18-01-21, 08:26 PM | #2192 | ||||||||||
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 73 ( الأعضاء 13 والزوار 60) أميرة الساموراي, zezo1423, شعوانة, Dalia 475, شانزيليزيه, سلمى ستار, Arwa ozil, سماح ناصر, سهير مراد, dalia22, أمنيات بريئة, تماارا, د/عين الحياة وي آر هير..بذذذذ | ||||||||||
18-01-21, 08:56 PM | #2194 | |||||
| اقتباس:
البارت بعد ساعة من الآن باذن الله سيكون قاتلا بكل المقاييس , جهزوا مناديلكم و من يعاني من الضغط يتناول دواءه قبل الدخول | |||||
18-01-21, 09:09 PM | #2195 | ||||
| تسلم ايدك على الفصل لم أحبذ تدخل صفية بين علي و ملك فتصرفها غير صحيح و أزم الوضع أكثر بينهما كنت أرغب أن توصل ملك مشاعرها لعلي مباشرة و يحدث الانقطاع بينهما بشكل تدريجي أو يتصالحان و يحولان زواجهما لزواج حقيقي فبتدخلها جرحت ملك و أنا كنت أرغب ان ينجرح على أكثر منها أدركت ملك حقيقة مشاعرها و حبها لعلي و غيرتها عليه خصوصا أن العروس الجديدة حاضرة و بقوة بدعم من صفية فهل ينتصر قلبها أو عقلها و هل سيفي على بوعده بإطلاق سراحها و ارجاعها لأهلها بأنتظار الفصل القادم لنرى ما سيحدث بين علي و ملك | ||||
18-01-21, 10:09 PM | #2197 | ||||
| البارت التاسع عشر بعد المائة دموع و ضياع 💔 في المكتب جلس علي مع ضيفته لبعض الوقت , كانا يتبادلان أطراف الحديث في مواضيع عامة , و ما لبث أن فتح الموضوع الذي يؤجله , منذ دخول والدته و الشابة ترافقها , دون اعلامه حتى بالزيارة الغريبة , هو لم يكن يريد أن يكون فظا مع والدته , أو أن يحرجها أمام الضيفة , فهذا بيتها أيضا و بإمكانها الزيارة , في أي وقت مع من تشاء , لكن سبب الزيارة في حد ذاته ما أثار امتعاضه , خاصة أن علياء كانت قد اتصلت به في وقت سابق , و نبهته الى أن والدتهما تقوم بتحركاتها القديمة , لربطه مع احدى صديقاتها بغية تزويجهما , رغم أن علي حضر نفسه لهذا الانزال , الا أنه لم يتوقع أن يجنح تفكير والدته الى هذه الدرجة , فقد كان واضحا أن صفية اختارت سالي بالذات , كمرشحة لتكون زوجته دون غيرها لسبب وجيه جدا " طبيبة شابة ابنة عائلة ثرية , و بملامح شقراء تشبه ملامح ملك كثيرا " هو يعرف والدته جيدا , و يحفظ طريقة تفكيرها , فالمرأة و بعد أن يئست , من تجاوز مشاعره للمرأة التي تصده , تصرفت بنفسها بأن جعلت ملك تعترف بلسانها برفضها له , ثم ذهبت و جلبت هذه الشابة , التي اختيرت بعناية لتكون نسخة مقلدة عن ملك , و ما هو متأكد منه , أن والدته قد تحركت منذ مدة طويلة , ربما حتى قبل وفاة مريم و اختطاف ملك . لكن ما لا تفهمه صفية , أن علي لا يحب ملك لشكلها ، أو وضعها الاجتماعي أو حتى عملها , حتى تستنسخ له واحدة تشبهها , و هو يقبل بكل سرور , ليترك ملك و يرتبط بسالي , هو ليس ولدا بهذه السطحية و السخافة , و ملك ليست لعبة حتى اذا لم يستطع أخذها , يرضى بأي شبيهة لها و السلام . هو يحب ملك لأنها ملك و لا أحد سواها , يحبها بعنادها بعقلانيتها و مبادئها الثابتة , يحبها بقسوة لسانها بطيبتها و تواضعها , بشخصيتها المميزة و بكل ذرة من كيانها , هو يعشق حتى مساوئها , التي كانت تفقده عقله . و حتى لو لم تبادله المشاعر , لن يغير ذلك في الأمر شيئا , فقلبه و أحاسيسه ليست جهازا آليا , ليضغط زر الاطفاء متى ما أراد , و ينتقل الى اختيار أفضل , و ليس هناك أفضل من ملك بالنسبة له لكل هذه الأسباب , قرر علي أنه لن يسمح لوالدته , بفرض امرأة أخرى عليه ، يكفي ما حصل مع أميرة من مشاكل . سرعان ما حزم علي أمره , و قرر انهاء الموضوع تماما و فورا , قبل أن تتمادى والدته أكثر , و تعطي كلمة نيابة عنه لهذه الشابة , لأنه لن يستطيع أبدا الايفاء بها , فقلبه لم يعد ملكه حتى يقدمه , لأية امرأة أخرى غير ملاكه تنحنح علي أخيرا و خاطبها بنبرة , بدت أكثر جدية مما سبق " آنسة سالي , لا أدري ان كنت تعرفين ذلك عني , و لكنني رجل صريح جدا و مباشر " نظرت إليه الشابة بحيرة في عينيها , و هي لا تفهم لم أصبح الحوار جادا فجأة , و اكتفت بهز رأسها مشيرة له , بالاستمرار فيما يريد قوله . ( لو كانت ملك لأخبرته أنه قاس جدا و متسلط , و ليس مجرد رجل صريح ) نفض علي أفكاره الملحة المتسلطة , و التي تجنح الى مقارنة كل شيء , في هذه الشابة بملك منذ دخولها الى بيته , فعيني ملك أكثر سحرا لأنهما عسليتان , كما أن لمحة البراءة فيهما حقيقية , و شفتاها الطبيعيتان أكثر توردا من شفتي هاته المرأة , و التي تحاول طليهما باللون الزهري , فيما يبدو أنها نفختهما مسبقا , شعرها كستنائي صناعي مع وصلات ظاهرة , فيما أن لمعان شعر ملك جذاب أكثر . كما أن عطرها الفاخر الذي تضعه , لا ينافس رائحة الياسمين الشهية , التي تفوح من شعر ملك طوال الوقت , و الأسوء هي لا تملك شامة صغيرة الى جانب شفتها , و هذا يحسم النزال لصالح العنيدة متحجرة المشاعر . " يا الهي علي ستفقد صوابك في نهاية المطاف " نهر علي نفسه قبل أن يضيف بهدوء , و قد أوشك على نسيان المرأة الجالسة قبالته " آنسة سالي أنا أعرف لم رافقتك والدتي اليوم الى بيتي , و أحب أن أوضح لك أنك كضيفة ، أنت مرحب بك هنا في كل وقت , في المقابل أريدك أن تعرفي منذ الآن ، ألا علاقة لي بما تخطط له أمي " قال علي باستياء حاول أن يخفيه . صفية بما فعلته أهانت ملك في بيته , حتى و لم تكن تتقبل وضعها كزوجة له , الا أن جميع معارفهم يدركون الأمر , مما سيقلل من احترامها في نظرهم , و هذا ما لم يستطع تقبله منها . أخذ بعدها نفسا عميقا , محاولا السيطرة على غيظه , الذي يكتمه منذ ساعتين ثم أضاف " أنا لا أعرف ما الذي أوصلته لك والدتي بالضبط , لكن الحقيقة الوحيدة هي أنني , رجل متزوج بالفعل و أحب زوجتي كثيرا , و لم أفكر للحظة في الارتباط بغيرها , لا حاليا و لا في المستقبل , و لولا أنها مريضة و لا زالت تتعافى , من العملية التي خضعت لها , بعدما أصيبت في حادث الاختطاف ، لكانت هي من قام بواجب الضيافة اليوم " غصت كلماته الأخيرة فهو لن ينسى في حياته , أن ملك أخذت رصاصة عنه و كادت تقتل بسببه , و بغض النظر عن مشاعره التي لا تقبل النقاش , ان كانت هذه المعلومة تضيف شيئا , فهي تزيد من حبه و تقديره لها , بعيدا عن كل امتنان . بسماع ما قاله علي , تنهدت سالي و ابتسمت له بهدوء " أوف الحمد لله , اعتقدت أنك موافق بالفعل على هذا الترتيب " " ماذا تقصدين ؟ " سأل علي يقطب جبينه بحيرة , و أجابت هي ببعض الاحراج الجلي " في الحقيقة والدي و والدتك , اتفقا منذ مدة على اتمام الزواج بيننا , السيدة صفية قالت أن زوجتك بظروف خاصة , و أنك ترغب في الزواج بغيرها " طبعا هي تفاجأت لأن ملك بدت لها , امرأة متكاملة لا ينقصها شيء , عدا عن أن الشبه بينهما صدمها من أول نظرة . كز علي على أسنانه بغضب , و قد صدق تخمينه المسبق أن والدته , سربت بعض أسرار حياته الخاصة , طمعا في الحصول على عروس مناسبة , و سرعان ما قاطعه صوت الشابة الرقيق و هي تضيف " صراحة سيد علي , أنا ليس لدي اعتراض على شخصك , بالعكس حضرتك رجل محترم جدا مما عرفته عنك , لكن المشكلة تكمن في كوني امرأة متحررة , قضيت معظم حياتي في أميركا , لم أكن لأقبل يوما بالارتباط بهذه الطريقة التقليدية , دون وجود مشاعر متبادلة , لولا أن والدي هددني " " بماذا ؟ " سأل علي بفضول و هو يرفع حاجبيه , استغرابا من صراحتها المفاجئة , لتوضح هي له الصورة أكثر " هو يريد شراكة معك في الأعمال , يعززها بالنسب بينكما و والدتك تؤيده , لذلك هددني إن أنا رفضت و أفسدت الأمر , سيلغي دعمه لي خاصة فيما يخص , تأسيس المستشفى التي أحلم بها " ابتسم علي دون أن يعلق بكلمة واحدة , هو لهذا السبب بالذات يحب ملك , لا أحد يهددها أو يبتزها حتى مقابل حياتها , عنيدته المجنونة قبلت أن تكون خادمة , و تضحي بعام كامل من حياتها , و لا ترتبط برجل لا تحترمه , كما أخبرته ذات مرة هنا في هذا المكتب ، و هذه الشابة المدللة تأتي من آخر الدنيا , مجرورة الى هنا كمعزاة للحلب , لتقابل رجلا بظروف خاصة لا تعرف عنه شيئا , فقط لأنها خائفة من أن يلغي " PAPA " بطاقة الفيزا خاصتها , من جهة تعترف أنها لا يمكنها التنازل , عن بعض الترف من أجل كرامتها , و من جهة أخرى تقول بجرأة أنها متحررة , لو كانت ملك المتمردة مكانها , لأخبرته أن يلتهم أمواله التي يتباهى بها , ثم تذهب للتطوع في صحراء النيجر . انتقد علي في سره شخصية المرأة أمامه , بطريقة لاذعة كما تعود , لكنه التزم الصمت فهي حرة في اختياراتها , و لا يملك إلا أن يحترم صراحتها . و بادرها محاولا انهاء هذا الموضوع المحرج لكليهما " حسنا آنستي إذا نحن متفقان , إذا أردت بإمكاننا أن نكون أصدقاء ، أنا أقدر والدك كثيرا و تقديرا لعلياء كذلك , و لا داعي للقلق بشأن الشراكة ، أنا أحفظ وعودي فيما يخص الأعمال " " و ماذا بشأن السيدة صفية ؟ هي تعلق آمالا كبيرة على علاقتنا , و والدي يستمد حماسه منها " ذكرته بتطفل والدته مجددا ليطمئنها علي " لا داعي لقول شيء أمامها , إن سألتك قولي أننا نتعرف , و أنا سأحل المسألة لاحقا بطريقتي " إذا عرفت صفية بفشل مساعيها ستكرر الأمر قريبا , علياء أخبرته أنها صرحت لها بأنها لن تتوقف , حتى لو لم يوافق على سالي , ستكون غيرها محل بحثها , و هو لن يسمح لوالدته بزيارات مماثلة , مع شابات مختلفات كل يوم , بيته ليس مزارا لتجمعات نسائية , هو لن يسمح لها بأن تؤذي مشاعر ملك أكثر مما حصل , و قد حمد الله لأنها لم تكتشف ما يحصل , و لم تتهور والدته و تذكر الأمر أمامها , لأن هذا سيفسد فرصته الشبه منعدمة معها . وافقت سالي على قراره بتردد , فقد بدا أكثر خبرة منها , في التملص من زيجات مدبرة " حسنا لا بأس سيد علي , و بالنسبة للزيارة التي يتوقعها والدي خلال أيام ، هل لازلت عند وعدك له بمرافقتي لزيارته ؟ لأنك ان لم تفعل سيعرف مباشرة بالوضع " كان والد سالي قد اتفق مع علي , على أن يزوره في أميركا لثلاثة أيام , من أجل ارساء قواعد العمل بينهما , و كان قد خطط مع صفية , أن ترافقه سالي حتي يتعرفا و يعززا العلاقة . ليطمأنها علي مجددا بنبرة واثقة "آنسة سالي لم يتغير شيء بالنسبة للزيارة , أنا أجيد التفريق بين العمل و العلاقات الشخصية , سنذهب سويا لا داعي للقلق " ابتسمت الشابة بفرح , و قد أراح بالها بما قاله " شكرا سيد علي سررت فعلا بالتعرف برجل مثلك , السيدة ملك محظوظة جدا لأنها زوجتك , بمجرد أن أعثر على رجل يقدرني , و يحبني كما تفعل معها سأتزوج دون تردد " رد علي ابتسامتها بمرارة واضحة , و ملامحه المتعبة تقول " ليتها تسمعك " لم تطل سالي البقاء و سرعان ما غادرت , مكث علي بعدها لفترة طويلة في مكتبه , محاولا التركيز و اتمام الأعمال العالقة , قبل أن يقرر أن يلقي نظرة على ملك و يطمئن عليها , لكنه فوجيء بعدم وجودها في غرفته , التي كانت هادئة أكثر مما يجب حين دخوله اليها , حينما سأل الخادمات عنها أخبرنه أنهن رأينها , تدخل غرفتها القديمة و رنا ترافقها الآن . قصد علي مباشرة غرفة ملك , و هو يشعر بالفضول لمعرفة سبب تصرفها دون اعلامه , بعد أن دق الباب و دخل , رآها مستلقية هناك بالفعل , و رنا الى جانبها على السرير تلون لوحة رسمتها . " هل أنت بخير ؟ " سألها مباشرة بعدما أعطى رنا قبلة على خدها , لكنه حينما دنا منها ليقبلها هي أيضا , انحنت جانبا و تفادته في حركة واضحة , لاحظها علي لكنه لم يعلق , رغم امتعاضه من الأمر . أجابته بعدها بملامح متجمدة و نبرة باردة , و هي تشيح بوجهها ناحية الطفلة , متظاهرة بأنها تراقب رسمتها " شكرا أنا بخير " " لم أنت هنا ؟ " سأل علي بهدوء مخفيا انزعاجه , و قد كان يقف عن قرب , واضعا يديه في جيبه , حدقت اليه ملك قليلا بنظرات ثائرة , تحمل الكثير من اللوم و العتاب , و التي لم يفهم علي لم أصبحتا بهذه القتامة , فلطالما كانت عيناها شفافتين تماما , بامكانه سبر أغوارهما بلمحة واحدة لكنها سارعت لتشيح بهما , تفر من عينيه السوداوين اللتين تحرقان قلبها , قبل أن تجيبه بلهجة نزقة " هذه غرفتي أين تريدني أن أكون ؟ ثم أنا مرتاحة هكذا , لا أريد ازعاجك أكثر مما فعلت " و سارع علي للرد عليها , محاولا جهده السيطرة على غضبه من افتراضها " أنا لم أكن منزعجا , ثم أنت لا تزالين مريضة " كانت نبرته مستاءة بطريقة واضحة , لكن ملك لم تبال بما يفكر , بما أنها تعتقد أنه يهتم فقط بسبب العملية " لا داعي لقلقك شفيت بدرجة كبيرة , شكرا لك " ( لن أنتظر حتى تطردني سيدة سالي منها ) همهمت لنفسها دون أن تسمح للرجل القلق أن يسمع شيئا . كانت ملك تتكلم برسمية غير معهودة معه , و شعر علي أنها تنهي الحديث سريعا , و تهرب بنظراتها مدعية انشغالها بمساعدة رنا , و كأن شيئا ما تبدل بينهما بين البارحة و اليوم , لم يصر علي عليها و تركها على راحتها , هو أصلا يعلم أنها لو لم تكن مريضة , لما سمحت له بابقائها في غرفته طوال هذا الوقت , و لربما ما قالته والدته عن العلاقة بينهما , أثار حفيظتها و جعلها تغادر أسرع مما يجب , مما يؤكد تمسكها بموقفها في رفضه . بالعودة الى غرفته لقضاء الليلة , شعر علي أنها صارت , أكثر ظلمة بمغادرة صاحبتها , حيث كانت ملك تملأ عليه المكان خلال الأيام الماضية , و قد كانت أجمل فترة قضاها برفقتها , استلقى على سريره و أخذ نفسا عميقا , من الوسادة التي كانت تستخدمها , لينام بعمق تحيط به رائحة الياسمين , و قد تناسى قليلا خيبة أمله , داعيا الله أن تحدث معجزة قريبا تنهي عذابه معها . . . استمر برود العلاقة بين الاثنين لأيام أخرى , تعافت ملك أثناءها بشكل كبير , و عادت الى حياتها العادية , لكنها استمرت تتفادى لقاء علي بأي ثمن , حتى أنها لم تعد تتناول طعامها معه . و بدأ هو يشعر بالهوة التي نشأت بينهما , و كأنهما عادا غريبين كما في البداية أو أسوء , و كأنه كان يعيش سرابا جميلا , تبخر بمجرد أن دنا منه و حاول لمسه . " كيف حالك أخي ؟ " سألت علياء في الهاتف بقلق , بعدما بدا صوت شقيقها متعبا تنهد علي بعمق مخرجا كل معاناته " بخير ليلي بخير , مرهق قليلا فقط " " هل ملك بخير ؟ " سألت مجددا فشقيقها لا يبدو منزعجا , الا اذا كان أحد من يحبهم في وضع سيء , ليجيبها علي بما يعرفه " هي أيضا بخير , تتحسن بشكل جيد " صمتت علياء قليلا , قبل أن تتحدث بصوت مذنب " آسفة حبيبي , لم أعرف أن والدتي ستفعل ذلك , و الا ما كنت عرفتها على سالي , تعرف أنني أدعم علاقتك مع ملك بقوة " كما خمن علي سلفا , فقد بدأت والدته بالتخطيط لارتباطه قبل وفاة مريم , حينما اصطحبتها علياء من أجل رؤية طبيب أعصاب في ألمانيا , و هناك عرفتها على سالي , التي تعمل في نفس المشفى , و من وقتها و هما على اتصال , حتى أن صفية تعرفت على والدها , و اقترحت عليه شراكة مع علي , بما أنها تعرف أن ابنها لا يرد لها طلبا . رغم امتعاضه الا أنه لا يمكنه احزان علياء فلا ذنب لها " لا بأس ليلي لست غاضبا منك , أمي كانت ستفعل ذلك مع أية امرأة أخرى , هي تعرف أنني و ملك لسنا على اتفاق , و تحاول استغلال ذلك للضغط علي " " لكنها وعدتني أن تتريث , و لا تفتح الموضوع مع ملك حتى تتحسن " بدت علياء هي الأخرى مستاءة من تصرف صفية , ليجيبها علي بهدوء " كان عليها انهاء الأمر سريعا , لأن سالي ستغادر لزيارة والدها , قبل أن تعود الى ألمانيا , و قد ورطتني لمرافقتها بعدما كنت سألتقيه وحدي , المشكلة الآن ليست في سالي أو أمي , ملك من يثير قلقي حاليا " " لماذا ألم تفاتحها في موضوعكما بعد ؟ " حينما اتصلت به لتخبره عن خطة والدتها , دون موعد محدد للتنفيذ , كان علي قد وعدها أن يكلم ملك صراحة عن مشاعره , لكنه لم يتوقع وصول صفية بتلك السرعة , لتقتطع عليه الطريق و تطرح السؤال الذي كان يؤرقه , بخصوص مشاعر ملك ناحيته . صمت علي لدقيقتين قبل أن يجيب بنبرة , فيها يأس و احباط كبيرين " لم أفعل , و لا أعتقد أنني سأفعل قريبا " " لماذا أخي ما الذي يجري هناك , كنتما تبدوان على وفاق مؤخرا , ما الذي حصل ؟ أيعقل أن والدتي قالت أمرا , ما كان عليها قوله و أزعجتها ؟ " سألت علياء بقلق , فهي أكثر من يعرف لسان والدتها السليط . " حسنا لم أسمع ما دار بينهما من حوار كاملا , لكن ما سمعته كان كاف لمعرفة موقفها مني " أجابها علي و قد استعاد ما سمعه حرفيا من فم ملك " ألم تعد رؤية لقائهما ؟ " سألت و هي تعرف أن بيته مزود بكاميرات مراقبة , و رد علي بقلة حيلة " أطفأت تسجيلات غرفتي و حمامها , حينما بدأت ملك بالاقامة هناك , أردتها أن تشعر ببعض الراحة و الخصوصية , تعرفين كم أنها حساسة , اتجاه تطفلي على حياتها " " خسارة , كنا عرفنا فيما تحدثتا " تمتمت علياء بخيبة كبيرة , ليمرر علي الموضوع سريعا " لا أعتقد أنني فوتت الكثير يومها , بما أنني سمعت الخلاصة الأهم , قد تكون مجرد ثرثرة عن مستقبل محتمل بيننا , رفضته ملك في النهاية بكل وضوح " شعرت شقيقته هي الأخرى بالاحباط , لكنها حاولت تشجيعه كعادتها " أخي ربما هي قالت ذلك فقط , لأن والدتي تدخلت في الموضوع , تعرف كم أن ملك خجولة , قد تكون شعرت بالاحراج , لاخبار أمي عن مشاعرها ناحيتك " و سارع علي للنفي بيقين تام " لا علياء لا أعتقد , هي كانت واثقة من كل كلمة قالتها يومها , أنا أكثر من يعرف عنادها , بعدها مباشرة عادت الى غرفتها , و أصبحت تعاملني ببرود و تتفاداني , أحيانا لا أرى وجهها طوال النهار , و حينما أذهب لرؤيتها تدعي أنها نائمة , و لا ترد بأكثر من كلمة واحدة حينما أسألها " صمت علي قليلا ثم أضاف , و قد بدا متأثرا بالقطيعة بينهما " هي أصبحت أكثر حدة معي , مما كانت عليه حينما كنا نتقاتل بشراسة , على الأقل حينها كانت ترد الكلمة بعشرة , و كنت أعرف فيما تفكر , الآن هي حتى لا تنظر إلى وجهي , أشعر أحيانا أنني سأجن " " ألا يعقل أن رؤية سالي في بيتك أثارت حنقها , و هي تخاصمك لأنها تشعر بالغيرة ؟ " خمنت علياء أمرا آخر , و ما لبث علي أن دخل , في نوبة ضحك مريرة , سخرية من وضعه البائس " أرجوك علياء لا تقولي نكتا , أولا لا أحد يعرف بموضوع سالي الا أنا و أمي , و لا أحد بيننا قال كلمة أمام ملك ثانيا و هذا الأهم , من يغار يجب أن يحب أولا , و ملك قالت صراحة أنها لا تحمل أية مشاعر لي , و الله ليتها كانت تغار , تثور و تكسر الدنيا على رأسي لأنني قابلت غيرها , كنت سأكون أسعد رجل على وجه الأرض " فكرت علياء قليلا بعد ثم اقترحت , لا تريد لهذه العلاقة أن تنتهي هكذا " حسنا أخي رغم كل ذلك , بإمكانك القيام بخطوة جريئة أخيرة , جهز جوا جميلا دافئا على انفراد , و حاول أن توصل لها بطريقة سلسة , ما تفكر فيه و ما تشعر به ناحيتها , مما أعرفه ملك رومنسية و حساسة , و أنا شبه متأكدة أنها تبادلك المشاعر , فلا داعي للتردد , لن تجني شيئا من معاملة البرود هذه " هز علي رأسه و هو لا يفهم , مم تستمد شقيقته يقينها , في أن ملك تحبه و سارع لزجرها " بربك علياء هي تعاديني منذ أيام , لأن أمي فتحت الموضوع معها , تعتقدين أنها ستتجاوب معي , إن أنا تجرأت و قلت ما أفكر فيه ؟ " كان أكثر ما يخشاه علي , هو أن تصده ملك بطريقة سيئة , تسخر من مشاعره أو تخبره أنها تكرهه , كما حصل بينهما سابقا , حينها هو سيصاب بنوبة قلبية ثانية , لن يتحمل الأمر أبدا . هو يكاد يفقد صوابه لأنه لم يعد متأكدا من شيء , و الأسوء أنه لن يستطيع منعها , إن هي رفضته و طلبت أن تغادر بيته , لن يطاوعه قلبه ليحزنها مجددا من جهة , و من جهة أخرى هو لا يريد , أن تنتهي العلاقة بينهما بالقطيعة التامة , متأملا في علاقة صداقة مؤقتة حتى بعد عودتها , بعدها قد تتاح له الفرصة مجددا لاستعادتها , هو يحبها و يريدها زوجة حقيقية له مهما كلفه الأمر , و لن يرضى بغير هذا جوابا . رق قلب علياء لحال شقيقها , و حاولت جهدها تطييب خاطره و اسداءه نصيحة " حسنا حبيبي , لم يبق الكثير من الوقت لانتهاء السنة , و كما قلت سابقا ملك إذا استنفذت هذه المدة و غادرت , لن يكون لك عليها أية أفضلية , خاصة أنك تخفي أساسا أمر براءتها عنها , أخي أنا أؤمن دائما بالمثل القائل " إذا أحببت شيئا بشدة أطلق سراحه , فان عاد اليك فهو ملكك الى الأبد , و إن لم يعد فلم يكن ملكك منذ البداية " فقط امنحها فرصة الاختيار علي , و امنح نفسك فرصة للسعادة " ( أخشى ألا تعود أبدا ان أنا تركتها ترحل ) حدث علي نفسه بألم و يأس , قبل أن يجيب علياء " حسنا ليلي سأفكر في الأمر , أنا مسافر غدا الى أميركا برفقة سالي , علي انهاء أمر الشراكة هذا , قبل أن تصر والدتي على إعلان الخطبة , و تدمر كل شيء " " حسنا أخي رحلة موفقة , أتمنى لك كل السعادة " أغلق علي الخط و أغمض عينيه , و هو يفكر فيما قالته أخته هل يعقل أن ملك لا تتجاوب معه , لأنها ليست حرة في الاختيار ؟ هل يخيفها أن تبقى محتجزة هنا , بقية حياتها دون عائلتها ؟ و ماذا لو تركها ترحل و فقدها الى الأبد ؟ . كانت الأسئلة التي تدور في عقله في يقظته و نومه . . . في الطرف الآخر لم تكن ملك أفضل حالا , على الأقل علي لديه من يفتح قلبه له , و يبوح له بما يشعر به , أما هي فكانت تكتم ما في قلبها , تتألم و تذوي كعشبة خضراء , انقطع عنها الماء و النور في صمت , حتى الجلسات العلاجية مع انصاف , لم تكن تستطيع الفضفضة فيها , ملك لم تكن تتفادى علي و تعامله ببرود , لأنها تريد ابعاده فحسب , أو لأنها تنفذ أوامر عقلها المتسلط فقط , لكنها كانت تفعل ذلك لأنها لم تعد واثقة , من قدرتها على ضبط نفسها بقربه , لم تعد متأكدة أنها لن تركض ناحيته , تحتضنه بقوة و تشم رائحة عطره التي تشعرها بالأمان , هي لا تضمن ألا يرتجف صوتها و يفضحها , و هي تناديه باسمه , و هو يجيبها بكل ذلك الدفء , و لم تعد واثقة ان هي نظرت , الى عينيه الحبيبتين أكثر من ثوان , ألا تنهار و تخبره بكل مشاعرها , و تتوسله أن يقبل بها و يحبها . لكنها كانت تمنع نفسها بقوة , لأن مجرد فكرة رؤية الرفض في عينيه تقتلها , تريد أن تبتعد بارادتها , لأنه لو أبعدها بنفسه سيتوقف قلبها لحظتها . زادت مرارة قلبها حينما أخبرتها فاطمة , أنه مسافر غدا الى أمريكا , و أن سالي تصحبه لرؤية والدها . أصبح واضحا أنه يمضي في حياته بسرعة كبيرة , و هو بصدد التعرف على عائلة عروسه الجديدة , استعدادا لمنحها ما يليق بها كزوجة له , معطيا لها كل القدر و الاحترام , الذي لم تحظ به عائلتها و لا هي . رغم حسرتها غيرتها و رثاء نفسها , كانت ملك تتمنى أمرا واحدا , فقط لو انتظر قليلا حتى ترحل , لن تكون حينها مجبرة على رؤيته , يبني سعادته مع امرأة أخرى , فيما هي تراقب كخيال ظل على الهامش , لن تشعر حينها بكل هذه الغيرة القاتلة , و لربما كانت المسافات البعيدة خففت قليلا , من وجع السم الذي يسري في روحها , و يقودها الى حتفها ببطء شديد . " يا الهي أرجو أن ينتهي هذا العذاب قريبا , أقسم لم أعد أتحمل " كانت هذه دعوتها في كل صلاة , على أمل أن يستجيب الله رجاءها , و يخلصها من هذه الوضعية المؤلمة , و قد صارت تنام كل ليلة , و دموعها اليائسة تغرق خديها . . . في الصباح الباكر , مر علي قبل مغادرته على غرفتها , دخل بخطوات خفيفة حذرة , لكنه لم يحاول ايقاظها ، ليس مع احتمال أن تعامله , بذات البرود الذي يؤلم قلبه , ألقى نظرة مقربة على وجهها , حيث كانت ملك تستلقي على سريرها الصغير , تبدو شاحبة جدا مع هالات سوداء تحت عينيها , و كأنها لا تنام جيدا , بقي واقفا مكانه لدقائق طويلة , و كأنه يأخذ زاده الروحي من تأمل ملامحها , اكتفى بعدها بأخذ قبلته من جبينها , و التي حرمته منها منذ أيام , طبع قبلة أخرى على شعرها , و أخذ نفسا عميقا من رائحة الياسمين التي يعشقها , ثم غادر دون حتى أن تدرك ملك , أنه مر من هنا و ترك قلبه فوق وسادتها . . . مرت خمسة أيام أخرى على ملك و كأنها دهر , كانت تعيش في تيه كبير , تأكل شبه طعام و تنام شبه نوم , لا تبتسم و لا تتحدث مع من حولها الا نادرا , لم تر علي و لم تسمع صوته منذ غادر , و لكنها كانت تسمع أخباره , من رنا التي يكلمها يوميا , و التي كانت تتفاداها كلما رن الهاتف , كانت ملك تتهرب من سماع , خبر خطوبته و ارتباطه بتلك الشابة , و من يدري ربما عقد قرانه عليها و انتهى الأمر , ما الذي سيمنعه هو سبق و أن وقع عقدهما خلال ساعة ؟ ثم يبدو بأنه يعرف سالي تلك منذ مدة طويلة , فقد بديا منسجمين جدا يومها . لكنها لم تملك إلا أن تشعر بالسعادة , لأن رنا أخبرتها أن والدها , عائد في اليوم الموالي , فكل ما تريده الآن أن تراه بخير , لا يهم إن كان وحده أو تصحبه تلك المرأة , هي فقط تريد رؤية وجهه الذي تشتاقه حد الموت . كان موعد وصول علي في الثالثة , و كان الجميع في انتظاره كعادتهم , بمجرد دخوله البيت ركضت رنا و احتضنته بحرارة , أما ملك فقد وقفت بعيدا تراقب , و هي تحث نفسها على التحلي بالشجاعة , ان كانت تلك الشابة ترافقه , فعليها الانسحاب فورا , هي لن تتحمل رؤيتهما يتغازلان تحت أنظارها , أو يعلنان عن خبر ارتباطهما رسميا , قد تفقد عقلها في لحظتها . لكنها تنهدت بارتياح حينما قدم وحده , و لا أثر لسالي في الأنحاء , بدا وجهه أكثر انهاكا , مما كان عليه قبل مغادرته , و كأنه فقد بعض الوزن , أو ربما فقد بعض الروح . رغم أن ملك كانت جبانة و مترددة , الا أن علي كان أكثر جرأة منها , فبعد عناق رنا تقدم و أخذها في حضنه على حين غرة , دون حتى أن يعطيها فرصة للرفض , هو اشتاق لها كثيرا في غربته , و لم يتسن له حتى سماع صوتها لأيام , و قد ارتجف قلبه شفقة , لرؤية شحوبها و ملامحها المتعبة . استكانت ملك بين ذراعيه , و قد خارت كل مخططاتها , بتجاهله و الفرار من أمامه , و كيف تفعل و رائحة عطره تسكرها , أكثر مما يفعل أقوى مخذر , استغل علي الفرصة و أطال العناق , الذي أعاد بعض الحياة الى روحه الجافة , قبل أن يطلقها مرغما , و يقف يحدق الى وجهها بنظرات هائمة " كيف حالك ؟ " سأل باهتمام و بصوت أجش , و أجابت ملك باختصار و هي تشيح بعينيها " بخير أتعافى سريعا " فكر علي لثوان قبل أن يطلب منها أمرا لم تتوقعه , لكنه حضره منذ اللحظة التي غادر فيها من هنا " جهزي نفسك سنخرج للعشاء , لدي أمر هام أخبرك به " توقف قلب ملك عن النبض للحظات , قبل أن يعود للعمل من جديد , و هي تسمع نبرة الحزن في صوته , و ترى نظرة الجدية في عينيه " أكيد هو سيخبرها عن حقيقة علاقته مع سالي , عن زواجهما الوشيك و ترتيباته بخصوصه , فهو يعتقد أنها لا تعرف و يريد اعلامها , و إلا ما كان عرض عليها الخروج بمجرد وصوله , هل يعقل أنه سيطردها من منزله , لأن تلك الشابة طلبت ذلك قبل الزواج ؟ ألهذه الدرجة هما مستعجلان , للارتباط و الاقامة سويا هنا ؟ " كانت الأفكار الوحيدة التي راودتها حينها , و لم تملك ملك الا أن تراجعت خطوة الى الوراء , متحررة من حضن علي , الذي أصبح مغروسا بالشوك فجأة , و قد أدركت للتو أنه لم يعد من حقها , الارتماء بين ذراعيه أو الاستمتاع بحنانه , فهو الآن ملك امرأة أخرى . شعر علي هو الآخر بالألم , لأن ملك لم تغير رأيها بخصوصه , لا زالت تبقي مسافة بينهما , و تنسحب كلما عادت الى وعيها , و أدركت الوضع بينهما , و هو الذي اعتقد أن الأيام الماضية , قد جعلتها تعيد التفكير و تصفي ذهنها بخصوصه , لكن واضح أن عليه أن يمضي , في ما فكر فيه و خطط له , فلم يعد هناك بد منه . . . في السادسة صارت ملك جاهزة , و كعادتها تبقي الأمور بسيطة , كانت ترتدي سروالا لأول مرة منذ الحادثة المشؤومة , رغم أن الجرح قد شفي تقريبا , الا أن الندبة كانت ظاهرة جدا , لا يبدو بأنها ستختفي أبدا . وقفت ملك أمام المرآة , تحدق الى مكان الجرح مطولا , لم يكن يؤلم لكنه يحرق بعض الشيء , كلما لامسه خصر السروال , و لم تملك الا أن تشعر بالحزن مجددا , لفقدانها جزءا من أعضائها و تشوه جسمها , لكن بالتفكير في الأمر , لو عاد الزمن الى الوراء و تكرر الوضع , هي ستفعل نفس الشيء ألف مرة . هي ليست نادمة و لو بقدر ضئيل ، حتى و ان كان علي لا يحبها , و يريد الارتباط بامرأة أخرى , إلا أن فكرة موته ترعبها كلما افترضتها , و هي جاهزة في كل مرة , لأخذ رصاصة عنه دون تردد . أضافت ملك قميصا أبيض اللون و سترة خفيفة , لأن الجو بارد بعض الشيء في الخارج , و مناعتها لا تزال ضعيفة , أسدلت بعدها شعرها على كتفيها , ارتدت حذاءها المسطح و أصبحت جاهزة . بمجرد أن خرجت الى الصالون , وجدت علي يقف هناك ينتظرها , يضع يديه في جيبه و يحدق ناحيتها بترقب , كان يقف صامتا يراقب المرأة القادمة ناحيته , و يتمعن في ملامحها و كأنه يراها لأول مرة , و في كل مرة يجاهد نفسه , كي لا يخطو ناحيتها , و يأخذها بقوة الى حضنه . بمجرد أن أصبحت أمامه ابتسم لها , و مد يده ليعدل خصلة من شعرها " تبدين رائعة " قال معلقا على مظهرها , ابتسمت ملك هي الأخرى و ردت بهمس " شكرا " لوى علي ذراعه مشيرا لها بأن تتأبطه , ترددت ملك قليلا قبل أن تمد يدها و تضعها هناك , فقد لا تتاح لها الفرصة مستقبلا لفعل ذلك , لكنها لم تشعر بالغرابة كما في السابق , و كأن ذراعه هي مكان يدها الطبيعية . ربما بسبب تقاربهما مؤخرا , فقد زالت بعض الحواجز بينهما , حتى أنهما تشاركا السرير في وقت ما . غادر بعدها الاثنان في السيارة , حيث كان علي يقود , و كانت ملك تجلس الى جانبه بكل هدوء , و على غير ما توقعت , فقد كانت الوجهة بيت الشاطيء , بدل أحد المطاعم الفاخرة وسط المدينة . بدا واضحا أن علي يريد خصوصية كبيرة , من أجل ما يريد قوله , مما أشعرها بالرهبة أكثر . رغم توترها الكبير لم تمانع ملك التواجد في المكان , فهي كانت هنا مرتين سابقا و تشعر بالألفة فيه , و عليها أن تعترف أنها أحبت البيت , حتى حينما زارته في أسوء أحوالها . لم يقل أحدهما كلمة واحدة طوال الطريق , كان علي يركز أمامه , و كأنه يغرق في تفكير عميق , يستدير ناحيتها من وقت الى آخر ليبتسم لها , و كانت هي تراقب وجهه خلسة , و كأنها تحاول حفر ملامحه في ذاكرتها . بمجرد وصولهما أمام المدخل , نزل علي و فتح باب السيارة لها , ثم ساعدها على النزول بتأن قبل أن يفتح باب المنزل , و يدعوها الى الدخول أولا , دخلت ملك بخطوات متأنية , و كأنها تتوقع أن يكون أحد غيرهما هناك , ربما سالي من يدري ؟ لكنها تفاجأت بعلي يمسك يدها في يده الدافئة , و يقتادها ناحية الشرفة المطلة على البحر . بالوصول الى هناك رأت طاولة لشخصين , موضوعة في المنتصف مع كرسيين , و كانت الشراشف من الدانتيل , تغطي كل شيء تقريبا , معطية منظرا فخما للمكان . كانت هناك الكثير من الشموع المضاءة حول الطاولة , و فوقها باقة كبيرة من الورد , موضوعة في المنتصف وسط الأواني الفضية , انعكست أشعة الشمس التي آلت الى الغروب , على الرمال الذهبية هناك , معطية منظرا ساحرا للمكان , و قد بدا عشاءا رومانسيا على ضوء الشموع . بلعت ملك ريقها بصعوبة , و هي تحاول تهدئة قلبها الذي يدق بجنون , و تضم أصابعها لتمنع ارتجاف يديها , بقيت تقف مكانها تراقب بتوتر , لا تعرف ماذا عليها أن تفعل , حتى شعرت بعلي يمسك يدها مجددا , و يشير الى الطاولة بعينيه , تقدمت ملك بخطى متثاقلة , و كأنها تخشى الوصول الى هناك , و كأن الرجل يجرها الى مقصلة و ليس الى عشاء , و كان علي غافلا عن كل مشاعر القلق التي انتابتها , حينما أصبحا أمامها مباشرة , سحب لها علي كرسيا للجلوس , و لكنه بدل أن يجلس مقابلها هو الآخر , خلع سترته وضعها على كرسيه , و شمر كمي قميصه الى مرفقيه , و هو يرسل ابتسامات دافئة ناحيتها . كانت ملك تراقبه دون أن تفهم ما يحدث , حتى رأته يدنو من موقد عليه مشواة في الجانب "...." " هل سيطهو هذا الرجل المغرور من أجلها ؟ " يبدو بأنها ستصاب بنوبة قلبية هذه الليلة , بسبب تصرفات هذا الرجل الغريبة و المبهمة . لكن علي لم يقل شيئا , بل اقترب من الموقد , و بدأ في طهي قطعتي لحم , مع بعض الخضار بكل تمكن , كان يبدو ساحرا و مثيرا , و هو يقف مثل عارض أزياء , مع خصلة من شعره تداعب جبينه , و يداه تمسكان الشوكة و تتحركان بكل اتقان , لم تشح ملك عينيها العاشقتان عنه لثانية , فهذا الرجل لا يتوقف عن إثارة اعجابها , حتى و هو في أسوء حالاته , فيما يبدو أنه يجيد دائما ما يفعله . لم يطل علي الأمر كثيرا , فهو يريد الجلوس و التحديق في وجه ملك , و سماع صوتها في أقرب وقت ممكن , و ما لبث أن عاد مع صحنين لهما , هو لا يطبخ لنفسه إلا نادرا , و لم يطبخ في حياته , إلا لهذه المرأة التي خطفت قلبه . لو أخبره أحد قبل شهور , أنه سيأتي عليه يوم , يفعل كل ما بوسعه , لإرضاء شخص كرهه حد النخاع ما كان صدقه , لكن يبدو أن ما يقال عن الحب كله صحيح , فهو يسلب عقل صاحبه , قلبه و روحه و يجعله خاضعا . جلس الاثنان يأكلان في صمت , بعدما شغل علي موسيقى هادئة , لكنه كان ينظر في وجه ملك , أكثر مما ينظر في صحنه . " هل أعجبك ؟ " سأل بترقب بعد دقائق , و هزت ملك رأسها مبتسمة " لذيذ شكرا , لم أعرف أنك تجيد الطبخ " ابتسم علي هو الآخر , و أجاب بلهجة مغرية " أجيد الكثير من الأمور التي لا تعرفين عنها شيئا " احمر وجه ملك من نظراته الشغوفة , و نبرة صوته المثيرة , و سارعت لطأطأة رأسها , و الانغماس في أكل ما أمامها , متجاهلة الابتسامة العريضة للرجل , الذي يكاد يلتهمها بعينيه . " كيف كانت رحلتك ؟ " سألت ملك لتبديد الجو المريب بينهما " جيدة جدا شكرا , عقدت صفقة ناجحة , و وقعت عقدا هاما جدا " قال علي بحماس مشيرا الى أعماله , و ذهب عقل ملك الى عقد ارتباطه , و قد أصبح هوسها الجديد دون منازع , تيبست معه اللقمة في فمها , وضعت الشوكة و السكين من يدها , و لم تستطع اكمال طبقها . لم يصر علي عليها كثيرا , هو يعرف أن شهيتها ضئيلة , و سرعان ما أنهى هو الآخر طعامه , ثم مد يده و طلب منها " هل يمكن أن تشاركيني الرقص قليلا ؟ " استغربت ملك طلبه و ردت باحراج " لكنني لا أجيد الرقص " ضحك علي بخفة و شجعها " تعالي فقط ليس بالأمر الصعب , جربي و سترين " ترددت ملك قبل أن تمد يدها و تضعها في كفه , نهضت ببطء من مكانها , و هي تعرف أن هذا تمهيد لكلام أكثر جدية , و لا تملك إلا أن تنتظر ما الذي يريد قوله لها , اقتادها علي الى مكان فارغ الى جانب الطاولة , وضع يدها على كتفه و الأخرى في يده , و حاوط خصرها باليد الأخرى , و ما لبث أن سحبها نحوه بخفة , في حركة اختطفت أنفاسها , و أرسلت تيارا كهربائيا سرى على كل جسدها . ارتبكت ملك أكثر من حركته , و لم تعرف ما عليها فعله , حتى دنا منها علي أكثر , و همس في أذنها " فقط حركي رجليك مع الموسيقى " كان علي يتحرك بسلاسة , و ملك تحاول تقليد خطواته , و ما لبثا أن بدآ يرقصان بانسجام مع الموسيقى الساحرة , و قد استسلمت أخيرا بين يديه , كان الصمت يلف المكان , و كان الوقت و كأنه توقف هناك , تمنى علي البقاء هكذا لسنوات أخرى , لا يريد لملك أن تبتعد من بين ذراعيه , لأن هذا هو مكانها الطبيعي . ملك أيضا كانت تفكر , لو أن كل شيء حولهما يمحى , الماضي و الحاضر بكل مآسيهما , و يبقيان هنا ما تبقى من عمريهما , لكانت ستكون أسعد مخلوق على وجه الأرض , لكن الواقع لم يكن ليدع هذه السعادة تدوم كثيرا . كان علي أول من تحدث ، و قد كان صوته خافتا مترددا , بنبرة حزينة شبه مكتئبة , و لولا أنه همس أمام أذنها مباشرة ، لما سمعت ملك ما قاله " ملك أنا آسف " تفاجأت ملك لما قاله , و تراجعت قليلا الى الوراء , لتراقب وجه الرجل الذي رأت غطرسته و جبروته , أكثر مما رأت حنانه يعتذر منها , لكنها لم تفهم علام . برؤية الحيرة في عينيها , استرسل علي فيما يريد قوله " أعرف أنني كنت ظالما معك لوقت طويل , أعرف أنني آلمتك كما لم أفعل مع أحد يوما , لكنني فعلا آسف " لم يجد علي أكثر صدقا من هذه الكلمة , التي لم يقلها طوال حياته الا لهذه المرأة , لتعبر عن مدى ندمه على ما بدر منه , فهو آسف بقدر بعد السماء , و عمق المحيط و اتساع المجرة , و بقدر كل خلية في جسده , ترتل اسم ملك كل ثانية من عمره الباقي . لم تقل ملك حرفا واحدا , و قد أدركت أنه يعتذر , عما حصل معهما في بداية علاقتهما , و بقيت تحدق الى عينيه السوداوين , اللتين تذيبان قلبها و لا تجد ما ترد به , ربما لأنها شعرت ببعض الإحباط , فليست هذه الكلمات التي تود سماعها الآن . أضاف علي بصوت متأثر , و قد بدا الارتباك على محياه " أعرف أننا التقينا في ظروف سيئة , و قد استمر الأمر لوقت طويل جدا , لكن علينا وضع نهاية لكل هذا الآن " انقلبت معدة ملك و رفرف قلبها , حينما سمعت كلمة نهاية من فمه , و عادت هواجسها و مخاوفها ، التي راودتها في الأيام الأخيرة بقوة , لتتلاعب بعقلها و ادراكها . " هل يعني هذا أنه يطلب السماح , لينهي فترة الجنون التي حدثت معها , و يبدأ حياته بصفحات بيضاء ؟ هل أسفه هذا هو النهاية التي يتحدث عنها , يريدها أن تسامحه حتى يرتاح ضميره , و يواصل حياته الآتية بأريحية ؟ هل كل هذه التحضيرات الحميمة , مجرد محاولة منه لمراضاتها و جبر خاطرها ؟ هل سيخبرها الآن أنه يريد انهاء قصتهما , و إخراجها من حياته بكل تعقيداتها , ليبدأ حياته مع تلك المرأة ؟ هل هذا عشاؤهما الأخير ؟ " لم يكن بوسع ملك التفكير في غير هذا , لأنه لو كان يريدها معه و بقربه , لكانت كلمة أحبك بدل كلمة آسف , و لكانت البداية ما يتكلم عنها و ليس النهاية . شعرت ملك بغصة في قلبها , و بدأت دموعها تتزاحم في عينيها , هي بكت خلال الأيام الأخيرة , أكثر مما فعلت في حياتها كلها , و رغم أنها حضرت نفسها منذ مدة , لمواجهة لحظة الفراق هذه , إلا أن الأمر يبدو شاقا جدا و مؤلما , لكنها منعت نفسها من البكاء , هي لن تنهار الآن أمامه ، فقط لأنه اختار امرأة أخرى و ليس هي ، هو أصلا لم يعدها يوما بشيء , و لم يلمح حتى إلى إمكانية أن يبادلها المشاعر , كل ما شعرت به كان من طرف واحد , و هي الآن أكثر ثقة في ذلك . أخذت ملك نفسا عميقا , و أظهرت ابتسامة زائفة مرتجفة , ثم تراجعت قليلا الى الوراء منهية الرقصة , في هذه الأثناء كان علي يراقب بأمل , تماوج ملامحها على وجهها , يريد سماع ردها على اعتذاره , حتى يتسنى له أن يكمل ما خطط لقوله , و رغم أنها أخذت وقتا طويلا للتحدث , إلا أنه كان يقف هناك بكل صبر منتظرا . " هل حدثت والدتك ؟ " قالت ملك بنبرة باردة فاجأت علي , محاولة اخفاء ارتجافة صوتها " أكيد هو علم بعرض صفية , و هو لديه رأي آخر , و إلا ما كان أحضرها هنا , على جناح السرعة لانهاء الأمر , و لقطع الطريق على مخططات والدته , و ربما سيطلب منها أن ترفض هي من جهتها , حتى لا يضطر الى مواجهة معها " حدثت ملك نفسها محاولة تحليل الوضع , و لم تجد غير هذا مبررا لما يحصل , تغذيه وساوسها التي صارت تسيطر على عقلها . استغرب علي ذكر والدته الآن , و انتابه شعور سيء جدا , بأن ملك ستكرر على مسامعه ما قالته لصفية , و لم يجد الا أن وقف مكانه هو الآخر ، و حدق بحيرة الى عينيها هو حينما قال النهاية ، قصد الجفاء و البعد اللذين يعيشان فيه , أراد انهاء كل ذلك الجنون الذي عايشاه , ليحل محله علاقة مبنية على الحب و التفاهم , هو قصد أنه يريد بداية , حياة زوجية حقيقية معها على نوايا صادقة , و توثيق ذلك العقد المزور الى آخر شرعي و أبدي . لكنه لم يعرف فيم تفكر هذه المرأة أمامه ، رغم أنه يشعر برفضها في الأجواء . و لم تخيب ملك ظنه , حينما أجابت بكل ثبات , يناقض الانهيار القاتل داخل روحها " أعتقد أنني أخبرتها رأيي بوضوح , لذلك لا داعي لتكلفك العناء ، و فتح الموضوع معي مجددا " هي قصدت أنها وفرت عليه عناء اقناع والدته , بالعدول عن اقتراحها بأن أعطتها رفضها ، و هو فهم أنها مصرة على موقفها في رفضه . ارتجف قلب علي من صدمة اصرارها , و سرعان ما بادرها " ألم تغيري رأيك ؟ " لم يستطع علي منع نفسه , من طرح السؤال المنطقي الذي يفرض نفسه , و قد اختفى فجأة من عينيه , كل ذلك الحنان و الشغف اللذين أغرقاها , و حل محله البرود و القسوة , الذي تعودت ملك على رؤيتها سابقا . أشاحت ملك بعينيها , تتفادى رؤية النظرات التي تقتلها , و التزمت الصمت لأنها لا تضمن صوتها و لسانها فما الذي عليها اخباره الآن ؟ هل تتحدث عن طوفان المشاعر الذي يجتاحها , و يقودها الى الجنون بعيدا عنه ؟ أو تتوسله ألا ينهي الأمر معها , و يستمرا في كونهما زوجين , و تعده أنها ستبقى هنا من أجله , فيما هو لا يريدها ؟ بالنسبة لها الأمر مستحيل و غير قابل للنقاش , ليس و هو لم يقل شيئا , و لم يعرض شيئا من الأساس , هي بامكانها تحمل ألم فراقه القاتل , لكن ليس بامكانها تحمل , لحظة جفاء و ازدراء أخرى من طرفه . بالوصول الى هذه النقطة , خمنت ملك أنه حضر كل هذا , للاعتذار عن الاستمرار في ابقائها في بيته , و ربما الخبر القادم سيكون موعد عرسه على سالي , أكيد هو يريد طي الصفحة معها , لبدء حياته بكل هدوء مع المرأة المناسبة , حتى أنها صارت شبه متأكدة , أنه يريدها أن تنتقل للعيش هنا , الى أن يحين موعد رحيلها نهائيا , حتى يكون على راحته مع عروسه الجديدة . حاولت ملك قدر الإمكان , إخفاء ألمها و حزنها اللذين أطلا من عينيها , و أجابت بكلمة واحدة همسا " لا " شعر علي بأن أحدهم غرس سكينا في قلبه , و ضغط عليه الى أن مزق شرايينه , و هو يقف الآن ينزف و يحتضر أمامها , أرخى يديه اللتين تطوقان ملك أخيرا , بلع ريقه بعناء و هو يحاول التماسك أمامها , ثم سأل مجددا , ضاربا بعزة نفسه عرض الحائط , لأول مرة في حياته " لماذا ؟ " كان صوته هو الآخر هامسا , دون أي أثر لأية مشاعر , و كأنه تبلد و لم يعد يشعر بقلبه . ( لماذا لا تقبلين أن تكوني زوجتي و أم أطفالي ؟ ) أراد انهاء الجملة بصوت عال لكنه لم يقدر , أراد أن يمسكها من كتفيها , و يهزها علها تشعر بعذابه , لكنه صمت خشية أن يرتجف صوته , و تكتشف أن رفضها له يقتله , و أن حبها نقطة ضعفه . رفعت ملك رأسها بحزم , و قد حسمت معركتها الداخلية أخيرا , تأملت العينين اللتين تعشقهما , فقد تكون هذه فرصتها الأخيرة لرؤيتهما , ثم أجابت بكل بساطة " لأن الأمر مستحيل " صحيح أن الكذب بهذه الطريقة مؤلم , لكنه أقل إيلاما من الرفض الذي قد تسمعه , على الأقل هي من ينهي الأمر , دون أن تسمح له بايلامها , و دون أن تمنحه رضا اخراجها من حياته , لذلك ستخرج وحدها و بكرامتها , فراق برأس مرفوعة , خير من فراق بكرامة مهدورة , و هي خير من يعرف كيف ينفذ , هذا الرجل قراراته بكل صرامة و قسوة . هي لا يمكنها البقاء هنا , و مراقبته يحب امرأة أخرى , يدللها يمنحها قلبه و تنجب أطفاله , لن تقبل أن تعيش هي , على بعض مشاعر الشفقة ، و الشعور بالندم الذي يوفره , فيما تحظى أخرى بحبه و اهتمامه , لتبقى هي كمجرد مربية لابنته اليتيمة , فقط لأنه يريد التكفير عن ذنب ارتكبه , لا يعني أن تتألم هي بقية حياتها , و تتصدق بمشاعرها دون مقابل . إن كان هناك اختيار بين تركه و تحطيم قلبها , أو البقاء معه و الموت كل يوم بسبب الغيرة , فهي ستختار الرحيل دون تردد , و الذي أصبح وشيكا على كل حال , هي ستحرره من هذا العبء , و تحرر نفسها من هذا العذاب . " لم يبق سوى خمسا و ستين يوما , فاليوم أكملت الثلاثمائة يوم من أسرها , بعدها عليها أن ترحل دون أن تلتفت وراءها , لأن كل هذا سيكون مجرد كابوس سيء تتذكره يوما ما " فكرت ملك مرارا , و هي تحاول أن تهديء قلبها , و تواسيه للظهور مظهر الواثقة , هي لا تريد رؤية سخريته من مشاعرها في عينيه , يكفي كل الإذلال الذي حصلت عليه طوال الأشهر الماضية , إن كان علي يريد امرأة أخرى , فهي ستتمنى له كل السعادة نقطة الى السطر . قطع علي عليها تفكيرها حينما تنهد بعمق , و هو يحاول مراقبة التغيرات التي تطرأ على ملامحها , مع كل فكرة تتوارد على عقلها , استمرت ملك تنظر اليه , و قد أصبحت ملامحه جادة و باردة , تماما كاليوم الأول الذي التقته به . مقابلها فكر علي بعقلانية أخيرا , صحيح أنه يحبها و يتعب لفراقها , صحيح أنه لا يتصور حياته من دونها , لكن ليس بيده حيلة ، هو لم يتنازل يوما عن كرامته و عزة نفسه , كما حصل مع ملك , لكنه لا يستطيع اجبارها للبقاء معه و تقبل مشاعره , هو لن يعرف يوما حقيقة مشاعرها ناحيته , و هو يستمر باحتجازها هنا , فيما هي تنتظر الافراج . تحرك علي بقدميه المثقلتين بضعة خطوات , مبتعدا عن مجالها الذي يشوش تفكيره , أعطاها ظهره و هو يحدق بشرود , الى أمواج البحر المهتاجة , كمشاعره في هذه اللحظة , و التي لا تقل قتامة , في ظلمة الليل من وحدته القاتلة فجأة تبادر أمر آخر على عقله , أمر كان يتفادى التفكير فيه طوال الوقت " هل يعقل أن حبها لذلك الرجل , مازال قائما في قلبها , و ترفض التخلي عنه و خيانته ؟ أكيد مشاعرها ناحيته أقوى , من كل ما يغرقها به من حنان و حب , حتى تختاره هو بدلا عنه , لا شيء يفسر صدها القاسي له الا هذا " تنهد علي مجددا من أعماق قلبه , و قد أدرك أن الخطأ خطؤه منذ البداية , لأنه تدخل بينهما و حاول تفريقهما , هو كان يعلم أنها مرتبطة , ملك لم تكذب عليه يوما , رغم ذلك سمح لنفسه بالانجرار , خلف عاصفة مشاعره دون توقف , ليقع في غرام امرأة قلبها متعلق بغيره . هي قالتها سابقا و بوضوح , أنها لن تسامحه أبدا مهما توسلها , و أنها ستعود للزواج من ذلك الرجل , لأنها واثقة من حبه لها , و أنه سينتظرها و يتفهمها , قولها مستحيل عن علاقتهما الآن , لا يفسره إلا تعلقها برجل آخر , و هذا آخر ما حسب حسابه . استغلت ملك تشتيت انتباهه و هو يوليها ظهره , و مدت يدها لتمسح صورته من بعيد , و كأنها تحاول استذكارها قبل أن تحرم منها , ثم مسحت دمعة يتيمة , فرت رغما عنها من احدى مقلتيها , و كأنها توثق ألمها الأبدي منذ هذه اللحظة . وقف الإثنان بصمت لنصف ساعة , كل واحد منهما غارق في أفكاره الخاصة , قبل أن يبادر علي بصوت بائس " جيد اذا لنغادر " كان يصر على قبضتيه , و هو يحدق ناحية جيب سترته , أين يخفي خاتما اشتراه من أجلها , و ما لبث أن خطا عائدا الى داخل البيت , تاركا ملك تقف مكانها هناك . أخرج بعدها هاتفه و اتصل " أنا قادم " هو حضر هذا العشاء كفرصة أخيرة لهما , ليعرض عليها مشاعره و الزواج منه , أو بالأحرى الزواج منه حقيقة و ليس خداعا , كان يريد أن يسرد عليها ، نذور قلبه و وعوده بالسعادة الأبدية , لكنها لم تدع له مجالا , بصدها و استمرارها في رفضه بقسوة , و هو لا يمكنه فرض الأمر عليها , اذا كان يحبها حقيقة فعليه أن يسمح لها , بالبحث عن سعادتها و الاستمتاع بها . بعد نصف ساعة حركت ملك رجليها هي الأخرى و لحقت به , حيث كان علي يجلس خلف المقود في السيارة في انتظارها , و دون حتى أن يلقي نظرة واحدة أخرى اتجاهها , جلست ملك مكانها و وضعت حزام الأمان , و انطلقت بعدها السيارة في صمت تام و حزن عميق . . . كانت الساعة تشير الى العاشرة ليلا , حينما ركن علي سيارته في مرآب المطار , بمجرد أن أوقف المحرك فتح الباب و نزل , متجاهلا النظرات المستغربة من ملك , التي لم تتردد للنزول خلفه ، و اللحاق به الى بهو المطار , و لم تجد فرصة للسؤال , الا حينما أصبحا أمام مكتب التسجيلات . " علي هل سنستقبل أحدا ؟ هل علياء قادمة ؟ " سألت ملك بتأمل كبير , فقد أصبحت علياء صديقة مقربة لها , و لربما وجودها هنا قد يخفف بعض التوتر , الحاصل بينها و بين علي . لم يقل علي شيئا لدقائق , و هو يحاول أن يأخذ أنفاسا عميقة , يطأطئ رأسه محدقا في الأرض , رفع بعدها وجهه ناحيتها , و حدق بعمق الى عينيها , ثم قال ما فكر فيه بنبرة كئيبة " لن نستقبل أحدا , أنت من سيغادر , طائرتك بعد ساعة " و أشاح بعينيه مباشرة محاولا اخفاء حزنه , اتسعت عينا ملك عن آخرها ، و هي لا تصدق ما سمعته " هل هذا الرجل جاد , أو أنها مجرد مزحة سخيفة من طرفه ؟ " تساءلت بينها و بين نفسها قبل أن تبادره " لكن ألم يبق شهرين حتى موعد مغادرتي ؟ " سألت ملك دون حتى أن تدرك , أنها تقف و تناقش في أمر رحيلها , بدل أن تطير فرحا لسماع الخبر . قابل علي سؤالها بصمت تام , لكنها استدارت حوله و أصبحت مقابله تماما , لتكرر استفسارها بنبرة مستنكرة " علي أنا أكلمك هل أنت جاد ؟ " و قد كانت تحدق ناحيته , بتلك النظرة الحائرة التي توهن دفاعاته . أغمض علي عينيه لثوان قبل أن يفتحهما , و يفعل ما يرغب في فعله , منذ وقعت عيناه على ملك أول مرة , طوق خصرها بيد و وضع الأخرى على وجنتها , و خلال ثوان كانت شفتيه على شفتيها , شعرت ملك بالصدمة لتصرفه , هذه ثاني مرة يقبلها فيها هذا الرجل , أو بالأحرى هذه المرة الثانية , التي تحصل فيها على قبلة في حياتها , لكن هذه مختلفة جدا و مخيفة , الأولى كانت سريعة دافئة و مراعية , أما هذه فعنيفة مليئة بالشغف و متمردة , و كأن علي يريد قطعة من روحها فيها . لم تطل ملك الأمر حتى أغمضت عينيها , و مدت يديها لتتعلق بسترته , بعدما وهنت ركبتاها و لم تعودا تحملانها , و قد قررت الاستسلام لمشاعرها فقط لمرة واحدة , حتى أنها نسيت ما قاله قبل قليل عن رحيلها . استمرت القبلة لدقائق , بث فيها علي كل ما يختلج في صدره , و كادت أنفاس ملك تتوقف خلالها , و كأن الرجل يحاول أن يأخذ هدية الوداع منها , بطريقته الخاصة بكل لهفة و ألم , و قد انعزلا في عالمهما الخاص , غير مباليين بمئات الأعين التي تحدق بهما , بفضول و استغراب في بهو المطار . لم يقطع وصلة العشق هذه إلا صوت كريم , الذي دنا منهما أخيرا و كلم صديقه " علي " ابتعد علي أخيرا مرغما , و هو يحاول التقاط أنفاسه , فتح عينيه و وضع جبينه على جبين ملك , التي ما زالت تحت تأثير ما حصل , مغمضة عينيها محاولة استيعاب الموقف , و كانت هي الأخرى تحاول تمالك نفسها , و الاستمرار في الوقوف على رجليها . و ما لبث كريم أن تكلم مرة أخرى بامتعاض ظاهر " أتممت الحجز و أرسلت الحقائب , على السيدة الدخول الى قاعة الركوب الآن " هز علي رأسه موافقا , و تراجع كريم قليلا الى الوراء , معطيا لهما بعض الخصوصية لثوان اضافية , و محاولا منع الحضور من التطفل عليهما , أو التقاط صور لهما . طوق علي ملك بذراعيه مجددا , محتضنا اياها بقوة الى صدره ، و محاولا اقناع نفسه بتركها ترحل , رغم أن قلبه يخبره ألا يفعل , خاصة أنها تتعلق الآن بسترته كطفل صغير تائه , و تحدق إليه بعينيها العسليتين بتشوش كبير , لكن عقله كان يعارض . بعد دقائق معدودة حزم علي أمره , دنا من أذنها و همس لها " أعرف أنك تعتبرين عقد زواجنا مزيفا , لكن الله يشهد أنني , لطالما اعتبرتك زوجتي الحقيقية " صمت قليلا ثم أضاف بصوت حزين , ظهرت عليه بوادر الانهيار " ملك أنت طالق " قالها و كأن روحه خرجت بخروجها من بين شفتيه . ضمها بعدها لثانيتين اضافيتين , ثم طبع قبلة أخيرة على جبينها , ليطلقها فجأة و يستدير مغادرا , دون حتى أن يلقي نظرة أخيرة على وجهها , هو وعد نفسه في طريقه الى هنا , أن يتقبل الأمر كرجل شجاع , و أقنع نفسه أنه لا يجوز له , التعلق بامرأة لا تحبه , لكنه لم يستطع منع نفسه , من احتضانها لآخر مرة , فقد لا يراها بعد هذه اللحظة , و هذا بالذات ما يكاد يقتله . غادر علي بعدها سريعا , و كأنه يفر من شيء ما , لكنه كان بالفعل يهرب من نفسه , مانعا إياها من جر ملك من يدها , و العودة الى بيتهما , و منعها من المغادرة نهائيا , لكنه يعرف أن هذا ليس من حقه , هو تصرف بأنانية لوقت طويل جدا , و عليه التوقف الآن . وقفت ملك مكانها متيبسة , تراقب الرجل الذي كان يغرقها حبا قبل لحظات , يعطيها ظهره و يغادر متخليا عنها , و قد اختفى خياله سريعا بين الحشود , فجأة غرقت في ظلام دامس , رغم الإنارة التي تملأ المكان , و اعترتها برودة من رأسها الى قدميها , و كأن أحدهم ألقاها في بحر من الجليد . كانت ملك تشعر أنها وحيدة و مهملة ، و كأنه شعور قاتل باليتم , شعور سيء و مؤلم جدا , يشبه ما أحست به يوم , أدار والدها لها ظهره و غادر , تاركا إياها في بيت علي . تحجرت الدموع في عينيها و ارتجفت يداها , و لم تفق إلا على صوت كريم يكلمها بنبرة حزينة " سيدتي أوراقك " رفعت ملك عينيها الضائعتين , و حدقت بشرود في وجه الرجل الواقف أمامها , و الذي كان ينظر لها بقلق بسبب شحوبها الشديد , لكن لا شيء بيده يفعله لتخفيف الألم . نظرت بعدها الى يده , التي تحمل جواز سفرها , مع تذكرة طائرة داخله , بلعت ملك ريقها , ثم مدت يدها المرتجفة و أخذتها منه , لكنها لم تبرح مكانها , إلا بعدما كلمها جمركي الحجوزات " سيدتي تقدمي لو سمحت , حان وقت الركوب " كان هذا النداء الأخير لدخول صالة الانتظار , و قد أدركت ملك الآن فقط أن كريم أيضا , لم يعد يقف أمامها و غادر هو الآخر , نظرت ملك حولها كشخص تائه , لا يعرف الى أين يذهب , تقدمت بعدها بخطوات بطيئة , و مترددة ناحية باب القاعة . بمجرد أن أصبحت أمامه , استدارت و ألقت نظرة أخيرة , على الاتجاه الذي غادر منه علي , فلربما يعود الرجل الذي أخذ قلبها , ليحتضنها مجددا و يعيد إليها روحها . أمام شرودها مجددا تقدم منها الجمركي , و استعجلها للدخول خشية أن تفوتها الرحلة ، فما كان منها إلا الامتثال و ركوب الطائرة , هي لم يعد لديها مكان هنا تعود إليه , ما اعتبرته يوما بيتها أخرجت منه , و جرت الى هنا و كأنها مطرودة ، فذلك البيت صارت له سيدة أخرى . في الطرف الآخر علي الذي غادر هاربا , بمجرد أن ركب سيارته , أدار المحرك و انطلق بسرعة البرق , فهو لا يثق في رجليه اللتين , قد تقتادانه عائدا الى حيث حبيبته , قاد مبتعدا عن المطار قدر الإمكان , و لكنه توقف فجأة حينما أصبح في محيطه , و حدق في الأجواء بترقب , دون أن يغادر سيارته . جلست ملك مكانها في الطائرة , حيث كان حجزها في الدرجة الأولى , و على مقربة منها كانت هناك عجوز مسنة , تحمل مصحفا و تقرأ فيه , ألقت ملك نظرة أخيرة على المكان , و هي لا تصدق أنها تغادر أخيرا , و قد كانت تسأل نفسها " أليست هذه هي اللحظة , التي قاتلت من أجلها منذ البداية ؟ أليس هذا ما أرادته بشدة , و دعت من أجله في كل صلواتها ؟ أليس هذا هو الأمل , الذي صبرت من أجله ليتحقق , و تستعيد حياتها و حريتها ؟ لم تشعر إذا و كأن أحدهم , اجتث قلبها من مكانه , و أنها تركت روحها هنا ؟ لم تشعر بالحزن و الاكتئاب بدل الشعور بالسعادة ؟ " لم تدر ملك بنفسها إلا و دموعها , تغرق وجهها مع أول ثانية اقلاع . " ابنتي هل أنت بخير ؟ " سألتها العجوز التي تجلس قربها , لكن ملك هزت رأسها بالنفي " لا , أشعر أنني أموت " قالت و هي تضغط بيدها بشدة على مكان قلبها . و انخرطت في نوبة بكاء حادة , جمعت حولها كل طاقم الطائرة , الذي لم يجد طريقة لتهدئتها , و هي تغرس رأسها بين يديها و تبكي بحرقة . بمجرد أن لمح علي الطائرة تحلق بعيدا عن المدرج , آخذة قلبه معها و مختطفة حب حياته , حتى نزلت دمعتان من عينيه , و ما ان اختفت من الأجواء , حتى حنى رأسه على المقود أمامه , و بكى بحرقة كما لم يفعل منذ جنازة والده , ففقدان ملك كان أكثر إيلاما , من أي أمر آخر حتى الموت . انتهت الليلة الثلاثمائة , بمشهد مؤلم منقسم الى صورتين , احداهما في الأرض و الأخرى في السماء ، و القاسم الوحيد بينهما الدموع و الضياع . أصعب بارت كتبته منذ بداية الرواية ، أتعبني نفسيا 😔😢 . 💔💞💞 ....... | ||||
18-01-21, 11:32 PM | #2200 | ||||
| أشكرك كثيرا على هذا الفصل المؤلم، لكنني صراحة لم أقتنع به كثيرا، لماذا؟ سأجيبك لأنني لم أجد فيه شيئا من صراحة علي و لا من عقلانية ملك، علي بالنسبة لي لم يصرح بشاعره لملك و هو لم يعلن ذلك بوضوح لتزيد ملك الطين بلة برفضها. فماذا عرض علي لترفض ملك؟ بالنسبة لي الشيء الذي كان حاضرا بقوة هو الكبرياء، ثم أين تحمل علي لمسؤوليته تجاه عائلة ملك و هل أن ما فعله برأيك يترجم مشاعر الحب، أعتقد أن علي بهذا التصرف أثبت أنانيته لأنه تملص من ملك و تركها تواجه عائلتها وحدها، تمنيت أن يصرح علي بمشاعره مباشرة و يكون رفض ملك كما ذكرنا سابقا ما بني على باطل فهو باطل و الكرامة أهم من الحب، بمعنى الرفض للعلاقة الحالية بظروفها الخاصة و التأسيس لعلاقةمتينة و صلبة. | ||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
ملك-علي ، تملك ، كره-حب ، زواج ، طبيبة ، سوء فهم, الجزائر-دبي ، |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|