آخر 10 مشاركات
خلاص اليوناني (154) للكاتبة: Kate Hewitt *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          أسيرة الكونت (136) للكاتبة: Penny Jordan (كاملة)+(الروابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          رهين الشك _ شارلوت لامب _ روايات غادة(مكتوبة /كاملة) (الكاتـب : منة الله - )           »          زوج لا ينسى (45) للكاتبة: ميشيل ريد .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          جدائلكِ في حلمي (3) .. *مميزة و مكتملة* سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          ألـمــــاســة الفــــؤاد *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          كلوب العتمةأم قنديل الليل ؟! (الكاتـب : اسفة - )           »          52 - عودة الغائب - شريف شوقي (الكاتـب : MooNy87 - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree678Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-01-21, 07:37 PM   #2191

Dalia 475

? العضوٌ??? » 397775
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 41
?  نُقآطِيْ » Dalia 475 is on a distinguished road
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ملك علي مشاهدة المشاركة
المحتوى المخفي لايقتبس


رواية جميلة جدا اتمني لك دوام التوفيق


Dalia 475 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-01-21, 08:26 PM   #2192

أميرة الساموراي
 
الصورة الرمزية أميرة الساموراي

? العضوٌ??? » 398007
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 763
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » أميرة الساموراي has a reputation beyond reputeأميرة الساموراي has a reputation beyond reputeأميرة الساموراي has a reputation beyond reputeأميرة الساموراي has a reputation beyond reputeأميرة الساموراي has a reputation beyond reputeأميرة الساموراي has a reputation beyond reputeأميرة الساموراي has a reputation beyond reputeأميرة الساموراي has a reputation beyond reputeأميرة الساموراي has a reputation beyond reputeأميرة الساموراي has a reputation beyond reputeأميرة الساموراي has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
¬» قناتك mbc4
¬» اشجع shabab
?? ??? ~
كن على على ثقة أن الله بسط لك الرزق في أي مكان ذهبت وستذهب اليه
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 73 ( الأعضاء 13 والزوار 60)
‏أميرة الساموراي, ‏zezo1423, ‏شعوانة, ‏Dalia 475, ‏شانزيليزيه, ‏سلمى ستار, ‏Arwa ozil, ‏سماح ناصر, ‏سهير مراد, ‏dalia22, ‏أمنيات بريئة, ‏تماارا, ‏د/عين الحياة


وي آر هير..بذذذذ


أميرة الساموراي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-01-21, 08:31 PM   #2193

د/عين الحياة
 
الصورة الرمزية د/عين الحياة

? العضوٌ??? » 338758
?  التسِجيلٌ » Mar 2015
? مشَارَ?اتْي » 509
?  نُقآطِيْ » د/عين الحياة is on a distinguished road
افتراضي

رواية موفقة إن شاء الله ،

د/عين الحياة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-01-21, 08:56 PM   #2194

ملك علي
 
الصورة الرمزية ملك علي

? العضوٌ??? » 475418
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,362
?  نُقآطِيْ » ملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أميرة الساموراي مشاهدة المشاركة
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 73 ( الأعضاء 13 والزوار 60)
‏أميرة الساموراي, ‏zezo1423, ‏شعوانة, ‏dalia 475, ‏شانزيليزيه, ‏سلمى ستار, ‏arwa ozil, ‏سماح ناصر, ‏سهير مراد, ‏dalia22, ‏أمنيات بريئة, ‏تماارا, ‏د/عين الحياة


وي آر هير..بذذذذ




البارت بعد ساعة من الآن باذن الله
سيكون قاتلا بكل المقاييس , جهزوا مناديلكم و من يعاني من الضغط يتناول دواءه قبل الدخول


ملك علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-01-21, 09:09 PM   #2195

نور الدنيا

? العضوٌ??? » 341
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 1,548
?  نُقآطِيْ » نور الدنيا has a reputation beyond reputeنور الدنيا has a reputation beyond reputeنور الدنيا has a reputation beyond reputeنور الدنيا has a reputation beyond reputeنور الدنيا has a reputation beyond reputeنور الدنيا has a reputation beyond reputeنور الدنيا has a reputation beyond reputeنور الدنيا has a reputation beyond reputeنور الدنيا has a reputation beyond reputeنور الدنيا has a reputation beyond reputeنور الدنيا has a reputation beyond repute
افتراضي

تسلم ايدك على الفصل
لم أحبذ تدخل صفية بين علي و ملك فتصرفها غير صحيح و أزم الوضع أكثر بينهما كنت أرغب أن توصل ملك مشاعرها لعلي مباشرة و يحدث الانقطاع بينهما بشكل تدريجي أو يتصالحان و يحولان زواجهما لزواج حقيقي فبتدخلها جرحت ملك و أنا كنت أرغب ان ينجرح على أكثر منها
أدركت ملك حقيقة مشاعرها و حبها لعلي و غيرتها عليه خصوصا أن العروس الجديدة حاضرة و بقوة بدعم من صفية فهل ينتصر قلبها أو عقلها و هل سيفي على بوعده بإطلاق سراحها و ارجاعها لأهلها
بأنتظار الفصل القادم لنرى ما سيحدث بين علي و ملك


نور الدنيا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-01-21, 09:55 PM   #2196

nana abdo

? العضوٌ??? » 380008
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 77
?  نُقآطِيْ » nana abdo is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سوووما العسولة مشاهدة المشاركة
مسا الخير... تسلمي على الفصل بس باسال الفصول تنزل كل كم يوم؟
فعلا الروايه حلوووة جدا مشتاقة للنهاية


nana abdo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-01-21, 10:09 PM   #2197

ملك علي
 
الصورة الرمزية ملك علي

? العضوٌ??? » 475418
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,362
?  نُقآطِيْ » ملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond repute
افتراضي














البارت التاسع عشر بعد المائة دموع و ضياع 💔





في المكتب جلس علي مع ضيفته لبعض الوقت , كانا يتبادلان أطراف الحديث في مواضيع عامة ,

و ما لبث أن فتح الموضوع الذي يؤجله , منذ دخول والدته و الشابة ترافقها , دون اعلامه حتى بالزيارة الغريبة ,

هو لم يكن يريد أن يكون فظا مع والدته , أو أن يحرجها أمام الضيفة , فهذا بيتها أيضا و بإمكانها الزيارة , في أي وقت مع من تشاء ,

لكن سبب الزيارة في حد ذاته ما أثار امتعاضه , خاصة أن علياء كانت قد اتصلت به في وقت سابق ,
و نبهته الى أن والدتهما تقوم بتحركاتها القديمة , لربطه مع احدى صديقاتها بغية تزويجهما ,



رغم أن علي حضر نفسه لهذا الانزال , الا أنه لم يتوقع أن يجنح تفكير والدته الى هذه الدرجة ,
فقد كان واضحا أن صفية اختارت سالي بالذات , كمرشحة لتكون زوجته دون غيرها لسبب وجيه جدا

" طبيبة شابة ابنة عائلة ثرية , و بملامح شقراء تشبه ملامح ملك كثيرا "



هو يعرف والدته جيدا , و يحفظ طريقة تفكيرها , فالمرأة و بعد أن يئست , من تجاوز مشاعره للمرأة التي تصده ,

تصرفت بنفسها بأن جعلت ملك تعترف بلسانها برفضها له , ثم ذهبت و جلبت هذه الشابة , التي اختيرت بعناية لتكون نسخة مقلدة عن ملك ,

و ما هو متأكد منه , أن والدته قد تحركت منذ مدة طويلة , ربما حتى قبل وفاة مريم و اختطاف ملك .


لكن ما لا تفهمه صفية , أن علي لا يحب ملك لشكلها ، أو وضعها الاجتماعي أو حتى عملها ,
حتى تستنسخ له واحدة تشبهها , و هو يقبل بكل سرور , ليترك ملك و يرتبط بسالي ,


هو ليس ولدا بهذه السطحية و السخافة , و ملك ليست لعبة حتى اذا لم يستطع أخذها , يرضى بأي شبيهة لها و السلام .


هو يحب ملك لأنها ملك و لا أحد سواها , يحبها بعنادها بعقلانيتها و مبادئها الثابتة , يحبها بقسوة لسانها بطيبتها و تواضعها ,
بشخصيتها المميزة و بكل ذرة من كيانها , هو يعشق حتى مساوئها , التي كانت تفقده عقله .



و حتى لو لم تبادله المشاعر , لن يغير ذلك في الأمر شيئا , فقلبه و أحاسيسه ليست جهازا آليا , ليضغط زر الاطفاء متى ما أراد ,
و ينتقل الى اختيار أفضل , و ليس هناك أفضل من ملك بالنسبة له

لكل هذه الأسباب , قرر علي أنه لن يسمح لوالدته , بفرض امرأة أخرى عليه ، يكفي ما حصل مع أميرة من مشاكل .



سرعان ما حزم علي أمره , و قرر انهاء الموضوع تماما و فورا , قبل أن تتمادى والدته أكثر , و تعطي كلمة نيابة عنه لهذه الشابة ,
لأنه لن يستطيع أبدا الايفاء بها , فقلبه لم يعد ملكه حتى يقدمه , لأية امرأة أخرى غير ملاكه


تنحنح علي أخيرا و خاطبها بنبرة , بدت أكثر جدية مما سبق

" آنسة سالي , لا أدري ان كنت تعرفين ذلك عني ,
و لكنني رجل صريح جدا و مباشر "



نظرت إليه الشابة بحيرة في عينيها , و هي لا تفهم لم أصبح الحوار جادا فجأة ,
و اكتفت بهز رأسها مشيرة له , بالاستمرار فيما يريد قوله .


( لو كانت ملك لأخبرته أنه قاس جدا و متسلط , و ليس مجرد رجل صريح )

نفض علي أفكاره الملحة المتسلطة , و التي تجنح الى مقارنة كل شيء , في هذه الشابة بملك منذ دخولها الى بيته ,
فعيني ملك أكثر سحرا لأنهما عسليتان , كما أن لمحة البراءة فيهما حقيقية ,

و شفتاها الطبيعيتان أكثر توردا من شفتي هاته المرأة , و التي تحاول طليهما باللون الزهري , فيما يبدو أنها نفختهما مسبقا ,

شعرها كستنائي صناعي مع وصلات ظاهرة , فيما أن لمعان شعر ملك جذاب أكثر .

كما أن عطرها الفاخر الذي تضعه , لا ينافس رائحة الياسمين الشهية , التي تفوح من شعر ملك طوال الوقت ,

و الأسوء هي لا تملك شامة صغيرة الى جانب شفتها , و هذا يحسم النزال لصالح العنيدة متحجرة المشاعر .




" يا الهي علي ستفقد صوابك في نهاية المطاف "

نهر علي نفسه قبل أن يضيف بهدوء , و قد أوشك على نسيان المرأة الجالسة قبالته

" آنسة سالي أنا أعرف لم رافقتك والدتي اليوم الى بيتي ,
و أحب أن أوضح لك أنك كضيفة ، أنت مرحب بك هنا في كل وقت ,

في المقابل أريدك أن تعرفي منذ الآن ، ألا علاقة لي بما تخطط له أمي "

قال علي باستياء حاول أن يخفيه .

صفية بما فعلته أهانت ملك في بيته , حتى و لم تكن تتقبل وضعها كزوجة له , الا أن جميع معارفهم يدركون الأمر ,
مما سيقلل من احترامها في نظرهم , و هذا ما لم يستطع تقبله منها .



أخذ بعدها نفسا عميقا , محاولا السيطرة على غيظه , الذي يكتمه منذ ساعتين ثم أضاف

" أنا لا أعرف ما الذي أوصلته لك والدتي بالضبط , لكن الحقيقة الوحيدة هي أنني , رجل متزوج بالفعل و أحب زوجتي كثيرا ,

و لم أفكر للحظة في الارتباط بغيرها , لا حاليا و لا في المستقبل ,

و لولا أنها مريضة و لا زالت تتعافى , من العملية التي خضعت لها , بعدما أصيبت في حادث الاختطاف ، لكانت هي من قام بواجب الضيافة اليوم "


غصت كلماته الأخيرة فهو لن ينسى في حياته , أن ملك أخذت رصاصة عنه و كادت تقتل بسببه ,

و بغض النظر عن مشاعره التي لا تقبل النقاش , ان كانت هذه المعلومة تضيف شيئا , فهي تزيد من حبه و تقديره لها , بعيدا عن كل امتنان .



بسماع ما قاله علي , تنهدت سالي و ابتسمت له بهدوء

" أوف الحمد لله ,
اعتقدت أنك موافق بالفعل على هذا الترتيب "



" ماذا تقصدين ؟ "

سأل علي يقطب جبينه بحيرة , و أجابت هي ببعض الاحراج الجلي

" في الحقيقة والدي و والدتك , اتفقا منذ مدة على اتمام الزواج بيننا ,
السيدة صفية قالت أن زوجتك بظروف خاصة , و أنك ترغب في الزواج بغيرها "

طبعا هي تفاجأت لأن ملك بدت لها , امرأة متكاملة لا ينقصها شيء , عدا عن أن الشبه بينهما صدمها من أول نظرة .



كز علي على أسنانه بغضب , و قد صدق تخمينه المسبق أن والدته , سربت بعض أسرار حياته الخاصة , طمعا في الحصول على عروس مناسبة ,

و سرعان ما قاطعه صوت الشابة الرقيق و هي تضيف

" صراحة سيد علي , أنا ليس لدي اعتراض على شخصك ,
بالعكس حضرتك رجل محترم جدا مما عرفته عنك ,

لكن المشكلة تكمن في كوني امرأة متحررة , قضيت معظم حياتي في أميركا ,
لم أكن لأقبل يوما بالارتباط بهذه الطريقة التقليدية , دون وجود مشاعر متبادلة ,
لولا أن والدي هددني "




" بماذا ؟ "

سأل علي بفضول و هو يرفع حاجبيه , استغرابا من صراحتها المفاجئة , لتوضح هي له الصورة أكثر

" هو يريد شراكة معك في الأعمال , يعززها بالنسب بينكما و والدتك تؤيده ,

لذلك هددني إن أنا رفضت و أفسدت الأمر , سيلغي دعمه لي خاصة فيما يخص , تأسيس المستشفى التي أحلم بها "




ابتسم علي دون أن يعلق بكلمة واحدة , هو لهذا السبب بالذات يحب ملك , لا أحد يهددها أو يبتزها حتى مقابل حياتها ,

عنيدته المجنونة قبلت أن تكون خادمة , و تضحي بعام كامل من حياتها ,
و لا ترتبط برجل لا تحترمه , كما أخبرته ذات مرة هنا في هذا المكتب ،

و هذه الشابة المدللة تأتي من آخر الدنيا , مجرورة الى هنا كمعزاة للحلب , لتقابل رجلا بظروف خاصة لا تعرف عنه شيئا ,
فقط لأنها خائفة من أن يلغي " PAPA " بطاقة الفيزا خاصتها ,


من جهة تعترف أنها لا يمكنها التنازل , عن بعض الترف من أجل كرامتها , و من جهة أخرى تقول بجرأة أنها متحررة ,

لو كانت ملك المتمردة مكانها , لأخبرته أن يلتهم أمواله التي يتباهى بها , ثم تذهب للتطوع في صحراء النيجر .




انتقد علي في سره شخصية المرأة أمامه , بطريقة لاذعة كما تعود , لكنه التزم الصمت فهي حرة في اختياراتها , و لا يملك إلا أن يحترم صراحتها .

و بادرها محاولا انهاء هذا الموضوع المحرج لكليهما

" حسنا آنستي إذا نحن متفقان , إذا أردت بإمكاننا أن نكون أصدقاء ،
أنا أقدر والدك كثيرا و تقديرا لعلياء كذلك ,
و لا داعي للقلق بشأن الشراكة ، أنا أحفظ وعودي فيما يخص الأعمال "



" و ماذا بشأن السيدة صفية ؟
هي تعلق آمالا كبيرة على علاقتنا , و والدي يستمد حماسه منها "

ذكرته بتطفل والدته مجددا ليطمئنها علي


" لا داعي لقول شيء أمامها , إن سألتك قولي أننا نتعرف ,
و أنا سأحل المسألة لاحقا بطريقتي "


إذا عرفت صفية بفشل مساعيها ستكرر الأمر قريبا , علياء أخبرته أنها صرحت لها بأنها لن تتوقف ,
حتى لو لم يوافق على سالي , ستكون غيرها محل بحثها ,


و هو لن يسمح لوالدته بزيارات مماثلة , مع شابات مختلفات كل يوم , بيته ليس مزارا لتجمعات نسائية ,
هو لن يسمح لها بأن تؤذي مشاعر ملك أكثر مما حصل ,

و قد حمد الله لأنها لم تكتشف ما يحصل , و لم تتهور والدته و تذكر الأمر أمامها , لأن هذا سيفسد فرصته الشبه منعدمة معها .




وافقت سالي على قراره بتردد , فقد بدا أكثر خبرة منها , في التملص من زيجات مدبرة

" حسنا لا بأس سيد علي ,

و بالنسبة للزيارة التي يتوقعها والدي خلال أيام ،
هل لازلت عند وعدك له بمرافقتي لزيارته ؟
لأنك ان لم تفعل سيعرف مباشرة بالوضع "



كان والد سالي قد اتفق مع علي , على أن يزوره في أميركا لثلاثة أيام , من أجل ارساء قواعد العمل بينهما ,
و كان قد خطط مع صفية , أن ترافقه سالي حتي يتعرفا و يعززا العلاقة .


ليطمأنها علي مجددا بنبرة واثقة

"آنسة سالي لم يتغير شيء بالنسبة للزيارة , أنا أجيد التفريق بين العمل و العلاقات الشخصية ,
سنذهب سويا لا داعي للقلق "



ابتسمت الشابة بفرح , و قد أراح بالها بما قاله

" شكرا سيد علي سررت فعلا بالتعرف برجل مثلك , السيدة ملك محظوظة جدا لأنها زوجتك ,
بمجرد أن أعثر على رجل يقدرني , و يحبني كما تفعل معها سأتزوج دون تردد "



رد علي ابتسامتها بمرارة واضحة , و ملامحه المتعبة تقول

" ليتها تسمعك "



لم تطل سالي البقاء و سرعان ما غادرت , مكث علي بعدها لفترة طويلة في مكتبه , محاولا التركيز و اتمام الأعمال العالقة ,
قبل أن يقرر أن يلقي نظرة على ملك و يطمئن عليها ,


لكنه فوجيء بعدم وجودها في غرفته , التي كانت هادئة أكثر مما يجب حين دخوله اليها ,

حينما سأل الخادمات عنها أخبرنه أنهن رأينها , تدخل غرفتها القديمة و رنا ترافقها الآن .


قصد علي مباشرة غرفة ملك , و هو يشعر بالفضول لمعرفة سبب تصرفها دون اعلامه ,
بعد أن دق الباب و دخل , رآها مستلقية هناك بالفعل , و رنا الى جانبها على السرير تلون لوحة رسمتها .



" هل أنت بخير ؟ "

سألها مباشرة بعدما أعطى رنا قبلة على خدها , لكنه حينما دنا منها ليقبلها هي أيضا , انحنت جانبا و تفادته في حركة واضحة ,
لاحظها علي لكنه لم يعلق , رغم امتعاضه من الأمر .

أجابته بعدها بملامح متجمدة و نبرة باردة , و هي تشيح بوجهها ناحية الطفلة , متظاهرة بأنها تراقب رسمتها

" شكرا أنا بخير "



" لم أنت هنا ؟ "

سأل علي بهدوء مخفيا انزعاجه , و قد كان يقف عن قرب , واضعا يديه في جيبه ,


حدقت اليه ملك قليلا بنظرات ثائرة , تحمل الكثير من اللوم و العتاب , و التي لم يفهم علي لم أصبحتا بهذه القتامة ,
فلطالما كانت عيناها شفافتين تماما , بامكانه سبر أغوارهما بلمحة واحدة

لكنها سارعت لتشيح بهما , تفر من عينيه السوداوين اللتين تحرقان قلبها , قبل أن تجيبه بلهجة نزقة

" هذه غرفتي أين تريدني أن أكون ؟
ثم أنا مرتاحة هكذا , لا أريد ازعاجك أكثر مما فعلت "



و سارع علي للرد عليها , محاولا جهده السيطرة على غضبه من افتراضها

" أنا لم أكن منزعجا , ثم أنت لا تزالين مريضة "


كانت نبرته مستاءة بطريقة واضحة , لكن ملك لم تبال بما يفكر , بما أنها تعتقد أنه يهتم فقط بسبب العملية

" لا داعي لقلقك شفيت بدرجة كبيرة , شكرا لك "

( لن أنتظر حتى تطردني سيدة سالي منها )

همهمت لنفسها دون أن تسمح للرجل القلق أن يسمع شيئا .




كانت ملك تتكلم برسمية غير معهودة معه , و شعر علي أنها تنهي الحديث سريعا , و تهرب بنظراتها مدعية انشغالها بمساعدة رنا ,
و كأن شيئا ما تبدل بينهما بين البارحة و اليوم ,


لم يصر علي عليها و تركها على راحتها , هو أصلا يعلم أنها لو لم تكن مريضة , لما سمحت له بابقائها في غرفته طوال هذا الوقت ,


و لربما ما قالته والدته عن العلاقة بينهما , أثار حفيظتها و جعلها تغادر أسرع مما يجب , مما يؤكد تمسكها بموقفها في رفضه .


بالعودة الى غرفته لقضاء الليلة , شعر علي أنها صارت , أكثر ظلمة بمغادرة صاحبتها ,
حيث كانت ملك تملأ عليه المكان خلال الأيام الماضية , و قد كانت أجمل فترة قضاها برفقتها ,


استلقى على سريره و أخذ نفسا عميقا , من الوسادة التي كانت تستخدمها , لينام بعمق تحيط به رائحة الياسمين ,
و قد تناسى قليلا خيبة أمله , داعيا الله أن تحدث معجزة قريبا تنهي عذابه معها .


.
.



استمر برود العلاقة بين الاثنين لأيام أخرى , تعافت ملك أثناءها بشكل كبير , و عادت الى حياتها العادية ,
لكنها استمرت تتفادى لقاء علي بأي ثمن , حتى أنها لم تعد تتناول طعامها معه .

و بدأ هو يشعر بالهوة التي نشأت بينهما , و كأنهما عادا غريبين كما في البداية أو أسوء ,
و كأنه كان يعيش سرابا جميلا , تبخر بمجرد أن دنا منه و حاول لمسه .



" كيف حالك أخي ؟ "

سألت علياء في الهاتف بقلق , بعدما بدا صوت شقيقها متعبا

تنهد علي بعمق مخرجا كل معاناته

" بخير ليلي بخير , مرهق قليلا فقط "




" هل ملك بخير ؟ "

سألت مجددا فشقيقها لا يبدو منزعجا , الا اذا كان أحد من يحبهم في وضع سيء , ليجيبها علي بما يعرفه

" هي أيضا بخير , تتحسن بشكل جيد "



صمتت علياء قليلا , قبل أن تتحدث بصوت مذنب

" آسفة حبيبي , لم أعرف أن والدتي ستفعل ذلك , و الا ما كنت عرفتها على سالي ,
تعرف أنني أدعم علاقتك مع ملك بقوة "



كما خمن علي سلفا , فقد بدأت والدته بالتخطيط لارتباطه قبل وفاة مريم , حينما اصطحبتها علياء من أجل رؤية طبيب أعصاب في ألمانيا ,

و هناك عرفتها على سالي , التي تعمل في نفس المشفى , و من وقتها و هما على اتصال ,
حتى أن صفية تعرفت على والدها , و اقترحت عليه شراكة مع علي , بما أنها تعرف أن ابنها لا يرد لها طلبا .


رغم امتعاضه الا أنه لا يمكنه احزان علياء فلا ذنب لها

" لا بأس ليلي لست غاضبا منك , أمي كانت ستفعل ذلك مع أية امرأة أخرى ,

هي تعرف أنني و ملك لسنا على اتفاق , و تحاول استغلال ذلك للضغط علي "




" لكنها وعدتني أن تتريث , و لا تفتح الموضوع مع ملك حتى تتحسن "

بدت علياء هي الأخرى مستاءة من تصرف صفية , ليجيبها علي بهدوء

" كان عليها انهاء الأمر سريعا , لأن سالي ستغادر لزيارة والدها , قبل أن تعود الى ألمانيا ,
و قد ورطتني لمرافقتها بعدما كنت سألتقيه وحدي ,

المشكلة الآن ليست في سالي أو أمي , ملك من يثير قلقي حاليا "





" لماذا ألم تفاتحها في موضوعكما بعد ؟ "

حينما اتصلت به لتخبره عن خطة والدتها , دون موعد محدد للتنفيذ , كان علي قد وعدها أن يكلم ملك صراحة عن مشاعره ,

لكنه لم يتوقع وصول صفية بتلك السرعة , لتقتطع عليه الطريق و تطرح السؤال الذي كان يؤرقه ,
بخصوص مشاعر ملك ناحيته .



صمت علي لدقيقتين قبل أن يجيب بنبرة , فيها يأس و احباط كبيرين

" لم أفعل , و لا أعتقد أنني سأفعل قريبا "




" لماذا أخي ما الذي يجري هناك , كنتما تبدوان على وفاق مؤخرا ,
ما الذي حصل ؟
أيعقل أن والدتي قالت أمرا , ما كان عليها قوله و أزعجتها ؟ "

سألت علياء بقلق , فهي أكثر من يعرف لسان والدتها السليط .



" حسنا لم أسمع ما دار بينهما من حوار كاملا , لكن ما سمعته كان كاف لمعرفة موقفها مني "

أجابها علي و قد استعاد ما سمعه حرفيا من فم ملك


" ألم تعد رؤية لقائهما ؟ "

سألت و هي تعرف أن بيته مزود بكاميرات مراقبة , و رد علي بقلة حيلة

" أطفأت تسجيلات غرفتي و حمامها , حينما بدأت ملك بالاقامة هناك ,

أردتها أن تشعر ببعض الراحة و الخصوصية ,
تعرفين كم أنها حساسة , اتجاه تطفلي على حياتها "




" خسارة , كنا عرفنا فيما تحدثتا "

تمتمت علياء بخيبة كبيرة , ليمرر علي الموضوع سريعا

" لا أعتقد أنني فوتت الكثير يومها , بما أنني سمعت الخلاصة الأهم ,

قد تكون مجرد ثرثرة عن مستقبل محتمل بيننا , رفضته ملك في النهاية بكل وضوح "





شعرت شقيقته هي الأخرى بالاحباط , لكنها حاولت تشجيعه كعادتها

" أخي ربما هي قالت ذلك فقط , لأن والدتي تدخلت في الموضوع ,

تعرف كم أن ملك خجولة , قد تكون شعرت بالاحراج , لاخبار أمي عن مشاعرها ناحيتك "




و سارع علي للنفي بيقين تام

" لا علياء لا أعتقد , هي كانت واثقة من كل كلمة قالتها يومها , أنا أكثر من يعرف عنادها ,
بعدها مباشرة عادت الى غرفتها , و أصبحت تعاملني ببرود و تتفاداني ,

أحيانا لا أرى وجهها طوال النهار , و حينما أذهب لرؤيتها تدعي أنها نائمة ,
و لا ترد بأكثر من كلمة واحدة حينما أسألها "



صمت علي قليلا ثم أضاف , و قد بدا متأثرا بالقطيعة بينهما

" هي أصبحت أكثر حدة معي , مما كانت عليه حينما كنا نتقاتل بشراسة ,
على الأقل حينها كانت ترد الكلمة بعشرة , و كنت أعرف فيما تفكر ,

الآن هي حتى لا تنظر إلى وجهي , أشعر أحيانا أنني سأجن "



" ألا يعقل أن رؤية سالي في بيتك أثارت حنقها , و هي تخاصمك لأنها تشعر بالغيرة ؟ "

خمنت علياء أمرا آخر ,

و ما لبث علي أن دخل , في نوبة ضحك مريرة , سخرية من وضعه البائس


" أرجوك علياء لا تقولي نكتا ,

أولا لا أحد يعرف بموضوع سالي الا أنا و أمي , و لا أحد بيننا قال كلمة أمام ملك

ثانيا و هذا الأهم , من يغار يجب أن يحب أولا , و ملك قالت صراحة أنها لا تحمل أية مشاعر لي ,

و الله ليتها كانت تغار , تثور و تكسر الدنيا على رأسي لأنني قابلت غيرها ,
كنت سأكون أسعد رجل على وجه الأرض "





فكرت علياء قليلا بعد ثم اقترحت , لا تريد لهذه العلاقة أن تنتهي هكذا

" حسنا أخي رغم كل ذلك , بإمكانك القيام بخطوة جريئة أخيرة ,
جهز جوا جميلا دافئا على انفراد ,
و حاول أن توصل لها بطريقة سلسة , ما تفكر فيه و ما تشعر به ناحيتها ,

مما أعرفه ملك رومنسية و حساسة , و أنا شبه متأكدة أنها تبادلك المشاعر ,
فلا داعي للتردد , لن تجني شيئا من معاملة البرود هذه "



هز علي رأسه و هو لا يفهم , مم تستمد شقيقته يقينها , في أن ملك تحبه و سارع لزجرها

" بربك علياء هي تعاديني منذ أيام , لأن أمي فتحت الموضوع معها ,
تعتقدين أنها ستتجاوب معي , إن أنا تجرأت و قلت ما أفكر فيه ؟ "



كان أكثر ما يخشاه علي , هو أن تصده ملك بطريقة سيئة , تسخر من مشاعره أو تخبره أنها تكرهه , كما حصل بينهما سابقا ,
حينها هو سيصاب بنوبة قلبية ثانية , لن يتحمل الأمر أبدا .

هو يكاد يفقد صوابه لأنه لم يعد متأكدا من شيء , و الأسوء أنه لن يستطيع منعها ,
إن هي رفضته و طلبت أن تغادر بيته ,

لن يطاوعه قلبه ليحزنها مجددا من جهة , و من جهة أخرى هو لا يريد , أن تنتهي العلاقة بينهما بالقطيعة التامة ,
متأملا في علاقة صداقة مؤقتة حتى بعد عودتها ,

بعدها قد تتاح له الفرصة مجددا لاستعادتها , هو يحبها و يريدها زوجة حقيقية له مهما كلفه الأمر ,
و لن يرضى بغير هذا جوابا .





رق قلب علياء لحال شقيقها , و حاولت جهدها تطييب خاطره و اسداءه نصيحة

" حسنا حبيبي , لم يبق الكثير من الوقت لانتهاء السنة ,

و كما قلت سابقا ملك إذا استنفذت هذه المدة و غادرت , لن يكون لك عليها أية أفضلية ,
خاصة أنك تخفي أساسا أمر براءتها عنها ,


أخي أنا أؤمن دائما بالمثل القائل

" إذا أحببت شيئا بشدة أطلق سراحه , فان عاد اليك فهو ملكك الى الأبد , و إن لم يعد فلم يكن ملكك منذ البداية "

فقط امنحها فرصة الاختيار علي , و امنح نفسك فرصة للسعادة "




( أخشى ألا تعود أبدا ان أنا تركتها ترحل )

حدث علي نفسه بألم و يأس , قبل أن يجيب علياء

" حسنا ليلي سأفكر في الأمر , أنا مسافر غدا الى أميركا برفقة سالي ,
علي انهاء أمر الشراكة هذا , قبل أن تصر والدتي على إعلان الخطبة , و تدمر كل شيء "



" حسنا أخي رحلة موفقة , أتمنى لك كل السعادة "



أغلق علي الخط و أغمض عينيه , و هو يفكر فيما قالته أخته

هل يعقل أن ملك لا تتجاوب معه , لأنها ليست حرة في الاختيار ؟

هل يخيفها أن تبقى محتجزة هنا , بقية حياتها دون عائلتها ؟

و ماذا لو تركها ترحل و فقدها الى الأبد ؟ .

كانت الأسئلة التي تدور في عقله في يقظته و نومه .


.
.



في الطرف الآخر لم تكن ملك أفضل حالا , على الأقل علي لديه من يفتح قلبه له , و يبوح له بما يشعر به ,

أما هي فكانت تكتم ما في قلبها , تتألم و تذوي كعشبة خضراء , انقطع عنها الماء و النور في صمت ,
حتى الجلسات العلاجية مع انصاف , لم تكن تستطيع الفضفضة فيها ,


ملك لم تكن تتفادى علي و تعامله ببرود , لأنها تريد ابعاده فحسب , أو لأنها تنفذ أوامر عقلها المتسلط فقط ,
لكنها كانت تفعل ذلك لأنها لم تعد واثقة , من قدرتها على ضبط نفسها بقربه ,


لم تعد متأكدة أنها لن تركض ناحيته , تحتضنه بقوة و تشم رائحة عطره التي تشعرها بالأمان ,
هي لا تضمن ألا يرتجف صوتها و يفضحها , و هي تناديه باسمه , و هو يجيبها بكل ذلك الدفء ,


و لم تعد واثقة ان هي نظرت , الى عينيه الحبيبتين أكثر من ثوان , ألا تنهار و تخبره بكل مشاعرها , و تتوسله أن يقبل بها و يحبها .


لكنها كانت تمنع نفسها بقوة , لأن مجرد فكرة رؤية الرفض في عينيه تقتلها ,
تريد أن تبتعد بارادتها , لأنه لو أبعدها بنفسه سيتوقف قلبها لحظتها .





زادت مرارة قلبها حينما أخبرتها فاطمة , أنه مسافر غدا الى أمريكا , و أن سالي تصحبه لرؤية والدها .

أصبح واضحا أنه يمضي في حياته بسرعة كبيرة , و هو بصدد التعرف على عائلة عروسه الجديدة , استعدادا لمنحها ما يليق بها كزوجة له ,
معطيا لها كل القدر و الاحترام , الذي لم تحظ به عائلتها و لا هي .

رغم حسرتها غيرتها و رثاء نفسها , كانت ملك تتمنى أمرا واحدا ,
فقط لو انتظر قليلا حتى ترحل ,

لن تكون حينها مجبرة على رؤيته , يبني سعادته مع امرأة أخرى , فيما هي تراقب كخيال ظل على الهامش ,
لن تشعر حينها بكل هذه الغيرة القاتلة ,

و لربما كانت المسافات البعيدة خففت قليلا , من وجع السم الذي يسري في روحها , و يقودها الى حتفها ببطء شديد .




" يا الهي أرجو أن ينتهي هذا العذاب قريبا , أقسم لم أعد أتحمل "

كانت هذه دعوتها في كل صلاة , على أمل أن يستجيب الله رجاءها , و يخلصها من هذه الوضعية المؤلمة ,
و قد صارت تنام كل ليلة , و دموعها اليائسة تغرق خديها .


.
.



في الصباح الباكر , مر علي قبل مغادرته على غرفتها , دخل بخطوات خفيفة حذرة ,
لكنه لم يحاول ايقاظها ، ليس مع احتمال أن تعامله , بذات البرود الذي يؤلم قلبه ,


ألقى نظرة مقربة على وجهها , حيث كانت ملك تستلقي على سريرها الصغير ,
تبدو شاحبة جدا مع هالات سوداء تحت عينيها , و كأنها لا تنام جيدا ,

بقي واقفا مكانه لدقائق طويلة , و كأنه يأخذ زاده الروحي من تأمل ملامحها , اكتفى بعدها بأخذ قبلته من جبينها , و التي حرمته منها منذ أيام ,

طبع قبلة أخرى على شعرها , و أخذ نفسا عميقا من رائحة الياسمين التي يعشقها ,
ثم غادر دون حتى أن تدرك ملك , أنه مر من هنا و ترك قلبه فوق وسادتها .


.
.




مرت خمسة أيام أخرى على ملك و كأنها دهر , كانت تعيش في تيه كبير , تأكل شبه طعام و تنام شبه نوم ,
لا تبتسم و لا تتحدث مع من حولها الا نادرا ,


لم تر علي و لم تسمع صوته منذ غادر , و لكنها كانت تسمع أخباره , من رنا التي يكلمها يوميا , و التي كانت تتفاداها كلما رن الهاتف ,

كانت ملك تتهرب من سماع , خبر خطوبته و ارتباطه بتلك الشابة ,
و من يدري ربما عقد قرانه عليها و انتهى الأمر ,

ما الذي سيمنعه هو سبق و أن وقع عقدهما خلال ساعة ؟

ثم يبدو بأنه يعرف سالي تلك منذ مدة طويلة , فقد بديا منسجمين جدا يومها .




لكنها لم تملك إلا أن تشعر بالسعادة , لأن رنا أخبرتها أن والدها , عائد في اليوم الموالي , فكل ما تريده الآن أن تراه بخير ,

لا يهم إن كان وحده أو تصحبه تلك المرأة , هي فقط تريد رؤية وجهه الذي تشتاقه حد الموت .




كان موعد وصول علي في الثالثة , و كان الجميع في انتظاره كعادتهم ,

بمجرد دخوله البيت ركضت رنا و احتضنته بحرارة , أما ملك فقد وقفت بعيدا تراقب ,
و هي تحث نفسها على التحلي بالشجاعة ,


ان كانت تلك الشابة ترافقه , فعليها الانسحاب فورا , هي لن تتحمل رؤيتهما يتغازلان تحت أنظارها , أو يعلنان عن خبر ارتباطهما رسميا , قد تفقد عقلها في لحظتها .

لكنها تنهدت بارتياح حينما قدم وحده , و لا أثر لسالي في الأنحاء ,
بدا وجهه أكثر انهاكا , مما كان عليه قبل مغادرته , و كأنه فقد بعض الوزن , أو ربما فقد بعض الروح .



رغم أن ملك كانت جبانة و مترددة , الا أن علي كان أكثر جرأة منها , فبعد عناق رنا تقدم و أخذها في حضنه على حين غرة , دون حتى أن يعطيها فرصة للرفض ,

هو اشتاق لها كثيرا في غربته , و لم يتسن له حتى سماع صوتها لأيام ,
و قد ارتجف قلبه شفقة , لرؤية شحوبها و ملامحها المتعبة .



استكانت ملك بين ذراعيه , و قد خارت كل مخططاتها , بتجاهله و الفرار من أمامه ,
و كيف تفعل و رائحة عطره تسكرها , أكثر مما يفعل أقوى مخذر ,


استغل علي الفرصة و أطال العناق , الذي أعاد بعض الحياة الى روحه الجافة , قبل أن يطلقها مرغما , و يقف يحدق الى وجهها بنظرات هائمة

" كيف حالك ؟ "

سأل باهتمام و بصوت أجش , و أجابت ملك باختصار و هي تشيح بعينيها

" بخير أتعافى سريعا "





فكر علي لثوان قبل أن يطلب منها أمرا لم تتوقعه , لكنه حضره منذ اللحظة التي غادر فيها من هنا

" جهزي نفسك سنخرج للعشاء , لدي أمر هام أخبرك به "



توقف قلب ملك عن النبض للحظات , قبل أن يعود للعمل من جديد ,
و هي تسمع نبرة الحزن في صوته , و ترى نظرة الجدية في عينيه



" أكيد هو سيخبرها عن حقيقة علاقته مع سالي , عن زواجهما الوشيك و ترتيباته بخصوصه , فهو يعتقد أنها لا تعرف و يريد اعلامها ,
و إلا ما كان عرض عليها الخروج بمجرد وصوله ,

هل يعقل أنه سيطردها من منزله , لأن تلك الشابة طلبت ذلك قبل الزواج ؟

ألهذه الدرجة هما مستعجلان , للارتباط و الاقامة سويا هنا ؟ "



كانت الأفكار الوحيدة التي راودتها حينها , و لم تملك ملك الا أن تراجعت خطوة الى الوراء ,
متحررة من حضن علي , الذي أصبح مغروسا بالشوك فجأة ,

و قد أدركت للتو أنه لم يعد من حقها , الارتماء بين ذراعيه أو الاستمتاع بحنانه , فهو الآن ملك امرأة أخرى .



شعر علي هو الآخر بالألم , لأن ملك لم تغير رأيها بخصوصه , لا زالت تبقي مسافة بينهما , و تنسحب كلما عادت الى وعيها , و أدركت الوضع بينهما ,

و هو الذي اعتقد أن الأيام الماضية , قد جعلتها تعيد التفكير و تصفي ذهنها بخصوصه ,
لكن واضح أن عليه أن يمضي , في ما فكر فيه و خطط له , فلم يعد هناك بد منه .



.
.



في السادسة صارت ملك جاهزة , و كعادتها تبقي الأمور بسيطة , كانت ترتدي سروالا لأول مرة منذ الحادثة المشؤومة ,

رغم أن الجرح قد شفي تقريبا , الا أن الندبة كانت ظاهرة جدا , لا يبدو بأنها ستختفي أبدا .


وقفت ملك أمام المرآة , تحدق الى مكان الجرح مطولا , لم يكن يؤلم لكنه يحرق بعض الشيء , كلما لامسه خصر السروال ,


و لم تملك الا أن تشعر بالحزن مجددا , لفقدانها جزءا من أعضائها و تشوه جسمها ,
لكن بالتفكير في الأمر , لو عاد الزمن الى الوراء و تكرر الوضع , هي ستفعل نفس الشيء ألف مرة .


هي ليست نادمة و لو بقدر ضئيل ، حتى و ان كان علي لا يحبها , و يريد الارتباط بامرأة أخرى ,
إلا أن فكرة موته ترعبها كلما افترضتها , و هي جاهزة في كل مرة , لأخذ رصاصة عنه دون تردد .



أضافت ملك قميصا أبيض اللون و سترة خفيفة , لأن الجو بارد بعض الشيء في الخارج , و مناعتها لا تزال ضعيفة ,

أسدلت بعدها شعرها على كتفيها , ارتدت حذاءها المسطح و أصبحت جاهزة .





بمجرد أن خرجت الى الصالون , وجدت علي يقف هناك ينتظرها , يضع يديه في جيبه و يحدق ناحيتها بترقب ,

كان يقف صامتا يراقب المرأة القادمة ناحيته , و يتمعن في ملامحها و كأنه يراها لأول مرة ,
و في كل مرة يجاهد نفسه , كي لا يخطو ناحيتها , و يأخذها بقوة الى حضنه .





بمجرد أن أصبحت أمامه ابتسم لها , و مد يده ليعدل خصلة من شعرها

" تبدين رائعة "

قال معلقا على مظهرها , ابتسمت ملك هي الأخرى و ردت بهمس

" شكرا "



لوى علي ذراعه مشيرا لها بأن تتأبطه , ترددت ملك قليلا قبل أن تمد يدها و تضعها هناك ,
فقد لا تتاح لها الفرصة مستقبلا لفعل ذلك ,

لكنها لم تشعر بالغرابة كما في السابق , و كأن ذراعه هي مكان يدها الطبيعية .

ربما بسبب تقاربهما مؤخرا , فقد زالت بعض الحواجز بينهما , حتى أنهما تشاركا السرير في وقت ما .





غادر بعدها الاثنان في السيارة , حيث كان علي يقود , و كانت ملك تجلس الى جانبه بكل هدوء ,

و على غير ما توقعت , فقد كانت الوجهة بيت الشاطيء , بدل أحد المطاعم الفاخرة وسط المدينة .

بدا واضحا أن علي يريد خصوصية كبيرة , من أجل ما يريد قوله , مما أشعرها بالرهبة أكثر .

رغم توترها الكبير لم تمانع ملك التواجد في المكان , فهي كانت هنا مرتين سابقا و تشعر بالألفة فيه ,

و عليها أن تعترف أنها أحبت البيت , حتى حينما زارته في أسوء أحوالها .




لم يقل أحدهما كلمة واحدة طوال الطريق , كان علي يركز أمامه , و كأنه يغرق في تفكير عميق ,
يستدير ناحيتها من وقت الى آخر ليبتسم لها ,
و كانت هي تراقب وجهه خلسة , و كأنها تحاول حفر ملامحه في ذاكرتها .



بمجرد وصولهما أمام المدخل , نزل علي و فتح باب السيارة لها , ثم ساعدها على النزول بتأن
قبل أن يفتح باب المنزل , و يدعوها الى الدخول أولا ,


دخلت ملك بخطوات متأنية , و كأنها تتوقع أن يكون أحد غيرهما هناك ,
ربما سالي من يدري ؟

لكنها تفاجأت بعلي يمسك يدها في يده الدافئة , و يقتادها ناحية الشرفة المطلة على البحر .



بالوصول الى هناك رأت طاولة لشخصين , موضوعة في المنتصف مع كرسيين ,
و كانت الشراشف من الدانتيل , تغطي كل شيء تقريبا , معطية منظرا فخما للمكان .


كانت هناك الكثير من الشموع المضاءة حول الطاولة , و فوقها باقة كبيرة من الورد ,
موضوعة في المنتصف وسط الأواني الفضية ,

انعكست أشعة الشمس التي آلت الى الغروب , على الرمال الذهبية هناك , معطية منظرا ساحرا للمكان , و قد بدا عشاءا رومانسيا على ضوء الشموع .







بلعت ملك ريقها بصعوبة , و هي تحاول تهدئة قلبها الذي يدق بجنون , و تضم أصابعها لتمنع ارتجاف يديها ,

بقيت تقف مكانها تراقب بتوتر , لا تعرف ماذا عليها أن تفعل , حتى شعرت بعلي يمسك يدها مجددا , و يشير الى الطاولة بعينيه ,



تقدمت ملك بخطى متثاقلة , و كأنها تخشى الوصول الى هناك , و كأن الرجل يجرها الى مقصلة و ليس الى عشاء ,
و كان علي غافلا عن كل مشاعر القلق التي انتابتها ,

حينما أصبحا أمامها مباشرة , سحب لها علي كرسيا للجلوس , و لكنه بدل أن يجلس مقابلها هو الآخر ,
خلع سترته وضعها على كرسيه , و شمر كمي قميصه الى مرفقيه , و هو يرسل ابتسامات دافئة ناحيتها .



كانت ملك تراقبه دون أن تفهم ما يحدث , حتى رأته يدنو من موقد عليه مشواة في الجانب

"...."

" هل سيطهو هذا الرجل المغرور من أجلها ؟ "

يبدو بأنها ستصاب بنوبة قلبية هذه الليلة , بسبب تصرفات هذا الرجل الغريبة و المبهمة .




لكن علي لم يقل شيئا , بل اقترب من الموقد , و بدأ في طهي قطعتي لحم , مع بعض الخضار بكل تمكن ,

كان يبدو ساحرا و مثيرا , و هو يقف مثل عارض أزياء , مع خصلة من شعره تداعب جبينه , و يداه تمسكان الشوكة و تتحركان بكل اتقان ,

لم تشح ملك عينيها العاشقتان عنه لثانية , فهذا الرجل لا يتوقف عن إثارة اعجابها ,
حتى و هو في أسوء حالاته , فيما يبدو أنه يجيد دائما ما يفعله .







لم يطل علي الأمر كثيرا , فهو يريد الجلوس و التحديق في وجه ملك , و سماع صوتها في أقرب وقت ممكن , و ما لبث أن عاد مع صحنين لهما ,

هو لا يطبخ لنفسه إلا نادرا , و لم يطبخ في حياته , إلا لهذه المرأة التي خطفت قلبه .

لو أخبره أحد قبل شهور , أنه سيأتي عليه يوم , يفعل كل ما بوسعه , لإرضاء شخص كرهه حد النخاع ما كان صدقه ,

لكن يبدو أن ما يقال عن الحب كله صحيح , فهو يسلب عقل صاحبه , قلبه و روحه و يجعله خاضعا .





جلس الاثنان يأكلان في صمت , بعدما شغل علي موسيقى هادئة , لكنه كان ينظر في وجه ملك , أكثر مما ينظر في صحنه .



" هل أعجبك ؟ "

سأل بترقب بعد دقائق , و هزت ملك رأسها مبتسمة

" لذيذ شكرا , لم أعرف أنك تجيد الطبخ "



ابتسم علي هو الآخر , و أجاب بلهجة مغرية

" أجيد الكثير من الأمور التي لا تعرفين عنها شيئا "



احمر وجه ملك من نظراته الشغوفة , و نبرة صوته المثيرة , و سارعت لطأطأة رأسها , و الانغماس في أكل ما أمامها ,
متجاهلة الابتسامة العريضة للرجل , الذي يكاد يلتهمها بعينيه .




" كيف كانت رحلتك ؟ "

سألت ملك لتبديد الجو المريب بينهما


" جيدة جدا شكرا , عقدت صفقة ناجحة , و وقعت عقدا هاما جدا "

قال علي بحماس مشيرا الى أعماله , و ذهب عقل ملك الى عقد ارتباطه , و قد أصبح هوسها الجديد دون منازع ,
تيبست معه اللقمة في فمها , وضعت الشوكة و السكين من يدها , و لم تستطع اكمال طبقها .



لم يصر علي عليها كثيرا , هو يعرف أن شهيتها ضئيلة , و سرعان ما أنهى هو الآخر طعامه , ثم مد يده و طلب منها

" هل يمكن أن تشاركيني الرقص قليلا ؟ "



استغربت ملك طلبه و ردت باحراج

" لكنني لا أجيد الرقص "



ضحك علي بخفة و شجعها

" تعالي فقط ليس بالأمر الصعب , جربي و سترين "



ترددت ملك قبل أن تمد يدها و تضعها في كفه , نهضت ببطء من مكانها ,
و هي تعرف أن هذا تمهيد لكلام أكثر جدية , و لا تملك إلا أن تنتظر ما الذي يريد قوله لها ,


اقتادها علي الى مكان فارغ الى جانب الطاولة , وضع يدها على كتفه و الأخرى في يده , و حاوط خصرها باليد الأخرى ,

و ما لبث أن سحبها نحوه بخفة , في حركة اختطفت أنفاسها ,
و أرسلت تيارا كهربائيا سرى على كل جسدها .



ارتبكت ملك أكثر من حركته , و لم تعرف ما عليها فعله , حتى دنا منها علي أكثر , و همس في أذنها

" فقط حركي رجليك مع الموسيقى "



كان علي يتحرك بسلاسة , و ملك تحاول تقليد خطواته , و ما لبثا أن بدآ يرقصان بانسجام مع الموسيقى الساحرة , و قد استسلمت أخيرا بين يديه ,


كان الصمت يلف المكان , و كان الوقت و كأنه توقف هناك ,
تمنى علي البقاء هكذا لسنوات أخرى , لا يريد لملك أن تبتعد من بين ذراعيه , لأن هذا هو مكانها الطبيعي .


ملك أيضا كانت تفكر , لو أن كل شيء حولهما يمحى , الماضي و الحاضر بكل مآسيهما ,
و يبقيان هنا ما تبقى من عمريهما , لكانت ستكون أسعد مخلوق على وجه الأرض ,

لكن الواقع لم يكن ليدع هذه السعادة تدوم كثيرا .



كان علي أول من تحدث ، و قد كان صوته خافتا مترددا , بنبرة حزينة شبه مكتئبة ,
و لولا أنه همس أمام أذنها مباشرة ، لما سمعت ملك ما قاله

" ملك أنا آسف "



تفاجأت ملك لما قاله , و تراجعت قليلا الى الوراء , لتراقب وجه الرجل الذي رأت غطرسته و جبروته , أكثر مما رأت حنانه يعتذر منها , لكنها لم تفهم علام .


برؤية الحيرة في عينيها , استرسل علي فيما يريد قوله

" أعرف أنني كنت ظالما معك لوقت طويل , أعرف أنني آلمتك كما لم أفعل مع أحد يوما ,
لكنني فعلا آسف "


لم يجد علي أكثر صدقا من هذه الكلمة , التي لم يقلها طوال حياته الا لهذه المرأة , لتعبر عن مدى ندمه على ما بدر منه ,
فهو آسف بقدر بعد السماء , و عمق المحيط و اتساع المجرة ,

و بقدر كل خلية في جسده , ترتل اسم ملك كل ثانية من عمره الباقي .



لم تقل ملك حرفا واحدا , و قد أدركت أنه يعتذر , عما حصل معهما في بداية علاقتهما ,
و بقيت تحدق الى عينيه السوداوين , اللتين تذيبان قلبها و لا تجد ما ترد به ,

ربما لأنها شعرت ببعض الإحباط , فليست هذه الكلمات التي تود سماعها الآن .




أضاف علي بصوت متأثر , و قد بدا الارتباك على محياه

" أعرف أننا التقينا في ظروف سيئة , و قد استمر الأمر لوقت طويل جدا ,
لكن علينا وضع نهاية لكل هذا الآن "



انقلبت معدة ملك و رفرف قلبها , حينما سمعت كلمة نهاية من فمه ,
و عادت هواجسها و مخاوفها ، التي راودتها في الأيام الأخيرة بقوة , لتتلاعب بعقلها و ادراكها .


" هل يعني هذا أنه يطلب السماح , لينهي فترة الجنون التي حدثت معها ,
و يبدأ حياته بصفحات بيضاء ؟

هل أسفه هذا هو النهاية التي يتحدث عنها , يريدها أن تسامحه حتى يرتاح ضميره ,
و يواصل حياته الآتية بأريحية ؟

هل كل هذه التحضيرات الحميمة , مجرد محاولة منه لمراضاتها و جبر خاطرها ؟

هل سيخبرها الآن أنه يريد انهاء قصتهما , و إخراجها من حياته بكل تعقيداتها ,
ليبدأ حياته مع تلك المرأة ؟

هل هذا عشاؤهما الأخير ؟ "



لم يكن بوسع ملك التفكير في غير هذا , لأنه لو كان يريدها معه و بقربه ,

لكانت كلمة أحبك بدل كلمة آسف , و لكانت البداية ما يتكلم عنها و ليس النهاية .




شعرت ملك بغصة في قلبها , و بدأت دموعها تتزاحم في عينيها ,
هي بكت خلال الأيام الأخيرة , أكثر مما فعلت في حياتها كلها ,

و رغم أنها حضرت نفسها منذ مدة , لمواجهة لحظة الفراق هذه , إلا أن الأمر يبدو شاقا جدا و مؤلما ,


لكنها منعت نفسها من البكاء , هي لن تنهار الآن أمامه ، فقط لأنه اختار امرأة أخرى و ليس هي ،

هو أصلا لم يعدها يوما بشيء , و لم يلمح حتى إلى إمكانية أن يبادلها المشاعر ,
كل ما شعرت به كان من طرف واحد , و هي الآن أكثر ثقة في ذلك .



أخذت ملك نفسا عميقا , و أظهرت ابتسامة زائفة مرتجفة , ثم تراجعت قليلا الى الوراء منهية الرقصة ,

في هذه الأثناء كان علي يراقب بأمل , تماوج ملامحها على وجهها ,
يريد سماع ردها على اعتذاره , حتى يتسنى له أن يكمل ما خطط لقوله ,

و رغم أنها أخذت وقتا طويلا للتحدث , إلا أنه كان يقف هناك بكل صبر منتظرا .





" هل حدثت والدتك ؟ "

قالت ملك بنبرة باردة فاجأت علي , محاولة اخفاء ارتجافة صوتها


" أكيد هو علم بعرض صفية , و هو لديه رأي آخر , و إلا ما كان أحضرها هنا , على جناح السرعة لانهاء الأمر , و لقطع الطريق على مخططات والدته ,

و ربما سيطلب منها أن ترفض هي من جهتها , حتى لا يضطر الى مواجهة معها "

حدثت ملك نفسها محاولة تحليل الوضع , و لم تجد غير هذا مبررا لما يحصل ,
تغذيه وساوسها التي صارت تسيطر على عقلها .




استغرب علي ذكر والدته الآن , و انتابه شعور سيء جدا , بأن ملك ستكرر على مسامعه ما قالته لصفية ,

و لم يجد الا أن وقف مكانه هو الآخر ، و حدق بحيرة الى عينيها

هو حينما قال النهاية ، قصد الجفاء و البعد اللذين يعيشان فيه ,
أراد انهاء كل ذلك الجنون الذي عايشاه , ليحل محله علاقة مبنية على الحب و التفاهم ,

هو قصد أنه يريد بداية , حياة زوجية حقيقية معها على نوايا صادقة , و توثيق ذلك العقد المزور الى آخر شرعي و أبدي .

لكنه لم يعرف فيم تفكر هذه المرأة أمامه ، رغم أنه يشعر برفضها في الأجواء .





و لم تخيب ملك ظنه , حينما أجابت بكل ثبات , يناقض الانهيار القاتل داخل روحها

" أعتقد أنني أخبرتها رأيي بوضوح ,
لذلك لا داعي لتكلفك العناء ، و فتح الموضوع معي مجددا "


هي قصدت أنها وفرت عليه عناء اقناع والدته , بالعدول عن اقتراحها بأن أعطتها رفضها ،

و هو فهم أنها مصرة على موقفها في رفضه .



ارتجف قلب علي من صدمة اصرارها , و سرعان ما بادرها

" ألم تغيري رأيك ؟ "

لم يستطع علي منع نفسه , من طرح السؤال المنطقي الذي يفرض نفسه ,

و قد اختفى فجأة من عينيه , كل ذلك الحنان و الشغف اللذين أغرقاها ,
و حل محله البرود و القسوة , الذي تعودت ملك على رؤيتها سابقا .





أشاحت ملك بعينيها , تتفادى رؤية النظرات التي تقتلها , و التزمت الصمت لأنها لا تضمن صوتها و لسانها

فما الذي عليها اخباره الآن ؟

هل تتحدث عن طوفان المشاعر الذي يجتاحها , و يقودها الى الجنون بعيدا عنه ؟

أو تتوسله ألا ينهي الأمر معها , و يستمرا في كونهما زوجين ,

و تعده أنها ستبقى هنا من أجله , فيما هو لا يريدها ؟


بالنسبة لها الأمر مستحيل و غير قابل للنقاش , ليس و هو لم يقل شيئا ,
و لم يعرض شيئا من الأساس ,

هي بامكانها تحمل ألم فراقه القاتل , لكن ليس بامكانها تحمل , لحظة جفاء و ازدراء أخرى من طرفه .



بالوصول الى هذه النقطة , خمنت ملك أنه حضر كل هذا , للاعتذار عن الاستمرار في ابقائها في بيته ,
و ربما الخبر القادم سيكون موعد عرسه على سالي ,

أكيد هو يريد طي الصفحة معها , لبدء حياته بكل هدوء مع المرأة المناسبة ,

حتى أنها صارت شبه متأكدة , أنه يريدها أن تنتقل للعيش هنا ,
الى أن يحين موعد رحيلها نهائيا , حتى يكون على راحته مع عروسه الجديدة .



حاولت ملك قدر الإمكان , إخفاء ألمها و حزنها اللذين أطلا من عينيها , و أجابت بكلمة واحدة همسا

" لا "



شعر علي بأن أحدهم غرس سكينا في قلبه , و ضغط عليه الى أن مزق شرايينه , و هو يقف الآن ينزف و يحتضر أمامها ,

أرخى يديه اللتين تطوقان ملك أخيرا , بلع ريقه بعناء و هو يحاول التماسك أمامها ,

ثم سأل مجددا , ضاربا بعزة نفسه عرض الحائط , لأول مرة في حياته

" لماذا ؟ "

كان صوته هو الآخر هامسا , دون أي أثر لأية مشاعر , و كأنه تبلد و لم يعد يشعر بقلبه .





( لماذا لا تقبلين أن تكوني زوجتي و أم أطفالي ؟ )

أراد انهاء الجملة بصوت عال لكنه لم يقدر , أراد أن يمسكها من كتفيها , و يهزها علها تشعر بعذابه ,

لكنه صمت خشية أن يرتجف صوته , و تكتشف أن رفضها له يقتله , و أن حبها نقطة ضعفه .



رفعت ملك رأسها بحزم , و قد حسمت معركتها الداخلية أخيرا , تأملت العينين اللتين تعشقهما , فقد تكون هذه فرصتها الأخيرة لرؤيتهما ,

ثم أجابت بكل بساطة

" لأن الأمر مستحيل "



صحيح أن الكذب بهذه الطريقة مؤلم , لكنه أقل إيلاما من الرفض الذي قد تسمعه ,

على الأقل هي من ينهي الأمر , دون أن تسمح له بايلامها ,
و دون أن تمنحه رضا اخراجها من حياته , لذلك ستخرج وحدها و بكرامتها ,

فراق برأس مرفوعة , خير من فراق بكرامة مهدورة , و هي خير من يعرف كيف ينفذ , هذا الرجل قراراته بكل صرامة و قسوة .



هي لا يمكنها البقاء هنا , و مراقبته يحب امرأة أخرى , يدللها يمنحها قلبه و تنجب أطفاله ,

لن تقبل أن تعيش هي , على بعض مشاعر الشفقة ، و الشعور بالندم الذي يوفره ,
فيما تحظى أخرى بحبه و اهتمامه , لتبقى هي كمجرد مربية لابنته اليتيمة ,

فقط لأنه يريد التكفير عن ذنب ارتكبه , لا يعني أن تتألم هي بقية حياتها , و تتصدق بمشاعرها دون مقابل .

إن كان هناك اختيار بين تركه و تحطيم قلبها , أو البقاء معه و الموت كل يوم بسبب الغيرة ,

فهي ستختار الرحيل دون تردد , و الذي أصبح وشيكا على كل حال ,
هي ستحرره من هذا العبء , و تحرر نفسها من هذا العذاب .



" لم يبق سوى خمسا و ستين يوما , فاليوم أكملت الثلاثمائة يوم من أسرها ,

بعدها عليها أن ترحل دون أن تلتفت وراءها , لأن كل هذا سيكون مجرد كابوس سيء تتذكره يوما ما "

فكرت ملك مرارا , و هي تحاول أن تهديء قلبها , و تواسيه للظهور مظهر الواثقة ,



هي لا تريد رؤية سخريته من مشاعرها في عينيه , يكفي كل الإذلال الذي حصلت عليه طوال الأشهر الماضية ,

إن كان علي يريد امرأة أخرى , فهي ستتمنى له كل السعادة نقطة الى السطر .




قطع علي عليها تفكيرها حينما تنهد بعمق , و هو يحاول مراقبة التغيرات التي تطرأ على ملامحها , مع كل فكرة تتوارد على عقلها ,

استمرت ملك تنظر اليه , و قد أصبحت ملامحه جادة و باردة , تماما كاليوم الأول الذي التقته به .





مقابلها فكر علي بعقلانية أخيرا , صحيح أنه يحبها و يتعب لفراقها , صحيح أنه لا يتصور حياته من دونها , لكن ليس بيده حيلة ،

هو لم يتنازل يوما عن كرامته و عزة نفسه , كما حصل مع ملك , لكنه لا يستطيع اجبارها للبقاء معه و تقبل مشاعره ,

هو لن يعرف يوما حقيقة مشاعرها ناحيته , و هو يستمر باحتجازها هنا , فيما هي تنتظر الافراج .



تحرك علي بقدميه المثقلتين بضعة خطوات , مبتعدا عن مجالها الذي يشوش تفكيره ,
أعطاها ظهره و هو يحدق بشرود , الى أمواج البحر المهتاجة , كمشاعره في هذه اللحظة ,
و التي لا تقل قتامة , في ظلمة الليل من وحدته القاتلة



فجأة تبادر أمر آخر على عقله , أمر كان يتفادى التفكير فيه طوال الوقت

" هل يعقل أن حبها لذلك الرجل , مازال قائما في قلبها ,
و ترفض التخلي عنه و خيانته ؟

أكيد مشاعرها ناحيته أقوى , من كل ما يغرقها به من حنان و حب , حتى تختاره هو بدلا عنه ,
لا شيء يفسر صدها القاسي له الا هذا "



تنهد علي مجددا من أعماق قلبه , و قد أدرك أن الخطأ خطؤه منذ البداية , لأنه تدخل بينهما و حاول تفريقهما ,

هو كان يعلم أنها مرتبطة , ملك لم تكذب عليه يوما , رغم ذلك سمح لنفسه بالانجرار , خلف عاصفة مشاعره دون توقف , ليقع في غرام امرأة قلبها متعلق بغيره .



هي قالتها سابقا و بوضوح , أنها لن تسامحه أبدا مهما توسلها , و أنها ستعود للزواج من ذلك الرجل ,
لأنها واثقة من حبه لها , و أنه سينتظرها و يتفهمها ,

قولها مستحيل عن علاقتهما الآن , لا يفسره إلا تعلقها برجل آخر , و هذا آخر ما حسب حسابه .



استغلت ملك تشتيت انتباهه و هو يوليها ظهره , و مدت يدها لتمسح صورته من بعيد , و كأنها تحاول استذكارها قبل أن تحرم منها ,

ثم مسحت دمعة يتيمة , فرت رغما عنها من احدى مقلتيها , و كأنها توثق ألمها الأبدي منذ هذه اللحظة .



وقف الإثنان بصمت لنصف ساعة , كل واحد منهما غارق في أفكاره الخاصة , قبل أن يبادر علي بصوت بائس

" جيد اذا لنغادر "


كان يصر على قبضتيه , و هو يحدق ناحية جيب سترته , أين يخفي خاتما اشتراه من أجلها ,

و ما لبث أن خطا عائدا الى داخل البيت , تاركا ملك تقف مكانها هناك .




أخرج بعدها هاتفه و اتصل

" أنا قادم "


هو حضر هذا العشاء كفرصة أخيرة لهما , ليعرض عليها مشاعره و الزواج منه ,
أو بالأحرى الزواج منه حقيقة و ليس خداعا ,

كان يريد أن يسرد عليها ، نذور قلبه و وعوده بالسعادة الأبدية ,
لكنها لم تدع له مجالا , بصدها و استمرارها في رفضه بقسوة ,

و هو لا يمكنه فرض الأمر عليها , اذا كان يحبها حقيقة فعليه أن يسمح لها , بالبحث عن سعادتها و الاستمتاع بها .



بعد نصف ساعة حركت ملك رجليها هي الأخرى و لحقت به , حيث كان علي يجلس خلف المقود في السيارة في انتظارها ,

و دون حتى أن يلقي نظرة واحدة أخرى اتجاهها , جلست ملك مكانها و وضعت حزام الأمان , و انطلقت بعدها السيارة في صمت تام و حزن عميق .




.
.





كانت الساعة تشير الى العاشرة ليلا , حينما ركن علي سيارته في مرآب المطار ,

بمجرد أن أوقف المحرك فتح الباب و نزل , متجاهلا النظرات المستغربة من ملك , التي لم تتردد للنزول خلفه ، و اللحاق به الى بهو المطار ,
و لم تجد فرصة للسؤال , الا حينما أصبحا أمام مكتب التسجيلات .



" علي هل سنستقبل أحدا ؟
هل علياء قادمة ؟ "

سألت ملك بتأمل كبير , فقد أصبحت علياء صديقة مقربة لها , و لربما وجودها هنا قد يخفف بعض التوتر , الحاصل بينها و بين علي .





لم يقل علي شيئا لدقائق , و هو يحاول أن يأخذ أنفاسا عميقة , يطأطئ رأسه محدقا في الأرض ,

رفع بعدها وجهه ناحيتها , و حدق بعمق الى عينيها , ثم قال ما فكر فيه بنبرة كئيبة

" لن نستقبل أحدا , أنت من سيغادر , طائرتك بعد ساعة "

و أشاح بعينيه مباشرة محاولا اخفاء حزنه ,


اتسعت عينا ملك عن آخرها ، و هي لا تصدق ما سمعته

" هل هذا الرجل جاد , أو أنها مجرد مزحة سخيفة من طرفه ؟ "

تساءلت بينها و بين نفسها قبل أن تبادره

" لكن ألم يبق شهرين حتى موعد مغادرتي ؟ "

سألت ملك دون حتى أن تدرك , أنها تقف و تناقش في أمر رحيلها , بدل أن تطير فرحا لسماع الخبر .





قابل علي سؤالها بصمت تام , لكنها استدارت حوله و أصبحت مقابله تماما ,
لتكرر استفسارها بنبرة مستنكرة

" علي أنا أكلمك هل أنت جاد ؟ "

و قد كانت تحدق ناحيته , بتلك النظرة الحائرة التي توهن دفاعاته .


أغمض علي عينيه لثوان قبل أن يفتحهما , و يفعل ما يرغب في فعله , منذ وقعت عيناه على ملك أول مرة ,

طوق خصرها بيد و وضع الأخرى على وجنتها , و خلال ثوان كانت شفتيه على شفتيها ,


شعرت ملك بالصدمة لتصرفه , هذه ثاني مرة يقبلها فيها هذا الرجل ,
أو بالأحرى هذه المرة الثانية , التي تحصل فيها على قبلة في حياتها ,

لكن هذه مختلفة جدا و مخيفة , الأولى كانت سريعة دافئة و مراعية ,
أما هذه فعنيفة مليئة بالشغف و متمردة , و كأن علي يريد قطعة من روحها فيها .



لم تطل ملك الأمر حتى أغمضت عينيها , و مدت يديها لتتعلق بسترته , بعدما وهنت ركبتاها و لم تعودا تحملانها ,

و قد قررت الاستسلام لمشاعرها فقط لمرة واحدة , حتى أنها نسيت ما قاله قبل قليل عن رحيلها .


استمرت القبلة لدقائق , بث فيها علي كل ما يختلج في صدره , و كادت أنفاس ملك تتوقف خلالها ,
و كأن الرجل يحاول أن يأخذ هدية الوداع منها , بطريقته الخاصة بكل لهفة و ألم ,

و قد انعزلا في عالمهما الخاص , غير مباليين بمئات الأعين التي تحدق بهما , بفضول و استغراب في بهو المطار .



لم يقطع وصلة العشق هذه إلا صوت كريم , الذي دنا منهما أخيرا و كلم صديقه

" علي "



ابتعد علي أخيرا مرغما , و هو يحاول التقاط أنفاسه , فتح عينيه و وضع جبينه على جبين ملك ,

التي ما زالت تحت تأثير ما حصل , مغمضة عينيها محاولة استيعاب الموقف ,
و كانت هي الأخرى تحاول تمالك نفسها , و الاستمرار في الوقوف على رجليها .



و ما لبث كريم أن تكلم مرة أخرى بامتعاض ظاهر

" أتممت الحجز و أرسلت الحقائب ,
على السيدة الدخول الى قاعة الركوب الآن "



هز علي رأسه موافقا , و تراجع كريم قليلا الى الوراء ,

معطيا لهما بعض الخصوصية لثوان اضافية , و محاولا منع الحضور من التطفل عليهما , أو التقاط صور لهما .



طوق علي ملك بذراعيه مجددا , محتضنا اياها بقوة الى صدره ، و محاولا اقناع نفسه بتركها ترحل ,

رغم أن قلبه يخبره ألا يفعل , خاصة أنها تتعلق الآن بسترته كطفل صغير تائه ,
و تحدق إليه بعينيها العسليتين بتشوش كبير , لكن عقله كان يعارض .



بعد دقائق معدودة حزم علي أمره , دنا من أذنها و همس لها

" أعرف أنك تعتبرين عقد زواجنا مزيفا ,
لكن الله يشهد أنني , لطالما اعتبرتك زوجتي الحقيقية "


صمت قليلا ثم أضاف بصوت حزين , ظهرت عليه بوادر الانهيار

" ملك أنت طالق "

قالها و كأن روحه خرجت بخروجها من بين شفتيه .



ضمها بعدها لثانيتين اضافيتين , ثم طبع قبلة أخيرة على جبينها , ليطلقها فجأة و يستدير مغادرا ,
دون حتى أن يلقي نظرة أخيرة على وجهها ,



هو وعد نفسه في طريقه الى هنا , أن يتقبل الأمر كرجل شجاع ,
و أقنع نفسه أنه لا يجوز له , التعلق بامرأة لا تحبه ,

لكنه لم يستطع منع نفسه , من احتضانها لآخر مرة ,
فقد لا يراها بعد هذه اللحظة , و هذا بالذات ما يكاد يقتله .





غادر علي بعدها سريعا , و كأنه يفر من شيء ما , لكنه كان بالفعل يهرب من نفسه ,
مانعا إياها من جر ملك من يدها , و العودة الى بيتهما , و منعها من المغادرة نهائيا ,

لكنه يعرف أن هذا ليس من حقه , هو تصرف بأنانية لوقت طويل جدا , و عليه التوقف الآن .





وقفت ملك مكانها متيبسة , تراقب الرجل الذي كان يغرقها حبا قبل لحظات , يعطيها ظهره و يغادر متخليا عنها , و قد اختفى خياله سريعا بين الحشود ,


فجأة غرقت في ظلام دامس , رغم الإنارة التي تملأ المكان , و اعترتها برودة من رأسها الى قدميها , و كأن أحدهم ألقاها في بحر من الجليد .

كانت ملك تشعر أنها وحيدة و مهملة ، و كأنه شعور قاتل باليتم , شعور سيء و مؤلم جدا ,
يشبه ما أحست به يوم , أدار والدها لها ظهره و غادر , تاركا إياها في بيت علي .



تحجرت الدموع في عينيها و ارتجفت يداها , و لم تفق إلا على صوت كريم يكلمها بنبرة حزينة

" سيدتي أوراقك "



رفعت ملك عينيها الضائعتين , و حدقت بشرود في وجه الرجل الواقف أمامها ,

و الذي كان ينظر لها بقلق بسبب شحوبها الشديد , لكن لا شيء بيده يفعله لتخفيف الألم .



نظرت بعدها الى يده , التي تحمل جواز سفرها , مع تذكرة طائرة داخله ,

بلعت ملك ريقها , ثم مدت يدها المرتجفة و أخذتها منه ,
لكنها لم تبرح مكانها , إلا بعدما كلمها جمركي الحجوزات

" سيدتي تقدمي لو سمحت , حان وقت الركوب "



كان هذا النداء الأخير لدخول صالة الانتظار , و قد أدركت ملك الآن فقط أن كريم أيضا ,
لم يعد يقف أمامها و غادر هو الآخر ,

نظرت ملك حولها كشخص تائه , لا يعرف الى أين يذهب ,
تقدمت بعدها بخطوات بطيئة , و مترددة ناحية باب القاعة .



بمجرد أن أصبحت أمامه , استدارت و ألقت نظرة أخيرة , على الاتجاه الذي غادر منه علي ,
فلربما يعود الرجل الذي أخذ قلبها , ليحتضنها مجددا و يعيد إليها روحها .

أمام شرودها مجددا تقدم منها الجمركي , و استعجلها للدخول خشية أن تفوتها الرحلة ،
فما كان منها إلا الامتثال و ركوب الطائرة ,


هي لم يعد لديها مكان هنا تعود إليه , ما اعتبرته يوما بيتها أخرجت منه ,
و جرت الى هنا و كأنها مطرودة ،

فذلك البيت صارت له سيدة أخرى .







في الطرف الآخر علي الذي غادر هاربا , بمجرد أن ركب سيارته , أدار المحرك و انطلق بسرعة البرق ,
فهو لا يثق في رجليه اللتين , قد تقتادانه عائدا الى حيث حبيبته ,

قاد مبتعدا عن المطار قدر الإمكان , و لكنه توقف فجأة حينما أصبح في محيطه ,
و حدق في الأجواء بترقب , دون أن يغادر سيارته .





جلست ملك مكانها في الطائرة , حيث كان حجزها في الدرجة الأولى ,
و على مقربة منها كانت هناك عجوز مسنة , تحمل مصحفا و تقرأ فيه ,

ألقت ملك نظرة أخيرة على المكان , و هي لا تصدق أنها تغادر أخيرا , و قد كانت تسأل نفسها

" أليست هذه هي اللحظة , التي قاتلت من أجلها منذ البداية ؟

أليس هذا ما أرادته بشدة , و دعت من أجله في كل صلواتها ؟

أليس هذا هو الأمل , الذي صبرت من أجله ليتحقق ,
و تستعيد حياتها و حريتها ؟

لم تشعر إذا و كأن أحدهم , اجتث قلبها من مكانه ,
و أنها تركت روحها هنا ؟

لم تشعر بالحزن و الاكتئاب بدل الشعور بالسعادة ؟ "

لم تدر ملك بنفسها إلا و دموعها , تغرق وجهها مع أول ثانية اقلاع .





" ابنتي هل أنت بخير ؟ "

سألتها العجوز التي تجلس قربها , لكن ملك هزت رأسها بالنفي

" لا , أشعر أنني أموت "

قالت و هي تضغط بيدها بشدة على مكان قلبها .

و انخرطت في نوبة بكاء حادة , جمعت حولها كل طاقم الطائرة ,
الذي لم يجد طريقة لتهدئتها , و هي تغرس رأسها بين يديها و تبكي بحرقة .




بمجرد أن لمح علي الطائرة تحلق بعيدا عن المدرج , آخذة قلبه معها و مختطفة حب حياته , حتى نزلت دمعتان من عينيه ,

و ما ان اختفت من الأجواء , حتى حنى رأسه على المقود أمامه , و بكى بحرقة كما لم يفعل منذ جنازة والده ,

ففقدان ملك كان أكثر إيلاما , من أي أمر آخر حتى الموت .





انتهت الليلة الثلاثمائة , بمشهد مؤلم منقسم الى صورتين , احداهما في الأرض و الأخرى في السماء ،

و القاسم الوحيد بينهما الدموع و الضياع .









أصعب بارت كتبته منذ بداية الرواية ، أتعبني نفسيا 😔😢 .









💔💞💞





.......





ملك علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-01-21, 10:21 PM   #2198

ملك علي
 
الصورة الرمزية ملك علي

? العضوٌ??? » 475418
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,362
?  نُقآطِيْ » ملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond repute
افتراضي







طبعا فصل مطول مشحون بشتى المشاعر , و بانهائه على لقطة الوداع , وصلت الى ذروة الأحداث ,
اتمنى أن أسمع آراءكم عنه



التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 20-01-21 الساعة 01:14 AM
ملك علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-01-21, 10:34 PM   #2199

سماح ناصر

? العضوٌ??? » 467174
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 35
?  نُقآطِيْ » سماح ناصر is on a distinguished road
افتراضي

رواية جميلة جدا اتمني لك دوام التوفيق

سماح ناصر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-01-21, 11:32 PM   #2200

نادية الليل

? العضوٌ??? » 425998
?  التسِجيلٌ » Jun 2018
? مشَارَ?اتْي » 201
?  نُقآطِيْ » نادية الليل is on a distinguished road
افتراضي

أشكرك كثيرا على هذا الفصل المؤلم، لكنني صراحة لم أقتنع به كثيرا، لماذا؟ سأجيبك لأنني لم أجد فيه شيئا من صراحة علي و لا من عقلانية ملك، علي بالنسبة لي لم يصرح بشاعره لملك و هو لم يعلن ذلك بوضوح لتزيد ملك الطين بلة برفضها. فماذا عرض علي لترفض ملك؟ بالنسبة لي الشيء الذي كان حاضرا بقوة هو الكبرياء، ثم أين تحمل علي لمسؤوليته تجاه عائلة ملك و هل أن ما فعله برأيك يترجم مشاعر الحب، أعتقد أن علي بهذا التصرف أثبت أنانيته لأنه تملص من ملك و تركها تواجه عائلتها وحدها، تمنيت أن يصرح علي بمشاعره مباشرة و يكون رفض ملك كما ذكرنا سابقا ما بني على باطل فهو باطل و الكرامة أهم من الحب، بمعنى الرفض للعلاقة الحالية بظروفها الخاصة و التأسيس لعلاقةمتينة و صلبة.
nosa2317 likes this.

نادية الليل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
ملك-علي ، تملك ، كره-حب ، زواج ، طبيبة ، سوء فهم, الجزائر-دبي ،

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:13 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.