحصل على ثروة طائلة لم يسبق في حياتي أن تخيّلتها ستكون لي، أنا حتّى لم أحلم بهذا",كلّ من لديه قريب غنيّ مات و ترك له المال الكثير و حين عرف ذلك قال هذا فهو كاذب، فإمّا أن يكون صالحا لا يريد أن يساء فهمه أم أبله غبيّ أو يكون حنكا، محتالا.

أنا واثقة على كلّ حال أنّك لن تستغربي منظوري للأمر، يستحيل أن تستغربي علاقتي بياماتو. ربّما هو جذّاب و وسيم إلى حدّ جعل الفتيات يركضن في كلّ المسالك الموصلة إليه بكلّ جنون و ربّما سبق و حطّم قلوب الكثيرات و حتّى يمكن أنّه فعل ذلك عمدا لمجرّد الاستمتاع..أجل فهو يبدو من ذلك النّوع من الفتيان هو في الحقيقة لم يعد يافعا إلى درجة تجعلني أضعه في هذه المجموعة من الذّكور إلا أنّه مرح و يميل إلى جعل معظم الأمور نكاتا و أشياء تدعو للضّحك ربّما لا أعرفه كفاية لكنّه بالتّأكيد أكثر شبابا لذا لن أمانع تصنيفه في تلك الخانة بالذّات و ربّما هو أكثر مرحا من مجموعة الشّبّان الّذين أتسكّع معهم سواء كانوا فتيانا أو فتيات هو بدون أدنى شكّ لا يبدو في الرّابعة و الثّلاثين حتّى في ملامحه بل يبدو أقرب إلى العشرينيّات الخامسة و العشرين مثلا,و وفقا لكلّ هذه المعايير فإنّه يصنّف سفّاحا في الحبّ بلا ريب و يمكن أن يتميّز بصفات ثلاث؛متغطرس,لصّ قلوب و جذاب إلى حدّ غير معقول..و لن أنكر تأثيره عليّ و انجذابي نحوه لكنّ ما لا يمكن أن أشكّ فيه و ما أجزم به هو اختلافي عن ما يمكن أنّه قد أغرق من فتيات فأنا لست مجنونة تنجرف نحو العواطف و تخدع بقصص الحبّ,كما لست غبيّة يسهل جرفها إلى أينما كان أو أيّ كان بسبب الجمال أو أيّ شيء آخر و يمكن أن أقول أنّني على قدر كبير من الكياسة و الفطنة و مخادعة من الدّرجة الأولى دون أنسى صفتي الأقوى و الّتي لا ريب ورثتها عن جدّتي و هي ببساطة تكمن في كوني من أمهر الممثلين على الإطلاق و لن أستبعد أنّني كنت لأكون أشهر الممثّلات السّينمائيّات لو أنّني فكّرت في هذه الموهبة لتكون مهنة أجني بها الأموال الطّائلة بيد أنّني استعملتها كعمل يوميّ لأحصل بها على ما أريده في حياتي من الأشخاص المحيطين بي و سبق و خدعت الكثير منذ صباي بالكثير من المشاهد الميلودراميّة و كانوا كالأغبياء ينجرفون بسهولة للسّقوط في ما حفرته لهم كانوا كالأسماك يرتمون نحو صنّارتي لينتهي بهم الأمر داخل دلوي مدركين الحقيقة متأخّرين و أحيانا يصادف أن تموت بعض الأسماك بسرعة قبل أن تصل إلى الدّلو فلا تكتشف أبدا أنّها خدعت و انجرفت نحو صنّارة صيّاد محترف و ذلك بالتّأكيد يعود للغباء الكبير لبعض الضّحايا حتّى في عائلتي!..هاي لا تنسي أنّني فاتنة جدّا و كلّ هذا يرتمي لمصلحتي لذلك لا يمكن لومي بالدّرجة الأولى فمن يمكن أن يرفض طلبات فتاة جميلة..أقول جميلة جدّا..فاتنة الجمال..حسنا ربّما هذا يجعلكم تظنّون أنّني مغرورة و معتدّة بجمالي,لذا لإبعاد أيّ سوء فهم و لسحب صفة الغرور من قاموس تعريفي الشّخصيّ يمكنكم أن تحذفوا العبارة الأخيرة "فاتنة الجمال" اعتبروا أنفسكم لم تقرؤوها و امسحوها من عقولكم,أيمكنكم؟فأنا يستحيل أن أعود و أحذفها بعد أن كتبتها,لا أعلم بم سأشعر إن أنا حذفتها لذا لن أفعل هذا قراري النّهائيّ...هاي إيّاك و حذفها لن أسامحك لو فعلت,أرجوك لا تفعلي اتركيها كما هي حين تقرئين هذا,أنت أوّل من سيقرأ كلّ هذا على كلّ حال و سيكون لك لذا لا أستطيع منعك من حذفها إن أنت قرّرت أن تفعلي و لا يوجد من هو أعند منك في العالم لكن سأحاول و أقول لك أتمنّى أن لا تحذفيها فذلك سيشعرني لا أعلم كيف؟يمكنك أن تحزري...

من جهة أخرى لنعد إلى حواري وياماتو يبدو أنّني أخذتكم بعيدا.

_يجب أن تخبريني بالقصّة الحقيقيّة وراء ذلك الرقم.
_أتمزح، هل من المفترض أن تكون هنالك قصة وراء كل رقم مجهول؟ _لا بأس أريد أن أعرف حتى وإن لم توجد قصة.

_لا شيء يمكنني إطلاعك عليه غير..

_توقّفي لست غبيّا، الضّربة على رأسك ليست جرّاء سقوط..

_لا، لا.

_تعرّضك للتّهديد ولهجوم سيبعد عنك التّهمة، فهذا يجعلك مطاردة ويمكن أنّ من قتلهما يحاول قتلك كما حدث مع أختك، من الّذي تحاولين حمايته؟ أخبريني.. أو أتعلمين افعلي ما تشائين لا تخبريني بشيء لن أتدخّل أكثر، فليحدث ما يحدث لا تتّصلي بي..

إذن كما توقعت لم يروا ذلك حين وصلوا.

يا إلهي، كان كلّ شيء يمرّ بسرعة في غرفة المستشفى تلك، كان على وشك المغادرة فعلا، بدا جادّا للحظة، بدا رجلا في الثّلاثينيّات لأوّل مرّة منذ عرفته حتّى أثناء التّحقيق والاستجواب لم يبد كذلك. كان مستعدّا للمغادرة وترك كلّ شيء خلفه بكلّ ما للكلمة من معنى، ولكن هذا لم يكن يعني أنّه لن يعود ويتوسّل لأخبره الحقيقة فيما بعد فأنا فتاة يصعب التّخلّي عنها.. لم يكن وقتَ المخاطرة ولم أكن مستعدّة لخسارته يومها فهو يمثّل..يمكن القول أنّه أحد أهمّ البيادق في لعبتي أو ربّما الوزير في رقعة الشّطرنج خاصّتي في لعبتي ضدّ القدر..في الحقيقة لم أنافس القدر في ذلك الوقت بل كنت ألعب ضدّ الحقيقة محاولة إخفاء الشّرّ تحت عباءة الخير الكاذب أو يمكن القول الخير المصطنع و أنا أدرك اليوم أنّ تلك اللّعبة الّتي خضتها و القرارات الّتي اتّخذتها هي أسوء ما فعلته في حياتي فقد لعبت لعبة خاسرة..لعبة لم يكن بإمكان أحد لعبها وحده..لعبة لم يكن فيها طرفان بل طرف واحد يعبث مع نفسه في منافسة غير عادلة,دائما يكون فيها الرّابح هو نفسه الخاسر..حقيقة كنت أخشاها كلّ ذلك الوقت,حملت مسؤوليّة أكبر منّي و ما كان باستطاعتي حملها,بل هي لم تكن حتّى مسؤوليّتي،لم طلبت مني ذلك أمي..لم تكن أبدا مسؤوليتي و لا مسؤوليّة أحد و إنكار ذلك كان أبشع قرار اتّخذته في حياتي..أجل بهذه البساطة..بساطة مريرة...على كلّ حال لم تكن اللّعبة الّتي خضتها هي السّبب الوحيد الّذي جعلني أخاف خروجه من ذلك الباب و فقده إلى الأبد بل هي الحقيقة الثّانية الّتي أنكرتها و لم أصدّقها و ابتعدت عنها بأفكاري..أحبّه..أحببته بدون حدود, أو كذلك ظننت، من أول نظرة أليس هذا ما يقولنه،لكن لم يكن ذلك حبا من أول نظرة.وهي الحقيقة الّتي خشيتها طوال تلك الفترة,خفت من إدراك ذلك الحبّ لي..خفت من أن يسيطر ذلك القلب الأبله على عقلي بدل أن يحدث العكس كان يذكرني بأحد لا يمكنني تذكره،حب أريد تذكره. بالعودة إلى الوراء وإلى ما قلته سابقا.. حين كان على وشك المغادرة وصفع الباب خلفه، أوقفته..

_مهلا...

وجب عليّ فعل ذلك.. التنازل قليلا.


نوكسي غير متواجد حالياً  
قديم 26-05-20, 02:03 PM   #9

نوكسي

? العضوٌ??? » 471359
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 12
?  نُقآطِيْ » نوكسي is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الخامس.









نظرت إلى الرّجل الّذي يجلس قبالتي على الطّاولة القريبة من الّتي أجلس عليها,رجل أربعينيّ وسيم نوعا ما و قد كسا اللّون الأبيض بعضا من خصلات شعره الّذي كان عموما أسود فاحما فبدا اللّون الأبيض كدخيل عليه ممهّدا له بداية انقضاء شبابه و دخوله مرحلة جديدة و لكن مع كلّ شيء بدا جميلا و أنيقا ببدلته الرّماديّة و قميصه القطنيّ الأبيض من تصميم comme des garçon فقد ظهر الشّعار بشكل ملفت حين كان ينحني من وقت لآخر على جريدته فتتوسّع المسافة بين طرفي البدلة و يظهر القميص تحتها واضحا نوعا ما,من الواضح أنّ بعض العناوين لفتت انتباهه كثيرا,كانت جريدة يومِيُوري شيمبون إن لم تخني ذاكرتي لاحظت أنّها قديمة يعود تاريخها إلى البارحة 27 من كانون الثاني 1994و إلى جانبه على الجهة اليمنى للطّاولة كان قد وضع جريدة طوكيو أساهي شينبون و يمكن معرفة أنّه قد لاحظ أنّني أحدّق به باهتمام فقد كان ينظر إليّ من فوق جريدته أحيانا و حينها تمكّنت من رؤية عينيه البنّيتين بلون الكستناء تنسدل فوقهما بعض من خصلات شعره النّاعمة,على جانبه الأيسر وضع فنجان من القهوة لم يشرب منه كثيرا و قد شدّ انتباهي أنّه أعسر و ربّما لا, لكنّه كان يحمل فنجان القهوة بيده اليسرى ثمّ يضعه و يعيد حمله بيده اليسرى و لم يحمله مرّة واحدة بيده اليمنى إلا أنّ ساعته كانت أيضا في يده اليسرى,لا أدري لم؟

حوّلت نظري بعيدا عنه لم أرد أن ألفت انتباه الحاضرين إليّ أكثر من ذلك بتحديقي المستمرّ برجل لا أعرفه, لذا بدأت بتأمّل القاعة الدّاخليّة لهذا المقهى الهادئ و الّذي لم يسبق أن دخلته قبلا مرتشفة قهوتي الباردة ببطء,أعجبت بالأماكن الّتي يختارها ياماتو للجلوس و ارتشاف قهوة صباحيّة لذيذة فهذه المرّة الثانية الّتي أشعر فيها بالإعجاب بالمكان الّذي يصطحبني إليه مع إهمال الجانب الّذي يقول بأنّه لم يصطحبني هذه المرّة بل طلب منّي انتظاره هنا, تابعت التّدقيق بهذا المقهى و يمكن أن أقول أنّه صغير المساحة مقارنة بارتفاع سقفه,جدرانه ذات لون رماديّ فاتح و بالنّسبة إلى الجدار على يميني فقد شغلت لوحة معلّقة عليه تظهر أشجار الكرز الجميلة في فصل الرّبيع مساحة كبيرة منه,أمّا بالنّسبة للطّاولات فقد كانت خشبيّة ذات لون بني درجته تقع مابين الفاتح و الدّاكن,لون وسطيّ بعضها دائريّ و بعضها مربع,المكان عموما أنيق و لم يكن مكتظّا,الرّجل الّذي تحدّثت عنه قبالتي و مجموعة من ثلاثة نساء في متوسّط العمر في إحدى الزّوايا الخلفيّة في نهاية القاعة و إلى جانبهنّ في الجهة الأخرى شاب في مقتبل العمر يتحدّث على الهاتف أمّا على جهتي اليسرى جلس عجوز أشيب إلى جانب النّافذة مشتغلا بالنّظر إلى الخارج و احتساء قهوته الّتي بالكاد كان قادرا على حملها,مازلت أذكرهم بعد كلّ هذا الوقت و كأنّني عاودت الجلوس هناك الآن و كأنّني عدت بالزّمن وراءا,مازلت أذكر النّادلات اللّواتي كنّ يبدين في مثل عمري تقريبا إحداهنّ كانت ترتدي حذاء بلون أسود بدا و كأنّه أخرج للتّوّ من علبته من إحدى محلات طوكيو الأكثر رواجا لدى أصحاب الأموال الطّائلة لذا قلت في نفسي و أنا أحدّق إلى ذلك الحذاء "من أين لها المال لتشتري حذاءا كهذا و هي بدون شكّ تعمل بدوام جزئيّ هنا و لا يمكن أن يكفي مرتّبها حتّى لشراء فردة واحدة إلا إن كانت قد انتظرت طويلا و هي تعمل لجمع المال من أجل حذاء,لا شكّ في أنّها دفعت كلّ ما لديها للحصول عليه,يا إلهي يستحيل أن أفعل شيئا كهذا بل كنت لأجبر جدّتي على شراءه لي",لم تكن تلك الفتاة فاتنة ذات قوام ساحر إنّما كانت تحمل سحرا في ابتسامتها لذا فالشيء المباشر الّذي فكّرت فيه حين رأيتها تبتسم"حصلت عليه كهديّة,أنا متأكّدة.فيها شيء ما يجعل النّاس يساعدونها،أو بالأحرى هي مومس في إحدى النوادي الليلية بشارع غينزا".

حين دخل ياماتو بعد طول انتظار و بعدتأخّره عن الموعد حوالي عشرين دقيقة أشارت السّاعة على الجدار إلى تمام العاشرة و أربع و عشرين دقيقة.حين شاهدته يدخل القاعة باحثا عنّي بوجه يسوده القلق نوعا ما تذكّرته و هو ينظر إليّ بنفس الطّريقة حين أخبرته بالحقيقة في المستشفى,تذكرون حين كنت في المستشفى,صحيح؟لم أخبركم بما حدث بعد أن أوقفته,قلت له الحقيقة -ليس كلّها طبعا- بل المتعلّقة بالاتصال و بأنّي لا أعرف صاحبه و لم أكذب بشأن ذلك ثمّ أخبرته الحقيقة بشأن الضّربة الّتي تلقّيتها على رأسي المسكين و طبعا -ليس كلّها- أخبرته كلّ شيء عن الضّربة عدا الجزء المتعلّق بالشّجرة و قلت له أنّني لم أتمكّن من رؤية من ضربني و أنّني رأيت فقد حذاءه و كان رجاليّا مقاس أربعين ربما و أخبرته أنّ هذا كلّ ما أذكره و قد صدّقني ثمّ أحضر مسجّلا و بعض الشّرطة لأعيد عليهم ما قلته ثمّ طبعا أجبرني في اليوم التّالي أي في 27 من كانون الثاني على الذّهاب لتغيير إفادتي السّابقة بعد أن ارتحت و شفيت من الألم الفظيع داخل رأسي و كما توقّعت أخذ منّي تغيير الإفادة أكثر من 5 ساعات من الأسئلة و الانتظار و التّرقّب و طبعا تأكّدهم من حجّة غيابي و الّتي لفّقتها بطبيعة الحال ( ليس كلها ) و كنت قد حسبت حساب كلّ شيء و دبّرت الأمر مع صديقة لي و الّتي قصّتي معها مطوّلة أسردها لاحقا شرحت لها ما تقوله و نفّذت الدّور ببراعة حتّى كدت أعتقد أنّها أصبحت ممثّلة أبرع منّي و كانت التّمثيليّة باختصار كالتّالي "قمت بمساعدتها على الهرب في ليلة الجريمة من بيت زوج والدتها إلى بيت عمّها و كنت معها طوال الوقت و كوني لم أرد توريطها و كشف مكانها فقد اضطررت للكذب بشأن مكاني و طبعا أخبرناهم بأنّنا كناّ نختبئ في منزل والدها القديم و الّذي لا يعرفه زوج والدتها قبل مغادرتنا لنذهب إلى منزل عمّها في الصّباح و تسلسل الزّمن كالتّالي - في حوالي السّاعة الواحدة ظهرا كانت قد غادرت منزلها متّجهة إلى مكان لقاءنا في شارع غينزا كنت قد غادرت منزلي في شيبويا متجهة إلى هناك حوالي الواحدة و عشر دقائق كما اتّفقنا بالضّبط و ذلك يوم 17 من شهر كانون الثاني ثمّ توجّهنا إلى منزل والدها في و مكثنا هناك ثمّ غادرنا في الصباح على السّاعة العاشرة إلى محطة غينزا متّجهين نحو شينجوكو على خطّ مارونوشي حيث منزل عمّها طبعا كان علينا شرح كلّ شيء الوقت؟كيف تنقّلنا...الخ,و كنّا مستعدّتين لكلّ ذلك و تطابقت روايتانا تماما لذا لم يكن بوسعهم شيء و قد أكّد آخرون من العاملين في المحطّة أنّنا كنّا هناك ربّما تستغربون هذا لكن أنا حقّا ذهبت معها إلى شينجوكو في ذلك الصّباح...و الخ من أعمال الشّرطة الرّوتينيّة و باختصار حصلت على حجّة غياب قويّة فأنا لم أعد إلى شيبويا حتّى السّاعة الثانية عشر ظهرا بعد حوالي نصف ساعة من افتراقي و صديقتي ،عدت على خط يامانوتي و أكّد العاملون هناك ذلك و هم كانوا قد تأكّدوا من كلّ شيء حتّى شرائي للتّذاكر...الخ.-

ولنعد الآن إلى 28 من كانون الثاني حين كنت في المقهى ودخل ياماتو.

_اعذريني على تأخّري، انشغلت ببعض الأمور في العمل.

_وهل تعمل في عطل نهاية الأسبوع؟

_انشغلت ولم أشعر بمرور الوقت، هل ارتكبت جريمة بتأخّري لبعض الوقت؟

_بعض الوقت؟ تأخّرت لنصف ساعة.

_هل تحوّلت إلى نصف ساعة بهذه السّرعة، حوالي عشرين دقيقة ليس أكثر؟ كما أنّ المكان مريح هنا.

_وهل هنالك فرق؟ انس الموضوع، لم أردت رؤيتي؟

_لا لسبب، فقط أردت رؤيتك. بالمناسبة لقد قدّمت حجّة غياب قويّة سنضطر للعودة من نقطة البداية في تحقيقنا هكذا قال المسؤول عن القضيّة.

_لن تجدوه أبدا.

_القاتل؟ لم أنت واثقة؟

_قال رئيسك لوالدي أنّ هذا أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش فالجاني لم يترك دليلا خلفه.

_صحيح إلى حدّ ما، تبدو مهمّة مستحيلة.

_أتعلم بم أجابه والدي قال "وبدون وجود الإبرة". وكأنّه قال لا وجود لقاتل، ما الّذي يفترض أن يعنيه هذا؟

_ربّما أراد أن يقول أنّ العثور على القاتل مستحيل.

_أشكّ في هذا.

_على كلّ حال ألست خائفة؟ لم رفضت الحماية.

_خائفة؟ لا، لا أظنّ، و أيّة حماية تتحدّث عنها، لا شكرا، لا أريدها، أيضا لا تحاول إقناعي سبق و حاولت ولم تنجح كما أنّ رأسي سينفجر إن حاولت التّحدّث عن ذلك مجدّدا.. لا أريد أن تكون لي رفقة كظلي.

_لكن..

_سأغادر شكرا على الدّعوة.

_لا توقّفي سأغلق عن الموضوع، اتّفقنا؟

_جيّد.

_هل استأجرت شقّة بعيدا عن منزلك.

_أجل عثرت على واحدة جيّدة بنيريما، سبق ورأيتها وطلبت إلى والدي أن يستأجرها حين كنت أغيّر إفادتي.

_جيّد، هكذا أفضل.

_إذن.

_هل لديك أيّة شكوك حول هويّة القاتل؟

_لا، سبق وأخبرتكم بهذا أثناء الاستجواب وليس لديّ ما أضيفه.

مكثت في تلك الشقة مع والدي بعد ما حدث معي. كنّا قد ابتعنا بعض الأثاث من متجر متوسّط الحجم في اليوم التّالي للقائي وياماتو حيث لديهم بعض القطع الجميلة الّتي تلبّي احتياجاتنا لهذه الفترة كما أنّ الأسعار كانت معقولة وفي متناول أبي على الرّغم من تذمّره بشأن شراء أغراض جديدة.

"لم نحتاج إلى أغراض جديدة في حين لدينا كلّ ما نحتاجه في المنزل وبإمكاننا نقله قبل حلول المساء."

أذكر أنّني تأبّطت ذراعه بحنان غير معهود منّي حين كنّا في المحلّ محاولة استمالته إلى صفّي. لطالما فعلت ذلك للحصول على ما أريد منه وبات هو يعرف أن لا مفرّ من عنادي.

"لكن أبي، الأسعار ليست مرتفعة كما أنّني أرغب في الاحتفاظ بالشّقة والإقامة فيها بشكل دائم."

"الإقامة بشكل.."

"توقّف أبي، أنت لا تتوقّع منّي أن أبقى معك دائما."

"وتتوقّعين منّي أن أسمح لك بالإقامة وحدك؟ هذا لن يحدث."

"بل سيحدث، أنا في الواحدةوالعشرين ويمكنني الإقامة مع إحدى صديقاتي إن كان هذا يرضيك."

"يونا.."

"انظر إلى هذه الأريكة، أليست جميلة؟"

بإمكاني إقناع والدي بفعل ما أريده دائما، كما أنّ الشّقة مفروشة نوعا ما، ينقصها بعض الأثاث والّذي جعلت أبي يشتريه في النّهاية، دون أن يدفع ثمنا مرتفعا على الأقل.





ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ





صباح 30 من كانون الثاني أي بعد ثلاثة عشر يوما منذ دخول هينا المستشفى ذهبت مع والدي لزيارتها تعويضا عن أبي.

"لقد أخّرتني عن زيارة أختك بسبب ذلك الأثاث وهذا ليس جيّدا من أجلها لذا يجب أن تذهبي معي لرؤيتها."

"وما الّذي تستفيد منه بذهابك إلى هناك كلّ يوم، يستحسن بك أن تعود إلى عملك."

ردّ عليّ في شيء من الشّرود.

"كيف يسعني العمل وأختك في هذه الحالة..."

ثمّ أضاف.

"كيف يمكنك أن تكوني هكذا؟"

"أنا أقول هذا لمصلحتك، فالذّهاب إلى هناك والانتظار حتّى وقت متأخّر وهي حتّى لم تستيقظ بعد لن يقدّم لك احتياجاتك اليوميّة، فما الّذي تجنيه من التّحديق بها طوال الوقت؟"

"أوّلا تعرفين أنّني أخذت عطلة من العمل والمدير لم يعارض، ثانيا عليّ أن أكون معها حين تستيقظ فكوني على الأقلّ أكثر تفهّما وادفعي بكلّ هذه الأفكار الماديّة بعيدا عنك، عليّ أن أكون هناك حين تفتح عينيها، افهمي هذا."

"هذا إن استيقظت."

" ما هذا الّذي تقولينه؟"

قلت بصوت خافت وكأنّني ذهبت بعيدا عن هذا العالم.

"أخشى أن يضيع كلّ ما فعلته هباء."

"ماذا؟"

"لا شيء، لم أقل شيئا."

"لا تناقشيني بشأن زياراتي لأختك على كلّ حال."

"طبعا."

"أحقّا؟ لست معتادة على الاستسلام بسهولة أو طاعة الأوامر ببساطة."

"قطعا لا."قلت في نفسي،"قطعا لا" وحدّقت في والدي بصمت ثمّ حوّلت عينيّ عنه إلى تلك المرأة المارّة، كانت ترتدي اللّباس اليابانيّ التّقليديّ "الكيمينو" بلون ورديّ فاتح عليه رسمت أزهار الكرز الرّبيعيّة المتفتّحة في كامل إشراقتها الصّباحيّة بلون ورديّ داكن نوعا ما مقارنة بلون الكيمينو، رفعت شعرها البنّيّ بلون القهوة في تسريحة تقليديّة.

"فاتنة." حدّثت نفسي "بمظهرها البسيط هذا." لازلت أتذكّرها بتلك الطّلّة اليابانيّة المميّزة، لم تكن تبالغ في رسم حدود جمالها، فلم تكثر من مساحيق التّجميل ولا أدوات الزّينة المختلفة.. اكتفت بعقد لؤلئيّ قصير حول رقبتها العالية مثبّتة إيّاه فوق ياقة الكيمينو تاركة إيّاه مسترسلا بشكل مستدير فوق صدرها.. و أحمر شفاهها كان خفيفا بلون زهور الكرز نفسها الّتي تزيّن لباسها المبسّط بشكل ملفت. حول يدها اليمنى لفّ سوار لؤلئيّ تابع للعقدو بيدها اليسرى حملت حقيبة يدويّة صغيرة أنيقة.. أمّا قدميها فقد رفعا فوق صندل ذهبيّ بلون الحقيبة..

"فاتنة." كرّرت حين مرّت بي مبتسمة في وجهي في حين اكتفيت بإشاحة نظري عنها بلا ابتسامة بعد أن كانت ترمقني بأجمل ابتسامة.

يا لعينيها السّوداوين..

بعد أن ابتعدنا عنها بحوالي عشرة أمتار استدرت لأراها لآخر مرّة قبل أن أبتعد إلى حيث لا يمكنني رؤيتها.. جميلة، ونحن البشر يستحيل أن نكتفي بنظرة واحدة باتّجاه الجمال، لابدّ لنا من استراق نظرة ثانية.. لكن وأنا أكتب اليوم وأتذكّرها أقول لم أعجب بجمالها ذلك اليوم بل لفت انتباهي إليها أمر آخر بعيد كلّ البعد عن جمالها الخارجيّ.. شيء لم أدركه يومها، لكنني واثقة الآن أن السبب كان نظرات أبي نحوها.

حين استرقت نظرة أخيرة إليها فكّرت.

"يا لفتنة الكيمينو اليابانيّ في حين يوحي بالبساطة والسّترة."

أجل أتذكّر ذلك، أجمل الأشياء هي تلك البسيطة وأكثرها فتنة وإغراء هي تلك المتظاهرة بالخجل.. لكنّي لم ألتفت لأيّ من هذا يومها.. عيناها.. أين رأيت مثل تلك العينين؟

ثمّ أيعقل أنّي لفت انتباهها أيضا.. ربّما أحسّت ببعدي عن اللباقة لعدم الرّدّ بابتسامة نحوها.. فأكثر ما يغيظنا ويلفت انتباهنا عدم الاكتراث.. اللامبالاة الّتي يمكن أن يواجهنا بها الآخرون..

لماذا استرقت هي أيضا نظرة إليّ...؟

ومن يدري؟ ربّما لم تكن تنظر إليّ أنا؟

فأبي.. أجل أبي.. لم يسبق أن رأيت مثل ذلك التّوتّر والقلق في عينيه..

"هل أنت بخير؟"

ردّ ضاحكا بمبالغة ظاهرة.

"بالله عليك، ماذا يمكن أن يكون بي؟"

هو حتّى حين حاول إخفاء توتّره عنّي بعد أن سألته ذلك محاولا تغيير الموضوع أخطأ اسمي.

"سايا، ما رأيك أن نتناول الغداء معا بعد زيارة هينا."

سايا؟ من هي سايا هذه؟

قلت متعجّبة.

"سايا!"

"هل قلت هذا؟ أنا آسف عزيزتي."

"من هي سايا هذه؟"

"لا أدري، كان هذا مجرّد اسم، آسف، خطأ غير مقصود لا تحوّلي الأمر إلى قضيّة كبيرة."

اكتفيت بالتّحديق به صمتا دون أن أظهر أيّ شيء على ملامحي، وقد استغربت فعلي لذلك وعدم مناقشتي للأمر حتّى أحصل على كلّ الأجوبة الّتي أريدها.. اكتفيت بصمت لا وجه له..

فعل غريب من ناحيتي.. غريبة كنت ذلك اليوم...

حين دخلت المستشفى صفعتني رياحه حاملة رائحة الموتى,رائحة دموع أقربائهم..نفس رائحة الحزن الّذي نلتقي به على وجوههم,قد يكون..مزيّفا..أو ربّما حقيقيّا..قد يكون ينعا..و أحيانا ذابلا..تتشابه وجوههم و تختلف أحزانهم..لكن في النّهاية جميع أحزانهم فيها شيء مشترك"الزّوال"كلّها ماضية نحو النّسيان مهما اختلفت الفترة الّتي نحتاجها لننسى..هكذا نحن..نتعلّم العيش بالنّسيان،نسلك طريقنا نحو النّسيان لنتابع حياتنا بعيدا عن كلّ تلك الأحزان.في انتظار الحجارة الّتي يرميها القدر إلى طاولتنا،في انتظار مساعدة منه نتعلّم أن نتأقلم و حجارته,قد تكون حجارة سعادة أم تكون حجارة الهزّات النّفسيّة الّتي تنهال علينا مخلّفة وراءها بقايا أحزان قديمة تحلّ محلّها الحديثة..وهكذا ننسى,قد يستغرق الأمر أسابيعا أو أشهرا و ربّما حتّى أعواما لكنّنا في النّهاية ننسى..حين تمرّ بتلك الوجوه تصادف الكثير،أحيانا ترى وجوها فيخيّل لك أنّك تمرّ بمقبرة..بعض الوجوه أشبه بلوحات فنّيّة,تسترق النّظر إليهم فتتذوّق أحزانهم و تصافح ماضيهم..بعضها مليء بالأسى..و أخرى باليأس..يغشى بعضها أمل خامد آيل نحو الذّبول,أمّا البعض الآخر فتغطّي ابتسامة أمل نبت لتوّه على عبوس يأتي متأخّرا عن موعده..خلف كلّ خطّ حزن مرسوم على وجوههم قصّة مضت..ووراء كلّ خطّ لم ينحت بعد فوق وجوههم قصّة لم تكتب بعد..و مع كلّ خطّ لم يكتمل قصّة لم تنته في انتظار أن تكملها صفعات القدر الغاشمة.

بعد كلّ شيء الحياة مستمرّة إلا حين نقرّر نحن بغباء لعب دور القدر دون إذن من الحياة..

هل بإمكاننا استئذانها...؟

كنت أنظر إلى هينا حين سقطت دمعة ندم على خدّي، مسحتها، لم أرغب في التّراجع ولا رغبت في الالتفات إلى مشاعر غبيّة ساذجة بلا معنى، كلّ ما رغبت فيه هو المضيّ قدما فيما أفعله.. فلقد سلكت هذا الطّريق على كلّ حال ولا سبيل للعودة.

حين نظرت نحو عيني أبي و هو إلى جانبها شعرت بقشعريرة مخيفة تسري في جسدي..في أطرافي و ربّما داخل قلبي, كانتا تلمعان,عيناه تحملان بريقا مختلفا,انعكاسا خاصّا حتّى حين تمتلئان دموعا..شعرت بالخوف..اختنقت,كان نفسي ينقطع.استدرت بعيدا و أخذت أجري,كنت أركض,و أركض..تابعت الرّكض و في كلّ دقيقة مرّت أحسست بانقطاع نفسي أكثر و أكثر,اعتصر الألم صدري,شاهدت عيون النّاس و هي تلتهمني بنظراتها..حين وصلت إلى الخارج توقّفت عن الرّكض,بل لم أخط خطوة أخرى,توقّفت عن الحركة تماما و سقطت أرضا جالسة على قدميّ ثانية ركبتيّ و الألم يزداد حدّة في صدري،أركعني الألم,في تلك اللّحظة تماما و أنا أحاول جهدي لأتنفّس شاهدت عجوزا فضّيّ الشّعر قصير القامة ذا ملامح رقيقة يتّجه نحوي مسرعا لاحظ بالتّأكيد أنّني لست على ما يرام..لاحظ الجميع ذلك,لكن من يكترث؟ما يحدث ليس سوى شيء روتينيّ يحدث كلّ دقيقة في العالم,وضع يده على كتفي و انحنى نحوي جالسا على إحدى ركبتيه و قبل أن يهمّ بسؤالي سرقت بعض الكلمات من نوبة تنفّسي الصّعبة.

"لا.. أقدر.. على.. التّنفّس."

لحظتها توجّه بنظره بعيدا عنّي وطلب المساعدة ثمّ عاد ينظر إليّ.

"اهدئي يا ابنتي، حاولي أن تتنفّسي، هيّا بهدوء.. لنتنفّس معا، شهيق، زفير.. هيّا، شهيق، زفير."

وفي الوقت الّذي كنت أحاول فيه التّنفّس جاهدة وصل ممرض حاملا عدّة تنفّس إليّ ووضعها حول فمي.. شعرت بأنّني أفضل.. شعرت وكأنّ رئتاي يعودان للعمل أخيرا، وكأنّ روحي عادت إلى جسدي بعد أن خرجت منه، لم أحط بالنّاس من كلّ جانب فأنا على كلّ أمام مستشفى وقد شبع جميع من هنا من هذه الحوادث ولم تعد تثير اهتمام أحد، إلى جانب الممرّض وقفت سيّدة جميلة في عقدها الرّابع في عينيها قلق ظاهر.. وقفت عابسة تسأل في كلّ دقيقة إن كان بإمكانها تقديم المساعدة.

حين شعرت بالتّحسّن أشرت للمرّض بذلك وكان هو الآخر قد لاحظ أنّني أفضل وأتنفّس بشكل طبيعي لذا نزع عنّي قناع التّنفّس.

"كيف تشعرين الآن؟"

"أفضل بكثير، شكرا لك".

ولكن مع ذلك كان لا يزال صوتي ضعيفا متعبا.

"تفضّلي إلى المستشفى وسيقوم الطّبيب بفحصك".

"لا داعي، أنا بخير".

"الأمر لن يأخذ منك وقتا طويلا وسيمكننا الجزم بأنّك بخير".

حينها تدخّل العجوز صاحب الشّعر الفضيّ، ولحظتها فقط أدركت مدى الحنان الموجود في صوته.

"معه حقّ يا ابنتي، قومي بالفحوصات اللازمة".

"لا حاجة لذلك، أنا حقّا بخير، أقوم بذلك في وقت آخر".

استسلم الممرّض لحظتها وقال أنّه ليس بإمكانه إجباري ومع ذلك نصحني بإجراء الفحوصات وزيارة الطّبيب سريعا، أعربت له عن شكري بالعبارات المملّة نفسها الّتي نكرّرها غالبا، ونهض عائدا إلى المستشفى.

قام العجوز بإمساكي من ذراعي ومساعدتي على النّهوض وتوجّه بي إلى أقرب كرسيّ ثمّ غادر تاركا إيّاي مع السّيّدة الأربعينيّة.. بالتّأكيد بعد العبارات المملّة نفسها...الخ.

"متأكّدة من أنّك بخير؟ أليس أفضل لو أنّك تجرين تلك الفحوصات، لن تخسري شيئا".

"أقدّر لك قلقك لكنّني متأكّدة أن لا داعي لذلك".

"أنت أدرى، أهناك شيء يمكنني فعله من أجلك؟".

"لا، شكرا لك".

"إذن سأغادر، لكن إذا احتجت أيّ شيء اتّصلي بي، تفضّلي، هذا رقم هاتفي أكون معظم الأوقات في المنزل".

وبعد بضعة كلمات، غادرت هي الأخرى.

فكرت بياماتو..

بعد أن كنتِ من تغزين كلّ تفكيري بات هو من يفعل ذلك...

لطالما خفت ممّا يمكن أن أفعل لأجلكِ.. لكن أخاف من حبّي له أكثر.."أكره الحبّ".







غادرت المقعد حيث تركتني تلك السّيّدة (لم أسأل عن اسمها) بعد أن مكثت فيه لساعتين عل الأقل.. أقول غادرت المستشفى متوجّهة إلى شقتي، وقبل أن أقطع نصف المسافة إليه رنّ هاتفي، وإليكم المكالمة كما أذكرها بالضّبط..

"مرحبا.. من معي؟"

تذكّرت، لم يكن الرّقم معروفا. وهذا الرّد..

"أسمعت جيّدا، قلت لي مرحبا".

حين سمعت الصّوت وكأنّ قلبي توقّف.. قدماي أخذتا بالارتجاف كما لم تفعلا من قبل، شعرت بالحرارة تلتهم جسدي.. حينها استندت على جدار المبنى الّذي كان بالقرب منّي فقد كنت واثقة من أنّني سأسقط في أيّة لحظة، أتى الصّوت الذّكوري مجدّدا ليشدّ حواسّي عميقا.. ويأخذني إلى ذلك الزّمن.. لم فكّرت في طفولتي، لا أدري؟ ...

رأيت تلك الفتاة، استدارت مبتسمة حين لمس أحدهم من الخلف.. شعرها القرميدي القصير..

"مازلت معي، صحيح؟"

لم يسمع ردّا منّي، فأضاف.. بذلك الصّوت الطّفوليّ المرح..

"هيّا، أين أنت إيومي؟"

(قال أيومي.. أجل قال إيومي، كيف؟ لا أحد يعرف.. ليس إيومي.. لا، لم ينادني أحد بأيومي منذ خمس سنوات.. لم الآن؟ بعد كلّ هذا الوقت، حتّى أنا نسيت هذا الاسم.. كيف له أن يعرف؟ من أين عرف اسمي؟) ,كلّ هذا وأكثر جال بخاطري يومها، بقيت ممسكة بالهاتف لفترة بدت طويلة في حالة ذهول، انهالت عليّ فيها عبارات الاستفهام كشلال بكلّ اللّغات الّتي أعرفها، ثمّ برّرت ذلك بأنّني لم أسمع ذلك وليس سوى عقلي من اختلق كلّ هذا، فقد كنت أفكّر في طفولتي وذلك لن يمنع.. لكن ما الدّافع وراء تفكيري في طفولتي بداية؟

قاطعني صوته مجدّدا.. أتى ملغيا كلّ التّبريرات الّتي صغتها محاولة الهروب من الواقع..

"إيومي، هاي إيومي أجيبيني.. لا ترغبين في التّحدّث إليّ؟"

شخص واحد اعتاد أن يناديني هكذا وهو لم يعد موجودا لا في ذاكرتي ولا في هذا العالم، فمن أين لهذا أن يعرفه.

كان في صوته ما يلحّ عليّ لأتذكّر شيئا في طفولتي لا أستطيع أن أحدّد ما هو.. صوت رقيق مختبئ وراء صوت ذكوريّ قاس، يبعث قشعريرة حادّة في الجسد، ربما بسبب خوفي.. ,أنهيت المكالمة دون أن أقول كلمة...

ثمّ تسمّرت عيناي فوق شاشة الهاتف و كأنّني أنتظر صوته مجدّدا، ربّما يكون هو المفتاح الّذي أستعيد به ما سرق منّي، رغم أنّ تفكيري كان ذلك آخر ما يتمنّاه، لم تمرّ دقيقة حتّى ظهر الرّقم مجدّدا على شاشة الهاتف معلنا بتلك الرّنّة القصيرة عودة إلى الماضي...قفزت في دوّامة التّردّد و التّساؤل أأجيب أم لا؟ هو السّؤال الّذي شغل كلّ حيّز تفكيري.

أجبت في النّهاية.

"من أنت؟"

"أخيرا نطقت، لم هذا الصّوت المرتجف؟ لم أعرفك هكذا؟"

"من تكون؟ من أين لك أن تعرفني؟"

"لم تتعرّفي على صوتي، حسنا هذا طبيعيّ إلى حدّ ما، لن أطالبك بمعرفته، لكن.."

قاطعته وقد نفذ صبري وكذلك طاقتي، ولم أعد أقدر على حمل نفسي..

"من أنت؟ لم اتّصلت؟"

"استرخي لا داعي للقلق، أجيبك عن السّؤال الثاني أمّا الأوّل فلا.. تعرفين اسمي لاحقا بعد أن يقتلك الفضول.."

"ما الّذي..."

قاطعني.

"أديري رأسك ناحية اليمين، وتوجّهي مباشرة إلى الأمام وابقي كذلك حتّى أتّصل بك مجدّدا."

"ولم أفعل؟ ما الّذي يدفعني لذلك؟"

"ألن تشعري بالفضول؟"

"تقول الفضول. هل أبدو لك غبيّة إلى هذا الحد؟ كما أنني لم أتناول غدائي بعد"

ضحك بشكل هستيريّ لا يصدّق، حتّى أنّني اضطررت لإبعاد الهاتف قليلا عن أذني.. ولكن من جهة أخرى أجبرت على الابتسام، صحيح، ستقولون وهل يبتسم أيّ كان في موقف كهذا؟!!لكن الحديث إليه كان مختلفا.. أو لا أدري؟ قد أكون غبيّة حقّا، ساذجة...أو بالأحرى مجنونة وأفعل ما لا تقدر كلّ الفتيات على فعله، كلّ شيء يسير دائما كما أريد، أحبّ بجنون وأكره بجنون أكبر.. لا أكترث للمبادئ الّتي يقدّسها الكثير لكن لا أكسر أيّا من قوانيني ولا أحيد عن أيّ من مبادئي، أجعل الجميع يسير وفقا لرغباتي كيفما كانت الطّريقة...

وهو كان يعرف هذا..

"ولكنّك لا تسميّن ذلك غباء، فمتى كنت تبالين بما ينتظرك خلف السّتار الأسود؟ إلا إن كنت قد تغيّرت 180 درجة. ولن تموتي بشأن الغداء"

"بما أنّك تعرف هذا فأنت تعرف أنّني لا أفعل شيئا دون مقابل."

"أعرف، لكنّك سبق وفعلت أشياء من دون مقابل لشخص واحد، لذا..."

"لماذا تفعل هذا؟ ماذا تريد منّي؟"

"كم أحبّك حين تكونين جادّة."

لم أجبه فأنا أفكّر في شيء وهو.. كما أنّ الأمر بدأ يبدو وكأنّه لعبة سخيفة من شخص ساخط عليّ أو شيء كهذا، لكن ما لم أكن أفهمه هو كيف يعرف اسم إيومي؟

قطع عليّ حبل أفكاري..

"أين شردت؟"

"لم تجبني عن سؤالي."

"أعشقك."

"حقّاّ؟"

"أها، افعلي ما طلبته منك."

"لا يمكن أن تأخذ منك كلمة."

أنهى المكالمة بعد عبارتي تلك كما أذكر,كان من الصّعب استخراج كلمة واحدة من حلقه,عرف ما يفعله,و كيف يقوم بكلّ شيء.أدرت رأسي ناحية اليمين,قلت في نفسي"شارع مكتظ,ماذا يمكن أن يحدث لي؟"رغم أنّني عرفت أنّ بإمكاني أن آتي بألف حجّة تنقض ذلك قمت بأوّل خطوة نحو ذلك الشّارع,كنت ألاحظ كلّ شيء من النّاس إلى أصغر جزء فيه,لم أترك شيئا لم ألاحظه,تعمّدت السّير ببطء و جاراني الوقت في ذلك,لأوّل مرّة في حياتي ألاحظ ذلك الكمّ من الوجوه ذوي العيون الآسيويّة "اليابانيّة" بالتّحديد,بالتّأكيد كنت مختلفة عنهم جميعا و غالبا ما شعرت بذلك أثناء إقامتي في اليابان ليس الأمر و كأنّ اليابانيّين عنصريّون و لكن ذلك كان راجعا لما في أعماقي,ديانتي مختلفة و كذلك عيناي,لون بشرتي و مبادئي كذلك,و في أيّ بلد غير بلادك يمكن أن تجد من يعتبرك مختلفا و من يمكن أن يعاملك كدخيل.حسنا و بالعودة إلى ما كنت أقوله وصلت إلى مفترق طرق,توقّفت متأمّلة المكان للحظة ثمّ أخرجت هاتفي و أخذت أحدّق فيه منتظرة اتّصاله تسبح في عقلي ذكرى تلك الضّربة في باحة منزلنا الخلفيّة,اقشعرّ بدني لذلك و إذا باتّصاله يقاطع ذاكرتي مجدّدا.

"تبدين فاتنة في ثوبك هذا."

"دعك من هذا...ماذا انتظر لحظة، أين أنت؟"

"لا تقولي لي أنّك فكّرت في أنّني لا أراقبك."

"لا أدري فيما فكّرت من البداية، يا إلهي."

"أخبريني بشيء واحد، كيف لي أن أعرف مكانك لو لم أكن أراك؟"

"لم أفكّر في الأمر، من أين تراقبني؟"

"وكأنّني سأجيبك."

"جرّبت حظّي، إلى أين الآن."

"أوقفي سيارة أجرة، وتوجّهي إلى متنزّه شينزان سو، ثمّ انتظري اتّصالي."

"لمَ لم تقل توجّهي إلى متنزّه شينزان سو من البداية؟ أردتني أن أعرف أنّك تراني؟"

"أردت أن أتأكّد من أنّ إيومي

لم تتغيّر."

"أنا لم أعد إيومي منذ زمن طويل."

"ألا يقودك هذا إلى معرفتي. كما أنّ إنكارك لها دليل على أنّها لا تزال تسكن أعماقك."

"لا ولا وسؤال أخير."

"تفضّلي، لكن تحت شرط واحد."

"هو؟"

"أجيب عن سؤالك فتجيبينني بدورك عن سؤالي."

"الّذي هو؟"

"ماذا حدث لذكرياتك؟"

"حدّد؟"

"قبل حوالي خمس سنوات"

"رمي بجزء منها بعيدا عنّي."

"كيف؟"

"اتّفاقنا ينصّ على سؤال واحد."

"لطالما كنّفك الغموض، لم تتغيّري."

"دوري، من أنت؟"

"لم يكن هذا ما أردت جوابه قبل قليل؟"

"علينا التّأقلم وانتظار الفرص، لنكون على استعداد لاغتنامها."

"ليس معي."

"أجب سؤالي."

"شخص طالما انتظرك، طوال حياته."

"ليس هذا ما قصدته بسؤالي، قصدت اسمك؟"

"يحقّ لك سؤال واحد، هذا هو الاتّفاق."

"لكن أنت..."

"أنت شدّدت على هذه القاعدة."

أقفل الخطّ قبل أن أضيف شيئا وأنهي كلامي ومجدّدا دون أن أنال كلمة واحدة في غير موضعها، لا يخطئ كيفما استدرجته.

خمس سنوات قال، بدأ الأمر يصبح مخيفا.

استرجعت كلماته"ليس معي.",أحقّا؟ سنرى. قلت في نفسي ورفعت يدي إلى سيّارة أجرة.

"إلى متنزّه شينزان سو.. لو سمحت."





وصلت إلى المتنزّه السّاعة الواحدة و خمس دقائق ظهرا,لم يكن مكتظّا و هذا أكثر ما خشيته,استجمعت قواي..أخذت نفسا عميقا و قبل أن أخرج من سيّارة الأجرة نظرت إلى السّائق,عيناه كانتا تشعّان بريقا أسودا,امتلأ وجهه بخطوط الزّمن,أتذكّر شعره الفضّيّ الناعم..كلّ ما فيه مختلف عن ما امتاز به جدّي أو زوج جدّتي كما يصحّ أن أقول"اشتقت إليكَ"قلت في نفسي مردّدة العبارة الّتي لم تتركني منذ ذلك اليوم(17من كانون الثاني)"أكان عليّ فعل ذلك؟"لم تغادر هذه الكلمات مخيّلتي,أخذت قلما و ورقة من حقيبتي كتبت شيئا و طويت الورقة,فكّرت لدقيقة..ارتجلت و نظرت إلى صاحب الشّعر الفضّيّ من النّافذة و عيناه تحدّقان بي كلؤلؤتين بلون الفحم الأسود.

"انتظرني هنا، من فضلك.. سيّدي،أدفع لك حقّ انتظارك لي."

"طبعا، لا مشكلة، أرجو أن لا تتغيّبي طويلا."

"إن لم أعد بعد نصف ساعة.. افتح هذه الورقة واقرأها، من فضلك لا تفتحها قبل نصف ساعة."

كان على وشك قول شيء ما حين قاطعته.

"أرجوك انتظرني هنا سيّدي، وافعل ما طلبته منك، لو سمحت."

أظنّه اقتنع في النّهاية فهو فقط شدّ على الورقة داخل قبضته الواهنة وقال.

"أرجو أن لا تتأخّري، لديّ أولاد لأعيلهم."

ابتسمت واستدرت بعيدا عن السّيّارة متوجّهة نحو أقرب كرسيّ حيث تجلس سيّدتان,تحمل إحداهما رضيعها في يديها,جلست مقابلة لهما منتظرة اتّصاله,أفكّر,و أذكر أنّ الأفكار كانت تقفز إلى عقلي قبل انتهاء أيّ منها"إن كان يراقبني فهذه فرصتي لأراه..المكان ليس مكتظّا يمكن أن أميّزه..يحمل صوت شابّ ثلاثينيّ..هذا إن لم يتوجّه نحوي حاملا مسدّسا في يده..فكّري,فكّري,ماذا يمكن أن أفعل؟..انتظري لحظة,هو دائما يتّصل بي بعد مدّة قصيرة من وصولي و هذا يعني أنّه يمشي على مقربة منّي..",نظرت إلى ساعتي مجدّدا "13:15",فكّرت "لا أزال على مقربة من باب المتنزّه,استغرقني الوصول إلى هنا خمس دقائق,لم لم يتّصل بعد؟...أجل لن يدخل من الباب الّذي دخلت منه,إذن أيّ باب؟الأقرب إلى هذا".نهضت من مكاني و توجّهت للبحث عن أقرب باب ناسية منطقة الأمان الّتي اتّخذتها قرب السيّدتين..مأخوذة بالّلحظة..يا لسذاجتي...

رأيت الباب على بعد 30 قدما عنيّ، نظرت حولي.. فإذا باتّصاله يفاجئني، فزعت حين سمعت رنّته وكأنّه نقلني من اللاوعي إلى الوعي..

"تبحثين عنّي، اشتقت إليّ؟"

لم أقل شيئا، كنت واثقة أنّ صوتي سيرتجف إن نطقت بكلمة واحدة.

"تريدين معرفة السّبب وراء مجيئك إلى هنا؟"

جمعت أشلاء صوتي.

"أليس لتتحدّث إليّ؟"

"لا."

"إذن؟"

"أترين حاوية القمامة المقابلة لك؟"

نظرت نحوها.

"حاوية قمامة؟ لم؟"

"توجّهي نحوها، ستجدين جوابَين لسؤالين يحيّرانك."

"أأجد صورة لك."

أجاب ضاحكا.

"لا.",وأغلق الخط.

لن تصدّقوا مقدار الشّجاعة الّتي كان عليّ استجماعها للوصول إلى حاوية تبعد عنّي حوالي 20 قدما، كنت في كلّ خطوة أخطوها أموت مئة مرّة حتّى أنّ أسخف الأفكار قفزت إلى ذهني (أهو في حاوية القمامة؟)في حاوية القمامة، يا لسخافتي (في حاوية القمامة!) فيم كنت أفكّر يومها؟ لا أدري! مع ذلك وصلت إليها في وقت قصير رغم أنّني شككت في أنّ قدماي ستتمكّنان من إيصالي.

نظرت داخلها...ويا لصدمتي.. لا شيء، اشتعلت غضبا وفكرت أخيرا في أن كل هذا كان مجرد لعبة سخيفة من البداية.

قاطع اتصاله حبل أفكاري.

أجبت.

"أتسخر مني، هل أنا لعبة بالنسبة إليك؟"

"اهدئي، لست.."

قاطعته.

"جعلتني أقطع هذه المسافة لأنظر داخل حاوية قمامة؟ يالسذاجتك"

"قلت لك اهدئي إيومي، انظري خلفها. لم أستطع وضع.. ذلك في حاوية قمامة".

نظرت داخل ذلك الصندوق..

كانت تنظر إليّ كلّها.. دموعي بدأت تنهمر قبل أن أدرك الموقف الّذي أنا فيه بالضّبط.. داخله.. يوجد صندوق معدني رث، قديم.. الصّندوق نفسه الّذي حدّقت به قبل أيام وقبل عدّة سنوات نسيت لحظتها عددها.. الصّندوق الّذي كان في منزلنا اليابانيّ القديم، منزل جدّ والدي.. الصّندوق الّذي صبغته الدّماء من الدّاخل قبل سنوات عديدة، صبغته اليوم بنفس الطّريقة وعلى إحدى جوانبه رسم قلب متقن بالدّماء إلى جانب قلب برسم طفوليّ غير متقن قديم محته أنامل الزّمن.. إذن هاهو هنا، ما كنت أبحث عنه خلف الشّجرة العجوز.. إذن فقد صدقت توقّعاتي ومخاوفي فأنت من ضربني في باحة المنزل يومها..

و ضعت يدي على فمي..حدّقت بالجنّيّة الصّغيرة المخيفة الّتي تمثّل قدماها قبضة لعصى سحريّة طويلة ممتدّة فوق ذراعيها المتلاصقتين,لعبة أطفال,عيناها كانتا الجحيم بالنّسبة إليّ يومها(رغم أنّها كانت يجب أن تبدو ملاكا,فهي لعبة أطفال,غير أنّها بدت شيطانا)..تغطّيها الدّماء من كلّ جانب..بكيت و أنا أرى رأس جدّتي..شعرها المنزوع عن جانب من رأسها,إلى جانبه داخل نفس الكيس البلاستيكيّ الّذي أصبح أحمرا من الدّماء, تقبع..كيف أقول هذا..عينا جدّي بلا شك,أجل.وما لا يمكن أن أنساه(دميتي,ذلك الدّب المحشو..محشوّ بالشر يمكن أن أقول قبل أن أتبعها بكلمة الصّوف,ممزّقا كان)..لم تكن قدماي تقدران على حملي أكثر,نظرت يمينا و شمالا لم يكن هنالك أحد..غطّى الفزع على تفكيري,أردت أن أغادر,لكن قواي خانتني,حين شعرت بقدميّ ترتخيان و عرفت أنّني سأسقط أرضا و ستكون نهايتي حينها بالتّأكيد...شعرت بيد تعانق حوضي,تمسكني و تسند جسدي..لم يكن عقلي قادرا على التفكير و مع ذلك تمكّنت من إدراك ما يحدث.

"ستكونين بخير. ألست من أراد رؤية هذا، تذكّري كنت تبحثين عنه."

حين كدت أدير رأسي لأراه.

"لا تستديري، ولا تصرخي.. أحذّرك.. أبق على صمتك وستكونين بخير، أعدك."

"ليست لعبة، لم تكن كذلك أبدا."

"أنت أردتها..."

"أجل، جلبت هذا لنفسي، لكن ليس بإرادتي...على الأقلّ لست كاذبا فقد وجدت جوابين لسؤالين محيّران حقّا.. لكن قاسية جدّا هي الإجابة."

"وماذا كنت تتوقّعين غير هذا."

"لست بنادمة عمّا فعلته."

"لم تتغيّري، كما عرفتك دائما.."

"دعني أذهب، إن كنت حقّا تحبّني."

"آسف، لا أستطيع."

"أتيت بقدميّ.. على الأقلّ أخبرني من تكون."

"لا."

"أيعقل؟ بارد جدّا."

"لم تتغيّري أبدا، يسعدني أنّك لم تفعلي، اغفري لي ما سأفعله الآن."

قتلني الخوف يومها، قتلني التّفكير فيما سيفعله.. لم أستطع فعل شيء يمكّنني من الهرب، خارت قواي.. عرف كيف يجعلها تتلاشى.. وعاتبت نفسي"لم ابتعدت عن السّيّدتين؟"

أحسست بيده خلف رأسي تبعد خصلات شعري عن عنقي.. كانت لمسته ناعمة جدا.

"ما الّذي يفعله بحقّ السّماء"كانت آخر عبارة قلتها لنفسي ذلك اليوم.

طبع قبلة أسفل عنقي، أحسست بشفتيه مجددا أعلى عنقي.. انتظرت قبلة ثالثة يمكن أن أقول، لكن لم يكن هنالك من ثالثة وإنما قبل أن.. لم أشعر إلا وجسدي يسقط على ذراعيه وأنا أفقد وعيي بعد ضربة تلقّيتها خلف عنقي.. حتّى الألم، لم يدم طويلا.. إن لم أقل لم يكن أبدا...


نوكسي غير متواجد حالياً  
قديم 10-06-20, 12:39 PM   #10

نوكسي

? العضوٌ??? » 471359
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 12
?  نُقآطِيْ » نوكسي is on a distinguished road
افتراضي

الفصل السّادس.

رواية ياماتو أكييَاما.







حسنا..

أبدأ بهذه الكلمة قصّتي مع عائلة كويزومي

,مع الأختين بالتّحديد.

سأكتب ما حدث كما طلب منّي أن أفعل رغم أنّي لم أكتب في حياتي,لكن أعتقد أنّ الأمر لن يكون صعبا جدّا فهو مجرّد نقل لما عشته على ورقة و سأحاول جاهدا أن أكون نزيها قدر المستطاع رغم أنّ "النّزاهة" ليست من صفاتي الحميدة(هذا إن كنت أتّصف ببعضها).

اسمي ياماتوأكييَاما، العمر:34سنة.

أعمل مساعد محقّق، أحاول أن أسس عملي كمحقّق خاص(لطالما كان ذلك هو هدفي..أظنّني قرأت الكثير من الرّوايات البوليسيّة!).

أقطن بتايتو في طوكيو.

صفاتي:وسيم جدّا,الأوسم على الإطلاق,منضبط في عملي,ماذا يمكن أن أقول أيضا؟لا شيء.يمكنكم التّعرّف عليّ من خلال ما سأكتبه..أو ما ستكتبه يونا عنّي,سمعت أنّها ستروي جزءا من ما حدث هي الأخرى..أتذكّر جمالها..فاتنة جدّا..هي...لكن ذلك التّشوّه..تلك العلامة...مع كلّ شيء هي الأجمل على الإطلاق و مستعد لأفعل أيّ شيء فقط لأنالها.

بدأت القصّة يوم 18 من شهر كانون الثاني 1994 أكيهابارا،طوكيو.في ذلك اليوم و تحديدا على السّاعة الحادية عشرة و النّصف صباحا تلقّينا بلاغا عن جريمة قتل من السّيّدة ساواكو هوندا و زوجها السّيّد كايتو هوندا,حين كنّا في طريقنا إلى هناك كلّ ما فكّرت فيه و كلّ ما اكترثت له كان تنفيذ الأوامر حرفيّا,هذا ما فعلته دائما.لحظة وصولنا كانت سيّارات الشّرطة قد سبق و تحلّقت حول المكان و فور نزولنا بدأت مهمّتي...توجّهنا مباشرة إلى مصرح الجريمة و لن تصدّقوا ما رأيته..تفاجأت بشكل لا..أو يصحّ أن أقول أنّ الجميع كان فاغرا فاه من وقع الذّهول,رغم أنّه مجال عملي إلا أنّني في حياتي لم أتخيّل أن أرى شيئا كهذا,ظننت أنّ مثل هذه الأمور لا تحدث إلا في الأفلام الهوليودية.لكن بعد التّفكير في الأمر أسحب كلامي فمن أين للأفلام أن تتأتي بها من غير الواقع..

كانت تلك الغرفة أشبح بلوحة مرسومة بالدّم,حمّام من الدّم,بركة من الدّم,بحر,نهر..أيّا كانت الكلمة الّتي يمكن أن تعبّر لكم أو ربّما تستعملونها لتدلّ لكم عن كميّة كبيرة,كبيرة جدّا من شيء سائل,هذا الشّيء أعطوه لونا أحمر..تخيّلوا معي تدخلون غرفة ما و في عقولكم كنتم قد تخيّلتم شيئا آخر,شيئا يشبه ما ترونه عادة,شيئا قد أصبح عاديّا بالنّسبة إليكم لأنّكم ترونه كثيرا...ومن هذا المنطلق تكوّنون صورة لما سترونه,أي أنّكم قبل كلّ شيء قد حكمتم على الأمر في عقولكم و كيفما كان حجم الفظاعة الّتي وضعتموها في عقولكم فهي تبقى عاديّة بالنّسبة إليكم,و يمكن تصوّرها...أقول توشكون على الدّخول إلى الغرفة و قد كوّنتم سابقا صورة أو عدّة صور يمكن أن أقول و كلّها تدور في مصطلح الغير معقول العاديّ الّذي أصبح معقولا بالنّسبة لتجربتكم مع الأمور المماثلة,و حين تدخلون الغرفة تحلّ الكارثة..ليس كارثة نوعا ما,يمكنكم البحث عن مصطلح أخر,لن أتعب نفسي في التّفكير عن مصطلح مناسب..تصابون بالذّهول,ربّما يتوقّف عقلكم عن التّفكير(ليس المعنى الحقيقيّ لكلمة"يتوقّف",و إنّما المعنى المجازيّ لها),عينان غائرتان مفتوحتان على آخرهما,فاغرين أفواهكم لدرجة أنّ مريئكم يظهر لمن يراكم,كتف منحني نحو الدّاخل,الرّأس يبدو و كأنّه انفصل عن الرّقبة,و كأنّكم في وضعيّة ما لإثارة الضّحك,يا إلهي كيف بدا الجميع يومها(و أنا من بينهم,لكن أوسم بكثير طبعا),تخيّلتم الأمر؟لكن تلك الفظاعة لن تزعجكم.صحيح؟بالنّسبة إليّ لم تحزنّي..سأصف لكم شعوري..

أوّلا:أشعرني ذلك المنظر بالقرف صراحة,ليتكم كنتم هناك ووصلت تلك الرّائحة إلى أنوفكم...(إلهي...).

ثانيا:وسّعت آفاق معرفتي حول المدى الّذي يمكن للإنسان أن يصل إليه من الشّرّ أو الوحشيّة يمكن أن أقول,و هذا يجعلني ملاكا طبعا.

و ثالثا:جعلتني أشعر بفضول و تشويق كبير حول هذه الجريمة و أعطاني ذلك المنظر شعورا غريبا لم يسبق أن أحسست به في أيّ من القضايا السّابقة..

و رابعا:جعلتني ألتق يونا كأثر مستقبليّ.

ثمّ ما حدث بعد ذلك الذّهول الّذي أصابنا هو أنّنا بدأنا بمعاينة موقع الجريمة و محاولة جمع ما نستطيع من أدلّة و خيوط للوصول إلى القاتل طبعا.(العمل الرّوتينيّ المملّ المعتاد).

بدأنا أوّلا بمعاينة الجثّتين.طبعا تخطّى الجميع مرحلة الذّهول و بدؤوا بإنجاز عملهم و كأنّ المنظر لم يؤثّر فيهم بتاتا.بعد كلّ شيء نكسب رزقنا من هذه الجرائم لذا يمكننا تخطّي بشاعتها كيفما كانت و لا أحد منّا يتمنّى اختفاء المجرمين و المنحرفين أو حتّى القتلة رغم أنّ الجميع يدّعي عكس ذلك.

كانت الجثّة الأولى لذكر في العقد السابع من عمره أجنبيّ(شخص مهم كما قيل لنا)قد سبق ووضعت على الأرض ليعاينها الطّبيب الشّرعي بعد أن كانت معلّقة بخطّافين يخترقان كتفيه في وسط غرفة الجلوس بخيطين سمك الواحد حوالي سنتمتر واحد تمّ ربطهما بالخطّافين ثمّ صعودا بالثريا...أكثر ما لفت نظري في هذا المنزل كان تلك الثريا...كانت جميلة أكثر من اللازم..أيضا من الغريب أنّها استطاعت حمل كلّ هذا الوزن،بالنظر إلى الظروف.أما الجثّة الثّانية لعشيقته على الأرجح(أقوم برواية ما حدث من البداية,أي قبل أن نكون على علم بأيّ شيء,و كأنّني أعيشها الآن كما طلب منّي أن أفعل)لنعد إلى ما كنت أقوله,حين رأيت الجثّتين فكّرت مباشرة أنّهما عشيقان,بالنّسبة إلى الجثّة الثّانية فقد كانت على أريكة مختلفة تماما عن كلّ الأرائك الأخرى و عن كلّ شيء في تلك الغرفة في وضعيّة جلوس مقابلة لزوجها..أو عشيقها و الأقرب أن يكون عشيقها,ومن الواضح أنّهما تعرّضا للتّعذيب من طرف زوجته و لا شكّ أنّ الزّوج عذّب و هذه المرأة تشاهده..هذه هي الاستنتاجات الأوّليّة الّتي قفزت إلى ذهني بعد رؤيتي لمسرح الجريمة..و مجدّدا أستغرب صمود تلك الثريا و هي تحمل رجلا يتمّ تعذيبه..آه..نسيت أن أذكر شيئا مهمّا{ لم يكن للأنثى رأس,أمّا العجوز فقد تمّ انتزاع عينيه,و كانت هنالك خصلات شعر أشقر طويل مغطّاة بالدّماء فوق الأريكة الّتي تجلس عليها المرأة عديمة الرّأس و من المرجّح أنّها لها }..كيف نسيت ذكر هذا من البداية،هههههه.

عدا هذا,كان الجميع مشغولا بالتقاط الصّور,معاينة الأدلّة,البحث عن البصمات في حين توجّهت و المحقّق المسؤول بصفتي مساعده للتّحدّث إلى الطّبيب الشّرعيّ.

أسماؤهم كالتّالي:

تاتسوكي ماتسوشيتا المحقّق المسؤول.

رين كيتا الطّبيب الشّرعيّ, لا أظنك غبيّة لتجازفي و تفكّري بنشر هذا الأن,إلا بعد موتك ربّما..صحيح؟هاي لا تقولي لي أنّك تفكّرين بهذا..

آه نسيت أن أذكر أن نظريتي التي كانت الانتقام العشقي لم تصمد طويلا فلم تبد صحيحة تماما بعد أن أخبرني الرئيس متأخرا أنهما زوجان و كم أردت لكمه لذلك الموقف الذي وضعني فيه..و كأنني غير مهم إطلاقا ليخبرني بتفصيل مهم كذلك،ربما يشعر بعدم الراحة لكوني منافسا شرسا ههههههه(خاف على منصبه).

على كلّ هذا هو الحديث الّذي دار بيننا كما يقول لي عقلي...

_ما هو تقريرك عن سبب الوفاة؟

_بالنّسبة إلى الذّكر الذّبحة الّتي تعرّض لها عنقه,عنيفة جدّا,لا يمكن لأحد أن يعيش بعد ذبحة كتلك,أمّا بالنّسبة للأنثى فمن الصّعب التّرجيح إن كانت الطّعنات الّتي تعرّضت لها أم قطع عنقها فهي لم تنزف كثيرا بالنّسبة لشخص قتل بهذه الطّريقة.

_ماذا عن وقت الوفاة؟

_سأجعل المجال بين السّاعة التّاسعة إلى منتصف اللّيل,لا يمكن الجزم قبل إجراء الفحوصات اللازمة.

_طبعا,ماذا عن القاتل؟لا أتوقّع أنّ بإمكان امرأة فعل هذا,يحتاج هذا إلى قوّة جسديّة كبيرة..

_أجل,من المرجّح أن يكون رجلا,أو يمكن أن تكون جريمة مشتركة أو مدبّرة من قبل امرأة,فالرّجال يميلون عادة إلى القتل المباشر,بينما تلجأ النّساء إلى التّعذيب أو استعمال السّم,أتوقّع أن يكون الدّافع انتقاما عشقيّا أو ما شابه.

_ياماتو..ماذا عنك؟

_أتّفق مع الطّبيب،أتوقع أن الزوجة أكبر مشتبه به.

_إن الضحيتان متزوجان ياماتو لذا يمكن أن تجعل العشيقة كمشتبه به بدل الزوجة هذا إن وجدت،على كل يبدو أنّ علينا أولا أن نجد امرأة يمكن أن تنطبق عليها مواصفات المخطّط للجريمة أو ربّما شريكها إن كان تخميننا صحيحا.

قلت.

_ليس علينا أن نعتمد على هذا,يمكن أن نكون مخطئين.

_إذن أيّة نظريّات أخرى؟

_المال,أيّها الطّبيب؟

_أجل،احتمال وارد.

_أجل ستكشف خلفياتهم ذلك،لكن تبدو النظرية الأولى ملائمة أكثر.

و طبعا كان ذلك ما يبدو صالحا للعمل بالنّسبة إلى الرّئيس و وجب عليّ اتّباع آرائه السّخيفة..

قال.

_إذن سنعمل اعتمادا على هذا حتى تظهر لنا أيّة احتمالات أو دلائل أخرى يمكن أن نعمل عليها .

مباشرة بعد ذلك توجّهت و السيد ماتسوشيتاإلى الغرفة الّتي تواجهك من ناحية اليمين بعد أن تخرج من غرفة الجلوس مرورا برواق ضيّق نوعا ما كتلك الأروقة الّتي نجدها في الفنادق،منزلهم جميل،راق،منازل الأغنياء على كل حال)أتمنى منزلا كهذا..صعب التحقيق(.كان السّيّد كايروا قد قرّر بأن تكون تلك الغرفة لاستجواب أولي و الاستماع إلى أقوال الجميع,بعد ترتيب كلّ شيء أعطى أمرا كوساي ضابط في القسم مهووس بالترتيب و ساذج جدّا ينتظر النزاهة من الجميع,إلا أنّه ممّن يفضّل السّيّد ماتسوشيتا معهم..أعطاه أمرا بجلب السّيّد هوندا المبلّغ عن الحادثة.

حين دخل الغرفة لم يبد أبدا كما توّقّعت و لم يبد كشخص يمكن أن يرتكب جريمة سرقة فكيف بالقتل؟رجل في عقده الخامس,فضيّ الشّعر(دون أن أنسى أنّ تصفيفة شعره كانت رائعة..أقصد أنّها متقنة إلى حدّ لا يوصف),معتدل القامة,دخل شابكا يديه إلى الأمام..تفقّد المكان بعينيه..أجل,أذكر أنّه نظر نحوي ثمّ نحو الرّئيس,و في اللّحظة الّتي نظر فيها إليّ أحسست بشيء رهيب و كأنّ هرّا وديعا تحوّل إلى نمر مفترس..أحسست أنّه منهم..حين يحدّقون بعينيك يرون كلّ شيء..بإمكانهم أن يتصفّحوا أيّا كان ككتاب,في تلك اللّحظة بالضّبط حين التقت عيناي بعينيه غيّرت رأيي و أسحب ما قلته سابقا...بيديه بإمكانه ارتكاب أبشع جريمة على وجه الأرض..عيناه غريبتان,ثاقبتان..بشكل مخيف,حين أتذكّر ذلك تسري القشعريرة في كلّ جزء من جسدي و حين أقول(كلّ جزء من جسدي)فأنا أعني ذلك حقّا..هاهاهاها..إن فهمتم الأمر،على كلّ حال سأتابع..

انحنى لنا.

"ماذا يمكن أن أفعل لأجلكما؟"قال هذا بطريقة راقية جدّا إلى حدّ يدفعني للاستفراغ.

ردّ عليه الرّئيس.

"عذرا على الإزعاج,نعلم أنّ الأمر ليس سهلا عليكم,لكن نرجو أن تتفضّل بالإجابة على بعض الأسئلة."

"طبعا."

"اسمك الكامل' كايتو هوندا '؟"

"58 سنة؟"

"أجل سيّدي."

"تعمل كموظّف بدوام كامل في شركة للمكمّلات الغذائيّة؟"

"أجل."

"أنت من اكتشف الجريمة,كيف هذا؟"

"كانت زوجتي تنظّف خارجا بجانب المنزل كالعادة و أخبرتني أنّها ستذهب لزيارة زوجة السّيّد صابر و الّتي من المفترض أنّها وصلت مع زوجها قبل حوالي أسبوع لقضاء بضعة أيّام هنا ثمّ يعودان إلى لبنان إن لم أكن مخطئا."

"قلت وصلت قبل أسبوع."

"كما قالت زوجتي."

"تابع."

"و كما كنت أقول ذهبت إلى المنزل حاملة بعض الطّعام لهم,و كانت قد اتّفقت و المجنيّ عليها أن يخرجا للتّنزّه معا ذلك الصّباح,هل أفعل هذا بشكل صحيح أم عليّ أن لا أدوس في التّفاصيل؟اعذراني فهذه أوّل مرّة أدلي فيها بأقوال للشّرطة,حياتي هادئة جدّا." (يا إلهي,يا لبراءته قلت في نفسي يومها..مستهزئا).

"لا تابع,أنت تقوم بعمل رائع فيمكن لتفصيل أنت لا تعطيه أهمّيّة أن يكون ذا نفع كبير لنا."

"حسنا,ماذا كنت أقول؟آه,أجل ذهبت زوجتي إلى المنزل و دقّت كثيرا لكن لا أحد أجابها,انتظرت هناك لحوالي 10 دقائق لكن لا أحد خرج,فاستنتجت أنّهما ليسا في المنزل و أنّ السّيّدة ربّما نسيت أمر الزّيارة."

"عادت زوجتك إلى المنزل."

"بالضّبط و حين سألتها قالت أنّها غير موجودة و أنّها ربّما نسيت أمر التّنزّه،أزعجها ذلك قليلا."

"تابع من فضلك."

"ثمّ بعد حوالي ربع ساعة,على السّاعة 10.10 بالضّبط فقد نظرت إلى السّاعة قبل خروجي للاعتناء بالحديقة.كما أفعل عادة."

"نعم."

"حين كنت أقوم بتقليم الشّجرة المقابلة لمنزلهما رأيت فتاة تدخل إلى المنزل و بدا أنّها تمتلك مفتاحا للمنزل لذا رجّحت أنّها إحدى حفيدي السّيّد صابر المقيمين هنا."

(أذكر كيف لمعت عينا الرّئيس في تلك اللّحظة).

"قلت فتاة."

"نعم."

"أنت متأكّد."

"طبعا فقد ناديت زوجتي و قلت لها أنّها ربّما يمكن أن تعرف مكان السّيّدة صوفيا,و قد ذهبت مباشرة لتسألها."

"و ماذا حدث؟"

"حين اقتربت زوجتي من المنزل رأت الفتاة تخرج من هناك و أظنّها بادرت لتحدّثها لكن الفتاة حين رأتها أسرعت بالجري و دفعت زوجتي إلى الخلف,و كان ما فعلته أنّني أسرعت إلى زوجتي طبعا."

"هل رأيت أين توجّهت؟"

"ليس تحديدا لكنها أسرعت نحو اليمين،يميني و قد كنت مقابلا لمنزلهما حين أسرعت إلى زوجتي،ثم ركبت سيّارة و غادرت."

لا شك و أنني قلت في نفسي يومها بعد الذي قاله "أيحسبنا أغبياء!!"

"هل تذكر أيّ شيء عن السّيّارة..؟أيّ شيء؟"

"للأسف لا,لقد كنت قلقا على زوجتي كما أخبرتك,أعتذر.حتى الفتاة لا أتذكرها جيدا."

"ليس خطأك,ماذا بعد؟"

"بعد ذلك لاحظت زوجتي أنّ الفتاة قد تركت الباب مفتوحا,لذلك توجّهنا إلى هناك و ناديت على السّيّد صابر لكن لا أحد أجاب..طبعا جلت بنظري لتفقّد المكان و كان ما رأيته هو بقع الدّماء و قد شهقت زوجتي تردّد كلمة دماء و تقوم بهزّي لأنظر و هذا ما أكّد مخاوفي..طبعا ما حدث بعد ذلك كان أن طلبت منها أن تتّصل بالشّرطة و الإسعاف..أمّا أنا فدخلت حذرا لتفقّد المكان..دخلت ووجدت تلك المأساة."

"أجل,تابع..صف لنا ما وجدته من فضلك."

"كانت الفتاة مستلقية إلى جانب باب غرفة الجلوس و الدّماء محيطة بها,تفحّصت نبضها و قبل أن تصل سيّارة الإسعاف حاولت إيقاف نزيفها و طلبت من زوجتي أن تضغط على الجرح باستخدام شالها و ذهبت لجسّ نبض السّيّد صابر مع أنني كنت متأكدا أنه ميت..و..و المنظر كان..كـ..لا يسعني وصفه..و قد حاولت جاهدا أن لا ألمس أيّ شيء..ليتني وصلت قبلا ربّما.."

"لا لا فقد أكّد الطّبيب أنّهما كانا ميّتين قبل مدّة طويلة،كما أنه لولاكما لكانت الفتاة ميتة ربما."

"أتمنى أن تتعافى .بعد ذلك وصل المسعفون و الشّرطة,ذهبت زوجتي مع الفتاة في سيّارة الإسعاف,بينما بقيت مع الشّرطة لتقديم إفادتي و هذا كلّ ما حدث سيّدي."

سألته.

"الفتاة الّتي رأيتها,هل يمكن أن تصفها؟"

"في الحقيقة لم أرها بشكل جيّد فقد كانت بعيدة عنّي و لكن ما لا يمكن أن أنساه هو لون شعرها..قرميدي مائل إلى الأحمر الدّاكن,ملفت جدّا,هي فتاة نحيفة,لم أستطع تبيّن ملامح وجهها و كانت ترتدي معطفا جلديّا قصيرا باللّون الورديّ الفاتح إن كان هذا مفيدا لكم و ربّما هي في العشرين من عمرها."

سأل الرّئيس.

"هل يمكنك أن تعرفها إن رأيتها مجدّدا؟"

"لا أعتقد أنّ هذا ممكن,فكما قلت سابقا لم أتبيّن ملامح وجهها,لكن ربّما بإمكان زوجتي أن تفعل فقد رأتها عن قرب و إن كان ذلك لفترة قصيرة جدّا."

سألته.

"حين رأيت الفتاة تدخل كم من الوقت استغرقت حتّى خرجت؟"

"لا يمكنني الجزم لكن يمكنني القول أنّها لم تستغرق أكثر من 10 دقائق,و كما قلت لا يمكنني الجزم."

"حسنا,نشكرك على تعاونك و إعطائنا جزءا من وقتك,يمكنك المغادرة الآن لكن ناد زوجتك من فضلك."

"لكن زوجتي في المستشفى..ذهبت مع الفتاة..أأتّصل بها؟"

"آه,لا داعي سنتوجّه إلى المستشفى."

"أتمانع لو أرافقكما سيّدي,فأنا..."

"طبعا,طبعا لا مشكلة أبدا..تفضّل معنا."

"فتاة ذات شعر ملفت إذن." فكّرت بصوت مرتفع,إلا أنّ الرّئيس حسبني أخاطبه لذلك ردّ قائلا.

"تقدّم جيّد,سنرى أين يوصلنا هذا."

ثمّ بعد لحظات من الصّمت و قبل لحظات قليلة من صعودنا إلى السّيّارة وجّه ذلك الحشريّ حديثه إلينا قائلا و كأنّ الأمر يعنيه.

"هي قاتلة!!لا يمكن أن أفكّر فيك كذلك..."

و كيف كان يبتسم...يا إلهي...'يعرف شيئا ما' هكذا كانت تقول ابتسامته..انحناء بسيط لشفتيه المنطبقتين..كانت شفته العليا تذكّرني بشيء ما,رقيقة و تكاد لا تظهر مقارنة بشفته السّفلى..أو تلك الابتسامة تذكّرني يمكنني القول..حسنا أظنّني بالغت في الوصف هنا..خاصّة و أنّني لم أعتد الوصف..و أيضا هذا الوصف لشيء,أممممم كيف أقول ذلك,على كلّ حال أظنّ أنّ مقصدي قد فهم..لذا باختصار أقول أنّ ذلك الوصف جعلني أبدو كشخص منحرف هاهاهاها,لكن أنا لست كذلك طبعا.

و كما كنت أقول فما قاله لنا..لا مهلا لحظة,حين أستعيد الأمر الآن لا يبدوا لي أنّه كان يتحدّث إلينا بل أغلب الظّنّ أنّه كان يخاطب نفسه,لكن يومها ظننت أنّه يخاطبنا و ظننت أنّه يعرف الفتاة جيّدا على عكس ما قاله لنا أثناء الاستجواب لذا سألته.

"يبدو لي أنّك تعرف الفتاة جيّدا إذا أخذنا بتعليقك هذا سيّد هوندا؟فأنت تقول أنّك لا يمكن أن تفكّر فيها كقاتلة,فلم هذا؟"

"آ؟ماذا؟هاهاهاها...إذن فقد كنت أفكّر بصوت مرتفع...هاهاهاها...لا يمكن لأحد أن يبتعد عن عاداته القديمة."

قلت في نفسي حينها(أظنّ أنّني بدأت أكره هذا المسن الخرف..كان يتحدث إلينا لم يدعي العكس!).

قلت له.

"عفوا." لأنّه بدا لي أنّ الرّجل قد بدأ يخرّف,بينما حافظ الرّئيس على صمته.

"يا بنيّ لا تسئ الظّنّ..و كإجابة عن سؤالك أقول 'مجرّد انطباع أوّل' ..و أيمكنني أن أسديك نصيحة؟"

"نصيحة؟لي أنا؟"

"نعم لك..لا تكن مغرورا فتستهين بخبرة رجل عجوز مثلي.."

"حسنا..و نصيحتك هي؟"

"لا تحاول الحصول على كلّ شيء في الوقت نفسه,التّسرّع لن يفيدك..فبطريقتك هذه لن تحصل إلا على ما يضلّلك."

"وما مناسبة هذا الحديث؟لا أرى أيّ رابط هنا,أم أنّك معتاد على قول كلّ ما يخطر ببالك؟"

"بل هنالك رابط كبير و أنا لم أخرج عن نطاق حديثنا أو ما رأيت منك حتّى الآن..على كلّ أنا نصحتك و في النّهاية الأمر لك إن أخذت بنصيحتي أم لم تفعل."

"حسنا شكرا على نصيحتك,سأضعها في رأسي."

"لا داعي للسّخرية..هاهاهاها." (بدأت أشمئزّ من ضحكته هذه).

"ولكن أنا لم أسخر من أحد."

"بلى فعلت."

(لا شك في أن الرئيس استمتع بمحاولة هذا العجوز التذاكي علي)هذا ما فكرت فيه و ما أفكر به الآن.

على كل حال كان من المثير جدّا دخول هذه الفتاة إلى القضيّة فمع تقدّمنا أصبح و كأنّ نظريّتنا تتحقّق,بالإمكان معرفة ما كان يدور في ذهن الرّئيس..طبعا كان كلّ همّه في ذلك الوقت هو إيجاد الفتاة صاحبة الشّعر القرميدي,فذلك يضمن تقدّمه في القضيّة أو هكذا اعتقد هو.









مع وصولنا إلى المستشفى اعتذر السّيّد هوندامتوجّها إلى زوجته,بينما توجّهنا للتّحدّث إلى الطّبيب عن حالة الفتاة و للسّؤال عن نوع إصابتها و ذلك النّوع من الأسئلة التّحقيقيّة.

حسب الطّبيب فإنّ حالة الفتاة الصّحّيّة مستقرّة و من المحتمل أن تستعيد وعيها قريبا و تخرج من غيبوبتها ما جعل الرّئيس و بالتّأكيد يطير فرحا آملا باستجوابها و إمكانيّة القبض على القاتل و إغلاق القضيّة بسرعة.

أمّا بالنّسبة إلى إصابتها فكانت في الجهة الخلفيّة من رأسها بالضّبط أعلى رقبتها بقليل تسبّبت بارتجاج خطيروصدمة في الدّماغ.

بعد ذلك توجّهنا لمخاطبة السيّدة هوندا لكن ما وجدناه كان غير ذلك..ما وجدناه كان مفاجئة بحق..

كانت من العائلة..لا أصدّق..

كنّا نفكّر في البحث عنها...لكن هي ظهرت هكذا من العدم..دون أن نتكبّد أيّ عناء في البحث عنها...

فتاة ذات شعر قرميدي..لكن أيّة فتاة؟

خطفت قلبي...



ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ

في تلك اللّحظة أصبحت كشخص يرى فتاة لأوّل مرّة في حياته,كانت فاتنة إلى أقصى الحدود..لا أعرف كيف أصفها أو حتّى كيف أصف نفسي أو مشاعري في تلك اللّحظة..صورتها لا تزال في ذهني حتّى اليوم و ستبقى دائما و أبدا بكلّ تفاصيلها..في تلك اللّحظة الّتي رأيتها فيها لأوّل مرّة بل وحتّى في كلّ لحظة رأيتها فيها بعدها كانت تلغي فيها كلّ وجود آخر حتّى لا أستطيع رؤية غيرها أو هو عقلي من كان يفعل ذلك ربّما..سحرت عيناي بوجودها و عقلي بغيابها..و لأوّل مرّة في حياتي أستطيع أن أقول عن فتاة ما أنّها مغرية كألماسة فريدة..كانت و لا تزال مغرية كالمال بالنّسبة إليّ..و التّفكير في أنّها ليست لي و في أنّها لم تكن أبدا يحطّمني...أحسده بل و أحقد عليه,يمكنني حتّى أن أفكّر في قتله..ففي النّهاية هي أرادت الموت لأجله..كيف أمكنها حتّى أن تفكّر في ذلك..الموت أقصى تضحية يمكن لإنسان أن يقدّمها..و هي التّضحية الّتي لا يمكنني أبدا الإقدام عليها,بل لا يمكنني حتّى أن أفكّر في شيء كهذا,و لكن ما الّذي أقوله..أنا لا يمكنني القيام بأيّة تضحية أيّا كان من أقدّمها له..يا لغبائهم جميعا لم قد يفكّر شخص في التّضحية من أجل أن يستفيد غيره,لا يمكن أن أفهم غباء البشر..و سأقول أنّني أحقد عليه مجدّدا..لم اختارته هو..كان بإمكاني أن أقدّم لها أيّ شيء تريده,و أنا لم أؤذها سوى مرّة واحدة..مرّة واحدة فقط..فقط واحدة..و كنت مضطرّا لفعل ذلك,على كلّ كان ليطلب من غيري فعل ذلك لو لم أفعله..و قد عرضت عليها أن أقدّم لها الكثير تعويضا لها..لكنّها رفضت و اختارته للمرّة الثانية..عرضت حياتها مقابل حياته,لم لا يمكنني أنا أن أحصل على ذلك؟لم كانت له في النّهاية؟لا يوجد أيّ شيء مميّز فيه، غبيّ إلى أقصى حدّ و مثير للشّفقة..هي ستكون أفضل حالا بكثير معي,بإمكاني أن أقدّم ما لا يمكن أن تحلم أنّ بإمكانه أن يعطيه لها.

يوم لقائنا الأوّل في المستشفى كانت ترتدي سروال جينز بلون أزرق داكن و بلوزة بلون أخضر فاتح و تحمل معطفا أسود بيدها..شعرها ملفت جدّا, قرميدي إلى حدّ ما و طويل يصل إلى خصرها..كان مربوطا إلى الخلف إلا أنّها سحبته إلى الأمام فوق كتفها الأيمن..ناعم لكن لم تسرّحه بشكل مستقيم..

بالكاد سمعت الرّئيس من شدّة ولهي بها,أذكر أنّه خاطبني قائلا.

"هاهي ذي,لم أتوقّع أن تظهر هنا..أليست فاتنة؟"

"بلى."

حين كنّا نقترب منهم..شعرت و كأنّني صيّاد يوشك على الإمساك بسمكة ترقّبها طوال اليوم.كانت تقف إلى جانب رجل يبدو في عقده الرّابع أو الخامس و كلاهما قبالة السيّد هونداو سيّدة رجّحت أنّها زوجته لحظتها و كان تخميني صحيحا.

حين توقّفنا إلى جانبهم و نظرت ناحيتي..رأيت عينين زرقاوين باردتين لم أر مثلهما في حياتي...لم تكن تشبهنا نحن اليابانيّين قط,و أن تجد عينين زرقاوين هنا أمر مستبعد جدّا إلا إن كانا لغريب عن بلدنا...و هذا يجعلها غريبة كلّيّا..و ما يؤكّد علاقتها بالقتيلين..ما أثار حنقي.

باشر السيد هوندا.

"أعرّفكم..هذه زوجتي,هذه الفتاة هي يونا كويزومي حفيدة السّيّد صابر,وهنا والدها السّيّد كوتا كويزومي,لقد تعرّفت عليهم قبل قليل..و طبعا هذا المحقّق المسؤول في القضيّة السّيّد تاتسوكي ماتسوشيتا و مساعده الأوّل السّيّد ياماتوأكييَاما."

طبعا بعد المصافحة و إلقاء التّحيّة..كان على الرّئيس التّفكير في عمله.لكن قبل ذلك أقول أنّ مصافحتها كانت شعورا رائعا..لكن كنت أشعر بعدم الارتياح و بتأنيب نوعا ما في نفس الوقت,لا أدري لم؟أو ربّما أدري لكن لا أريد الاعتراف أو التّصديق..ربّما!!!

يا لعينيها..

نظرت إلي و لم تبتسم حتى،بل تابعت النظر إلي بعينين جامدتين خاليتين من أي شيء..بلون أزرق مغر ،بدى عاريا لكن كسماء غائمة ..و سأعيد للمرة الثانية..غرقت داخلهما..كل جزء منها كان مغريا و لايزال..لأول مرة في حياتي توقعني امرأة في شباكها دون أن تسمح لي بدخولها..ليست مجرد أنثى بل هي حرب لينة و حياة قاتلة ..مغرية كالمال و لا أكترث لغيره..جعلتني أريدها من أول لحظة رأيتها فيها..أردت امتلاكها،رغبت أن تكون لي وحدي و لا أحد غيري..كان من الممكن أن أعطيها أي شيء و كنت لأمنحها ما لن يستطيع أحد غيري أن يمنحها..كنت لأحولها إلى فراشة حرة،أعطيها ما لم يستطع هو أن يعطيها..أجل،أحببتها و أحبها و سأحبها دائما،كان عليها فقط أن تختارني لكن ... اختارته هو...لماذا هو؟إنه مجرد حثالة لا يساوي شيئا ،شخص تافه لا يملك شيئا و لكن هل ملكت أنا قبل ذلك؟..أردتها كما لم أرد امرأة قط..و أرادته هو..كنت لأمنحها الحياة لكن أرادت أن تضحي بها لأجله..كلهم أغبياء و كذلك كانت هي،لا أدري ما الفائدة من هذا؟!! لم أؤذها أبدا،أجل لم أؤذها فما فعلته في ذلك الوقت لم يكن شيئا أمام ما كنت لأمنحها..كان ذلك قربانا لأجلها..وجب عليها أن تشكرني،أن تعبدني..لكن ارتمت فوق حضنه هو..

اختارته هو..و هي فاكهة محرمة ...

ربما أكثرت و أعدت هذا الحديث لكن ولعي بها و هو..لا أدري..

* * *

كانت هذه الفاتنة التي ظهرت فجأة أكبر مشتبه به..القاتلة!!..كل ما أراده السيدماتسوشيتا هو دليل قاطع لإدانتها..كان شبه واثق بكونها من يبحث عنه،هو من النوع المتسرع،كيف أصبح محققا؟لا أدري،أمر غريب..المهم إفادة السيدة هوندا كانت تدعم أقوال زوجها و تدخل صاحبة الشعر القرميدي كأكثرشخص بإمكانه ارتكاب الجريمة و قد أضافت أن الفتاة خرجت حاملة حقيبة سوداء إضافة إلى حقيبة يدها و قال زوجها حين سألناه أنها لم تكن تحمل أي حقيبة غير حقيبة يدها حين رآها تدخل المنزل ما جعلنا نظن أنها عادت من أجل سلاح الجريمة ربما لأننا لم نعثر على الأداة الحادة التي استعملت على القتيلين و لا على ما ضربت به الفتاة أسفل رأسها.

بعد هذا قررنا الذهاب للقاء السيدة كوهارو في شيبويا,الخادمة.فلم يبق غيرها ممن يمكن أن يفيده،أو هكذا بدا له لأنه لم يكن للقتيلين معارف أو زيارات كثيرة هنا.

18 من كانون الثاني1994 الساعة 15:35 محطة طوكيو،الجو مغيم..

استقبلتنا و أصرت أن نشرب الشاي معها.

لم يكن المنزل كبيرا جدا،غرفتا نوم ربما،أمر متوقع فهي تعمل كخادمة..أرملة و كلا ولديها متزوجان و يعيشان،بطوكيو كما قالت.

لا أعلم لم واتتني تلك الفكرة ،لم منزلها صغير!

كانت الجدران في الرواق مطلية بلون رمادي داكن لم أحبه إطلاقا،قادتنا إلى غرفة الجلوس بمواجهة ذلك التمثال الغريب الموضوع آخر الرواق كان جسمه أشبه برجال السومو،و كان جالسا،حوض منتفخ جدا..لكن وجهه لا أدري ما كان..مسخ من نوع ما،نصفه الأسفل بشري إلى حد ما.دخلنا إلى غرفة الجلوس،حين تذكرت الرجل في المنزل المجاور..الرجل القصير..قصير جدا،يحمل منجلا..معقوفا بشكل جميل،يتسع حول عنقها ،لم فكرت في ذلك ؟

كل البيوت كانت صغيرة...

إفادة السيدة كوهارو ،الخادمة لم تكن ذات نفع كبير فقد غادرت ظهر يوم الخميس كما اعتادت دائما .أما قبل مغادرتها كانت الأمور عادية و لم تلاحظ أي شيء غريب أو ربما لم تنتبه,قالت و هي تشهق بالبكاء.

"لا أصدق أن بإمكان أحد أن يفعل ذلك يا إلهي،صحيح أن السيدة مزاجية قليلا لكنها لطيفة جدا و السيد لم يكن..لا أعلم لم قد يفعل أحدهم هذا يا إلهي."

"ألم تحدث أي مشاجرة بينهما و شخص آخر في الفترة التي عملت فيها لديهما؟"

"لا إطلاقا،كان كل شيء هادئا."

"هل اعتاد أحد محدد على زيارتهما كثيرا؟"

"لا يستقبلان الكثير عادة فقط جارتهما السيدة كايرو لتذهبا إلى التسوق عادة و يبقى السيد في المنزل،و تأتي حفيدتهما أحيانا.."

"أية واحدة."

"الصغرى."

"و الأخرى ألم تزرهما أبدا؟"

"في وقت دوامي لم أرها أبدا."

"حسنا،أي أحد آخر؟"

"لا يمكن أن أفكر في أحد آخر،هما لا يقضيان وقتا طويلا هنا."

"كيف كانت علاقتهما مع عائلة ابنتهما؟"

"لا يمكن أن أعرف فلم تكن هنالك الكثير من الزيارات بينهما،لكن لا أظن أنها جيدة جدا."

"شكرا لك على وقتك و تعاونك سيدتي و نعتذر على إزعاجك."

"لا أبدا،هذا واجبي."

"ربما نتصل بك إن احتجنا إلى معلومات جديدة،نرجو أن تعذرينا."

"بالتأكيد، في أي وقت سيدي."

"آه..أجل، أيمكن أن أعرف كيف بدأت العمل لديهما؟"

"جدتي يوكي كانت تعرفهما فقد عملت لدى ابنة السيدة صوفيا أو زوج ابنتها لفترة من الزمن لست متأكدة."

"و كيف كان دوامك؟"

"كانت السيدة صوفيا تتصل بي قبل أن يأتيا من بلدهما لأنظف لهما المنزل و أرتبه ثم أذهب إلى هناك كل صباح و أغادر قبل الظهر،أعمل كل أيام الأسبوع عدا أيام الجمعة و السبت و الأحد لأن لدي أعمالا أخرى."

"شكرا لتفهمك."

"واجبي."

بعد خروجنا من منزلها توجهنا مباشرة إلى المنزل الذي كانت تعمل فيه عشية الخميس و صبيحة الجمعة لنتأكد من حجة غيابها قبل أن نغادر و كانت صحيحة.



ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ





30 من كانون الثاني ,طوكيو.

الجو،فلنقل كان باهتا.

تلقيت اتصالا من مجهول,أجبت بعد أن رن لثلاث مرات.

"نعم,من معي؟"

"مرحبا،أعتذر عن إزعاجك سيدي،اسمي هو هيروتو كوروساوا سائق أجرة.قبل نصف ساعة أوصلت فتاة شابة إلى شينزان سو وقد أعطتني رقم هاتف و طلبت مني الاتصال في حال لم تعد بعد نصف ساعة."

"ماذا؟ يونا اسمها،أهي يونا ؟يا إلهي". كنت أول فتاة قفزت إلى ذهني.

"لم أسأل،لكنها بدت قلقة جدا أو ربما خائفة".

"أين أنت الآن؟أين أوصلتها بالتحديد؟".

" المدخل الشمالي".

"ابق هناك من فضلك،سأحظر على الفور".

"طبعا".



وصلت إلى هناك قلقا،قلقا جدا كغير العادة.أذكر كيف نزلت من سيارة الأجرة،كيف دفعت الحساب و لم أبالي كم دفعت و لا انتظرت الفكة.ما كنت لأفعل ذلك عادة إن لم أقل أبدا..لذا يومها لم أكن أنا إطلاقا.

رأيت سيارة أجرة و إلى جانبها يقف رجل خمسيني فضي الشعر،فكرت في نفسي"لا شك و أنه هو لكن لا يشبه صوته!".

توجهت نحوه و أظنه لاحظني بدوره فقد كان ينظر ناحيتي.

سألته دون أن أفكر إن كان هو أم لا.

"أين هي؟لم تعد"!

"لم أرها منذ دخلت".

لم أسمعه حتى ولا انتظرت جوابه،أسرعت إلى الداخل كالمجنون،بلا عقل.

كان كل تفكيري موجها إليها،لم أسأل كيف بدت لأنني لم أتوقع أن تكون غير هي.

دخلت وما الذي كنت أفعله؟أهرول جيئة و ذهابا كأنني ضيعت شيئا لا أعرف ما هو لأنني لم ألمحها..فهي فتاة يمكن تمييزها بسهولة،أجل مميزة و ليس بالنسبة لي فقط..للجميع،و هي من بين القليل من الناس في تلك الحديقة لم تكن موجودة.لكن شد انتباهي ذلك العجوز فنسيتها للحظة،كان يجلس وحيدا شادا قدميه معا بشكل أنثوي جدا أو هذا ما خيل لي واضعا قبعته فوق حجره و ممسكا بيديه معا فوقها،ريفية مهترئة كملابسه بالضبط )تذكرت الماضي؛ربما هذا ما شدني إليه(،سروال أسود باهت مثني أسفل ساقه الخشنة و قميص رمادي فقد آخر أزراره من الأسفل،كان عجوزا لكن بدا قويا.على جانبه الأيسر كتاب بغلاف بني داكن لم يكتب عليه شيء،حين مررت به تحدث إلي.

"ضيعت شيئا؟"

"ماذا؟" نظرت نحوه.

"تبدو شاحبا،ماذا ضيعت؟" قال مبتسما.

"أجل،أبحث عن فتاة."

"حبيبتك؟ربما يمكنني أن أساعدك فقد كنت أجلس هنا طوال الوقت." دون أن تزول ابتسامته.

أذكر لحظتها أن كلبا من نوع... ركض نحوه.

"اجلس شيدو،كلب طيب،كلب طيب." قال و هو يمسح على رأس ذلك الكلب فاقد الذيل هههه،كم بدا غريبا )يائسا إلى حد كبير لكن مرتاحا.( "اذن تبحث عن فتاة."

"ليست حبيبتي."

"اجلس معي."قال مبقيا على ابتسامته المزعجة و مربتا على المقعد.

فكرت في أن بإمكانه إفادتي لذلك جلست إلى جانبه كما طلب.

"رأيته قبلا"! قلت في نفسي.

حثني على الكلام بإيمائة من رأسه.

"صديقتي..ربما." قلت شاردا.

"تابع." بدت ابتسامته مريحة لأول مرة مذ رأيته،أجل ارتحت بشكل غريب لها؛نعم بلا شك.

قلقت عليك حقا يومها،صدقيني..استعدت ابتسامتك،ملامحك و قلت أول و أكثر ما يميزك.

"ذات شعر قرميدي طويل نوعا ما"..

قاطعني.

"بدت خائفة جدا."

"كانت تقف..أو دعني أبدأ من النهاية."

"رأيتها؟أين؟أين رأيتها؟"

"اصبر."

"يتعلق الأمر بحياتها."

ابتسم واثقا.

"لا لا لديها من يحميها."

"ماذا تقصد؟تعرفها"!

"رأيت شابا معها،شاب طبع قبلة جميلة أسفل عنقها و حملها بشكل رقيق بين ذراعيه بعد أن أغمي عليها.. ليس من الجيد أن تقاطع حبا جميلا كهذا."

اختفى خوفي حينها؛خوفي عليك،لم أعد قلقا..لكن أتعرفين؟امتلأت خوفا منه؛من أن تكوني له..اشتعلت غضبا.

يمكنك أن تعرفي أنني أحببتك حقا فقد ملئت غيرة.

"ياإلهي ما الذي تقوله،أظن أنها خطفت،لا شك في أنه خطفها."

"ربما،لكن كما أخبرتك لا يمكن مقاطعة حب كالذي أبداه،لذا لا تقلق عليها".

"أنت مجنون."

كان يحافظ على ابتسامته البشعة و أنا أستشيط غضبا.

"ألا تريد أن تعرف أكثر؟"

"أين رأيتها؟"

"هناك وقفت،أمام حاوية القمامة."

"ماذا؟"

"بدت مرتعبة حين نظرت داخلها."

أسرعت نحوها،حين نظرت داخلها؛لا شيء غير طبيعي.

نظرت إلى ذلك العجوز فأشار بيده خلف حاوية القمامة،لاحظت صندوقا متوسط الحجم في تلك الناحية فتوجهت نحوه..حين نظرت داخله واجهتني تلك البشاعة،داخله وضعت بعض من قطع الأحجية التي لدينا..ما تبقى من الجثتين..

التفت إلى العجوز لكن كان قد اختفى..





ـــــــــــــــــــــــــ ــــ





في مركز الشرطة استنتجنا أنك اختطفت و كان ذلك كفيلا بتبرئة اسمك تماما وقتها..


نوكسي غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
جريمة،حب،قتل،غموض،خوف،درا ما،رومنسية،مأساة،انتقام

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:22 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.